الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

النُّسخ السقيمة عند بعض الحفّاظ!

النُّسخ السقيمة عند بعض الحفّاظ!

سألني أحد الإخوة عما كتب بعض طلبة العلم:

"مِن دقيق الصناعة الحديثية معرفةُ القيمة العلمية للأصول التي كانت بحوزة الحُفاظ، مِن كتب السنة والرجال: فعلى سبيل التمثيل كانت عند الإمام مُغَلْطاي نسخة رديئة من (تحفة الأشراف)، فعمِل أوهام الإمام المِزِّي فأخطأ عليه في مواطن عديدة! وكانت عند الحافظ ابن حجر نسخة رديئة من (الثقات) لابن حبان، فوهِم عليه في غير موطن في (تهذيب التهذيب)، على أنه والذهبيَّ كانا ينقلان من حِفْظهما أحيانا!"؟

فأجبته بعد التوكل على الله، وقلت:

هذه فعلاً من دقيق الصناعة الحديثية - بالمعنى الواسع للصناعة الحديثية لا المعنى الذي اقتصر على مناهج المحدثين في كتبهم - كالنسخة السقيمة التي وقعت للرازيين أبي زرعة وأبي حاتم - من تاريخ الإمام البخاري، فاستدركا عليه أشياء بسبب هذه النسخة الرديئة كما بيّن المعلمي اليماني في مقدمة تحقيقة لجزء خطأ البخاري في تاريخه. ولنا تفصيل في ذلك في بحث خاص في بيان وهاء دعوى بشار معروف حول هذه المسألة!

لكن الذي ذكره صاحب هذا الكلام لم يُقم البيّنة عليه!

فمن قال بأن النسخة التي وقعت لمغلطاي من تحفة المزي كانت رديئة؟ وكذلك نسخة ابن حجر من ثقات ابن حبان؟!

والمعروف عن مغلطاي وابن حجر تتبعهما للنسخ ونفائس الكتب، فمثلهما يعرف أن هذه النسخة أو تلك رديئة أو سقيمة! مع معرفتهما الواسعة في الرِّجال!

ولم يذكر أحد ممن ترجم لمغلطاي وأشار لكتابه في أوهام المزي في التحفة إلى مثل هذا!

·       نسخة مغلطاي من تحفة المزي!

قال ابن حجر في «مقدمة النكت الظراف على الأطراف»: "وكنتُ ممن مارسه ودارسه - يعني كتاب المزي «التحفة» -، فوقفت في أثناء العمل على أوهام يسيرة، فكنت أكتبها في طُررٍ عندي تارة، وفي هوامش النسخة أخرى. ثم وقفت على جزء جمعه العلامة مغلطاي في ذلك فيه أوهام منه. ثم وجدت جملة من الأحاديث أغفلها، وخصوصاً من كتاب النسائي - رواية ابن الأحمر وغيره، وكذلك من تعاليق البخاري.

ثم وقفت على جزء لطيف يخط المصنِّف تتبع فيه أشياء من كتاب النسائي - رواية ابن الأحمر، وسمّاه «لحق الأطراف». ثم رأيتها بخطه في هوامش نسخة تلميذه الحافظ عماد الدين ابن كثير بدمشق.

ونقلتُ كثيراً من هوامش نسخة شيخي حافظ العصر أبي الفضل، ثم وقع لي جزء لطيف بخط الإمام الحافظ القاضي ولي الدين ابن شيخنا المذكور، جمع فيه بين حواشي والده، وبين جزء مغلطاي. وأضاف إليه من عمله هو شيئاً يسيراً، وأكثر فيه من التنبيه على أوهام مغلطاي. فذاكرته بالجزء الذي جمعه المزي، ووقفته عليه. فألحق ما فيه في هوامش نسخته بخطّه.

فسألني الآن جماعة من الإخوان، خصوصاً المغاربة في جمع ذلك، فجمعته كله على ترتيب الأصل ليُستفاد. وأكثر ذلك هو من عملي وتنقيبي، ولا أدّعي العصمة، ولا الاستيعاب مع أن حجمه أضعاف حجم كتاب العراقي، ومع ذلك فكتابه يكون قدر العُشر من كتابي هذا، والله المستعان. مع أني لم أتشاغل فيه لمغلطاي غالباً، بل اقتصرت على ما لا اعتراض فيه ولا تعقّب" انتهى.

قلت: وقد تتبعت المواضع التي ذكرها ابن حجر عن مغلطاي مما نسب فيها الأوهام للمزي نحواً من (30) موضعاً، وافقه في نصفها، ووهمه في النصف الآخر.

وذكر في بعضها أن مغلطاي كان يذكر في تعقباته للمزي بعض نسخ السنن المعروفة والقديمة = وهذا يدل على عنايته بالنسخ، ويعرف الرديئة من غيرها.

والظاهر أن مغلطاي لم يقف على الجزء الذي ألحقه المزي بكتابه هذا، فيُحتمل أن بعض الأوهام التي ذكرها ترجع لعدم اعتماد المزي لسنن النسائي – رواية ابن الأحمر، وتعاليق البخاري، فحينها تزول بعض هذه الأوهام، وقد ذكر ابن حجر أن مغلطاي نبه لوهم عند المزي في متابعة معلقة مودودة عند البخاري لم يذكرها، وقد ذكر في الجزء الملحق تعاليق البخاري كما ذكر ابن حجر في المقدمة.

فهذا هو الظاهر الذي بين أيدينا، ومن ادّعى خلاف ذلك فعليه بالدليل والحجة، فأن أثبت ذلك فنستفيد منه إن شاء الله.

·       نسخة ابن حجر من ثقات ابن حبان!

وأما ما يتعلق بنسخة ثقات ابن حبان التي وقعت للحافظ ابن حجر، فمن قرأ كتب ابن حجر كالتهذيب، والتعجيل، وغيرهما يعرف عناية ابن حجر بالنسخ، والتنبيه على التصحيفات والتحريفات التي تقع في النسخ! فكيف يُقال بأنه وهّم ابن حبان في مواضع؛ لأنه اعتمد نسخة رديئة من كتاب ابن حبان فوهم عليه في مواطن!!

فكان ينبغي عليه بيان هذه المواطن؟

وأما نسخة الثقات فقد أشار ابن حجر نفسه إلى سقمها في بعض المواضع! فإذا كان يعرف أن هذه النسخة سقيمة، فكيف يهم على ابن حبان في مواضع مما استدرك فيها عليه!

- قال ابن حجر في ترجمة «محمد بن عبد الرحمن بن نوفل أبي الأسود المدني يتيم عروة» (508) بعد أن ذكر قول المزي: "وذكره ابن حبان في «الثقات»": "قلت: وزعم أنه توفي سنة سبع عشرة ومائة، وهذا وهمٌ لا مرية فيه، والأشبه أن يكون من سقم النسخة، وكأنها كانت سنة سبع وثلاثين".

قلت: فابن حجر استبعد أن يكون ابن حبان وهم في هذا، وعزا هذا الوهم لسقم النسخة!

قلت: في مطبوع «الثقات» (7/365): "مَاتَ سنة سبع عشرَة وَمِائَة".

قال محققه المعلمي: "كذا في الأصول"، وقد اعتمد في تحقيق الكتاب على ثلاثة نسخ.

- وقال ابن حجر في ترجمة «قيس بن مروان» (421) بعد أن ذكر قول المزي: ".. وعنه: خيثمة بن عبدالرحمن... ذكره ابن حبان في الثقات": "قلت: وقال: روى عنه حبيب. كذا في النسخة! وهي سقيمة، ولعلها «خيثمة» تصحفت".

قلت: في مطبوع «الثقات» (5/316): "قَيْس بن مَرْوَان: يروي عَن عمر بن الخطاب. رَوَى عَنْهُ: حبيب".

فيبدو أنها مصحفة في النسخ كما قال ابن حجر.

وقال في ترجمة «سعيد بن عبدالرحمن بن جحش» (91) بعد أن ذكر قول المزي: "وذكره ابن حبان في«الثقات»": "قلت: لكن وقع في النسخة: روى عنه محمد بن راشد، فكأنه تصحيف فيحرر".

قلت: في مطبوع «الثقات» (4/286): "روى عَنهُ: مُحَمَّد بن رَاشد".

قال محققه: "كذا في الأصلين"!

وهو مصحف، والصواب: «معمر» وهو: ابن راشد كما ذكر البخاري، وابن أبي حاتم.

فابن حجر كان يعزو بعض الأوهام التي في كتاب ابن حبان إلى سقم النسخة، لكن إذا تبيّن له أن ابن حبان وَهم فيعزو الوهم له.

قال ابن حجر في ترجمة «إسماعيل بن بشير مولى بني مَغالة» (527): "وقال ابن حبان في «الثقات» في «أتباع التابعين»: إسماعيل بن بشير مولى بني سدوس، يروي عن أبي طلحة بن سهل، عن جابر. روى الليث عن يحيى بن سليم عنه. فوهم ابن حبان فيه في موضعين: أحدهما: في نسبته، وهي محتملة. والثاني في روايته! ولولا أنه جعله في أتباع التابعين لجوزت أن يكون الوهم من النسخة".

قلت: في مطبوع «الثقات» في أتباع التابعين (6/33): "إِسْمَاعِيل بن بشير مولى بني سدوس: يروي عَن أبي طَلْحَة بن سهل، عَن جَابر. روى اللَّيْث بن سعد عَن يحيى بن سليم عنه".

قال محققه: "كذا في الأصول".

وقد تصحف الإسناد عند ابن حبان، وهو يروي عن أبي طلحة زيد بن سهل، وجَابِر بن عَبداللَّهِ: سمعنا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فجعله عن أبي طلحة عن جابر، فصار من أتباع التابعين فوهم فيه!

وكان ابن حجر حريصاً على ذكر ما في نسخة «الثقات» التي عنده أو نسبة شيء إليها وليس فيها!

فقد ذكر في ترجمة «نجدة بن نفيع الحنفي» (757) قال: "قلت: قرأت بخط بعض المتأخرين: ذكره ابن حبان في الثقات. وما رأيت ذلك في النسخة التي عندي".

قلت: وليست موجودة في المطبوع أيضاً.

ولما قال المزي في ترجمة «إسماعيل بن موسى الفزاري»: "وذكره أبو حاتم بن حبان في كتاب «الثقات»، وَقَال: كان يخطئ"، قال ابن حجر (606): "قلت: لم أر في النسخة التي بخط الحافظ أبي علي البكري من ثقات ابن حبان قوله: «يخطىء»".

قلت: وليست موجودة أيضاً في النسخة المطبوعة (8/104).

وذكر ابن حجر ترجمة زادها على المزي للتمييز فيمن اسمه «حصين بن عبدالرحمن»، فقال (663): "تمييز- حصين بن عبدالرحمن الأشجعي: روى عن سعد بن أبي وقاص، وعنه أهل الكوفة. وذكره ابن حبان في «الثقات»، قرأت ذلك بخط مغلطاي، وما وجدته في النسخة التي انقل منها! نعم وجدته فيها فيمن اسمه «حسين» بالسين المهملة، وقد تقدم".

قلت: يعني أن مغلطاي زاد هذه الترجمة على المزي في «إكماله» وقد نقلها ابن حجر بخط مغلطاي، لكن ليست موجودة في كتاب ابن حبان، وقد تصحفت في النسخة التي نقل منها مغلطاي.

ففي «الثقات» (4/156): "حُسَيْن بن عَبْدالرَّحْمَن الْأَشْجَعِيّ يروي عَن سعد بن أَبِي وَقاص. روى عَنهُ أهل الكُوفَة".

وهذه آخر ترجمة فيمن اسمه «حسين»، ثم ذكر من اسمه «حصين»، فقال: "حُصَيْن بن جُنْدُب...".

فتصحفت «حسين» إلى «حصين».

وقال في ترجمة «عبدالله بن عُمير مولى أم الفضل» (594) بعد أن ساق كلام المزي: "وذكره ابنُ حِبَّان في كتاب «الثقات»، وَقَال: مات سنة عشر ومئة": "قلت: كذا نقله والذي في النسخة التي وقفنا عليها من كتاب «الثقات»: مات سنة 17 كما قال ابن سعد، فالله أعلم".

قلت: في مطبوع «الثقات» (5/54): "مَاتَ سنة سبع عشرَة وَمِائَة".

وتعقب مغلطاي المزي في «الإكمال» (8/101) فقال: "كذا ذكره المزي، والذي رأيت في كتاب «الثقات» في عدة نسخ: سبع عشرة".

قلت: سقط من النسخة التي نقل منها المزي من «الثقات»: "سبع" فصارت: "سنة عشر ومائة".

وقال في ترجمة «عمرو بن عثمان بن سيار الكلابي» (112) بعد أن نقل كلام المزي: "وذكره ابنُ حِبَّان فِي كتاب «الثقات»، وَقَال: مات سنة تسع عشرة ومئتين": "قلت: وفي النسخة التي وقفت عليها من ثقات ابن حبان: سبع عشرة بتقديم السين، وقال: ربما أخطأ وكذا أرخ أبو عروبة وفاته عن هلال بن العلاء".

قلت: وقد تعقب مغلطاي المزي في «إكماله» (10/227) فقال: "والذي في كتاب «الثقات» في غير ما نسخة إحداها بخط الصريفيني: سبع عشرة، كما ذكره من عند غيره".

قلت: في مطبوع «الثقات» (8/484): "مَاتَ سنة تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَكَانَت كنيته أَبُو عُثْمَان. رُبمَا أَخطَأ".

قلت: فهذا يعني أنه كانت في بعض نسخ كتاب ابن حبان كما نقله المزي، وفي بعضها كما نقله مغلطاي وابن حجر، وقد تصحف في بعضها.

والحاصل أن ابن حجر - وإن أشار إلى سقم النسخة التي ينقل منها من كتاب «الثقات» لابن حبان - كان يدفع عنه الوهم بذكر مثل هذه التحريفات والتصحيفات، وحينها لا يمكن أن يكون وهم عليه دون التنبه إلى أن المشكلة في النسخة!

ولننظر في بعض ما وهّمه فيه ابن حجر، ونرى هل هذه الأوهام من النسخة أم من ابن حبان نفسه!

- ذكر ابن حجر ترجمة للتمييز قال: "تمييز- أحمد بن عيسى بن زيد اللخمي التنيسي المصري".

ثم قال: "ولما ذكر ابن حبان «أحمد بن عيسى» الذي قبله في «الثقات» قال فيه: «التنيسي»، وهو وهم منه! هذا مع أنه ذكر التنيسي في «الضعفاء» فما أدري كيف اشتبه عليه".

قلت: نعم، ذكره في «المجروحين» (1/146) (76) قال: "أحْمَد بن عِيسَى الخشاب التنيسِي، من أهل تنيس".

وفي مطبوع «الثقات» (8/15): "أَحْمد بن عِيسَى التسترِي أَبُو عبدالله سكن بَغْدَاد، وَكَانَ متقناً...".

قال محققه: "وقع في الأصل: «التتري»" هكذا! وقد أصلحه في الأصل: «التنيسي».

والذي يظهر أن النسخة التي نقل منها ابن حجر فيها: «التنيسي» ولهذا وهّم ابن حبان مع استغرابه أنه ذكر «التنيسي» في الضعفاء، وصاحب الترجمة نسبته «التستري».

فهنا لم يلتفت إلى سقم النسخة، والصحيح أنها مصحفة في هذا الموضع.

- وقال في ترجمة: «أيوب بن بشير بن سعد بن النعمان الأنصاري أبي سليمان المدني» (729): "وقد وهم ابن حبان فيه في «الثقات» فقال: مات سنة (119)، وله (75) سنة، وكأنه اشتبه عليه بأيوب بن بُشَير العدوي، فإنه هو الذي مات في هذه السنة وعاش هذا القدر كما سيأتي قريباً".

وذكر مثل هذا في ترجمته من «الإصابة» (1/327).

ونقل عن ابن سعد قال: "كان ثقة ليس بكثير الحديث، شهد الحرّة، وجرح بها جراحات، ثم مات بعد ذلك بسنتين، وهو ابن خمس وسبعين سنة".

وقال: "قلت: فعلى هذا يكون أدرك من حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عشرين سنة، وما أظن هذا المقدار في سنّه إلا غلطاً".

وقال أيضاً: "قلت: هذا يقتضي أن له صحبة فإن الحرة كانت سنة (63هـ) فيكون له عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عشرون سنة فالظاهر أنه عاش بعد الحرة سنين أو الغلط في مقدار سنّه".

ثم قال: "والمعتمد في تاريخ وفاته قول ابن سعد".

وقال مغلطاي في «الإكمال» (2/320): "قال المنتجالي: قال الفلاس: هو من الأوس، ويكنى أبا سليمان، ومات سنة تسع عشرة ومائة، وله خمس وسبعون سنة".

ونقله ابن حجر في «التهذيب» وزاد: "وكان قاضي أهل فلسطين".

قلت: في مطبوع «الثقات» (4/27): "مَاتَ سَنَةَ تسع عشرَة وَمِائَة وَهُوَ ابن خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ".

فهذا الخطأ لابن حبان لا علاقة له بالنسخة.

- وقال المزي في «تهذيب الكمال» (7/461) (1571) في ترجمة «حوشب بن عقيل الجرمي أبي دحية البصري»: " وذكره ابنُ حِبَّان في «الثقات» إلا أنه خلط في نسبه، فزعم أنه «الثقفي»، وذلك وهم منه".

ونقله ابن حجر في «التهذيب» وقال: "وذكره ابن حبان في «الثقات» ونسبه ثقفياً وهو وهم".

ثم عقّبه بقوله: "قلت: بل ذكرهما جميعاً ولم ينسب أبا دحية هذا إلى أحد".

قلت: ذكر المزي بعده «حوشب بن مسلم الثقفي» للتمييز بينهما، وقال ابن حجر بأن ابن حبان ذكرهما جميعاً، ولم ينسب أبا دحية كما قال المزي!

قال ابن حبان في «الثقات» (6/243): "حَوْشَب بن مُسلم الثَّقَفِيّ مولى الحجَّاج بن يُوسُف من أهل الْبَصْرَة...".

ثم ذكر بعده: "حَوْشَب بن عقيل أَبُو دحْيَة يروي عَن أَبِيه عَن عَائِشَة. روى عَنهُ وَكِيع".

فلم ينسبه بأنه ثقفي! والظاهر أن المزي حصل له سبق نظر عندما نقل من كتاب ابن حبان، فنسبه ثقفياً، ولم يفعل ذلك ابن حبان!

ويُحتمل أن نسخة المزي من كتاب ابن حبان فيها هذه النسبة في ترجمته، وحينها تكون سبق نظر من الناسخ، والله أعلم.

وأنبه إلى أن ابن حبان ذكر أبا دحية هذا في أتباع التابعين، ثم ذكره في «أتباع أتباع التابعين» ونسبه جرمياً، وكأنه فرق بينهما وهما واحد.

قال (8/213): "حَوْشَب بن عقيل الجرْمِي أَبُو دحْيَة من أهل الْبَصْرَة، يروي عَن مهدي العَبْدي عَن عِكْرِمَة. روى عَنهُ: أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ والبصريون".

- وقال المزي في ترجمة «رُزَيق بن حكيم الأيلي» (515): "وذكره ابن حبان في «الثقات»"، فقال: "ووهم ابن حبان فذكره في باب الزاي أيضاً".

قلت: نعم ذكره ابن حبان في باب الزاي (6/347) قال: "زُرَيْق بن حكيم الْأَيْلِي، يروي عَن جمَاعَة من التَّابِعين. روى عَنهُ أهل الحجاز، وَأهل الشَّام".

لكن قال مغلطاي في ترجمته من «الإكمال» (4/376): "وذكره ابن حبان في كتاب «الثقات»، في باب الزاي، وقال: (روى عن جماعة من التابعين، روى عنه أهل الحجاز والشام).

وقال في حرف الراء أيضاً: رزيق بن حكيم الأيلي، مولى بني فزارة، كنيته أبو المقدام، يروي عن مسلم بن قرظة".

يعني أن ابن حبان ذكره في حرف الراء، وحرف الزاي.

لكن الذي ذكره ابن حبان في حرف الراء في الطبقة السابقة لطبقة هذا!

قال (4/239): "رُزَيْق بن حَيَّان مولى بني فَزَارَة كُنْيَتُهُ أَبُو المِقْدَام، يروي عَن مُسلم بن قرظة. روى عَنهُ: ابن جَابر".

وذكر المحقق أنه وقع في بعض النسخ: "رزيق بن حكيم"! وكأنه على هذه اعتمد مغلطاي في قوله السابق.

والصحيح أن هذا آخر، وهو: «رُزيق بن حيّان أبو المقدام»، وقد ترجم له ابن عساكر في «تاريخه» (18/138) وقال: "رزيق، ويقال: زريق بن حيان أبو المقدام الفزاري مولاهم من أهل دمشق وولاه عمر بن عبدالعزيز".

وهذا الاختلاف في تقديم الراء على الزاء والعكس تبعاً لاختلاف الرواة في حديثه.

وهذا والأول موضوع الكلام ولاهما عمر بن عبدالعزيز.

قال عباس الدوري: قال يحيى بن معين: "رزيق بن حيان أقدم من رزيق بن حكيم، وقد وليا لعمر بن عبدالعزيز".

والأصح أن صاحب الترجمة اسمه يبدأ بحرف الراء لا الزاي كما ذكر ابن حبان، وقد ذكر ابن حبان ابنه (6/242) فقال: "حُكِيم بن رُزَيْق بن حكيم مولى بني فَزَارَة، يروي عَن أَبِيه. روى عَنهُ: ابن المُبَارك".

وقد ترجم له ابن عساكر في «تاريخه» (15/136) (1718).

والحاصل أن هذا الوهم لا علاقة له بنسخة ابن حجر من كتاب ابن حبان.

- وذكر المزي في «تهذيب الكمال» (20/377) (4044) ترجمة: «علي بن الحسن الكُوفيّ اللَّانيّ»،وقال: "ولان: من فزراة وبلد من بلاد العجم. رَوَى عَن: عبدالرحيم بن سُلَيْمان، والمعافى بن عِمْران الموصلي. رَوَى عَنه: النَّسَائي، وعبداللَّه بْن محمد بن ناجية.

قال ابن حبان في كتاب «الثقات»: علي بن الحسن بن سالم الأزدي، روى عن عبدالرحيم بن سُلَيْمان، روى عنه: محمد بن عبد الله الحضرمي. فلا أدري هو هذا أو غيره".

وتبعه على ذلك الذهبي، فقال في «تاريخه» (5/1187) (322): "علي بن الحسن الكُوفيُّ اللَّانيُّ. [الوفاة: 241 - 250هـ]. ولان من فَزَارة. واللان من بلاد العجم".

وفي «السنن الكبرى» (4/187) (2305): أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ اللَّانِيُّ، بِالكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحِيمِ الرَّازِيُّ... الحديث.

قال مغلطاي في «إكماله» (9/295) (3765) متعقباً قول المزي: "كذا ذكره المزي، ولا أدري صحة ذلك، ولا كيف هو؟ فينظر، والذي رأيت بخط الحفاظ: اللاني قرية فلم أجدها مذكورة لا في القبائل ولا في البلاد، والله تعالى أعلم".

وقال ابن حجر في «تهذيبه» (514): "وقد وجدت في نسخة من النسائي مصححة «اللائي» بهمزة ثقيلة، نسبة إلى بيع اللؤلؤ أو نحته، فليحرر. والذي في ثقات ابن حبان تصحيف من اللاني".

قلت: يعني أن الترجمة التي ذكرها ابن حبان (8/475): "عَليّ بن الْحسن بن سَالم الْأَزْدِيّ، يروي عَن عبدالرَّحِيم بن سُلَيْمَان والكوفيين. روى عَنهُ: الْحَضْرَمِيّ" - «الأزدي» مصحفة من «اللاني»!

وهذا لا علاقة له بالنسخة التي عند ابن حجر من «الثقات»، فإن كان هذا هو الذي ذكره ابن حبان هو شيخ النسائي فتكون مصحفة، تصحفت على ابن حبان نفسه.

لكن ما أصل النسبة؟

قال السمعاني في «الأنساب» (13/466) (5294): "اللاني - بتشديد اللام ألف وبعدها النون، هذه النسبة إلى لاني، وهو بطن من فزارة، وهو لاني بن عصيم بن شمخ بن فزارة - قاله ابن حبيب، وقال: مخاشن بن لاني".

وتعقبه ابن الأثير في «اللباب» (3/403) فقال: "قلت: قَول السَّمْعَانِيّ «لاني» بالنُّون غلط، وَلَوْلَا أَنه ضَبطه فِي هَذِه التَّرْجَمَة لَقلت إِنَّه غلط من النَّاسِخ، وَإِنَّمَا التَّرْجَمَة تدل على أَنه من المُصَنّف! وَإِنَّمَا هُوَ: لأي بلام وهمزة وياء تحتهَا نقطتان لَا غير، لَيْسَ فِيهَا نون. قَالَ ابن الكَلْبِيّ: ولد شمخ بن فَزَارَة، هلالاً، وعصيماً، ولأياً، ثمَّ قَالَ: فولد عصيم بن شمخ لأيا، وَأمه جُهَيْنَة، فولد لأي خشينا، وَهُوَ ذُو الرأسين، وأخشن ومخاشن وخشانا ومخدشا، فمخاشن هَذَا هُوَ الَّذِي ذكره السَّمْعَانِيّ، وَقَالَ الْأَمِير أَبُو نصر: بَاب لأي ولابي ولاني، ثمَّ قَالَ: أما لأي بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْهمزَة وَهُوَ لأي ابن عصيم بن فَزَارَة، وَأما لابي بعد اللَّام الْمَفْتُوحَة ألف ثمَّ بَاء مُوَحدَة ثمَّ يَاء مُعْجمَة بِاثْنَتَيْنِ فَذكره، وَأما لاني مثل مَا قبله سَوَاء إِلَّا أَنه بنُون فَهُوَ أَبُو عبدالله اللاني، فَلَو أَن الأول بالنُّون لم يكن لقَوْله فِي هَذِه التَّرْجَمَة: وَأما لاني بالنُّون وَهُوَ أَبُو عبدالله فَائِدَة، فَهَذَا يدل على أَنه لأي بِغَيْر نون، وَالله أعلم".

قلت: ذكره النسائي في «مشيخته» (134) وجاء هكذا في المطبوع: "علي بن الحسن اللآل الكوفي: لا بأس به".

فيُحتمل ما ذكره ابن حجر آنفاً، ويحتمل أنه «اللائي» بهمزة وهذا نسبة إلى لأي بطن من فزارة. والله أعلم.

والخلاصة أن ابن حجر تكلّم في مواضع من كتابه عن سقم نسخة «الثقات» التي عنده، وكان ينسب الوهم إليها - أي للناسخ- لا لابن حبان، وإن نسب وهماً لابن حبان وقد يكون من النسخة أيضاً فلا حرج عليه كما تبين لنا في مثال سبق ذكره، لكن ما هو الكمّ الذي نسب فيه الوهم لابن حبان وهو يرجع للنسخة! هذا ما يحتاج لتحرير، وإن وجدنا ذلك فليس على الحافط ابن حجر حرج، فهو قد اجتهد في ذلك.

ولا شك من وجود الاختلاف في نسخ كتاب ابن حبان، وبعض النسخ مليئة بالتحريفات والتصحيفات، وهذا ما يحصل لكتب التراجم عموماً.

وهناك بعض الرواة قد نجدهم في نسخ، ولا نجدهم في أخرى.

ذكر المزي في «تهذيب الكمال» (12/315) (2671) قال: "سَيَّار، أَبُو حمزة الكوفي... ذكره ابنُ حِبَّان في كتاب «الثقات»".

فقال ابن حجر في «تهذيبه» (4/293) (513): "ولم أجد لأبي حمزة ذكراً في ثقات ابن حبان، فينظر".

قلت: يعني في نسخته التي ينقل منها.

وفي مطبوع «الثقات» (6/421) (8386): "سيار أَبُو حَمْزَة من أهل الكُوفَة، يروي عَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ. روى عَنهُ: عَبْدالملك بن سعيد بن أبْجَر".

وقد أشار المحقق أن هذه الترجمة توجد في بعض النسخ، ولا توجد في بعضها!

وأما كلام الأخ بأن ابن حجر والذهبي كانا ينقلان من حفظهما أحياناً = فظاهره أنه يعزو ما يقع لهما من بعض الأوهام لنقلهما من حفظهما! والحفظ خوّان!

وهذا الذي قاله فيه نظر! وهو يحتاج لتدليل عليه! فأين ما نقلاه من حفظهما ووهما فيه على بعض الأئمة؟!

والحاصل أن كل طالب علم يصل إلى نتيجة قائمة على الأدلة والحجج فلا بد أن يُبيّن ذلك، والله الموفق.

وكتب: د. خالد الحايك.

8 شوّال 1445هـ.

شاركنا تعليقك