«أبو هريرة - رضي الله عنه - وشُبهات قديمة جديدة حول روايته»!
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على
الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،
صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإنه لا يكاد يمر يوماً إلا ويخرج علينا
بعض «العاهات» يخوضون في دين الله دون علم! غرّتهم شهاداتهم الدنيوية كطبيب
ومهندس! فظنّوا أنهم من الأذكياء! ولكن حقيقة الأمر أنهم من الأغبياء! فيضعون
عقولهم على طبق يظهر فيه كمية الغباء التي عندهم! ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه!
ومن هؤلاء الذين خرجوا علينا ولم أعرفه
إلا عن طريق بعض مشايخنا حيث طلبوا مني الرد على ترّهاته، فنظرت فيما سطرته يمينه
فوجدته في قمة الغباء وهو - والله - لا يستحق الرد، لكن نزولاً عند رغبة بعض
المشايخ فقلنا نُبدد أحلام هذا الغبي «النخّاس» - بالخاء المعجمة - فنظفر به كما
ظفرنا بغيره من قبل، وننتصر لصحابي جليل حمل لنا جزءاً كبيراً من ديننا عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم، ولهذا يستهدفه أمثال هؤلاء! - خابوا وخسروا.
وما سطرته يمينه ما هو إلا امتداد لشبهات
الهالك "محمود أبو رية" عن أبي هريرة في كتابه: "أضواء على السمة
المحمدية" التي فندها الإمام المعلمي اليماني قبل (67) سنة.
فعلى الله نتوكل، وباسمه نبدأ في بيان
باطل هذا الأفاك الكذاب!
ولا يعترضن معترض علينا ببعض هذه الكلمات:
"عاهة" أو "كذاب" أو "جاهل" أو "غبي"
ونحو ذلك! فهؤلاء يستحقونها في طعنهم براوية الإسلام أبي هريرة رضي الله عنه.
(1) قال هذا العاهة المسمى: "المهندس
ظافر سعيد النحاس" تحت عنوان:
"حديثُ نَمِرَةِ أبي هريرة":
- من صحيح البخاري /2179/: (يَقُولُونَ
إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ وَيَقُولُونَ
مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَا يُحَدِّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثِهِ
وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ
بِالْأَسْوَاقِ وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ
أَمْوَالِهِمْ وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ .ص. عَلَى
مِلْءِ بَطْنِي فَأَحْضُرُ حِينَ يَغِيبُونَ وَأَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ وَقَالَ النَّبِيُّ
.ص. يَوْمًا لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ مِنْكُمْ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي
هَذِهِ ثُمَّ يَجْمَعَهُ إِلَى صَدْرِهِ فَيَنْسَى مِنْ مَقَالَتِي شَيْئًا
أَبَدًا فَبَسَطْتُ نَمِرَةً لَيْسَ عَلَيَّ ثَوْبٌ غَيْرُهَا حَتَّى قَضَى
النَّبِيُّ .ص. مَقَالَتَهُ ثُمَّ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي فَوَالَّذِي بَعَثَهُ
بِالْحَقِّ مَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَتِهِ تِلْكَ إِلَى يَوْمِي هَذَا وَاللَّهِ
لَوْلَا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا أَبَدًا إِنَّ
الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى إِلَى
قَوْلِهِ الرَّحِيمُ). - مسلم 4547.
نلفت نظر القارئ الكريم إلى أننا نؤكد
أننا لا نعني القدح بأبي هريرة، بل نعني القدح في متن بعض الروايات التي جاءت عنه
تحمل اسمه كصحابي راو، ليس إلا.... كما نلفت النظر بأن عملنا ما هو إلا غيرة على
السنة الشريفة الصحيحة من أن تلوث بعقائد فاسدة".
أقول:
أولاً: أتى بالرواية من الصحيحين، ثم قال
بأنه لا يقدح بأبي هريرة! وإنما يقدح في متن بعض الروايات = يعني القدح فيمن روى
عن أبي هريرة! وأنه يفعل هذا غيرة على السنة النبوية!
ما شاء الله... إيش هذه الغيرة التي تحمل
في طياتها قدحاً وذماً لصحابي جليل وإن زعم أنه لا يقدح فيه! فهذه شنشنة من أخرق =
شنشنة معروفة وخبيثة من أمثال هذا العاهة!
ثانياً: نُخرّج الحديث ونرى هل هناك من
افترى على أبي هريرة وألبسه هذا الحديث كما هو ظاهر فعل هذا الكذاب!
الحديث بهذا التمام أخرجه البخاري في «صحيحه»
في «بَاب مَا جَاءَ فِي الغَرْسِ» (3/109) (2350) قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بنُ
إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ ابنِ شِهَابٍ، عَنِ
الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «يَقُولُونَ
إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الحَدِيثَ، وَاللَّهُ المَوْعِدُ، وَيَقُولُونَ:
مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لاَ يُحَدِّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثِهِ؟
وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ المُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ
بِالأَسْوَاقِ، وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ
أَمْوَالِهِمْ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا، أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَحْضُرُ حِينَ يَغِيبُونَ،
وَأَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ.
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمًا: «لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ مِنْكُمْ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ
مَقَالَتِي هَذِهِ، ثُمَّ يَجْمَعَهُ إِلَى صَدْرِهِ فَيَنْسَى مِنْ مَقَالَتِي
شَيْئًا أَبَدًا» فَبَسَطْتُ نَمِرَةً لَيْسَ عَلَيَّ ثَوْبٌ غَيْرُهَا، حَتَّى
قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ، ثُمَّ جَمَعْتُهَا
إِلَى صَدْرِي، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالحَقِّ، مَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَتِهِ
تِلْكَ إِلَى يَوْمِي هَذَا، وَاللَّهِ لَوْلاَ آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا
حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا أَبَدًا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا
مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى} [البقرة: 159] إِلَى قَوْلِهِ {الرَّحِيمُ} [البقرة:
160]».
وأخرجه مسلمٌ أيضاً في «صحيحه» (4/1940) (2493)
قال: حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ
وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ:
إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: «يَقُولُونَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَدْ
أَكْثَرَ، وَاللهُ الْمَوْعِدُ، وَيَقُولُونَ: مَا بَالُ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ لَا يَتَحَدَّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثِهِ؟ وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ
ذَلِكَ: إِنَّ إِخْوَانِي مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ
أَرَضِيهِمْ، وَإِنَّ إِخْوَانِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ
الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ، وَكُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَشْهَدُ إِذَا غَابُوا، وَأَحْفَظُ إِذَا
نَسُوا.
وَلَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا: «أَيُّكُمْ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ، فَيَأْخُذُ مِنْ
حَدِيثِي هَذَا، ثُمَّ يَجْمَعُهُ إِلَى صَدْرِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْسَ شَيْئًا
سَمِعَهُ» فَبَسَطْتُ بُرْدَةً عَلَيَّ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ حَدِيثِهِ، ثُمَّ
جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَمَا نَسِيتُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ شَيْئًا
حَدَّثَنِي بِهِ، وَلَوْلَا آيَتَانِ أَنْزَلَهُمَا اللهُ فِي كِتَابِهِ مَا
حَدَّثْتُ شَيْئًا أَبَدًا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ
الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [البقرة: 159] إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ».
وأخرجه مسلمٌ أيضاً عن عَبْداللهِ بنِ
عَبْدِالرَّحْمَنِ الدَّارِمِيّ، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، عَنْ
شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو
سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّكُمْ
تَقُولُونَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ.
وأخرجه البخاري (9/108) (7354)، ومسلم
(4/1939) (2492) من طرق عن سُفْيَان بنِ عُيَيْنَةَ، قال:: حَدَّثَنِي
الزُّهْرِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ الأَعْرَجِ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو
هُرَيْرَةَ، قَالَ: إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ
الحَدِيثَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهُ
المَوْعِدُ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا، أَلْزَمُ – وفي رواية: أَخْدُمُ - رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، وَكَانَ
المُهَاجِرُونَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَكَانَتِ الأَنْصَارُ
يَشْغَلُهُمُ القِيَامُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، فَشَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، وَقَالَ: «مَنْ يَبْسُطْ رِدَاءَهُ
حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي، ثُمَّ يَقْبِضْهُ، فَلَنْ يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ
مِنِّي» فَبَسَطْتُ بُرْدَةً كَانَتْ عَلَيَّ، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالحَقِّ مَا
نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ.
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (1/35) (119) قال:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَبُو مُصْعَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ
سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنْسَاهُ؟ قَالَ: «ابْسُطْ
رِدَاءَكَ» فَبَسَطْتُهُ، قَالَ: فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «ضُمَّهُ»
فَضَمَمْتُهُ، فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ.
قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
المُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ بِهَذَا أَوْ قَالَ: غَرَفَ
بِيَدِهِ فِيهِ.
وفي رواية: قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ
المَسْعُودِيُّ: "وَقَامَ آخَرُ فَبَسَطَ رِدَاءَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَبَقَكَ بِهَا الْغُلَامُ الدَّوْسِيُّ»".
قلت: فالحديث محفوظ من طرق عن أبي هريرة.
رواه عنه: سَعِيدُ بنُ المُسَيِّبِ،
وَأَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، والْأَعْرَج.
وروى قصة بسط الرداء: سَعِيدٌ
المَقْبُرِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
فهل بعد هذا يُقال: "نحن نقدح في متن
بعض الروايات"! كما تفوه بذلك هذا الكذاب!
وشواهد هذه القصة كثيرة جداً مبثوثة في
بطون الكتب لمن يعرف الحديث وكيفية التعامل معه.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى الزَّمِنُ:
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بنُ أَبِي يَحْيَى،
سَمِعْتُ سَعِيْدَ بنَ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلاَ تَسْأَلُنِي مِنْ هَذِهِ
الغَنَائِمِ الَّتِي يَسْأَلُنِي أَصْحَابُكَ؟».
قُلْتُ: أَسْأَلُكَ أَنْ تُعَلِّمَنِي
مِمَّا عَلَّمَكَ اللهُ.
فَنَزَعَ نَمِرَةً كَانَتْ عَلَى ظَهْرِي،
فَبَسَطَهَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّمْلِ
يَدُبُّ عَلَيْهَا، فَحَدَّثَنِي حَتَّى إِذَا اسْتَوْعَبْتُ حَدِيْثَهُ، قَالَ:
«اجْمَعْهَا، فَصُرَّهَا إِلَيْكَ».
فَأَصْبَحْتُ لاَ أُسْقِطُ حَرْفاً مِمَّا
حَدَّثَنِي.
وقال هُشَيْمٌ عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ،
عَنِ الوَلِيدِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ حَدَّثَ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالحَدِيثِ: «مَنْ شَهِدَ
جَنَازَةً فَلَهُ قِيرَاطٌ». فَقَالَ ابنُ عُمَرَ: انْظُرْ مَا تُحَدِّثُ بِهِ يَا
أَبَا هُرَيْرَةَ فإنك تكثر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم! فَأَخَذَ
بِيَدِهِ فَذَهَبَ بِهِ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَ: أَخْبِرِيهِ كَيْفَ سَمِعْتِ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. فَصَدَّقَتْ أَبَا
هُرَيْرَةَ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ وَاللَّهِ
مَا كَانَ يَشْغَلُنِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرْسُ
الوَدِيِّ وَلا الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ»! فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَنْتَ
أَعْلَمُنَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَأَحْفَظُنَا لِحَدِيثِهِ.
وقال مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ بنِ
أَبِي فُدَيْكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ قَالُوا: قَدْ أَكْثَرَ أَبُو
هُرَيْرَةَ مِنَ الأَحَادِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
قَالَ: فَلَقِيتُ رَجُلا فَقُلْتُ:
أَيَّةَ سُورَةٍ قَرَأَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
البَارِحَةَ فِي العَتَمَةِ؟
فَقَالَ: لا أَدْرِي! فَقُلْتُ: أَلَمْ
تَشْهَدْهَا؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: قُلْتُ وَلَكِنِّي أَدْرِي. قَرَأَ سُورَةَ
كَذَا وَكَذَا.
وقال طلحة بن عبيداللَّه: "لا أشك أن
أبا هريرة سمع من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ما لم نسمع".
وقال ابن عمر: "أبو هريرة خير مني
وأعلم بما يحدث".
قال الذهبي: "وَكَانَ حِفْظُ أَبِي
هُرَيْرَةَ الخَارِقُ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ".
وقال ابن حجر: "والحديث المذكور من
علامات النبوة، فإن أبا هريرة كان أحفظ الناس للأحاديث النبويّة في عصره".
(2) قال الكذاب: "1- هذه الرواية لم
ترد إلا عن أبي هريرة - وحصراً عن أبي هريرة – وقد انتشرت في كتب الحديث انتشارا
واسعا، ربما لاهتمام المصنفين بالحكايات التي كانت تُحكى في حلقات مساجد ذلك الزمن
- حكايات تُرْغِمُ انتباه السامع على اليقظة والمتابعة، وتشنِّف أذنيه لالتقاط
الكلمات والتفاعل مع حبكة الرواية (المقدسة)؟... وكان بعض (الصحابة) قصاصا يقصون
القصص في المساجد... هذه الرواية تشي بانحراف عقيدة المسلمين عن النهج الذي ارتضاه
الله ورسوله...".
أقول:
أولاً: ما المشكلة في أن هذه الرواية لم
ترد إلا عن أبي هريرة؟
وشيء طبيعي أن تأتي عنه لأنه هو صاحبها.
ثانياً: كيف يعني انتشرت انتشاراً واسعاً؟
هي كغيرها من الروايات رواها الشيخان
وغيرهما، فما المشكلة في ذلك؟
ثالثاً: زعم المخبول أنها انتشرت انتشارا
واسعا لاهتمام المصنفين بالحكايات التي كانت تحكى في حلقات المساجد في ذلك الزمن!
فلو كان هذا الأبلة له معرفة بالرواية
لوجد مئات القصص والحكايات في الكتب، فما المشكلة في ذلك؟
بل قد تقدم أن سبب تحديث أبي هريرة بهذه
الرواية أنهم قالوا إنه أكثر من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبيّن
لهم أنه كان يجلس في الصفة في المسجد النبوي حيث كان يجلس النبي صلى الله عليه
وسلم ويأتيه الناس فيسمع ويحفظ، وغيره من الصحابة منشغلون بأمور دنياهم من عمل
وغيره.
رابعاً: إيش تقصد يا أبلة من قولك:
"الرواية المقدسة"؟
فكلّ ما صح عنه صلى الله عليه وسلم فهو مقدس.
خامساً: قولك كان بعض الصحابة قصاصا يقصون
القصص في المساجد ليس بصحيح!
فأبو هريرة كان يجلس في المسجد يقص عليهم
ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وأحيانا يقص عليهم مما سمعه من روايات أهل
الكتاب.
وكذا غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم.
(3) قال العاهة الكذاب: "2- (يُكْثِرُ
الْحَدِيثَ) عن الرسول -نصلي عليه ونسلم- فإن إكثار أبي هريرة لم يظهر اليوم، بل
كان الناس يتحدثون - وفي حياة أبي هريرة نفسه، عن إكثاره من الحديث عن رسول الله،
تماما كما جاء في هذه الرواية.- وقد تأكد الإكثار للروايات المنسوبة لأبي هريرة من
خلال الإحصاء الإليكتروني المذهل، رغما عن قصر فترة وجوده مع الرسول... وقد تنبه
الفاروق أمير المؤمنين إلى خطورة الإكثار فحبس بعض الصحابة المكثرين في المدينة
فما خرجوا منها إلا بعد مقتله على يد كعب الأحبار وأبي لؤلؤة المجوسي الفارسي ~
ومن الجدير بالانتباه أنه، ومن خلال السياق، نجد أن الإكثار صفة ذميمة لا حميدة،
كما نجد أن معظم الأحاديث الواردة عن طريق أبي هريرة روايات غيبية ومحلٌ للنظر-.
جاء عن الفاروق قوله لأبي هريرة: (لتتركن
الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض دوس.). وجاء عن أبي هريرة: (ما كنا نستطيع أن
نقول: قال رسول الله حتى قبض عمر كنا نخاف السياط.). ~ والإحصاء العلمي يُظهر أن
أبا هريرة قد ضارع الخلفاء الأربعة مجتمعين، كما يُظهر تفرده برواية أكثر من مائة
حديث معظمها في الغيب، مائة حديث وأكثر في الغيب أجمع عليها الشيخين في صحيحهما -
وهذه الرواية جزء منها-.
وليس من الغرابة أن يأخذ صحابةٌ آخرون عن
أبي هريرة كثيرا من الروايات التي تم إلحاقها وبالعنعنة برسول الله، من غير ذكر
لأبي هريرة.- فقد جاء عن أنس بن مالك: (ما كل ما نحدثكم سمعنا من رسول الله .ص.
ولكنا لا يتهم بعضنا بعضا). - ونلفت النظر، مؤكدين من أننا لا نعني القدح بأبي
هريرة، بل نعني القدح في بعض الروايات التي جاءت تحمل اسمه كصحابي راو، ليس إلا".
أقول:
أولا: قول العاهة: "نصلي عليه ونسلم"
خلاف السنة! فالصحيح أن تقول: "صلى الله عليه وسلم".
ثانياً: مفهوم إكثار أبي هريرة بالنسبة
لغيره من الصحابة، لا كما عمل هذا العاهة الإحصائية عبر الإحصاء الإلكتروني!
فليس كل ما روي في الكتب عنه صح! فهناك
عشرات الأحاديث التي لم تصح عنه، وهي في كتب الضعفاء وكتب العلل، فكيف نجعلها في
هذا الإحصاء!
ثالثاً: قصر فترة وجوده مع النبي صلى الله
عليه وسلم لا تؤثر في مقدار ما رواه، فملازمة النبي صلى الله عليه وسلم من سنة 7
إلى 11 هذه فترة طويلة يسمع منه ويرى الكثير وهو يلازمه يومياً.
وهو قد سمع أيضاً من الصحابة الآخرين
الذين كانوا معه صلى الله عليه وسلم من بداية الدعوة، وكان يحفظ عنهم أيضاً.
فلا مشكلة ولا غرابة في ذلك.
رابعاً: أين أن عمر حبس بعض الصحابة
المكثرين في المدينة؟ لم لم تأت بالرواية وكلام أهل العلم عليها؟! هذا غش وتدليس!
وهذه القصة رواها أَبُو مُوْسَى إِسْحَاقُ
بنُ مُوْسَى بنِ عَبْدِاللهِ بنِ مُوْسَى بنِ عَبْدِاللهِ بنِ يَزِيْدَ
الخَطْمِيُّ، الأَنْصَارِيُّ، المَدَنِيُّ، الفَقِيْهُ، نَزِيْلُ سَامَرَّاءَ،
ثُمَّ قَاضِي نَيْسَابُوْرَ، عن مَعن بن عيسى القزاز، عن مَالِك، عَنْ عَبْدِ
اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ
أَبِيْهِ، قَالَ: «بَعَثَ عُمَرُ إِلَى ابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَإِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ،
وَأَبِي مَسْعُوْدٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا الحَدِيْثُ الَّذِي تُكْثِرُوْنَ عَنْ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَحَبَسَهُم بِالمَدِيْنَةِ
حَتَّى اسْتُشْهِدَ».
وهذا حديث منكر! تفرد به إسحاق بن موسى،
ولا يحتمل تفرده.
قال ابن حزم في «الإحكام في أصول الأحكام»
(2/139): "هذا مرسلٌ، ومشكوك فيه عن شعبة، فلا يصح ولا يجوز الاحتجاج به ثم
هو في نفسه ظاهر الكذب والتوليد؛ لأنه لا يخلو عمر من أن يكون اتهم الصحابة وفي
هذا ما فيه أو يكون نهى عن نفس الحديث وعن تبليغ سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى المسلمين وألزمهم كتمانها وجحدها وأن لا يذكروها لأحد فهذا خروج عن الإسلام،
وقد أعاذ الله أمير المؤمنين من كل ذلك، ولئن كان سائر الصحابة متهمين في الكذب
على النبي صلى الله عليه وسلم فما عمر إلا واحد منهم، وهذا قول لا يقوله مسلم أصلاً".
وقد أورد الجَورقاني طرق هذا الحديث في «الأباطيل
والمناكير والصحاح والمشاهير» (1/364) ثم قال: "هَذَا حَدِيثٌ مُضْطَرِبُ
الْإِسْنَادِ وَالمَتْنِ".
وقال الذهبي في «السير» (11/555): "هَذَا
حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ".
ويخالفه ما رواه محمد بن إسحاق صاحب
السيرة والمغازي، عن صالح بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف، عن أبيه، قال: «واللهِ
ما مات عمرُ - رضي الله عنه - حتى بَعَث إلى أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم
فجَمعَهم جميعًا من الآفاق، حذيفةَ، وابنَ مسعود، وأبا الدرداء، وأبا ذر، وعُقبةَ
بن عامر، فقال: ما هذه الأحاديثُ التي أفشيتم عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في
الآفاق؟! قالوا: أتتهمُنا؟! قال: لا، ولكن أقيموا عندي، ولا تفارقوني ما عشتُ،
فنحن أعلمُ بما نأخذ منكم وما نردُّ عليكم. فما فارقوه حتى مات، فما خَرَج ابنُ
مسعود إلى الكوفة ببيعة عثمان إلا من سجن عمر».
وهذا أيضاً مع كونه مرسل إلا أنه أصح مما
سبق، وليس فيه أنه حبسهم، أو اتهمهم، بل جمعهم حتى يعرف ما يحدثون به ويأخذ منهم.
وما في آخره: «فما خرج ابن مسعود... إلا
من سجن عمر» = ليس المقصود السجن الحقيقي، وإنما هو أنه منعهم من مغادرته كما قال:
«أقيموا عندي ولا تفارقوني ما عشت».
وروى أبو إسحاق السبيعي، عن حارثة بن
مُضَرِّب قال: قرأتُ كتابَ عمرَ -رضي الله عنه- إلى أهل الكوفة: «أمَّا بعدُ،
فإنِّي بعثتُ إليكم عمَّارا أميرًا، وعبدالله بن مسعود وزيرًا، وهما من النُّجباء
من أصحابِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فاسمعوا لهما، واقتدوا بهما، وإنيِّ قد
آثرتُكم بعبدالله على نَفْسي أثرةً».
فعمر آثر أهل الكوفة بابن مسعود على نفسه،
فكيف يحبسه؟
ثم إن أبا ذر، وأبا الدرداء، لم ينقل عنهم
كثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمر قد بعث أبا الدرداء قاضياً
ومفقهاً لأهل دمشق.
خامساً: قوله أن عمر قتل على يد كعب أحبار
اعتمد في ذلك على ما رواه الطبري في «تاريخه» (4/190) قال: حَدَّثَنِي سَلْمُ بْنُ
جُنَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ بنِ أَبِي
ثَابِتِ بنِ عَبْدِالعَزِيزِ بنِ عُمَرَ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن المسور بن
مخرمة - وكانت أمه عاتكة بِنْتُ عَوْفٍ- قَالَ: «خَرَجَ عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ
يَوْمًا يَطُوفُ فِي السُّوقِ، فَلَقِيَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ غُلامُ المُغِيرَةِ
بنِ شُعْبَةَ - وَكَانَ نَصْرَانِيًّا -، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،
أَعِدْنِي عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، فَإِنَّ عَلَيَّ خَرَاجًا كَثِيرًا، قَالَ:
وَكَمْ خَرَاجُكَ؟ قَالَ: دِرْهَمَانِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، قَالَ: وَأَيْشِ
صِنَاعَتُكَ؟ قَالَ: نَجَّارٌ، نَقَّاشٌ، حَدَّادٌ، قَالَ: فَمَا أَرَى خَرَاجَكَ
بِكَثِيرٍ عَلَى مَا تَصْنَعُ مِنَ الأَعْمَالِ، قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ تقول: لو أردت
أن أعمل رحا تَطْحَنُ بِالرِّيحِ فَعَلْتُ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاعْمَلْ لي
رحا، قال: لئن سلمت لأعملن لك رحا يَتَحَدَّثُ بِهَا مَنْ بِالْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ،
ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ، فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -:
لَقَدْ تَوَعَّدَنِيَ الْعَبْدُ آنِفًا! قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفَ عُمَرُ إِلَى
مَنْزِلِهِ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جَاءَهُ كَعْبُ الأَحْبَارِ فَقَالَ
لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اعْهَدْ، فَإِنَّكَ مَيِّتٌ فِي ثَلاثَةِ
أَيَّامٍ، قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ قَالَ: أَجِدُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ التَّوْرَاةِ، قَالَ عُمَرُ: آللَّهِ إنك لتجد عمري فِي التَّوْرَاةِ؟
قَالَ: اللَّهُمَّ لا، وَلَكِنِّي أَجِدُ صِفَتَكَ وَحِلْيَتَكَ، وَأَنَّهُ قَدْ
فَنَى أَجَلُكَ - قَالَ: وَعُمَرُ لا يُحِسُّ وَجَعًا وَلا أَلَمًا- فَلَمَّا
كَانَ مِنَ الْغَدِ جَاءَهُ كَعْبٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ذَهَبَ
يَوْمٌ وَبَقِيَ يَوْمَانِ، قَالَ: ثُمَّ جَاءَهُ مِنْ غَدِ الْغَدِ، فَقَالَ: ذَهَبَ
يَوْمَانِ وَبَقِيَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَهِيَ لَكَ إِلَى صَبِيحَتِهَا قَالَ:
فَلَمَّا كَانَ الصُّبْحُ خَرَجَ عُمَرُ إِلَى الصَّلاةِ، وَكَانَ يُوَكِّلُ
بِالصُّفُوفِ رِجَالا، فَإِذَا اسْتَوَتْ جَاءَ هُوَ فَكَبَّرَ قَالَ: وَدَخَلَ
أَبُو لُؤْلُؤَةَ فِي النَّاسِ، فِي يَدِهِ خِنْجَرٌ لَهُ رَأْسَانِ نِصَابُهُ فِي
وَسَطِهِ، فَضَرَبَ عُمَرَ سِتَّ ضَرَبَاتٍ، إِحْدَاهُنَّ تَحْتَ سُرَّتِهِ،
وَهِيَ الَّتِي قتلته، وقتل معه كليب ابن أَبِي الْبُكَيْرِ اللَّيْثِيَّ- وَكَانَ
خَلْفَهُ- فَلَمَّا وَجَدَ عُمَرَ حُرَّ السِّلاحِ سَقَطَ».
وفيه: «قال عمر: يَا عَبْدَاللَّهِ بنَ
عُمَرَ اخْرُجْ فَانْظُرْ مَنْ قَتَلَنِي؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،
قَتَلَكَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ غُلامُ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مَنِيَّتِي بِيَدِ رَجُلٍ سَجَدَ لِلَّهِ سَجْدَةً
وَاحِدَةً».
وليس في الرواية اتهام لكعب الأحبار!
وقد رواه أبو بكر بن أبي الدنيا عن سلم بن
جنادة، بنحوه، وفيه: «فلما مضى ثلاثة طعنه أبو لؤلؤة فجعل يدخل عليه المهاجرين
والأنصار فيسلمون عليه، قال: ودخل في الناس كعب فلما نظر إليه عمر قال:
فأوعدني كَعْبٌ ثَلَاثًا يَعُدُّهَا //
وَلَا شَكَ أَنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَ لي
كَعْبُ
وما بي حِذَارُ الْمَوْتِ إِنِّي
لَمَيِّتٌ //
ولكن حِذارَ الذَّنْبِ يَتْبَعُهُ
الذَّنْبُ».
ورواه ابن شَبَّة في «تاريخ المدينة»
(3/891) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَلِيٍّ الْمَدَنِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُالْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ
عَوْفٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ
مَكَّةَ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا أَتَاهُ كَعْبٌ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ، اعْهَدْ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ فِي عَامِكَ، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: "وَمَا يُدْرِيكَ يَا كَعْبُ؟ قَالَ: وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِ
اللَّهِ، قَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا كَعْبُ هَلْ وَجَدْتَنِي بِاسْمِي
وَنَسَبِي، عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا، وَلَكِنِّي وَجَدْتُ
صِفَتَكَ وَسِيرَتَكَ وَعَمَلَكَ وَزَمَانَكَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ الْغَدُ غَدَا
عَلَيْهِ كَعْبٌ، فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَا كَعْبُ، فَقَالَ
كَعْبٌ: بَقِيَتْ لَيْلَتَانِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ الْغَدَ غَدَا عَلَيْهِ كَعْبٌ،
قَالَ عَبْدُالعَزِيزِ: فَأَخْبَرَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ
بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
يُوَاعِدُنِي كَعْبٌ ثَلَاثًا يَعُدُّهَا
//
وَلَا شَكَ أَنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَهُ
كَعْبُ
وَمَا بِي لِقَاءُ الْمَوْتِ إِنِّي
لَمَيِّتٌ //
وَلَكِنَّمَا فِي الذَّنْبِ يَتْبَعُهُ
الذَّنْبُ
فَلَمَّا طُعِنَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - دَخَلَ عَلَيْهِ كَعْبٌ فَقَالَ: أَلَمْ أَنْهَكَ؟ قَالَ: بَلَى،
وَلَكِنْ كَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا».
وإن أبى هذا المعتوه الأفاك النخّاس إلا
أن يستدل بهذه الرواية فنلاحظ الاختلاف فيها على عبدالعزيز بن عِمْران بْن
عَبْدالْعَزِيزِ بْن عُمَر بْن عَبْدالرَّحْمَنِ بن عوف القرشي الزُّهْرِيّ المدني
الأعرج المعروف بابن أَبي ثابت.
فرواه سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ
بْنِ أَبِي ثَابِتِ عنه، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن
المسور بن مخرمة.
وخالفه مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بْنِ
عَلِيٍّ الْمَدَنِيّ فرواه عن عَبْدالْعَزِيزِ بنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ
بْنِ عَوْفٍ، عن عَبْدِاللَّهِ بنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَدِّهِ.
وعبدالعزيز هذا متروك الحديث!
قال معاوية بن صَالِح، عَنْ يحيى بْن
مَعِين: "كان صاحب نسب، لم يكن من أصحاب الحديث".
وَقَال عثمان بْن سَعِيد الدارمي، عَن
يحيى بْن مَعِين: "ليس بثقة، إنما كان صاحب شعر".
وَقَال علي بن الحسين بن حبان: وجدت فِي
كتاب أَبِي بخط يده: قال أبو زكريا: "ابن أَبي ثابت الأعرج المديني قد رأيته
هاهنا ببغداد كان يشتم الناس ويطعن في أحسابهم، ليس حديثه بشيءٍ".
وقَال البُخارِيُّ: "مُنكر الحديث،
لا يُكتب حديثه".
وَقَال النَّسَائي: "متروك الحديث".
وقال ابن حجر: "متروك احترقت كتبه
فحدث من حفظه فاشتد غلطه وكان عارفا بالأنساب".
سادساً: قوله بـ "أن الإكثار من
التحديث صفة ذميمة لا حميدة" ليس بصحيح! وإنما أنكروا على أبي هريرة كثرة
التحديث تورعاً؛ ولأنهم لم يسمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا مما كان عنده
حتى سلّموا له فيما يرويه.
سابعاً: قول الأفاك "أن معظم
الأحاديث الواردة عن طريق أبي هريرة روايات غيبية" كذب واضح مفضوح!
نعم، قد روى بعض ذلك لكن أن نقول معظمها
غيبيات فليس بصحيح وهو كذب!
ثامناً: أما ما جاء عن الفاروق قوله لأبي
هريرة: «لَتَتْرُكَنَّ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم أو
لألحقنك بِأَرِضِ دَوْسٍ».
فرواه أبو زرعة الدمشقي في «تاريخه» (ص:
544) قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زُرْعَةَ الرُّعَيْنِيُّ قال: حَدَّثَنَا
مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ - هو: الطَّاطَرِيُّ - قال: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ
عَبْدِالْعَزِيزِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ - هو: ابن أبي المُهاجر
المخزومي الدمشقي -، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ
يَقُولُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: «لَتَتْرُكَنَّ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى الله عليه وسلم أو لألحقنك بِأَرِضِ دَوْسٍ. وَقَالَ لِكَعْبٍ:
لَتَتْرُكَنَّ الْأَحَادِيثَ، أَوْ لَأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ القِرَدَةِ».
قال أبو زرعة: وَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا
مُسْهِرٍ يَذْكُرُ عَنْ سَعِيدِ بنِ عَبْدِالْعَزِيزِ نَحْوًا مِنْهُ، وَلَمْ
يُسْنِدْهُ!
قلت: يعني رواه أبو مُسهر الدمشقي عن سعيد
بن عبدالعزيز التنوخي الدمشقي نحو ذلك ولكنه لم يسنده كما أسنده الرعيني عن مروان
عن سعيد بن عبدالعزيز!
ومحمد بن زرعة الرعيني من أصحاب الوليد وكان
ثقة، ووصفوه بالحفظ والاتقان.
ورواه ابن شَبَّة في «تاريخ المدينة»
(3/800) قال: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ الدمشقي، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ
بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بنِ عُبَيْدِاللَّهِ، عَنِ السَّائِبِ بنِ
يَزِيدَ ابْنِ أُخْتِ النَّمِرِ، أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «أَلَا
لَا أَعْلَمَنَّ مَا قَالَ أَحَدُكُمْ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَنَعَنَا
أَنْ نَقْرَأَ كِتَابَ اللَّهِ، إِنِّي لَيْسَ لِذَلِكَ أَمْنَعُكُمْ، وَلَكِنْ
أَحَدُكُمْ يَقُومُ لِكِتَابِ اللَّهِ وَالنَّاسُ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْهِ، ثُمَّ
يَأْتِي بِالْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، إِنَّ حَدِيثَكُمْ هُوَ شَرُّ
الْحَدِيثِ، وَإِنَّ كَلَامَكُمْ هُوَ شَرُّ الْكَلَامِ، مَنْ قَامَ مِنْكُمْ
فَلْيَقُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَإِلَّا فَلْيَجْلِسْ، فَإِنَّكُمْ قَدْ حَدَّثْتُمُ
النَّاسَ حَتَّى قِيلَ: قَالَ فُلَانٌ وَقَالَ فُلَانٌ، وَتُرِكَ كِتَابُ اللَّهِ»،
قَالَ سَعِيدٌ: وَقَالَ عُمَرُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَتَتْرُكَنَّ
الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ
لَأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ الطُّفَيْحِ - يَعْنِي أَرْضَ قَوْمِهِ، وَقَالَ
لِكَعْبٍ: لَتَتْرُكَنَّ الْحَدِيثَ أَوْ لَأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ الْقردة».
قلت: فبيّن عمر هنا لم نهاهم عن التحديث
لئلا يترك الناس كتاب الله، ويقولون: قال فلان.
قال ابن كثير في «البداية والنهاية» (8/106):
"وَهَذَا مَحْمُولٌ مِنْ عُمَرَ عَلَى أَنَّهُ خَشِيَ مِنَ الْأَحَادِيثِ
التي قد تضعها الناس على غير مواضعها، وأنهم يتكلمون على ما فيها من أحاديث الرخص،
وأن الرَّجُلَ إِذَا أَكْثَرَ مِنَ الْحَدِيثِ رُبَّمَا وَقَعَ فِي أَحَادِيثِهِ
بَعْضُ الْغَلَطِ أَوِ الْخَطَأِ فَيَحْمِلُهَا النَّاسُ عَنْهُ أَوْ نَحْوُ
ذَلِكَ. وَقَدْ جَاءَ أَنَّ عُمَرَ أَذِنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي التحديث، فقال مُسددٌ:
حدثنا خالد الطحان: حدثنا يَحْيَى بنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ. قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ حَدِيثِي فَأَرْسَلَ إِلَيَّ فَقَالَ: كُنْتَ
مَعَنَا يَوْمَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي بَيْتِ فُلَانٍ؟ قَالَ قلت: نعم! وقد علمت لم تسألنى عَنْ ذَلِكَ؟ قَالَ:
وَلِمَ سَأَلْتُكَ؟ قُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قال يَوْمَئِذٍ «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فليتبوَّأ مَقْعَدَهُ
مِنَ النَّارِ» قال: أما إذاً فاذهب فحدِّث».
وقال الذهبي في «السير» (2/601): "قُلْتُ:
هَكَذَا هُوَ كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يَقُوْلُ: أَقِلُّوا الحَدِيْثَ
عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَزَجَرَ غَيْرَ وَاحِدٍ
مِنَ الصَّحَابَةِ عَنْ بَثِّ الحَدِيْثِ، وَهَذَا مَذْهَبٌ لِعُمَرَ وَلِغَيْرِهِ".
قلت: فهذا كان زمن عمر، ثم انبسط أبو
هريرة في الإكثار والتحديث، ولهذا كانت عائشة تقول له: لم يكن النبي صلى الله عليه
وسلم يسرد سردكم هذا.
تاسعاً: وأما ما جاء عن أبي هريرة: «مَا
كُنَّا نَسْتَطِيْعُ أَنْ نَقُوْلَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَتَّى قُبِضَ عُمَرُ، كُنَّا نَخَافُ السِّيَاطَ».
فهذا رواه مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا يَزِيْدُ بنُ يُوْسُفَ، عَنْ
صَالِحِ بنِ أَبِي الأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «مَا كُنَّا نَسْتَطِيْعُ أَنْ نَقُوْلَ: قَالَ رَسُوْلُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُبِضَ عُمَرُ».
قال أبو سلمة: فسألته بم؟ قال: "كُنَّا
نَخَافُ السِّيَاطَ - وأومأ بيده إلى ظهره".
قلت: إسناده ضعيف! يزيد بن يوسف الرحبي
الصنعاني من صنعاء دمشق ضعيف، وصالح بن أبي الأخضر ضعيف، وروايته عن الزهري ضعيفة
جداً!
وخالفه معمرُ بن راشد:
رواه عبدالرزاق، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبو هُرَيرَةَ: «لَمَّا وَلِيَ عُمَرُ، قَالَ:
أَقِلُّوا الرِّوَايَةَ عَن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ
فِيمَا يُعْمَلُ بِهِ، قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ أَبو هُرَيرَةَ: أَفَإِنْ كُنْتُ
مُحَدِّثَكُمْ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ، وَعُمَرُ حَيٌّ، أَمَا وَاللهِ إِذًا
لأَلْفَيتُ المِخْفَقَةَ سَتُبَاشِرُ ظَهْرِي».
قلت: وهذا منقطع، فالزهري لم يسمع من أبي
هريرة!
ولو صح فهو واضح في الإقلال من الرواية،
والاقتصار على الأحاديث التي يُعمل بها.
وأما الأحاديث الأخرى المتعلقة بالأمور
الغيبية والقصص ونحو ذلك فهذه إنما حدث بها أبو هريرة بعد وفاة عمر - رضي الله عنه
-.
وروى يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، عَنِ ابْنِ
عَجْلاَنَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُوْلُ: «إِنِّي لأُحَدِّثُ
أَحَادِيْثَ، لَوْ تَكَلَّمْتُ بِهَا فِي زَمَنِ عُمَرَ، لَشَجَّ رَأْسِي».
وهذا أيضاً منقطع، فابن عجلان لم يسمع من
أبي هريرة!
عاشراً: وقوله إن الإحصاء يظهر تفرد أبي
هريرة برواية أكثر من مائة حديث معظمها في الغيب، مائة حديث وأكثر في الغيب أجمع
عليها الشيخين في صحيحهما - وهذه الرواية جزء منها -" كذب واضح!
فلم يتفرد أبو هريرة بمائة رواية أكثرها
في الغيب وقد أجمع عليها الشيخان! وليأتنا بها إن كان صادقاً!
حادي عشر: نعم ليس من الغرابة أن يأخذ
صحابة آخرون عن أبي هريرة كثيراً من الروايات التي لم يسمعوها! لكن هذا يحتاج
لإثبات من هذا الأفاك!
نعم قال أنس ما ذكره هنا: «وَاللَّهِ مَا
كُلُّ مَا نُحَدِّثُكُمْ بِهِ سَمِعْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ كَانَ يُحَدِّثُ بَعْضُنَا بَعْضًا، وَلَا يَتَّهِمُ
بَعْضُنَا بَعْضًا».
لكن هذا ليس بالكثير، وتنزيل ذلك على أخذ
الصحابة من حديث أبي هريرة فيه نظر!
ثاني عشر: رجع هذ الكذاب إلى أنه لا يقدح
في أبي هريرة! وإنما القدح في بعض الروايات التي جاءت تحمل اسمه كصحابي راو!
فها قد أثبتنا في البداية أن جماعة رووا
هذا الحديث عن أبي هريرة! فهل نلصق التهمة بهم! هذا لا يقوله عاقل! وهذا المفتري
يهذي بما لا يدري!
(4) قال الكذاب: "3- وعبارة
(وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ) - عبارة مشهورة لأبي هريرة، انفرد بها، لم يقلها الرسول،
ولم ترد عن أحد من الصحابة.. وقد فسرها الشراح، فقالوا بأن (وَاللَّهُ
الْمَوْعِدُ) تعني: (أن الله جل وعلا سيفصل في هذا، وينظر هل أكثرت على رسول الله
كذباً أم كان هذا بالحق ..).- وقد وردت كلمة (الموعد) كثيرا، وفي أماكن متفرقة من
مجمل الرواية الحديثية (ليس منها أن الله هو الموعد.).
لم نجد تعبير (وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ) في
كلام العرب، ولم نجد أحدا من الصحابة قد استعمله، ولن يرى أحدٌ هذا التعبير إلا عن
أبي هريرة. وربما وجدنا تعبير: (عند الله موعدنا). ~ وقد منح العسقلاني في
"فتح الباري" تعليلا مناسبا قال: (وفيه حذف تقديره وعند الله الموعد لأن
الموعد إما مصدر وإما ظرف زمان أو ظرف مكان وكل ذلك لا يخبر به عن الله تعالى
ومراده أن الله تعالى يحاسبني إن تعمدت كذبا ويحاسب من ظن بي طن السوء.)-. ولن يجد
الواجد كذبا من غير تعمد...!!!".
أقول:
أولاً: حتى لو تفرد بها أبو هريرة، فكان
ماذا؟
هل تُرد الرواية إذا تفرد الصحابي بكلام
عربي فصيح؟!
وحتى لو لم تستخدمه العرب، فأبو هريرة
عربي أصيل، وهو قد وُجد في عصور الاحتجاج باللغة.
فما الذي تريده أيها الأفاك من غمزك هذا
بتفرد أبي هريرة بهذا الكلام؟!
وها هم أساطين أهل اللغة قد قبلوه وفسروه.
يقول الطيبي (ت 743هـ) في شرحه لكتاب
الفراء البغوي «المصابيح»: "قوله: «والله الموعد»: يعني لقاء الله الموعد،
يعني به يوم القيامة، فهو يحاسبني على ما أزيد وأنقص لاسيما على رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقد قال: «من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار»".
ويقول القاضي عياض في «إكمال المعلم
بفوائد مسلم» (7/534): "وقول أبي هريرة: «والله الموعد»: أي لقاء الله
ومجازاة الله، ويحتمل أن يريد: وعند الله المجتمع لموعده الحق. وهناك تفتضح
السرائر، ويجازى كل أحد بعمله".
ويقول ابن قُرْقُول في «مطالع الأنوار على
صحاح الآثار» (6/224): "قوله: «والله المَوْعِدُ» أي: عند الله المجتمَع، أو
إلى الله، أي: الموعد موعد الله، أي: هنالك تفتضح السرائر، ويجازى كل أحد بقوله،
وينصف من صاحبه، ويحتمل أن يريد بقوله: «والله المَوْعِدُ» أي: جزاؤه أو لقاؤه".
ويقول بدر الدين الدماميني في «مصابيح
الجامع» (5/248): "يريد: وعندَ الله الموعد؛ أي: هو حَسيبُ من يُعَرَّض أو
يقول، وهناك يُعلم صدقي، ويُجازي من عرَّض".
ويقول العيني في «عمدة القاري شرح صحيح
البخاري» (12/188): "قَوْله: «وَالله الموعد»: إِمَّا مصدر ميمي، وَإِمَّا
اسْم زمَان، أَو اسْم مَكَان، وعَلى كل تَقْدِير لَا يَصح أَن يخبر بِهِ عَن الله
تَعَالَى، وَلَكِن لَا بُد من إِضْمَار تَقْدِيره فِي كَونه مصدراً. وَالله هُوَ
الواعد، وَإِطْلَاق الْمصدر على الْفَاعِل للْمُبَالَغَة، يَعْنِي: الواعد فِي
فعله بِالْخَيرِ وَالشَّر، والوعد يسْتَعْمل فِي الْخَيْر وَالشَّر، يُقَال: وعدته
خيراً ووعدته شراً، فَإِذا أسقط الْخَيْر وَالشَّر يُقَال فِي الْخَيْر: الْوَعْد
وَالْعدة، وَفِي الشَّرّ: الإيعاد والوعيد. وَتَقْدِيره فِي كَونه اسْم زمَان: (وعِنْد
الله الْموعد يَوْم الْقِيَامَة)، وَتَقْدِيره فِي كَونه اسْم مَكَان: (وعِنْد
الله الْموعد فِي الْحَشْر)، وَحَاصِل الْمَعْنى على كل تَقْدِير: فَالله تَعَالَى
يحاسبني إِن تَعَمّدت كذبا، وَيُحَاسب من ظن بِي ظن السوء".
ثانياً: زعم هذا الأفاك أن هذه العبارة لم
يقلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة، وإنما تفرد بها أبو هريرة!
وهذا فيه نظر!
فقد جاءت هذه العبارة في حديث آخر:
فقد روى أَبو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ
يَعْقُوبَ الأَصَمُّ (ت 346هـ) في «الجُزْءِ الثَّالِثِ مِنْ حَدِيثِه» (10) قال:
حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَةَ - هو: أَحْمَدُ بنُ الفَرَجِ الحِجَازِيُّ الحِمْصِيُّ
-: حدثنا بَقِيَّةُ - هو: ابن الوليد -، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ يَحْيَى
الشامي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ السَّائِبِ الثقفي الطائفي، سَمِعْتُ غُضَيْفَ بنَ
أَبِي سُفْيَانَ الطائفي كَانَ يَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَّلَمَ، قَالَ: «سَيَكُونُ مِنْ بَعْدِي أَئِمَّةٌ يَسْأَلُونَكُمْ
غَيْرَ الْحَقِّ فَأَعْطُوهُمْ مَا سَأَلُوكُمْ، وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ».
وللأمانة: أبو عتبة هذا أصله حجازي نزل
الشام، وهو ليس بذاك في الحديث. وكان مُحمد بن عوف الطائي يُضعّفه.
وقال ابن ابي حاتم: "كتبنا عنه ومحله
عندنا محل الصدق".
وقال ابن عدي: "وأَبو عتبة وسط، ليس
ممن يحتج بحديثه، أو يتدين به، إلا أنه يُكتب حديثه".
وغضيف تابعي وليس بصحابي، فحديثه مرسلٌ.
ومع ضعف الحديث إلا أنا أتينا به لبيان
مجازفة هذا الأفاك في أن هذه العبارة لم يعرفها العرب!
وهذه العبارة استخدمها أهل العلم دونما
نكير، فقد استخدمها أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصُّعْلُوكِيُّ
الفقيه الشافعي (ت 404هـ) الإمام المشهور، فقال: "أَنْهَاكُمْ عَنِ الكَلامِ
وَتَعُودُونَ إِلَيْهِ، وَاللَّهُ المُوعِدُ".
وكذا الذهبي استخدمها مِرارًا في كتبه.
(5) قال الأفاك: "4- وعبارة (..
وَالأَنْصَارِ لا يُحَدِّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثِهِ وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ وَإِنَّ إِخْوَتِي
مِنْ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ)؛ فأرى النص يتهم
اتهاما خطيرا صحابةَ الرسول ويجرحهم تجريحا ظاهرا وخفيا، مما يتيح للمُتِّهـِم
الظهور مرفوعَ الرأس على (الأقران) - ولا أساس لهذا الاتهام من الصحة أو الحقيقة
أو الواقع في شيء، وما كانت قلة رواية كثير من الصحابة إلا حذرا من أن لا تأتي
روايتهم عن الرسول على حروفها، التزاما بإرشادات رسول الله...
من صحيح البخاري: (... عَنْ عَامِرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ لِلزُّبَيْرِ إِنِّي
لا أَسْمَعُكَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ .ص. كَمَا يُحَدِّثُ فُلانٌ
وَفُلانٌ قَالَ أَمَا إِنِّي لَمْ أُفَارِقْهُ وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ مَنْ
كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ). ونؤكد على عبارة: لم أفارقه
~ لم أفارقه ~ لم أفارقه ~ ولم يؤثر عن الزبير بن العوام أن حَدَّثَ، بأي حديث...".
أقول:
أولاً: هذا المفهوم في عقلك المتخلّف فقط!
فأي اتهام هذا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
فغاية ما في الأمر أن أبا هريرة لما صار
يُحدّث بأحاديث كثيرة لم يسمعها بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا:
"أكثر أبو هريرة" - لا اتهاماً له! وإنما خشية أن يزل المرء!
فأخبرهم بأنه حفظ ما لم يحفظوه وسمع ما لم
يسمعوه؛ لأنه كان ملازماً للنبي صلى الله عليه وسلم وهم إنما انشغلوا بأمور دنياهم
وطلب المعاش، وهذا واقع معروف عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يلازموه
كلهم.
وقد تقدم نقل بعض النصوص عن بعض الصحابة
أن أبا هريرة كان أحفظهم، ولم يُنكروا عليه حديثه أو يتهموه!
ثانياً: قلة رواية بعض الصحابة عنه صلى
الله عليه وسلم من باب أن يأتوا بالرواية كما سمعوه منه صلى الله عليه وسلم إنما
يدخل في باب الورع ورهبتهم من التحديث عنه صلى الله عليه وسلم، فتجد بعضهم مُقلا
في ذلك.
وأبو هريرة إنما أكثر وبلغ ما سمعه وهذا
الإكثار منه إلتزاماً بأمر الله كما أخبر هو: «وَاللَّهِ لَوْلاَ آيَتَانِ فِي
كِتَابِ اللَّهِ، مَا حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا أَبَدًا: {إِنَّ الَّذِينَ
يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى} [البقرة: 159] إِلَى
قَوْلِهِ {الرَّحِيمُ}».
فكان من الواجب عليه أن يُحدّث بما سمعه
من النبي صلى الله عليه وسلم ولا يكتم العلم، وما يحتاجه المسلمون من أقوال نبيهم
صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: ما جاء في الحديث: «كَمَا
يُحَدِّثُ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ» حجة عليه، فهو هنا قد أثبت أن غير الزبير كانوا
يحدثون ولم يعترض عليهم أو يتهمهم! وإنما هو تورّع لورود التغليظ في الكذب عليه
صلى الله عليه وسلم، وحاشاهم من الكذب، لكن كانوا يخشون الخطأ فيدخلون في هذا
الباب رضي الله عنهم وهذا من ورعهم.
رابعاً: هلا رجعت لمعنى قوله: «لَمْ
أُفَارِقْهُ» التي أكدت عليها مراراً! وأنت لا تعرف معناها! وإنما حملتها على
الملازمة الجسدية! وهذا غباء وحمق منك! فحتى البدهيات اللغوية لا تعرفها فكيف
تعترض على أمور أنت غبي فيها!
قال ابن هُبيرة: "يعني: مفارقة
مباينة، وليس يريد مفارقة جسدين إذ لم يكن ينام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم".
فالمراد: عدم المفارقة العرفية أي ما
فارقته سفراً ولا حضراً على عادة من يلازم الملوك.
قال ابن حجر في «فتح الباري» (1/200):
"«لَمْ أُفَارِقْهُ»: أَيْ لَمْ أُفَارِقْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: «مُنْذُ أَسْلَمْتُ»، وَالْمُرَادُ
فِي الْأَغْلَبِ، وَإِلَّا فَقَدْ هَاجَرَ الزُّبَيْرُ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَكَذَا
لَمْ يَكُنْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَالِ
هِجْرَتِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى
سَبِيلِ التَّوْجِيهِ لِلسُّؤَالِ لِأَنَّ لَازم الملازمه السماع ولازمه إِعَادَة
التَّحْدِيثِ لَكِنْ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا خَشِيَهُ مِنْ مَعْنَى الْحَدِيثِ الَّذِي
ذَكَرَهُ، وَلِهَذَا أَتَى بِقَوْلِهِ: «لَكِنْ». وَقَدْ أَخْرَجَهُ الزُّبَيْرُ
بْنُ بَكَّارٍ فِي كِتَابِ «النَّسَبِ» مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ هِشَامِ بنِ
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: «عَنَانِي
ذَلِكَ - يَعْنِي قِلَّةَ رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ، فَسَأَلْتُهُ أَيْ عَنْ ذَلِكَ؟
فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مِنَ الْقَرَابَةِ وَالرَّحِمِ
مَا عَلِمْتَ، وَعَمَّتُهُ أُمِّي وَزَوْجَتُهُ خَدِيجَةُ عَمَّتِي، وَأُمُّهُ
آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ وَجَدَّتِي هَالَةُ بِنْتُ وُهَيْبٍ ابْنَيْ عَبْدِ مَنَافِ
بْنِ زُهْرَةَ، وَعِنْدِي أُمُّكَ وَأُخْتُهَا عَائِشَةُ عِنْدَهُ، وَلَكِنِّي
سَمِعْتُهُ يَقُولُ قَوْلُهُ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ»...
وَفِي تَمَسُّكِ الزُّبَيْرِ بِهَذَا
الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنَ اخْتِيَارِ قِلَّةِ التَّحْدِيثِ
دَلِيلٌ لِلْأَصَحِّ فِي أَنَّ الْكَذِبَ هُوَ الْإِخْبَارُ بِالشَّيْءِ عَلَى
خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَمْ خَطَأً، وَالْمُخْطِئُ
وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْثُومٍ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنَّ الزُّبَيْرَ خَشِيَ مِنَ
الْإِكْثَارِ أَنْ يَقَعَ فِي الْخَطَأِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ
لَمْ يَأْثَمْ بِالْخَطَأِ لَكِنْ قَدْ يَأْثَمُ بِالْإِكْثَارِ، إِذْ
الْإِكْثَارُ مَظِنَّةُ الْخَطَأِ، وَالثِّقَةُ إِذَا حَدَّثَ بِالْخَطَأِ
فَحُمِلَ عَنْهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ أَنَّهُ خَطَأٌ يُعْمَلُ بِهِ عَلَى
الدَّوَامِ لِلْوُثُوقِ بِنَقْلِهِ فَيَكُونُ سَبَبًا لِلْعَمَلِ بِمَا لم يقلهُ
الشَّارِع فَمن خشِي من الْإِكْثَار الْوُقُوعِ فِي الْخَطَأِ لَا يُؤْمَنُ
عَلَيْهِ الْإِثْمُ إِذَا تَعَمَّدَ الْإِكْثَارَ فَمِنْ ثَمَّ تَوَقَّفَ الزُّبَيْرُ
وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنِ الْإِكْثَارِ مِنَ التَّحْدِيثِ وَأَمَّا مَنْ
أَكْثَرَ مِنْهُمْ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا وَاثِقِينَ مِنْ
أَنْفُسِهِمْ بِالتَّثَبُّتِ أَوْ طَالَتْ أَعْمَارُهُمْ فَاحْتِيجَ إِلَى مَا
عِنْدَهُمْ فَسُئِلُوا فَلَمْ يُمْكِنْهُمُ الْكِتْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ".
قلت: ومنهم أبو هريرة، وقد سدّ أبو هريرة
كل باب قد يأتيه من ذلك، فذكر ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم بخلاف من كان
مشغولاً بأمور معيشته وغير ذلك، وذكر أنه دعا له بالحفظ، فهذا الإكثار ناتج عن حفظ
بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فحينها لا يُخشى عليه من الخلط ونحوه.
وقد هابَ قومٌ من السلف الحديثَ عن رسولِ
الله صلى الله عليه وسلم كعمر، والزبير بن العَوَّام، وأنس بن مالك، وابن هرمز -
رضي الله عنهم أجمعين -؛ فإن هؤلاء سمعوا كثيرًا وحدَّثوا قليلًا.
ومنهم: مَن سَمِعَ وسكت؛ كعبدالملك بن
إياس، وكأنَّ هؤلاءِ تخوَّفوا مِنُ إكثار الحديث الوقوعَ في الكذب والغلط؛
فقلَّلوا، أو سَكَتوا.
غير أنَّ الجمهور: خصَّصوا عموم هذا
الحديث: «من كذب عليّ...»، وقيَّدوا مطلقَهُ بالأحاديث التي ذُكِرَ فيها: «متعمِّدًا»؛
فإنَّهُ يُفهَمُ منها أنَّ ذلك الوعيدَ الشديدَ إنما يتوجَّه لمن تعمَّد الكذبَ
على رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ وهذه الطريقة هي المرضيَّة؛ فإنَّها تجمعُ بين
مختلفاتِ الأحاديث؛ إذ هي تخصيصُ العموم، وحملُ المطلق على المقيَّدِ مع اتحادِ
المُوجِب والمُوجَب، كما تقرر في الأصول.
هذا مع أنَّ القاعدةَ الشرعيَّةَ
القطعيَّةَ تقتضي أنَّ المخطئ والناسي غيرُ آثمَينِ ولا مؤاخَذينِ، لا سيَّما بعد
التحرُّز والحذر.
رابعاً: قوله: "ولم يؤثر عن الزبير
بن العوام أن حَدَّثَ، بأي حديث"! هذا يدل على جهله في هذا العلم!
فهل يُعقل أن الزبير لم يؤثر أنه حدث بأي
حديث؟
فلو نظر في «تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف»
(3/177) لوجد قول المزي: "ومن مسند الزبير بن العوّام بن خُويلد بن أسد أبي
عبد الله الأسديِّ - أحد العشرة المشهود لهم بالجنّة - عن النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وسرد له في الكتب الستة وما جرى مجراها
(30) حديثاً، فكيف لم يؤثر أنه حدث بأي حديث!!
وفي مسند الزبير في «مسند أحمد»: (33)
حديثاً (1405) - (1438)، وفيها الصحيح وفيها الضعيف.
ويكفي هذا الحديث الذي أخرجه البخاري في «صحيحه»
للزبير لضرب هذا الأفاك على أم رأسه!
أخرج البخاري في «صحيحه» (1471) قال:
حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ
الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ
بِحُزْمَةِ الحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا
وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ».
(6) قال الأفاك: "6- أما عبارة
(وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ .ص. عَلَى مِلْءِ بَطْنِي)
فقد جاء مثيله في كتب أخرى: (.. كنت أجوع فأقع مغشيا عليَّ ثم آخذ الحجر إذا قمت
فأربطها على بطني ثم أتي رجلا من أصحاب رسول الله .ص. فأسأله عن الآية من القرآن
أنا أعلم بها منه (ربما يقصد أبا بكر) فأقول كيف يقرؤها رجاء أن يطعمني من عنده...
ثم آتي آخر (وربما يقصد عمر) ثم الآخر.. فلا أجد شيئا ثم ذكر أنه جاء إلى النبي
.ص. فقال هلك فلان أو دخل النار كان له مكيالان يكتال بأحدهما ويكيل وصله للناس
(..؟؟..) فلم أزل أرد عليه حتى عرف ما بي فيخرج إلي العلقة أبلغ بها؟؟)
لم يكن أبو هريرة لا من المهاجرين ولا من
الأنصار، المنشغلين في أعمالهم، وقد كان رجلا مسكينا. – والمسكين هو من كان أشد
فقرا من الفقير. وقد عرّف أبو هريرة المسكين فقال بأنه الذي ليس له غنى ويستحيي أن
يسأل الناس إلحافا. ولكن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ حين قدم الْمَدِينَةَ أبى
معونة الصحابة فقال: دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ فَمَا رَجَعَ حَتَّى اسْتَفْضَلَ
أَقِطًا وَسَمْنًا،~ ~ جاء عن أبي هريرة: (لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يغدو إلى الجبل
فيحتطب فيبيع فيأكل ويتصدق خير له من أن يسأل الناس.). مما يبرر تساؤلا عن السبب
الحقيقي لبقاء أبي هريرة مسكينا.
وبعد فترة تزوج عبد الرحمن امْرَأَةً مِنْ
الأَنْصَارِ، وكان عمره وقتها أكثر من خمسين، وكان عمر أبي هريرة حينها في حدود 36
سنة .. رجلا قادرا فلم يلجأ إلى السوق. – ولا نعلم فيما إذا كان الرسولُ قد وَجَّه
أبا هريرة إلى العمل؟ وما هي النتيجة؟ وما أسباب ضرب الرسول أبا هريرة بالدرة؟
(كما في البداية والنهاية للذهبي)، وهل حقا كان لا يخفى على أبي هريرة أمرا من
أمور المدينة .. هي أسئلة كثيرة مترابطة... فالله تعالى بها عليم".
أقول:
أولاً: ما المشكلة في كون أبي هريرة كان
مسكيناً؟
ثانيا: هذا الحديث الذي أتى به وأنه في
كتب أخرى وفيه العبارة التي تدل على الجوع إنما هو حديث كذب أورده بن عدي في ترجمة
«مِينَا بْنِ أَبِي مِينَا مَوْلَى عَبدالرَّحْمَن بْن عوف» وهو ليس بثقة كان
يتكلم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم!
والحديث رواه عَبدالرَّزَّاق أَخْبَرَنِي
أَبِي، عن مينا، قال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: «كُنْتُ أَجُوعُ
فَأَقَعُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ ثُمَّ آخُذُ الْحَجَرَ إِذَا قُمْتُ فَأَرْبِطُهَا
عَلَى بَطْنِي ثُمَّ آتِي رَجُلا مِنْ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلَهُ عَنِ الآيَةِ مِنَ الْقُرْآنِ أَنَا أَعْلَمُ
بِهَا مِنْهُ فَأَقُولُ كَيْفَ يَقْرَؤُهَا رَجَاءَ أَنْ يُطْعِمَنِي مِنْ
عِنْدِهِ ثُمَّ آتِي آخَرَ ثُمَّ الآخَرَ فَلا أَجِدُ شَيْئًا ثُمَّ ذَكَرَ
أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ فَقَالَ هَلَكَ
فُلانٌ أَوْ دَخَلَ النَّارَ كَانَ لَهُ مِكْيَالانِ يَكْتَالُ بِأَحَدِهِمَا
وَيَكِيلُ بِالآخَرِ لِلنَّاسِ فَلَمْ أَزَلْ أَرُدُّ عَلَيْهِ حَتَّى عَرِفَ مَا
بِي فَيُخْرِجُ إلي العلقة أبلغ بها».
فاعتمد هذا الأفاك على حديث منكر وصار
يفسر الأول: "ربما يقصد أبا بكر"! والآخر: "وربما يقصد
عمر"..!
ولو أنه يفهم الحديث لأتى بما أخرجه
البخاري في «صحيحه» (6452) من حديث مُجَاهِدٍ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، كَانَ
يَقُولُ: أَللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنْ كُنْتُ لَأَعْتَمِدُ
بِكَبِدِي عَلَى الأَرْضِ مِنَ الجُوعِ، وَإِنْ كُنْتُ لَأَشُدُّ الحَجَرَ عَلَى
بَطْنِي مِنَ الجُوعِ، وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا عَلَى طَرِيقِهِمُ الَّذِي
يَخْرُجُونَ مِنْهُ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ
اللَّهِ، مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِيُشْبِعَنِي، فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ
مَرَّ بِي عُمَرُ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، مَا سَأَلْتُهُ
إِلَّا لِيُشْبِعَنِي، فَمَرَّ فَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي أَبُو القَاسِمِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِي، وَعَرَفَ مَا فِي
نَفْسِي وَمَا فِي وَجْهِي، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا هِرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الحَقْ» وَمَضَى فَتَبِعْتُهُ، فَدَخَلَ، فَاسْتَأْذَنَ،
فَأَذِنَ لِي، فَدَخَلَ، فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ، فَقَالَ: «مِنْ أَيْنَ
هَذَا اللَّبَنُ؟» قَالُوا: أَهْدَاهُ لَكَ فُلاَنٌ أَوْ فُلاَنَةُ، قَالَ: «أَبَا
هِرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الحَقْ إِلَى أَهْلِ
الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لِي» قَالَ: وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الإِسْلاَمِ،
لاَ يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلاَ مَالٍ وَلاَ عَلَى أَحَدٍ، إِذَا أَتَتْهُ
صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا، وَإِذَا
أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ وَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا،
فَسَاءَنِي ذَلِكَ، فَقُلْتُ: وَمَا هَذَا اللَّبَنُ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ،
كُنْتُ أَحَقُّ أَنَا أَنْ أُصِيبَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى
بِهَا، فَإِذَا جَاءَ أَمَرَنِي، فَكُنْتُ أَنَا أُعْطِيهِمْ، وَمَا عَسَى أَنْ
يَبْلُغَنِي مِنْ هَذَا اللَّبَنِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ
رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدٌّ، فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ
فَأَقْبَلُوا، فَاسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ، وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ
البَيْتِ، قَالَ: «يَا أَبَا هِرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ،
قَالَ: «خُذْ فَأَعْطِهِمْ» قَالَ: فَأَخَذْتُ القَدَحَ، فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ
الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ،
فَأُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ
فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ، حَتَّى انْتَهَيْتُ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَوِيَ القَوْمُ
كُلُّهُمْ، فَأَخَذَ القَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ، فَنَظَرَ إِلَيَّ
فَتَبَسَّمَ، فَقَالَ: «أَبَا هِرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ،
قَالَ: «بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ» قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:
«اقْعُدْ فَاشْرَبْ» فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ، فَقَالَ: «اشْرَبْ» فَشَرِبْتُ، فَمَا
زَالَ يَقُولُ: «اشْرَبْ» حَتَّى قُلْتُ: لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، مَا
أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا، قَالَ: «فَأَرِنِي» فَأَعْطَيْتُهُ القَدَحَ، فَحَمِدَ
اللَّهَ وَسَمَّى وَشَرِبَ الفَضْلَةَ.
ثالثاً: الملاحظ أن هذا المفتري يريد غمز
أبي هريرة بأنه كان ينبغي له أن يذهب ويعمل لا أن يجلس ويطلب من الناس! وهو من روى
حديث: «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ
لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا، فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ».
وكذلك إتيانه بما فعله عبدالرحمن بن عوف
عندما هاجر للمدينة وذهابه للسوق للتجارة!
وهذا خبث ما بعده خبث! فلكل إنسان وضعه
الخاص! فعبدالرحمن أصلا من تجار مكة، ولا يستغني عن تجارته.
ثم إن أبا هريرة لم يجلس عاطلاً طوال
عمره! وإنما فعل ذلك ليلازم النبي صلى الله عليه وسلم في صحبته لتلك الأعوام
الأربعة، وكان صلى الله عليه وسلم لا يمانع أن يجلس هو ومن معه في الصفة في المسجد
وينفق عليهم هو وأصحابه.
وكأن هذا المفتري وغيره ممن يطعنون في أبي
هريرة يظنون أنه بقي هكذا لا يعمل طوال حياته! وليس كذلك، فقَدْ وَلِيَ أَبُو
هُرَيْرَةَ البَحْرَيْنِ لِعُمَرَ، وكَانَ مَرْوَانُ بن الحكم رُبَّمَا
اسْتَخْلَفَه عَلَى المَدِيْنَةِ، فَيَرْكَبُ حِمَاراً بِبَرْذَعَةٍ، وَفِي
رَأْسِهِ خُلْبَةٌ مِنْ لِيْفٍ، فَيَسِيْرُ، فَيَلْقَى الرَّجُلَ، فَيَقُوْلُ:
الطَّرِيْقَ! قَدْ جَاءَ الأَمِيْرُ.
وروى ثَعْلَبَة بنُ أَبِي مَالِكٍ
القُرَظِيّ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَقْبَلَ فِي السُّوقِ يَحْمِلُ حُزْمَةَ
حَطَبٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ لِمَرْوَانَ، فَقَالَ: أَوْسِعِ الطَّرِيقَ
لِلْأَمِيرِ يَا ابْنَ أَبِي مَالِكٍ، فَقُلْتُ لَهُ: يَكْفِي هَذَا، فَقَالَ:
أَوْسِعِ الطَّرِيقَ لِلْأَمِيرِ وَالْحُزْمَةُ عَلَيْهِ.
فهو قد عمل بالحديث الذي رواه: «وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَحْتَطِبَ عَلَى
ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا، فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ
مَنَعَهُ»، وكان يذهب للسوق للتجارة مع كونه أميراً.
قال أبو نُعيم الأصبهاني في وصفه في «الحلية»:
"وَهُوَ أَشْهَرُ مَنْ سَكَنَ الصُّفَّةَ وَاسْتَوْطَنَهَا طُولَ عُمْرِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ عَنْهَا، وَكَانَ
عَرِيفَ مَنْ سَكَنَ الصُّفَّةَ مِنَ الْقَاطِنِينَ، وَمَنْ نَزَلَهَا مِنَ
الطَّارِقِينَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ
أَنْ يَجْمَعَ أَهْلَ الصُّفَّةِ لِطَعَامٍ حَضَرَهُ تَقَدَّمَ إِلَى أَبِي
هُرَيْرَةَ لِيَدْعُوَهُمْ وَيَجْمَعَهُمْ، لِمَعْرِفَتِهِ بِهِمْ
وَبِمَنَازِلِهِمْ وَمَرَاتِبِهِمْ. كَانَ أَحَدَ أَعْلَامِ الْفُقَرَاءِ
وَالْمَسَاكِينِ، صَبَرَ عَلَى الْفَقْرِ الشَّدِيدِ حَتَّى أَفْضَى بِهِ إِلَى
الظِّلِّ الْمَدِيدِ، أَعْرَضَ عَنْ غَرْسِ الْأَشْجَارِ، وَجَرْيِ الْأَنْهَارِ،
وَعَنْ مُخَالَطَةِ الْأَغْنِيَاءِ وَالتُّجَّارِ، فَارَقَ الْمُنْقَطِعَ
الْمَحْدُودَ، مُنْتَظِرًا لِلْمُنْتَفَعِ بِهِ مِنْ تُحَفِ الْمَعْبَودِ، زَهَدَ
فِي لُبْسِ اللَّيِّنِ وَالْحَرِيرِ، فَعُوِّضَ مِنْ حِكَمِ الْفَطِنِ الْخَبِيرِ".
وروى البخاري في «صحيحه» (3708) قال:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ دِينَارٍ أَبُو عَبْدِاللَّهِ الجُهَنِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ
سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ
النَّاسَ كَانُوا يَقُولُونَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَإِنِّي كُنْتُ أَلْزَمُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِبَعِ بَطْنِي حَتَّى لاَ
آكُلُ الخَمِيرَ وَلاَ أَلْبَسُ الحَبِيرَ، وَلاَ يَخْدُمُنِي فُلاَنٌ وَلاَ
فُلاَنَةُ، وَكُنْتُ أُلْصِقُ بَطْنِي بِالحَصْبَاءِ مِنَ الجُوعِ، وَإِنْ كُنْتُ
لَأَسْتَقْرِئُ الرَّجُلَ الآيَةَ، هِيَ مَعِي، كَيْ يَنْقَلِبَ بِي
فَيُطْعِمَنِي، وَكَانَ أَخْيَرَ النَّاسِ لِلْمِسْكِينِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ، كَانَ يَنْقَلِبُ بِنَا فَيُطْعِمُنَا مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ، حَتَّى
إِنْ كَانَ لَيُخْرِجُ إِلَيْنَا العُكَّةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ،
فَنَشُقُّهَا فَنَلْعَقُ مَا فِيهَا».
رابعاً: وأما ما أسباب ضرب الرسول أبا
هريرة فهذا تأكيد من هذا المفتري أنه ضربه! مع أن المصدر الذي نقل منه ليس فيه أنه
فعل! مع التنبيه أن «البداية والنهاية» لابن كثير لا للذهبي كما ذكر!
والذي في «البداية والنهاية» (8/105):
"وَقَالَ هشام بن عمار: حدثنا سَعِيدٌ: ثَنَا عَبْدُالْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ،
عَنِ المقبري، عن سالم مولى النصريين: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّمَا
مُحَمَّدٌ بَشَرٌ أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ وَإِنِّي قَدِ اتَّخَذْتُ
عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
آذَيْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ أَوْ جلدته فاجعلها له قربة بِهَا عِنْدَكَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ».
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَقَدْ رَفَعَ
عَليّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً الدرة ليضربني بها
فلأن يَكُونُ ضَرَبَنِي بِهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، ذَلِكَ
بِأَنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ مُؤْمِنًا وَأَنْ يُسْتَجَابَ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم دعوته".
وهذا رواه ابن عساكر في «تاريخ دمشق»
(67/326) من طريق أبي أحمد الحاكم، عن محمد بن خُريم الدمشقي، عن هشام بن عمار،
به.
ففيه أنه رفع عليه الدرة ولم يضربه!
لكن هذا كله لم يثبت! وهو حديث منكر! وهو
صلى الله عليه وسلم لم تكن عنده درة يضرب بها الناس!
والحديث المرفوع صحيح عن أبي هريرة، رواه
مسلم في «صحيحه» (2601)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (4/109) من حديث اللَّيْثِ
بن سَعِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقبري، عَنْ سَالِمٍ، مَوْلَى
النَّصْرِيِّينَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «اللهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ
بَشَرٌ، يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، وَإِنِّي قَدِ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ
عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ، أَوْ سَبَبْتُهُ،
أَوْ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً، وَقُرْبَةً، تُقَرِّبُهُ بِهَا
إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وكلام أبي هريرة الأخير لا يوجد إلى في
رواية سَعِيد بن يحيى بن صالح اللخمي، وهو كوفي، سكن دمشق، وهو ليس بذاك في
الحديث!
قال عثمان بن سَعِيد الدارمي، عَن دُحيم: "ما
هو عندي ممن يُتهم بالكذب" = يعني ما يرويه منفرداً مما فيه نكارة ليس من عمل
يديه، وإنما من وهمه في الحديث!
وَقَال أَبُو حاتم: "محله الصدق".
وَقَال ابن حبان: "ثقة، مأمون،
مستقيم الأمر فِي الحديث".
وَقَال الدَّارَقُطنِيّ: "ليس بذاك"،
وقال مرة: "لا بأس به".
فاثبت العرش ثم انقش أيها المفتري!
(7) قال الأفاك: "6- وأما (فَأَحْضُرُ
حِينَ يَغِيبُونَ وَأَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ) – ويعني بذلك غياب الصحابة ونسيانهم،
~ فأين المكان الذي كان يحضر إليه، وهل يحضر معه أحد آخر من الصحابة.؟ وأين الجهاد
الذي قضى فيه الرسول شطر حياته المباركة.؟ ~ وأما النسيان، فقد ثبت بأن أبا هريرة
ينسى... فهذا حديث: من أصبح جنبا فلا صيام له، ليس عنا ببعيد. ~ وعبارة
(فَأَحْضُرُ حِينَ يَغِيبُونَ وَأَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ) لا تستقيم لأسباب عدة منها:
1-6: لم يقبل عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
شهادة أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيّ في الاسْتِئْذَانِ ثلاث، كما في صحيح مسلم، فقَالَ
عمر لأبي موسى: فَوَاللَّهِ لأُوجِعَنَّ ظَهْرَكَ وَبَطْنَكَ أَوْ لَتَأْتِيَنَّ بِمَنْ
يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا..
2-6: من هم الذين يغيبون؟ أليس منهم
الفاروق والصديق وابن الزبير وابن عوف...؟ فهل يتحين أبو هريرة فترة غيابهم ليحضر
فلا يكون في مجلس الرسول أحدا سواه- وما هو مبرر حضوره حين يغيبون؟
3-6: هل كان رسول الله يعقد مجلسا خاصا
لأبي هريرة منفردا؟ (وقد قرعه بالدرة)، ومن دون وجود للصديق أو سعيد بن زيد أو عبد
الرحمن بن عوف أو سعد بن أبي وقاص أو علي بن أبي طالب أو.... في حين جاء التمسيك
بالعلم جماعيا فمن سورة الأعراف170: ((وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلۡكِتَٰبِ
وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُصۡلِحِينَ.)).
4-6: لئن سَلَّمْنا أنَّ الرسولَ كان يعقد
مجلسا خاصا لأبي هريرة منفردا به، فكيف يقولُ الرسول، وبصيغة الجمع: (لَنْ
يَبْسُطَ أَحَدٌ مِنْكُمْ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي هَذِهِ ثُمَّ
يَجْمَعَهُ إِلَى صَدْرِهِ فَيَنْسَى مِنْ مَقَالَتِي شَيْئًا أَبَدًا).؟- مما
يعني بأن أبا هريرة لم يكن منفردا.، ... وعلى افتراض أن أبا هريرة لم يكن منفردا
فلمن كان يوجه الرسول كلامه، هل للمهاجرين الذين يشغلهم الصفق في الأسواق؟ أم هل
للأنصار الذين تشغلهم تنمية أموالهم؟ أم هل لكليهما؟ -
وفي أي قسم من النهار أو من الليل كان
ذلك؟ - ولا أحسب هذا الكلام يصدر عن رسول من الله يتلو صحفا مطهرة... بل يصدر عن
(ساحر أو محتال أو لاعب كشتبان)، وأتصور المشهد تماما: منديل قماش أو ثوب ممدود
مبسوط، أو مئزر أو خرقة... و(الساحر) يبربر بكلمات لا نعلم عنها شيئا، وربما لا
تفهم، ...
ثم وفي الوقت الذي ينهي (الساحر) همهمته
وغمغمته يرتد الثوب إلى الصدر.!!! حركات لا يمكن لأحد تفسيرها إلا بما تصورناه...
– وإلا فما كان يقول الرسول (حسب زعم الزاعم)؟ ألا يقول الراوي أنه لم ينسى أبدا؟
– إذا لمَاذا لمْ يورد راوي الرواية مقالة الرسول؟؟؟
إنه تناقض واضح، واختلاف لا يليق بمن قام
بتصنيع الرواية .. .. ثم لماذا لم يبسط أحد من الصحابة ثوبة، إلا أبي هريرة، فقد
بسط نمرته التي لَيْسَ عَلَيّهِ ثَوْبٌ غَيْرُهَا.؟ - ~ والنَمِرَةُ هي كل مئزر
مخطط من مآزر الأعراب، وجمعها نمار. – فهل بقي الراوي عاريا باعتبار أن ليس عليه
ثوب غير هذا المئزر فبسطه فبقي عاريا...؟؟ عجبا..
وأما "ثم جمعتها إلى صدري" –
فماذا لو كان قد جمعها إلى...! أو إلى...! أو إلى – أو إلى رأسه أو وجهه أو رقبته؟
ماذا كان سيحصل؟
وأما " فوالذي بعثه بالحق ما نسيت من
مقالته تلك إلى يومي هذا". فحسنا إذا: ما هي المقالة التي كان يقولها فيبثها
على الثوب؟ وأمام من؟ ومن كان من موجودا حينما قضى الرسول مقالته.؟ ... وفي أي
مكان كانت هذه المقالة..؟ - القضية ليست قضية أيمان وقسم وحلفان... القضية قضية
حقائق ووقائع!!.
الحكاية يستحيل وزنها بميزان
وأيمان:" والله لولا آيتان في كتاب الله ما حدثتكم شيئا أبدا. ((إن الذين
يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى إلى قوله الرحيم)). – . والآيتان هما من سورة
البقرة: ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ
وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ
يَلعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ
تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)).
وهذه الحكاية حكاية غريبة تلفها الشبهات
من جوانبها الست. فلم يكن رسول الله يوما ساحرا.. وليس من شهود حضروا الواقعة رغم
كون الخطاب جاء بصيغة الجمع، ولم نعلم ما هي المقالة السحرية، ولا نعلم فيما إذا
بقي الراوي عاريا أم لا؟ ثم إن (الساحر جعل المسحور) أفضل من آدم الذي نسي ولم يجد
الله له عزما... ناهيك عن استدرار العاطفة في الحكاية الشعبية من كون الراوي
مسكينا لا يملك إلا مئزرا عليه.. ثم إنه لأفضل من المهاجرين والأنصار معا...
والنمرة يقابلها المئزر اليماني أو
الدشداشة باللهجة الخليجية و(الكلابية) باللهجة الشامية - منسوجة من صوف – وبسط
النمرة لا تعني خلعها لأنه ليس عليه غيرها ... وقَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ تعني أنهى قراءته على نمرة أبي هريرة... وأما
(جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي) – فهذا يعني أن نمرة أبي هريرة مكثت مبسوطة والرسول
يقرأ عليها مقالته حتى انتهى فامتلأت النمرة بقراءة الرسول، ومباشرة رد أبو هريرة
النمرة المبسوطة إلى صدره .. ويبدو أن لمؤلف الرواية الحق في عدم إظهار ما تحت
النمرة من قراءات الرسول.؟".
أقول: هذا
الأفاك المأفون يُلبس عليه الشيطان ويُملي عليه هذه الكلمات الغبية! وما خرجت إلا
من حقده على أبي هريرة رضي الله عنه ومحاولة الطعن فيه برغم تنصله من ذلك!
أولاً: قوله: (فَأَحْضُرُ حِينَ
يَغِيبُونَ وَأَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ) لا يعني غياب الصحابة كلهم كما هو ظاهر كلام
هذا الأفاك! ووصفه لبعضهم بالنسيان لا حرج فيه فقد ثبت ذلك عنهم، وقوله دقيق:
"وأعي حين ينسون".
وأما المكان الذي كان يحضر هو المسجد الذي
هو أصلا يسكن فيه، والمسجد كان مكان جلوسه صلى الله عليه وسلم في الصلوات وغيرها،
وحينما تأتيه الوفود والناس ومن يسألونه، فأبو هريرة حاضر عنده وغيره من الصحابة
يصلون ويخرجون لأمورهم، وهناك من يبقى معه، فكلامه ليس فيه نفي مطلق لعدم حضور
صحابة آخرين.
ثانياً: وأما الجهاد الذي قضى فيه الرسول
شطر حياته المباركة فما علاقته بما يتكلم عليه أبو هريرة؟
فأبو هريرة يتكلم عن مدة إسلامه إلى وفاته
صلى الله عليه وسلم = يعني أربعة أعوام من بعد خيبر.
وما بعد خيبر من الغزوات قد حضرها أبو
هريرة. وجهاده صلى الله عليه وسلم لم يكن بعيداً، فأقصاه كان إلى تبوك مسيرة شهر.
ثالثاً: وأما نسيان أبي هريرة فهو أولاً:
لا ينفي نسيانه المطلق، وإنما هو يتحدث عن أحاديث هو يذكرها ونسيها غيره.
وأما حديث: «مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا
صِيَامَ لَهُ» فليس له علاقة بالنسيان أيها الكذاب! وغاية ما فيه أنه لما قيل لأبي
هريرة بمخالفة عائشة له صرّح بأنه سمعه مِنَ الفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ، وفي بعض
الروايات من أُسَامَة بن زَيْدٍ.
روى مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، عَنْ سُمَيٍّ،
مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ
عَبْدِالرَّحْمَنِ، يَقُولُ: كُنْتُ أَنَا وَأَبِي، عِنْدَ مَرْوَانَ بْنِ
الْحَكَمِ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فَذَكَرَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ:
مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا أَفْطَرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَقَالَ مَرْوَانُ: أَقْسَمْتُ
عَلَيْكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَتَذْهَبَنَّ إِلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ فَلْتَسْأَلَنَّهُمَا عَنْ ذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ:
فَذَهَبَ عَبْدُالرَّحْمَنِ وَذَهَبْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ
فَسَلَّمْنَا عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ،
إِنَّا كُنَّا عِنْدَ مَرْوَانَ فَذُكِرَ لَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ:
مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا أَفْطَرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَيْسَ
كَمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، يَا عَبْدَالرَّحْمَنِ أَتَرْغَبُ عَمَّا كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: فَقَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ:
لَا وَاللَّهِ، قَالَتْ: فَأَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ ثُمَّ يَصُومُ
ذَلِكَ الْيَوْمَ قَالَ: ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ
فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا، قَالَ: فَخَرَجْنَا حَتَّى جِئْنَا مَرْوَانَ فَذَكَرَ لَهُ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ مَا قَالَتَا فَقَالَ مَرْوَانُ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا أَبَا
مُحَمَّدٍ لَتَرْكَبَنَّ دَابَّتِي فَإِنَّهَا بِالْبَابِ فَلْتَذْهَبَنَّ إِلَى
أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ بِأَرْضِهِ بِالْعَقِيقِ فَلَتُخْبِرَنَّهُ ذَلِكَ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَرَكِبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَرَكِبْتُ مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا
أَبَا هُرَيْرَةَ فَتَحَدَّثَ مَعَهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ سَاعَةً ثُمَّ ذَكَرَ
ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ إِنَّمَا
أَخْبَرَنِيهِ مُخْبِرٌ».
وهذا الذي أخبره على الأرجح هو الفضل بن
العباس، والمسألة أن هذا الحديث قد نُسخ بما أخبرت عائشة من فعله صلى الله عليه
وسلم.
رابعاً: قال الأفاك بأن عبارة أبي هريرة
(فَأَحْضُرُ حِينَ يَغِيبُونَ وَأَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ) لا تستقيم لأسباب منها:
"لم يقبل عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ شهادة أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيّ في
الاسْتِئْذَانِ ثلاث، كما في صحيح مسلم، فقَالَ عمر لأبي موسى: فَوَاللَّهِ
لأُوجِعَنَّ ظَهْرَكَ وَبَطْنَكَ أَوْ لَتَأْتِيَنَّ بِمَنْ يَشْهَدُ لَكَ عَلَى
هَذَا"! = يقصد أن عمر أنكر على أبي موسى حديثه في الاستئذان لأنه كان ملازما
للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع بهذا الحديث!
وهذا من غباء هذا المفتري الجاهل!
بل إن حديث عمر مع أبي موسى يؤيد ما قاله
أبو هريرة؛ لأن الصحابي قد يسمع حديثاً منه صلى الله عليه وسلم وحده أو مع جماعة
في مكان ما دون غيرهم، فيُخبر بذلك دون اتهامه.
فحديث أبي موسى قاله النبي صلى الله عليه
وسلم في مجلس الأنصار، ولهذا رجع أبو موسى إلى الأنصار فأخبرهم بما حدث مع عمر، فَقَالُوا:
لَا يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا إِلَّا أَصْغَرُنَا، فَقَامَ أَبُو سَعِيدٍ
فَقَالَ: «كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا» فَقَالَ عُمَرُ: «خَفِيَ عَلَيَّ هَذَا مِنْ
أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلْهَانِي عَنْهُ
الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ».
فها هو عمر يؤيد بقوله: "أَلْهَانِي
عَنْهُ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ" كلام أبي هريرة المتقدم.
وفي رواية: قَالَ عمر: "سُبْحَانَ
اللهِ إِنَّمَا سَمِعْتُ شَيْئًا، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَثَبَّتَ".
وفي رواية: فَقَالَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ لِأَبِي مُوسَى: أ"َمَا إِنِّي لَمْ أَتَّهِمْكَ، وَلَكِنْ
خَشِيتُ أَنْ يَتَقَوَّلَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ".
خامساً: وقوله: "من هم الذين يغيبون؟
أليس منهم الفاروق والصديق وابن الزبير وابن عوف...؟ فهل يتحين أبو هريرة فترة
غيابهم ليحضر فلا يكون في مجلس الرسول أحدا سواه - وما هو مبرر حضوره حين يغيبون؟"
فهم غبي منه!
فأبو هريرة لم يُعين أحداً ممن كان يغيب،
بل إن حديث عمر مع أبي موسى يدل على أن عمر كان يغيب أحياناً عن مجلسه صلى الله
عليه وسلم باعترافه.
ومعلوم أن الصحابة عندما كانوا يُصلون
بعضهم يبقى معه صلى الله عليه وسلم وبعضهم يذهب لحاجاته.
ولم لا تكون بعض تلك المجالس معه صلى الله
عليه وسلم لأبي هريرة وحده؟ فهذا منطقي وليس بمستبعد، بل يؤكده أن أبا هريرة سمع
منه أحاديث لم يحدث بها لأنها تتعلق بالفتن، وقد قال: "لو حدثت بها بقطع هذا
البلعوم".
وأما حضوره حين يغيبون فالمبرر موجود وهو
وجدوه دائما في المسجد في الصفة، ومجلسه صلى الله عليه وسلم كان في المسجد، وبيته
بجانب المسجد.
فكل اعتراضات هذا العاهة تدل على غبائه
وعدم معرفته بأساسيات ما كان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
سادساً: قوله: "وقد قرعه
بالدرة" قد بينا عدم صحة ذلك! والعجيب كيف يحتج بالضعيف ويترك ما اتفق على
صحته؟ وما ذلك إلا لهوى في نفسه الخبيثة!
وكم بينت من قبل لا حرج في أن يكون في
مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا أبوهريرة وحده كونه كان ملازما له في
المسجد.
وأحيانا كان يغيب الصديق وعبدالرحمن بن
عوف وعلي وغيرهم، وهذا أمر عادي.
ولا أدري ما علاقة الآية: {وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ
بِٱلۡكِتَٰبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُصۡلِحِينَ}
بسماع أبي هريرة أحاديث دون غيره من كبار الصحابة!
ومن قال بأنه جاء التمسيك بالعلم جماعياً
من هذه الآية؟
فالآية معناها كما قال ابن جرير الطبري
شيخ المفسرين: "وَالَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ،
وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ بِحُدُودِهَا، وَلَمْ يُضَيِّعُوا أَوْقَاتَهَا {إِنَّا
لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف: 170] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ:
فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ خَلْقِي، فَإِنِّي لَا أُضِيعُ أَجْرَ عَمَلِهِ
الصَّالِحِ".
ثم إن الآية جاءت في اليهود والنصارى،
وكذلك اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ:
(يُمْسِكُونَ) بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَتَسْكِينِهَا، مِنْ أَمْسَكَ يُمْسِكُ.
وَقَرَأَهُ آخَرُونَ: {يُمَسِّكُونَ} بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ،
مِنْ مَسَّكَ يُمَسِّكُ.
فتعلم يا جاهل قبل الخوض فيما لا تحسنه!
سابعاً: من قال بأن قول أبي هريرة في
الحديث يدلّ على أنه صلى الله عليه وسلم كان يعقد له مجلساً خاصا؟ فهذا فهم سقيم
عقيم من عقل متخلف عفن!
ففي بعض روايات الحديث: "فَشَهِدْتُ
مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا فَقَالَ: «مَنْ
يَبْسُطُ رِدَاءَهُ حَتَّى اقْضِيَ مَقَالَتِي، فَلَا يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ
مِنِّي»".
يقول: "شهدت مجلسا" = يعني لم
يكن في مجلس خاص وحده.
على أنه من المفاهيم المعلومة في الهدي
النبوي أنه صلى الله عليه وسلم قد يتكلم بصيغة الجمع للواحد، فالعبرة بعموم اللفظ
لا بخصوص السبب كما هو مقرر عند أهل العلم.
ولو عرف هذا المعترض الغبي كيف يتعامل مع
الروايات لما قال هذا الغباء: "مما يعني بأن أبا هريرة لم يكن منفردا، ...
وعلى افتراض أن أبا هريرة لم يكن منفردا فلمن كان يوجه الرسول كلامه، هل للمهاجرين
الذين يشغلهم الصفق في الأسواق؟ أم هل للأنصار الذين تشغلهم تنمية أموالهم؟ أم هل
لكليهما؟ وفي أي قسم من النهار أو من الليل كان ذلك؟"!!
وقد سبق أن بينا في بعض الروايات أن
الكلام كان موجها لمن حضر ذلك المجلس سواء كان فيه مهاجرين أم أنصارا، وأن النبي
صلى الله عليه وسلم لما قَامَ آخَرُ فَبَسَطَ رِدَاءَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَبَقَكَ بِهَا الْغُلَامُ الدَّوْسِيُّ».
وفي رواية أن زَيْدَ بن ثَابِتٍ وهو
أنصاري كان في ذلك المجلس وكان معه صاحبا له، فلما دعا أبو هريرة أن يرزقه الله عِلْمًا
لَا يُنْسَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آمِينَ»، قال
زيد: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَنَحْنُ نَسْأَلُ اللهَ عِلْمًا لَا يُنْسَى،
فَقَالَ: «سَبَقَكُمْ بِهَا الْغُلَامُ الدَّوْسِيُّ».
وتصور هذا الغبي أن كل المهاجرين وكل
الأنصار كانوا منشغلين دائما بالتجارة والأسواق تصور غبي!!!
فهناك أحاديث كثيرة تبين حال الصحابة مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنه الكبار من كان يلازمه أحيانا، ومنهم من يخرج
معه لبعض الحاجات، ومنهم من يجلس بعد الصلوات، ومنهم ومنهم ومنهم... فالحال واضح،
وليس كلهم حدث بكل ما سمع منه، فمنهم من مات مبكرا وانشغل بالفتوحات، ومنهم من
عُمّر وحدث كأبي هريرة.
وإليك هذا الحديث في «الصحيحين» عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ بن الخطاب، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ
لِي مِنَ الأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ وَهِيَ مِنْ عَوَالِي
المَدِينَةِ وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نَزَلْتُ
جِئْتُهُ بِخَبَرِ ذَلِكَ اليَوْمِ مِنَ الوَحْيِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ
فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَنَزَلَ صَاحِبِي الأَنْصَارِيُّ يَوْمَ نَوْبَتِهِ،
فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا، فَقَالَ: أَثَمَّ هُوَ؟ فَفَزِعْتُ فَخَرَجْتُ
إِلَيْهِ، فَقَالَ: قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ. قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ
فَإِذَا هِيَ تَبْكِي، فَقُلْتُ: طَلَّقَكُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: لاَ أَدْرِي، ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ: أَطَلَّقْتَ
نِسَاءَكَ؟ قَالَ: «لاَ» فَقُلْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ.
ثامناً: اتهم هذا الغبي الجاهل ما حصل
بأنه لا يصدر إلا عن ساحر أو محتال أو لاعب كشتبان – نوع من ألعاب الخفة كانت
مشتهرة في سوريا -! وساق تصوره هذا للقصة كما يفعل السحرة...
فيبدو أن كثرة مشاهدة هذا المفتري لألعاب
الخفة والسحر أثرت على عقله! فتصور القصة هكذا! ثم ردها!
ما حدث لم يكن همهمة وغمغمة كما تصور هذا
الحمار! ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم أمامهم شيئاً، فلو قال لحفظوه.
واقرأ القصة كما في «الصحيح» من حديث سَعِيدٍ
المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنْسَاهُ؟ قَالَ: «ابْسُطْ رِدَاءَكَ»
فَبَسَطْتُهُ، قَالَ: فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «ضُمَّهُ» فَضَمَمْتُهُ، فَمَا
نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ.
وفي رواية الأعرج التي اعتمدها هذا
الصعلوك:
قال أبو هريرة: حَدَّثَنَا النبي صلى الله
عليه وسلم يَوْمًا فَقَالَ: "مَنْ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ حَتَّى أَفْرُغَ مِنْ
حَدِيثِي، ثُمَّ يَقْبِضُهُ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ
مِنِّي أَبَدًا" "فَبَسَطْتُ ثَوْبِي، - أَوْ قَالَ: نَمِرَتِي - ثُمَّ
قَبَضْتُهُ إِلَيَّ، فَوَاللهِ مَا نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ.
فأبو هريرة لم يكن وحده في المجلس، وهو قد
سارع لبسط ثوبه لما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
وهذا من المعجزات الظاهرات حَيْثُ رفع
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أبي هريرة النسْيَان الَّذِي هُوَ من
لَوَازِم الْإِنْسَان حَتَّى قيل: إِنَّه مُشْتَقّ مِنْهُ، وَحُصُول هَذَا من بسط
الرِّدَاء وضمه أَيْضا معْجزَة، حَيْثُ جعل الْحِفْظ كالشيء الَّذِي يغْرف مِنْهُ،
فَأخذ غرفَة مِنْهُ ورماها فِي رِدَائه، وَمثل بذلك فِي عَالم الْحس، وهذا ليس
للعقل فيه مجال.
(فغرف) أَي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم (بِيَدِهِ)، وَلم يذكر المغروف وَلَا المغروف مِنْهُ، لِأَنَّهُ لم يكن
إِلَّا إِشَارَة مَحْضَة.
فهذا لا يُنكر أبداً طالما أن الذي فعل
هذا نبي! وكم من معجزة من مثل هذا حصلت منه صلى الله عليه وسلم.
ففي حديث الإسراء الصحيح من حديث أنس بن مالك
عندما جاءه ثلاثة نفر قال: «فَوَضَعُوهُ عِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ، فَتَوَلَّاهُ
مِنْهُمْ جِبْرِيلُ، فَشَقَّ جِبْرِيلُ مَا بَيْنَ نَحْرِهِ إِلَى لَبَّتِهِ
حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَدْرِهِ وَجَوْفِهِ، فَغَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ
بِيَدِهِ، حَتَّى أَنْقَى جَوْفَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ
تَوْرٌ مِنْ ذَهَبٍ، مَحْشُوًّا إِيمَانًا وَحِكْمَةً، فَحَشَا بِهِ صَدْرَهُ
وَلَغَادِيدَهُ - يَعْنِي عُرُوقَ حَلْقِهِ -».
إلا إذا كان هذا المفتري يُنكر هذا الحديث
أيضاً.
وفي «صحيح البخاري» أيضاً من حديث ابنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ: «ضَمَّنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
صَدْرِهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الحِكْمَةَ».
ثم من الذي قام بتصنيع الرواية؟ وقد بينا أن
من روى هذا عن أبي هريرة ثلاثة من كبار التابعين؟ فأنت قل لنا: هل جلسوا مع بعضهم
وصنعوا هذه الرواية؟ أم أبو هريرة من صنعها وأنت تزعم أن قدحك لا يتوجه له، وإنما
لمن روى هذه الرواية؟
وأما لماذا لم يبسط أحد من الصحابة ثوبه
إلا أبا هريرة فهذا من توفيق الله له فبادر إلى ذلك ويبينه أنه شكا النسيان للنبي
صلى الله عليه وسلم فقال له: ابسط ثوبك.
وهل كل شيء يبادر به صحابي ويفعله قبل
أصحابه نقول: لم فعل هذا الصحابي هذا ولم يسبقه آخر؟ فهذا قمة الغباء في فهم طبيعة
الأشياء!
فهذا حديث سَعِيد بن المُسَيَّبِ؛ أنَّ
أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَدْخُلُ مِنْ أمَّتِي زُمْرَةٌ هُمْ سَبْعُونَ ألْفًا،
تُضِىءُ وَجُوهُهُمْ إضَاءَةَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ».
قال أَبُو هُرَيْرَةَ: «فَقَامَ
عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الأَسَدِىُّ، يَرْفَعُ نَمِرَةً عَلَيْهِ. فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ. ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ
الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَبَقَكَ بِهَا
عُكَّاشَةُ».
فعكاشة سبق غيره لهذا، وهذا مما يرويه أبو
هريرة.
وأما تعجبك من بسط أبي هريرة لنمرته التي
ليس عليه غيرها فبقي عارياً! فهذا يَبين عن سوء فهمك وغبائك!!!
فالأصل في طالب الحق أن يرجع لأهل التخصص
لا أن يفهم هو كما يريد بغباء!
فطالب العلم يجمع الروايات ثم يرى
الاختلاف في ألفاظها.
جاء في بعض الروايات: «فَبَسَطْتُ
نَمِرَةً عَلَيَّ حَتَّى إِذَا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَقَالَتَهُ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَمَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَةِ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ مِنْ شَيْءٍ».
وفي رواية: «فبسطت بردة عليّ حتى فرغ من
حديثه، ثم جمعتها إلى صدري، فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئًا حدثني به».
وفي أخرى: «فَبَسَطْتُ بُرْدَةً كَانَتْ
عَلَيَّ حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ،
ثُمَّ ضَمَمْتُهَا إِلَيَّ، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا نَسِيتُ شَيْئًا
سَمِعْتُهُ مِنْهُ».
وفي رواية: «فَبَسَطْتُ نَمِرَةً لَيْسَ
عَلَيَّ ثَوْبٌ غَيْرُهَا، حَتَّى قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ، ثُمَّ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ
بِالحَقِّ، مَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَتِهِ تِلْكَ إِلَى يَوْمِي هَذَا».
فكان أبو هريرة يلبس نّمِرَةُ وهي البُرْدَة
المُخَطَّطَةٌ، والبُرْدَة: كِسَاءٌ يُلْتَحَفُ بِهِ = يعني هذه البردة كان يلبسها
فوق شيء يلبسه ولا يمكن أن يكون عليه فقط هذه البردة ولا شيء تحتها! فهل يُعقل
هذا؟!
ولهذا استنكر هذا المعتوه هذه الرواية
لأنه فهم أن أبا هريرة لم يكن عليه إلا هذه البردة ولا شيء عليه تحتها! وهذا فهم
عقيم!
فالبردة مثل العباءة أو الجُبّة يلبسها
الإنسان فوق ملابسه، وليس كما فهمه هذا العاهة من أنها مثل الدشداشة الآن، وسيأتي
الكلام على ذلك.
وأما استهزاؤه بمسألة جمع البردة إلى صدره
ولم لم يضمها إلى رأسه أو رقبته... فهذا فعلا يدل على أن الحمار يفهم أفضل منه!
فهل يا أيها الغبي مكان الحفظ إلا الصدر؟!
فهل عندما تقول عن فلان إنه حفظ شيئا
تقول: حفظه في رقبته؟ أليس أنت حمار كبير؟!
إنهم يقولون: حفظ كتاب وحفظ صدر، وهذا
معروف في لغة العرب.
وقد قال الله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا
تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:
46].
وقد تقدم حديث ضم النبي صلى الله عليه
وسلم ابن عباس إلى صدره.
فالصدر يُعبر عن الحفظ أيها الغبي الجاهل!
وأما أنت فحفظك يبدو أنه في رجليك = يعني
عقلك في رجليك فهنيئاً لك.
تاسعاً: وأما قولك: "وأما "
فوالذي بعثه بالحق ما نسيت من مقالته تلك إلى يومي هذا". فحسنا إذا: ما هي
المقالة التي كان يقولها فيبثها على الثوب؟ وأمام من؟ ومن كان من موجودا حينما قضى
الرسول مقالته.؟ ... وفي أي مكان كانت هذه المقالة..؟ - القضية ليست قضية أيمان
وقسم وحلفان... القضية قضية حقائق ووقائع.!!"
فهذا أيضاً يزيد في جهلك وغبائك!
فمفهوم الحديث ليس أنه قال المقالة على
الثوب يا غبي؟! وإنما المقصود بالحديث وكل شيء حدث به النبي صلى الله عليه وسلم في
تلك الجلسة = فأطلق عليها مقالة، فكل شيء سمعه في تلك الجلسة لم ينسه؛ لأن النبي
صلى الله عليه وسلم قال من بسط رداءه ثم جمعه إلى صدره فلن ينسى شيئا مما حدث به
في ذلك اليوم = ومفهوم ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لمن يبسط رداءه بأن لا
ينسى وكان ذلك من حظ أبي هريرة.
فافهم معنى المقالة ثم تكلم يا حمار!
قال: ومن كان موجوداً حينما قضى الرسول
مقالته!
إيش هذا الغباء يا باشمهندس!
عاشراً: يقول الأفاك: "الحكاية
يستحيل وزنها بميزان وأيمان:" والله لولا آيتان في كتاب الله ما حدثتكم شيئا
أبدا. ((إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى إلى قوله الرحيم)). -.). – .
والآيتان هما من سورة البقرة: ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ
الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ
أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (159) إِلاَّ
الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ
وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)).
فما دخل وزن هذه الحكاية بالآيتين؟
وكيف يستحيل وزنها أيها الثقيل؟
وقد جاء في غالب الروايات أن الآيتين كما
ذكر هذا المعتوه: آيتي البقرة: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ
الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ
أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ}.
وجاء في بعض الروايات من الطريق نفسه خارج
الصحيحين: "ولولا آيتان أنزلهما الله في كتابه ما حدثت شيئًا أبدًا {إِنَّ
الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ...} إلى
قوله: {اللَّاعِنُونَ}[الْبَقَرَة: 159]، والآية الأخرى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ
مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا
تَكْتُمُونَهُ...} [آل عمرَان: 187] إلى آخر الآية".
وهذا أصوب.
وَالمعْنَى: لَوْلَا أَن الله تَعَالَى
ذمّ الكاتمين للْعلم لما حدثتكم أصلاً، لَكِن لما كَانَ الكتمان حَرَامًا وَجب
الْإِظْهَار والتبليغ، فَلهَذَا حصل مني الْإِكْثَار لِكَثْرَة مَا عِنْدِي
مِنْهُ.
وقد روى حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، قَالَ:
أَنْبَأَ ثَابِتٌ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، أَنَّ فَتًى، مَنْ قُرَيْشٍ، أَتَى أَبَا
هُرَيْرَةَ يَتَبَخْتَرُ فِي حُلَّةٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَرَاكَ
تُكْثِرُ الْحَدِيثَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَمَا سَمِعْتَ فِي حُلَّتِي هَذِهِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّكُمْ تُؤْذُونَنَا،
وَلَوْلَا مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ، مَا حَدَّثْتُكُمْ
بِشَيْءٍ، {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [البقرة: 174]
الْآيَةُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:
«إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، يَتَبَخْتَرُ فِي حُلَّةٍ، قَدْ
أَعْجَبَتْهُ جُمَّتَهُ، وَبُرْدَتُهُ إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ أَرْضًا، فَهُوَ
يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ».
وهذا الحديث أصله في الصحيحين دون ذكر
الفتى، وساق مسلم الإسناد في المتابعات ولم يسق لفظه.
حادي عشر: قول الأفاك: "هذه الحكاية
حكاية غريبة تلفها الشبهات من جوانبها الست. فلم يكن رسول الله يوما ساحرا.. وليس
من شهود حضروا الواقعة رغم كون الخطاب جاء بصيغة الجمع، ولم نعلم ما هي المقالة
السحرية، ولا نعلم فيما إذا بقي الراوي عاريا أم لا؟ ثم إن (الساحر جعل المسحور)
أفضل من آدم الذي نسي ولم يجد الله له عزما... ناهيك عن استدرار العاطفة في
الحكاية الشعبية من كون الراوي مسكينا لا يملك إلا مئزرا عليه.. ثم إنه لأفضل من
المهاجرين والأنصار معا.."!
كلام رجل ممسوس! والله المستعان.
لم هذه الحكاية غريبة؟ وما هذه الشبهات
التي تلفها من جهاتها الست (يقصد بالجهات: فوق – تحت – أمام – خلف – يمين – يسار) –
ما شاء الله يستخدم الأمور الهندسية هنا!
هذه الشبهات عندك فقط لأنك غبي سميك غطاء
العقل!
ما في الحكاية ليس سحراً وإنما هي معجزة
للنبي صلى الله عليه وسلم. ولهذا بينا أنه ليس ثمة مقالة سحرية لأن المقالة إنما
هي ما حدث به النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المجلس لا كما فهمت أيها الغبي!
وأما العري فقد بينا أنك عار عن المفهومية
وكان ينبغي لمن أعطاك شهادة الهندسة أن يعطيك شهادة الغباء مع درجة الشرف الأولى!
وانظروا هنا يقول أن أبا هريرة كان لا
يملك إلا مئزرا عليه!!
فحدد موقفك أيها الغبي؟ هل كان يلبس نمرة
أو بردة فقط أم مئزرا؟
فالمِئْزَر هو الإِزَار، ولا شك أن أبا
هريرة كان يلبس مئزراً وفوقه البردة، فبسط البردة على الأرض، وبقي في مئزره = فهذا
هو المنطق.
ثاني عشر: وإن تعجب فعجب عجيب من غباء هذا
المهندس الحمار بقوله: "والنمرة يقابلها المئزر اليماني أو الدشداشة باللهجة
الخليجية و(الكلابية) باللهجة الشامية - منسوجة من صوف - وبسط النمرة لا تعني
خلعها لأنه ليس عليه غيرها ...".
فمن قال لك بأن النمرة يقابلها المئزر
اليماني أو الدشداشة باللهجة الخليجية والكلابية باللهجة الشامية؟!!
بل إن قولك: "منسوجة من صوف"
يرد على فهمك العقيم هذا؟ فهل الدشداشة أو الكلابية تنسج من صوف؟ أم الذي ينسج من
صوف هو البردة لا المئزر؟!!
فالرجل لا يفرق بين الإزار وبين البردة أو
النمرة!!!
فالإِزار كُلُّ مَا وَارَاكَ وسَتَرك، وسُمِّي
الإِزارُ إِزَارًا لِحِفْظِهِ صاحِبَه وصِيانتِه جَسَده، أُخذَ مِنْ آزَرْتُه أَي
عاوَنْتُه.
ونسرد لك الآن بعض الأحاديث التي تبين
جهلك وغباءك في الفهم.
فماذا تقول في الحديث الصحيح عن خَبَّابِ
بنِ الأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ:
أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، الحديث المشهور.
وحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
«كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ
بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ»، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ
بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حَتَّى «نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ البُرْدِ
مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ»، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ
اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، «فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ».
وبوّب البخاري في «صحيحه»: «بَابُ
البُرُودِ» - جَمْعُ بُرْدَةٍ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ
بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ كِسَاءٌ أَسْوَدُ مُرَبَّعٌ فِيهِ
صُوَرٌ تَلْبَسُهُ الْأَعْرَابُ. وَالنَّمِرَةُ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ
الْمِيمِ هِيَ الشَّمْلَةُ الَّتِي فِيهَا خُطُوطٌ مُلَوَّنَةٌ كَأَنَّهَا
أُخِذَتْ مِنْ جِلْدِ النَّمِرِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّلَوُّنِ.
وفي «الصحيح» عن عَائِشَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَخْبَرَتْهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ
تُوُفِّيَ سُجِّيَ بِبُرْدٍ حِبَرَةٍ».
وفي «الصحيح» أيضاً من حديث جَابِرِ بنِ
عَبْدِاللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِقَتْلَى أُحُدٍ: «أَيُّ هَؤُلاَءِ أَكْثَرُ أَخْذًا
لِلْقُرْآنِ؟» فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى رَجُلٍ قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ قَبْلَ
صَاحِبِهِ، وَقَالَ جَابِرٌ: فَكُفِّنَ أَبِي وَعَمِّي فِي نَمِرَةٍ وَاحِدَةٍ.
وفي «الصحيح»: كَانَ مِنْهُمْ مُصْعَبُ
بْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، لَمْ يَتْرُكْ إِلَّا نَمِرَةً، كُنَّا
إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ، وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا
رِجْلاَهُ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلِهِ الإِذْخِرَ».
وفي رواية: «فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا
يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُرْدَةٌ».
ثالث عشر: وما هذا الاستهزاء بقولك:
"وقَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ تعني أنهى
قراءته على نمرة أبي هريرة... وأما (جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي) – فهذا يعني أن
نمرة أبي هريرة مكثت مبسوطة والرسول يقرأ عليها مقالته حتى انتهى فامتلأت النمرة
بقراءة الرسول، ومباشرة رد أبو هريرة النمرة المبسوطة إلى صدره .. ويبدو أن لمؤلف
الرواية الحق في عدم إظهار ما تحت النمرة من قراءات الرسول.؟".
يا غبي! يا جاهل! أيعقل أن عندك عقل؟! من
الذي أعطاك شهادة الهندسة؟ الهندسة ذكاء = لكن حقيقة أنت غبي!
أين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ
على نمرة أبي هريرة؟
يا غبي قد بينا لك أن المقالة هي حديثه في
ذلك المجلس، فالله المستعان.
رابع عشر: ونرجع لجهلك وغبائك حيث قلت:
"الرواية: (فَبَسَطْتُ نَمِرَةً لَيْسَ عَلَيَّ ثَوْبٌ غَيْرُهَا حَتَّى
قَضَى النَّبِيُّ .ص. مَقَالَتَهُ ثُمَّ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي.).؟ فما هي
مقالة الرسول التي قالها ضد النسيان.؟ .. يبدو أن صانع الرواية لم يشأ تأليف
المقالة التي قالها رسول الله، حسب زعمه.؟"
الله المستعان!
وفي الحديث الصحيح عن أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، عَنْ أُمِّ حَرَامٍ - وَهِىَ خَالَةُ أَنَسٍ - قَالَتْ: «أَتَانَا
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ عِنْدَنَا، فَاسْتَيْقَظَ
وهُوَ يَضْحَكُ. فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ بِأَبِى أَنْتَ
وَأُمِّى. قَالَ: أُرِيتُ قَوْمًا مِنْ أُمَّتِى يَرْكَبُونَ ظَهْرَ الْبَحْرِ،
كَالْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ. فَقُلْتُ: ادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ.
قَالَ: فَإِنَّكِ مِنْهُمْ. قَالَتْ: ثُمَّ نَامَ فَاسْتَيْقَظَ - أَيْضًا -
وَهُوَ يَضْحَكُ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ. فَقُلْتُ:
ادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ. قَالَ: أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ».
«فقال مثل مقالته» = يعني حديثه الأول وهو
أنه أري قوماً من أمته يركبون البحر كالملوك على الأسرة.
وفي حديث الإفك: «أمَّا بَعْدُ، يَا
عَائِشَةُ، فَإنَّهُ قَدْ بَلَغَنِى عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإنْ كُنْتِ بَريئَةً
فَسَيُبَرَئُكِ اللهُ، وَإنْ كُنْتِ ألْمَمتِ بِذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرى اللهَ
وَتُوبِى إلَيْهِ، فَإنَّ العَبْدَ إذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ، تَابَ
اللهُ عَلَيْهِ". قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ، قَلَصَ دَمْعِى حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ
قَطْرَةً...».
«فلما قضى مقالته» = أي كلامه السابق.
والعلماء عندما شرحوا حديث أبي هريرة: «فما
نسيت بعد ذَلِكَ اليوم شيئًا حَدَّثَنِي به»، وفي رواية: «فو الَّذِي بَعَثَهُ
بِالْحَقِّ مَا نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ».
قالوا: هذِه الرواية دالة عَلَى العموم،
وأنه بعد ذَلِكَ لم ينس شيئًا سمعه منه، لا أنه خاص بتلك المقالة كما تشعر به
الرواية التي فيها: «مَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَتِهِ تِلْكَ إِلَى يَوْمِي هَذَا».
فهم يتحدثون هل هذا الحديث خاص فيما سمعه
من تلك المقالة = أي ما حدثهم به ذلك اليوم، أم هو عام في كل ما سمعه أبو هريرة من
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(8) قال الكذاب: "7-1: لمن وجهت
الرواية أصبع الاتهام بالنسيان؟ أليس للصحابة كلهم دون استثناء؟؟؟ اتهاما يجعل
الصديق وأبي تراب غير جديرين في أن يتوليا شؤون المسلمين"!
أقول:
أي اتهام لهؤلاء بقول أبي هريرة: "وَأَعِي
حِينَ يَنْسَوْنَ"! أو "وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا"؟!
هو لم يُحدد واحداً منهم، وإنما هذا عام
في الجميع، فالكل ينسى، وهو يبين عدم نسيانه لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع ذلك
في ضمه ثوبه لصدره.
فهذه خصوصية له.
فالنسيان في الإنسان له أسبابه ومنها
الانشغال بأمور الدنيا الضرورية كما بيّن أبو هريرة عن بقية الصحابة.
بل إنه صلى الله عليه وسلم كان أحيانا
ينسى وحديث ذي اليدين واضح في ذلك عندما صلى إِحْدَى صَلاَتَيِ العَشِيِّ -
وَأَكْثَرُ الظن أنها العَصْرَ - رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ.
ففي «الصحيح» من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنَ اثْنَتَيْنِ،
فَقَالَ لَهُ ذُو اليَدَيْنِ: أَقَصُرَتِ الصَّلاَةُ، أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَصَدَقَ ذُو
اليَدَيْنِ» فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ
كَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ».
وقال صلى الله عليه وسلم: «وَلَكِنْ
إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ
فَذَكِّرُونِي».
وهذا عمر رضي الله عنه كان في غزاة ونسي
ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في أمر حدث معهم.
ففي «صحيح مسلم» من حديث سَعِيدِ بْنِ
عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ،
فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً فَقَالَ: لَا تُصَلِّ. فَقَالَ
عَمَّارٌ: أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي
سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ مَاءً، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ،
وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ
بِيَدَيْكَ الْأَرْضَ، ثُمَّ تَنْفُخَ، ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ،
وَكَفَّيْكَ» فَقَالَ عُمَرُ: "اتَّقِ اللهَ يَا عَمَّارُ قَالَ: إِنْ شِئْتَ
لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ".
ثم قَالَ عُمَرُ: "نُوَلِّيكَ مَا
تَوَلَّيْتَ".
وفي «الصحيحين» من حديث شَقِيقِ بنِ سلمةَ،
قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِاللهِ، وَأَبِي مُوسَى، فَقَالَ أَبُو مُوسَى:
يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدِ
الْمَاءَ شَهْرًا كَيْفَ يَصْنَعُ بِالصَّلَاةِ؟ فَقَالَ عَبْدُاللهِ: لَا
يَتَيَمَّمُ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ شَهْرًا. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَكَيْفَ
بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا
صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]. فَقَالَ عَبْدُاللهِ: لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي
هَذِهِ الْآيَةِ لَأَوْشَكَ إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمُ الْمَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا
بِالصَّعِيدِ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى، لِعَبْدِاللهِ: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ
عَمَّارٍ بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ
فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا
تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ
تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا» ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً
وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ،
وَوَجْهَهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أَوَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ
عَمَّارٍ؟
فعمر بن الخطاب وعبدالله بن مسعود كان يقولان:
أن التيمم إنما يجوز عن الحدث الأصغر، وأما عن الجنابة فلا يجوز، وقالا: لا يصلي
الجنب حتى يجد الماء ولو عدمه شهراً.
وقد رجعا عن ذلك، ووافقا بقية الصحابة،
فإن عمر وكل الأمر في ذلك إلى عمار، وقال له: "نُوَلِّيكَ مَا تَوَلَّيْتَ".
قَالَ النَّوَوِيُّ: "مَعْنَى قَوْلِ
عُمَرَ اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ أَيْ فِيمَا تَرْوِيهِ وَتَثَبَّتْ فِيهِ
فَلَعَلَّكَ نَسِيتَ أَوِ اشْتَبَهَ عَلَيْكَ فَإِنِّي كُنْتُ مَعَكَ وَلَا
أَتَذَكَّرُ شَيْئًا مِنْ هَذَا وَمَعْنَى قَوْلِ عَمَّارٍ إِنْ رَأَيْتُ
الْمَصْلَحَةَ فِي الْإِمْسَاكِ عَنِ التَّحْدِيثِ بِهِ رَاجِحَةً عَلَى
التَّحْدِيثِ بِهِ وَافَقْتُكَ وَأَمْسَكْتُ فَإِنِّي قَدْ بَلَّغْتُهُ فَلَمْ
يَبْقَ عَلَيَّ فِيهِ حَرَجٌ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ نُوَلِّيكَ مَا تَوَلَّيْتَ أَيْ
لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِي لَا أَتَذَكَّرُهُ أَنْ لَا يَكُونَ حَقًّا فِي نَفْسِ
الْأَمْرِ فَلَيْسَ لِي مَنْعُكَ مِنَ التَّحْدِيثِ بِهِ".
(9) قال الأفاك: " 7-2: لقد جعلت
الرواية من أبي هريرة رجلا يتميز على الصديق والفاروق وذي النورين وأبي تراب
مجتمعين، فهم ينسون ولكن أبا هريرة لا ينسى"!
أقول:
نعم هذه ميزة لأبي هريرة، فما المشكلة في
ذلك؟! كما أن ضم النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس إلى صدره وقوله: «اللهم علمه
الكتاب» ميزة له أيضاً عن غيره؟!
ما المشكلة في ذلك؟
ثم إن حجم النسيان الذي في عقل هذا
المأمون كأنه يتعلق بأن النسيان الدائم! وليس كذلك!
فأبو بكر وعمر وعثمان وعلي كل حدث بأمور
احتاجوا لها في خلافتهم، ولا يذكر النسيان إلا نادراً جدا، وأما أبو هريرة فلم
ينشغل بالخلافة والحروب وتفرغ للتحديث وكان ذلك ببركة دعاء النبي صلى الله عليه
وسلم بألا ينسى، وقد شهد له الصحابة بالتميز في الحفظ.
(10) قال الأفاك: "7-3: لقد جعلت
الرواية من الرسول إنسانا خارقا يقول مقالة على الثوب الممدود – فيأخذ الرجلُ
الثوب المليء بمقالة الرسول فيجعل المقالة التي فوق الثوب تمس جسمه وصدره، فلا
ينسى.؟.. وهذا الرسول – وحسب الرواية- له قوة أكبر من قوة الله الذي خلق آدم نساءً
فنسي العهد، ولم يجد الله لآدم عزما.. فكيف جعلت الرواية من أبي هريرة رجلا لا
ينسى.؟ فقالت الرواية على لسان أبي هريرة: (فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا
نَسِيتُ مِنْ مَقَالَتِهِ تِلْكَ إِلَى يَوْمِي هَذَا.).؟ - ... إذاً، فكيف نسي
ممن سمع رواية من أضحى جنبا فلا صيام له.؟".
أقول:
فعلاً إنك غبي وحمار!!
قد بينا لك مراراً ان المقالة ليست على
الثوب، وإنما هو صلى الله عليه وسلم اختص بدعاءه الذي هو مستجاب عند الله من بسط
ثوبه أن لا ينسى ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم.
فهو ليس إنسانا خارقا له قوة أكبر من قوة
الله! وإنما يجري الله على يديه وبدعائه ما يحب.
ألم تسمع بمعجزاته صلى الله عليه وسلم أم
أنك تنكرها وتقول بكذب الرواة أيضاً!!
ماذا تقول بما قدمناه آنفاً من شرب أصحاب
الصفة كلهم من وعاء لبن؟
وماذا تقول في حديث أَنَسٍ، أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِمَاءٍ فَأُتِيَ بِقَدَحٍ
رَحْرَاحٍ، فَجَعَلَ الْقَوْمُ يَتَوَضَّئُونَ، فَحَزَرْتُ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ
إِلَى الثَّمَانِينَ. قَالَ: فَجَعَلْتُ «أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ يَنْبُعُ مِنْ
بَيْنِ أَصَابِعِهِ».
وغير ذلك من معجزاته صلى الله عليه وسلم
التي هي بإذن الله.
وأما النسيان، فنعم نسي آدم، ونسي نبينا
صلى الله عليه وسلم كما قدمنا في قصة ذي اليدين، وهذا لا شأن له باختصاص أبي هريرة
بالحفظ، بل هو معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم حُفظت فيها أحاديث كثيرة
تحتاجها الأمة عن طريق أبي هريرة رضي الله عنه.
وأما حديث صيام الجنب فأبو هريرة لم ينس
كما قدمت وقد أخبر بأن الذي حدثه به هو الفضل بن العباس، وفي رواية أسامة، وهذا من
اختلاف الرواة لا من أبي هريرة، على أن الأكثر يذكرون إنه الفضل، وهو الصواب.
(11) قال الأفاك: "7-4: والغاية من
عبارة: (فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا نَسِيتُ ...).، غاية تسويقية، كما هو
واضح تماما، فقد تضمنت قسما للوصول إلى هدف التسويق الديني؛ وقد تم جعْـل الله
سبحانه عرضة لقسم لا مبرر له، إن كان صانع الرواية صادقا وحـِنـْثٍ في حالة من
الكذب المتعمد، كما هو في الواقع... ومن المؤكد أنها عبارة تخالف الشارع والحقيقة
وواقع الأمر".
أقول:
ولم يحتاج أبو هريرة هذه العبارة
التسويقية؟
فقد شهد له بالحفظ كل الصحابة.
وهذا الحلف تعلمه من النبي صلى الله عليه
وسلم، فقد كان يقول: «والذي بعث محمداً بالحق»، و«الذي نفس محمد بيده»، فهل تقول
بأن هذه عبارة تسويقية للنبي صلى الله عليه وسلم أيها الحمار؟! وهذه العبارة لا
تخالف الشرع أبداً، فهي حلف بمن بعث محمدا بالحق وهو الله، فالحلف هنا بالله.
وهذا الحلف إنما كان منه للتأكيد على ما
حدث في ذلك اليوم وهو في معرض بيان الرد على من يقول: "أكثر أبو هريرة".
فالسياق متزن وواضح ولا غاية للتسويق إلا
في عقلك العفن! لأنك تطعن في الرواية ابتداء ولست طالب حق!
(12) قال الأفاك: "7-5: الرسول لا
يمارس السحر وأستغفر الله .. السحر والشعوذة كما تصور هذه الرواية البئيسة؟؟ ولم
تفصح الرواية عن المقالة التي فرغها الرسول على النمرة - كما ادعتها الرواية والتي
فيها سر ودواء سحري بحق النسيان بشكل مطلق، احتفظ مؤلف الرواية بكلماتها لسبب
ما.؟؟ .. وعبارة: (يَجْمَعَهُ إِلَى صَدْرِهِ) فأمر من أمور (ساحر) ممارس، فلا
يجوز نسبته إلى الرسول - فلماذا لا يكون جمع الثوب إلى رأسه أو إلى فوديه؟؟ أو إلى
مكان آخر من الجسم.؟؟"
أقول:
رجعنا لقصة السحر والمقالة ولا جديد سوى
هذه الهرطقات!
(13) قال الأفاك: "7-6: وادعاء عدم
النسيان جرى دون وجود أحد من الناس (فَأَحْضُرُ حِينَ يَغِيبُونَ وَأَعِي حِينَ
يَنْسَوْنَ) – مع تناقض مخجل لتقويل الرسول: (لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ مِنْكُمْ).-
فكيف يحضر حين يغيبون وكيف قوله (... أَحَدٌ مِنْكُمْ ..)، بصيغة الجمع.؟. حقا إنه
تناقض مخجل، وفي رواية واحدة - فلم يتقن فيها صانع الرواية صناعته-".
أقول:
يا غبي هما روايتان جمعهما الراوي في حديث
واحد!
فأحضر حين يغيبون هذه رواية، وما حصل من
بسط الثوب رواية أخرى حضرها غيره وقد بينا لك أيها الغبي أن رجلاً آخر بسط ثوبه
فقال له صلى الله عليه وسلم: سبقك بها الغلام الدوسي = يعني أبا هريرة لأنه كان من
دوس.
ونزيدك أيها الجاهل في رواية أخرى: "سبقك
بها الغلام الشنوي".
نسبة إلى شنوءة - بالفتح، ثم الضم، واو
ساكنة، ثم همزة مفتوحة، وهاء-: وهي أرض باليمن، ينسب إليها قبائل من الأزد، ويقال
للأزدي: أزد شنوءة.
ودوس من الأزد من اليمن.
(14) قال الأفاك: "7-7: وعدم النسيان
المطلق صفة من صفات الله سبحانه، فهو جل شأنه لا يضل ولا ينسى – فمن سورة طه:
((قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى {49} قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ
شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى {50} قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى {51}
قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى)) ...
لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى .. ورسول الله لا يخالف كلام الله الذي أنزل
عليه؟؟ فيقول من يمد ثوبه ثم يجمعه لا ينسى أبداً؟؟ - أبداً؟؟...
وليس في التعبير (لن ينسى أبدا) – تأكيد
واحد بل تأكيدان... فمن سورة طه115: ((وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ
فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا.)).- آدم ينسى ولم يجد الله له عزما – وأبو
هريرة لا ينسى أبدا – إن هذا لأمر عجاب ممن صنع الرواية".
أقول:
أولاً: لم يخلق الله عز وجل أبا هريرة لا
ينسى أبداً ابتداء بل قد نقلنا لك الرواية الصحيحة وهي أنه شكى للنبي صلى الله
عليه وسلم أنه كان يسمع منه حديثاً كثيراً فينسى، فقال له صلى الله عليه وسلم:
ابسط رداءك ثم ضمه إلى صدرك، فما نسي بعد ذلك حرفا مما سمعه منه.
فهذا الأمر طارئ، وكان هذا بكرامة النبي
صلى الله عليه وسلم كما فعل في ضم ابن عباس لصدره.
ثانياً: عدم النسيان ليس مطلقاً، بل هو
محدد فيما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يعارض صفة عدم النسيان
المطلق لله سبحانه وتعالى.
ثالثاً: عدا أن هناك اختلاف بين أهل العلم
كما جاء الاختلاف في الروايات بين هل المقصود عدم نسيانه لذلك الحديث في ذلك
المجلس، أم عدم النسيان مطلقا لما يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن كانت الأولى فعدم النسيان محدد في تلك
المقالة فقط، وإن كانت الثانية فعدم النسيان في كل ما سمعه من النبي صلى الله عليه
وسلم بعد ذلك لا في مطلقا في كل شيء.
رابعاً: نسيان الأنبياء حق وقد بينا ذلك
فيما مضى، وهذا يعتري كل البشر ومنهم أبو هريرة، وإنما الحديث عن عدم نسيان ما كان
يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.
(15) قال الأفاك: "7-8: ومن صفات
المؤمنين أنهم ينسون – فمن سورة البقرة286 نجد ملازمة النسيان للإنسان: ((لَا
يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَيۡهَا مَا
ٱكۡتَسَبَتۡۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَآ إِن نَّسِينَآ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاۚ
...)).- أم أن صانع الرواية لا تعنيه هذه الآية؟؟؟".
أقول:
هذا حق ولا مرية فيه، ويدخل فيهم أبو
هريرة إلا أن عدم النسيان فيما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.
(16) قال الأفاك: "8: أبو هريرة يرجع
عن قوله، وينكر ما يقول:
8-1: فَرَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَمَّا
كَانَ يَقُولُ، فمن صحيح مسلم: (... عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ .ر.
يَقُصُّ يَقُولُ فِي قَصَصِهِ مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فَلا يَصُمْ،
فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ لأَبِيهِ فَأَنْكَرَ
ذَلِكَ، فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى
عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ .ر. فَسَأَلَهُمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ ذَلِكَ
قَالَ فَكِلْتَاهُمَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ .ص. يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ
حُلُمٍ ثُمَّ يَصُومُ....
قَالَ: فَانْطَلَقْنَا حَتَّى دَخَلْنَا
عَلَى مَرْوَانَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ مَرْوَانُ
عَزَمْتُ عَلَيْكَ إِلاَّ مَا ذَهَبْتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَدَدْتَ
عَلَيْهِ مَا يَقُولُ قَالَ فَجِئْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبُو بَكْرٍ حَاضِرُ
ذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ فَذَكَرَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ
أَهُمَا قَالَتَاهُ لَكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ هُمَا أَعْلَمُ ـ ثُمَّ رَدَّ أَبُو
هُرَيْرَةَ مَا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ إِلَى الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ الْفَضْلِ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ
النَّبِيِّ .ص. قَالَ فَرَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَمَّا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ...".
أقول:
هذا ليس رجوعا عن مسألة عدم النسيان يا
غبي!
وقد بينا قبل أن هذا الحديث لا علاقة له
بالنسيان وانت نفسك هنا تنقل أن أبا هريرة سمعه من الفضل!
فما علاقة هذا الحديث بموضوعنا؟!
(17) قال الأفاك: "8-2: وَأَنْكَرَ
أَبُو هُرَيْرَةَ حَدِيثَ الْأَوَّلِ ورطن بالحبشية، فمن صحيح البخاري: (.. عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ .ر. قَالَ قَالَ النَّبِيُّ .ص. لا عَدْوَى وَلا صَفَرَ وَلا
هَامَةَ فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا بَالُ الإِبِلِ تَكُونُ
فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ فَيُخَالِطُهَا الْبَعِيرُ الأَجْرَبُ
فَيُجْرِبُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ .ص. فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ - وَعَنْ
أَبِي سَلَمَةَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ بَعْدُ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ .ص. لا يُورِدَنَّ
مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ وَأَنْكَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ حَدِيثَ الْأَوَّلِ.- قُلْنَا
أَلَمْ تُحَدِّثْ أَنَّهُ لَا عَدْوَى.؟ فَرَطَنَ بِالْحَبَشِيَّةِ - قَالَ أَبُو
سَلَمَةَ فَمَا رَأَيْتُهُ نَسِيَ حَدِيثًا غَيْرَهُ.)".
أقول:
أما هذا الحديث فلم يفت أهل العلم الكلام
عليه، ولو كنت تعرف العلم لرجعت لكتب "مشكل الحديث" لتعرف كيف تكلم
العلماء على هذه المسألة.
فقد قال الطحاوي في كتابه العظيم «شرح
مشكل الآثار» (4/348): "بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ
اللهِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيِهِ وَسَلَّمَ فِيمَا كَانَ مِنْ قَوْلِهِ وَأَبُو
هُرَيْرَةَ حَاضِرُهُ "أَيُّكُمْ بَسَطَ ثَوْبَهُ ثُمَّ أَخَذَ مِنْ حَدِيثِي
هَذَا، فَإِنَّهُ لَا يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ "وَأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ
فَعَلَ ذَلِكَ فَمَا نَسِيَ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا سَمِعَهُ".
ثم أتى بحديث النَّمِرة، ثم أتى بقول
المعترض المُفترَض - مثلك تماما -، فقال: "فَقَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ
وَجَدْنَاهُ حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِشَيْءٍ ثُمَّ نَسِيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَذَكَرَ حديث ابنِ شِهَابٍ، أَنَّ أَبَا
سَلَمَةَ: حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «لَا عَدْوَى».
وَيُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ».
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: "كَانَ أَبُو
هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ بِهِمَا كِلَيْهِمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَمَتَ أَبُو هُرَيْرَةَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ «لَا
عَدْوَى»، وَأَقَامَ عَلَى «لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ»، قَالَ: فَقَالَ:
الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ذُبَابٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ قَدْ كُنْتُ
أَسْمَعُكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ تُحَدِّثُنَا مَعَ هَذَا الْحَدِيثِ حَدِيثًا
آخَرَ قَدْ سَكَتَّ عَنْهُ تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ «لَا عَدْوَى»، فَأَبَى أَبُو هُرَيْرَةَ ذَلِكَ، وَقَالَ: «لَا يُورِدُ
مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ»، فَمَا رَآهُ الْحَارِثُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى غَضِبَ
أَبُو هُرَيْرَةَ، فَرَطَنَ بِالْحَبَشِيَّةِ فَقَالَ: لِلْحَارِثِ أَتَدْرِي
مَاذَا قُلْتُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إنِّي قُلْتُ: أَبَيْتَ، قَالَ
أَبُو سَلَمَةَ وَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُنَا أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا عَدْوَى»، فَلَا
نَدْرِي أَنَسِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَمْ نُسِخَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَ".
وفي رواية: "قَالَ أَبُو سَلَمَةَ
وَسَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يُورِدُ الْمُمْرِضُ عَلَى الْمُصِحِّ»، فَقَالَ لَهُ
الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ذُبَابٍ الدَّوْسِيُّ: فَإِنَّكَ قَدْ كُنْتَ حَدَّثْتنَا
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا عَدْوَى»،
فَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ الْحَارِثُ: بَلَى فَتَمَارَى هُوَ
وَأَبُو هُرَيْرَةَ حَتَّى اشْتَدَّ أَمْرُهُمَا ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ
الْحَدِيثِ".
قال الطحاوي: فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي
ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ نِسْيَانُ أَبِي هُرَيْرَةَ إيَّاهُ
فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ هَذَا قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا سَمِعَهُ
مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ مِنَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْرِهِ مَا فِي حَدِيثِ
ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْهُ، وَهَذَا أَوْلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ هَذَانِ
الْحَدِيثَانِ جَمِيعًا حَتَّى يَخْرُجَا أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا
تَضَادٌّ أَوِ اخْتِلَافٌ، وَلَا خُلْفَ لِوَعْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَضَادَّ فِي قَوْلِهِ فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ: فَقَدْ
رُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نِسْيَانُهُ لِشَيْءٍ آخَرَ يَقْرَبُ
سَمَاعُهُ إيَّاهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ
حديث مُجَاهِدٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ:
«كُنَّا نَحْرُسُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ
مَغَازِيهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ...»، وذكر فيه أنه أُعْطِي فِيهَا خَمْسًا لَمْ
يُعْطَهَا نَبِيٌّ قَبْله: إنِّي بُعِثْتُ إلَى النَّاسِ، الحديث.
وفيه:
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «وَقَالَ لِي
صَاحِبِي، وَكَانَ أَفْضَلَ مِنِّي: نَسِيتَ أَفْضَلَهَا أَوْ أَخْيَرَهَا قَوْلَ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنَا أَرْجُو أَنْ تَنَالَ
مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا».
وَذَكَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ
صَاحِبَهُ ذَلِكَ كَانَ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَكَانَ
فِي هَذَا الْحَدِيثِ إخْبَارُ أَبِي ذَرٍّ أَبَا هُرَيْرَةَ نِسْيَانَهُ مَا قَدْ
سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُرْبِ سَمَاعِهِ
إيَّاهُ مِنْهُ.
قال الطحاوي: "فَكَانَ جَوَابَنَا
لَهُ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ
يَكُونَ هَذَا كَانَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ
الْمُسَيِّبِ غَيْرَ الَّذِي ذَكَرْنَا ثُمَّ تَأَمَّلْنَا نَحْنُ حَدِيثَ أَبِي
هُرَيْرَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ هَلْ رَوَاهُ غَيْرُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ
فَخَالَفَهُ فِيهِ أَوْ وَافَقَهُ فَخَالَفَ الْأَعْرَجَ فِيهِ أَوْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ؟
فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى خِلَافِ
عَبْدِالرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَعَلَى رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ إيَّاهُ عَلَى
إطْلَاقِ نَفْيِ النِّسْيَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ
أَنْ كَانَ مِنْهُ فِيهِ مَا كَانَ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ عَنْهُ
أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الْمَقَالَةِ الَّتِي كَانَتْ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لَا
فِيمَا كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعَهُ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَا فِيمَا
سِوَاهُ مِمَّا سَمِعَهُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَاللهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ
الْأَمْرِ كَانَ فِي ذَلِكَ وَقَدِ اسْتَدَلَّ قَوْمٌ عَلَى تَثْبِيتِ مَا رَوَى
الْأَعْرَجُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ مِنْ مَا قَضَوْا لَهُ عَلَى
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِيمَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ ذَلِكَ
مِمَّا خَالَفَهُ فِيهِ مِمَّا قَدْ رَوَاهُ عَنْهُ غَيْرُهُمَا وَجَبَ الْقَضَاءُ
لِلْأَعْرَجِ عَلَى ابْنِ الْمُسَيِّبِ فِيمَا اخْتَلَفَا فِيهِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَكَانَ الَّذِي مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ مِمَّا
انْتَفَى عَنْهُ فِيهِ النِّسْيَانُ هُوَ مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْمَوْطِنِ الْوَاحِدِ لَا فِيمَا كَانَ
مِنْهُ قَبْلَهُ، وَلَا فِيمَا كَانَ مِنْهُ بَعْدَهُ، وَاللهَ نَسْأَلُهُ
التَّوْفِيقَ".
وقال ابن كثير في «البداية والنهاية»
(8/105): "وَقَدْ قِيلَ إن هذا كان خاصا بتلك المقالة لَمْ يَنْسَ مِنْهَا
شَيْئًا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ نَسِيَ بَعْضَ الْأَحَادِيثِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ
بِهِ فِي الصحيح، حيث نسي حَدِيثَ «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ» مَعَ حَدِيثِهِ
«لَا يُورِدُ مُمَرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا كَانَ عَامًّا فِي
تِلْكَ الْمَقَالَةِ وَغَيْرِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ".
قلت: هكذا حاول بعض أهل العلم حلّ هذا
الإشكال، وعلى رأي فعدم النسيان خاص بتلك المقالة، لكن هذا يعارضه الحديث الآخر
أنه شكى له أنه ينسى كثيراً مما يسمعه.
وعموماً فهذا المريض الأفاك اعتمد على ما
جاء في رواية البخاري من كلام أبي سلمة بن عبدالرحمن: "وَأَنْكَرَ أَبُو
هُرَيْرَةَ حَدِيثَ الأَوَّلِ، قُلْنَا: أَلَمْ تُحَدِّثْ أَنَّهُ: «لاَ عَدْوَى»
فَرَطَنَ بِالحَبَشِيَّةِ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَمَا رَأَيْتُهُ نَسِيَ
حَدِيثًا غَيْرَهُ".
وهذه الشبهة أثارها من قبله أبو رية حينما
قال: «ضعف ذاكرته: كان أبو هريرة يذكر عن نفسه أنه كان كثير النسيان لا تكاد
ذاكرته تمسك شيئاً مما سمعه، ثم زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له فأصبح لا
ينسي شيئاً يصل إليه إلى أذنه، وقد ذكر ذلك كي يسوغ كثرة أحاديثه ويثبت في أذهان
السامعين صحة ما يرويه»!.
وقال الهالك أبو رية أيضاً: «على أن هذه
الذاكرة ... قد خانته في مواضع كثيرة، وإن ثوبه الذي بسطه قد تمزق تتناثر ما كان
بين أطرافه، وإليكم أمثلة من ذلك. روى الشيخان عن أبي هريرة أن النبي قال: لا عدوى
ولا طيرةولا هامة. وقد روى هذا الحديث بألفاظ مختلفة، ولكن الحصابة عملوا بما
يخالفه، فقد روى البخاري عن أسامة بن زيد أن رسول الله قال: إذا سمعتم بالطاعون
أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها. وقد جاء الحديث كذلك
عن عبد الرحمن بن عوف. ولما سمع عمر هذين الحديثين وحديث لا يوردن ممرض على مصح - وهو
مما رواه أبو هريرة - وكان قد خرج إلى الشام ووجد الوباء عاد بمن معه، وقد اضطر
أبو هريرة إزاء هذه الأخبار القوية إلى أن يعترف بنسيانه، ثم أنكر روايته الأولى،
وفي رواية أنس: قال الحارث ابن أبي ذباب ابن عم أبي هريرة، قد كنت أسمعك يا أبا
هريرة تحدثنا مع حديث لا يوردن ممرض على مصح الخ حديث لا عدوى، فأنكر معرفته لذلك،
ووقع عند الإسماعيلي من رواية شعيب: فقال الحارث ابن عم أبي هريرة: إنك حدثتنا،
فأنكر أبو هريرة وغضب، وقال: لم أحدثك ما تقول»!
وقد ردّ عليه الإمام المعلمي اليماني
بكلام متين في كتابه: «الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل
والتضليل والمجازفة».
وأما هذا الأفاك فنقول له:
أبو هريرة - رضي الله عنه - حدّث
بالحديثين، ولما حدث بالحديث الثاني راجعوه في الحديث الأول؛ لأنهما يتعرضان
ظاهرياً، ولهذا قال لابن عمه لما رطن بالحبشية: "فإني قلت: أبيت" - يريد
بذلك أني لم أحدثك ما تقول.
وفي رواية يونس بن يزيد الأيلي، وصَالِحِ
بْنِ كَيْسَانَ كلاهما عن الزهري: "قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: "وَلَعَمْرِي
لَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ، يُحَدِّثُنَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا عَدْوَى» فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ أَبُو
هُرَيْرَةَ، أَوْ نَسَخَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَ؟".
ويونس من أثبت الناس في الزهري، فكيف إذا
تابعه صالح بن كيسان.
ورواية البخاري من رواية مَعمر عن الزهري.
وفي رواية شُعَيْبِ بنِ أَبِي حَمْزَةَ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ: ثُمَّ أَقَامَ
أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى الَّذِي يُخْبِرُنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: «لَا يُورِدُ الْمُمْرِضُ عَلَى الْمُصِحِّ»، وَتَرَكَ
مَا كَانَ يُخْبِرُنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
قَوْلِهِ: «لَا عَدْوَى»، فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: "فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ
أَبُو هُرَيْرَةَ مَا كَانَ يُخْبِرُنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ "لَا عَدْوَى" أَمْ مَا شَأْنُهُ غَيْرَ أَنِّي لَمْ آبا
عَلَيْهِ كَلِمَةً نَسِيَهَا بَعْدَ أَنْ كَانَ يُحَدِّثُنَاهَا مَرَّةً عَنْ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ إِنْكَارِهِ مَا كَانَ
يُحَدِّثُنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: «لَا
عَدْوَى».
فهذه الروايات لا تدل على أن أبا هريرة
اعترف بأنه نسي! وإنما هذا من كلام أبي سلمة.
قال الحافظ في «فتح الباري» (10/242):
"فَأَمَّا دَعْوَى نِسْيَانِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلْحَدِيثِ فَهُوَ بِحَسَبِ
مَا ظَنَّ أَبُو سَلَمَةَ".
قلت: حتى لوقلنا بأن أبا هريرة نسي فهذا
لا يناقض حديثنا!
فهنا أبو هريرة حدث بالحديث = يعني سمعه
من النبي صلى الله عليه وسلم وحدث به = يعني هذا يوافق الحديث أنه لم ينس شيئا
سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو لم ينس ما سمعه بدليل أنه حدث به،
وإنما نسي - على فرض ثبوت ذلك – أنه حدث به، وهذا فيه رد على هذا الأفاك وغيره أن
نسيان أبي هريرة ليس مطلقا، وإنما هو فقط في عدم نسيان ما سمعه من النبي صلى الله
عليه وسلم.
وقد رَوَى عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ، عَنْ
سَعِيْدِ بنِ أَبِي الحَسَنِ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ حَدِيْثاً مِنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنَّ
مَرْوَانَ زَمَنَ هُوَ عَلَى المَدِيْنَةِ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ حَدِيْثَهُ
كُلَّهُ، فَأَبَى، وَقَالَ: ارْوِ كَمَا رَوَيْنَا.
فَلَمَّا أَبَى عَلَيْهِ، تَغَفَّلَهُ
مَرْوَانُ، وَأَقْعَدَ لَهُ كَاتِباً ثَقِفاً، وَدَعَاهُ، فَجَعَلَ أَبُو
هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُهُ، وَيَكْتُبُ ذَاكَ الكَاتِبُ حَتَّى اسْتَفْرَغَ
حَدِيْثَهُ أَجْمَعَ.
ثُمَّ قَالَ مَرْوَانُ: تَعْلَمُ أَنَّا
قَدْ كَتَبْنَا حَدِيْثَكَ أَجْمَعَ.
قَالَ: وَقدْ فَعَلْتَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَاقْرَؤُوْهُ عَلَيَّ.
فَقَرَؤُوْهُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:
أَمَا إِنَّكُمْ قَدْ حَفِظْتُمْ، وَإِنْ تُطِعْنِي تَمْحُهُ.
قَالَ: فَمَحَاهُ.
وقد علق الذهبي على هذا بقوله: "هَكَذَا
فَلْيَكُنِ الحِفْظُ".
وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَجْلِسُ
إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَيُحَدِّثُ، ثُمَّ يَقُوْلُ: يَا صَاحِبَةَ
الحُجْرَةِ، أَتُنْكِرِيْنَ مِمَّا أَقُوْلُ شَيْئاً؟
فَلَمَّا قَضَتَ صَلاَتَهَا، لَمْ
تُنْكِرْ مَا رَوَاهُ، لَكِنْ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْرُدُ الحَدِيْثَ سَرْدَكُمْ.
وَكَذَلِكَ قِيْلَ لابْنِ عُمَرَ: هَلْ
تُنْكِرُ مِمَّا يُحَدِّثُ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ شَيْئاً؟
فَقَالَ: لاَ، وَلَكِنَّهُ اجْترَأَ،
وَجَبُنَّا.
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: "فَمَا
ذَنْبِي إِنْ كُنْتُ حَفِظْتُ، وَنَسُوْا".
قال الذهبي: "وَقَدْ كَانَ أَبُو
هُرَيْرَةَ وَثِيْقَ الحِفْظِ، مَا عَلِمْنَا أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي حَدِيْثٍ".
ومُسْنَدُهُ: خَمْسَةُ آلاَفٍ وَثَلاَثُ
مائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَسَبْعُوْنَ حَدِيْثاً.
المُتَّفَقُ فِي البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ
مِنْهَا: ثَلاَثُ مائَةٍ وَسِتَّةٌ وَعِشْرُوْنَ.
وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ: بِثَلاَثَةٍ
وَتِسْعِيْنَ حَدِيْثاً، وَمُسْلِمٌ: بِثَمَانِيَةٍ وَتِسْعِيْنَ حَدِيْثاً.
ونُنبه إلى الحديث الذي ذكره الطحاوي فيما
سبق ولو رآه هذا الأفاك وغيره لاحتجوا به؛ لأن فيه ذكر لنسيان أبي هريرة!
فالحديث رواه الطحاوي عن صَالِح بن
عَبْدِالرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ
الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِاللهِ بْنِ سَالِمِ بْنِ
عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ خَازِمِ بنِ خُزَيْمَةَ مِنْ
تَيْمِ الرَّبَابِ، عَنْ مُجَاهِدٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، به.
ورواه العقيلي في «الضعفاء» في ترجمة «خَازِم
بن خُزَيْمَةَ الْبَصْرِيّ مِنْ تَيْمِ الرَّبَابِ» عن مُحَمَّدِ بنِ زَكَرِيَّا
الْبَلْخِيّن عن مُحَمَّد بن عَبْدِاللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئ، عن أَبِيه، عن
يَحْيَى بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ.
ورواه عن مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيلَ
الصائغ، عن الْمُقْرِئُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُالْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ
الْأَيْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَازِمُ بْنُ خُزَيْمَةَ الْبَصْرِيُّ، به.
فالاختلاف فيه على المقرئ!
وعبدالجبار بن عمر منكر الحديث.
ويحيى بن عبدالله بن سالم مدني سكن مصر،
وحديثه ليس بذاك! له غرائب!
وخازم هذا مجهول!
قال العقيلي في خازم هذا: "يُخَالَفُ
فِي حَدِيثِهِ".
ثم قال: "وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ:
عَنْ مُزَاحِمِ بْنِ زُفَرَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ
يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي» فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ: عَنْ
عَبْدِاللَّهِ الْعُمَرِيِّ، عَنْ مُزَاحِمِ بْنِ زُفَرَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نَحْوَهُ.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ: عَنْ مُجَاهِدٍ،
عَنْ أَبِي ذَرٍّ، نَحْوَهُ.
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ
الْأَحْدَبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، نَحْوَهُ.
وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ: عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ،
وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ، وَعَبْثَرُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي
زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ.
وَقَالَ ابْنُ فُضَيْلٍ: عَنْ يَزِيدَ
بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَمِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ".
ثم قَالَ العقيلي: "هَذِهِ
الْأَحَادِيثُ مُضْطَرِبَةٌ كُلُّهَا، وَالحَدِيثُ ثَابِتٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا
الْوَجْهِ فِي قَوْلِهِ: «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»".
فهذا الحديث في نسيان أبي هريرة منكر لا
يصح! فلا يجوز الاحتجاج به.
(18) قال الأفاك: "8-3: ما كانوا
يأخذون بكل حديثه: جاء في البداية والنهاية 8/ 118: (قال: كان أصحابنا يدعون من
حديث أبي هريرة، وروى الأعمش عن إبراهيم. قال: ما كانوا يأخذون بكل حديث أبي
هريرة، وقال الثوري عن منصور عن إبراهيم قال: كانوا يرون في أحاديث أبي هريرة
شيئا...)".
أقول:
وهذا أيضاً سرقه الأفاك من أبي رية!
قال المعلمي في «الأنوار الكاشفة»: "ثم
حكى أبو رية ما روى عن إبراهيم: «كان أصحابنا يدعون من حديث أبي هريرة، ما كانوا
يأخذون بكل حديث أبي هريرة، كانوا يروون في حديث أبي هريرة شيئاً ما كانوا يأخذون
بكل حديث أبي هريرة إلا ما كان من حديث صفة جنة أو نار أو حث على عمل صالح أو نهى
عن شر جاء بالقرءان، دعني من حديث أبي هريرة، إنهم كانوا يتركون كثيراً من حديثه».
أقول: ذكره ابن كثير في البداية 109:8 بعض
هذه الكلمات عن ابن عساكر، ولم يسق السند بتمامه، وباقيها أخذه أبو رية من شرح
النهج لابن أبي الحديد 360:1 حكاه بن أبي الحديد عن الاسكافي، وراجع ص 109، وقد
تقدم ص 121 أخذ إبراهيم بحديث أبي هريرة الذي أخبرت عائشة بخلافه فترك أبو هريرة /
الافتاء به وقال «إنما حدثنيه الفضل بن عباس» وأخذ به يدل على ثقة بالغة بأبي
هريرة وحديثه، ثم إن صحت تلك الكلمات أو بعضها فقوله «كان أصحابنا» يريد بهم أشياخه
من الكوفيين وإليهم يرجع الضمير في قوله «كانوا» وحتى هذه الكلمات - إن صحت عن
إبراهيم - أن تنتقد عليه لا على أبي هريرة. وقد تقدم بيان حال أبي هريرة عند
الصحابة وثناؤهم عليه وسماعهم منه وروايتهم عنه، ويأتي لذلك مزيد، وبان سقوطه كل
ماخالف ذلك من مزاعم أهل البدع وظهرت حجة أبي هريرة فيما انتقده بعضهم عليهم، ثم
إن التابعين من أهل الحجاز وعلمائه وهم أبناء علماء الصحابة وتلاميذهم والذين
حضروا مناظرتهم لأبي هريرة وعرفوا حقيقة رأيهم فيه أطبقوا هم وعلماء البصرة والشام
وسائر الأقطار- سوى ما حكى عن بعض الكوفيين- على الوثوق التام بأبي هريرة وحديثه...
الخ كلامه".
قلت: بعد أن نقل ابن كثير هذا قال: "وَقَدِ
انْتَصَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَرَدَّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ
إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ. وَقَدْ قَالَ مَا قَالَهُ إِبْرَاهِيمُ طَائِفَةٌ مِنَ
الْكُوفِيِّينَ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِمْ. وَقَدْ كَانَ أبو هريرة مِنَ
الصِّدْقِ وَالْحِفْظِ وَالدِّيَانَةِ وَالْعِبَادَةِ وَالزَّهَادَةِ وَالْعَمَلِ
الصَّالِحِ عَلَى جَانِبٍ عَظِيمٍ".
وقد نقل ابن عساكر ما روي عن إبراهيم
بالأسانيد، وهو ثابت عنه وحاصله أن إبراهيم كان يقول: كانوا يتركون شيئا من قول
أبي هريرة!
فإذا نظرنا في معرفة السبب وجدنا أنه لا
علاقة به لشخص أبي هريرة واتهامه، وإنما هو بسبب الاختلاف الفقهي بين أهل الكوفة
وما عند أهل الحجاز من أحاديث.
وهذا الذي قاله المعلمي في دحض شبهة أبي
رية بنقله هذه الأقوال عن إبراهيم: "وقد كان بين الكوفيين والحجازيين تباعد،
والكوفيون نشأوا على الأحاديث التي عرفوها من رواية الصحابة الذين كانوا عندهم، ثم
حاولوا تكميل فقههم بالرأي وجروا على مقتضاه، ثم كانوا إذا جاءهم بعد ذلك حديث
بخلاف ما قد جروا عليه وألقوه تلكأوا في قبوله وضربوا له الأمثال، وإذ كان أبو
هريرة مكثرا كانت الأحاديث التي جاءتهم عنه بخلاف رأيهم أكثر من غيره، فلهذا ثقل
على بعضهم بعض حديثه، وساعد على ذلك ما بلغهم أن بعض الصحابة قد انتقد بعض أحاديث
أبي هريرة، وقد كان أهل الحجاز أيضاً ينفرون عن الأحاديث التي تأتيهم عن أهل
العراق حتى اشتهر قولهم: نزلوا أهل العراق منزلة أهل الكتاب، لا تصدقوهم ولا
تكذبوهم، وعلى كل حال فقد انحصر مذهب أهل العراق في أصحاب أبي حنيفة، وقد علمت بأن
أبا هريرة عندهم عدل ضابط، واعتراف محققيهم بأنه مع ذلك فقيه مجتهد، والأحاديث
التي يخالفونها من مروياته سبيلها سبيل ما يخالفونه من مرويات غيره من الصحابة،
والحق أحق أن يتبع، والله الموفق".
(19) قال الأفاك: "9: وأما ما جاء في
الرواية: (وَاللَّهِ لَوْلا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمْ
شَيْئًا أَبَدًا إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ
وَالْهُدَى إِلَى قَوْلِهِ الرَّحِيمُ)، فمن سورة البقرة: ((إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ
مَآ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَيَّنَّٰهُ
لِلنَّاسِ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أُوْلَٰٓئِكَ يَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلۡعَنُهُمُ
ٱللَّٰعِنُونَ (159) إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصۡلَحُواْ وَبَيَّنُواْ
فَأُوْلَٰٓئِكَ أَتُوبُ عَلَيۡهِمۡ وَأَنَا ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ)).- فالآيتان
الجليلتان تتعلقان بما أنزل الله .. وليس بما صنعه بريء مما نسبته الرواية البئيسة
إليه – وأربأ بالحبيب المصطفى - نصلي عليه ونسلم تسليماً- أن يكون ساحرا...ولا
يفلح الساحر حيث أتى.. قال الله سبحانه في سورة صاد4: ((وَعَجِبُوٓاْ أَن
جَآءَهُم مُّنذِرٞ مِّنۡهُمۡۖ وَقَالَ ٱلۡكَٰفِرُونَ هَٰذَا سَٰحِرٞ كَذَّابٌ)).-الرواة".
أقول:
قد بيّنا لك أيها الغبي أن الآيتين ليستا
هاتين من سورة البقرة، فنعم، هذه الآية من سورة البقرة، وآية أخرى، وهي: {وَإِذْ
أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ
وَلَا تَكْتُمُونَهُ...} [آل عمرَان: 187] إلى آخر الآية".
وَالمعْنَى: لَوْلَا أَن الله تَعَالَى
ذمّ الكاتمين للْعلم لما حدثتكم أصلاً، لَكِن لما كَانَ الكتمان حَرَامًا وَجب
الْإِظْهَار والتبليغ، فَلهَذَا حصل مني الْإِكْثَار لِكَثْرَة مَا عِنْدِي
مِنْهُ.
(20) قال الأفاك: "10: أشهد أمام
الله سبحانه، يوم الحساب أن رسول الله، بريء مما نَسَبَ رواة السوء إليه في حديثِ
نَمِرَةِ أبي هريرة".
أقول:
وأنا أشهد أمام الله أنها رواية صحيحة،
وأنت كذاب مفتر جاهل غبي أحمق!
(21) قال الأفاك: "... اللهم اجعل عملي
هذا خالصا لوجهك الكريم، يا رب" انتهى.
أقول:
وأنا أشهد أن هذا العمل الذي قمت به ليس
خالصا لوجه الله الكريم! بل هو مما لبّس به الشيطان عليك ووافق ما عندك من غباء
وجهل وعنجهية وكبرياء!
فنعوذ بالله من حالك وأمثالك.
والحمد لله رب العالمين.
وكتب: د. خالد الحايك.
الأول من المُحرّم لسنة 1445 من هجرة
المصطفى صلى الله عليه وسلم.
شاركنا تعليقك