ترجمة خطأ عند ابن أبي حاتم كأنها بسبب سقط في الإسناد، وخلطٌ في
بعض النسخ. ووهم لابن حبان، وقراءة في ترجمة للبخاري، وفوائد أخرى.
قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (3/332): "خالد
بن الزبير بن العوام: روى عن... روى عنه: معن بن عيسى، ومحمد بن خالد بن عثمة،
ويحيى ابن العلاء. سمعت أبي يقول ذلك".
قلت: هذه ترجمة خطأ كأنها بسبب سقط في الإسناد الذي
اعتمده ابن أبي حاتم أو أبوه. وسقط من الاسم: "جعفر بن محمد بن".
والصواب في هذه الترجمة هو ما ذكره قبل (2/487): "جعفر
بن محمد بن خالد ابن الزبير بن العوام: روى عن هشام بن عروة، وعمر بن عبدالله
بن عروة. روى عنه: معن بن عيسى، وخالد بن مخلد، ومحمد بن خالد بن عثمة. سمعت
أبي يقول ذلك. سكن سامرا، روى عن أبي نعيم وعفان ومالك بن إسماعيل، سمعت منه مع
أبي وهو صدوق".
قلت: قوله: "عمر بن عبدالله بن عروة" وهم! والصواب:
"عبدالله بن عروة" أخو هشام بن عروة.
قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (2/189): "جعفر
بن خالد بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي. قال لي خالد بن مخلد: حدثنا جعفر بن
محمد بن خالد ابن الزبير بن العوام. سمع عبدالله بن عروة، وهشام بن عروة.
وقال معن عن جعفر بن خالد".
· خلط
في نسخ ابن أبي حاتم!
زاد ابن أبي حاتم في الترجمة: "سكن سامرا، روى عن
أبي نعيم وعفان ومالك ابن إسماعيل، سمعت منه مع أبي وهو صدوق".
قلت: ما جاء في المطبوع من ((الجرح والتعديل)) من قول
ابن أبي حاتم: "سكن سامرا..." إلخ، لا علاقة له بهذه الترجمة.
فإما أن يكون ابن أبي حاتم أخطأ في هذا، وإما أن يكون
هناك خلط في النسخ؛ لأن المعلمي قد أشار إلى أن هذا زيادة من نسخة دار الكتب
المصرية، وهذا الذي أميل إليه، وهذا المذكور هنا ينبغي أن يكون في ترجمة ((جعفر بن
محمد بن شاكر الصائغ)) فيكون الاسم سقط من النسخة وبقي هذا الكلام؛ ويؤيده عدم
وجود ذكر لجعفر هذا في النسخة المطبوعة.
قال ابن حبان في ((الثقات)) (8/163): "جعفر بن محمد
الصائغ العابد، من أهل بغداد. يروي عن أبي نعيم وأبي غسان –وهو: مالك بن إسماعيل-.
حدثنا عنه أحمد بن زنجويه. كنيته أبو الفضل، وهو جعفر بن محمد بن شاكر".
وقال ابن حبان في ((الثقات)) (6/133): "جعفر بن
محمد بن خالد بن الزبير بن العوام: يروي عن هشام بن عروة والحجازيين، روى عنه خالد
بن مخلد القَطَواني، وقطوان سكة بالكوفة".
· خالد
بن الزبير بن العوام لا رواية له:
خالد بن الزبير بن العوام لا رواية له. وقد ذكره ابن سعد
في ((الطبقات الكبرى)) (5/184) فقال: "خالد بن الزبير بن العوام بن خويلد بن
أسد بن عبد العزى بن قصي، وأمه أم خالد واسمها: أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص ابن
أمية فولد خالد بن الزبير محمداً الأكبر، ورملة وأمها أم ولد، ومحمداً الأصغر،
وموسى، وإبراهيم، وزينب، وأمهم حفصة بنت عبدالرحمن بن أزهر بن عوف، وسليمان بن
خالد...".
· وهم
لابن حبان بسبب قلب في الاسم!
قال ابن حبان في ((الثقات)) (7/395): "محمد بن جعفر
الزبيري: يروي عن هشام بن عروة، روى عنه: محمد بن خالد بن عثمة. يُخطئ ويُخالف.
روى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: ((ما كان النبي صلى الله عليه وسلم
يفسر شيئاً من القرآن إلا آياً علمهنّ إياه جبرائيل)). حدثناه الطبري، قال: حدثنا
بندار، قال: حدثنا ابن عثمة قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا هشام بن
عروة. ويُشبه أن يكون معنى التفسير للآية بعينها، وأما سنته كلها فهي تفسير القرآن،
قال الله عز وجل: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}".
ورواه ابن حزم في ((الإحكام)) (3/306) من طريق أبي بكر
بن أبي شيبة، قال: حدثنا خالد بن مخلد، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: أخبرنا
هشام، به.
قلت: محمد بن جعفر
خطأ! وهو: "جعفر بن محمد" انقلب اسمه في كلا الإسنادين.
والعجب من ابن حبان كيف حكم عليه بأنه: "يُخطئ
ويُخالف" واسمه مقلوب!!
الاختلاف في اسمه وقراءة في ترجمة البخاري له:
والحديث رواه الطبري في ((التفسير)) عن العباس بن عبدالعظيم،
قال: حدثنا محمد بن خالد بن عَثْمة، قال: حدثني جعفر بن محمد الزبيري، قال: حدثني
هشام ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: ((ما كان النبي صلى الله عليه وسلم
يُفسِّر شيئًا منَ القرآن إلا آيًا بعَددٍ، علَّمهنّ إياه جبريلُ)).
قال: حدثنا أبو بكر محمد بن يزيد الطرسوسي، قال: أخبرنا
مَعْن، عن جعفر ابن خالد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: ((لم يكن
النبيُّ صلى الله عليه وسلم يفسر شيئًا من القرآن، إلا آيًا بعَددٍ، علمهنّ إياه
جبريل عليه السلام)).
قلت: سماه ابن عثمة: "جعفر بن محمد"، وسماه
معن بن عيسى: "جعفر بن خالد"، وإلى الاختلاف في اسمه أشار البخاري في
ترجمته السابقة: "جعفر بن خالد بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي. قال لي
خالد بن مخلد: حدثنا جعفر ابن محمد بن خالد بن الزبير بن العوام. سمع عبدالله بن
عروة، وهشام بن عروة. وقال معن عن جعفر بن خالد".
وروى ابن القيسراني في ((المؤتلف والمختلف)) (ص171) في
نسبة (الخالدي: ذكر جماعة ينسبون إلى الجد) من طريق إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا
معن بن عيسى، قال: حدثنا جعفر بن محمد الخالدي - من ولد خالد بن الزبير -، عن هشام
بن عروة، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها -، به.
ورواه أبو يعلى في ((مسنده)) (8/23) برقم (4528) عن إسحاق
بن أبي إسرائيل قال: حدثنا معن القزاز، عن فلان بن محمد بن خالد، عن هشام بن عروة،
به.
وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (6/303): "رواه أبو
يعلى والبزار. وفيه راو لم يتحرر اسمه عند واحد منهما، وبقية رجاله رجال الصحيح.
أما البزار فقال: عن حفص أظنه ابن عبدالله عن هشام بن عروة. وقال أبو يعلى عن فلان
ابن محمد بن خالد عن هشام".
قلت: اتفق ابن عثمة وخالد بن مخلد على أنه: "جعفر
بن محمد بن خالد الزبيري"، ووافقهم معن بن عيسى في رواية إبراهيم بن المنذر
عنه. والاختلاف على معن في اسمه: فإبراهيم بن المنذر سماه: "جعفر بن محمد بن
خالد"، ومحمد بن يزيد الطرسوسي سماه: "جعفر بن خالد"، وإسحاق سماه:
"فلان بن محمد بن خالد"، ورواية البزار لم أقف عليها ولا أدري هل هي عن
معن أم لا؟! وما جاء فيها خطأ لا شك فيه.
فالصواب أنه: "جعفر بن محمد بن خالد" بخلاف ما
رجّحه الإمام البخاري؛ لأنه أثبت اسمه: "جعفر بن خالد".
وسماه الواقدي - وهو عالم في الأنساب -: "جعفر بن
محمد بن خالد"، فكان يقول: "حدثنا جعفر بن محمد بن خالد بن الزبير بن
العوام" (انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد: 4/96).
· تعليق
حسين سليم أسد على الحديث!
وما جاء في مسند أبي يعلى خطأ. وعليه فلا يُعوّل على قول
محققه (8/23) حاشية (3): "إسناده ضعيف لجهالة فلان بن محمد بن خالد، وذكره
الهيثمي...".
فالعلّة ليست جهالة هذا الرجل، فهو معروف، والعلة ستأتي
إن شاء الله تعالى.
· الحكم
على الحديث:
قال الطبري في ((التفسير)) بعد أن خرّجه: "هذا مع
ما في الخبر الذي رُوي عن عائشة من العلَّة التي في إسناده، التي لا يجوز معها
الاحتجاجُ به لأحدٍ ممن علم صحيحَ سَند الآثار وفاسدَها في الدين. لأنّ راويه ممن
لا يُعْرف في أهل الآثار، وهو: جعفر بن محمد الزبيري".
وتعقّبه الشيخ أحمد شاكر، فقال: "وسيأتي أن يعل
الطبري نفسه هذين الإسنادين بأن جعفرًا راويهما "ممن لا يعرف في أهل
الآثار". وقد نقل ابن كثير أن البخاري قال فيه: "لا يتابع في
حديثه"، وكذلك نقل الذهبي عنه في الميزان، وتبعه ابن حجر في لسان الميزان.
ولكن البخاري ترجم له في التاريخ الكبير، فلم يقل شيئًا من هذا ولم يذكر فيه
جرحًا، وكذلك ابن أبي حاتم لم يذكر فيه جرحًا، ولم يذكره البخاري ولا النسائي في
الضعفاء. ونقل ابن حجر أن ابن حبان ذكره في الثقات. وأن يذكره البخاري في التاريخ
دون جرح أمارة توثيقه عنده. وهذان كافيان في الاحتجاج بروايته. ولئن لم يعرفه
الطبري في أهل الآثار لقد عرفه غيره".
وقال ابن كثير في ((تفسيره)) (1/7): "حديث منكر
غريب. وجعفر هذا هو ابن محمد بن خالد بن الزبير بن العوام القرشي الزبيري. قال
البخاري: لا يتابع في حديثه. وقال الحافظ أبو الفتح الأزدي: منكر الحديث".
قلت: هذا الحديث منكر غريب –كما قال ابن كثير رحمه الله.
والرجل ليس بمجهول كما قال الطبري، فهو معروف قد عرفه غيره كما قال الشيخ أحمد
شاكر.
ولكن الشيخ أحمد شاكر قد دافع عن هذا الحديث بأمور:
1- تشكيكه بما نقله بعض أهل العلم كالذهبي وابن كثير عن
البخاري أنه قال فيه: "لا يتابع في حديثه"، بقوله: "ولكن البخاري
ترجم له في التاريخ الكبير، فلم يقل شيئًا من هذا ولم يذكر فيه جرحًا، وكذلك ابن
أبي حاتم لم يذكر فيه جرحًا، ولم يذكره البخاري ولا النسائي في الضعفاء".
2- نقل ابن حجر أن ابن حبان ذكره في الثقات.
3- أن يذكره البخاري في التاريخ دون جرح؛ أمارة توثيقه
عنده. وهذان كافيان في الاحتجاج بروايته.
قلت: أما الأولى: فنقل هؤلاء الأئمة عن البخاري قوله هذا
لعله من كتاب أو سؤالات لم نقف عليها، ونفي ذلك يحتاج إلى دليل، فهم أمناء في
النقل. وعدم ذكر هذا في ترجمته من التاريخ ليس بلازم، فكم من راو لم يذكر فيه
البخاري شيئاً، وجرحه في كتب أخرى، وهدف التاريخ الكبير ليس الجرح والتعديل، وإنما
تثبيت أسماء الرواة.
وكذلك عدم ذكر ابن أبي حاتم فيه جرحاً فليس بلازم كذلك.
وعدم إيراد البخاري والنسائي له في الضعفاء كذلك، فهما لم يستوعبا كل الضعفاء.
وأما الثانية: فذكر ابن حبان للراوي في الثقات؛ لأنه لم
يقف على جرح فيه، والجرح موجود من غيره، فتجريح من جرحه مقدم على ذكر البخاري له
في ثقاته، وكذلك فإن ابن حبان خلط في هذه الترجمة بسبب قلب اسمه، وقال في الثاني:
"‘نه يخطئ ويخالف" وهو الأول نفسه.
وأما الثالثة: فلا تلزم البخاري؛ لأن عدم ذكر الجرح في
الراوي لا يعني أبداً توثيقه أو أمارة توثيقه، فكم من راوٍ ذكره البخاري في تاريخه
ولم يذكر فيه شيئاً وهو نفسه قد جرحه في كتبه الأخرى.
· حديث
منكر آخر لجعفر بن محمد:
قال ابن أبي حاتم في ((علل الحديث)) (1/407): سمعت أبي وأبا
زرعة وذكرا حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
((أنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم))، فقالا جميعاً: "لا يصح هذا الحديث".
وقالا: "رواه جعفر بن خالد الزبيري عن هشام بن عروة عن أبيه. ورواه هشام ابن
عمار عن الحكم بن هشام عن مندل عن هشام". فقال أبو زرعة: "الحديث ليس
بصحيح".
قلت: وهذا الحديث منكر جداً رواه أكثر من عشرة من الهلكى
والمتروكين عن هشام بن عروة بهذا الإسناد، ولا يصح بحال، وقد فصّلت ذلك في موضع
آخر، ولله الحمد.
والخلاصة أن جعفر بن محمد بن خالد الزبيري منكر الحديث.
وكتب: خالد الحايك.
16/6/2010م.
شاركنا تعليقك