تصرف
"مشهور حسن آل سلمان" بكتب التراث دون وعي!
بقلم: خالد الحايك.
جاء في كتاب ((الفروسية)) لابن القيم ( تحقيق: عزت العطار، (ص33):
"وقال أبو الشيخ في كتاب السبق له: حدثنا إبراهيم بن علي المقرئ، عن حماد، عن
عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس فذكر حديث مصارعة النبي صلى الله
عليه وسلم ركانة.
قال ابن القيم: "هذا إسنادٌ جيدٌ متصل".
وقد اعتمد الشيخ الألباني في ((إرواء الغليل)) (5/331) على هذه
الرواية التي نقلها ابن القيم عن أبي الشيخ، فنقلها كما هي في المطبوع واستشكلها
فقال: "لكني لم أعرف إبراهيم بن علي المقرئ، ولا رأيته في ((الطبقة العاشرة
والحادي عشرة)) من كتاب ((طبقات المحدثين بأصبهان)) لأبي الشيخ، وهي طبقة شيوخه،
ولا أعتقد أن فيهم من أدرك حماد بن سلمة، وأرى أن في السند سقطاً وتحريفاً. ثم
رأيت الحديث في ((التلخيص)) من طريق أبي الشيخ من رواية عبدالله بن يزيد عن حماد
به. وإسناده ضعيف. انتهى. فتبيّن أن السقط هو المدني هذا، والله أعلم".
وجاء في طبعة مشهور حسن، دار الأندلس/السعودية (1414هـ)، (ص201)
لكتاب ((الفروسية)): "قال أبو الشيخ: حدثنا إبراهيم بن عليّ، حدثنا ابن
المقرئ، عن [ابن أبي] حماد...".
فزاد مشهور في الإسناد بين معقوفتين [ابن أبي] ولم يعرّف بابن أبي
حماد هذا! ولا أدري كيف فعل هذا مع أن هذا الحديث ذكره ابن القيم ضمن ثلاثة طرق
لحديث حماد بن سلمة!!
وما جاء في كلا الطبعتين من ((الفروسية)) فيه تحريفٌ وسقط. والصواب
في إسناد أبي الشيخ: "حدثنا إبراهيم بن عليّ –وهو العمري الموصلي (ت306هـ)- ،
قال: حدثنا ابن المقرئ، عن أبيه، عن حماد، عن عمرو بن دينار...". وابن المقرئ
هو: محمد بن عبدالله بن يزيد القرشيّ العدويّ أبو يحيى بن أبي عبدالرحمن المقرئ
المكيّ (ت256هـ). وسقط من الإسناد: "عن أبيه"، وأبوه هو: عبدالله بن
يزيد أبو عبدالرحمن المقرئ المكي (ت 213هـ)، وقد روى عن حماد بن سلمة، وروى عنه
حماد أيضاً.
وبهذا يكون ما أشار إليه ابن حجر في ((التلخيص)) (4/162) من أن
عبدالله بن يزيد رواه عن حماد صحيحاً، ولكن وقع تصحيفٌ في نسبته، فجاء فيه:
"المدني"، والصواب: "المقرئ"، فليتنبه.
والحديث رواه أبو داود في ((المراسيل)). وقد رواه عن حماد أربعة،
هم: موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري وروايته مرسلة. وعبدالله بن يزيد عنه وروايته
موصولة عن سعيد عن ابن عباس. وحفص بن عمر الضرير البصري وروايته موصولة أيضاً
كالسابقة، وفيها أن الذي صارعه هو يزيد بن ركانة وكان السبق على مئة شاة بخلاف
الروايات الأخرى. ومحمد بن كثير المصيصي وروايته موصولة ولكن عن سعيد بن جبير عن
يزيد بن ركانة أن ركانة.
وهذا يعني أن حماد بن سلمة كان يضطرب في إسناده وفي متنه؛ لأن
الرواة عنه لا بأس بهم، فموسى ثقة، وعبدالله بن يزيد ثقة، وحفص صدوق حافظٌ لحديثه،
ومحمد بن كثير رجلٌ صالحٌ يكتب حديثه للاعتبار.
فالمشكلة في هذا الحديث من حماد بن سلمة –رحمه الله – وهو بصريّ،
ويرويه عن عمرو بن دينار، وهو مكيّ، ولم يتقن حماد حديث عمرو! وهذا يعدّ من الوهم
في روايات الأمصار، والله أعلم.
مع أني أستبعد أن يكون عمرو بن دينار قد حدّث به أصلاً! فيحتمل أن
يكون دخل لحماد حديث في حديث، فلم يضبطه فحدّث به عن عمرو بن دينار فأخطأ فيه! لأن
هذا الحديث لا يعرفه أصحاب عمرو الضابطين عنه، والله أعلم.
والروايات المرسلة لهذا الحديث تضعّف الموصولة، وهي أصلها.
والخلاصة أن قصة المصارعة مشهورة عند أهل العلم، وهذا هو القدر
الذي نثبته دون ما تخللته من قصص باطلة ومنكرة. ولم يثبت فيها حديث مرفوع ولا
مرسل، وفيها نكارة كمسألة الرهان وإعادة الغنم لركانة! مع الاختلاف في اسم من صارع
النبي صلى الله عليه وسلم في مرسل سعيد وغيره! وعادة ما يدخل المراسيل بعض الأشياء
المنكرة لاشتهارها بين الناس وتناقلها فيما بينهم.
وقد جاء في بعض الروايات أن المصارعة كانت سبباً في إسلام ركانة،
وليس كذلك؛ لأن المصارعة قد اتفق على أنها كانت في الجاهلية. والصحيح أن ركانة
أسلم يوم فتح مكة، ولا علاقة لهذه القصة بإسلامه، والله أعلم.
وكتب: خالد الحايك.
شاركنا تعليقك