الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

د. محمّد نعيم ياسين وكتابه «الإِيمان»!

د. محمّد نعيم ياسين وكتابه «الإِيمان»!

ما إن انتشر خبر وفاة أستاذنا الفقيه محمد نعيم ياسين - رحمه الله وغفر له- قبل يومين حتى استحضر كثيرٌ من الناس كتابه في «الإيمان» الذي ألّفه قبل عشرات السنين...

والدكتور إنما كان يُعرف على المستوى الأكاديمي في الجامعات، ولم يكن مشهوراً كغيره ممن تصدروا في وسائل التواصل، وصار السؤال من كثير من الناس عن توجهه!

وكعادة «الإخونجية» فيمن كان معروفاً في الوسط العلمي، ولا يعرف له توجهاً ما تصدروا المشهد، وحسبوه عليهم! فنشروا له نعياً وأنه كان من علمائهم! وتكلّم أحد قياداتهم قبل الصلاة عليه في المسجد، وحسبه عليهم أيضاً من تكلّم في الموعظة على قبره بعد دفنه!

وفيما أعلمه أنه لم يكن إخونجياً! وإنما زاملهم أثناء مسيرته التدريسية (*)، وكيف يكون منهم وكتابه في «الإيمان» يخالف عقائدهم!

بل لما نشر ابنه على صفحته في «الفيسبوك» فتح الزيارة لوالده في البيت والمستشفى زاره كثير من فاسدي العقيدة! والتفوا حوله من غير «الإخونجية»، وقد عُرفوا ببغضهم للسلفية، والطعن في شيخ الإسلام ابن تيمية، والدكتور أثنى على ابن تيمية واحتج بكلامه في كتابه في «الإيمان»، بل ذكر تقسيمه الثلاثي في «التوحيد»: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات! وهم ينقمون على شيخ الإسلام هذا التقسيم!

فماذا نقول لهؤلاء؟

ولعل كثيراً منهم ما أرادوا إلا الشهرة! ولهذا كانوا ينشرون صورهم وفيديوهاتهم لزيارة الشيخ في مرضه، ويكأن الواحد منهم يقول: "صوّرني وأنا مش عارف"!!

نتعدى هذا وندخل في كتاب «الإيمان» الذي صار حديث طلبة العلم!

كتاب الشيخ - رحمه الله وغفر له - في «الإيمان» كتاب عام في تقرير عقيدة أهل السنة والجماعة، وهو كتاب جيد في مُجمله ونافع، خلا بعض الأمور الدقيقة التي خالف فيها تلك العقيدة! وما ذلك إلا لأن هذه المسائل لم تكن مُحررة زمن تأليف الشيخ لكتابه فقد صنفه قبل ثورة التصنيف في هذه المسألة في أوساط المنتسبين للسلفية، وكذلك فإن الشيخ لم يكن من المتخصصين في العقيدة، وكان متأثراً بـ «العقيدة الطحاوية»، وشارحها: ابن أبي العز الحنفي رحم الله الجميع!

فانتشر الكتاب؛ لأنه سدّ ثغرة في المكتبة الإسلامية لحاجة الطلبة لكتاب سهل مثله في وقت لم يكن الكلام على العقائد منتشراً!

وقد سألني بعض الإخوة عن هذا الكتاب وطلبوا تقييد شيء مما ورد فيه مما يجب التنبيه عليه، فمما أذكره من هذه المخالفات التي وقع فيها الشيخ - غفر الله له -:

أولاً: ذكر إجماع أهل السنة في بعض الأمور، ومنها ما ذكره في (ص:87) حيث قال: "وأجمعوا أيضاً على أن العبد لو صدق بقلبه وأقر بلسانه، وامتنع عن العمل بجوارحه فإنه يكون عاصياً لله ولرسوله، ومستحقاً للوعيد الذي ذكره الله في كتابه، وأخبر به الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم".

ثم قال: "فالجمهور من أهل السنة، وإن جعلوا العمل جزءاً من الإيمان، إلا أنهم لم يقولوا بتكفير المصدّق بقلبه المقر بلسانه إن لم يعمل، والحنفية - وإن أخرجوا العمل من الإيمان - إلا أنهم اعتبروه من لوازمه ومقتضياته، والكل متفقون على عدم التكفير بترك العمل".

قلت:

ذهب الشيخ هنا متأثراً بقول ابن أبي العز الحنفي شارح «الطحاوية» إلى أن العمل ليس ركنا في صحة الإيمان! وقرر أن من ترك العمل فلا يكفر! وإنما هو عاص فقط! وهذا عين مذهب الإرجاء!

قال الإمام الحُميدي: "وأخبرت أن ناساً يقولون: من أقر بالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت ويصلي مستدبر القبلة - وهو أفضل ممن لا يصلي مطلقاً - حتى يموت، فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً إذا علم أن تركه ذلك فيه إيمانه إذا كان مقراً بالفرائض واستقبال القبلة، فقلت: هذا الكفر الصراح، وخلاف كتاب الله وسنة رسوله وعلماء المسلمين، قال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} [البينة:5]".

وقال الإمام أحمد عن هؤلاء الذين ذكرهم الحُميدي: "من قال هذا فقد كفر بالله، وردَّ على أمره وعلى الرسول ما جاء به عن الله" كما جاء في رواية حنبل بن إسحاق عن الإمام أحمد.

وإن كان الخلال قد روى من طريق إسماعيل بن سعيد قال: سألت أحمد هل تخاف أن يدخل الكفر من قال: الإيمان قول بلا عمل؟ فقال: لا يكفرون بذلك. وليس بين هذين النصين تعارض لكن للجمع بينها مقام آخر.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والقرآن يُبين أن إيمان القلب يستلزم العمل الظاهر بحسبه، كقوله تعالى: {ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين} إِلى قوله: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إِلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون}، فنفى الإيمان عمن تولى عن طاعة الرسول، وأخبر أن المؤمنين إذا دعوا إِلى الله ورسوله ليحكم بينهم سمعوا وأطاعوا، فبين أن هذا من لوازم الإيمان".

وقال أيضاً: "فنفى الإيمان عمن تولى عن العمل. ففي القرآن والسنة من نفى الإيمان عمن لم يأت بالعمل مواضع كثيرة كما نفى فيها الإيمان عن المنافق. وأما العالم بقلبه مع المعاداة والمخالفة الظاهرة فهذا لم يسم قط مؤمناً".

وقال: "وبهذا يظهر خطاً جَهمٍ ومن اتبعه في زعمهم أن مجرد إيمان بدون الإيمان الظاهر ينفع في الآخرة، فإن هذا ممتنع، إذ لا يحصل الإيمان التام في القلب إلا ويحصل في الظاهر موجبه بحسب القدرة".

وقال في موضع آخر: "لو قدر أن قوماً قالوا للنبي «نحن نؤمن بما جئتنا به بقلوبنا من غير شك، ونقر بألسنتنا بالشهادتين إلا أنا لا نطيعك في شيء مما أمرت به ونهيت عنه، فلا نصلي، ولا نصوم، ولا نحج، ولا نصدق الحديث، ونشرب الخمر، وننكح ذوات المحارم بالزنا الظاهر، ونقتل من قدرنا عليه من أصحابك وأمتك، ونأخذ أموالهم بل نقتلك أيضاً ونقاتلك مع أعدائك»، هل كان يتوهم عاقل أن النبي يقول لهم: «أنتم مؤمنون كاملوا الإيمان، وأنتم من أَهْل شفاعتي يوم القيامة، ويرجى لكم أن لا يدخل أحد منكم النار»! بل كل مسلم يعلم بالاضطرار أنه يقول لهم: «أنتم أكفر الناس بما جئت به، ويضرب رقابهم إن لم يتوبوا من ذلك»".

وقال ابن القيّم: "مجرد الإقرار والإخبار بصحة رسالته لا يوجب الإسلام إلا أن يلتزم طاعته ومتابعته، وهذا متفق عليه بين الصحابة والتابعين وأئمة السُّنَّة أن الإيمان لا يكفي فيه قول اللسان بمجرده، ولا بمعرفة القلب مع ذلك، بل لا بد فيه من عمل القلب وهو حبه لله ورسوله وانقياده لدينه والتزامه طاعته ومتابعة رسوله، وهذا خلاف من زعم أن الإيمان هو مجرد معرفة القلب وإقراره، وفيما تقدم كفاية في إبطال هذه المقالة".

وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} [آل عمران: 31]: "هذه الآية حاكمة على كلّ من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله".

وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب: "لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون وإبليس وأمثالهما".

وبذا تعلم فساد قول الشيخ محمد ياسين -غفر الله له-: "والكل متفقون على عدم التكفير بترك العمل"!!!

ثانياً: تكلم الشيخ عن نواقض الإيمان وذكر قاعدة في ذلك (ص:99)، ونقل كلام الطحاوي: "ونسمي أهل قبلتنا مسلمين... وَلَا يَخْرُجُ العَبْدُ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا بِجُحُودِ مَا أَدْخَلَهُ فِيهِ".

قلت: يعني أن العبد لا يكفر إلا بالجحود، فحصر الكفر بالجحود، وهنا خرجت الأعمال من ذلك، فهي ليست مكفرة؛ لأن العبد دخل في الإسلام بالشهادتين، ولا يخرج إلا بالإتيان بنقيضهما!

والطحاوي من المرجئة، والمرجئة لا يدخلون الأعمال في الإيمان، ولا يكفرون بترك العمل! والكفر يكون قولاً وفعلاً واعتقاداً.

قال سيّد إمام صاحب كتاب «الجامع في طلب العلم الشريف»: "قول الطحاوي رحمه الله: «ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه»، هذا الحصر خطأ، وهو صريح مذهب المرجئة. فإن الإيمان عندهم هو التصديق بالقلب، ومنهم من لم يُدخل إقرار اللسان فيه، واعتبروه شرطاً لإجراء أحكام الإسلام عليه في الدنيا، وهم الأشاعرة والماتريدية، ومنهم من قال بل الإقرار داخل في حقيقة الإيمان، وهم مرجئة الفقهاء «الأحناف»، وبعض الأشاعرة. [انظر: «شرح جوهرة التوحيد» للبيجوري، ص46 - 47]. ولما كان الإيمان عندهم هو التصديق فلا يكفر أحد إلا بعكسه وهو التكذيب، وهو معنى قول الطحاوي: «لا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه»".

فمن حصر الكفر في الحجود أو التكذيب فقد وافق المرجئة وغيرهم في ذلك.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "المعروف في مقابلة الإيمان لفظ الكفر، يقال: هو مؤمن أو كافر، والكفر لا يختص بالتكذيب؛ بل لو قال: أنا أعلم أنك صادق لكن لا أتبعك، بل أعاديك وأبغضك وأخالفك ولا أوافقك لكان كفره أعظم؛ فلما كان الكفر المقابل للإيمان ليس هو التكذيب فقط، علم أن الإيمان ليس هو التصديق فقط، بل إذا كان الكفر، يكون تكذيباً، ويكون مخالفة ومعاداة وامتناعاً بلا تكذيب، فلا بد أن يكون الإيمان تصديقاً مع موافقة وموالاة وانقياد لا يكفي مجرد التصديق".

فالكفر لا يُحصر في الجحود والتكذيب فقط، ويكون بغيرهما كما دلت عليه الآيات الكثيرة.

فقد يكون الكفر بالعناد والاستكبار كما هو الحال في إبليس وفرعون ومن على شاكلتهما من الطواغيت الذين يرفضون اتباع الحق.

وقد يكون الكفر بالاستهزاء بالدِّين وآيات الله ورسوله. وقد يكون بالتولي والإعراض، واستحلال ما حرم الله، وصرف العبادة لغير الله كما يفعل القبوريون، وغير ذلك.

ثالثاً: وذكر (ص:106) أنه لا يجوز تكفير من اختلف العلماء في جعل الفعل من النواقض أم لا، وقال: "ويدخل في هذا من لم يكفر تارك الصلاة عمداً الذي لم يجحد فرضيتها".

قلت: العلماء اختلفوا في تكفير تارك الصلاة تهاوناً، وأما تاركها متعمداً فهذا لم يختلفوا في تكفيره فهو إلى الاستحلال بهذا التعمد أقرب، ولبسط المسألة مقام آخر بعون الله تعالى.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

4/1/2023م.

 

(*) ارتأيت في نشر ما كتبته؛ لأن ابن الشيخ كان ينشر بعض ما يفعله المبتدعة كقراءة سورة البقرة على قبره، وغير ذلك مما نصحته به على الخاص، إلا أنه سمع لفاسدي العقيدة بجواز ذلك ولم يستمع لتصيحتي في هذا وغيره! ولم أرد أن أدخل معه في نقاشات؛ لأنه ليس من أهل العلم أولاً، وثانياً لأن مُصابه بفقد والده ليس سهلاً!

إلا أنه لا يزال ينشر بعض البدع، وكذلك بعض المقاطع التي نعى فيها بعض المبتدعة الشيخ في العزاء كقادة في الإخوان! وسمعت بعضهم يقول بأنه زامل الشيخ في بعض المعسكرات الدعوية قديماً للإخوان! فإن صحّ أن الشيخ كان معهم ولم يزل حتى مماته فما نفعه كتابه في «الإيمان»! وإن كان الشيخ قد تركهم وتبرأ منهم، فالحمد لله، وإن كنت عاتباً عليه وهو صاحب ذلك الكتاب الذي عُرف به كيف كان في بعض مجالسه مع أهل البدع في إظهاره لمحبتهم، والثناء عليهم، وغير ذلك!

والله المستعان.

شاركنا تعليقك