وَهَم
للإمام العُقيليّ!
ترجم الحافظ العقيلي في ((الضعفاء))
(3/3): "عبدالرحمن السُّدي عن داود بن أبي هند. مجهول، ولا يتابع على حديثه،
ولا يُعرف من وجه يصح. حدثنا محمد بن أيوب بن يحيى ابن الضِّريس، قال: حدثنا جندل
بن والق التغلبي، قال: حدثنا أبو مالك الواسطي، عن عبدالرحمن السدي، عن داود بن
أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: ((يقول
الله: اطلبوا الفضول من الرحماء من عبادي تعيشون في أكنافهم، فإني جعلت فيهم رحمتي،
ولا تطلبوها من القاسية قلوبهم فإني جعلت فيهم سخطي)). لا يُتابع عليه من جهة تثبت".
وتابعه على ذلك ابن الجوزي في
((الموضوعات)) (2/158) فأورده من طريق العقيلي.
وتبعه على ذلك أيضاً الذهبي، فقال
في ((المغني في الضعفاء)) (2/390): "عبدالرحمن السدي عن داود بن أبي هند. لا
يعرف، وخبره باطل. ذكره العقيلي". وقال في ((الميزان)) (4/331): "عبدالرحمن
السدي عن داود بن أبي هند. لا يعرف، وأتى بخبر باطل".
قال ابن حجر في ((لسان الميزان))
(3/446): "وقد رواه الطبراني في ((الأوسط)) من طريق محمد بن مروان السدي عن
داود به. وكذا رواه ابن حبان في ((الضعفاء)) (2/286)، والخرائطي في ((مكارم
الأخلاق)) من هذا الوجه. وأظن أن محمد بن مروان يكنى أبا عبدالرحمن، فوقع في رواية
العقيلي "أخبرنا أبو عبدالرحمن السدي"، وسقط من عنده "أبو"
فبقيت عبدالرحمن، وتبيّن بهذا أن لا وجود لصاحب هذه الترجمة. على أن محمد بن مروان
لم ينفرد، بل تابعه عبدالملك بن الخطاب وعبدالغفار[1] بن الحسن بن دينار، وله شاهد من
حديث علي في ((مستدرك الحاكم)). وأما الحسيني فقرأت بخطه: أن الذهبي وهم في أفراده،
وأنه هو عبدالرحمن بن أبي كريمة والد إسماعيل السدي التابعي المشهور، ولم يصب
الحسيني في ذلك؛ فإن إسماعيل أكبر من داود فضلاً عن والده".
قلت: ما ظنه ابن حجر هو اليقين؛
فإن الحديث أخرجه أبو الشيخ في ((طبقات المحدثين بأصبهان)) (3/285)، وأبو نُعيم في
((تاريخ أصبهان)) (2/318) من طريق همام ابن محمد بن محمد بن النعمان، قال: حدثنا
جندل بن والق، قال: حدثنا أبو مالك الواسطي، عن أبي عبدالرحمن السدي، عن داود بن
أبي هند، به.
والحديث أخرجه الطبراني في ((المعجم
الأوسط)) (5/76) قال: حدثنا عبدالرحمن بن معاوية العتبي، قال: حدثنا موسى بن محمد
البلقاوي، قال: حدثنا محمد بن مروان السدي، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي
سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اطلبوا الفضل إلى الرحماء
من أمتي، تعيشوا في أكنافهم، ولا تطلبوها من القاسية قلوبهم؛ فإنهم ينتظرون سخطي)).
قال الطبراني: "لم يرو هذا
الحديث عن داود بن أبي هند إلا محمد بن مروان. تفرد به موسى بن محمد".
وأخرجه القُضاعي في ((مسند الشهاب))
(1/406) من طريق الخرائطي، عن عبدالرحمن بن معاوية العتبي، عن موسى بن محمد، عن
محمد بن مروان وعبدالملك بن الخطاب، قالا: حدثنا داود بن أبي هند، فذكره.
ثُمَّ أخرجه من طريق عبدالغفار بن
الحسن بن دينار، عن داود بن أبي هند، به. ثُمَّ قال: "تفرد به عبدالغفار بن الحسن
بن دينار! وهو غريب".
ورواه تمّام الرازي في ((فوائده))
(2/74) قال: أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد بن فضالة، قال: حدثنا الربيع بن سليمان
المرادي، قال: حدثنا أبو خازم عبد الغفار بن الحسن ابن دينار، قال: أخبرني داود بن
أبي هند، مثله.
قال تمّام: "هكذا في كتاب
ابن فضالة! وقد رواه غيره فأدخل بين أبي خازم وداود رجلاً".
قلت: هذا حديثٌ باطلٌ. ولا تنفع
هذه المتابعات، فهي مسلسلة بالضعفاء والمتهمين! فمحمد بن موسى البلقاوي كذاب، وهو
الراوي عن عبدالملك بن الخطاب، وعبدالملك حاله مستورة، ولكن لا يلزق به الحديث،
وإنما بالراوي عنه وهو البلقاوي هذا. وكذلك محمد بن مروان السدي فهو متروك،
والراوي عنه أبو مالك الواسطي متروك أيضاً (الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي:
3/238). وأما عبدالغفار بن الحسن بن دينار، فقد مشّاه أبو حاتم الرازي (الجرح
والتعديل: 6/54)، وابن حبان في ((الثقات)) (8/421)! ولكن الأكثر على تضعيفه، بل
إنّ بعضهم اتهمه. قال السعدي: "لا يُعتبر بحديثه". وقال ابن عدي: "أحاديثه
غير محفوظة" (الكامل: 5/328). وقال الأزدي: "كذاب" (الضعفاء
والمتروكين لابن الجوزي: 2/112). والصواب في حاله أنه ضعيف، وكأنه كان يسمع من
هؤلاء الضعفاء والكذابين ثم يسقطهم في الرواية، والله أعلم.
وأما الشاهد الذي أشار إليه ابن
حجر: فأخرجه الحاكم في ((المستدرك)) (4/357) من طريق حبان بن علي، عن سعد بن طريف،
عن الأصبغ بن نباتة، عن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((يا علي، اطلبوا المعروف من رحماء أمتي تعيشوا في أكنافهم، ولا تطلبوه من القاسية
قلوبهم فإن اللعنة تنـزل عليهم. يا علي، إن الله تعالى خلق المعروف وخلق له أهلاً
فحببه إليهم، وحبب إليهم فعاله، ووجه إليهم طلابه كما وجه الماء في الأرض الجريبة
لتحيي به ويحيى بها أهلها. يا علي، إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في
الآخرة)).
قال الحاكم: "هذا حديثٌ صحيحُ
الإسناد، ولم يخرجاه".
فتعقبه الذهبي، فقال:
"الأصبغ واه، وحبان ضعفوه".
هامش:
[1] وقع في الأصل:
"عبدالعزيز"، وكذا في نسخة أبي غدة من اللسان (5/153)، وهو خطأ،
والصواب: عبدالغفار بن الحسن بن دينار أبو خَازم، بالخاء، كذا ضبطه ابن ماكولا.
وكتب: خالد الحايك
25 ذو الحجة 1428هـ.
شاركنا تعليقك