نموذج
من تحقيقات المعاصرين (الشيخ حسين سليم أسد).
بقلم: خالد الحايك.
قال أبو يعلى الموصلي في
((مسنده)) (10/509): حدثنا أبو كُريب، حدثنا أبو أسامة، عن مفضل بن يونس، عن
الأوزاعي، عن أبي يسار القرشي، عن أبي هاشم، عن أبي هريرة: أنّ النبي صلى الله
عليه وسلم أُتي بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء! فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:
((ما بالُ هذا؟)). فقيل: يا رسول الله، يتشبه بالنساء، فأمر فنفي إلى النَقيع.
فقالوا: يا رسول الله، ألا نقتله؟ فقال: ((إني نُهيت عن قتل المصلين)). قال أبو
أسامة: "والنَقيع ناحية عن المدينة، وليس بالبَقيع".
قال المحقق الشيخ حسين سليم أسد:
"أبو يسار القرشي روى عنه الليث بن سعد، والأوزاعي، وجهله أبو حاتم.
نقول: إن جهل أبي حاتم لا يضر فقد
جهل عدداً من رواة الصحيح منهم أحمد بن عاصم، وبيان بن عمرو...
وقال الذهبي في ((الميزان))
4/588: "قلت: قد روى عن أبي يسار إمامان: الأوزاعي، والليث، فهذا شيخ ليس
بضعيف...". وباقي رجاله ثقات. وأبو هاشم الدوسي ترجمه البخاري 9/80 ولم يورد
فيه جرحاً ولا تعديلاً، وتبعه على ذلك ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) 9/453.
وقال العجلي في ((تاريخ الثقات)) ص (513) برقم (2059): "أبو هاشم الدوسي،
تابعي ثقة)). ومفضل بن يونس هو الجعفي.
وأخرجه أبو داود في الأدب (4928)
باب: في الحكم على المخنثين – ومن طريقه أخرجه البيهقي في الحدود 8/224 باب: ما
جاء في نفي المخنثين – من طريق هارون بن عبدالله ومحمد بن العلاء بهذا الإسناد.
ويشهد له حديث أبي بكر المتقدم
برقم (88) وهناك ذكرنا له شواهد أخرى". انتهى كلام المحقق.
قلت: هذا كلام غير محقَق من هذا
المحقِق:
1- إن أول ما يبدأ به المحقق
ينبغي أن يكون تخريج الحديث، لا تخريجه بعد الكلام على رواته!
2- فات المحقق تخريج الدارقطني
له. فإنه أخرجه في ((السنن)) (2/54) من طريق الحسن بن الربيع وحميد بن الربيع، عن
أبي أسامة، به.
3- ظاهر تصرفه قَبوله لهذا الحديث! وهو حديثٌ
منكر! وقد قال ذلك الإمام الذهبي في الموضع نفسه الذي نقل منه الشيخ! قال الذهبي:
"أبو يسار (د) عن أبي هاشم عن أبي هريرة: إسناده مظلم لمتن منكر".
قلت: فإذا كان الإسناد مظلم، فكيف
يكون رجاله ثقات كما زعم الشيخ؟!
4- ردّه على أبي حاتم في تجهيله
لأبي يسار غير منطقي! ولا يَرِدُ عليه قول من قال بأن أبا يسار روى عنه الأوزاعي
والليث؛ لأن ذلك لا يصح كما سيأتي.
5- توثيق العجلي لا يعتد به؛ فإنه
يوثق المجاهيل والمجروحين.
6- نقل الشيخ موضع وجود ترجمة
البخاري وابن أبي حاتم لأبي هاشم، ولكنه لم يفقه الترجمة؛ لأن فيها إشكالات لا
تساعده في تقويته لإسناد الحديث.
7- لم ينقل الشيخ قول الأئمة في
أبي هاشم كقول ابن حجر والذهبي وغيره.
8- الشاهد الذي ذكره برقم (88) عن
أبي بكر في نهيه صلى الله عليه وسلم عن ((ضرب المصلين))، وحديثنا عن ((قتل
المصلين))! ومع هذا فإن الحديث الذي أشار إليه باطل، وشواهد لا يقوم بها حجة، فهي
منكرة أيضاً.
هذه ملاحظات مجملة، والكلام على
هذا الحديث كالآتي:
أقول: سُئل الدارقطني عن هذا
الحديث في ((العلل)) (11/230)، فقال: "يرويه الأوزاعي. واختلف عنه: فرواه مُفضل
بن يونس عن الأوزاعي عن أبي يسار القرشي عن أبي هاشم عن أبي هريرة. وخالفه عيسى بن
يونس، فرواه عن الأوزاعي عن بعض أصحابه: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم".
قال الدارقطني: "وأبو هاشم
وأبو سيار مجهولان، ولا يثبت الحديث".
قلت: عيسى بن يونس بن أبي إسحاق
السبيعي أوثق من المُفضَّل بن يونس، ولم يأت ذكر أبي يسار وأبي هاشم إلا من طريق
المفضل، وحديث عيسى أصح منه.
وقد ترجم البخاري وابن أبي حاتم
لأبي هاشم الدوسي وذكرا له إسناداً آخر:
قال البخاري في ((الكنى)) (ص80):
"أبو هاشم الدوسي قال: قال أبو هريرة. قاله النضر بن شميل، عن عكرمة بن عمار".
وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح
والتعديل)) (9/453): "أبو هاشم الدوسي ابن عمّ أبي هريرة: روى عن أبي هريرة.
روى النضر بن محمد الجرشي عن عكرمة بن عمار، قال: حدثني رجلٌ من آل حاطب بن أبي
بلتعة، قال: حدثني أبو هاشم. سمعت أبي يقول ذلك".
قلت: لا أدري هل رُوي الحديث نفسه
بهذا الإسناد أم لا؟ وهل أبو هاشم هذا آخر، غير الذي روى عنه أبو يسار؟ وعلى أي
حال فإن الراوي عن أبي هاشم هو رجلٌ مجهول لم يسم من آل حاطب بن أبي بلتعة.
وما ورد في المطبوع من كنى
البخاري خطأ! والصواب ما ذكره ابن أبي حاتم. فالنضر هو ابن محمد بن موسى الجُرشيّ
اليمامي، لا النضر بن شميل كما جاء في مطبوع كنى البخاري. والنضر بن شميل لا يروي
عن عكرمة بن عمار اليمامي! ولأن ابن أبي حاتم يتبع في تراجمه البخاري، فكأن الخطأ
من النسخ أو من التحقيق، وسقط منه: رجل من آل حاطب، فيستدرك من كتاب ابن أبي حاتم.
قال العِجلي في ((الثقات))
(2/432): "أبو هاشم الدوسي: تابعيٌّ ثقة. ليس يروى عنه إلا حديث واحد".
والبخاري لم يترجم أبا يسار
القرشي هذا. وترجم لآخر، وهو: "أبو يسار قوله. روى عنه الليث" (الكنى:
ص82).
وفرّق بينهما ابن حبان، فقال في
((الثقات)) (7/667): "أبو يسار القرشي: يروي عن أبي هاشم عن أبي هريرة. روى
عنه الأوزاعي". ثُمّ قال: "أبو يسار قوله. روى عنه الليث بن سعد".
وكذلك فرّق الذهبي بينهما تبعاً
لأبي أحمد الحاكم في كتابه ((الكنى))، فقال الذهبي في ((المقتنى في سرد الكنى))
(2/151): "أبو يسار القرشي عن أبي هاشم عن أبي هريرة، وعنه الأوزاعي في مخنث
اختضب". ثمّ قال: "أبو يسار حكى عنه الليث".
وجمع بينهما ابن أبي حاتم
(9/460)، فقال: "أبو يسار القرشي: روى عن أبي هاشم ابن عمّ أبي هريرة. روى
عنه الأوزاعي والليث بن سعد". قال عبدالرحمن: سألت أبي عنه؟ فقال: "هو
مجهول". وتبعه على هذا الجمع المزي وغيره. (تهذيب الكمال: 34/411).
قلت: الصواب هو التفرقة بينهما،
وأخطأ ابن أبي حاتم بهذا الجمع، وليس له مستند في ذلك. وكأن البخاري لم يعتبر
الرواية التي رويت عن الأوزاعي عن أبي يسار، فلم يترجم له؛ لأن الإسناد معلول.
وقد وهم بعض أهل العلم تبعاً لهذا
الجمع الذي ذكره ابن أبي حاتم! قال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/76):
"رواه أبو داود... وفي متنه نكارة! وأبو يسار هذا لا أعرف اسمه. وقد قال أبو
حاتم الرازي لما سئل عنه: مجهول. وليس كذلك؛ فإنه قد روى عنه الأوزاعي والليث،
فكيف يكون مجهولاً، والله أعلم".
وقال الذهبي في ((ديوان الضعفاء))
(2/517): "أبو هاشم عن أبي هريرة: مجهول. د". ثُمّ قال: "أبو يَسار
القرشي عن أبي هاشم: مجهولٌ كشيخه". وقال في ((الميزان)) (7/446): "أبو
يسار (د) عن أبي هاشم عن أبي هريرة: إسناده مظلم لمتن منكر! قال أبو حاتم: هو
مجهول. قلت: قد روى عن أبي يسار إمامان الأوزاعي والليث فهذا شيخٌ ليس بضعيف. وهذا
الحديث في سنن أبي داود من طريق مفضل بن يونس عن الأوزاعي عنه، والمفضل هذا كوفي.
مات شاباً ما علمت به بأساً. تفرد بهذا، وقد وثقه أبو حاتم".
قلت: قد تبيّن أن هذا الحديث
معلول، وقد خالف المفضل في إسناده عيسى بن يونس. ولهذا لا نستطيع أن نقول بأن
الأوزاعي روى عنه؛ لأن المفضل أخطأ عليه. ورواية الليث عن أبي يسار لم يقل بها إلا
ابن أبي حاتم، ووهم في ذلك. والذهبي نفسه قد فرّق بين أبي يسار الذي روى عنه
الأوزاعي، وأبي سيار الذي روى عنه الليث!
ثُم إن الجهالة التي قصدها أبو
حاتم هي أنه مجهول الحال، وقول الذهبي بأن رواية الأوزاعي والليث عنه تجعله ليس
شيخاً ضعيفاً فيه نظر! فأقصى ما يفيد ذلك هو رفع جهالة العين عنه برواية هذين
الإمامين –إن ثبتت روايتهما عنه-! أما أن تجعله غير ضعيف، فلا!
قال ابن حجر في ((التقريب)):
"أبو هاشم ابن عمّ أبي هريرة، مجهول الحال، من الثالثة. د". وقول ابن
حجر هذا إنما تبع فيه ابن القطان. (تهذيب التهذيب: 12/286).
والحاصل أن أبا هاشم وأبا يسار
مجهولي العين، وما أظن أن لهما حقيقة! وتوثيق العجلي لأبي هاشم لا يعتد به؛ لأنه يوثق
من هو في مثل هذه الطبقة إذا لم يكن فيه أي جرح! وذكر ابن حبان لأبي سيار في
الثقات؛ لأنه لم يتنبه لعلة الحديث، والله أعلم.
6 محرم 1429هـ.
شاركنا تعليقك