موسوعات الحديث الحاسوبية
لا شك أن التقدم العلمي الذي يشهده العالم هذه الأيام قد
سهّل الصعب، وقرّب البعيد. وأيّ اكتشاف تتوصل إليه البشرية - بفضل الله عز وجلّ -
له حسنات وله سيئات! والأصل في الإنسان العاقل أن يستغل ذلك في إصلاح نفسه وغيره.
وإن من أهم الأمور التي تخدم الدّين الإسلامي هو ظهور
الموسوعات الحاسوبية التي تضم في ثناياها آلاف الكتب التراثية. وظهور هذه
الموسوعات قد سهّل على كثير من طلبة العلم في دراساتهم الشرعية.
ولكن المصيبة أن جلّ طلبة العلم أصبحوا يعتمدون على هذه
الموسوعات اعتماداً كليّاً حيث تجد بعضهم يفتخر بأنه لا يوجد عنده كتب ويكفيه هذه
الموسوعة أو تلك! وبعض الباحثين أصبح ينتج بحوثاً كثيرة في وقت خياليّ بفضل تلك
الموسوعات. فما هي إلا "كبسة زر" كما يقولون فإذا بالمعلومات حاضرة
أمامك، وتقص وتلصق فينشأ عندك بحث ترسله إلى مجلة محكمة فتترقى عليه!
إنّ هذا من أسوأ الأمور التي جناها طلبة العلم من وراء
ظهور هذه الموسوعات! أقول: مساكين هؤلاء الذين يفكرون بهذه الطريقة! إن هذه
الموسوعات ما هي إلا عامل مساعد بحيث تتعرف على وجود المعلومات التي تريدها، ثم
يأتي دور الباحث أو طالب العلم في كيفية استخدام هذه المعلومات وتوظيفها، واستنطاق
النصوص، بحيث لا يأتي بطامات على العلم وأهله.
وإن من أهم ضعف وقصور العلم الشرعي هذه الأيام هو الاعتماد
السلبي على مثل هذه الموسوعات بالكلية، والله المستعان.
وكون هذه الموسوعات في أصلها تجارية، والقائمون عليها
ليسوا من ذوي الاختصاصات الشرعية تخللتها بعض الثغرات، ومنها على سبيل المثال:
1- الإدخال الخاطئ للمعلومات: بما أن الكمبيوتر جهاز أصم، فإنه يعتمد
على ما فيه من رموز، فإذا كان الإدخال خاطئاً، فإنك لا تجد ما تريده.
فمثلاً وجود "الهمزات" في الكلمات مهم جداً،
والمدخل لهذه المعلومات لا يهمه ذلك، فأنت تجهد نفسك في البحث عن كلمة معينة فلا
تجدها بسبب الإدخال الخاطئ.
2- عدم إدخال صفحات من أصل الكتاب المدخل في الموسوعة: ومن أمثلة
ذلك: كتاب العلل للدارقطني، فإذا فتحت المجلد (11) فإنك لا تجد صفحة (135) وصفحة
(230).
3- إدخال تعليقات المحققين في أصل الكتاب المدخل بحيث يظن غير
المتخصص أن هذا كلام صاحب الكتاب المدخل: ومن أمثلة ذلك: ما فعله مدخلو الموسوعة
الألفية لكتب الحديث في كتاب ((المختارة)) للضياء المقدسي، فإنهم أدخلوا أحكام
المحقق في أثناء الكتاب، فيظن الباحث أنها من أحكام الضياء على الأحاديث، وليس
كذلك.
4- كثرة التحريفات والتصحيفات والسقط في الكتب المدخلة, ولعل بعض ذلك
موجود في أصل الكتاب المدخل.
5- أنك كثيراً تضع كلمة معينة أو
جملة وتبحث في الموسوعة فلا تعطيك نتائج، وتكون متأكداً أن الذي تريده موجود في
كتاب معين، وهذا خلل من البرمجة.
6- إبقاء أسماء من أدخل الكتب في
الموسوعة في بدايات بعض الكتب: ومن أمثلة ذلك: ما جاء في ((مسند البزار)) (6/1):
"مروان أبو عليان مركز سبايدر نت للكمبيوتر".
وفي الختام فإني لا أقلل من أهمية هذة الموسوعات، ولكن
الكتاب هو الأصل ولا يستغنى عنه بحال من الأحوال.
والله الموفق.
وكتب: خالد الحايك
3 محرم 1429هـ.
شاركنا تعليقك