ضبط
أسماء الكتب.
بقلم خالد الحايك.
لا شك أن من أهم الأعمال التي
ينبغي أن يقوم بها المحقق هو: ضبط اسم الكتاب الذي يحققه. وهذه مسألة قلّما يتنبه
لها المحققون المعاصرون. ومن أمثلة ذلك:
أولاً: كتاب ابن الأثير في
الصحابة.
سمعت أثناء دراستي الأكاديمية من
أحد الأساتذة أن اسم كتاب ابن الأثير في الصحابة هو: ((أَسَدُ الغابة في معرفة
الصحابة)) –بفتح الهمزة والسين-! وكان هذا مفاجئاً لنا نحن الطلبة! لأن
المعروف عندنا أن اسم الكتاب هو: ((أُسْدُ الغابة في معرفة الصحابة)) –بضم
الهمزة وسكون السين-.
وكانت وجهة نظر الشيخ أنه لا
يستقيم جمع أَسَد مع معرفة الصحابة؛ فكيف يكون جمع أسد مع جمع الصحابة! فكان لا
بدّ من إفراد كلمة أسد، فيكون الصواب: أَسَد الغابة في معرفة الصحابة!
قلت: وهذا فيه نظر من عدّة وجوه:
1- أن هذا العنوان بالإفراد فيه
حظ للنفس! والعلماء يتورعون في ذلك. فكأن المصنف –رحمه الله- وصف نفسه بأنه هو أسد
الغابة الذي يُعرّفك بالصحابة! وهذا بعيد عن هذا العالِم الجليل. وكتابه هو جمع
لمن ألف في الصحابة من قبله، فكيف يمدح نفسه؟!
ومثل هذا كتاب الحافظ ابن حجر
((التلخيص الحبير)) فإن بعضهم سماه ((تلخيص الحبير)) أي مؤلفه هو الحبير، وهذا
بعيد من ابن حجر –رحمه الله- يصف نفسه بهذا –مع أننا نقر بأنه حبير وألف حبير-؛
ولكن يبعد أن يصف نفسه بذلك، ولذلك فالصواب في اسم الكتاب: ((التلخيص الحبير)).
ولهذا يقول أهل العلم عندما ينقلون منه: قاله في التلخيص.
2- كيف يستقيم الإفراد مع نقل بعض
أهل العلم من الكتاب وعزوهم ذلك، فيقولون: "ذكره ابن الأثير في الأسد"!
فلا يستقيم بالفتح، وإنما بالضم.
3- إنّ ما أشكل على الدكتور هو ما
جاء في اسم الكتاب: ((معرفة الصحابة))، وبهذا ذكره بعض أهل العلم، وكأن الصواب هو:
((أسد الغابة في أسماء الصحابة))، وبهذا ذكره الحافظ ابن كثير ((البداية والنهاية))
(6/294). وجاء على غلاف كتاب محمد بن محمد الكاشغري الذي اختصر الكتاب: ((مختصر
أسد الغابة في أسماء الصحابة)). [مخطوط بمكتبة تشستربيتي/دبلن، رقم 3213).
ومما يؤيد الجمع في ((أسد)) ما
جاء في مختصر الكاشغري هذا (ورقة 2) في مقدمة الكتاب ضبط كلمة أسد هكذا: ((أُسْد))
بسكون السين، وضم الألف. قال الكاشغري: "استخرت الله الكريم ربّ العالمين في
اختصار أُسْد الغابة للإمام عِزّالدّين ابن الأثير جزاه الله خير الجزاء وأثابه
سائلاً من الله الإعانة...".
ويؤيده أيضاً ما جاء في أشعار
العرب:
- قال بشر بن الأجذع الهمداني كما
في ((تاريخ الطبري)) (3/593):
إني أعيذك بالرحمن من نفر حُمر السّبال كأُسْد الغابة
السّود
فرسان شيبان لم نسمع بمثلهم أبناء كلّ كريم النجل صنديد
شدوا على ابن حصين في كتيبته فغادروه صريعاً ليلة العيد
- وقال السلطان أبو العباس كما في
((صبح الأعشى)) (5/111) (من البسيط):
انظر إلينا تجدنا ما بنا دهش وكيف يطرق أسد الغابة الدهش
لا تعرف الحادث المرهوب أنفسنا فإننا بارتكاب الموت ننتعش
ثانياً: كتاب الخطيب في المدرج.
كنت أناقش أحد الأخوة من فترة
وجيزة حول كتاب الخطيب البغدادي ((الفصل للوصل المدرج في النقل))، فأخبرني
هذا الأخ أن الشيخ الدكتور عبدالسميع الأنيس، وهو محقق الكتاب، يرى أن ضبط اسم
الكتاب هو: ((الفِصَل للوِصل المُدْرَج في النَّقْل))! فعجبت من هذا! لأن المعروف
عندنا غير ذلك! وهذا لم يذكره الدكتور في مقدمة تحقيقه! وكان الأولى ذكر ذلك في
مقدمته لأن ذاك موضع تحريره!
قلت: وهذا الذي قاله الدكتور
عجيب! فإنّ المعروف أن اسم الكتاب: ((الفَصْل لِلوَصْل المُدرج في النَّقْل)).
وقد رجعت إلى كتب اللغة فلم أجد
إشارة من أهل اللغة تساعد الشيخ فيما قاله!!
جاء في ((لسان العرب)) (11/521):
"الفَصْل بَوْنُ ما بين الشيئين. والفَصل من الجسد: موضع المَفْصِل".
وقال ابن سيده: "الفَصْل الحاجز بين الشيئين، فَصَل بينهما يفصِل فَصْلاً
فانْفَصَل، وفَصلْت الشيء فانفَصَل، أي قطعته فانقطع".
وجاء في باب وصل (11/726):
"وصل: وَصَلْت الشيء وَصْلاً وَصِلةً، والوَصْلُ ضدُّ الهِجران". قال
ابن سيده: "الوَصْلُ خلاف الفَصْل. وَصَل الشيء بالشيء يَصِلُه
وَصْلاً...".
ويقال: "اتّصل الشيء بالشيء:
لم ينقطع".
ويؤيد أن ضبط اسم الكتاب:
((الفَصْل لِلوَصْل المُدرَج في النَّقْل)) أمور:
1- ما جاء من كلام الخطيب في
الكتاب نفسه:
- قال رحمه الله (1/218): "وإنما
الفصل في ذكر من مات مشركاً قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، والفصل الثاني في
ذكر من مات غير مشرك".
- وقال في (1/484): "ولم يسمع
هشام جميعه من أبيه، وإنما سمع منه الفصل في عرض الأمرين".
2- عادة أهل العلم من المحافظة
على السجع في العنوان. فإننا متفقون على أن ضبط ((النَّقْل)) هو بالفتح ثم السكون،
ولا يتفق مع هذا إلا أن تكون الفصل والوصل بفتح ثم سكون.
ولابن حزم كتاب ((الفِصَل في المِلل
والأهواء والنِّحل)) فهو متفق مع سجع العنوان. وقد جاء في طبعة الكتاب بعد اسم
الكتاب: "الفصل بكسر ففتح جمع فصلة بفتح فسكون -كقصعة، وقصع- النخلة المنقولة
من محلها إلى محل آخر لتثمر".
قلت: نعم هذا المعنى صحيح، ولكنه
لا يتفق مع موضوع كتاب الخطيب؛ لأن ما جاء في مسألة النخلة هو نقل الشيء من مكان
إلى آخر، وأما موضوع كتاب الخطيب فهو تمييز ما جاء في الأحاديث من كلام ليس للنبي
صلى الله عليه وسلم، وكوننا ميزناه وفصلناه من الحديث لا يعني الاستغناء عنه.
قال ابن منظور في ((لسان العرب))
(11/523) في مادة فصل: "والفَصْلة: النّخلة المنقولة المحوَّلة، وقد
افْتَصَلها عن موضعها؛ هذه عن أبي حنيفة. وقال هجري: خير النّخل ما حوّل فسيله عن
منبته، والفَسيلة المحوّلة تسمى الفصْلة، وهي الفَصْلات، وقد افتصلنا فَصْلات
كثيرة في هذه السنة أي حوّلناها".
3- لابن حبان كتاب سماه ((الفصل
بين النقلة)) وهو في الرواة الفصل بين رواة الأحاديث.
وكتب:
خالد الحايك.
14
محرّم 1429هـ.
شاركنا تعليقك