وَهمان للحافظ ابن رجب الحنبلي في موضع من كتابه ((جامع العلوم
والحكم)).
بقلم: خالد الحايك.
قال ابن رجب أثناء شرحه لحديث:
((لا ضرر ولا ضِرار)) (2/208) [طبعة الشيخ شعيب الأرنؤوط]: "وأما ابن ماجه
فخرّجه من رواية فضيل بن سليمان، حدثنا موسى بن عقبة، حدثنا إسحاق بن يحيى بن
الوليد، عن عبادة بن الصامت: ((أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن لا ضرر
ولا ضرار)). وهذا من جملة صحيفة تروى بهذا الإسناد. وهي منقطعة مأخوذة من كتاب،
قاله ابن المديني وأبو زرعة وغيرهما. وإسحاق بن يحيى قيل: هو ابن طلحة، وهو ضعيف
لم يسمع من عبادة، قاله أبو زرعة وابن أبي حاتم والدارقطني في موضع. وقيل: إسحاق
بن يحيى بن الوليد عن عبادة، ولم يسمع أيضاً من عبادة، قاله الدارقطني أيضاً.
وذكره ابن عدي في كتابه الضعفاء، وقال: "عامة أحاديثه غير محفوظة". وقيل:
إنّ موسى بن عقبة لم يسمع منه، وإنما روى هذه الأحاديث عن أبي عياش الأسدي عنه،
وأبو عياش لا يُعرف". انتهى كلامه.
·
الوهم الأول:
قوله: "قيل: هو ابن طلحة،
وهو ضعيف لم يسمع من عبادة، قاله أبو زرعة وابن أبي حاتم والدارقطني في
موضع".
قلت: هو إسحاق بن يحيى بن الوليد
باتفاق، وليس لإسحاق بن يحيى بن طلحة مدخل هنا. ولم يذكر أحد أن لإسحاق بن يحيى بن
طلحة رواية عن عبادة!
وقوله بأن أبا زرعة قاله فيه نظر!
وكأن الوهم في الأصل من ابن أبي حاتم! فإنه ذكر في ((المراسيل)) (ص21) فيمن اسمه
إسحاق: "إسحاق بن يحيى بن طلحة: قيل لأبي زرعة: إسحاق بن يحيى بن طلحة عن
عبادة؟ قال: روى (كذا؟) الفضيل بن سليمان وأبو أمية بن يعلى، وهي مراسيل".
قلت: وأكبر ظني أن ابن أبي حاتم
وهم في هذا! فأبو زرعة سئل عن أحاديث إسحاق ابن يحيى، فظن ابن أبي حاتم أنه ابن
طلحة، فترجمه هكذا في كتابه، وتبعه على ذلك ابن رجب ونسب هذا القول لأبي زرعة!
وإنما أراد أبو زرعة إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة عن عبادة، ولهذا ذكر رواية
الفضيل وأبي أمية بن يعلى لحديثه، وقد وقع سقط وتحريف في المطبوع من كتاب
المراسيل؛ لأن الذي يروي عن إسحاق هذا هو موسى بن عقبة، ويروي عن موسى: الفضيل
وأبو أمية.
أما حديث الفضيل عن موسى فمشهور.
وأما حديث أبي أمية بن يعلى فرواه الدارقطني في ((سننه)) (4/202) من طريق شيبان، قال:
حدثنا أبو أمية بن يعلى، قال: حدثنا موسى بن عقبة، عن إسحاق بن يحيى، عن عبادة بن
الصامت: أنّ عبدالله بن فلان -نسي شيبان اسمه- أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله، كلّ شيء هو لي فهو صدقة إلا فرسي وسلاحي. قال: وكانت له أرض فقبضها
رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلها في الأوفاض أو الأوقاص، فجاء أبواه فقالا: يا
رسول الله صلى الله عليه وسلم، أطعمنا من صدقة ابننا، فوالله ما لنا شيء، وإنا
لنطوف مع الأوفاض، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعها إليهما، فماتا فورثها
ابنهما الذي كان تصدق بها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله،
صدقتي التي كنت تصدقت بها فدفعتها إلى والدي فماتا، أفحلال هي لي؟ قال: نعم، فكلها
هنيئاً مريئاً.
قال الدارقطني: "وهذا مرسلٌ.
إسحاق بن يحيى ضعيف، ولم يدرك عبادة. وأبو أمية ابن يعلى متروك".
وقد وهم مغلطاي في هذا أيضاً!
فإنه ذكر في ترجمة ((إسحاق بن يحيى بن طلحة)) من ((الإكمال)) (2/119): "وفي
كتاب المراسيل لعبدالرحمن: قيل لأبي زرعة: أحاديث إسحاق بن طلحة عن عبادة؟ فقال:
رواها أبو أمية بن يعلى، والفضيل بن سليمان، وهي مراسيل".
وقد تَبع مغلطاي في هذا ابن أبي
حاتم فأخطأ.
·
الوهم الثاني:
قوله: "قيل إن موسى بن عقبة
لم يسمع منه، وإنما روى هذه الأحاديث عن أبي عياش الأسدي عنه، وأبو عياش لا
يعرف".
قلت: وهذا وهم شديد منه –رحمه
الله-. فإنّ موسى بن عقبة هو ابن أبي عياش الأسدي، وقد جاءت بعض الروايات كما هو
عند البيهقي في ((السنن الكبرى)) (5/326) من طريق فضيل بن سليمان، قال: حدثنا موسى
بن عقبة بن أبي عياش الأسدي، قال: حدثني إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة بن
الصامت، عن عبادة بن الصامت.
والذي حصل لابن رجب –رحمه الله-
أنه تحرّف في بعض الأسانيد "بن" فصارت "عن" كما هو في مطبوع
((السنن الكبرى)) للبيهقي (6/109) من طريق فضيل بن سليمان، قال: حدثنا موسى بن
عقبة، عن أبي عياش الأسدي، قال: حدثني إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت،
عن عبادة بن الصامت.
وبسبب هذا التحريف صار الراوي عن
إسحاق هو أبو عياش، فجهّله ابن رجب. ولم أجد محققا الكتاب الشيخ شعيب وإبراهيم
باجس قد نبها إلى هذا الوهم! وكذلك الشيخ طارق عوض الله في نسخته التي حققها لهذا
الكتاب.
والحمد لله على نعمه الكثيرة.
11
محرّم 1429هـ.
شاركنا تعليقك