الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«الجواهر والدُّرر» في الذب عن «الحافظ ابن حَجر»!

«العقد الجوهري» في التعقيب على أخينا «محمد أمين بلجوهري»!

«الجواهر والدُّرر» في الذب عن «الحافظ ابن حَجر»!

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان، أما بعد:

فكنت قد أشرت في جواب لأحد إخواننا أن من يدّعي بأن ابن حجر قد يَهم في بعض ما ينقله؛ لأنه يُعلق ذلك من حِفظه فعليه أن يُدلل عليه، ونحن لا نُنكر ذلك مطلقاً، لكن نحتاج لبيان ذلك بالحجة والبرهان لئلا يتخذ بعضهم هذه حجة لرد كلام الحافظ إذا لم يفهمه أو يعجبه!

وكان الأخ النبيه المؤدب «محمد أمين بلجوهري» قد علق على ذلك بأنه قد وقف على أوهام لابن حجر في كتاب عن المدلسين، فطلبت من الأخ ذكر هذه المواضع، فاستأذن - جزاه الله خيراً - أن يُفرد ذلك بمنشور خاص، فرحبت بذلك.

وقد وفّى بما وعد، ونشر منشوراً في ذلك، وقال في مقدمته بأنه أثناء عمله على كتاب ابن حجر «تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس» تبين له "أنه أملى هذه النبذة من حفظه من غير مراجعة للأصول، فوقعت له أوهام في النقل ونسبة لأقوال إلى غير أصحابها، وذلك بسبب الاختصار المخل والنزول في النقل مع عدم استحضار و غير ذلك من أنواع الذهول التي لا يسلم منها بشر والتي تجرهم بحبالها إلى الحيدة عن حسن التقييد وإحكام النقل"، ثم قام بتجريد بعض هذه الأوهام، مع احتمال مرجوح عنده في بعضها أن يكون الخطأ في النقل من النساخ.

فعلقت عليه بأن هذا من المباحث الجميلة المفيدة، لكن أغلبها لا علاقة له بأصل المسألة في أن ابن حجر علّق ذلك من حفظه، ولي رجعة لذلك - بإذن الله تعالى -.

فاستحسن الأخ ذلك، فجزاه الله خيراً على هذا المبحث اللطيف، وأقول بعد الاستعانة بالله العليم اللطيف:

لا شك أن الناظر في كتاب الحافظ في مراتب التدليس يتيقن أنه بناه على الاختصار وما توصل إليه من خلال شغله بالحديث.

والنقولات التي ذكرها وأشار إليها مختصرة أيضاً، ولا نُنكر أنه قد يكون وهم في بعضها لأنه علّق ذلك من حفظه، لكن لا بد من التريث قبل نسبة ذلك إليه؛ لأن مثل الحافظ ابن حجر لا نظن أنه يقع في مثل هذه الأوهام.وهذا الذي قاله الأخ الحبيب أن ابن حجر أملى هذا دون مراجعة للأصول، فوقعت له أوهام في النقل ونسبة لأقوال إلى غير أصحابها، وذلك بسبب الاختصار المخل، والنزول في النقل مع عدم استحضار وغير ذلك من أنواع الذهول!! هذه - والله - كبيرة في حقّ الحافظ ابن حجر! ولا أدري كيف خرجت من الأخ!!

*عدم مراجعة الأصول!

*أوهام في النقل!

*نسبة أقوال إلى غير أصحابها!

والسبب:

*الاختصار المُخلّ!

*النزول في النقل!

*عدم استحضار!!!

فالله المستعان!

ونُنبه إلى أن الكتاب المحقق فيه تحريفات وتصحيفات!

ولنعرض لما ذكره الأخ من هذه الأوهام التي تتعلق بتعليق ابن حجر إياها من حفظه، وننبه على ما وقع للأخ فيها!

1- قال: "إسحاق بن راشد الجزري: كان يطلق «حدثنا» في الوجادة فإنه حدث عن الزهري، فقيل له: أين لقيته؟ قال: مررت ببيت المقدس فوجدت كتاباً. حكى ذلك الحاكم في «علوم الحديث» عن الإسماعيلي".

قال الأخ بلجوهري: "قلت: والذي حكاه الحاكم إنما هو عن أبي الوليد الطيالسي لا عن الإسماعيلي، وهذا قد يحتمل فيه التصحيف من النساخ".

قلت:

بل هو مصحف لا شك في ذلك، فالنسخة فيها تصحيفات وتحريفات كما أشرت آنفاً، ومثل هذا لا يفوت الحافظ ابن حجر حتى يخطئ فيه!

وطالما أن الرسم للطيالسي والإسماعيلي واحد، فلا شك أنه تحريف في النسخة.

فقولك: "قد يحتمل" يجعل وجود الاحتمال الآخر وهو وهم الحافظ ابن حجر! وليس كذلك.

والعجيب أن الأخ يذكر مثل هذه الاحتمالات وفي مقدمة كلامه جعلها مرجوحة!

والقصة رواها الحاكم من طريق أَبي الوَلِيدِ الطَّيَالِسِيّ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَاحِبٌ لِي مِنْ أَهْلِ الرَّيِّ يُقَالُ لَهُ: أَشْرَسُ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فَكَانَ يُحَدِّثُنَا عَنْ إِسْحَاقَ بنِ رَاشِدٍ، فَقَدِمَ عَلَيْنَا إِسْحَاقُ بنُ رَاشِدٍ، فَجَعَلَ يَقُولُ: حدثَنَا الزُّهْرِيُّ، وَحدثَنَا الزُّهْرِيُّ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ لَقِيتَ ابنَ شِهَابٍ، قَالَ: لَمْ أَلْقَهُ، مَرَرْتُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَوَجَدْتُ كِتَابًا لَهُ، ثَمَّ.

وذكر المزي هذه الحكاية من طريق أيوب بن إسحاق بن سافري، قال: حَدَّثَنَا علي بن المديني، قال: حَدَّثَنَا أبو داود الطيالسي، قال: حَدَّثَنَا صاحب لنا يقال له أشرس من أهل الري ثقة، فذكر نحو هذه الحكاية.

ونقل أيضاً الحكاية عن أبي الوليد، ونقلهما ابن حجر في «تهذيب التهذيب»، ثم رجّح أن إسحاق بن راشد سمع من الزهري.

فالحكاية مروية عن أحد الطيالسيين، وكأنه بسبب هذا أطلق ابن حجر النسبة في كتابه في ترجمة إسحاق بن راشد فيما يتعلق بتدليسه، والله أعلم.

فلا دخل للإسماعيلي هنا، ويبعد أن يكون هذا من وهم ابن حجر.

2- وقال في ترجمة جرير بن حازم الأزي: "أحد الثقات، وصفه بالتدليس يحيى الحماني في حديثه عن أبي حازم عن سهل بن سعد في صفة صلاة النبي ﷺ".

قال بلجوهري: "والذي وصفه بالتدليس في الحديث المذكور هو محمد بن حميد الرازي وليس يحيى بن عبدالحميد، كما رواه ابن الأعرابي في «معجمه» (1/390): نا محمد [بن هشام بن أبي الدميك المستملي أبو جعفر]: نا محمد بن حميد [الرازي]: نا جرير، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، أن النبي ﷺ... قال محمد بن حميد [وهو الرازي شيخ المستملي في هذا الإسناد]: لم يسمع جرير عن أبي حازم هذا الحديث".

قلت:

هذا ليس بصحيح! وقد أصاب ابن حجر، فهو الحماني، وهو يحيى بن عبدالحميد.

والذي حصل أنه حصل تصحيف وسقط في إسناد ابن الأعرابي:

ففي المطبوع: "... نا محمد بن حميد: نا جرير، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، أن النبي ﷺ مَا صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ".

قال محمد بن حميد: "لم يسمع جرير عن أبي حازم هذا الحديث".

فتصحفت «يحيى» إلى «محمد»، وسقط منه لفظ: «عبد» و«أل» التعريف فصار: «حميد»!

فذهب الأخ الكريم أنه محمد بن حميد الرازي، وليس كذلك!

وقد قال ابن حجر في ترجمة «جرير بن حازم» من «تهذيب التهذيب» (2/72): "ونسبه يحيى الحماني إلى التدليس".

لكن قد وقع ابن حجر في وهم شديد هنا حيث ظنّ أن جريراً في هذا الإسناد هو: ابن حازم! وليس كذلك، وإنما هو: «جرير بن عبدالحميد».

روى ابن أبي شيبة في «مسنده» (1/82) (88)، وفي «مصنفه» (5/78) (7248).

والسراج في «حديثه» (2/257) (1071) عن مُحَمَّد بن الصَّبَّاحِ وَعَبْدِالله بن عمر.

والطبراني في «المعجم الكبير» (6/196) (5983) من طريق سَهْل بن عُثْمَانَ، وعُثْمَانَ بن أَبِي شَيْبَةَ.

والخطيب في «تاريخ بغداد» (12/84) من طريق هَنَّاد بن السَّرِيِّ.

كلهم (أبو بكر ابن أبي شيبة، ومحمد بن الصباح، وعبدالله بن عمر، وسهل بن عثمان، وعثمان بن أبي شيبة، وهناد بن السري) عن جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: «كَانَ كَوْنٌ فِي الْأَنْصَارِ، فَآتَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَصَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ».

وقد جاء في بعض الأسانيد نسبته: جرير بن عبدالحميد.

فقال أبو بكر بن أبي شيبة في «مسنده»: حدثنا جَرِيرُ بنُ عَبْدِالحَمِيدِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ...

وقال السَّرَّاجُ: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ وَعَبْدُالله بن عمر، - قال محمد: أنبأنا جَرِيرٌ، وَقَالَ عَبْدُاللَّهِ: حدثنا جَرِيرُ بنُ عَبْدِالحَمِيدِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ...

وأورده الطبراني تحت ترجمة: «جَرِير بن عَبْدِالحَمِيدِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ».

ولا يعرف أن جرير بن حازم روى عن أبي حازم!

وذكر المزي في «تهذيب الكمال» (31/420) أن يحيى بن عبدالحميد الحماني روى عن جرير بن عبدالحميد.

ومحمد بن حميد الرازي لم يرو عن جرير بن حازم، وإنما يروي عن جرير بن عبدالحميد، وهو من أصحابه.

وكذلك يحيى الحماني من أصحاب جرير بن عبدالحميد، وروايته عنه في بعض الكتب [الغيلانيات لأبي بكر الشافعي: (1/68)، والمستدرك للحاكم: (4/124)، ومستخرج أبي نعيم على صحيح مسلم: (2/463)].

ولعل هذا الحديث وقول الحماني فيه من «مسنده الكبير».

قال ابن عدي في «الكامل» (10/621): "وليحيى الحماني مُسند صالحٌ، ويقال: إنه أول من صنف المسند بالكوفة".

وشيخ ابن الأعرابي: مُحَمَّد بن هِشَامِ بنِ أَبِي الدَّمِيكِ لم يرو عن محمد بن حميد، وإنما يروي عن يحيى الحماني.

قال الخطيب في ترجمته من «تاريخ بغداد» (4/574) (1740): "... سكن بغداد، وحدَث بها عن... ويحيى ابن الحماني...".

وقال الذهبي في ترجمته من «تاريخه» (6/827) (516): "... سَمِعَ: سُلَيْمَان بن حرب... وَيَحْيَى الحِمّاني، وطائفة".

والخلاصة أن ابن حجر أصاب في قوله إن راوي الحديث هو: الحماني، وهو يحيى بن عبدالحميد، وليس هو: محمد بن حميد.

لكن وقع ابن حجر في وهم شديد حيث ظنّ أنه جرير بن حازم! وإنما هو جرير بن عبدالحميد.

وبحسب هذا فيكون الحماني قد أخطأ في متن الحديث وقلب معناه، والصواب ما رواه الجماعة عن جرير بن عبدالحميد بهذا الإسناد أن النبي صلى عليه وسلم ما صلى خلف أبي بكر!

ويُحتمل أن تكون لفظة «ما» زائدة في النسخة؛ لأنها حقيقة ممسوخة! وهو الذي أميل إليه، ثم وجدت أن لفظة «ما» لا توجد في طبعة البلوشي لكتاب ابن الأعرابي، فدلّ على أنها زائدة في النسخة التي أخذ منها الأخ، فالصواب: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ». فالحمد لله.

3- وقال في ترجمة طاوس بن كيسان اليماني: "التابعيُّ المشهور، ذكره الكرابيسِيُّ في «المدلسين»، وقال: «أخذ كثيراً من علم ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ثم كان بعد ذلك يرسل عن ابن عباس».

قال الأخ بلجوهري: "قلت: وعبارة الكرابيسي كما في «جامع التحصيل» (ص107): «أنه أخذ [من عكرمة] كثيراً من علم ابن عباس، وكان يرسله بعد ذلك عنه».

ونَقلُهُ كما ترى مغاير لنقل ابن حجر الذي ليس فيه تعرض لذكر عكرمة، ولعله مما أسقطه النُّساخ، والله أعلم".

قلت:

لا أشك في أنه سقط من كتاب ابن حجر: «عكرمة»!

فلو أن ابن حجر وهم ولم يذكر عكرمة في هذا فسيكون الكلام لا معنى له! والكلام واضح أنه أخذ من إنسان عن ابن عباس، ثم أرسله، فتعيّن السقط في النسخة.

ولا يخفى على ابن حجر أن طاوساً سمع من ابن عباس، وحديثه عنه بالعشرات في «الصحيحين».

وكأن ابن حجر علّق هذه الترجمة من كتاب صاحبه أبي زرعة العراقي الذي أشار إليه في المقدمة، فإنه قال في كتابه في «المدلسين» (30): "طاوس بن كيسان أحد الأعلام، ذكر حسين الكرابيسي في أثناء كلام له أنه أخذ عن عكرمة كثيراً من علم ابن عباس وكان يرسله بعد ذلك عنه، وهذا يقتضي أن يكون مدلساً ولم أر أحداً وصفه بذلك".

والحاصل أن قول الأخ جعله على الاحتمال فيه نظر! ولم يهم ابن حجر في ذلك، وإنما سقط اسم «عكرمة» جزماً من النسخة.

4- وقال في ترجمة عبدالله بن عطاء الطائفي: نزيل مكة، من صغار التابعين: قضيته في التدليس مشهورة، رواها شعبة عن أبي إسحاق السبيعي".

قال الأخ بلجوهري: "قلت: في كلامه ما يوهم أن شعبة إنما علم بواسطة أبي إسحاق السبيعي قضية عدم سماع عبدالله بن عطاء من عقبة، والظاهر من سياقات القصة خلاف ذلك، وهو أنه لا شأن لأبي إسحاق فيما علمه شعبة، وإنما سأله شعبة عن عين و حال عبدالله بن عطاء؛ فوقع الجواب من أبي إسحاق بعبارات مختلفة باختلاف الروايات، أما عدم السماع؛ فظفر به شعبة وحده بعد الرحلة، والله أعلم".

قلت:

غفر الله لأخينا، هل يُعقل أن ما ذكره ابن حجر هنا يُفهم منه ما ذكرت!!

ابن حجر اختصر كل ذلك، وذكر القصة المشهورة لشعبة في تتبعه لهذا الحديث.

فلم يقصد ابن حجر أن شعبة علم بذلك من أبي إسحاق، وإنما سأل أبا إسحاق ممن سمعه، فقال: من عبدالله بن عطاء، فتتبع الحديث من خلال رحلته في السؤال عنه.

ولا شك أن ابن حجر قد اطلع على كلام صاحبه أبي زرعة ابن العراقي في كتابه «المدلسين» (34): "عبد الله بن عطاء الطائفي المكي، قال شعبة: سألت أبا إسحاق عن عبدالله بن عطاء الذي روى عن عقبة بن عطاء فسألته أسمعه عن عقبة؟ قال: لا حدثنيه سعد بن إبراهيم، فلقيت سعد، فقال حدثنيه زياد بن مخراق فلقيت زياد فقال: حدثني رجل عن شهر بن حوشب. فقلت: فهذا يدل على أن عبدالله بن عطاء كان مدلساً".

وقال عَبْدالرَّحْمَنِ بن مَهْدِيٍّ: قَالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ لِأَبِي إِسْحَاقَ: حَدِيثُ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ: «كُنَّا نَتَنَاوَبُ الرَّعِيَّةَ» مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: مِنْ عَبْدِاللهِ بنِ عَطَاءٍ، فَأَتَيْتُ عَبْدَاللهِ بنَ عَطَاءٍ، فَقُلْتُ: مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ فَقَالَ: مِنْ زِيَادِ بنِ مِخْرَاقٍ، فَأَتَيْتُ زِيَادَ بنَ مِخْرَاقٍ، فَقُلْتُ: مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ فَقَالَ: مِنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ.

والحديث حدّث به نَصْرُ بنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَطَاءٍ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَنَاوَبُ رِعْيَةَ الْإِبِلِ، وَذَكَرَ الحَدِيثَ.

قَالَ نَصْر بن حَمَّادٍ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الحَدِيثِ، شُعْبَةَ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَلَطَمَنِي لَطْمَةً، وَقَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ فَحَدَّثَنَا بِهَذَا الحَدِيثِ وَعِنْدَهُ أَصْحَابُنَا سُفْيَانُ وَغَيْرُهُ، فَقُلْتُ: مَنْ حَدَّثَكَ؟ قَالَ: عَبْدُاللَّهِ بنُ عَطَاءٍ، فَقُلْتُ: سَمِعْتَهُ مِنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ؟ فَقَالَ: اسْكُتْ، فَقُلْتُ: مَا فِيهِ سُكُوتٌ، أَسَمِعْتَهُ مِنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَطَاءٍ؟ فَقَالَ: اسْكُتْ، فَحَجَجْتُ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَأَرْحَلَنَّ فِي هَذَا الحَدِيثِ، فَلَقِيتُ عَبْدَاللَّهِ بنَ عَطَاءٍ، فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي بِهَذَا الحَدِيثِ، قَالَ: نَعَمْ، حَدَّثَنِيهِ سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، فَرَجَعْتُ إِلَى المَدِينَةِ، فَقُلْتُ لِسَعْدٍ: حَدِّثْنِي بِحَدِيثِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: هَذَا مِنْ عِنْدِكُمْ جَاءَ، فَقُلْتُ: عَنْ مَنْ؟ قَالَ: حَدَّثَنِيهِ زِيَادُ بنُ مِخْرَاقٍ، قَالَ: قُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاللَّهِ إِنِّي بَعْدُ لَفِي ثِقَةٍ، فَأَتَيْتُ زِيَادَ بنَ مِخْرَاقٍ، فَقُلْتُ لَهُ: حَدِيثُ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ ذَرٌّ هَذَا يَا أَبَا بِسْطَامٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابَتِكَ، قُلْتُ لِمَ؟ قَالَ: دَعْهُ، قُلْتُ: لِمَ؟ قَالَ: حَدَّثَنِيهِ شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ عَنْ عُقْبَةَ.

قلت: فرفض أبي إسحاق السبيعي إجابة شعبة هل سمع عبدالله بن عطاء هذا الحديث من عقبة يؤيد كلام ابن حجر المجمل: "قضيته في التدليس مشهورة رواها شعبة عن أبي إسحاق السبيعي".

ولا يُفهم من ذلك ما فهمه الأخ الكريم.

5- وقال في ترجمة الفضل بن دُكين بن زهير، أبو نعيم - كذا! - الكوفي: "مشهورٌ من كبار شيوخ البخاري، وصفه أحمد بن صالح المصري بذلك".

قال الأخ بلجوهري: "قلت: قول أحمد بن صالح؛ تفرد بنقله ابن شاهين في «الثقات» (1130)، وتمام العبارة: (قال أحمد بن صالح: ما رأيت محدثا أصدق من أبي نعيم - يعني الفضل بن دكين الكوفي -، وقال أحمد: كان ثقة، وكان يدلس أحاديث مناكير).

وقد انتقد الأستاذ طارق بن عوض الله؛ هذا النقل عن أحمد بن صالح، وذلك في تحقيقه لكتاب «ذكر من اختلف العلماء فيه» لابن شاهين (ص10/ نشر مكتبة التوعية الإسلامية)، وأفهَمَ من كلامه أن هناك سَقْطًا في كتاب «الثقات» لابن شاهين؛ حَرَّفَ المعنى؛ فبَـيـَّنَ - وأجاد في ذلك - أن أحمد الثاني هو: ابن حنبل الإمام، وأنه لم يقل هذا في أبي نعيم ولا في غيره، وإنما حكاه أحمد عن أبي نعيم في أبي جناب الكلبي كما في «العلل» لعبدالله بن أحمد بن حنبل (4473): قال أبي: (أبو جناب اسمه يحيى بن أبي حية، وقال أبو نعيم: كان ثقة، وكان يُدَلس، قال أبي: أحاديثه مناكير).

فعلى هذا؛ فإن قوله: (كان ثقة، وكان يُدَلِّس)، من قول أبي نعيم في أبي جناب، لا من قول أحمد في أبي نعيم، وقد ساق ابن أبي حاتم هذه العبارة في ترجمة أبي جناب، ولم يسقها في ترجمة أبي نعيم.

وتصرف ابن حجر في النقل في «التهذيب» (8/275)؛ عند ترجمة أبي نعيم؛ فنقل عبارة أحمد من «ثقات ابن شاهين»، ونسبها إلى أحمد بن صالح، فكأنه ظن أنه تابع لكلام ابن صالح الذي نقله ابن شاهين عنه، والله أعلم".

قلت:

هذه حقاً فائدة نفسية من أخينا الشيخ طارق بن عوض الله، فلم يتهم أحد من أهل العلم أبا نُعيم بالتدليس، وما نقله ابن حجر إنما هو في يحيى بن أبي حيّة.

وابن حجر لا علاقة له بذلك، وإنما الوهم من ابن شاهين، وابن حجر تبعه على هذا الوهم، ولم يُحقق ذلك النقل.

قال ابن شاهين في «الثقات» (1130) في ذكر الفضل بن دُكين: "وَقَالَ أحْمَد بن صَالح: مَا رَأَيْت مُحدثاً أصدق من أبي نعيم – يَعْنِي: الفضل بن دُكَيْن الكُوفِي. وَقَالَ أحْمَد: أَبُو نعيم كَانَ ثِقَة، وَكَانَ يُدَلس أَحَادِيث مَنَاكِير".

ونقله ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (8/276): "وقال ابن شاهين في «الثقات»: قال أحمد بن صالح: ما رأيت محدثاً أصدق من أبي نعيم، وكان يدلس أحاديث مناكير".

فابن حجر إنما نقل عن ابن شاهين كما في كتابه، وهو كذلك في جميع النسخ الخطية لكتاب ابن شاهين.

وابن حجر لم يتحقق من نسبة القول لأبي نعيم فتبع ابن شاهين في ذلك مع أنه يعلم أن أبا نعيم قال هذا في يحيى بن أبي حيّة.

ولو تحقق من ذلك لوجد أن الشطر الأول هو المعروف عن أحمد بن صالح.

قال أبو زرعة الدمشقي في «تاريخه» (ص: 463): "وَقَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: مَا رَأَيْتُ مُحَدِّثًا أَصْدَقُ مِنْ أبي نُعيم".

فدلّ ذلك على أن الشطر الآخر لم يقله أحمد بن صالح.

وهو كما قال الشيخ طارق إنما نقله أحمد عن أبي نعيم في يحيى بن أبي حية كما هو في «العلل ومعرفة الرجال» لأحمد - رواية ابنه عبدالله (3/114) (4473): قَالَ أبي: "أَبُو جناب اسْمه: يحيى بن أبي حَيَّة. وَقَالَ أَبُو نعيم: كَانَ ثِقَة، وَكَانَ يُدَلس. قَالَ أبي: أَحَادِيثه مَنَاكِير".

ونقله ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/138) قال: أنا عبدالله بن أحمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إليّ قال: "قال أبي: قال أبو نعيم: أبو جناب ثقة، كان يدلس. أحاديثه مناكير".

كذا وقع في المطبوع، والقول الأخير: "أحاديثه مناكير" قول أحمد.

وكأنه سقط ذكر أحمد من بعض النسخ فصار الكلام لأبي نُعيم.

قال مغلطاي في «إكماله» (12/302): "وقال الساجي: كوفي صدوق، منكر الحديث، قال أبو نعيم: عنده مناكير. وفي رواية حرب عن أحمد: أحاديثه مناكير".

وقول أبي نُعيم رواه غير واحد عنه:

قال عَبدالله الدورقي: حَدثنا يحيى بن مَعين، قال: "أَبو جناب الكلبي يحيى بن أبي حية ليس به بأس، إلا أنه كان يدلس". قال يحيى: قال أَبو نعيم: "لم يكن بأبي جناب بأس، إلا أنه كان يُدلّس". [الكامل: (10/560)].

وقال معاوية بن صالح، عن يحيى، قال: "أَبو جَنَاب الكَلبي، يحيى بن أَبي حَيَّة، سمعتُ أبا نُعَيم يقول: أَبو جَنَاب يُدَلِّس".

وقال ابن أبي حاتم: أنا أبو الحسين الرهاوي فيما كتب إلي قال: سمعت أبا نعيم يقول - وذكر ابا جناب الكلبي - فقال: "ما كان به بأس، إلا أنه كان يدلس، وما سمعت منه شيئاً إلا شيئاً قال فيه: حدّثنا".

وقد نقل ذلك ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (11/202) في ترجمة أبي جناب، قال: "وقال الغلابي: قال أبو نعيم: لم يكن بأبي جناب بأس إلا أنه كان يدلس. وكذا قال أحمد وابن معين وأبو داود عن أبي نعيم. وقال أحمد بن سليمان الرهاوي عن أبي نعيم مثل ذلك، وزاد: ما سمعت منه شيئاً إلا شيئاً قال فيه: حدثنا. وقال عبدالله بن أحمد عن أبيه: أحاديثه مناكير".

وقد وصفه بالتدليس غير واحد من المتقدمين، كيزيد بن هارون، وابن نُمير، وأنه كان يُحدث بما لم يسمع.

وفي «طبقات أهل الموصل» لأبي زكريا يزيد بن محمد بن إياس الأزدي: قال يزيد بن هارون: تدرون لم تركت حديث أبي جناب؟ أتيته فأعطاني كتاباً، فنسخته، ثم أتيته فقرأه علي، فمر حديث بسرة بنت صفوان، فقال: بشرة بن صفوان، فقلت: بسرة، فقال: اجعله كما تريد، كان عندي قوم بالغداة، فقلت لهم: بسرة، فقالوا: بشرة، فقلت: اجعلوا كما تريدون، وأنت الساعة تقول: بسرة، اجعله كما تريد، قلت: كما أريد أنا؟ أنت كيف سمعته؟ قال: أو هذا شيء سمعته؟ ما سمعته، إنما قال رجل في المسجد: عندي كتاب حسن، قال: فأخذت الكتاب فنسخته، قال يزيد: فندمت ألا أكون سمعت منه ما كان يحفظ، ولم أرد الكتاب.

وقد ذكر ابن حجر يحيى بن أبي حية في «المدلسين» (152) قال: "يحيى بن أبي حية الكلبي أبو جناب: ضعفوه. وقال أبو زرعة، وأبو نعيم، وابن نمير، ويعقوب بن سفيان، والدارقطني وغير واحد: كان مُدلساً".

وقول الأخ أن ابن حجر تصرف في النقل في «التهذيب» عند ترجمة أبي نعيم؛ فنقل عبارة أحمد من «ثقات ابن شاهين»، ونسبها إلى أحمد بن صالح، فكأنه ظن أنه تابع لكلام ابن صالح الذي نقله ابن شاهين عنه! فيه نظر!

وهذا قول الشيخ طارق نقله عنه في الموضع المذكور!

وابن حجر لم يتصرف في ذلك، فابن شاهين أورد ذلك في ترجمة أبي نعيم، وكل من ينظر فيها يقول بأن المقصود بأحمد هو السابق الذكر وهو: أحمد بن صالح.

والشيخ طارق كان يتحدث عما قاله أهل العلم في ابن شاهين أنه كان يكتب ولا يُعارض ما يكتبه، فقال: "واعلم أن ابن شاهين ثقة إمام، لم يعيبوا عليه أكثر من كونه لم يكن يعارض ما صنفه، فمن قَمَّ كثرت الأخطاء في كتبه، وقد مر ما أنكره عليه الدارقطني - رحمه الله تعالى -.

ومن له خبرة بكتب ابن شاهين يعلم صحة ما عابوه عليه لما يجد من خطأ في النقل أحياناً أو التخليط بين الرواة المتفقين في الاسم، ونحو ذلك مما يعتري المكثر، لا سيما إذا لم يعارض ما كتبه على الأصول كابن شاهين - رحمه الله تعالى -".

ثم ذكر الشيخ هذا المثال مما وقع لابن شاهين بسبب أنه لم يكن يعارض مصنفاته كما نقل الأخ بلجوهري، وختم الشيخ طارق كلامه بقوله: "وقد وقع الحافظ ابن حجر في خطأ آخر، فإنه ذكر هذه الكلمة في ترجمة أبي نعيم من «التهذيب» (8/276) عن «ثقات ابن شاهين» إلا أنه نسبها إلى أحمد بن صالح االذي نقله ابن شاهين عنه قبل هذا، لكن من المعروف أن «أحمد» حيث يطلق فهو ابن حنبل، ويؤيد ما ذكرناه عن «العلل». ثم إن الحافظ - رحمه الله تعالى - اعتمد على هذا النقل في إدخال أبي نعيم في «طبقات المدلسين» فلا تغتر" انتهى.

قلت: من خلال كلام الشيخ طارق بأن ابن حجر أخطأ بنقل كلام أحمد في ترجمة أبي نعيم؛ لأنه ظن أنه أحمد بن صالح، وأحمد حيث أطلق فهو ابن حنبل، فهم الأخ بلجوهري أنه وقع سقط في كتاب ابن شاهين!

فقال بعد أن أفاد عن الشيخ طارق هذه الفائدة: "وأفهَمَ من كلامه أن هناك سَقْطًا في كتاب «الثقات» لابن شاهين؛ حَرَّفَ المعنى؛ فبَـيـَّنَ - وأجاد في ذلك - أن أحمد الثاني هو: ابن حنبل الإمام"!

وهذا ليس بصحيح!

ولازم ذلك أن ابن شاهين عندما قال: "وقال أحمد: أبو نعيم، كان ثقة، وكان يدلس أحاديث مناكير" أنه نقل هذا عن الإمام أحمد، فظن ابن حجر أنه أحمد بن صالح؛ لأن ابن شاهين نقل عنه قبل هذا في الترجمة نفسها!

وبناء على هذا حصل سقط في النسخة! ولازم ذلك أن هذا الكلام نقله ابن شاهين في يحيى بن أبي حية فسقط ذلك من كتاب ابن شاهين فصار الكلام تابعاً لترجمة أبي نعيم!

وهذا لا يستقيم ألبتة؛ لأن ابن شاهين ذكر هذا في ترجمة الفضل بن دُكين في باب: ذكر من اسمه الفضل، ولو كان هذا الكلام نقله في يحيى بن أبي حية لكان ذكر يحيى هذا قريباً! لكن أين حرف الفاء من حرف الياء! فكيف حدث السقط المزعوم؟!

ثم إن يحيى بن أبي حية ليس بثقة حتى يورده ابن شاهين في «الثقات» - وإن كان أبو نعيم قال عنه: ثقة فيما نقله أحمد عنه، وقال غير أحمد: لا بأس به.

بل ذكره ابن شاهين في «تاريخ أسماء الضعفاء والكذابين» (677) فيمن اسمه يحيى، قال: "قال يحيي بن معين: أبو جناب: ضعيف الحديث. واسمه: يحيي بن أبي حية الكلبي".

والخلاصة أن ابن حجر لم يتصرف، ولم يهم في ذلك، وإنما تبع ابن شاهين في ذلك دون تحرير، وهذا يحدث لابن حجر في بعض كتبه غير المحررة ككتابه هذا في المدلسين وغيره.

والوهم دخل على ابن شاهين من حفظه، ولا علاقة لمسألة أنه لم يكن يعارض إذا كتب - وإن كانت معارضة المكتوب مطلوبة حتى لا يقع الكاتب في التحريفات والتصحيفات وغير ذلك.

وهو لم يكن يعارض ما يكتبه ثِقَةً بِنَفْسِهِ فِيمَا ينقلُ كما قال الذهبي.

ولا نُنكر أنه كان يخطئ في بعض ما ينقله، وكان الدارقطني يقول: "أَبُو حفص عُمَر بن أَحْمَد بن شاهين يلح على الخطأ".

فهذا الخطأ حدث له؛ لأنه كتب من حفظه، فنقل كلام أحمد بن صالح عن أبي نعيم، ثم هو يحفظ كلام أحمد الذي نقله عن أبي نعيم، فظن أنه أحمد بن صالح الذي نقل عنه هنا فأتبع قول الإمام أحمد لكلام أحمد بن صالح، فقال: "وقال أحمد.."، ولا شك أن من يقرأ ذلك يظن أنه أحمد بن صالح الذي سبق ذكره، وعلى ذلك مشى ابن حجر فتبعه على هذا الوهم، والله أعلم.

6- وقال في ترجمة البخاري: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري الإمام، وصفه بذلك أبو عبدالله بن منده في كلام له؛ فقال فيه: ((أخرج البخاري (قال فلان) و(قال لنا فلان) وهو تدليس))، ولم يُوَافَق ابن منده على ذلك.

قال الأخ بلجوهري: "قلت: كذا نقل العبارة فاختصرها وأخل بالمعنى، والذي قاله ابن منده في ((جزء له في اختلاف الأئمة في القراءة والسماع والمناولة والإجازة)): ((أخرج البخاري في كتبه الصحيحة وغيرها: قال لنا فلان، وهي إجازة، وقال فلان، وهو تدليس، قال: وكذلك مسلم أخرجه على هذا)) انتهى كلام ابن منده.

فالتدليس في كلام ابن منده متعلق بصيغة (قال) التي ليست صريحة في السماع، بخلاف (قال لنا) فهي عند ابن منده إجازة، وهي أصرح من الأولى".

قلت:

غفر الله لأخينا، هل يُعقل أن ابن حجر الخبير بكلام البخاري وصحيحه يقع في مثل هذا الإخلال في المعنى!

وكيف لابن حجر أن لا يحفظ هذا النص القصير عن ابن منده ويكتبه مختصراً هكذا؟ وهو الذي فصّل فيه في بعض كتبه الأخرى كما سنبيّنه - إن شاء الله -.

فالذي أراه أنه وقع سقط في كتاب ابن حجر! فالمفقود في النص: «وهي إجازة» ولا بد منها؛ لأنها متعلقة بلفظ: «قال لنا» ولا يقول أحد بأن هذه اللفظة لها علاقة بالتدليس! فكيف بالحافظ ابن حجر!

فلا يمكن أن يكون ابن حجر علق هذا من حفظه ووهم فيه بسبب الاختصار! وأي اختصار: لفظة واحدة؟!

ومما يدل على سقوط هذه اللفظة من كتابه ما ذكره في تتمة كلامه، وهو ما اختصره الأخ!

قال ابن حجر: "والذي يظهر أنه يقول فيما لم يسمع وفيما سمع، لكن لا يكون على شرطه، أو موقوفاً: قال لي أو قال لنا، وقد عرفت ذلك بالاستقراء من صنيعه".

قلت: بعد أن رد ابن حجر كلام ابن منده في أن لفظة «قال» عند البخاري تعني التدليس، ذكر ما يتعلق بلفظة «قال لنا» التي لا علاقة لها بمسألة التدليس.

قال في «الفتح» (2/335) معلقاً على حديث علقه البخاري بقوله: «وَقَالَ لَنَا آدَمُ»: "(وَقَالَ لَنَا آدَمُ إِلَخْ) هُوَ مَوْصُولٌ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِقَوْلِهِ «قَالَ لَنَا» لِكَوْنِهِ مَوْقُوفًا مُغَايَرَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الموفوع هَذَا الَّذِي عَرَفْتُهُ بِالِاسْتِقْرَاءِ مِنْ صَنِيعِهِ، وَقِيلَ إِنَّهُ لَا يَقُولُ ذَلِكَ إِلَّا فِيمَا حَمَلَهُ مُذَاكَرَةً وَهُوَ مُحْتَمَلٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُطَّرِدٍ لِأَنِّي وَجَدْتُ كَثِيرًا مِمَّا قَالَ فِيهِ «قَالَ لَنَا» فِي الصَّحِيحِ قَدْ أَخْرَجَهُ فِي تَصَانِيفَ أُخْرَى بِصِيغَة «حَدثنَا»".

وقال في «النكت على كتاب ابن الصلاح» (2/601): "وأما ما حكاه عن أبي جعفر ابن حمدان وأقره: أن البخاري إنما يقول «قال لي» في العرض والمناولة - ففيه نظر؛ فقد رأيت في الصحيح عدة أحاديث قال فيها بـ «قال لنا فلان»، وأوردها في تصانيفه خارج الجامع بلفظ «حدثنا». ووجدت في الصحيح عكس ذلك. وفيه دليل على أنهما مترادفان.

والذي تبين لي بالاستقراء من صنيعه أنه لا يعبر في الصحيح بذلك إلا في الأحاديث الموقوفة أو المستشهد بها فيخرج ذلك حيث يحتاج إليه عن أصل مساق الكتاب. ومن تأمل ذلك في كتابه وجده كذلك - والله الموفق -".

ثم قال معلقاً على قول شيخه العراقي: (والبخاري ليس مدلساً): "أقول: لا يلزم من كونه يفرق في مسموعاته بين صيغ الأداء من أجل مقاصد تصنيفه أن يكون مدلساً. ومن هذا الذي صرّح أن استعمال «قال» إذا عبر بها المحدّث عما رواه أحد مشايخه مستعملاً لها فيما لم يسمعه منه يكون تدليساً!

لم نرهم صرحوا بذلك إلا في العنعنة.

وكأن ابن الصلاح أخذ ذلك من عموم قولهم: (إن حكم «عن» و«أن» و«قال» و«ذكر» واحد).

وهذا على تقدير تسليمه لا يستلزم التسوية بينها من كل جهة، كيف وقد نقل ابن الصلاح عن الخطيب أنّ كثيرا من أهل الحديث لا يسوون بين «قال» و«عن» في الحكم.

فمن أين يلزم أن يكون حكمهما عند البخاري واحداً. وقد بينا الأسباب الحاملة للبخاري على التعاليق. فإذا تقرر ذلك لم يستلزم التدليس لما وصفنا.

وأما قول ابن منده: (أخرج البخاري: قال: وهو تدليس)، فإنما يعني به أن حكم ذلك عنده هو حكم التدليس، ولا يلزم أن يكون كذلك حكمه عند البخاري، وقد جزم العلامة ابن دقيق العيد بتصويب الحميدي في تسميته ما يذكره البخاري عن شيوخه تعليقا إلا أنه وافق ابن الصلاح في الحكم بالصحة لما جزم به وهو موافق لما قررناه على أن الحميدي لم يخرج ذلك فقد سبقه إلى نحوه أبو نُعيم شيخ شيخه، فقال في المستخرج عقب كل حديث أورده البخاري عن شيوخه بصيغة قال فلان كذا: (ذكره البخاري بلا رواية) - والله الموفق -".

قال أبو زرعة العراقي في كتابه في «المدلسين» (ص: 82): "محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري صاحب الصحيح. قال أبو عبدالله ابن منده: (قوله في صحيحه: قال فلان تدليس)، وما علمنا لابن منده موافقاً على ذلك، ولم ينسب أحد البخاري إلى شيء من التدليس".

7- وقال في ترجمة مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري الإمام المشهور، قال ابن منده: إنه كان يقول فيما لم يسمعه من مشايخه: قال لنا فلان، وهو تدليس. ورد ذلك شيخنا الحافظ أبو الفضل بن الحسين وهو كما قال.

قال الأخ بلجوهري: "قلت: وهذا أيضاً متعقب بالذي قبله، وهو اختصار مخل، فقول ابن منده: وكذلك مسلم أخرجه على هذا - يقصد أن مسلماً يقول: (قال لنا فلان) وأنها إجازة، وأن (قال فلان) تدليس على حد قوله ولم يوافق ابن منده على ذلك".

قلت:

وهذا متعقب بالذي قبله، وهذا يدل على أن الخلل كان في نسخة كتاب ابن حجر! وابن حجر يستحيل أن يقول في هذا: "أنه كان يقول فيما لم يسمعه من مشايخه: قال لنا فلان، وهو تدليس"!!!

فلفظة: "لنا" هنا زائدة؛ لأن التدليس متعلق بلفظة "قال" المجردة! التي قالوا: إنها تدل على التدليس.

وقد أخطأ الأخ في سحب كامل النص على الإمام مسلم فيما يتعلق بالإجازة؛ لأن مسلماً لم يكن يقول في كتابه: "قال لنا فلان"! وإنما الأمر متعلق بقوله: "قال فلان" فقط.

فقول ابن منده: "وكذلك مسلم أخرجه على هذا" = يعني على ما قال فيه عن مشايخه: "قال فلان".

وأنبّه هنا إلى أن السخاوي في «فتح المغيث» (2/167) تكلّم على استخدام البخاري للفظة «قال لي» في الإجازة، فقال: "وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ البُخَارِيَّ بِخُصُوصِهِ يَسْتَعْمِلُهَا فِي المُذَاكَرَةِ: أَبُو إِسْمَاعِيلَ الهَرَوِيُّ؛ حَيْثُ قَالَ: (عِنْدِي أَنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ ذَاكَرَ البُخَارِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ فُلَانٍ حَدِيثَ كَذَا، فَرَوَاهُ بَيْنَ المَسْمُوعَاتِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ حَسَنٌ ظَرِيفٌ، وَلَا أَحَدَ أَفْضَلُ مِنَ البُخَارِيِّ).

وَخَالَفَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ بنُ مَنْدَهْ فِي ذَلِكَ؛ حَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّهُ إِذَا قَالَ: «قَالَ لِي» فَهُوَ إجازة".

ثم استفاض في هذه المسألة، ثم قال: "ثُمَّ إِنَّ ابنَ مَنْدَهْ نَسَبَ مُسْلِمًا لِذَلِكَ أَيْضًا، فَزَعَمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيمَا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ مَشَايِخِهِ: (قَالَ لَنَا فُلَانٌ، وَهُوَ تَدْلِيسٌ). قَالَ شَيْخُنَا: (وَرَدَّهُ شَيْخُنَا) - يَعْنِي: النَّاظِمَ، وَهُوَ كَمَا قَالَ" انتهى.

قلت: كأن السخاوي أخذ هذا من نسخة من كتاب شيخه ابن حجر في «المدلسين»! وسحب كلام ابن منده على مسلم كما فهم الأخ بلجوهري! وهذا لا يستقيم أيضاً؛ لأن الذي قاله ابن منده في قوله: «قال فلان» وليس «قال لنا فلان»؛ لأن هذه اللفظة الأخيرة لا علاقة لها بالتدليس!

قال سبط ابن العجمي في «التبيين لأسماء المدلسين» (ص: 49): "ذكر ابن منده أبو عبدالله في «جزء له في شروط الأئمة في القراءة والسماع والمناولة والإجازة»: (أخرج البخاري في كتبه الصحيحة وغيرها: «قال لنا فلان» - وهي إجازة، و«قال فلان» - وهو تدليس. قال: وكذلك مسلم أخرجه على هذا) انتهى كلامه. قال شيخنا - يعني: البقاعي - في «شرح الألفية»: (ولم يوافق عليه)، وقال في «النكت» له على ابن الصلاح: (وهو مردود عليه، ولم يوافقه عليه أحد فيما علمته، والدليل على بطلان كلامه أنه ضم مع البخاري مسلماً في ذلك، ولم يقل مسلم في «صحيحه» بعد المقدمة عن أحد من شيوخه: «قال فلان»، وإنما روى عنهم بالتصريح، فهذا يدلك على توهين كلام ابن منده، لكن سيأتي في النوع الحادي عشر ما يدلك على أن البخاري قد ذكر الشيء عن بعض شيوخه ويكون بينهما واسطة) انتهى. وقد أجاب شيخنا عن هذا في النكت على ابن الصلاح في النوع الحادي عشر، وقد نقل شيخنا قبل القراءة على الشيخ عن أبي الحسن بن القطان في تدليس الشيوخ أنه قال: (وأما البخاري فذاك عنه باطل) انتهى".

8- وقال في ترجمة موسى بن عقبةَ المدني: تابعيٌّ صغيرٌ ثقةٌ متفقٌ عليه، وَصَفَهُ الدارقُطنيُّ بالتدليس، وأشار إلى ذلك الإسماعيلي.

قال الأخ بلجوهري: "قلت: إن كان يريد بإشارة الإسماعيلي إلى تدليسه؛ ما قاله في «كتاب العتق» من مستخرجه على «صحيح البخاري»: (يقال: لم يسمع موسى بن عقبة من الزهري شيئاً).

هكذا نقله في «التهذيب» (10/362) وكأنه لم يرتضه؛ حيث قال عَقِبَهُ: (كذا قال).

فليس فيه إلا حكاية ممرضة غير مسندة إلى قائلها.

وكلامه يوهم أن الإسماعيلي أشار إلى وصف صاحب الترجمة بالتدليس مطلقاً، وليس كذلك؛ بل هي حكاية لنفي سماعه من الزهري خاصة، وليس ذلك بمقتضٍ للوصف بالتدليس؛ وهو في ذلك تابع لمن سبقه؛ في فهم كلام الإسماعيلي على أنه عنى بذلك التدليس، كالزركشي والعلائي وأبي زرعة العراقي".

قلت:

لا أدري ما شأن هذا الذي قاله ابن حجر بمسألتنا في أن ابن حجر ينقل من حفظه دون الرجوع للأصول، وأنه ينسب الأقوال إلى غير قائليها!

والغريب أن الأخ تكلم على إشارة الإسماعيلي في أن موسى بن عقبة يدلس، ولم يتكلم على ما ذكره ابن حجر عن الدارقطني أنه وصفه بالتدليس!

ثم ها هو ينقل عن ابن حجر نفسه أنه استغرب كلام الإسماعيلي لما نقله في ترجمته من «تهذيب التهذيب» فقال الأخ: كأنه لم يرتضه!

وأما أن ما ذكره الإسماعيلي حكاية ممرضة فهذا لا علاقة له أيضاً بموضوعنا، فابن حجر وغيره نقلوا عنه ما أشار به عن تدليس موسى بن عقبة سواءً صح أو لا، فهذا هو موضوع كتبهم = وهو ذكر كل من وصف بالتدليس ولو في حديث واحد.

ومن ثمّ فاعتراض الأخ أن الإسماعيلي أشار لنفي سماعه من الزهري خاصة وهذا لا يقتضي وصفه بالتدليس فيه نظر! لما أشرنا إليه أن شرط هذه الكتب أن من دلس عن شيخ واحد أو أكثر أن يُذكر فيها.

وطالما أن ابن حجر فهم من قول الإسماعيلي ما فهمه غيره ممن قبله فلم الاعتراض عليه؟!

قال أبو زرعة العراقي في «المدلسين» (ص: 95): "موسى بن عقبة: في «صحيح البخاري» روايته عن الزهري، وفي بعضها عنه: قال الزهري. قال الإمام أبو بكر الإسماعيلي: (يُقال إنه لم يسمع من الزهري شيئاً). قال العلائي: هذا بعيدٌ؛ لأن البخاري لا يكتفي بمجرد إمكان اللقاء، ولم أر من ذكر موسى بالتدليس غيره".

وقال سبط ابن العجمي في «التبيين لأسماء المدلسين» (ص: 56): "وأنا أستبعد أن يكون ابن عقبة لم يسمع من الزهري، وكلاهما مدني، وقد رأى ابن عقبة جماعة من الصحابة، وسمع من أم خالد أمه بنت خالد بن سعيد بن العاص الصحابية، وقد توفي الزهري بأطراف الشام بقرية يقال لها شغب وبدا سنة أربع وعشرين ومائة، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، وابن عقبة توفي سنة إحدى وأربعين ومائة - كذا أرخه غير واحد، وقيل: سنة اثنتين. وفي «ثقات ابن حبان» القول الأول، وقد قيل: سنة خمس وثلاثين ومائه، انتهى.

وقد نقل الذهبي في «تذهيبه»: والظاهر أنه في «التهذيب» للمزي عن ابن معين أنه قال: كتاب موسى بن عقبة عن الزهري من أصح الكتب، انتهى.

لكنني رأيت في «الاستيعاب» ما قد يشهد لقول الإسماعيلي، وذلك لأنه ذكر أبو عمر في «استيعابه» في ترجمة «رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم - رضي الله تعالى عنها -» ما لفظه: (فلم يقم موسى المعنى، وجاء فيه بالمقاربة، وليس موسى بن عقبة في ابن شهاب بحجة إذا خالفه غيره) انتهى.

ومما يرد ما قيل في موسى بن عقبة، ما رويناه في كتاب «المُحدّث الفاصل» لمحمد خلاد الرامهرمزي في الجزء الأول منه، تجزئة سبعة أجزاء قبل أوصاف الطالب وآدابه ما لفظه: حدثنا محمد بن مكرم: حدثنا أحمد بن محمد المقدمي: حدثنا الفروي، قال: سمعت مالكاً يقول: دخلت أنا وموسى بن عقبة ومشيخة كثيرة على ابن شهاب فسألنا شاب منهم عن حديث، فقال: تركتم العلم حتى إذا كنتم كالشن وقد وهي طلبتموه، لا جئتم والله بخير أبداً". انتهى.

قلت: فالحاصل أن ابن حجر لم يُخطئ في نقله عن الإسماعيلي، وما نسبه للدارقطني من أنه وصف موسى بن عقبة بالتدليس فلم أجده، فلعله يقصد التدليس بمعنى الإرسال، والله أعلم.

9- وقال في ترجمة هشام بن عروة بن الزبير بن العوام: تابعي صغير مشهور، ذكره بذلك أبو الحسن بن القطان، وأنكره الذهبي...

قال بلجوهري: "قلت: كذا نقل عن ابن القطان وصفه بالتدليس وإنكار الذهبي عليه.

والذي أنكره الذهبي على ابن القطان - وهو الفاسي، صاحب بيان الوهم والإيهام - هو جعله هشام بن عروة من جملة المختلطين، قال ابن القطان في «البيان» (5/504): "وكذلك أحاديث كثير من المختلطين، وقد تقدم التنبيه على طائفة منهم، وأن سهيل بن أبي صالح، وهشام بن عروة لمنهم، لأنهما تغيرا...".

قال الذهبي في «الرد على ابن القطان» (ص60): (فاتتك نكتة، فإنك صحفي ما جالست أصحاب الحديث، أعاقل يعد هشام بن عروة من المختلطين؟ أعظم الله أجرنا فيك).

وقال العلائي في «المختلطين» (ص126): (ذكر ابن القطان في أثناء كلام له: (أن هشاماً هذا تغير واختلط)، وهذا القول لا عبرة به، لعدم المتابع له، بل هو حجة مطلقاً، وإن كان وقع شيء ما؛ فهو من القسم الذي لم يؤثر فيه شيء من ذلك).

وكذا ذكره البرهان الحلبي في «الاغتباط بمن رمي من الرواة بالاختلاط».

وقال المصنف في «التهذيب» (11/51) بعد نقله لكلام ابن القطان: (لم نر له في ذلك سلفا). وقال الذهبي في «الميزان» (4/302،301) عند ترجمة هشام: (ولا عبرة بما قاله أبو الحسن بن القطان من أنه وسهيل بن أبي صالح: اختلطا وتغيرا... قال: فهشام شيخ الإسلام، ولكن أحسن الله عزاءنا فيك يا ابن القطان!). ونحوه في «السير» (6/36)".

قلت:

هذه فائدة طيبة من الأخ - جزاه الله خيراً - في إنكار الذهبي وغيره على ابن القطان جعل هشام بن عروة في المختلطين.

والظاهر كما قال الأخ أن ابن حجر أخطأ في ذلك، فابن القطان نسبه للاختلاط لا للتدليس، لكن قد يكون في حفظ ابن حجر أن ابن القطان ذكر ذلك عن هشام بن عروة في الباب الذي ذكره في "أُمُور جميلَة من أَحْوَال رجال يجب اعْتِبَارهَا، فأغفل ذَلِك أَو تنَاقض فِيهِ".

وأسهب في هذا الباب في الكلام على التدليس، وأنواعه، وحكمه، وكثير مما يتعلق فيه.

فكأن ابن حجر لما كتب عن تدليس هشام بقي هذا عالقاً في ذهنه عن ابن القطان، وأن الذهبي أنكر عليه ذلك، والله أعلم.

على أن ابن حجر أشار إلى ما يقتضي تدليس هشام بن عروة، ولم يذكره الأخ.

قال ابن حجر: "هشام بن عروة بن الزبير بن العوام: تابعي صغير مشهور. ذكره بذلك أبو الحسن القطان - وأنكره الذهبي -، وابن القطان، فإن الحكاية المشهورة عنه أنه قدم العراق ثلاث مرات، ففي الأولى حدث عن أبيه فصرح بسماعه، وفي الثانية حدث بالكثير فلم يصرح بالقصة وهي تقتضي أنه حدث عنه بما لم يسمعه منه، وهذا هو التدليس".

قلت: قوله: "وابن القطان" = الظاهر أن الصواب "يحيى القطان" - وهذا يدل على رداءة النسخة - = يعني أنه ذكره بالتدليس أيضاً.

قال أبو زرعة العراقي في «المدلسين» (ص: 96): "هشام بن عروة: قال علي بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد يقول: كان هشام بن عروة يُحدث عن أبيه عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قال: «ما خير رسول الله بين أمرين، وما ضرب بيده شيئاً» الحديث، فلما سألته قال: أخبرني أبي عن عائشة، قالت: «ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين»، لم أسمع من أبي إلا هذا، والباقي لم أسمعه إنما هو عن الزهري. رواه الحاكم في «علومه» عن ابن المديني.

قال العلائي: وفي جعل هشام بمجرد هذا مدلساً نظر، ولم أر من وصفه به.

قلت: قال يعقوب بن شيبة: ثبت ثقة لم ينكر عليه شيء إلا بعدما صار إلى العراق، فإنه انبسط في الرواية عن أبيه فأنكر ذلك عليه أهل بلده، والذي يروى أن هشاماً تسهل لأهل العراق أنه كان لا يحدث عن أبيه إلا بما سمعه منه فكان تسهله أنه أرسل عن أبيه مما كان يسمعه من غير أبيه عن أبيه.

قلت: وهذا صريح في نسبته إلى التدليس، ولابن خراش كلام يوافق هذا أيضاً، انتهى".

وهذه الحكاية التي أشار إليها ابن حجر ذكرها عَبْدالرَّحْمَنِ بن يُوسُف بن خراش، قال: "كان مالك لا يرضاه، وكان هشام صدوقاً تدخل أخباره فِي الصحيح. بلغني أن مالكاً نقم عليه حديثه لأهل العراق، قدم الكوفة ثلاث مرات: قدمة كان يقول: حَدَّثني أبي، قال سمعت عائشة، وقدم الثانية فكان يقول: أَخْبَرَنِي أبي عَنْ عائشة، وقدم الثالثة فكان يقول: أبي عَنْ عائشة" - يَعْنِي: يُرسِلُ عَنْ أَبِيْهِ.

وقال سبط ابن العجمي في «التبيين لأسماء المدلسين» (ص: 59): "هشام بن عروة: إمام مشهور، لم يشتهر بالتدليس، ولكن قال ابن المديني: سمعت يحيى بن سعيد يقول: كان هشام بن عروة يُحدِّث عن أبيه عن عائشة... إلخ".

والحاصل أني أشك فيما جاء في نسخة كتاب ابن حجر: "ذكره بذلك أبو الحسن القطان - وأنكره الذهبي -، وابن القطان، فإن الحكاية..".

وكأن الصواب: "ذكره بذلك يحيى بن سعيد القطان، فإن الحكاية...".

فلعل ما ذُكر هنا: "أبو الحسن القطان، وأنكره الذهبي" مُدخل من بعض أهل العلم على هامش النسخة كفائدة فأدخلت في النسخة! لأن هذا حقيقة يبعد أن يفعله ابن حجر! على أنا لا نُنكر حصول الوهم له وقد قدمت أنه ربما بقي عالقاً في ذهنه أن ابن القطان قال ذلك في معرض الكلام عن التدليس، لكن من يعرف ابن حجر يستبعد ذلك!

ثم كيف يُقدّم ابن القطان على يحيى القطان! فالأصل أن يُقدم يحيى القطان = وهذا الذي جعلني أميل إلى أنه هناك خلل في النسخة، وأن هذا ليس من كلام ابن حجر، والله أعلم.

وكتاب أبي زرعة، وكتاب سبط ابن العجمي عند ابن حجر، واستفاد منهما، ولا يوجد هذا فيهما مما يدل على خلل ما في نسخة كتاب ابن حجر!

10- وقال في ترجمة لاحِق بن حُميد أبي مِجلز البصري: التابعيُّ المشهور، صاحب أنس، مشهورٌ بكُنيته، أشار ابن أبي خَيْثَمَة عن ابن معين إلى أنه كان يُدلس، وجزم بذلك الدارقطنيّ.

قال بلجوهري: "قلت: وعبارة ابن معين كما نقلها ابن أبي خيثمة في «تاريخه»: سئل يحيى بن معين عن حديث التيمي عن أبي مجلز: أن ابن عباس، والحسن بن علي مرت بهما جنازة؛ فقال: مرسل.

فإن كان هذا مستنده؛ فوجهه: أنه لما ثبت سماع أبي مجلز من ابن عباس - رضي الله عنهما - في الجملة واحتمل إدراكه ومعاصرته للحسن بن علي - رضي الله عنهما -؛ كان إعلال ابن معين لحديثه هذا بالإرسال أو الانقطاع؛ مقتضيا لكونه دلسه عنهما، هذا هو القدر المفهوم من عبارته، ولا يتجاوز به إلى المجازفة بالتعميم بالوصف بالتدليس، كما في قول ابن حجر أن ابن معين أشار إلى أنه كان يدلس.

وقد جزم الذهبي أيضا بكونه ممن يدلس، واعتمد على غير ما ذكر ابن حجر هنا؛ فقال في «الميزان» (4/356): (لاحق بن حميد، أبو مجلز، من ثقات التابعين، لكنه يدلس؛ فقال ابن معين: لم يسمع من حذيفة، وقال ابن المديني: لم يلق سمرة ولا عمران).

والذهبي له عادة في إطلاق التدليس على الإرسال الخفي بل وحتى على الإرسال الظاهر أيضاً".

قلت:

هذا لا علاقة له بمسألتنا في أن ابن حجر تقع له الأوهام في النقل؛ لأنه لم يرجع إلى الأصول!

ولم يتعرض الأخ لقول ابن حجر أن الدارقطني جزم بأنه يدلس أيضاً!

وقد اعتمد أبو زرعة العراقي، وسبط ابن العجمي على نسبة الذهبي له بالتدليس فذكروه في كتابيهما في «المدلسين»، وتبعهما ابن حجر.

11- وقال في ترجمة يحيى بن سعيد الأنصاري: يحيى بن سعيد بن قَهد - بالقاف - بن قيس، الأنصاريُّ المدنيُّ، تابعيٌ صغيرٌ مشهورٌ، وصفه بذلك عَلِيُّ بن المديني فيما ذكره عبدالغني بن سعيد الأزدي، وكذا وصفه به الدارقطني..

قال بلجوهري: "قلت: كذا وقع هنا اسم جده أنه «قَهد بن قيس»؛ وهو مقلوب والصواب: «قيس بن قهد»، والـمُرَجَّحُ عند الأكثر؛ أن جَدَّ صاحِبِ الترجمة هو «قيس بن عمرو» لا «قيس بن قهد»، وأنهما اثنان كما ذكره ابن أبي خيثمة، وأبو سعيد بن السكن، قال البخاري في «التاريخ الكبير» (8/275): (يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو الأنصاري، وقال بعضهم: قيس بن قهد، ولا يصح).

أما ما وقع عند ابن حجر هنا؛ من حكاية الوصف بالتدليس عن ابن المديني نقلاً عن الحافظ عبدالغني بن سعيد الأزدي؛ فالذي ذكره العلائي في «جامع التحصيل» (ص111) أن الذي حكاه عنه هو: الحافظ عبدالغني في كتابه «الكمال» في ترجمة محمد بن عمرو بن علقمة.

وهكذا وقع في كتاب «المدلسين» لأبي زرعة العراقي (ص101)، و«التبيين» للبرهان الحلبي (ص61)، والمقصود بصاحب الكمال: عبدالغني بن عبدالواحد بن علي بن سرور المقدسي الجماعيلي الدمشقيّ الحنبلي، أبو محمد، تَقِيّ الدين، المتوفى سنة 600هـ، وكتابه هو: «الكمال في أسماء الرجال» الذي هذبه الحافظ المزي، أما المذكور هنا عند ابن حجر؛ فهو عبدالغني بن سعيد بن علي بن سعيد بن بشر بن مروان أبو محمد الأزدي، المصري، صاحب كتاب «المؤتلف والمختلف» وغيره المتوفى سنة 409هـ، وذِكْرُهُ هنا وهم لما تقدم عن العلائي ومن تبعه.

أما قضية وصفه بالتدليس، فإنما رواها إسحاق بن حكيم عن يحيى بن سعيد القطان، كما أسندها ابن عدي في«الكامل» (6/224) «ترجمة محمد بن عمرو بن علقمة» فقال: (حدثنا علي بن إسحاق بن رداء: أخبرنا محمد بن يزيد المستملي قال: ثنا إسحاق بن حكيم قال: قال يحيى القطان: وأما محمد بن عمرو فرجل صالح ليس بأحفظ الناس للحديث، وأما يحيى بن سعيد فكان يحفظ ويدلس).

وعلق هذا النصَّ؛ الذهبيُّ في «الميزان» (3/673) عن إسحاق بن حكيم عن يحيى القطان عند ترجمة: محمد بن عمرو بن علقمة.

وكذا ذكر المزيُّ في «تهذيب الكمال» (26/212) عند ترجمة محمد بن عمرو؛ حكاية إسحاق بن حكيم عن القطان، واقتصر على الشطر المتعلق بمترجمه.

وابن المديني لم يصف يحيى بن سعيد الأنصاري بالتدليس البتة، ولا نقله عنه صاحب «الكمال»؛ لأن الذي وجدته في صورة لنسخة مخطوطة لكتاب «الكمال» الجزء الأول، عند ترجمة محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص أن الوصف بالتدليس جاء منسوباً ليحيى القطان على الجادة، وهذا نصه: «... قال يحيى القطان: هو رجل صالح ليس بأحفظ الناس للحديث، وأما يحيى بن سعيد؛ فكان يحفظ ويدلس».

ثم طبع الكتاب في الكويت وهو في (3/353)، فالحمد لله على نعمه.

وعلى كل فلا أخال جملة يحيى القطان تصح عنه؛ وقد تفرد بها إسحاق بن حكيم، ولم أهتد إلى ترجمة تبين حاله، وهو وإن تعدد شيوخه و تلاميذه؛ فمتوقف في حاله؛ ومن كان هذا سبيله مع تفرده برواية الوصف بالتدليس عن القطان لصاحب الترجمة؛ فهو ممن يجب الحذر من الجزم بروايته، وخصوصاً أنه لم يشتهر بالنقل عن القطان لمسائل الجرح والتعديل، نعم أخرج له ابن عدي جملة مما رواه عن يحيى القطان في أحوال الرواة في سبعة مواضع من كتابه، ولا وجود - فيما اطلعت عليه - لمثلها مسندة في غير كتاب ابن عدي، وقد تفرد بها عنه محمد بن يزيد المستملي وهو الطَّرَسُوسيّ وكنيته أبو بكر، وله ترجمة سيئة في «الكامل» (6/282) حيث قال: (يسرق الحديث ويزيد فيه ويضع)، ثم سرد له ستة أحاديث منكرة.

والحاصل أن ما وقع ترجمة يحيى بن سعيد الأنصاري قد اشتمل عدة أوهام:

أولها: قلبٌ في اسمه من قيس بن قهد إلى قَهد بن قيس.

وثانيها: أن جَدّهَ هو «قيس بن عمرو» لا «قيس بن قهد»، وأنهما اثنان.

وثالثها: حكاية الوصف بالتدليس عن ابن المديني نقلا عن الحافظ عبدالغني بن سعيد الأزدي وهمٌ في استحضار المنقول عند العلائي وأبي زرعة العراقي والبرهان الحلبي وهو في الحقيقة عن عبدالغني المقدسي صاحب الكمال.

ورابعها: أن المروي عند صاحب الكمال في الوصف بالتدليس هو عن يحيى القطان.

وخامسها: أن ابن المديني لم يصف يحيى بن سعيد الأنصاري بالتدليس البتة، ولا نقله عنه صاحب «الكمال».

وسادسها: أنه حتى يحيى القطان لم يثبت النقل عنه في وصف الأنصاري بالتدليس" انتهى.

قلت:

عجيب من الأخ الكريم أن ينسب هذه الأوهام الستة لابن حجر كما هو ظاهر كلامه!!

أولاً: فيما يتعلق بالقلب في اسمه فهو كما أشار الأخ، إلا أني أُجوّز أن يكون ذلك من النسخة لردائتها، فليس مثل ابن حجر من يقلب هذا القلب في راو مشهور مثل يحيى بن سعيد، والله أعلم.

ثانياً: أما نسبة الوهم لابن حجر في اسم جده: «قيس بن قهد»، وإنما هو: أن جَدّهَ هو «قيس بن عمرو»! فهذا أيضاً من العجب!

ومع قول الأخ أن الـمُرَجَّحُ عند الأكثر؛ أن جَدَّ صاحِبِ الترجمة هو «قيس بن عمرو» لا «قيس بن قهد»، فإن البحث العلمي يقتضي أن يُذكر كل ذلك في هذا الاختلاف، ثم الترجيح بحسب الأدلة! والعجب كيف اقتصر على نقل كلام البخاري، ولم ينقل غيره! وكذا قول من قال بأنهما اثنان!

فقد ذكر بعض من ترجم له أنه: يَحْيَى بنُ سَعِيْدِ بنِ قَيْسِ بنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ، وَقِيْلَ: يَحْيَى بنُ سَعِيْدِ بنِ قَيْسِ بنِ قهدٍ.

فقِيلَ: ابن قَهْد بدل عَمْرو.

وممن قال في نسبه «قهد»: يزيد بن هارون، وخليفة بن خياط، وابن أبي حاتم، وابن حبان.

وممن قال بأن جده «قيس»: ابن معين، وأبو خيثمة، وأحمد، والبخاري، وابن سعد، والمفضل الغلابي، وأبو أحمد الحاكم.

وذكر ابن أبي حاتم أن «قهد» لقب أحد بني مالك بن النجار.

وقال مغلطاي بأن قهداً لقب عمرو، وقاله ابن حبان أيضاً.

والشاهد أن ابن حجر ليس بغافل عن هذا الاختلاف، وقد ذكره في «الإصابة»، و«التهذيب».

وقال في «التقريب»: "يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري".

وقال المزي في «تهذيب الكمال»: "قَيْس بن عَمْرو بن سَهْل بن ثعلبة بن الْحَارِث بن زَيْد بن ثعلبة بْن غنم بْن مالك بْن النجار الأَنْصارِيّ المدني، وهو جد يحيى بن سعد الأَنْصارِيّ وأخويه في قول أَحْمَد بن حنبل، ويحيى بن مَعِين.

وَقَال مصعب بن عَبدالله الزُّبَيْرِيّ: جد يَحْيَى بن سَعِيد الأَنْصارِيّ: قيس بن قهد، ولم يكن بالمحمود في أصحاب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وهو قيس بن قهد بن قيس بْن ثعلبة بن عُبَيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار.

قال أبو بكر بن أَبي خَيْثَمَة: غلط مصعب في ذلك، والقول مَا قال أَحْمَد، ويحيى. قال: وقَيْس بْن قهد، وقَيْس بْن عَمْرو كلاهما من بني مَالِك بْن النجار.

قال ابن أَبي خيثمة: قيس بن قهد جد أَبِي مريم عبد الغفار ابن الْقَاسِم الأَنْصارِيّ الكوفي".

ولخص ذلك ابن حجر في «التهذيب» ثم قال: "وأما ابن حبان فزعم أن قيس بن عمرو هو قيس بن قهد، وأن قهداً لقب عمرو، وكأنه أخذه من قول البخاري: قيس بن عمرو جد يحيى بن سعيد له صحبة، قال: وقال بعضهم: قيس بن قهد. وقال أبو نعيم في الصحابة: قيس بن عمرو بن قهد بن ثعلبة، ثم قال: وقيل: قيس بن سهل، والله أعلم".

وذكر ابن حجر في «الإصابة» في ترجمة «قيس بن قهد» مستنداً لقول مصعب = رواية أخرجها ابن منده.

فعليه لا يجوز توهيم ابن حجر في هذا! فهو لم يهم، وإنما نقل قولاً قال به بعض أهل العلم، فيحتمل أنه كان يراه ثم تغيّر رأيه.

ثالثاً: أصاب الأخ في وهم ابن حجر في نقله حكاية الوصف بالتدليس عن عبدالغني بن سعيد الأزدي، وإنما الذي حكى ذلك: عبدالغني المقدسي صاحب كتاب «الكمال» كما قال العلائي، وأبو زرعة العراقي والبرهان الحلبي سبط ابن العجمي.

لكن ابن حجر لم يعلق هذا من حفظه! وإنما نقله كما نقل غيره.

قال العلائي في «جامع التحصيل» (ص: 111): "يحيى بن سعيد الأنصاري: ذكر علي بن المديني أنه كان يدلس، حكاه عنه الحافظ عبدالغني في كتابه «الكمال» في ترجمة «محمد بن عمرو بن علقمة»".

وقال أبو زرعة في «المدلسين» (ص: 101): "يحيى بن سعيد الأنصاري: ذكر علي بن المديني أنه كان يدلس، حكاه عنه الحافظ عبدالغني في كتاب «الكمال» في ترجمة «محمد بن عمرو بن علقمة»".

وقال سبط ابن العجمي في «التبيين لأسماء المدلسين» (ص: 61): "يحيى بن سعيد الأنصاري: ذكر ابن المديني أنه كان يدلس، حكاه الحافظ عبدالغني في «الكمال» في ترجمة «محمد بن عمرو بن علقمة»، وكذا نقله الذهبي في «ميزانه» عنه في ترجمة «محمد بن عمرو بن علقمة»".

فكلهم نقلوا هذا عن العلائي، وقد صرّح ابن حجر في مقدمة كتابه أنه علّق هذه المراتب من كتاب العلائي «جامع التحصيل» وزاد عليه أسماء كثيرة.

وأكبر الظن أن عبارة ابن حجر وقع فيها تصحيف، وصوابها: "وصفه بذلك عَلِيُّ بن المديني فيما ذكره عبدالغني المقدسي".

فتصحفت «المقدسي» إلى «سعيد الأزدي»، فظن كاتب النسخة أنه: «عبدالغني بن سعيد الأزدي»، والله أعلم.

رابعاً: نقل الأخ من كتاب صاحب «الكمال» أن صاحب الوصف بالتدليس هو عن يحيى القطان، وأن ابن المديني لم يصف يحيى بن سعيد الأنصاري بالتدليس البتة، ولا نقله عنه صاحب «الكمال»!

وجعل هذا من أوهام ابن حجر!

وهذا من أعجب العجب! فقد وافق ابن حجر في النقل كما مر آنفاً: العلائي، وأبو زرعة، وسبط ابن العجمي! ولم يُشر الأخ لذلك!

فكيف اتفق هؤلاء الأربعة على أن صاحب الوصف هو: علي بن المديني!

وقد سبق أن أشرت إلى أن الثلاثة: أبا زرعة العراقي، وسبط ابن العجمي، وابن حجر الظاهر أنهم نقلوا هذا عن العلائي، ولذا اتفقوا على ذكر «علي بن المديني» = وعليه فتكون النسخة التي نقل من العلائي من «الكمال» فيها أنه «علي بن المديني»، وفي بعض النسخ: «يحيى القطان»، ومعروف أن نسخ كتاب «الكمال» لم تكن متقنة!

ويُحتمل أن الوهم حصل للعلائي لما نقل من كتاب «الكمال».

والحاصل أن ابن حجر لا علاقة له بهذا الوهم وقد وافقه عليه غيره، فهو لا شك ناقل عمن ذكره قبله.

خامساً: وبناء على ما ذكره الأخ من قبل قال بأنه لم يثبت النقل عن يحيى القطان في وصف الأنصاري بالتدليس!

ولا أدري ما دخل ابن حجر بهذا؟

فابن حجر نقل ذلك عن ابن المديني لا يحيى القطان، فكيف يجعله وهماً في هذه الترجمة؟!

وقد بنى الأخ عدم صحة ذلك عن يحيى القطان؛ لأن راويها عنه: إسحاق بن حكيم! وحاله لا تعرف، وهو يروي بعض الأقوال عن يحيى القطان وينفرد بها عنه! وقد تفرد بها عنه محمد بن يزيد المستملي الطَّرَسُوسيّ، وله ترجمة سيئة في «الكامل» (6/282) حيث قال: "يسرق الحديث ويزيد فيه ويضع)"، ثم سرد له ستة أحاديث منكرة!

قلت: لم يُحقق الأخ حال محمد بن يزيد المستملي (توفي ما بين سنة 251 - 260هـ)، وإنما اكتفى بما ذكره ابن عدي في «ترجمته»! وقد أجحف ابن عدي بنسبته إلى سرقة الحديث، والوضع!

وقد تتبعت أحواله فوجدته قد صاحب أئمة الجرح والتعديل وكتب عنهم سؤالات كابن مهدي (198هـ)، وأبي مسهر الدمشقي (218هـ)، وابن المديني (234هـ)، وأحمد (241هـ).

وقد ذكروه في أصحاب الإمام أحمد.

قال أَبُو بكر الخلاّل: "انحدر مَعَ أبي عبدالله من طرسوس أَيَّام المَأْمُون، وَكَانَ المروزِي يذكر لَهُ ذَلِك ويشكره، وَيَقُول: مَرضت فَكَانَ يحملني على ظَهره وَعِنْده عَن أبي عبدالله مسَائِل حسان وَقعت إِلَيْنَا مُتَفَرِّقَة.

وَقَالَ سَمِعت رجلاً سَأَلَ أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ: أكتب كتب الرَّأْي؟ قَالَ: لَا تفعل عَلَيْك بالآثار والْحَدِيث، فَقَالَ لَهُ السَّائِل: إِن عبدالله بن المُبَارك قد كتبهَا! فَقَالَ لَهُ أَحْمد: إِن ابن المُبَارك لم ينزل من السَّمَاء، إِنَّمَا أمرنَا أَن نَأْخُذ العلم من فَوق.

قَالَ: وَسَأَلت أَحْمد عَن عبدالرَّزَّاق، كَانَ لَهُ فقه؟ فَقَالَ: مَا أقل الفِقْه فِي أهل الحَدِيث". [طبقات الحنابلة: (1/329)].

وذكره ابن حبان في «ثقاته» (9/115) (15488) وقال: "يروي عَن أبي أُسَامَة، وَيزِيد بن هَارُون. روى عَنهُ أهل الثغر. رُبمَا أَخطَأ".

وقال أَبو داود: قال لي بُندار: "حين سمع مني حديث سُفيان: اتهمتُهُ، كان يكتب سُفيان، سُفيان، ويسقط الشُيوخ".

قلت: فهذه كانت مشكلته في إسقاط الشيوخ، فلما وجد ابن عدي أن هذه الأحاديث التي يرويها محفوظة لغيره نسبه للوضع وسرقة الحديث! وليس كذلك، وإن كان ما فعله بإسقاطه للشيوخ قد أضرّ به.

لكن عموماً مثله تُقبل منه هذه الحكايات والمسائل، فما حكاه عن إسحاق بن حكيم صحيح.

وقد أشار ابن حجر في ترجمة «يحيى بن سعيد» من «تهذيب التهذيب» (11/223) إلى هذه الحكاية، فقال: "وقال الدمياطي: يقال إنه كان يُدلس، ذكر ذلك في قبائل الخزرج، وكأنه تلقاه من قول يحيى بن سعيد القطان لما سئل عنه، وعن محمد بن عمرو بن علقمة، فقال: أما محمد بن عمرو فرجل صالح ليس بأحفظ للحديث، وأما يحيى بن سعيد فكان يحفظ ويدلس".

قلت: وهذا يعني أن ما قاله ابن حجر في ترجمة «يحيى بن سعيد» في «المدلسين» نقله عن العلائي، ولم يُحرر ذلك، كما نقل هنا.

وروى ابن عساكر في «تاريخه» (64/257) من طريق محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة، عن جدّه يعقوب بن شيبة، قال: أظن سمعت مثنى بن معاذ بن معاذ يُحدّث عن أبيه - فإن لم أكن سمعته فحدثنيه محمد بن إسحاق عنه - قال: "كنا عند شعبة فذكروا محمد بن عمرو، فحمل عليه يحيى بن سعيد القطان، فقال له شعبة: انظر إلى حديثه أين هو من حديث صاحبك - يعني: يحيى بن سعيد الأنصاري، وكان شعبة حَمِد أمر محمد بن عمرو".

12- وقال في ترجمة يزيد بن هارون الواسطي: أحد الأعلام من أتباع التابعين. قال: (ما دَلَّسْتُ قط إلا في حديثٍ واحد؛ فما بورك فيه).

قال الأخ بلجوهري: "قلت: عبارة يزيد بن هارون؛ كما أسندها ابن عدي في «الكامل» (1/33): (حدثنا عبدالجبار بن أحمد السمرقندي: حدثنا مؤمل بن إهاب، قال: سمعت يزيد بن هارون، يقول: ما دلست حديثاً قط، إلا حديثاً واحداً عن عوف؛ فما بورك لي فيه).

قلت: عوفٌ هو ابن أبي جميلة العبدي الهجري، أبو سهل البصري، المعروف بالأعرابي، ولم يكن أعرابياً، وهو ثقة حديثه في الكتب الستة.

وصاحب الترجمة يزيد بن هارون ليس من شرط الكتاب، ولا من شرط هذه المرتبة أو الطبقة؛ إذ لم يصفه بالتدليس أحد ولو من جهة الندور، وكونه حكى ذلك عن نفسه في حديث واحد رواه عن عوف الأعرابي ولا يُدرى ما هو؛ لا يجعله من جملة الموصوفين بالتدليس، كيف وقد أعقب ذلك بحكاية ما وقع له من انتفاء البركة عن ذاك الحديث؛ حيث لم يحصل له انتفاع به من حيث بثه ونشره وما يتبع ذلك من تحصيل الثواب بالتحديث به ورواجه من طريقه إلى من بعده؛ فَجَرَّبَ شؤم التدليس؛ فكان ذلك أعظم رادع له عن اقترافه، وهو دليل على إخلاصه وصدقه وورعه، ولا يَزيدُ الناسَ ذلك إلا ثقة به وبحفظه.

وحديث يزيد بن هارون عن عوف الأعرابي؛ مما يعز له وجود، ولم يخرج أصحاب الكتب الستة لشيء من ذلك، ولم يرقم المزي لأحد من المصنفات لذلك، ولم يقع نظري إلا على إسنادين يروي فيهما عن عوف الأعرابي، وقد ذكرتها في «إحكام التأسيس» (1/540)" انتهى.

قلت:

هذا لا علاقة له بما نحن بصدده من دعوى أن ابن حجريُخطئ فيما ينقله!

وأما إدخاله له في كتابه دون أن يصفه أحد بالتدليس بسبب هذا الاعتراف الذي اعترف به فلا حرج فيه عليه، فهذا يُعد من النادر الذي هو من شرط المرتبة الأولى عند ابن حجر ولو كان مرة واحدة بخلاف ما ذهب إليه الأخ أنه ليس على شرط الكتاب!

هذا آخر ما أردت التعليق عليه على عجل على كلام أخينا بلجوهري، وأنصحه أن يتريث في مراجعة ما كتبه، ويتعمّق في البحث، وأسأل الله - عزّ وجلّ - أن يوفقه لخدمة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والحمد لله أولاً وآخراً.

وكتب: د. خالد الحايك.

11 شوّال 1445 هـ.

شاركنا تعليقك