«الإِفادات» في بعض السماعات (3)
«نُزهة النّاظر وتُحفة السّامِر» في تحقيق سماع أبي إدريس الخَوْلاني
مِن «حُذيفة بن اليَمان»، و«عُقبة بن عامر»!
الحمد لله ربّ
العالمين، والصلاة والسلام على نبيّه الأمين، وعلى آله وصحبه الغرّ الميامين، ومن
تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين، وبعد:
فكنت قد بيّنت
في بحثي الموسوم بـ «الضّياء الشَّمسِي في عِلّة الحَديث القُدسي: يا عِبادي،
إِنّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي» عدم صحة سماع أبي إدريس الخولاني من
أبي ذرٍّ الغفاري (ت 32هـ) - رضي الله عنه -.
وأشرت فيه أيضاً إلى أن لأبي إدريسَ رواية عن حذيفة بن
اليمان (ت 36هـ)، وعقبة بن عامر (ت 58هـ) - رضي الله عنهما -، وأنّ البخاريّ
أخرج له عن حُذَيْفَةَ بن اليَمَانِ حديثاً، وأنّ مسلماً أخرج له عَنْ حُذَيْفَةَ
بن اليَمَانِ حديثين، وعن عُقْبَة بنِ عَامِرٍ حديثاً واحداً.
·
هل صحّ سماع أبي إدريس الخَولانيّ
من حُذيفة بن اليَمان؟!
ولم أجد أحداً من الأئمة المتقدمين كشعبة وابن معين وابن
المديني وأمثالهم تكلموا على سماع أبي إدريس من حذيفة!
وأثبته بعض من جاء بعدهم، وكأن بعضهم أثبته لتخريج البخاري
ومسلم حديثه عنه في «صحيحيهما»!
قال يعقوب الفسوي (ت277هـ) في «المعرفة والتاريخ» (2/321):
"وسَمِعَ أَبُو إِدْرِيسَ مِنْ حُذَيْفَةَ".
وقال أبو نصرٍ البخاري الكُلاباذي (ت398هـ) في «رجال صحيح
البخاري» (2/594) (941): "عَائِذ الله بن عبدالله بن إِدْرِيس الخَولَانِيّ
الشَّامي: سمع حُذَيْفَة بن اليَمَان، وعبادَة بن الصَّامِت، وَأَبا
الدَّرْدَاء...".
·
زيادة مقحمة في «تاريخ ابن عساكر»!
وروى ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (26/155) قال: أخبرنا أبو
الحسن بن المسلم الفقيه، قال: أخبرنا عبدالعزيز بن أحمد، قال: أخبرنا أبو محمد المعدل،
قال: أخبرنا أبو الميمون البجلي، قال: حدثنا أبو زرعة، قال: حدثني محمد، عن ابن
عيينة، عن الزهري [ح].
وحدثني - القائل هو: أبو زرعة - عبيدالله بن النضر، قال: حدثنا
عبدالرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أبي إدريس الخولاني، قال: "لقيت أبا
الدرداء ووعيت عنه، ولقيت حذيفة بن اليمان، وفاتني معاذ بن جبل".
قال معمر: "ولكن حدثني عنه يزيد بن عميرة".
قلت: كذا جاء في هذا النص بحسب مطبوع كتاب ابن عساكر
"ولقيت حذيفة بن اليمان"!!
وأشار محقق «التاريخ» في الهامش بعد قوله: "ووعيت
عنه": ["بعدها في المطبوعة: "ولقيت عبادة بن الصامت ووعيت عنه
ولقيت شداد بن أوس ووعيت عنه"، وقد سقطت العبارة من الأصل و(م)]".
يعني أن عبارة: "ولقيت حذيفة بن اليمان ليست في
الأصل"!
وقد روى ابن عساكر هذا النص من الطرق نفسها وطرق أخرى وليس
فيها هذه العبارة!
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو محمد ابن الأكفاني، قال: أخبرنا
عبدالعزيز الكتاني، قال: أخبرنا أبو محمد بن أبي نصر، قال: أخبرنا أبو الميمون،
قال: أخبرنا أبو زرعة، قال: قال محمد بن أبي عمر، عن ابن عيينة، عن الزهري، عن أبي
إدريس: "ذكر أنه أدرك عبادة بن الصامت، وأبا الدرداء، وشداد بن أوس، وفاته
معاذ بن جبل".
وقال: حدثنا أبو بكر وجيه بن طاهر، قال: أخبرنا أبو حامد
الأزهري، قال: أخبرنا محمد بن عبدالله بن حمدون، قال: أخبرنا أبو حامد ابن الشرقي،
قال: حدثنا محمد بن يحيى الذهلي، قال: حدثنا عبدالرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن
الزهري، قال: سمعت أبا إدريس الخولاني يقول: "أدركت أبا الدرداء ووعيت عنه،
وأدركت عبادة بن الصامت ووعيت عنه، وأدركت شداد بن أوس ووعيت عنه، وفاتني معاذ بن
جبل".
وهو كذلك في «جامع معمر» كما رواه عنه عبدالرزاق في «مصنفه»
(11/363) (20750) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلاَنِيِّ،
قَالَ: أَدْرَكْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، وَوَعَيْتُ عَنْهُ، وَأَدْرَكْتُ
شَدَّادَ بن أَوْسٍ، وَوَعَيْتُ عَنْهُ، وَأَدْرَكْتُ عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ،
وَوَعَيْتُ عَنْهُ، وَفَاتَنِي مُعَاذُ بن جَبَلٍ، فَأَخْبَرَنِي
يَزِيدُ بن عَمِيرَةَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ يَجْلِسُهُ: «اللهُ
حَكَمٌ قِسْطٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ، هَلَكَ المُرْتَابُونَ، مِنْ وَرَائِكُمْ
فِتَنٌ يَكْثُرُ فِيهَا المَالُ، وَيُفْتَحُ فِيهَا الْقُرْآنُ، حَتَّى يَأْخُذَهُ
الرَّجُلُ وَالمَرْأَةُ، وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ، وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ،
فَيُوشِكُ الرَّجُلُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ، فَيَقُولَ: قَدْ قَرَأْتُ
الْقُرْآنَ، فَمَا لِلنَّاسِ لاَ يَتَّبِعُونِي، وَقَدْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ؟
ثُمَّ يَقُولُ: مَا هُمْ بِمُتَّبِعِيَّ، حَتَّى أَبْتَدِعَ لَهُمْ غَيْرَهُ،
فَإِيَّاكُمْ وَمَا ابْتُدِعَ، فَإِنَّ مَا ابْتُدِعَ ضَلاَلَةٌ، اتَّقُوا زَيْغَة
الْحَكِيمِ، فَإنَّ الشَّيْطَانَ يُلْقِي عَلَى فِي الْحَكِيمِ الضَّلاَلَةَ،
وَيُلْقِي الْمُنَافِقُ كَلِمَةَ الْحَقِّ، قَالَ: قُلْنَا: وَمَا يُدْرِينَا
يَرْحَمُكَ اللهُ أَنَّ المُنَافِقَ يُلْقِي كَلِمَةَ الْحَقِّ، وَأَنَّ الشَّيْطَانَ
يُلْقِي عَلَى فِي الْحَكِيمِ الضَّلاَلَةَ؟ قَالَ: اجْتَنِبُوا مِنْ كَلاَمِ
الْحَكِيمِ كُلَّ مُتَشَابِهٍ، الَّذِي إِذَا سَمِعْتَهُ قُلْتَ: مَا هَذَا؟ وَلاَ
يُثْنِيكَ ذَلِكَ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَعَلَّهُ أَنْ يُرَاجِعَ، وَيُلْقِي الْحَقَّ
إِذَا سَمِعَهُ، فَإنَّ عَلَى الْحَقِّ نُورًا».
وروى البخاري في «التاريخ الأوسط» (1/66) (251)، قال: حَدثنَا
علي بن المديني: حدثَنَا سُفْيَان، عن الزُّهْرِيّ عَن أبي إِدْرِيس قَالَ: "أدْركْت
أَبَا الدَّرْدَاء ووعيت عَنهُ، وَأدْركت شدادا ووعيت عَنهُ، وَأدْركت عبَادَة
ووعيت عَنهُ، وفاتني معَاذ".
قال البخاري: "وتَابعه معمر عَن الزُّهْرِيّ".
وروى يعقوب الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/719) عن أَبي
بَكْرٍ الحميدي، قالَ: وحَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: هَذَا الَّذِي حَفِظْنَا مِنَ
الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ قَالَ: "أَدْرَكْتُ
أَبَا الدَّرْدَاءِ وَوَعَيْتُ عَنْهُ، وَعُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ وَوَعَيْتُ
مِنْهُ، وَشَدَّادَ بنَ أَوْسٍ وَوَعَيْتُ عَنْهُ، وفَاتَنِي مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ".
فَأَخْبَرَنِي فُلَانٌ - قَالَ سُفْيَانُ: وَسَمَّاهُ الزهري فنسيته-، - وقال مَعْمَرٌ
فِي حَدِيثِهِ: فَأَخْبَرَنِي يَزِيدُ بنُ عَميرَةَ: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ
كَانَ لَا يَجْلِسُ مَجْلِسًا إِلَّا قَالَ: «اللَّهُ حَكَمٌ قِسْطٌ، تَبَارَكَ
اسْمُهُ، هَلَكَ المُرْتَابُونَ».
قَالَ سُفْيَانُ:" فَطَالَ الحَدِيثُ فَلَمْ أَحْفَظْ
إِلَّا هَذَا".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ سُفْيَانُ: فَطَالَ الْحَدِيثُ
فَلَمْ أَحْفَظْ إِلَّا هَذَا.
وروى ابن عبدالبر في «التمهيد» (21/125) من طريق أَحْمَد
بن زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيِّ، قَالَ: "أَدْرَكْتُ
عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَوَعَيْتُ عَنْهُ، وَأَدْرَكْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ،
وَوَعَيْتُ عَنْهُ، وَأَدْرَكْتُ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ وَوَعَيْتُ عَنْهُ،
وَفَاتَنِي مُعَاذُ بْنِ جَبَلٍ".
قلت: فهذه الطرق عن الزهري ليس فيها أن أبا إدريس لقي
حذيفة بن اليمان، فيكون ما في «تاريخ ابن عساكر» "ولقيت حذيفة اليمان"
مقحمة في النسخة، ولا تصح.
ولم يسمع من معاذ بن جبل وفاته كما صرّح هو، وروى عنه
بواسطة.
·
حديث أبي إدريس عن معاذ! وهل سمع
منه؟!
وتقدم ذكر الحديث الذي يرويه أبو إدريس عن معاذ بواسطة
يزيد بن عَميرة.
قال علي بن عثمان بن نفيل: حدثنا أبو مسهر: سمعت سعيدا -
يعني: ابن عبدالعزيز التنوخي-: قال: "ولد أبو إدريس الخولاني عام حنين، وينكر
أن يكون سمع من معاذ بن جبل".
وقال أبو زرعة الدمشقي: سمعت أبا مسهر يقول: "كان
سعيد بن عبدالعزيز يُنكر أن يكون أبو إدريس سمع من معاذ شيئا".
وتوفي معاذ بن جبل سنة ثمان عشرة، وقيل: سبع عشرة.
قال أبو زرعة: قلت لعبدالرحمن بن إبراهيم - دُحيم-: أي سنة
كانت حنين؟ قال: سنة ثمان.
قال أبو زرعة: "فإذا كان مولد أبي إدريس عام حنين وهي
في سنة ثمان من التاريخ فكان أبو إدريس لوفاة معاذ بن جبل ابن عشر سنين أو أقل،
وأبو إدريس إذا تحدث عن معاذ بن جبل من حديث الثقات الزهري وربيعة بن يزيد أدخلا
يزيد بن عميرة الزبيدي".
وقال أبو زرعة: "وأبو إدريس أروى عن التابعين من جبير
بن نفير، حدث أبو إدريس عن أبي مسلم الخولاني، وعبدالرحمن بن غنم، ويزيد بن عميرة،
ومرثد الخولاني صاحب الكتب، وحسان بن الضمري، وابن الديلمي، فأما معاذ بن جبل لم
يصح له منه سماع، وإذا حدث أبو إدريس عن معاذ أسند ذلك إلى يزيد بن عميرة الزبيدي".
[تاريخ دمشق لابن عساكر (26/154)].
·
مخالفة الطحاوي وابن عبدالبر في
مسألة سماع أبي إدريس من معاذ!
لكن خالف الطحاوي وابن عبدالبر في ذلك وذهبا إلى أن أبا
إدريس سمع من معاذ بن جبل وذلك لما جاء في الحديث عَنْه أَنَّهُ قَالَ: «دَخَلْتُ
مَسْجِدَ دِمَشْقَ فَإِذَا فَتًى شَابٌّ بَرَّاقُ الثَّنَايَا وَإِذَا
النَّاسُ مَعَهُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوهُ إِلَيْهِ وَصَدَرُوا
عَنْ قَوْلِهِ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقِيلَ هَذَا مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ...
الحديث».
قال الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (10/38): "فَتَأَمَّلْنَا
هذا الحَدِيثَ فِي إِسْنَادِهِ، فَوَجَدْنَا فِيهِ ذِكْرَ لِقَاءِ أَبِي إِدْرِيسَ
مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، وَسَمَاعَهُ مِنْهُ بِمَا ذَكَرَ مِنْ سَمَاعِهِ إِيَّاهُ
مِنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ وَجَدْنَا عَنْهُ مَا قَدْ ظَنَّ بَعْضُ
النَّاسِ أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ ذَلِكَ، وَدَفَعَ أَنْ يَكُونَ أَبُو إِدْرِيسَ
لَقِيَ مُعَاذًا.."، ثم ساق ما رواه الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ
الْخَوْلَانِيِّ أنه قال: "أَدْرَكْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَوَعَيْتُ
عَنْهُ، وَأَدْرَكْتُ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ، وَوَعَيْتُ عَنْهُ، وَعَدَّ نَفَرًا
مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَاتَنِي
مُعَاذٌ..".
ثم قال: "فكَانَ مَا تَوَهَّمَ مَنْ حَكَيْنَا عَنْهُ
مَا حَكَيْنَا مِنْ دَفْعِهِ لِقَاءَ أَبِي إِدْرِيسَ مُعَاذًا بِمَا فِي هَذَا
الْحَدِيثِ لَا يُوجِبُ مَا تَوَهَّمَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ
إِخْبَارُ أَبِي إِدْرِيسَ بِلِقَائِهِ عُبَادَةَ وَوَعْيِهِ عَنْهُ، وَلِقَائِهِ
شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ وَوَعْيِهِ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَفَاتَنِي مُعَاذٌ،
فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: فَاتَنِي، أَيْ: فَاتَنِي أَنْ
أَعِيَ كَمَا وَعَيْتُ عَنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا قَبْلَهُ، لَا أَنَّهُ لَمْ
يَلْقَهُ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ ذَلِكَ بِهِ مَعَ عَدْلِهِ رَحِمَهُ
اللهُ فِي نَفْسِهِ، وَمَعَ ضَبْطِهِ فِي رِوَايَتِهِ، وَمَعَ جَلَالَةِ مَنْ
حَدَّثَ بِذَلِكِ عَنْهُ، وَهُمْ أَبُو حَازِمِ بْنُ دِينَارٍ، وَعَطَاءُ بْنُ
عَبْدِاللهِ الْخُرَاسَانِيُّ، وَيُونُسُ بْنُ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ،
وَالْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، وَهَؤُلَاءِ جَمِيعًا أَئِمَّةٌ مَقْبُولَةٌ
رِوَايَتُهُمْ غَيْرُ مَدْفُوعِينَ عَنِ الْعَدْلِ فِيهَا، وَالضَّبْطِ لَهَا،
وَالثَّبْتِ فِيهَا، وَإِنَّهُ لَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَحْمِلَ رِوَايَةَ مَنْ
هَذِهِ سَبِيلُهُ عَلَى مَا يَنْفِي عَنْهَا التَّضَادَّ، مَا وَجَدْنَا إِلَى
ذَلِكَ سَبِيلًا".
وقال ابن عبدالبر في «التمهيد» (21/125): "وفِي هذا
الحَدِيثِ لِقَاءُ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ لِمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ وَسَمَاعُهُ
مِنْهُ، وَهُوَ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، ولَكِنَّ لِقَاءَ أَبِي إِدْرِيسَ هَذَا
لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ: فَطَائِفَةٌ تَنْفِيهِ، وَطَائِفَةٌ لَا تُنْكِرُهُ
مِنْ أَجْلِ هَذَا الحَدِيثِ وَغَيْرِهِ، وَمَنْ نَفَاهُ احْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ
مَعْمَرٌ وَابنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِدْرِيسَ
الْخَوْلَانِيَّ يَقُولُ: «أَدْرَكْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَفُلَانًا
وَفُلَانًا وَفَاتَنِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَحَدَّثَنِي أَصْحَابُ مُعَاذٍ عَنْ
مُعَاذٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ». وَلِهَذَا الخَبَرِ عَنِ الزُّهْرِيِّ زَعَمَ
قَوْمٌ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ خَطَأٌ! فَقَالَ قَوْمٌ: وَهِمَ فِيهِ مَالِكٌ،
وَأَسْقَطَ مِنْ إِسْنَادِهِ أَبَا مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيَّ، وَزَعَمُوا أَنَّ
أَبَا إِدْرِيسَ رَوَاهُ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ عَنْ مُعَاذٍ، وَقَالَ آخَرُونَ:
وَهِمَ فِيهِ أَبُو حَازِمٍ وَغَلَطَ فِي قَوْلِهِ «عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ
الْخَوْلَانِيِّ أَنَّهُ لَقِيَ مُعَاذَ بْنَ جبل»!".
ثم قال ابن عبدالبر: "هذا كُلُّهُ تَخَرُّصٌ وَتَظَنُّنٌ
لَا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ مَالِكٍ جَمَاعَةٌ عَنْ
أَبِي حَازِمٍ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ سَوَاءٌ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي إدريس
من وجوه شتى غير طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ أَنَّهُ لَقِيَ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ
وَسَمِعَ مِنْهُ فَلَا شَيْءَ فِي هَذَا عَلَى مَالِكٍ ولَا عَلَى أَبِي حَازِمٍ
عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ بالحَدِيثِ وَالِاتِّسَاعِ فِي عِلْمِهِ وَإِذَا صَحَّ
عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ أَنَّهُ لَقِيَ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ فَيُحْتَمَلُ مَا حَكَاهُ
ابْنُ شِهَابٍ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ فَاتَنِي مُعَاذٌ = يُرِيدُ فَوْتَ لُزُومٍ
وَطُولَ مُجَالَسَةٍ أَوْ فَاتَنِي فِي حَدِيثِ كَذَا أَوْ مَعْنَى كَذَا،
وَاللَّهُ أَعْلَمُ".
ثم قال: "فَهَذَا عَطَاءٌ الخُرَاسَانِيُّ، وَشَهْرُ
بنُ حَوْشَبٍ، والوليد بن عبدالرحمن الجرَشِيُّ يَقُولُونَ: عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ
الْخَوْلَانِيِّ مَا قَالَ أَبُو حَازِمٍ عَنْهُ مِنْ لِقَائِهِ مُعَاذَ بْنَ
جَبَلٍ وَسَمَاعِهِ مِنْهُ، وغَيْرُ نَكِيرٍ لِقَاءُ أَبِي إِدْرِيسَ لِمُعَاذٍ
لِأَنَّ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيَّ وُلِدَ عَامَ حُنَيْنٍ وَوَلِيَ قَضَاءَ
دِمَشْقَ وَالشَّامِ بَعْدَ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا
وَاسِطَةٌ وَفَضَالَةُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلِيَ القَضَاءَ بَعْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ...
وسُئِلَ الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: هَلْ لَقِيَ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ
مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ؟ فَقَالَ: نَظُنُّ أَنَّ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيَّ
لَقِيَ مُعَاذًا وَأَبَا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ وهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ،
ثُمَّ قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بنُ عَبْدِالعَزِيزِ وُلِدَ أَبُو إِدْرِيسَ
الْخَوْلَانِيُّ أَيَّامَ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، قَالَ الْوَلِيدُ: وَلَقِيَ أَبُو
إِدْرِيسَ أَبَا ثَعْلَبَةَ وَأَبَا الدرداء وشداد ابن أَوْسٍ وَعُبَادَةَ بْنَ
الصَّامِتِ وَغَيْرَهُمْ".
ثم قال: "وقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَبُو
إِدْرِيسَ وَأَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلَانِيَّانِ عَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
مَا رُوِيَ فِي هَذَا البَابِ عَنْهُمَا مَعَ مُعَاذٍ وَعُبَادَةَ، وَاللَّهُ
أَعْلَمُ بِالصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ وَلَا يَقْطَعُ عَلَى خَبَرِ الْآحَادِ. وأَمَّا
إِسْنَادُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ فَصَحِيحٌ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ
الْأَسَانِيدِ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ وَلَا عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ مِثْلَهُ وَلَا ما
يحلق بِهِ" انتهى.
وقال في «الاستذكار» (8/451): "وَفِي هَذَا
الْحَدِيثِ لِقَاءُ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ
وَسَمَاعُهُ مِنْهُ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ لَا مَطْعَنَ فِيهِ
لَأَحَدٍ، وَقَدْ عَدَّهُ بَعْضُ مَنْ لَمْ تَتَّسِعْ رِوَايَتُهُ وَلَا عَظُمَتْ
عِنَايَتُهُ بِهَذَا الشَّأْنِ غَلَطًا مِنْ أَبِي حَازِمٍ أَوْ مِمَّنْ دُونَهُ
وَاحْتَجَّ بما رواه معمر وابن عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ
قَالَ أَدْرَكْتُ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ وَأَبَا الدَّرْدَاءِ وَشَدَّادَ بْنَ
أَوْسٍ وَوَعَيْتُ عَنْهُمْ وَفَاتَنِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ
أَبِي إِدْرِيسَ مِنْ طُرُقٍ شَتَّى صِحَاحٌ كُلُّهَا لِقَاؤُهُ لِمُعَاذِ بْنِ
جبل" انتهى.
قلت: روى أبو إدريس عن معاذ بواسطة يزيد بن عَميرة
الزبيدي.
روى معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس
الخولاني، عن يزيد بن عميرة الزبيدي أنه قال: "لما حضر معاذ بن جبل الموت،
قلنا له: يا أبا عبدالرحمن، أوصنا، قال: أجلسوني، قال: «إن العلم والإيمان مكانهما
من ابتغاهما وجدهما، إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما، إن العلم
والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما، فالتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر
أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبدالله بن مسعود، وعند عبدالله بن سلام
الذي كان يهوديا فأسلم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه عاشر
عشرة في الجنة»".
ورواه زَيْدُ بنُ رُفَيْعٍ، عَنْ مَعْبَدٍ الجُهَنِيِّ، عَنْ
يَزِيدَ بْنِ عَمِيرَةَ السَّكْسَكِيِّ. وَكَانَ تِلْمِيذًا لِمُعَاذٍ: أَنَّ مُعَاذًا
أَمَرَهُ أَنْ يَطْلُبَ العِلْمَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: «عَبْدِاللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ،
وعَبْدِاللَّهِ بنِ سَلامٍ، وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، وعُوَيْمِرٍ أَبِي
الدَّرْدَاءِ».
ورواه أَيُّوبُ السختياني، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ
يَزِيدَ بنِ عَمِيرَةَ، عن مُعَاذٍ، مِثْلَهُ.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي - يعني عن ذلك -؟ فقال: "يختلفون
فيه، فأما الذي عندي فلم يسمع منه".
وقال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (5/86): "قلت: إذا
كان ولد في غزوة حنين وهي في أواخر سنة ثمان، ومات معاذ سنة ثمان عشرة، فيكون سنة
حين مات معاذ تسع سنين ونصفا أو نحو ذلك فيبعد في العادة أن يجاري معاذاً في
المسجد هذه المجاراة أو يخاطبه هذه المخاطبة على ما اشتهر من عادتهم أنه لا يطلبون
العلم إلا بعد البلوغ، والجمع الذي جمع به ابن عبدالبر قد سبقه إليه الطحاوي في
مشكله وساقه من طرق كثيرة إلى أبي إدريس أنه سمع معاذاً وعبادة بالقصة المذكورة".
·
حديث: «وَجَبَتْ مَحَبَّتِي...».
والقصة التي رُويت أن أبا إدريس رأى فيها معاذا في المسجد
رُويت أيضاً عن أبي مسلم الخولاني، ومن هنا أشار بعض أهل العلم أن بعضهم وهم فقال:
"عن أبي إدريس الخولاني" بدل "عن أبي مسلم الخولاني"! أو أن
أبا إدريس سمعها من أبي مسلم، فسقط أبا مسلم من الإسناد! وكلّ هذا فيه نظر!!
قال ابن أبي حاتم في «العلل» (5/92) (1830): وسمعتُ أَبِي
وحدَّثنا عَنْ حَرْمَلَة، عن ابن وَهْب، عن سعيد بن عبدالرحمن الجُمَحي، عَنْ
أَبِي حَازِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنكَدِر، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلاني؛
قَالَ: «جلستُ مَجْلِسًا بِالشَّامِ فِيهِ نفرٌ مِنْ أَصْحَابِ النبيِّ صلى الله
عليه وسلم فِيهِمْ فَتًى - فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ معاذُ بْنُ جَبَل - فَقَالَ:
سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: قال اللهُ عزَّ وجلَّ: وَجَبَتْ
مَحَبَّتِي...»، وذَكَرَ الحديثَ.
فقالَ أَبِي: "منهُم من يَقُولُ بدلَ أبي إدريس: «أبي
مسلم»".
قلت: كأن أبا حاتم يُرجّج أنه "عن أبي مسلم" لا
"عن أبي إدريس"! وفيه نظر أيضاً كما سيأتي بيانه لاحقاً إن شاء الله.
أما حديث أبي إدريس:
فرواه عنه جماعة:
قال أبو نُعيم في «الحلية» (5/127) بعد أن رواه من طريق أَبِي
حَازِمِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيِّ: "مَشْهُورٌ
ثَابِتٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ مُعَاذٍ، وَمِمَّنْ رَوَى هذا الحَدِيثَ
عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ: شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ، وَيزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيمَ،
وَشُرَيْحُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَعَطَاءٌ الخُرَاسَانِيُّ، وَيونُسُ بنُ مَيْسَرَةَ،
ومُحَمَّدُ بنُ قَيْسٍ فِي آخَرِينَ".
قلت: ورواه عن أبي إدريس أيضاً: ربيعة بن يزيد الإيادي
القصير الدمشقي، والوليد بن عبدالرحمن الجُرَشي الحمصي.
أما حديث أبي حازم بن دينارٍ المدنيّ:
فرواه مالكٌ في «الموطأ» (2/953) (16) عَنْ أَبِي حَازِمِ
بنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ
مَسْجِدَ دِمَشْقَ فَإِذَا فَتًى شَابٌّ بَرَّاقُ الثَّنَايَا، وَإِذَا
النَّاسُ مَعَهُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوا إِلَيْهِ، وَصَدَرُوا
عَنْ قَوْلِهِ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيلَ هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ،
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ هَجَّرْتُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ،
وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، قَالَ: فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ، ثُمَّ
جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ: وَاللَّهِ
إِنِّي لَأُحِبُّكَ لِلَّهِ، فَقَالَ: أَاللَّهِ؟ فَقُلْتُ: أَاللَّهِ، فَقَالَ:
أَاللَّهِ؟ فَقُلْتُ: أَاللَّهِ، فَقَالَ: أَاللَّهِ؟ فَقُلْتُ: أَاللَّهِ. قَالَ:
فَأَخَذَ بِحُبْوَةِ رِدَائِي فَجَبَذَنِي إِلَيْهِ، وَقَالَ: أَبْشِرْ فَإِنِّي
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «قَالَ
اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ،
وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ
فِيَّ».
ورواه عبدالله بن وهب في «الجامع» (234). [ورواه
الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (10/33) (3890) عن يونس بن عبدالأعلى الصدفي، عن ابنِ
وَهْبٍ].
وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (3/440) عن مَعْن بن
عِيسَى.
ورواه أحمد في «مسنده» (36/359) (22030) عن رَوْح بن
عبادة، وإِسْحَاق بن عِيسَى الطباع.
ورواه عبد بن حميد في «مسنده» [كما في «المنتخب» منه (1/152)
(125). وأبو نُعيم في «الحلية» (5/127) من طريق مُحَمَّد بن غَالِبِ بنِ حَرْبٍ.
والطبراني في «المعجم الكبير» (20/80) (150) عن عَلِيّ بن عَبْدِالعَزِيزِ.
والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (10/34) (3891) عن إِبْرَاهِيم بن مَرْزُوقٍ.
والشاشي في «مسنده» (3/279) (1383) عن مُحَمَّد بن عَلِيٍّ أَبي جَعْفَرٍ
البَغْدَادِيّ. والبيهقي في «شعب الإيمان» (11/310) (8579) من طريق عُثْمَان بن سَعِيدٍ.
كلهم عن عَبْداللهِ بن مَسْلَمَةَ بنِ قَعْنَبٍ القَعْنَبِيّ.
ورواه أبو نُعيم في «الحلية» (5/127) من طريق قُتَيْبَة
بن سَعِيدٍ البلخي.
ورواه أَبُو مُصْعَبٍ الزهري [كما في روايته لموطأ
مالك (2/133) (2007)]. [ورواه ابن حبان في «صحيحه» (2/335) (575) عن الحُسَيْن بن
إِدْرِيسَ الْأَنْصَارِيّ. ورواه البغوي في «شرح السنة» (13/49) (3463) من طريق أَبي
إِسْحَاقَ الهَاشِمِيّ. كلاهما عن أَبي مُصْعَبٍ أَحْمَد بن أَبِي بَكْرٍ].
ورواه القُضاعي في «مسند الشهاب» (2/322) (1449) عن أَبي
النُّعْمَانِ تُرَاب بن عُمَرَ بنِ عُبَيْدٍ. وابن عبدالبر في «التمهيد» (21/126)
عن عبدالرحمن بن يَحْيَى وأَحْمَد بن فَتْحٍ. ثلاثتهم عن أَبي القَاسِمِ حَمْزَة
بن مُحَمَّدٍ الكِنَانِيّ، عن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيمَ بنِ جَابِرٍ القَطَّان، عن
سَعِيد بن أَبِي مَرْيَمَ.
ورواه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (3/416) (1828) عن
يَعْقُوب بن حُمَيْد بن كاسبٍ، عن إِسْمَاعِيل بن عَبْدِاللَّهِ ابن أبي أويس،
وعَبْداللَّهِ بن نَافِعٍ الزبيريّ.
ورواه الحاكم في «المستدرك» (4/186) (7314) من طريق إِسْحَاق
بن سُلَيْمَانَ الرَّازِيّ.
كلهم (ابن وهب، ومعن، وروح، وإسحاق بن عيسى، والقعنبي،
وقتيبة، وأبو مصعب، وسعيد، وإِسْمَاعِيل بن أبي أويس، وعَبْداللَّهِ بن نَافِع، وإسحاق
الرازي) عن مَالِك بن أَنَسٍ، به.
ورواه ابن عبدالبر في «التمهيد» (21/126) من طريق سَعِيدُ
بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عن ابن أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
إِدْرِيسَ بِنَحْوِهِ.
قال ابن عبدالبر: "فَهَذَا ابنُ أَبِي حَازِمٍ قَدْ
رَوَاهُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ، وَحَسْبُكَ بِروايةِ مَالِكٍ
مَعَ حِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ وَثِقَتِهِ".
وقَالَ أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي عَاصِمٍ: "وَقَدْ
وَهِمَ أَبُو إِدْرِيسَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذٍ وَلَا رَآهُ، قَالَ
الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ قَالَ: فَاتَنِي مُعَاذٌ لَمْ أَلْقَهُ
فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عُمَيْرَةَ عَنْهُ".
وقال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ
الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَقَدْ جَمَعَ أَبُو إِدْرِيسَ بِإِسْنَادٍ
صَحِيحٍ بَيْنَ مُعَاذٍ وَعَبَّادِ بنِ الصَّامِتِ فِي هذا المَتْنِ".
وقَال ابن عَبدالبَرِّ: "سماع أبي إدريس من معاذ،
عندنا صحيح، من رِوَايَة أبي حازم وغيره، فلعل رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَنْهُ،
أَنَّهُ قال: فاتني معاذ بْن جبل، أراد فِي معنى من المعاني، وأما لقاؤه وسماعه
منه فصحيح غَيْر مدفوع، وقَدْ سئل الوَلِيد بْن مُسْلِم - وكَانَ عالما بأيام أَهل
الشام - هل لقي أَبُو إدريس الخولاني معاذ بْن جبل؟ فَقَالَ: نعم، أدرك معاذ بن
جبل، وأبا عُبَيدة، وهُوَ ابْن عشر سنين، ولد يَوْم حنين، سمعت سَعِيد بن عَبْدالعزيز
يَقُول ذَلِكَ".
قلت: لا أعرف لأبي حازم بن دينار رواية عن أبي إدريس
الخولاني إلا في هذا الحديث، ولم يلقه! وأبو حازم دخل دمشق بعد وفاة أبي إدريس
التي كانت سنة (80هـ).
روى ابن عساكر في «تاريخه» (22/17) من طريق سفيان الثوري،
عن أبي الزناد، عن أبي حازم قال: "قدمت على عمر بن عبدالعزيز وهو بِخُنَاصِرَةَ...".
فأبو حازم قدم الشام على الخليفة عمر بن عبدالعزيز وهو بِخُنَاصِرَةَ
- وهو موضع بالشام قريب من حلب - ما بين سنة (99) إلى سنة (101هـ)؛ لأن خلافته
كانت سنتين وعدة شهور، وأبو إدريس مات سنة (80هـ)، فلم يلقه أبو حازم، فحديثه عنه
مرسل.
·
مخالفة سعيد بن عبدالرحمن الجُمحي
المدني لمالك!
وقد رواه ابن أبي حاتم في «العلل» (5/92) (1830) عن أَبِيه،
عَنْ حَرْمَلَة بن يحيى التُّجيبي، عن ابن وَهْب، عن سعيد بن عبدالرحمن الجُمَحي،
عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنكَدِر، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ
الخَوْلاني، به.
فخالف فيه سعيد مالكاً وزاد في إسناده «محمد بن المنكدر»!!
فوهم! وهو صدوق يهم في الشيء بعد الشيء، ولا يُقارن بمالك.
وأما حديث شَهْر بن حَوْشَبٍ الشّاميّ:
فرواه عنه جماعة، واختلفوا عليه في متنه وإسناده!
فرواه عَبْدُاللهِ بنُ
عَبْدِالرَّحْمِنِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ،
عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«الْمُتَحَابُّونَ فِي اللهِ فِي ظِلِّ عَرْشِ اللهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا
ظِلُّهُ، يَفْزَعُ النَّاسُ وَلَا يَفْزَعُونَ، وَيَخَافُ النَّاسُ وَلَا
يَخَافُونَ».
قَالَ: فَقُمْتُ مِنْ عِنْدِهِ فَأَتَيْتُ عُبَادَةَ بْنَ
الصَّامِتِ، فَقَالَ عُبَادَةُ: وَخَيْرٌ مِنهَا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ،
وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي للمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي
لِلْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ».
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (20/81) (154) عن حَفْص
بن عُمَرَ بنِ الصَّبَّاحِ الرَّقِّيّ، عن عَبْداللهِ بن جَعْفَرٍ الرَّقِّيّ، عن
ابن أبي حسين، به.
ورواه نُعيم بن حماد في زوائده على كتاب «الزهد» (2/55) عن
عُبَيْدِاللَّهِ بن أَبِي زِيَادٍ قالَ: حدثنا شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ،
عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ غَنْمٍ، أَوِ الصُّنَابِحِيِّ أَوْ غَيْرِهِمَا قَالَ:
دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا بِضْعَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كُلُّهُمْ يُحَدِّثُ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَلَسْتُ مَعَهُمْ سَاعَةً،
وَكَانَ فِيهِمْ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ زِمِّيتٌ لَا يَكَادُ يُحَدِّثُهُمْ
بِشَيْءٍ حَتَّى يَسْأَلُوهُ عَنْهُ، لَمْ أَعْرِفْهُ، ثُمَّ قُمْتُ لِحَاجَةٍ،
فَأَخَذَتْنِي نَدَامَةٌ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ أَلْتَمِسُهُمْ، فَلَمْ
أَجِدْ أَحَدًا مِنْهُمْ، فَمَكَثْتُ حَتَّى تَعَالَى النَّهَارُ، وَزَالَتِ
الشَّمْسُ، فَإِذَا أَنَا بِالرَّجُلِ الْحَسَنِ الْهَيْئَةِ، فَإِذَا هُوَ
مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَقُلْتُ: هَذَا الَّذِي كَانُوا يَنْتَهُونَ إِلَيْهِ،
فَعَمَدَ إِلَى سَارِيَةٍ فَصَلَّى، فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَصَلَّيْتُ
رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسْتُ، فَظَنَّ أَنَّ بِي حَاجَةً، فَصَلَّى ثُمَّ
انْصَرَفَ، فَجَلَسْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَهُ، فَمَكَثْتُ
سَاعَةً لَا أَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ، وَلَا يُحَدِّثُنِي شَيْئًا، فَقُلْتُ: أَلَا
تُحَدِّثُنِي رَحِمَكَ اللَّهُ؟، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ لِجَلَالِ
اللَّهِ، وَأُحِبُّ حَدِيثَكَ قَالَ: آللَّهِ إِنَّكَ لَتُحِبُّنِي لِجَلَالِ
اللَّهِ، وَتُحِبُّ حَدِيثِي؟، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ لِجَلَالِ
اللَّهِ وَأُحِبُّ حَدِيثَكَ، فَقَالَهَا ثَلَاثًا، فَأَخَذَ بِحِبْوَتِي حَتَّى
مَسَّتْ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَبْشِرْ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا،
فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«إِنَّ الَّذِينَ يَتَحَابُّونَ لِجَلَالِ اللَّهِ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّ
عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ»، فَقُمْتُ مِنْ عِنْدِهِ فَرِحًا
بِهَا، فَلَقِيتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، فَقُلْتُ: إِنَّ مُعَاذًا حَدَّثَنِي
كَذَا وَكَذَا، أَفَسَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ، يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ أَنَّهُ قَالَ: «حَقَّتْ مَحَبَّتِي
لِلَّذِينَ يَتَحَابُّونَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَجَالَسُونَ
فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَبَاذَلُونَ فَيَّ، وَحَقَّتْ
مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَصَافُّونَ فَيَّ».
ورواه عَبْدُالحَمِيدِ بن
بَهْرَامَ عن شهر، واختلف عليه:
فرواه عبدالله بن المبارك [«الزهد» له (715)]، ويَعْقُوبُ
بنُ نَصْرٍ [البزار في «مسنده» (7/116) (2672)]، وأَبُو الوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ
[الطبراني في «المعجم الكبير» (20/78) (144)]، وأَسَدُ بنُ مُوسَى [ابن عبدالبر في
«التمهيد» (21/127)]، كلهم عن عَبْدالحَمِيدِ بن بَهْرَامَ، عَنْ شَهْرِ
بنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَائِذُ اللهِ، قَالَ: قُلْتُ لِمُعَاذٍ:
إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَأُحِبُّ حَدِيثَكَ، قَالَ: أَبْشِرْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الَّذِينَ
يَتَحَابُّونَ مِنْ جَلَالِ اللهِ فِي ظِلِّ عَرْشِ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا
ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ».
ولفظ حديث يعقوب بن نصر: «أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ
يَوْمًا مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ...
كَانُوا أَوَّلَ إِمَارَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: فَجَلَسْتُ مَجْلِسًا
فِيهِ بِضْعَةٌ وَعِشْرُونَ كُلُّهُمْ يَذْكُرُونَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْحَلْقَةِ فَتًى شَابٌّ شَدِيدُ الْأُدْمَةِ
حُلْوُ الْمِنْطَقِ وَضِيءٌ، وَهُوَ أَشَبُّ الْقَوْمِ شَبَابًا فَإِذَا اشْتَبَهَ
عَلَيْهِمْ مِنَ الْحَدِيثِ شَيْءٌ رَدُّوهُ إِلَيْهِ فَحَدَّثَهُمْ حَدِيثَهُمْ
فَبَيْنَمَا عَائِذُ اللَّهِ جَالِسٌ مَعَهُمْ فِي حَلْقَتِهِمْ أُقِيمَتِ
الصَّلَاةُ فَفَرَّقَتْ بَيْنَهُمْ فَأَقْسَمَ لِي مَا مَرَّتْ عَلَيْهِ لَيْلَةٌ
مِنَ الدَّهْرِ لَا مَرَضٌ شَدِيدٌ سَقَّمَهُ، وَلَا حَاجَةٌ مُهِمَّةٌ أَطْوَلَ
عَلَيْهِ مِنْ تِلْكِ اللَّيْلَةِ رَجَاءَ أَنْ يُصْبِحَ فَتَلَقَّاهُمْ قَالَ:
قَالَ فَغَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلَ، وَأَدْبَرَ فَلَمْ يُصَادِفْ
مِنْهُمْ أَحَدًا، ثُمَّ هَجَّرَ الرَّوَاحَ فَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ فَإِذَا هُوَ بِالْفَتَى
الَّذِي كَانَ بِالْأَمْسِ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِحَدِيثِهِمْ يُصَلِّي إِلَى
أُسْطُوَانَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَامَ عَائِذُ اللَّهِ إِلَى الْأُسْطُوَانَةِ
الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ أَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَيْهَا
فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ حَتَّى عَلِمَ أَنَّ لِيَ إِلَيْهِ حَاجَةً قَالَ:
قُلْتُ قَدْ صَلَّيْتَ أَصْلَحَكَ اللَّهَ؟، فَقَالَ الْفَتَى: نَعَمْ، قُلْتُ:
فَقُمْتُ فَجَلَسْتُ مُقَابِلَهُ مُحْتَبِيًا لَا هُوَ يُحَدِّثُنِي شَيْئًا وَلَا
أَنَا أَبْدَأُهُ بِشَيْءٍ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ الصَّلَاةَ مُفَرِّقَةٌ
بَيْنَنَا، قَالَ: قُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ حَدِّثْنِي فَوَاللَّهِ إِنِّي
لَأُحِبُّكَ وَأُحِبُّ حَدِيثَكَ قَالَ: آلِلَّهِ إِنَّكَ لَتُحِبُّنِي وَتُحِبُّ
حَدِيثِي؟، قُلْتُ: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنِّي لَأُحِبُّكَ
وَأُحِبُّ حَدِيثَكَ، فَقَالَ الْفَتَى: لِمَ تُحِبُّنِي وَتُحِبُّ حَدِيثِي
وَاللَّهِ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَرَابَةٌ وَلَا أَعْطَيْتُكَ مَالًا؟ قَالَ:
قُلْتُ: أُحِبُّكَ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ، قَالَ لَهُ: إِنَّكَ لَتُحِبُّنِي مِنْ
جَلَالِ اللَّهِ؟، قُلْتُ لَهُ: وَاللَّهِ لَأُحِبُّكَ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ،
قَالَ: فَأَخَذَ بِحُبْوَتِي فَبَسَطَهَا إِلَيْهِ حَتَّى أَدْنَانِي مِنْهُ ثُمَّ
قَالَ: أَبْشِرْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الَّذِينَ يَتَحَابُّونَ بِجِلَالِ اللَّهِ فِي ظِلِّ
عَرْشِ اللَّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ». فَلَمَّا حَدَّثَنِي بِهَذَا
الْحَدِيثِ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ قَالَ: قُلْتُ مَنْ أَنْتَ يَا عَبْدَاللَّهِ؟،
قَالَ: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَكَانَ عَائِذُ اللَّهِ يُكْثِرُ أَنْ يُحَدِّثَ
حَدِيثَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ».
ورواه أَحْمَدُ بنُ يُونُسَ [عبد بن حميد في «مسنده»
(المنتخب منه) (1/250) (304)]، وعبدالله بن المبارك [«الزهد» له (716)]، وعَلِيُّ
بنُ الجَعْدِ [ابن أبي الدنيا في «الإخوان» (8)]، وهاشم بن القاسم [أحمد في «مسنده»
(32/183) (19438)] كلهم عن عَبْدِالحَمِيدِ بنِ بَهْرَامَ، قال: حدثَنَا شَهْرُ
بنُ حَوْشَبٍ، قال: أَخْبَرَنِي أَبُو ظَبْيَةَ: أَنَّ شُرَحْبِيلَ بنَ السِّمْطِ
دَعَا عَمْرَو بن عبسة السلمي فقال: يا ابن عَبَسَةَ، هَلْ أَنْتَ مُحَدِّثِي
حَدِيثًا سَمِعْتَهُ أَنْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَيْسَ فِيهِ تَزَيُّدٌ وَلَا كَذِبٌ، وَلَا تُحَدِّثْنِيهِ عَنْ آخَرَ سَمِعَهُ
مِنْهُ غَيْرُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: "قال الله عز وجل: قَدْ حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ
يَتَحَابُّونَ مِنْ أَجْلِي، وَقَدْ حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَبَاذَلُونَ
مِنْ أَجْلِي، وَقَدْ حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَنَاصَرُونَ مِنْ أَجْلِي،
وَقَدْ حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَنَاصَفُّونَ مِنْ أَجْلِي، وَقَدْ
حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَزَاوَرُونَ مِنْ أَجْلِي".
قَالَ عَمْرُو بنُ عَبَسَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "أَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ رَمَى
بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فبلغ - مخطئا أو مصيبا- فله مِنَ الْأَجْرِ كَرَقَبَةٍ
أَعْتَقَهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ شَابَ شَيْبَةً فِي
الْإِسْلَامِ فَهِيَ لَهُ نور، وأيما رجل مسلم أَعْتَقَ رَجُلًا مُسْلِمًا فَكُلُّ
عُضْوٍ مِنَ الْمُعْتَقِ بِعُضْوٍ مِنَ الْمُعْتِقِ فِدَاءٌ لَهُ مِنَ النَّارِ،
وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتِ امْرَأَةً مُسْلِمَةً فَكُلُّ عُضْوٍ
مِنَ الْمُعْتَقَةِ بِعُضْوٍ مِنَ الْمُعْتِقَةِ فِدَاءٌ لَهَا مِنَ النَّارِ،
وَأَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ قَدَّمَ الله لَهُ مِنْ صُلْبِهِ ثَلَاثًا لَمْ
يَبْلُغُوا الْحِنْثَ أَوِ امْرَأَةٍ فَهُمْ لَهُ سُتْرَةٌ مِنَ النَّارِ،
وَأَيُّمَا رَجُلٍ قَامَ إِلَى وُضُوءٍ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فَأَحْصَى الوُضوءَ
إِلَى أَمَاكِنِهِ سَلِمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ أَوْ خَطِيئَةٍ هِي لَهُ؛ فَإِنْ
قَامَ إِلى الصَّلاةِ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَإِنْ قَعَدَ قَعَدَ سَالِمًا".
فقال شُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنَ
النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم يا بن عَبَسَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ وَالَّذِي لَا
إِلَهَ إِلَّا هُوَ، لَوْ لَمْ أَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرَ مَرَّةٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثلاث أو
أربع أو خمس أو ست أو سبع - فَانْتَهَى عِنْدَ سَبْعٍ- مَا حَلَفْتُ أَنْ
أُحَدِّثَهُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا عَدَدُ
مَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ, صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهذا لفظ حديث أحمد بن يونس بطوله، وبقية الروايات مختصرة.
ورواه الحَجَّاجُ الْأَسْوَدُ
القسملي البصري، عَنْ شَهْرِ، واختلف عليه:
فرواه رَوْح بن عُبادة، عن الحَجَّاج الْأَسْوَدُ،
عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: أَنَّ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المُتَحَابُّونَ فِي اللهِ فِي
ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ القِيَامَةِ». [أخرجه أحمد في «مسنده» (36/360) (22031)].
ورواه حماد بن سلمة، عن حجاج الأسود، عن شهر
بن حوشب: أنّ رجلاً قدم حمص يلقى معاذاً - رضي الله عنه- فحدثني أنه سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المتحابون في الله عز وجل في ظل العرش يوم
القيامة». [أخرجه قوام السنة أبو القاسم الأصبهاني في «الترغيب والترهيب» (2/30) (1088)].
ورواه عَبْدُالمَلِكِ بن أَبِي
سُلَيْمَانَ العَرْزَمي الكوفيّ، عَنْ شَهْرِ، واختلف عليه:
فرواه يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ الطنافسيّ، عَنْ
عَبْدِالْمَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ،
عَنْ رَجُلٍ: "أَنَّهُ أَتَى الشَّامَ فَدَخَلَ مَسْجِدًا مِنْ
مَسَاجِدِهَا فَإِذَا رَجُلٌ آدَمٌ شَابٌّ جَمِيلٌ وَضَّاحُ الثَّنَايَا يُحَدِّثُ
وَالْقَوْمُ مُنْصِتُونَ لَهُ وَفِيهِمْ مَنْ أَسَنُّ مِنْهُ فَوَقَعَ فِي قَلْبِي
مَحَبَّتُهُ فَتَفَرَّقْنَا وَلَمْ أَعْرِفُهُ فَرُحْتُ عَشِيَّةً، فَإِذَا هُوَ
يُصَلِّي فَقَعَدْتُ إِلَى أُسْطُوَانَتِهِ الَّتِي يُصَلِّي إِلَيْهَا فَلَمَّا
رَآنِي خَفَّفَ مِنْ صَلَاتِهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَسَلَّمَ فَقَالَ: كَأَنَّكَ
غَرِيبٌ بِهَذَا الْبَلَدِ؟ قُلْتُ: أَجَلْ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ غُدْوَةً
وَأَنْتَ تُحَدِّثُ فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَحَبَّتُكَ فَتَفَرَّقْنَا وَلَمْ
أَعْرِفْكَ فَقَالَ: أَنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَلِمَ أَحْبَبْتَنِي؟
قُلْتُ: أَحْبَبْتُكَ لِلَّهِ قَالَ: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُو
لَأَحْبَبْتَنِي لِلَّهِ؟ قَالَ: فَاسْتَحْلَفَنِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ:
فَادْنُ إِذًا حَتَّى أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَدَنَوْتُ حَتَّى أَصَابَتْ
رُكْبَتَيَّ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: يَرْفَعْهُ إِلَى
الرَّبِّ تَعَالَى: «حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ
مَحَبَّتِي لِلْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَزَاوِرِينَ
فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَوَاصِلِينَ فِيَّ»، فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا
فَأَبْشِرْ ثُمَّ أَبْشِرْ". [أخرجه الشاشي في «مسنده» (3/281) (1386)].
ورواه جرير بن عبدالحميد الرازي، عن عبدالملك
بن أبي سليمان قال: قال رجل: "دخلت المسجد - أراه قال: بالشام- فإذا
وضاح الثنايا في حلقة وهم يسمعون منه وليس بأسن القوم وفي القوم أسن منه. قال:
فقعدت إليه وهو يحدثهم، ثم تفرقوا قبل أن أعلم من هو، فندمت أن لا أكون علمت من
هو، قال: فرجعت عشية، فإذا أنا به قائم يصلي، قال: فقعدت إلى جنبه فأخف من صلاته،
ثم نظر فسلم علي، ثم قال: لكأنك رجل غريب بهذا البلد. قلت: أعلم من أنت؟ قال: أنا معاذ
بن جبل، فذكره، بنحوه". [أخرجه قوام السنة في «الترغيب والترهيب» (2/31)
(1089)]. ولم يذكر شهراً!
كذا رواه أبو علي أحمد بن محمد بن إبراهيم، جعفر بن محمد
بن شاكر الصائغ البغدادي، عن إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، عن جرير، عن عبدالملك بن
أبي سليمان، عن رجل.
وخالفه أبو بكر الشافعي، عن جعفر بن محمد بن شاكر، إسحاق
بن إسماعيل الطالقاني، عن جرير، عن عبدالملك بن أبي سليمان، عن أبي الزبير،
عن رجل. فزاد فيه «عن أبي الزبير»!
أخرجه أبو بكر الشافعي في «الفوائد = الغيلانيات» (1103).
ونلاحظ أن طرق هذا الحديث مضطربة عن شهر، وعن بعض من روى
عنه! وشهر بن حوشب مضطرب الحديث، ولا يُحتج به.
وأما حديث يزِيد بن أَبِي مَرْيمَ الدمشقي:
فرواه الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ الدمشقي، عَنْ يَزِيدَ بنِ
أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِذَ اللهِ أَبَا إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيَّ،
يَقُولُ: قُلْتُ لِمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ: إِنِّي لَأُحِبُّكَ فِي اللهِ، فَأَخَذَ
بِحِقْوَيَّ، واجْتَذَبَنِي إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ إِنَّكَ تُحِبُّنِي؟
قُلْتُ: وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ فِي اللهِ، قَالَ: أَبْشِرْ، فَإِنِّي
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «المُتَحَابُّونَ
فِي ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ».
أخرجه أبو زرعة الدمشقي [كما في «تاريخ ابن عساكر»
(26/156)] عن مُحَمَّد بن المُبَارَكِ الصوريّ.
وأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ في «مسنده» [كما في «إتحاف
الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» (6/103) (5426/4)، وابن عساكر في «تاريخه»
(65/382) من طريق أبي يعلى. والطبراني في «المعجم الكبير» (20/79) (149)، وفي «مسند
الشاميين» (2/310) (1403) عن عَبْداللهِ بن أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ. كلاهما (أبو
يعلى، وعبدالله بن أحمد) عن الهَيْثَم بن خَارِجَةَ.
كلاهما (محمد، والهيثم) عن الوليد، به.
قال أَبُو زُرْعَة الدمشقي: "فأما الرواية الَّتِي
توجب لقاء أبي إدريس لمعاذ فمن أحسنها مخرجاً، وأوثقها حاملاً، فيزيد بن أَبي
مريم. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ...".
قال أَبُو زُرْعَة: وحَدَّثَنِي سُلَيْمان بن خالد بْن
يزيد بْن أَبي مَالِك، عَن أبي إدريس الخولاني.
وَقَال هِشَام، عَنْ صدقة، عَنْ ابن جابر، عَنْ عَطَاء
الخراساني، قال: سمعت أبا إدريس، فذكر نحوه.
قال أَبُو زُرْعَة: "أَبُو إدريس الخولاني، يَرْوِي
عَن أبي مُسْلِم الخولاني ويروي عَنْ عَبْدالرَّحْمَنِ بن غنم الأشعري، وكلاهما يُحدّث
بهذا الحَدِيث، عَنْ معاذ، والزُّهْرِيّ يحفظ عَن أبي إدريس، أَنَّهُ لَمْ يسمع من
معاذ، والحَدِيث حَدِيثهما، وبالله التوفيق".
قلت: حاصل كلام أبي زرعة الدمشقي أنه يُضعّف رواية أبي
إدريس الخولاني عن معاذ، وأنه لم يسمع منه!
وهذا الحديث تفرد به الوليد بن مسلم عن يزيد بن أبي مريم
الشامي! ورواية يزيد عن أبي إدريس نادرة جداً، ويزيد مُتكلّم فيه، خرّج له البخاري
حديثاً واحداً من رواية الوليد بن مسلم ويحيى بن حمزة، ويُخشى من تدليس الوليد بن
مسلم إذا تفرّد بالحديث!
وأما حديث شُرَيْح بن عُبَيْدٍ الحمصيّ:
فرواه الطبراني في «المعجم الكبير» (20/80) (150)، وفي «مسند
الشاميين» (2/440) (1659) عن عَمْرو بن إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ العَلَاءِ
بنِ زِبْرِيقٍ الحِمْصِيّ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ بنِ عَيَّاشٍ، قال:
حدثنا أَبِي، عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ
عَائِذِ اللهِ بنِ عَبْدِاللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ
الَّذِينَ يَتَحَابُّونَ فِي اللهِ فِي ظِلِّ عَرْشِ اللهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ
إِلَّا ظِلُّهُ».
عمرو بن إسحاق هذا لا يوجد له ترجمة، لكن الطبراني أكثر من
الرواية عنه، وهو مستور الحال.
ومحمد بن إسماعيل بن عياش، قال أَبُو حاتم: "لم يسمع
من أَبِيهِ شيئاً، حَمَلُوه على أن يُحدِّث فحدّث".
وقَال أَبُو عُبَيد الآجُرِّيّ: سئل أَبُو داود عنه؟ فقال:
"لم يكن بذاك، قد رأيته، ودخلت حمص غَيْر مرة وهُوَ حي، وسألت عَمْرو بن
عُثْمَان عنه، فدفعه".
وأما حديث عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيّ نزيل الشام:
فرواه عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ يَزِيدَ بنِ جَابِرٍ
[كما عند الشاشي في «مسنده» (3/278) (1382)، والطبراني في «مسند الشاميين» (1/362)
(625)، وفي «المعجم الكبير» (20/79) (148)، وفي «المعجم الأوسط» (7/64) (6860)،
ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (2/325)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار»
(10/35) (3893)، وأبو نُعيم في «الحلية» (5/206)، والحاكم في «المستدرك» (4/188) (7317)].
وشُعَيْبُ بنُ رُزَيْقٍ [كما عند الطبراني في «مسند
الشاميين» (3/341) (2433)، و«المعجم الكبير» (20/79) (146)، والطحاوي في «شرح مشكل
الآثار» (10/37) (3894)].
وعُتْبَةُ بنُ أَبِي حَكِيمٍ [كما عند الطبراني في «مسند
الشاميين» (1/423) (744)، وفي «المعجم الكبير» (20/79) (147)].
وعثمانُ بنُ عَطَاءٍ الخراساني [كما عند ابن
عبدالبر في «التمهيد» (21/127)].
أربعتهم عن عَطَاء الخُرَاسَانِيّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيُّ، يَقُولُ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ حِمْصَ قَالَ: فَجَلَسْتُ
فِي حَلْقَةٍ كُلُّهُمْ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِمْ فَتًى شَابٌّ إِذَا تَكَلَّمَ أَنْصَتَ الْقَوْمُ،
وَإِذَا حَدَّثَ رَجُلًا مِنْهُمْ نَصَتَ لَهُ، قَالَ: فَتَفَرَّقُوا وَلَمْ
أَعْلَمْ مَنْ ذَلِكَ الْفَتَى، قَالَ: فَانْصَرَفْتُ إِلَى مَنْزِلِي فَمَا
قَرَّتْنِي نَفْسِي حَتَّى رَجَعْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَجَلَسْتُ فِيهِ فَإِذَا
أَنَا بِهِ فَقُمْتُ مَعَهُ حَتَّى أَتَى عَمُودًا مِنْ عُمُدِ الْمَسْجِدِ
فَرَكَعَ رَكَعَاتٍ حِسَانٍ، ثُمَّ جَلَسَ فَاسْتَقْبَلْتُهُ وَطَالَ سُكُونُهُ
لَا يَتَكَلَّمُ، فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ، فَوَاللَّهِ إِنِّي
لَأُحِبُّكَ وَلَأُحِبُّ حَدِيثَكَ، فَقَالَ لِي: آللَّهِ؟ فَقُلْتُ: آللَّهِ،
فَجَبَذَ بِحُبْوَتِي ثُمَّ لَصِقْتُ رُكْبَتَيَّ بِرُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ قَالَ،
فِيمَا أَظُنُّ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الْمُتَحَابُّونَ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ
فِي ظِلِّ اللَّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، قُلْتُ: مَنْ أَنْتَ رَحِمَكَ
اللَّهُ؟ قَالَ: أَنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَقُمْتُ مِنْ عِنْدِهِ فَإِذَا أَنَا
بِعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ إِنَّ مُعَاذًا
حَدَّثَنِي حَدِيثًا، قَالَ: وَمَا الَّذِي حَدَّثَكَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
الْمُتَحَابُّونَ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ فِي ظِلِّ اللَّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا
ظِلُّهُ، فَقَالَ لِي عُبَادَةُ: تَعَالَى أُحَدِّثُكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ
اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ،
جَلَّ وَعَزَّ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ رَبُّكَ: "حَقَّتْ
مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي عَلَى
الْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ: وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي عَلَى الْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ،
وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي عَلَى المُتَبَاذِلِينَ فِيَّ".
قلت: عطاء الخراساني هو: ابن أبي مسلم أبو عثمان، وهو صدوق
يَهم كثيراً، ويرسل ويدلّس كما قال ابن حجر، وهو معروف بكثرة الغلط كما قال
الشافعيُّ.
وفي سماع عطاء الخراساني من أبي إدريس نظر! ولا أظنه لقيه!
وقد اختلف أهل العلم في وقت نزول عطاء الشام!
فقال أبو زرعة الدمشقي في ذكر نفر قدموا الشام في إمارة
عبدالملك وذويه: "عطاء بن ميسرة الخراساني". [تاريخ دمشق (40/423)].
وعبدالملك بن مروان (ت 86هـ) وكان أمر الخلافة استوثق له
سنة (73هـ).
وروى الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال: "قدم عطاء
الخراساني على هشام، ونزل على مكحول...". [تاريخ دمشق (40/419)].
قلت: استخلف هشام بن عبدالملك سنة (105هـ).
والذي يظهر لي أن عطاء الخراساني نزل الشام في خلافة
عبدالملك؛ لأنه صلّى خلف عمر بن عبدالعزيز في الشام، وكانت خلافة عمر من سنة (99 -
101هـ).
ولا ندري في أي سنة نزل عطاء الشام في خلافة عبدالملك،
ويظهر لي أنها كانت متأخرة؛ لأنه ولد سنة (50) وقيل (60هـ)، وأصله من بلخ، وقدومه
للشام كان بعد طلبه للعلم في بلده وفي البلاد التي حولها، وقدومه الحجاز وغيرها،
وكان نزوله في الشام في بيت المقدس.
قال الأثرم: ذكر لأبي عبدالله عن عطاء الخراساني قال: "حدثنا
أبو أمامة"، فأنكره إنكاراً شديداً!
قلت: أنكر الإمام أحمد أن يكون عطاء الخراساني سمع من أبي
أمامة، وأبو أمامة توفي سنة (86هـ) = يعني في السنة التي توفي فيها عبدالملك، وهذا
يدلّ على أنه نزل الشام في أواخر خلافة عبدالملك، وعليه فلم يلق أبا إدريس الذي
مات سنة (80هـ)، والله أعلم.
·
تعقب على الطبراني!
تقدم أن الطبراني خرّج الحديث في «المعجم الأوسط» (6860) من
طريق هِشَام بن عَمَّارٍ: حدثَنَا صَدَقَةُ بنُ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ
بنِ يَزِيدَ بنِ جَابِرٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ
الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، مختصراً.
قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ
عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ يَزِيدَ بنِ جَابِرٍ إِلَّا صَدَقُهُ بْنُ خَالِدٍ،
تَفَرَّدَ بِهِ: هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ"!
قلت: بل تابعه أيضاً: بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ التنيسيّ عن ابن
جابر، كما رواه الشاشي (1235)، والحاكم (7317).
وأما حديث يونُسَ بن مَيْسَرَةَ الدمشقيّ:
فرواه مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ الْمِصِّيصِيُّ [كما
عند البزار في «مسنده» (7/143) (2697)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (10/34) (3892)،
وابن قانع في «معجم الصحابة» (3/25)، والخطيب في «موضح أوهام الجمع والتفريق» (2/338)،
والضياء المقدسي في «المختارة» (8/308) (373)].
والوَلِيدُ بنُ مَزْيَدٍ البيروتي [كما عند الحاكم
في «المستدرك» (4/187) (7315)].
كلاهما (محمد بن كثير، والوليد بن مزيد) عَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يُونُسَ بنِ حَلْبَسٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَائِذِ
اللهِ، قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ حِمْصَ، فَقَعَدْتُ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا نَيِّفٌ
وَثَلَاثُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
مِنْهُمْ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ كَذَا وَكَذَا، وَيُنْصِتُ الْآخَرُونَ، وَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كَذَا،
وَيُنْصِتُ الْآخَرُونَ، وَفِيهِمْ فَتًى أَدْعَجُ، بَرَّاقُ الثَّنَايَا، إِذَا
اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ انْتَهَوْا إِلَى قَوْلِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفْتُ إِلَى مَنْزِلِي
بِتُّ بِأَطْوَلِ لَيْلَةٍ، فَقُلْتُ: جَلَسْتُ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا كَذَا وَكَذَا
مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَعْرِفُ
مَنَازِلَهُمْ وَلَا أَسْمَاءَهُمْ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ إِلَى
الْمَسْجِدِ، فَإِذَا الْفَتَى الْأَدْعَجُ قَاعِدٌ إِلَى سَارِيَةٍ فَجَلَسْتُ
إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: إِنِّي لَأُحِبُّكَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: آللَّهِ
إِنَّكَ لَتُحِبُّنِي لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؟ فَقُلْتُ: آللَّهِ إِنِّي
لَأُحِبُّكَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَخَذَ بِحُبْوَتِي حَتَّى مَسَّتْ
رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: آللَّهِ إِنَّكَ لَتُحِبُّنِي لِلَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ؟ فَقُلْتُ: آللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ:
أَفَلَا أُخْبِرُكَ بِشَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: بَلَى، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْمُتَحَابُّونَ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ
يُظِلُّهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا
ظِلُّهُ " قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ مَرَّ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ
فِي الْحَلْقَةِ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا حَدَّثَنِي بِحَدِيثٍ
عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَلْ سَمِعْتَهُ مِنْهُ؟
قَالَ: وَمَا حَدَّثَكَ؟ مَا كَانَ لِيُحَدِّثَكَ إِلَّا حَقًّا، قَالَ:
فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَأْثُرُ عَنِ
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: "حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ،
وَحَقَّتْ لِلْمُتَوَاصِلِينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَزَاوِرِينَ
فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ "، قُلْتُ: مَنْ
أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللهُ؟ قَالَ: أَنَا عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ، قُلْتُ: فَمَنِ
الْفَتَى؟ قَالَ: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ".
قال الحاكم: "وهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحُ عَلَى شَرْطِ
الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
قلت: يونس بن حلبس ليس على شرط الشيخين، ولم يخرجا له!!
وإنما خرّج له أبو داود، والتِّرْمِذِيّ، وابن ماجه.
·
مخالفة لأحمد بن عنتر!
ورواه الطبراني في «مسند الشاميين» (3/265) (2225) عن
أَحْمَد بن مَسْعُودٍ المقدسيّ: حدثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَنْتَرٍ: حدثَنَا
الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ
عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْثُرُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: قَالَ «حَقَّتْ
مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَوَاصِلِينَ
فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي
لِلْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ».
كذا رواه أحمد بن عنتر عن الأوزاعي وجعله "عن عبادة
بن الصامت"! وأحمد هذا لم أجد له ترجمة، ولم أعرفه.
·
عدم تسمية هِقْل بن زياد الدمشقي -
كاتب الأَوزاعِيّ - لشيخ الأوزاعي!
ورواه هِقْل بن زياد الدمشقي عن الأوزاعي عن رجل ولم
يسمّه!
رواه عبدالله بن أحمد في «زوائده على المسند» (37/446) (22783)
عن أَبي صَالِحٍ الحَكَم بن مُوسَى، عن هِقْل بن زِيَادٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، قال:
حَدَّثَنِي رَجُلٌ فِي مَجْلِسِ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي
إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ حِمْصَ فَجَلَسْتُ إِلَى
حَلْقَةٍ فِيهَا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. بنحوه.
والهقل أثبت أصحاب الأوزاعي.
قال أحمد بن حنبل: "لا يُكتب حديث الأَوزاعِيّ عَنْ
أوثق من هقل".
وقال يحيى بن مَعِين: سمعت أبا مسهر يقول: "ما كان ها
هنا أحد أثبت فِي الأَوزاعِيّ من هقل".
وقَال يعقوب بن سفيان: حَدَّثَنَا أَبُو صالح. قال: "حَدَّثَنِي
الهقل بن زياد وهو ثقة من الثقات، وهو أعلى أصحاب الأَوزاعِيّ".
وقَال العباس بن الوليد بن صبح الخلال، عَنْ مروان بن
مُحَمَّد، قال: "كان أعلم الناس بالأَوزاعِيّ وبمجلسه وبفتياه، وحديثه عشرة،
أولهم هقل بن زياد".
وأما حديث مُحَمَّد بن قَيْسٍ المدنيّ:
فرواه حُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ بن بهرام المروذي
[كما عند أحمد في «المسند» (36/445) (22131)، ومن طريقه الطبراني في «المعجم
الكبير» (20/81) (153)].
وعاصمُ بنُ عَلِيٍّ الواسطي [كما عند الطبراني في «المعجم
الكبير» (20/81) (152)].
كلاهما (خسين، وعلي) عن أَبي مَعْشَرٍ نَجيح بن عبدالرحمن
المدني، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيِّ،
قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ حِمْصٍ فَإِذَا رِجَالٌ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَحَادِيثَ، فِيهِمْ شَابٌّ أَدْعَجُ،
بَرَّاقُ الثَّنَايَا، إِذَا تَكَلَّمَ أَنْصَتَ الْقَوْمُ لَكَلَامِهِ كُلُّهُمْ،
وَإِذَا اشْتَجَرُوا فِي شَيْءٍ رَضُوا فِيهِ قَوْلَهُ، فَإِذَا هُوَ مُعَاذُ بْنُ
جَبَلٍ، فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ فَقُلْتُ: إِنِّي لَأُحِبُّكُ، فَأَخَذَ بِحُبْوَتِي
فَجَذَبَنِي إِلَيْهِ، حَتَّى مَسَّتْ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا
أُبَشِّرُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْثُرُهُ عَنِ
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: «وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَحَابُّونَ
وَيَتَجَالَسُونَ، وَيَتَزَاوَرُونَ، وَيَتَبَاذَلُونَ فِيَّ».
وأبو معشر ضعيف باتفاق.
وأما قبول بعض أهل النقد حديثه عن محمد بن قيس المدني قاصّ
عمر بن عبدالعزيز فهذا لا يعني قبوله بإطلاق! وإنما يُكتب فقط.
قَال مُحَمَّد بن عثمان بن أَبي شَيْبَة: وسألت علي بن
المديني عَن أَبِي معشر المديني؟ فقالَ: "كَانَ شيخا ضعيفا ضعيفا، وكَانَ
يحدث عَنْ مُحَمَّدِ بنِ قيس، ويُحدِّث عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كعب بأحاديث صالحة،
وكَانَ يحدث عن المقبري، وعن نافع بأحاديث منكرة".
وقَال عَمْرو بن عَلِيٍّ الفلاّس: "وأَبُو معشر ضعيف،
ما روى عن مُحَمَّدِ بْنِ قيس ومحمد بن كعب ومشايخه فهو صالح، وما روى عن المقبري،
وهشام بن عروة، ونافع، وابن المنكدر رديئة لا تُكتب".
فقولهم: "أحاديث صالحة" و"صالح" =
يعني أن حديثه عنه يُكتب، وأما الاحتجاج به فمسألة أخرى.
ومحمد بن قيس لم يسمع من أبي إدريس، بل لم يلقه؛ لأنه كان
مع عمر بن عبدالعزيز لما ولي الخلافة في الشام. [تاريخ دمشق (55/109)].
وخلافة عمر بن عبدالعزيز كانت من سنة (99 - 101هـ)، وأبو
إدريس مات سنة (80هـ)، فأين لقيه محمد بن قيس؟ وكيف سمع منه؟!
وأما حديث رَبيعة بن يزيد الإيادي القصير الدمشقي:
فرواه مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بنِ
يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ
فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ».
رواه الطبراني في «مسند الشاميين» (3/126) (1926)، وفي «المعجم
الكبير» (20/78) (145) عن عَبْداللهِ بن أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عن أَبِيه، عن
حَمَّاد بن خَالِدٍ الخَيَّاط، عن مُعَاوِيَة بن صَالِحٍ، به.
ورواه الضياء في «المختارة» (8/306) (370) من طريق
الطبراني.
قلت: لم يروه عن ربيعة بن يزيد إلا معاوية بن صالح، تفرد
به! ومعاوية بن صالح ينفرد عن الشاميين بأحاديث فيها نظر!
وأما حديث الوليد بن عبدالرحمن الحمصيّ:
فرواه يَعْلَى بن عَطَاءٍ العامريّ الطائفيّ، عَنِ
الوَلِيدِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ الجَرَشِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ
العَائِذِيِّ، قَالَ: جَلَسْتُ مَجْلِسًا فِيهِ عِشْرُونَ مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا فِيهِمْ شَابٌّ حَدِيثُ
السِّنِّ، حَسَنُ الْوَجْهِ، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، أَغَرُّ الثَّنَايَا،
فَإِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ، فَقَالَ قَوْلًا انْتَهَوْا إِلَى قَوْلِهِ،
فَإِذَا هُوَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ، جِئْتُ فَإِذَا
هُوَ يُصَلِّي إِلَى سَارِيَةٍ، قَالَ: فَحَذَفَ مِنْ صَلَاتِهِ، ثُمَّ احْتَبَى،
فَسَكَتَ، قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ مِنْ جَلَالِ اللهِ،
قَالَ: أَللَّهِ؟" قَالَ: قُلْتُ:
أَللَّهِ. قَالَ: "فَإِنَّ مِنَ الْمُتَحَابِّينَ فِي اللهِ، فِيمَا أَحْسَبُ
أَنَّهُ قَالَ، فِي ظِلِّ اللهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ، إِلَّا ظِلُّهُ، ثُمَّ لَيْسَ
فِي بَقِيَّتِهِ شَكٌّ يَعْنِي: فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ، يُوضَعُ لَهُمْ كَرَاسِي
مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمْ بِمَجْلِسِهِمْ مِنَ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ
النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ".
قَالَ: فَحَدَّثْتُهُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، فَقَالَ:
لَا أُحَدِّثُكَ إِلَّا مَا سَمِعْتُ عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَحَقَتْ
مَحَبَّتِي للمتزاورينَ في، وَحَقَّتْ مَحَبَّتي لِلْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ،
وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَصَافِينَ فِيَّ الْمُتَوَاصِلِينَ". شَكَّ
شُعْبَةُ: فِي الْمُتَوَاصِلِينَ، أَوِ الْمُتَزَاوِرِينَ.
رواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (1/464) (572).
ومن طريقه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (10/37) (3895).
وأحمد في «مسنده» (36/326) (22002) عن مُحَمَّد بن
جَعْفَرٍ غُندر. ومن طريقه الحاكم في «المستدرك» (4/187) (7316)، والضياء في «المختارة»
(8/307).
ويعقوب الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/324) من طريق معاذ
بن مُعَاذٍ العنبريّ.
والحاكم في «المستدرك» (4/187) (7316)، والبيهقي في «شعب
الإيمان» (11/311) (8580) من طريق سَعِيد بن عَامِرٍ الضبعيّ.
والشاشي في «مسنده» (3/157) (1234) من طريق عُثْمَان بن
عُمَرَ بن فارس.
وابن عبدالبر في «التمهيد» (21/126)، والضياء المقدسي في «المختارة»
(8/306) (369) من طريق عَمْرو بن مَرْزُوقٍ.
كلهم (الطيالسي، وغُندر، ومعاذ، وسعيد، وعثمان، وعمرو) عن شُعْبَة،
عَنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، به.
قال الحاكم: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ
وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
وقال ابن عبدالبر: "وهَذَا أَيْضًا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ
ثَابِتٌ".
قلت: تفرد به يعلى بن عطاء عن الوليد بن عبدالرحمن! ولا
يُعرف أن الوليد سمع من أبي إدريس الخولاني! وقد أدرك الوليد أبا أمامة (ت86هـ)،
ولم يسمع من أبي إدريس (ت80هـ).
فهذه الروايات كلها مرسلة عن أبي إدريس الخولاني، والظاهر
أن الحديث كان منتشراً في الشام عن أبي إدريس مرسلاً، وفيه أنه هو من دخل المسجد
ورأى معاذ بن جبل! لكن لم تصح هذه الرواية عن أبي إدريس، ولم يثبت أنه حدّث بها.
·
رواية الجُريري عن رجل عن معاذ!
ورواه سعيد بن إياس الجُرَيْرِيّ البصريّ، عَنْ رَجُلٍ،
قَالَ: قُلْتُ لِمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللهِ - أَوْ أُحِبُّكَ
لِلَّهِ - فَقَالَ لِي: انْظُرْ مَا تَقُولُ، - قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ -
قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ الَّذِينَ يَتَحَابُّونَ فِي اللهِ، وَيُحِبُّ
الَّذِينَ يَتَقَاعَدُونَ فِيهِ، وَيُحِبُّ الَّذِينَ يَتَبَاذَلُونَ فِيهِ،
وَيُحِبُّ الَّذِينَ يَتَزَاوَرُونَ فِيهِ، وَيُحِبُّ الَّذِينَ يَتَحَاوَرُونَ
فِيهِ».
رواه البيهقي في «شعب الإيمان» (11/313) (8582) من طريق يُوسُف
بن يَعْقُوبَ القاضي.
وابن عبدالبر في «التمهيد» (21/133) من طريق بَكْر بن
حَمَّادٍ.
كلاهما (يوسف، وبكر) عن مُسَدَّد بن مُسَرْهَدٍ، عن حَمَّاد
بن زَيْدٍ، عَنْ الجُرَيْرِيِّ، به.
قلت: هذا إسناد ضعيف! فالرجل الراوي عن معاذ مبهم لا
يُعرف، وهو منقطع بينه وبين الجريري، فالجريري توفي سنة (144هـ) ومعاذ توفي سنة (18هـ)
فبينهما على الأقل رَجلان لا رجل واحد!
·
رواية أخرى ضعيفة!
ورواه مُوسَى بنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذيُّ المدنيّ، عَنْ
عَبْدِاللهِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ، قَالَ: قَدِمْتُ
الشَّامَ عَلَى مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ فَقُلْتُ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللهِ،
فَأَخَذَ بِحِجْرِي فَجَذَبَنِي، وَقَالَ: آللَّهِ؟ - مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا -
فَقُلْتُ: آللَّهِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَجَبَتْ مَحَبَّتِي - أَوْ رَحْمَتِي - لِلَّذِينَ
يَتَحَابُّونَ فِيَّ، وَيَتَجَالَسُونَ فِيَّ، وَيَتَزَاوَرُونَ وَيَتَبَاذَلُونَ
فِيَّ».
رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (20/92) (178) من طريق
عُبَيْدِاللهِ بن موسى الكوفي.
وابن عبدالبر في «التمهيد» (21/129) من طريق رَوْح بن
عُبَادَةَ.
وابن عساكر في «تاريخه» (32/109) من طريق عبدالعزيز بن أبي
عثمان الرازي.
كلهم (عبيدالله، وروح، وعبدالعزيز) عن موسى بن عُبيدة، به.
·
كلام ابن عبدالبر وتعقبه!
قال ابن عبدالبر: "فهَذَا أبو بحرية السَّكُونِيُّ
قَدْ رَوَى عَنْ مُعَاذٍ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي إِدْرِيسَ سَوَاءٌ فِي المَعْنَى،
وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِ هَذَا ذِكْرُ مَسْجِدِ دِمَشْقَ وَلَا مَسْجِدِ حِمْصَ".
ثم قال: "قَدْ رَوَى أَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلَانِيُّ
عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ مِثْلَ مَا رَوَى عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَبُو
إِدْرِيسَ وَأَبُو بَحْرِيَّةَ إِلَّا أَنَّ حَدِيثَهُ مُخْتَصَرُ المَعْنَى عَنْ
مُعَاذٍ، وَقَالَ فِي مَسْجِدِ حِمْصَ، وَأَلْفَاظُ هَذَا الحَدِيثِ رَوَاهَا
أَبُو مُسْلِمٍ عَنْ عُبَادَةَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عُبَادَةُ وَمُعَاذٌ
وَغَيْرُهُمَا أَيْضًا سَمِعَا ذلك من رَسُولَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا مُمْكِنٌ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ عَلَى أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ
الْخَوْلَانِيَّ وَإِنْ كَانَ فَاضِلًا فَإِنَّهُمْ يُضَعِّفُونَ نَقْلَهُ
وَلَيْسَ مِمَّنْ يُقَاسُ بِأَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ فِي فَهْمِهِ
وَعِلْمِهِ".
قلت: الجزم هنا بأن أبا بحرية رواه فيه نظر! فحديثه تفرد
به موسى بن عُبيدة، وهو ضعيف جداً، ولا يُحتج به! والظاهر أنه أخطأ فيه، فرواه عن
أبي بحرية فوهم.
ولا يُعقل أن أبا إدريس الخولاني دخل المسجد فوجد معاذا
وذكر تلك الأوصاف، وكذا روى أبو مسلم الخولاني!
·
تعليل الدارقطني لهذا الحديث
بالانقطاع!
على أن الدارقطني أعلّ تلك الروايات عن أبي إدريس عن معاذ
بعدم سماعه منه!
قال الدارقطني في «العلل» (6/69) (986) – وسُئِلَ عَنْ هذا
الحَدِيثِ-: "يَرْوِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الحِجَازِ وَالشَّامِ، عَنْ
أَبِي إِدْرِيسَ، مِنْهُمْ: أَبُو حَازِمٍ سَلَمَةُ بنُ دِينَارٍ، والوَلِيدُ بنُ
عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ الزَّجَّاجِ، ومُحَمَّدُ بنُ قَيْسٍ القَاصُّ، وشَهْرُ بنُ
حَوْشَبٍ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:
فَرَوَاهُ ابنُ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنْ شَهْرٍ، عَنْ أَبِي
إِدْرِيسَ، عَنْ مُعَاذٍ.
وَخَالَفَهُ الحَجَّاجُ بنُ الْأَسْوَدِ، فَرَوَاهُ عَنْ
شَهْرٍ، عَنْ مُعَاذٍ.
وَيَرْوِيهِ أَيْضًا عَطَاءٌ الخُرَاسَانِيُّ، وَيَزِيدُ
بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَيُونُسُ بْنُ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ.
كُلُّهُمْ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ
جَبَلٍ، وَكُلُّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ أبَا إِدْرِيسَ سَمِعَهُ مِنْ مُعَاذٍ.
وخَالَفَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ،
وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْ جَمِيعِهُمْ، فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيِّ،
قَالَ: أَدْرَكْتُ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ، وَوَعِيتُ عَنْهُ، وَأَدْرَكْتُ
شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ، وَوَعِيتُ عَنْهُ، وَعَدَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَفَاتَنِي مُعَاذُ بْنُ
جَبَلٍ، وَأُخْبِرْتُ عَنْهُ.
ورَوَى هَذَا الحَدِيثَ أَيْضًا أبو مُسْلِمٍ
الْخَوْلَانِيُّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، حَدَّثَ بِهِ عَطَاءُ بْنُ أَبِي
رَبَاحٍ عَنْهُ.
وَرَوَاهُ أَبُو بَحَرِيَّةَ السَّكُونِيُّ، عَنْ مُعَاذِ
بْنِ جَبَلٍ.
وَرَوَاهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ، عَنْ مُعَاذٍ. حَدَّثَ
بِهِ عَنْهُ أَبُو الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ.
والقَوْلُ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، لِأَنَّهُ أَحْفَظُ الجَمَاعَةِ"
انتهى.
·
ترجيح أبي زرعة الدمشقي:
وقال أَبُو زُرْعَة الدمشقي: "أَبُو إدريس الخولاني،
يَرْوِي عَن أبي مُسْلِم الخولاني ويروي عَنْ عَبْدالرَّحْمَنِ بْن غنم الأشعري،
وكلاهما يحدث بهذا الحَدِيث عَنْ معاذ، والزُّهْرِيّ يحفظ عَن أبي إدريس، أَنَّهُ
لَمْ يسمع من معاذ، والحَدِيث حَدِيثهما، وبالله التوفيق". [تاريخ دمشق (26/156)].
قلت: يعني يصحح أبو زرعة وجود الواسطة بين أبي إدريس وبين
معاذ، وكأنه يميل إلى أن أبا إدريس يرويه عن أبي مسلم الخراساني وعبدالرحمن بن غنم
عن معاذ! فإن صح هذا الفهم فيكون صحيحاً فيما قاله عن رواية أبي إدريس عن أبي مسلم
عن معاذ، وأما حديث ابن غنم فلا يرويه أبو إدريس عنه! وإنما يرويه أبو الزبير
المكي عنه كما أشار الدارقطني، وسيأتي الكلام على هذه الرواية لاحقاً إن شاء الله.
والصواب ما قاله الدارقطني أن أبا إدريس لم يسمع من معاذ، وهو إنما أراد تعليل الحديث
الذي رواه الجماعة عن أبي إدريس عن معاذ بالانقطاع لا أنه يعلله بما رواه الزهري
عنه من حديث بعد تلك المقولة التي سمعها من أبي إدريس وأنه فاته معاذا؛ لأن ما
يرويه الزهري عنه مختلف عما روي في الحديث الآخر من دخوله المسجد ورؤيته لمعاذ
فيه. فهو إنما قصد بيان الانقطاع بين أبي إدريس ومعاذ.
·
قول البيهقي!
ومال البيهقي إلى أنه منقطع أيضاً، فإنه ذكر في «الشعب» (11/313)
قول الزهري عن أبي إدريس، ثم قال: "فَيُحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الحَدِيثُ
الْأَوَّلُ فِي الْمُتَحَابِّينَ سَمِعَهُ أَيْضًا مِنْ يَزِيدَ بنِ عَمِيرَةَ،
عَنْ مُعَاذٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ".
قلت: يعني أن هذا الحديث الذي رواه عن معاذ قد يكون سمعه
أبو إدريس من يزيد بن عميرة عن معاذ = أي أن الذي دخل المسجد ورأى معاذا هو يزيد!
وهذا فيه نظر! فقد جاء في حديث آخر أن الذي دخل المسجد هو أبو مسلم الخولاني،
وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله.
·
رواية الحاكم لحديث «الحارث بن
عميرة» وتصحيحه!
وكأن البيهقي يشير بكلامه إلى الرواية التي أخرجها شيخه
الحاكم في «المستدرك» (4/466) (8296) من طريق نُعَيْم بن حَمَّادٍ المَرْوَزِيّ، عن
الفَضْل بن مُوسَى، قال: حدثَنَا عَبْدُالْأَعْلَى بنُ أَبِي المُسَاوِرِ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ الحَارِثِ بنِ عُمَيْرَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ مِنَ
الشَّامِ إِلَى المَدِينَةِ فِي طَلَبِ العِلْمِ، فَسَمِعْتُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ لَهُمْ مَنَابِرُ
مِنْ نُورٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَغْبِطُهُمُ الشُّهَدَاءُ»، فَأَقَمْتُ مَعَهُ فَذَكَرْتُ
لَهُ الشَّامَ وَأَهْلَهَا وَأَشْعَارَهَا، فَتَجَهَّزَ إِلَى الشَّامِ فَخَرَجْتُ
مَعَهُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
لَقَدْ صَحِبْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتَ أَضَلُّ
مِنْ حِمَارِ أَهْلِهِ، فَأَصَابَ ابْنَهُ الطَّاعُونُ وَامْرَأَتَهُ فَمَاتَا
جَمِيعًا، فَحَفَرَ لَهُمَا قَبْرًا وَاحِدًا فَدُفِنَا، ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى
مُعَاذٍ وَهُوَ ثَقِيلٌ فَبَكَيْنَا حَوْلَهُ، فَقَالَ: "إِنْ كُنْتُمْ
تَبْكُونَ عَلَى الْعِلْمِ فَهَذَا كِتَابُ اللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ
فَاتَّبِعُوهُ، فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ مِنْ تَفْسِيرِهِ فَعَلَيْكُمْ
بِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ: عُوَيْمِرٍ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَابْنِ أُمِّ عَبْدٍ،
وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، وَإِيَّاكُمْ وَزَلَّةَ الْعَالِمِ، وَجِدَالَ الْمُنَافِقِ".
فَأَقَمْتُ شَهْرًا ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى العِرَاقِ فَأَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: «نِعْمَ الْحَيُّ أَهْلُ الشَّامِ لَوْلَا
أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالنَّجَاةِ»، قُلْتُ: صَدَقَ مُعَاذٌ،
قَالَ: وَمَا قَالَ؟ قُلْتُ: أَوْصَانِي بِكَ وَبِعُوَيْمِرٍ، أَبِي الدَّرْدَاءِ،
وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، وَقَالَ: وَإِيَّاكُمْ وَزَلَّةَ الْعَالِمِ وَجِدَالَ
الْمُنَافِقِ، ثُمَّ تَنَحَّيْتُ، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ أَخِي إِنَّمَا كَانَتْ
زَلَّةً مِنِّي، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ شَهْرًا، ثُمَّ أَتَيْتُ سَلْمَانَ
الْفَارِسِيَّ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْأَرْوَاحَ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا
ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ» فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ شَهْرًا
يُقَسِّمُ اللَّيْلَ وَيُقَسِّمُ النَّهَارَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَادِمِهِ.
قال الحاكم: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ،
وَلَمْ يُخْرِجَاهُ".
قلت: عبدالأعلى بن أبي المساور الكوفي: متروك، ليس بشيء!
·
الحارث بن عَميرة هو يزيد بن عَميرة.
والحارث بن عميرة هو يزيد بن
عميرة، وقد وهم من سمّاه الحارث!
وقد ترجم له الخطيب في «تاريخ بغداد» (9/95) (4277) فقال: "الحارث
بن عَميرة الزَّبيدي، وَيقال: الحارثي. يُعدُّ فِي الشاميين. سمع معاذ بْن جبل،
وَسلمان الفارسي. وكَانَ وَرد المدائن، فسمع بها من سَلْمَان. حدث عنه عَبْدالرَّحْمَنِ بن غنم،
وعكرمة، وَغيرهما".
ثم ساق حديثه من طريق عَبْدِالحَمِيدِ بنِ بَهْرَامَ، عَنْ
شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ غُنْمٍ، عَنِ الحَارِثِ بنِ
عُمَيْرَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ إِلَى سَلْمَانَ إِلَى الْمَدَائِنِ فَوَجَدْتُهُ فِي
مَدْبَغَةٍ لَهُ يَعْرُكُ إِهَابًا لَهُ بِكَفَّيْهِ، فَلَمَّا سَلَمْتُ عَلَيْهِ،
قَالَ: "مَكَانَكَ حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْكَ"، قَالَ الْحَارِثُ:
وَاللَّهِ مَا أَرَاكَ تَعْرِفُنِي يَا أَبَا عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: "بَلَى
قَدْ عَرَفَتْ رُوحِي رُوحَكَ قَبْلَ أَنْ أَعْرِفَكَ، فَإِنَّ الأَرْوَاحَ عِنْدَ
اللَّهِ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا فِي اللَّهِ ائْتَلَفَ،
وَما كَانَ فِي غَيْرِ اللَّهِ اخْتَلَفَ".
قال الخطيب: "هكَذَا رَوَاهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ
غُنْمٍ عَنِ الحَارِثِ بنِ عُمَيْرَةَ مَوْقُوفًا، وَرَفَعَهُ عِكْرِمَةُ مَوْلَى
ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الحَارِثِ".
ثم ساقه من طريق خَلاد بن يَحْيَى، عن عَبْدالأَعْلَى بن
أَبِي الْمُسَاوِرِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرَةَ، عَنْ
سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، الحديث.
·
تعقّب الخطيب البغدادي!
قلت: الجزم بأن عكرمة رواه فيه نظر! فلا يُعرف عن عكرمة
إلا من رواية عبدالأعلى هذا، وهو متروك!
وروى عَبْدُالحَمِيدِ بنُ بَهْرَامَ المدائني، قَالَ:
أَخْبَرَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ
غَنْمٍ، عَنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ عَمِيرَةَ أَنَّهُ: «قَدِمَ مَعَ مُعَاذٍ
مِنَ الْيَمَنِ فَمَكَثَ مَعَهُ فِي دَارِهِ، وَفِي مَنْزِلِهِ فَأَصَابَهُمُ
الطَّاعُونُ فَطُعِنَ مُعَاذٌ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ،
وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ، وَأَبُو مَالِكٍ جَمِيعًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ
عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ حِينَ حَسَّ بِالطَّاعُونِ فَرَّ وَفَرِقَ فَرَقًا
شَدِيدًا، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تَفَرَّقُوا فِي هَذِهِ الشِّعَابِ
فَقَدْ نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ لَا أَرَاهُ إِلَّا رِجْزًا
وَطَاعُونًا، فَقَالَ لَهُ شُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ: كَذَبْتَ قَدْ صَحِبْنَا
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتَ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ
أَهْلِكِ، فَقَالَ عَمْرٌو: صَدَقْتَ، فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، لِعَمْرِو
بْنِ الْعَاصِ: كَذَبْتَ لَيْسَ بِالطَّاعُونِ، وَلَا الرِّجْزِ، وَلَكِنَّهَا
رَحْمَةُ رَبِّكُمْ وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ، وَقَبْضُ الصَّالِحِينَ، اللَّهُمَّ
فَأْتِ آلَ مُعَاذٍ النَّصِيبَ الْأَوْفَرَ مِنْ هَذِهِ الرَّحْمَةِ، قَالَ: فَمَا
أَمْسَى حَتَّى طُعِنَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُهُ، وَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيْهِ
الَّذِي كَانَ يُكَنَّى بِهِ فَرَجَعَ مُعَاذٌ مِنَ الْمَسْجِدِ فَوَجَدَهُ
مَكْرُوبًا فَقَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، كَيْفَ أَنْتَ؟ فَاسْتَجَابَ لَهُ،
فَقَالَ: يَا أَبَةِ، الْحَقُّ مِنْ رَبِّكِ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ،
فَقَالَ مُعَاذٌ: وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ سَتَجِدُنِي مِنَ الصَّابِرِينَ،
فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ، وَدَفَنَهُ مِنَ الْغَدِ فَجَعَلَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ
يُرْسِلُ الْحَارِثَ بْنَ عَمِيرَةَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ
يَسْأَلُهُ كَيْفَ هُوَ؟، فَأَرَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ طَعْنَهُ بِكَفِّهِ؛ فَبَكَى
الْحَارِثُ بْنُ عَمِيرَةَ وَفَرِقَ مِنْهَا حِينَ رَآهَا؛ فَأَقْسَمَ أَبُو
عُبَيْدَةَ بِاللَّهِ مَا يُحِبُّ أَنَّ لَهُ مَكَانَهَا حُمْرَ النَّعَمِ قَالَ:
فَرَجَعَ الْحَارِثُ إِلَى مُعَاذٍ فَوَجَدَهُ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَبَكَى الْحَارِثُ،
وَاسْتَبْكَى، ثُمَّ إِنَّ مُعَاذًا أَفَاقَ فَقَالَ: يَا ابْنَ الْحُمَيْرِيَّةِ
لِمَ تَبْكِ عَلَيَّ؟ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ الْحَارِثُ: وَاللَّهِ
مَا عَلَيْكَ أَبْكِي، فَقَالَ مُعَاذٌ: فَعَلَامَ تَبْكِي؟، قَالَ: أَبْكِي عَلَى
مَا فَاتَنِي مِنْكَ الْعَصْرَيْنِ الْغُدُوِّ، وَالرَّوَاحِ، قَالَ مُعَاذٌ:
أَجْلِسْنِي فَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ، فَقَالَ: اسْمَعْ مِنِّي فَإِنِّي
أُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ إِنَّ الَّذِي تَبْكِي عَلَيَّ مِنْ غُدُوِّكَ وَرَوَاحِكَ
فَإِنَّ الْعِلْمَ مَكَانَهُ بَيْنَ لَوْحَيِ الْمُصْحَفِ فَإِنْ أَعْيَا عَلَيْكَ
تَفْسِيرُهُ فَاطْلُبْهُ بَعْدِي عَنْ ثَلَاثٍ: عُوَيْمِرٍ أَبِي الدَّرْدَاءِ
أَوْ عِنْدَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ أَوْ عِنْدَ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ
وَأُحَذِّرُكُ زَلَّةَ الْعَالِمِ، وَجِدَالَ الْمُنَافِقِ، ثُمَّ إِنَّ مُعَاذًا
اشْتَدَّ بِهِ النَّزْعُ نَزْعُ الْمَوْتِ فَنَزَعَ نَزْعًا لَمْ يَنْزِعْهُ
أَحَدٌ فَكَانَ كُلَّمَا أَفَاقَ مِنْ غَمْرَةٍ فَتَحَ طَرْفَهُ فَقَالَ:
اخْنُقْنِي خَنْقَكَ فَوَعِزَّتِكَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكُ، قَالَ:
فَلَمَّا قَضَى نَحْبَهُ انْطَلَقَ الْحَارِثُ حَتَّى أَتَى أَبَا الدَّرْدَاءِ
بِحِمْصَ فَمَكَثَ عِنْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ قَالَ
الْحَارِثُ: إِنَّ أَخِي مُعَاذًا أَوْصَانِي بِكَ وَبِسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ،
وَبِابْنِ أُمِّ عَبْدٍ، وَلَا أَرَانِي إِلَّا مُنْطَلِقًا إِلَى الْعِرَاقِ
فَقَدِمَ الْكُوفَةَ فَجَعَلَ يَحْضُرُ مَجْلِسَ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ بُكْرَةً،
وَعَشِيَّةً فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ ذَاتَ يَوْمٍ قَالَ ابْنُ
أُمِّ عَبْدٍ: فَمَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: امْرُؤٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، قَالَ ابْنُ
أُمِّ عَبْدٍ: نِعْمَ الْحَيُّ أَهْلُ الشَّامِ لَوْلَا وَاحِدَةٌ، قَالَ
الْحَارِثٌ: وَمَا تِلْكَ الْوَاحِدَةُ؟ قَالَ: لَوْلَا أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ
عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَالَ: فَاسْتَرْجَعَ
الْحَارِثُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَقَالَ: صَدَقَ مُعَاذٌ عِنْدَمَا قَالَ
لِي، فَقَالَ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ: وَمَا قَالَ يَا ابْنَ أَخِي؟، قَالَ:
حَذَّرَنِي زَلَّةَ الْعَالِمِ، وَاللَّهِ مَا أَنْتَ يَا ابْنَ مَسْعُودٍ إِلَّا
أَحَدَ رَجُلَيْنِ إِمَّا رَجُلٌ أَصْبَحَ عَلَى يَقِينٍ، وَيَشْهَدُ أَنَّ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَأَنْتَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوْ رَجُلٌ مُرْتَابٌ لَا
تَدْرِي أَيْنَ مَنْزِلَتُكَ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: صَدَقَ أَخِي إِنَّهَا
زَلَّةٌ فَلَا تُؤَاخِذْنِي بِهَا، فَأَخَذَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِيَدِ الحَارِثِ
فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ فَمَكَثَ عِنْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ
قَالَ الْحَارِثُ: لَا بُدَّ لِي أَنْ أُطَالِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سَلْمَانَ
الْفَارِسِيَّ بِالْمَدَائِنِ، فَانْطَلَقَ الْحَارِثُ حَتَّى قَدِمَ عَلَى
سَلْمَانَ بِالْمَدَائِنِ فَلَمَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ قَالَ: مَكَانَكَ حَتَّى
أَخْرُجَ إِلَيْكَ، قَالَ الْحَارِثُ: وَاللَّهِ مَا أَرَاكَ تَعْرِفُنِي يَا
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بَلَى، عَرَفَتْ رُوحِي رُوحَكَ قَبْلَ أَنْ
أَعْرِفَكَ إِنَّ الْأَرْوَاحَ عِنْدَ اللَّهِ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا
تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا فِي غَيْرِ اللَّهِ
اخْتَلَفَ فَمَكَثَ عِنْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى
الشَّامِ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا يَتَعَارَفُونَ فِي اللَّهِ
وَيَتَزَاوَرُونَ فِي اللَّهَ».
رواه البزار في «مسنده» (7/114) (2671) عن يَعْقُوب بن
نَصْرٍ العدوي.
وأبو نُعيم في «الحلية» (1/240) من طريق عَامِر بن
سَيَّارٍ الحلبيّ.
وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (11/458-159) من طريق منصور بن
ابي مزاحم، وأبي صالح عبدالله بن صالح المصري.
كلهم عن عَبْدالحَمِيدِ بن بَهْرَامَ، به.
وقد تفرد به شهر بن حوشب، وهو مضطرب الحديث لا يُحتج به!
وقَال علي بن المديني عن عبدالحميد بن بهرام: "ثقة
عندنا، وإنما كَانَ يروى عن شهر بْن حوشب من كتاب كَانَ عنده".
وقَال عَبْدالرَّحْمَنِ بن أَبي حَاتِم: سَأَلتُ أبي عنه،
فَقَالَ: "هُوَ فِي شهر بن حوشب، مثل الليث فِي سَعِيد المَقْبُرِيّ".
قلت: ما تقول فِيهِ؟ قال: "لَيْسَ بِهِ بأس، أحاديثه عَنْ شهر صحاح. لا أعلم
روى عن شهر بن حوشب أحاديث أحسن منها، ولا أكثر منها، أملى عليه فِي سواد الكوفة".
قلت: يحتج بحديثه؟ قال: "لا، ولا بحديث شهر بْن حوشب، ولكن يُكتب حديثه".
وَقَال صالح بن مُحَمَّد الأسدي الحافظ - جزرة-: "لَيْسَ
بشيءٍ، يروي عن شهر، عنده صحيفة منكرة، ولا أعلم أنه روى عن غير شهر، إلا عَنْ
عَاصِم الأحول حديثًا واحدًا فِي الدعاء".
قال الحَافِظ أَبُو بَكْر الخَطِيب معقباً على قول صالح
جزرة: "الحمل فِي الصحيفة التي ذكر صالح أنها منكرة عَلَى شهر، لا على عبدالحميد".
فالحارث بن عميرة هو يزيد بن عميرة، وقد وهم من سماه
"الحارث"!
·
هل خلط ابن عساكر في ترجمة «الحارث»!
قال ابن عساكر في «تاريخه» (11/458): "الحارث بن
عميرة الزبيدي الحارثي: روى عن معاذ بن جبل، وأبي عبيدة بن الجراح، وعبدالله بن
مسعود، وسلمان الفارسي. والصواب: يزيد بن عميرة".
وقال (65/336): "يزيد بن عميرة الزبيدي، ويقال:
الكلبي، ويقال: الكندي: حمصي. روى عن أبي بكر، وعمر، ومعاذ بن جبل وشهد وفاته
بالأردن، وعبدالله بن مسعود. روى عنه: أبو إدريس الخولاني، وأبو قلابة، وشهر بن
حوشب، وراشد بن سعد، وعطية بن قيس، ومعبد الجهني".
ونقل في ترجمة «الحارث بن عميرة» (11/462) عن البخاري أنه
قال: "الحارث بن عميرة الحارثي: سمع معاذا. روى شَريك عن أبي خلف".
ثم قال ابن عساكر: "ولم يذكره ابن أبي حاتم في باب
الحارث".
قلت: والبخاري كذلك لم يذكره، وقد خلط ابن عساكر الترجمة
التي ذكرها البخاري في باب «الحارث» بهذا! وإنما هو آخر.
ذكر البخاري في «تاريخه» (2/275) (2442): "الحارث بن
عميرة الحارثي، سمع معاذا، روى شريك عَنْ أَبِي خلف".
وقال في «الكنى»: "أبو خلف. قال عبدالرحمن بن شريك:
حدثنا أبي: سمع أبا خلف، عن الحارث بن عميرة الحارثي: سمع معاذاً باليمن: قال
النبي صلى الله عليه وسلم: «لو يصلح لأحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد
لزوجها»".
وهذا ليس صاحب معاذ الذي يروي عنه أبو إدريس الخولاني،
وشهر بن حوشب، بل آخر بحسب رواية أبي خلف هذا عنه، ولو كان هو لما اقتصر البخاري
على ترجمته من خلال هذا الإسناد فقط!
وتبعه على ذلك أبو حاتم وابنه، فقال ابن أبي حاتم في «الجرح
والتعديل» (9/366) (1679): "أبو خلف: روى عن الحارث بن عميرة الحارثي: سمع
معاذاً باليمن قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لو يصلح لأحد أن يسجد لأحد
لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها». روى عبدالرحمن ابن شريك، عن أبيه، عنه. سمعت أبي
يقول ذلك".
·
هل أُقحمت عبارة [ولا يتابع عليه]
في ترجمة «يزيد بن عميرة» من «تاريخ البخاري» أم لا؟!
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (8/350) (3288): "يزيد
بن عميرة الزبيدي الشامي، نسبه معاوية بن صالح، وقالَ مُحَمَّد بن أَبِي حفصة: «الكندي»،
وقالَ بعضهم: «الحارث بن عَميرة» ولا يصح. سَمِعَ معاذ بن جبل، وقدم
الكوفة وسَمِعَ ابن مَسْعُود [لم يتابع عليه] يُعرف بحديث واحد".
كذا في كلّ مطبوعات «التاريخ الكبير» [لم يتابع عليه]! ولا
توجد هذه العبارة في بعض النسخ المخطوطة. وكأنها موجودة في بعض النسخ.
وقد نبّه الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (11/352) أن
هذه العبارة في نهاية الترجمة، فساق كلام البخاري، وقال: "... وسمع ابن مسعود
يعرف بحديث واحد. قلت: تتمة كلامه: ولا يتابع عليه".
يعني أن قوله: "ولا يتابع عليه" = أي لا يتابع
على هذا الحديث الواحد الذي يُعرف به.
لكن أغلب الظنّ أن هذه العبارة «ولا يتابع عليه» مُقحمة في
بعض النسخ! فمنهم من أقحمها في وسط الترجمة، ومنهم من أقحمها في نهايتها! وقد نقل
بعض الأئمة هذه الترجمة عن الإمام البخاري من كتابه، ولم يذكروها.
نقلها ابن عساكر في «تاريخه» (65/342) من طريق علي بن
إبراهيم المستملي: أخبرنا أحمد بن سليمان قال: حدثنا البخاري قال: "يزيد ن
عميرة الزبيدي الشامي: نسبه معاوية بن صالح، وقال محمد بن أبي حفصة: الكندي، وقال
بعضهم: الحارث بن عميرة ولا يصح. سمع معاذاً، وقدم الكوفة وسمع ابن مسعود. يُعرف
بحديث واحد".
وقال أبو نصر ابن ماكولا في «الإكمال» (4/221): "أما
الزبيدي - بضم الزاي وفتح الباء - فجماعة، منهم: يزيد بن عميرة الزبيدي: حمصي، لقي
ابن مسعود. روى عنه راشد بن سعد".
ثم قال (6/279): "أما عميرة - بفتح العين وكسر الميم -:
يزيد بن عميرة الزبيدي الشامي، وقال بعضهم: الحارث بن عميرة ولا يصح، سمع معاذا
وابن مسعود، ويعرف بحديث واحد. قاله البخاري".
ومما يدل على أنها مقحمة في الترجمة أن البخاري قال:
" سَمِعَ معاذ بن جبل، وقدم الكوفة وسَمِعَ ابن مَسْعُود، يُعرف بحديث واحد"،
فأثبت سماعه من معاذ ومن ابن مسعود من خلال هذا الحديث الذي يُعرف به، فلو أراد
البخاري تضعيف الحديث لما احتج به على إثبات سماعه من معاذ ومن ابن مسعود، والله
أعلم.
وهذا الحديث الذي أشار إليه البخاري سيأتي لاحقاً إن شاء
الله، وهو من قول معاذ، رواه الزهري عن أبي إدريس الخولاني، عن يزيد بن عَميرة، عن
معاذ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ يَجْلِسُهُ: «اللَّهُ حَكَمٌ قِسْطٌ،
تَبَارَكَ اسْمُهُ، هَلَكَ الْمُرْتَابُونَ، مِنْ وَرَائِكُمْ فِتَنٌ يَكْثُرُ
فِيهَا المَالُ...».
·
اعتماد الذهبي على ما جاء في بعض
النسخ من قوله: "ولا يتابع عليه"!
وقال الذهبي في «الميزان» (1/440) (1639): "الحارث بن
عميرة [د، ت، س]، والصحيح: يزيد بن عميرة الزبيدي، كذا قال البخاري. له حديث
لا يصح.
قلت: يزيد صدوق، لكن قال البخاري ذاك باعتبار السند إليه.
وقد غلط أبو حاتم البُستي، وذكره فيما ذيل به على الضعفاء
له.
وقيل: هو كندي. وقيل زبيدي، وإنما قال البخاري لا يصح -
يعني قول من سماه الحارث بن عميرة. ذكره البناتي".
قلت: الذي يترجّح لديّ أن عبارة "ولا يتابع
عليه" مقحمة في بعض النسح من كتاب البخاري، والله أعلم.
·
هل «الحارث بن عميرة» و«يزيد بن
عميرة» واحد عند ابن حبان أم اثنان؟!
وذكر ابن حبان في طبقة التابعين من «الثقات» (4/132) (2143):
"الحَارِث بن عميرَة الحَارِثِيّ الْأَزْدِيّ: يروي عَن معَاذ بن جبل. روى
عَنهُ: طَلْحَة بن مصرف. عداده فِي أهل الكُوفَة. مَاتَ فِي ولَايَة يزِيد بن
مُعَاوِيَة".
وذكر أيضاً في هذه الطبقة (5/544) (6155): "يزِيد بن
عميرَة الزبيدِيّ: يروي عَن معَاذ بن جبل، قدم الكُوفَة فَسمع ابن مَسْعُود.
عِدَادُهُ فِي أهل الشَّام. روى عَنهُ الزُّهْرِيّ وَالنَّاس. ومن قَالَ
الحَارِث بن عميرَة فقد وهم".
قلت: الظاهر أن ابن حبان يُفرّق بينهما، وإلا كان ينبغي
عليه أن يُنبّه على أنه هو نفسه في ترجمة «الحارث»! وتنبيهه في ترجمة «يزيد» أن من
سماه «الحارث بن عميرة» فقد وهم فيه دلالة على أنه يرى التفريق بينهما! وكذا قوله
في ترجمة «الحارث»: "عداده في أهل الكوفة"، وقوله في ترجمة «يزيد»:
"عداده في أهل الشام"! والله أعلم.
·
رواية الزهري عن أبي إدريس عن
يزيد بن عميرة.
وحديث الزهري عن إبي إدريس عن يزيد بن عميرة:
رواه مَعمر [كما عند عبدالرزاق في «مصنفه» (11/363) (20750).
ومن طريقه رواه الحاكم في «المستدرك» (4/507) (8422)].
وعُقيلُ بن خالد الأيلي [كما عند أبي داود في «سننه» (7/
20) (4611)، وأبي نُعيم في «الحلية» (1/233)، وابن عساكر في «تاريخه» (65/337)].
وصالحُ بنُ كَيْسَانَ [كما عند ابن عساكر في «تاريخه»
(65/337)].
وسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ [كما عند الطحاوي في «شرح مشكل
الآثار» (10/38)].
وشعيب بن أبي حمزة، وعُبَيداللَّه بْن أَبي زياد الرصافي
[كما عند البيهقي في «الأسماء والصفات» (ص133)]
كلهم (معمر، وعقيل، وصالح، وابن عيينة، وشعيب، وعبيدالله) عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيِّ، قَالَ: أَدْرَكْتُ أَبَا
الدَّرْدَاءِ وَوَعَيْتُ عَنْهُ، وَأَدْرَكْتُ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ وَوَعَيْتُ
عَنْهُ، وَأَدْرَكْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَوَعَيْتُ عَنْهُ، وَفَاتَنِي
مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَأَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ عَميْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ
فِي كُلِّ مَجْلِسٍ يَجْلِسُهُ: «اللَّهُ حَكَمٌ قِسْطٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ،
هَلَكَ الْمُرْتَابُونَ، مِنْ وَرَائِكُمْ فِتَنٌ يَكْثُرُ فِيهَا الْمَالُ،
وَيُفْتَحُ فِيهَا الْقُرْآنُ حَتَّى يَأْخُذَهُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ،
وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ، وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، فَيُوشِكُ الرَّجُلُ أَنْ
يَقْرَأَ الْقُرْآنَ، فَيَقُولَ: قَدْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ، فَمَا لِلنَّاسِ لَا
يَتَّبِعُونِي وَقَدْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ؟ ثُمَّ يَقُولُ: مَا هُمْ
بِمُتَّبِعِيَّ حَتَّى أَبْتَدِعَ لَهُمْ غَيْرَهُ، فَإِيَّاكُمْ وَمَا ابْتُدِعَ،
فَإِنَّ مَا ابْتُدِعَ ضَلَالَةٌ، اتَّقُوا زَيْغَ الْحَكِيمِ، فَإنَّ
الشَّيْطَانَ يُلْقِي عَلَى فِي الْحَكِيمِ الضَّلَالَةَ، وَيُلْقِي لِلْمُنَافِقِ
كَلِمَةَ الْحَقِّ، قَالَ: قُلْنَا: وَمَا يُدْرِينَا يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَنَّ
الْمُنَافِقَ يُلْقِي كَلِمَةَ الْحَقِّ، وَأَنَّ الشَّيْطَانَ يُلْقِي عَلَى فِي
الْحَكِيمِ الضَّلَالَةَ؟ قَالَ: اجْتَنِبُوا مِنْ كَلَامِ الْحَكِيمِ كُلَّ
مُتَشَابِهٍ، الَّذِي إِذَا سَمِعْتَهُ قُلْتَ: مَا هَذَا؟ وَلَا يُثْنِيكَ ذَلِكَ
عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَعَلَّهُ أَنْ يُرَاجِعَ وَيُلْقِي الْحَقَّ إِذَا سَمِعَهُ،
فَإنَّ عَلَى الْحَقِّ نُورًا».
قال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ،
وَلَمْ يُخْرِجَاهُ".
·
رواية أبي قِلابة الجرمي البصري -
نزيل الشام- للحديث! والاختلاف على أيوب!
ورواه أيوب السختياني، عن أبي قِلابة الجرمي، واختلف عليه:
فرواه حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن يزيد بن عميرة،
عن معاذ، به. [الطبراني في «المعجم الكبير» (20/114) (227)، والحاكم في «المستدرك»
(4/513) (8440)].
ورواه حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: قال معاذ.
[اللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (1/100) (117)، وأبو عمرو
الداني في «السنن الواردة في الفتن» (1/228) (27)].
ولفظه: «تَكُونُ فِتْنَةٌ يَكْثُرُ فِيهَا الْمَالُ،
وَيُفْتَحُ فِيهَا القُرْآنُ حَتَّى يَقْرَأَهُ الْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ
وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ، يَقْرَأُهُ الرَّجُلُ سِرًّا
فَلَا يُتَّبَعُ عَلَيْهَا، فَيَقُولُ: وَاللَّهِ لَأَقْرَأَنَّهُ عَلَانِيَةً،
ثُمَّ يَقْرَأُهُ عَلَانِيَةً فَلَا يُتَّبَعُ عَلَيْهَا، فَيَتَّخِذُ مَسْجِدًا
وَيَبْتَدِعُ كَلَامًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُ فَإِنَّ كُلَّ
مَا ابْتَدَعَ ضَلَالَةٌ».
قلت: حماد بن زيد أثبت من حماد بن سلمة، وقد يكون حماد بن
سلمة ضبط الرواية لزيادته رجلاً في الإسناد، ورواية الزهري عن أبي إدريس عن يزيد
بن عميرة تقويها. وقد يكون هذا الحديث من كتب أبي قلابة التي أوصى بها لأيوب،
والله أعلم.
·
رواية أَبِي مُسْلِمٍ
الخَوْلَانِيِّ عن معاذ:
ورواه حَبِيبُ بنُ أَبِي مَرْزُوقٍ الرَّقيُّ، عَنْ
عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الخَوْلَانِيِّ قَالَ:
أَتَيْتُ مَسْجِدَ أَهْلِ حمص فَإِذَا فِيهِ حَلْقَةٌ فِيهَا كُهُولٌ مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا شَابٌ
مِنْهُمْ أَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ بَرَّاقُ الثَّنَايَا كُلَّمَا اخْتَلَفُوا فِي
شَيْءٍ رَدُّوهُ إِلَى الْفَتَى فَتًى شَابٌّ، قَالَ: فَقُلْتُ لِجَلِيسٍ لِي:
مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ. قَالَ: فَجِئْتُ مِنَ الْعَشِيِّ
فَلَمْ يَحْضُرْ، قَالَ: فَغَدَوْتُ مِنَ الغد فلم يجيء، فَرُحْتُ فَإِذَا أَنَا
بِالشَّابِّ يُصَلِّي إِلَى سَارِيَةٍ، قال: فركعت ثم تحولت إليه، قال: فسلم،
فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ، إِنِّي لَأُحِبُّكَ فِي اللَّهِ، قَالَ: فَمَدَّنِي
إِلَيْهِ، قَالَ: كَيْفَ قُلْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ، إِنِّي لَأُحِبُّكَ فِي اللَّهِ،
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: «الْمُتَحَابُّونَ
فِي اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فِي ظِلِّ عَرْشِ الرَّحْمَنِ يَوْمَ لَا
ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ».
قال أَبو مُسْلِمٍ الخولاني: "خرجت
فلقيت عبادة بن الصَّامِتِ فَذَكَرْتُ لَهُ حَدِيثَ مُعَاذٍ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ
قَالَ: «حَقَّتْ مَحَبَّتِي عَلَى الْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي
عَلَى الْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي عَلَى الْمُتَبَاذِلِينَ
فِيَّ وَالْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فِي ظِلِّ
الْعَرْشِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ».
رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (18/472) (35235)، وأحمد في «مسنده»
(36/383) (22064) عن وَكِيع بن الجرّاح. [ورواه ابن أبي عاصم في «الآحاد
والمثاني» (3/416) (1827)، والطبراني في «المعجم الكبير» (20/87) (167)، وابن
عبدالبر في «التمهيد» (21/130) من طريق ابن أبي شيبة. ورواه الطبراني أيضاً في
الموضع نفسه من طريق أحمد].
وأحمد في «مسنده» (36/399) (22080)، والحارث ابن أبي أسامة
في «مسنده» [كما في «بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث» (2/991) (1108)]. وابن سعد
في «الطبقات الكبرى» (3/442). والترمذي في «جامعه» (4/175) (2390) عن أَحْمَد بن
مَنِيعٍ البغوي. والشاشي في «مسنده» (3/159) (1236) و(3/280) (1385) عن عِيْسَى بن
أَحْمَدَ العَسْقَلانِي، وفي (3/160) (1237) عن أَبي بَكْرٍ مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ
الصَّاغَانِي. ستتهم (أحمد، والحارث، وابن سعد، وابن منيع، وعيسى، والصاغاني) عن
كَثِير بن هِشَامٍ الرقيّ. [ورواه أبو نُعيم في «الحلية» (1/230)، و(2/131) من
طريق الحارث بن أبي أسامة].
وسفيان الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/323) عن مُحَمَّد
بن عَبْدِالعَزِيزِ الوَاسِطِيّ، عن يَزِيد بن أَبِي الزَّرْقَاءِ.
كلهم (وكيع، وكثير، وابن أبي الزرقاء) عن جَعْفَر بن
بُرْقَانَ الكلابي الرقيّ.
وبعضهم رواه مطولاً، وبعضهم اختصره كالترمذي.
ورواه أحمد في «مسنده» (36/385) (22065) عن إِبْرَاهِيم
بن أَبِي العَبَّاسِ.
وعبدالله بن أحمد في «زوائده على المسند» (37/444) (22782).
ورواه ابن حبان في «صحيحه» (2/338) (577) عن أَبي يَعْلَى. كلاهما (عبدالله بن
أحمد، وأبو يعلى) عن أَبي أَحْمَدَ مَخْلَد بن الحَسَنِ بنِ أَبِي زُمَيْلٍ.
وأبو القاسم البغوي في «معجم الصحابة» (5/274) (2102) عن
عِيسَى بن سَالِمٍ الشَّاشِيّ. [وهو في جزء من حديث أبي سعيد عيسى بن سالم
الشاشي (ص: 26) (86).
والطبراني في «المعجم الكبير» (20/88) (168) عن أَحْمَد بن
النَّضْرِ العَسْكَرِيّ، عن سَعِيد بن حَفْصٍ النُّفَيْلِيّ.
وابن أبي الدنيا في كتاب «الإخوان» (7)، (9)، (99)، (156)
عن أَبي خَيْثَمَةَ زُهَيْر بن حَرْبٍ، عن عَبْداللَّهِ بن جَعْفَرٍ الرقيّ.
وأبو نُعيم في «الحلية» (5/121) من طريق الحَسَن بن
سُفْيَانَ، عن أَبي نُعَيْمٍ عُبَيْد بن هِشَامٍ الحَلَبِيّ.
كلهم (إبراهيم، وابن أبي زُميل، وعيسى، وسعيد، وعبدالله،
وعُبيد) عن الحَسَن بن عَمْرِو بنِ يَحْيَى الفَزَارِيّ أَبي الْمَلِيحِ
الرَّقِّيِّ.
كلاهما (جعفر بن برقان، وأبو
المليح) عن حَبِيب بن أَبِي مَرْزُوقٍ، به.
قال الترمذي: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".
وقال: "وفِي البَاب عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وابنِ
مَسْعُودٍ، وعُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، وأَبِي هُرَيْرَةَ، وأَبِي مَالِكٍ
الأَشْعَرِيِّ".
وقال ابن عبدالبر في «التمهيد» (21/132): "فهَذا
أَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلَانِيُّ يَرْوِي عَنْ مُعَاذٍ وَعُبَادَةَ جَمِيعًا هذا
الحَدِيثَ إِنْ كَانَ وَاحِدًا والحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا عَنْ عُبَادَةَ كَمَا
تَرَى، وَأَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلَانِيُّ اسْمُهُ: عَبْدُاللَّهِ بْنُ ثَوْبٍ لَا يَخْتَلِفُ
فِي ذَلِكَ أَهْلُ العِلْمِ بِالنَّقْلِ وَالسِّيَرِ، وَكَانَ فَاضِلًا عَابِدًا
جَلِيلًا مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَخِيَارِهِمْ وَجِلَّتِهِمْ، لَهُ
كَرَامَاتٌ كَثِيرَةٌ وَأَخْبَارٌ عَجِيبَةٌ مَشْهُورَةٌ ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ
وَسَعِيدُ بنُ أَسَدٍ وَغَيْرُهُمَا، وَكَانَ أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ
مُسْلِمًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ حِينَ اسْتُخْلِفَ أَبُو بكر الصديق".
ثم قال: "قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ
الخَوْلَانِيِّ فِي هَذَا الحَدِيثِ مِثْلَ رِوَايَةِ أَبِي مُسْلِمٍ
الْخَوْلَانِيِّ سَوَاءٌ عَنْ مُعَاذٍ وَعَنْ عُبَادَةَ".
وذكره مقبل الوادعي في «الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين»
في عدة مواضع (540)، و(1110) وقال: "هذا حديث حسنٌ".
وذكره أيضاً في مواضع من كتابه «الجامع الصحيح مما ليس في
الصحيحين» (678)، و(3574)، وقال: "هو حديث صحيحٌ".
قلت: هذا الحديث لم يروه عن أبي مسلم الخراساني إلا عطاء
بن أبي رباح! تفرد به عنه: حبيب بن أبي مرزوق!
·
حال حبيب بن أبي مرزوق!
وحبيب يروي عن التابعين: عُرْوَة بن الزبير (94هـ)،
وعَطَاء بن أبي رباح (114هـ)، ونَافِع مولى ابن عمر (117هـ).
وهو لا بأس به.
قال أحمد: "مَا أرى بِهِ بَأْسًا".
وقَال إِسْحَاق بن مَنْصُور، عَنْ يحيى بن مَعِين: "مشهور".
وقال الآجري: سألتُ أَبا داود، عن حبيب بن أبي مرزوق؟
فقال: "ثقة، جزري".
وقال أبو علي القشيري في «تاريخ الرقة»: سمعت هلالاً - ابن
العلاء- يقول: "حبيب بن أبي مرزوق: شيخٌ صالحٌ. بلغني أنه اشترى نفسه من الله
عز وجل ثلاث مراتٍ. يتولى بني أسد. حدّث عنه: جعفر بن برقان، وأبو المليح".
وقال البرقاني: سَألْتُ الدارقطني عن حَبِيْب بن أَبِي
مَرْزُوق، يُحَدِّثُ عنه: جَعْفَر بن بُرْقَان؟ فقالَ: "هو جَزَريٌّ، ثِقَةٌ،
يُحْتَجُّ بِهِ".
ولما ذكره أبو حاتم ابن حبان في «جملة الثقات» (6/184)
(7277) قال: "توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائة"، وخرّج حديثه في «صحيحه».
وقال الذهبي في «الكاشف» (1/309): "صدوق".
وقال ابن حجر في «التقريب»: "ثقة فاضل... مات سنة
ثلاث أو ثمان وثلاثين".
روى له التِّرْمِذِيّ، والنَّسَائي.
·
الحديث معلول بالانقطاع! حبيب لم
يسمع عطاء!
قلت: هو صدوق، وحديثه ليس بالكثير، وقد تتبعته فوجدته
يُرسل عن بعض الصحابة، ويروي بعض الغرائب! ويروي بعض الآثار عن عطاء من فتاويه،
ولم يثبت عندي سماعه منه! ولو كان هذا الحديث عند عطاء لوجدناه عند أصحابه
المعروفين الملازمين له كابن جُريج، وأيوب، والزهري، وغيرهم! فكيف يتفرد عنه بهذا
الحديث دون أصحابه، وهو لا يُعرف بصحبة عطاء!!
بل لا يوجد لعطاء رواية عن أبي مسلم الخولاني إلا هذه
الرواية!!
ومما يدل على عدم سماع جبيب من عطاء أنه يروي عنه بواسطة!
فقد روى النسائي من طريق زَيْد بن عَلِيٍّ أَبي أُسَامَةَ،
عن جَعْفَر بن بُرْقَانَ، عَنْ حَبِيبِ بنِ أَبِي مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطَاءٍ،
عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ
صَلَّى عَلَى قَبْرِ امْرَأَةٍ بَعْدَ مَا دُفِنَتْ».
وهذا الأصل أن يكون متصلاً؛ لأنهم ذكروا رواية حبيب عن
عطاء، وصححوا حديثه!
لكن بيّن المزي في «التحفة» (2/222) انقطاعه بين حبيب
وعطاء.
قال: "هكذا رواه أبو بكر بن السُّنِّيِّ (364 هـ) عن
النسائيِّ. وقال ابنه أبو موسى عبدالكريم (344 هـ) وأبو الحسن بن حَيُّوْيَة (366
هـ) والحسن بن الخضر الأُسيوطيُّ (361 هـ) وأبو القاسم الطبرانيُّ (360هـ) عن
النسائيِّ بإسناده: عن حبيب بن أبي مرزوق، عن ابن جريج، عن عطاء،
وكذلك رواه أبو عروبة الحرَّانيُّ، عن المغيرة بن عبدالرحمن، وكذلك رواه محمد بن
أبي أُسامة الرقِّيُّ، عن أبيه".
فالحديث رواه حبيب عن عطاء بواسطة ابن جريج، وهذا يدلّ على
أن رواية حبيب عن عطاء منقطعة!
والحديث يرويه جماعة عن أبي إدريس الخولاني، مرسلاً، وهو
معروف به، ولا يصح فيه "أبو مسلم الخولاني"! فإن صحت رواية حبيب عن عطاء
فيكون قد وهم فيه، فقال: "عن أبي مسلم الخولاني"! والصواب: "عن أبي
إدريس الخولاني"، وهو منقطع على كلا الحالين.
·
رواية منكرة تُروى عن عطاء!
وحبيب على قلة روايته إلا أنه يروي بعض المناكير! ومنه مما
يرويه عن عطاء ما رواه الفاكهي في «أخبار مكة» (1/323) (658) قال: حَدَّثَنَا
حُسَيْنُ بنُ حَسَنٍ قَالَ: أخبرنا عَبْدُاللهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حدثنا أَبُو
الْمَلِيحِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كُنْتُ
عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، إِذْ جَاءَتْ حَيَّةٌ
ذَاتُ طُفْيَتَيْنِ، فَطَافَتْ بِالبَيْتِ سَبْعًا، ثُمَّ صَلَّتْ خَلْفَ
المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيْهَا ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا: «إِنَّ لَنَا أَعْبُدًا فَلَا نَأْمَنُهُمْ عَلَيْكِ، وَإِنَّ اللهَ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ قَضَى حَجَّكِ»، قَالَ: "فَجَمَعَتْ كَثِيبًا،
ثُمَّ طَفَتْ فِي السَّمَاءِ حَتَّى مَا رُئِيَتْ".
ورواه أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب «العظمة» (5/1655) قال:
حَدَّثَنَا أَبُو الطَّيِّبِ أَحْمَدُ بنُ رَوْحٍ، قال: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ
يَعْقُوبَ الرُّخَامِيُّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ
الرَّقِّيُّ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْمَلِيحِ الرَّقِّيُّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ
أَبِي مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ طَلْقٍ قَالَ: "كُنْتُ عِنْدَ أَبِي
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ زَمْزَمَ.."
فذكره.
فزاد فيه: "عن طلق".
ورواه الفاكهي أيضاً بعد الحديث السابق من طريق أَبي
بَكْرِ بن عَيَّاشٍ، عَنِ المُغِيرَةِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ
عَبْدِاللهِ بنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ:
"فَطَارَتْ".
قلت: فهنا خالف المغيرة حبيب بن أبي مرزوق، فجعله عن عطاء
عن عبدالله بن عمرو! وحبيب جعله عن عطاء عن عبدالله بن عباس، ورُوي أيضا عنه عن
عطاء عن طلق عن ابن عباس!
فالظاهر أنه كان يُخطئ فيه! ولا أظنه سمعه من عطاء! وهذا
منكر عن عطاء! والمغيرة بن زياد الموصلي ضعيف مضطرب الحديث، ويروي عن عطاء
المناكير! فيحتمل أن حبيباً سمعه منه أو من غيره فرواه عن عطاء فأخطأ فيه!
وهذه القصة منكرة جداً!! فكيف لحيّة أن تأتي للبيت الحرام،
وتطوف بالبيت سبعاً، وتصلي خلف المقام، وابن عباس رآها وطلبها وقال لها ما قال! ثم
جمعت كثيباً من الرمل ثم طارت واختفت!!
·
رواية أبي الزبير عن عبدالرحمن بن
غَنْم عن معاذ.
وأما ما رُوي عن أبي الزبير عن ابن غنم عن معاذ، فهو:
ما رواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (6/61) (5795) قال:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِاللَّهِ الحَضْرَمِيُّ قَالَ: حدثنا
عَبْدُالحَمِيدِ بنِ صَالِحٍ، قَالَ: حدثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلِيُّ، عَنْ عَبْدِالمَلِكِ
بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنِ ابنِ غَنَمٍ، عَنْ
مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَبَاذِلِينَ
فِيَّ، وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ».
قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ
عَبْدِالمَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، إِلَّا أَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلِيُّ، تَفَرَّدَ
بِهِ عَبْدُالحَمِيدِ بنُ صَالِحٍ"!
قلت: عبدالحميد بن صالح بن عجلان، أَبُو صالح الكوفي صدوق
له أخطاء!
ولو صح أن عبدالحميد ضبطه عن أبي بكر النهشلي، فتكون هذه
الرواية أحد الاختلافات على عبدالملك بن أبي سليمان! فقد تقدّم أثناء التفصيل في
رواية شهر بن حوشب الاختلاف على عبدالملك في روايته!
فرواه يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ الطنافسيّ، عَنْ عَبْدِالمَلِكِ
بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ رَجُلٍ...
ورواه جرير بن عبدالحميد الرازي، عن عبدالملك
بن أبي سليمان قال: قال رجل...
ورواه أَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلِيُّ، عَنْ عَبْدِالمَلِكِ
بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنِ ابنِ غَنَمٍ، عَنْ مُعَاذِ
بنِ جَبَلٍ...
وهذا الاختلاف لا شك أنه من عبدالملك نفسه! وعبدالملك ثقة
في نفسه، لكن له أوهام، وقد تفرد بحديث الشفعة وتكلّم فيه شعبة من أجل ذلك! وقد
اضطرب في هذا الحديث، والظاهر أن روايته عن شهر هي الصواب – وإن كان أسقطه مرة -
لأن الحديث محفوظ عن شهر من طرق أخرى، وأما رواية أبي الزبير عن ابن غنم فليست
محفوظة! ولا يُعرف أن أبا الزبير حدث به أو ابن غنم!
وعليه فلا تصح هذه الرواية عن أبي الزبير.
والخلاصة أن أبا إدريس الخولاني لم يسمع من معاذ، ولم يثبت
أن أبا إدريس روى هذه القصة عن معاذ، والرواية عنه مرسلة.
·
هل سمع أبو إدريس من ابن مسعود
وأبي موسى الأشعري؟!
قال أبو زرعة الدمشقي: "وأبو إدريس عايذ الله بن عبدالله
الخولاني يُحدِّث عن الأجلة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: عبادة بن
الصامت، وشداد بن أوس، وحذيفة بن اليمان، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وعبدالله
بن مسعود والأشعري قدما دمشق..".
وقال ابن الغلابي عن أبي زكريا يحيى بن معين قال: "أبو
إدريس سمع من أبي الدرداء ومن شداد ومن عبادة، قال: وفاتني معاذ، فحدثني يزيد بن
عميرة، وسمع من أبي ثعلبة الخشني، وخرج ابن مسعود إلى الشام في زمن عمر".
قال ابن الغلابي: وسمعت غير أبي زكريا يقول: "ولد أبو
إدريس الخولاني أيام حنين، قال: وكانت حنين قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم
بسنتين فمن ثم سمع من بلال وابن مسعود - يعني أبا إدريس" [تاريخ دمشق لابن
عساكر (26/158)].
قلت: لم يثبت سماع أبي إدريس من ابن مسعود (ت32هـ) وكان
أميراً لعمر على الكوفة، ونزوله الشام زمن عمر (ت23هـ) لا يعني أن أبا إدريس لقيه
وسمع منه، ولم أجد له رواية عنه!
وأما أبو موسى الأشعري (ت42، وقيل: 44، وقيل: 50، وقيل:
52، وقيل: 53هـ) فاستعمله عُمَر بن الخطاب على الكوفة والبصرة أيضاً، وقدم دمشق
على معاوية، ولا نعلم أن أبا إدريس لقيه لما نزل الشام، ولا توجد له رواية عنه،
والله أعلم.
·
حديث أبي إدريس الخولاني عن
حُذيفة بن اليمان:
حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحب
سرّه من المهاجرين، روى عنه: ابنه أبو عبيدة بن حذيفة، وزيد بن وهب، وأبو الطفيل، وطارق
بن شهاب، وهمام بن الحارث، وصلة بن زفر العبسي، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وزِر بن حُبيش،
وعبدالله بن الصامت، ويزيد بن شريك التيمي وغيرهم.
وشهد اليرموك بالشام، وكان البريد إلى عمر - رضي الله عنه
- بالفتح = يعني أنه نزل الشام مجاهداً، ورجع للمدينة مُبشراً عمر بالانتصار.
وكان حذيفة شارك في كثير من الفتوحات في عهد عمر رضي الله
عنه، فكان في فتح أَذْرَبِيجَان سَنَة اثنتَيْن وَعِشرْين عَلَى يَدَيِ
المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ.
قال خليفة بن خياط: وقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: فتحها حبيب
بن سلمة الْفِهْرِيُّ بِأَهْلِ الشَّامِ عَنْوَةً، وَمَعَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ
فِيهِمْ حُذَيْفَةُ فَافْتَتَحَهَا بَعْدَ قِتَالٍ شَدِيدٍ.
قال: ومضى حذيفة بن اليمان سنة اثنتين وعشرين إلى مدينة
نهاوند فصالحه دينار على ثمانمائة ألف درهم في كل سنة، وغزا حذيفة مدينة الدِّينَوَرَ
فافتتحها عنوة، ثم غزا حذيفة مدينة ماسبذان فافتتحها عنوة - قال خليفة: وقد قيل في
ماه غير هذا، يقال أبو موسى فتح ماه دينار، ويقال السائب بن الاقرع -.
وقال أبو عبيدة: ثُمَّ غَزَا حُذَيْفَةُ هَمَذَانَ
فَافْتَتَحَهَا عَنْوَةً، وَلَمْ تَكُنْ فُتِحَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، ثم غزا الري
فافتتحها عنوة ولم تكن فتحت قبل، وَإِلَيْهَا انْتَهَى فُتُوحُ حُذَيْفَةَ.
وقال أبو عبيدة: فتوح حذيفة هذه كلها في سنة اثنتين وعشرين.
[تاريخ دمشق لابن عساكر: (12/287)].
وحذيفة استعمله
عمر على المدائن، فلم يزل بها حتى مات بعد قتل عثمان وبعد بيعة علي بأربعين يوماً،
وكان يأتي الكوفة من المدائن.
قال أبو بكر بن عيّاش: سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول: "كان
حذيفة يجيء كل جمعة من المدائن إلى الكوفة"، قال أبو بكر: فقلت له: تستطيع أن
تجيء من المدائن إلى الكوفة؟ قال: "نعم، كانت له بغلة فارهة". [تاريخ
دمشق: (12/294)].
ولم أجد ما
يدلّ على أن حذيفة نزل الشام بعد رجوعه من اليرموك أو أن أبا إدريس لقيه!
ولا زال أهل
النقد ينفون السماع بين الرواة بعدم اللقاء لاختلاف المواطن.
قال العلائي في «جامع التحصيل» (ص: 176): "زرارة بن أوفى قاضي
البصرة، روى عن تميم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أول ما يحاسب به
المرء من عمله صلاته»، قال أحمد بن حنبل: ما أحسب لقي زرارة تميماً، تميم كان
بالشام، وزرارة بصري كان قاضيها".
ولم أجد أحداً من أهل النقد قديماً أثبت سماع أبي إدريس
الخولاني من حذيفة!
وأثبت سماعه منه: يعقوب بن سفيان الفسوي (ت277هـ)، وأبو
نصرٍ الكُلاباذي (ت398هـ).
والعمدة عند بعضهم في إثبات سماعه من حذيفة تخريج البخاري
ومسلم لحديثه عنه في «صحيحيهما» وورود السماع في إسناد الحديث في بعض الروايات.
·
الحديث الأول عن أبي إدريس عن
حُذيفة:
الحديث المشهور في «الصحيحين» في سؤال حذيفة عن
الشر، وطرقه شامية وكوفية، وأشهر طريقين: طريق شامي: عن أبي إدريس عن حذيفة. وطريق
عراقيّ: عن سُبَيْعِ بنِ خَالِدٍ أو خالد بن سُبيع اليَشْكُرِيِّ.
·
الطرق الشامية:
-
أبو إدريس الخولاني عن حذيفة:
رواه عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ يَزِيدَ بنِ جَابِرٍ الدمشقيّ
الدارانيّ، قال: حَدَّثَنِي بُسْرُ بنُ عُبَيْدِاللهِ الحَضْرَمِيُّ، أَنَّهُ
سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ بنَ
اليَمَانِ، يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ
مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي
جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا
الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ
خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ» قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ
يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ» قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ
ذَلِكَ الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ،
مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
صِفْهُمْ لَنَا؟ فَقَالَ: «هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ
بِأَلْسِنَتِنَا» قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ:
تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الفِرَقَ كُلَّهَا،
وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنْتَ
عَلَى ذَلِكَ».
رواه نُعيم بن حماد في «الفتن» (1/35) (29)، و(1/142)
(354).
ورواه البخاري في «صحيحه» (4/199) (3606) عن يَحْيَى بنِ
مُوسَى البلخيّ.
ورواه البخاري أيضاً (9/51) (7084)، ومسلم في «صحيحه» (3/1475)
(1847). وأبو نُعيم في «الحلية» (1/272) من طريق الحَسَن بن سُفْيَانَ. ثلاثتهم
(البخاري، ومسلم، والحسن) عن أبي موسى مُحَمَّد بن المُثَنَّى.
وابن ماجه في «سننه» (5/121) (3979) عن عَلِيّ بن
مُحَمَّدٍ الطنافسيّ، ببعضه: «تكون دُعاة على أبواب جهنَّم من أجابهم إليها
قذفوه فيها... الحديث».
والبزار في «مسنده» (7/364) (2962) عن أَحْمَد بن
المِقْدَامِ.
وأبو عوانة في «مستخرجه» (4/418) (7166) عن عَلِيّ بن
سَهْلٍ الرَّمْلِيّ.
والحاكم في «المستدرك» (1/197) (386) من طريق إِبْرَاهِيم
بن مُوسَى الرازيّ.
والبيهقي في «السنن الكبرى» (8/269) (16610) من طريق أَبي
عَمَّارٍ الحُسَيْن بن حُرَيْثٍ الخُزَاعِيّ، وإِسْحَاق بن مُوسَى
الْأَنْصَارِيّ، وعُبَيْدِاللهِ بنِ سَعِيدٍ اليَشْكُرِيّ.
كلهم (نُعيم بن حماد، ويحيى بن موسى، ومحمد بن المثنى،
وعلي الطنافسي، وأحمد بن المقدام، وعلي بن سهل، وإبراهيم بن موسى، والحسين بن
حريث، وإسحاق بن موسى، وعبيدالله اليشكري) عن الوَلِيد بن مُسْلِمٍ الدمشقيّ.
ورواه أبو عوانة في «مستخرجه» (4/419) (7167) عن عِيسَى بن
أَحْمَدَ العَسْقَلَانِيّ، عن بِشْرِ بنِ بَكْرٍ التنيسيّ.
ورواه الحاكم في «المستدرك» (1/197) (386) من طريق العَبَّاس
بن الوَلِيدِ بنِ مَزِيدٍ، عن مُحَمَّد بن شُعَيْبِ بنِ شَابُورَ.
ورواه من طريقه البيهقي في «السنن الكبرى» (8/269) (16610).
ثلاثتهم (الوليد بن مسلم، وبشر بن بكر، ومحمد بن شعيب) عن عَبْدالرَّحْمَنِ
بن يَزِيدَ بنِ جَابِرٍ، به.
· وهمٌ
للحاكم!
قال الحاكم: "هذَا حَدِيثٌ مُخَرَّجٌ فِي
الصَّحِيحَيْنِ هَكَذَا، وَقَدْ خَرَّجَاهُ أَيْضًا مُخْتَصَرًا مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ،
عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيِّ وَإِنَّمَا خَرَّجْتُهُ فِي كِتَابِ
الْعِلْمِ لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ لِلشَّيْخَيْنِ حَدِيثًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
الْإِجْمَاعَ حَجَّةٌ غَيْرَ هَذَا، وَقَدْ خَرَّجْتُ فِي هَذِهِ المَوَاضِعِ مِنْ
أَحَادِيثِ هَذَا البَابِ مَا لَمْ يُخَرِّجَاهُ، الحَدِيثُ الْأَوَّلُ مِنْهَا".
قلت: قوله: "وقد خرجاه أيضاً مختصراً من حديث الزهري
عن أبي إدريس الخولاني"! وهَم منه - رحمه الله -! فهما لم يخرجاه من حديث
الزهري عن أبي إدريس لا مطولاً ولا مختصراً!! وقد خرّج مسلم بهذا الإسناد حديثاً
مختصراً في الفتن وهو الثاني الذي سيأتي لاحقاً إن شاء الله.
وبُسر بن عبيدالله الشامي أحفظ أصحاب أبي إدريس عنه كما
قال أبو مسهر.
فالحديث صحيح بهذا الإسناد، لكن تبقى المسألة في سماع أبي
إدريس من حذيفة!
نعم، جاء في بعض الأسانيد - كما عند البخاري ومسلم - تصريح
أبي إدريس سماعه من حذيفة! لكن هذا لا يُعتمد عليه؛ لأن الخطأ كثير في أسانيد
الشاميين في إثبات السماعات! وهذه السماعات تكون خطأ في الأصول!
-
أبو سلاّم مَمطور الحبشي الشامي
عن حذيفة:
ورواه مسلمٌ في «صحيحه» (3/1476) (1847) قال: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ التَّمِيمِيُّ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ
حَسَّانَ. [ح].
وحَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ
الدَّارِمِيُّ، قال: أَخْبَرَنَا يَحْيَى - وهُوَ ابنُ حَسَّانَ-، قال: حَدَّثَنَا
مُعَاوِيَةُ - يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ-، قال: حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ سَلَّامٍ،
عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ بنُ اليَمَانِ: قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ، فَجَاءَ اللهُ بِخَيْرٍ، فَنَحْنُ فِيهِ،
فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ
ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ
الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي
أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ
فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ»، قَالَ:
قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ
وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ
وَأَطِعْ».
ورواه البيهقي في «السنن الكبرى» (8/271) (16617) من طريق
عَبْداللهِ بن مُحَمَّدٍ، عن عَبْداللهِ بن عَبْدِالرَّحْمَنِ الدَّارِمِيّ. ومن
طريق مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ الثَّقَفِيّ، عن مُحَمَّد بن سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ.
كلاهما عن يَحْيَى بن حَسَّانَ، به.
ورواه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (4/252) (5481) عن مُسْلِمِ
بنِ إِبْرَاهِيمَ، عن سُوَيْد اليَمَامِيّ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ،
عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ، عَنْ أَبِيهِ، أو عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ
حُذَيْفَةَ بنَ اليَمَانِ لَمَّا احْتُضِرَ أَتَاهُ نَاسٌ مِنَ الْأَنصار،
قَالُوا لَهُ: يَا حُذَيْفَةُ، مَا نَرَاكَ إِلَّا مَقْبُوضًا، فَقَالَ لَهُمْ:
عَبٌّ مَسْرُورٌ، وَحَبِيبٌ جَاءَ عَلَى فَاقَةٍ لَا أَفْلَحَ مَنْ نَدِمَ،
اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أُشَارِكْ غَادِرًا فِي غَدْرَتِهِ، فَأَعُوذُ بِكَ
الْيَوْمَ مِنْ صَاحِبِ السُّوءِ. كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الخَيْرِ.. الحديث.
ورواه ابن عساكر في «تاريخه» (73/83) من طريق محمد بن سعد،
به. وقال: "وفي نسخ: من صباح السوء".
قال ابن عساكر: "كذا جاء في هذه الرواية، وقد رواه
معاوية بن سلّام عن أخيه زيد، عن جدّه أبي سلّام من غير شك".
·
خطأ في كتاب الحاكم!
ورواه الحاكم في «المستدرك» (4/547) (8533) من طريق إِسْمَاعِيل
بن إِسْحَاقَ القَاضِي، عن مُسْلِم بن إِبْرَاهِيمَ، عن سُوَيْد أَبي حَاتِمٍ
اليَمَامِيّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ لَمَّا
احْتُضِرَ أَتَاهُ نَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ...
كذا في المطبوع بدون شك! والصواب أنه بالشك كما نبّه عليه
ابن عساكر. والصواب أنه "عن جده"، وهو لا يروي عن أبيه.
قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/261): "سلام
بن أبي سلام الحبشي والد معاوية بن سلام: لا أعلم أحداً روى عنه، إنما الناس
يروون: معاوية بن سلام عن جدّه، ومعاوية بن سلام عن أخيه، فأما معاوية بن سلام عن
أبيه، فلا أعرفه، سمعت أبي يقول ذلك".
والحديث قال عنه الحاكم: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ،
وَلَمْ يُخْرِجَاهُ"! وهذا وهم منه! فالحديث لا يصح.
·
تعقّب على الطبراني!
ورواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (3/190) (2893) قال:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ هَاشِمٍ البَغَوِيُّ قَالَ: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبَّادٍ الْمَكِّيُّ قَالَ: حدثنا أَبُو سَعِيدٍ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، عَنْ عُمَرَ
بنِ رَاشِدٍ اليَمَامِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ
سَلَّامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَتَكُونُ أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ
بِهَدْيِي، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَتَكُونُ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ
قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي أَجْسَادِ الْإِنْسِ» قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ إِنْ
أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ الْأَعْظَمِ، وَإِنْ
ضَرَبَ ظَهْرَكَ، وَأَخَذَ مَالَكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ».
قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ
يَحْيَى إِلَّا عُمَرُ، تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ سَلَّامٍ".
قلت: بل رواه عن يحيى أيضاً: سُوَيْد أَبو حَاتِمٍ
اليَمَامِيّ كما سبق. لكن سويد اليمامي هذا مجهول لا يُعرف! فربما من أجل هذا لم يعتد
الطبراني بهذا، وقال بأنه لم يرو هذا الحديث عن يحيى إلا عمر! والله أعلم.
وهنا في رواية عمر: عن أبيه عن جده! بدون شك! وعمر بن راشد
ضعيف جداً!
قال أحمد: "حديثه ضعيف ليس بمستقيم، حدّث عن يحيى بن
أَبي كثير بأحاديث مناكير".
فالحديث يرويه يَحْيَى بن حَسَّان، عن مُعَاوِيَةُ بن سَلَّامٍ،
عن زَيْد بن سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عن حُذَيْفَة بن اليَمَانِ.
ورواه
يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلاّم، عن أبيه أو جدّه، عن حذيفة.
ويحيى
لم يسمع من زيد!
قَالَ
العِجلِيّ: "قدم مُعَاوِيَة بن سَلام على يحيى بن أبي كثير فَأعْطَاهُ كتابا
فِيهِ أَحَادِيث زيد بن سَلام، وَلم يقرأه، وَلم يسمعهُ مِنْهُ".
فرجع
الحديث إلى معاوية بن سلام، عن أخيه زيد، عن جده أبي سلاّم، عن حذيفة.
·
أبو سلاّم لم يسمع من حذيفة!
وعموماً
فهذا الإسناد منقطع؛ فأبو سلاَّم الأسود - واسمه: ممطور الحبشي - لم يسمع من
حذيفة.
قال
الحافظ أبو الحسن الدارقطني في «تتبعه» (53): "وهذا عندي مرسل. أبو سلام لم
يسمع من حذيفة ولا من نظرائه الذين نزلوا العراق؛ لأن حذيفة توفي بعد قتل عثمان
رضي الله عنه بليال، وقد قال فيه: «قال: قال حذيفة» فهذا يدل على إرساله".
ويقول
الإمام النقاد الذهبي في ترجمة «أبي سلاَّم» من «السير» (4/355): "حدَّث عن
حذيفة، وثوبان، وعلي، وأبي ذر، وعمرو بن عبسة، وكثير من ذلك مراسيل،
كعادة الشاميين، يرسلون عن الكبار".
وقال
في «الكاشف» (2/292): "غالب رواياته مرسلة، ولذا ما أخرج له البخاري".
قلت:
أبو سلام توفي سنة نيف ومئة كما قال الإمام الذهبي، ومثله لا يكون سمع ممن مات قبل
الستين؛ وذلك لأن أهل الشام كانوا يتأخرون في السماع، وكانوا يطلبون الحديث
وأعمارهم ما بين (25-30)، وكان الإرسال شائعا فيهم، ولهذا قال عنه الذهبي:
"غالب رواياته مرسلة، ولذا ما أخرج له البخاري".
فطبقة
سماع أبي سلام من الصحابة ممن مات بعد سنة (60هـ) كأبي أمامة الباهلي (ت86هـ)،
والنعمان بن بشير (ت66هـ). وقد روى عن عبدالله بن عمر (ت74هـ) وأبي هريرة (ت59هـ)
بواسطة: الحَكَم بن مِينَاءَ.
وقد
اتفق أهل النقد على أن أبا سلاَّم لم يسمع من ثوبان الصحابي، وثوبان نزل الشام
ومات بحمص سنة (54هـ)؛ فكيف يسمع من حذيفة الذي توفي في أول خلافة عليّ سنة (36هـ)
في المدائن!
وكذلك
لم يثبت سماع أبي سلام من عبادة بن الصامت (34هـ)، وعلى فرض أنه سمع منه، فهذا لا
يدل على أنه سمع من حذيفة الذي كان في المدائن! فإن الدراقطني لما نفى سماعه من
حذيفة (ت 36هـ) قال "أبو سلام لم يسمع من حذيفة ولا من نظرائه الذين
نزلوا العراق"، وهذا نفي لسماعه ممن نزل العراق من الصحابة؛ لأنه لم
يرحل إلى هناك وهو شامي، وهذا يدلّ على دقة الإمام الدارقطني - رحمه الله تعالى-.
-
يُونُس بن مَيْسَرَةَ
الجُبْلَانِيّ الدمشقيّ عن حذيفة:
ورواه نعيم بن حماد في «الفتن» (1/143) (356) قال:
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ كَثِيرِ بنِ دِينَارٍ الحمصيّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
مُهَاجِرٍ الشاميّ - أَخِي عَمْرِو بنِ مُهَاجِرٍ-، عَنْ يُونُسَ بْنِ
مَيْسَرَةَ الْجُبْلَانِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ، قَالَ: ذَكَرَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُعَاةً عَلَى أَبْوَابِ
جَهَنَّمَ، مَنْ أَطَاعَهُمْ أَقَحَمُوهُ فِيهَا، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، فَكَيْفَ النَّجَاةُ مِنْهَا؟ قَالَ: «تَلْزَمُ الْجَمَاعَةَ وَإِمَامَ
الْجَمَاعَةِ» قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامُ
جَمَاعَةٍ؟ قَالَ: «فَاهْرُبْ مِنْ تِلْكَ الْفِرَقِ كُلِّهَا، وَلَوْ يُدْرِكُكَ
الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَاضٌّ بِسَاقِ شَجَرَةٍ».
قلت: يونس لم يدرك حذيفة! وقيل أدرك معاوية لكن لم يسمع
منه! وقد توفي سنة (132هـ)، فالحديث مرسل.
ويُحتمل أن يونس سمعه من أبي إدريس الخولاني، فلما حدث به
أرسله، أو أنه سقط من أحد الرواة، والله أعلم.
-
مَكْحُول الشاميّ عَنْ حُذَيْفَةَ:
ورواه نعيم بن حماد في «الفتن» (1/31) (16) عن عَبْدالخَالِقِ
بن زَيْدٍ الدِّمَشْقِيّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بنِ
اليَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «مَا مِنْ صَاحِبِ فِتْنَةٍ
يَبْلُغُونَ ثَلَاثَمِائَةِ إِنْسَانٍ إِلَّا وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ
بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَمَسْكَنِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، كُلُّ ذَلِكَ
مِمَّا عَلَّمَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا:
بِأَعْيَانِهَا؟ قَالَ: «أَوْ أَشْبَاهِهَا، يَعْرِفُهَا الْفُقَهَاءُ، أَوْ
قَالَ: الْعُلَمَاءُ، إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تُسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ وَأَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ،
وَتَسْأَلُونَهُ عَمَّا كَانَ، وَأَسْأَلُهُ عَمَّا يَكُونُ».
ورواه أيضاً (33) عن مُحَمَّد بن شَابُورَ، عَنِ
النُّعْمَانِ بنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَ حديث يونس بن ميسرة السابق.
قلت: وهذا مرسل. مكحول توفي سنة بضع عشرة ومائة، كثير
الإرسال، ولم يلق حذيفة.
-
حَسَّان بن عَطِيَّةَ المحاربيّ
الدمشقي عَنْ حُذَيْفَةَ:
ورواه نعيم بن حماد في «الفتن» (1/35) (30)، و(1/142)
(355) عن الوَلِيد بن مسلم، عن الْأَوْزَاعِيّ، عَنْ حَسَّانَ بنِ عَطِيَّةَ، عَنْ
حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِثْلَ ذَلِكَ.
قلت: وهذا مرسل أيضاً! حسان بن عطية توفي بعد سنة (120هـ)،
ولم يدرك حذيفة!
-
قَبِيصَة بن ذُؤَيْبٍ الخُزَاعِيّ
الدِّمَشْقِيّ عَنْ حُذَيْفَةَ:
ورواه البخاري في «التاريخ الكبير» (1/400) (1274) في
ترجمة «إِسْحَاق بن قَبِيصَةَ بنِ ذُؤَيْبٍ الخُزَاعِيّ الكَعْبِيّ» عن إِبْرَاهِيم
بن المنذر، عن عبدالله بن مُوسَى، عَنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ الليثيّ، عَنْ رَجُلٍ
مِنْ خُزَاعَةَ، عَنْ إِسْحَاق، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ بنُ
اليَمَانِ: «كَانُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشَّرِّ».
قلت: فيه رجل مُبهم لا يُعرف! وهو مرسل كذلك! فقبيصة لا
يُعرف أنه لقي حذيفة أو سمع منه! وحذيفة كان بالمدائن. وقبيصة أصله من المدينة،
ووقع إلى الشام، وكان على الخاتم والبريد لعبدالملك بن مروان، ولد عام فتح مكة، وكان
يرسل عن أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعبدالرحمن بن عوف، وغيرهم.
قال محمد بن عمر الواقدي: "توفي سنة ست أو سبع وثمانين،
تحوّل إلى الشام وتوفي بها، وداره بالمدينة في التمارين في زقاق النقاشين".
وقال ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل المدينة: "قبيصة
بن ذؤيب بن حلحلة بن عمرو بن كليب بن أصرم بن عبدالله بن قمير بن حبشية بن سلول بن
كعب بن عمرو بن خزاعة، ويكنى أبا إسحاق، وسمع من عثمان بن عفان، وله دار بالمدينة
في التمارين في زقاق النقاشين، وكان تحول إلى الشام، فكان آثر الناس عند عبدالملك
بن مروان وكان على خاتم عبدالملك، وكان البريد إليه، فكان يقرأ الكتب إذا وردت ثم
يدخلها على عبدالملك فيخبره بما فيها، ومات قبيصة سنة ست أو سبع وثمانين في خلافة
عبدالملك بن مروان وكانت لأبيه صحبة، وكان قبيصة ثقة مأمونا كثير الحديث".
وقال أبو نصر البخاري الكلاباذي في «رجال البخاري» (2/620)
(985): "قبيصَة بن ذُؤَيْب بن حلحلة بن عَمْرو أَبُو سعيد، وَيُقَال: أَبُو
إِسْحَاق الخُزَاعِيّ الكعبي المدنِي. سكن الشَّام. سمع أَبَا هُرَيْرَة. رَوَى
عَنهُ الزُّهْرِيّ فِي النِّكَاح. قَالَ الذهلي: قَالَ يَحْيَى بن بكير: مَاتَ سنة
سِتّ وَثَمَانِينَ. قَالَ عَمْرو بن عَلّي مثله، وَقَالَ: كَانَ معلم كتاب.
وَقَالَ ابْن سعد كَاتب الْوَاقِدِيّ: قَالَ الْوَاقِدِيّ: توفّي سنة سِتّ أَو سبع
وَثَمَانِينَ، هَكَذَا قَالَ فِي الطَّبَقَات، وَقَالَ فِي التَّارِيخ: مَاتَ سنة
سِتّ وَثَمَانِينَ، وَلم يشك. وَقَالَ ابن نمير: مَاتَ سنة سِتّ وثمانين".
فهذه الأحاديث الشامية رواتها ثقات، وكلها عن حذيفة مرسلة!
وهذا يعني أن الحديث عن حذيفة كان منتشراً عند الشاميين مرسلاً! وكان من عادتهم
الإرسال، وهذه قرينة على أن رواية أبي إدريس عن حذيفة مرسلة أيضاً.
ويمكن هنا أن نقرر بأنه إذا كان عندنا حديث له عدة طرق
مرسلة، وهناك طريق الإرسال فيه ليس ببيّن كرواية أبي إدريس عن حذيفة، فعدم ثبوت
اللقاء والسماع بينهما، وانتشار الحديث في ذلك المِصر مرسلاً قرينة قوية على أن
هذا الإسناد مرسل أيضاً، حتى لو جاء في بعض الطرق التصريح بالسماع! فكثير من هذه
السماعات تكون من الرواة، وكثيراً ما يحصل الخطأ في أصول الشاميين فيما يتعلق
بالسماعات.
·
الطرق العراقية:
-
خَالِدُ بن سُبَيْعٍ أو سُبَيْعُ
بنُ خَالِدٍ اليشكريّ عن حذيفة:
ورواه نَصْرُ بنُ عَاصِمٍ اللَّيْثِيّ البصريّ، وصخْر بن
بدرٍ العِجْليّ، عن خالد بن سُبيع أو سُبيع بن خالد، عن حذيفة.
·
رواية نصر بن عاصم اللَّيْثِيّ
البصريّ:
رواه نَصْرُ بنُ عَاصِمٍ، عَنْ خَالِدِ بنِ سُبيعٍ الْيَشْكُرِيِّ،
قَالَ: خَرَجْتُ زَمَنَ فُتِحَتْ تُسْتَرُ حَتَّى قَدِمْتُ الْكُوفَةَ، فَدَخَلْتُ
المَسْجِدَ فَإِذَا أَنَا بِحَلْقَةٍ فِيهَا رَجُلٌ صَدْعٌ مِنَ الرِّجَالِ،
حَسَنُ الثَّغْرِ، يُعْرَفُ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ رِجَالِ الْحِجَازِ، قَالَ:
فَقُلْتُ: مَنِ الرَّجُلُ؟ قَالَ الْقَوْمُ: أَوَمَا تَعْرِفُهُ؟ قَالَ: قُلْتُ:
لَا، قَالُوا: هذا حُذَيْفَةُ بنُ اليَمَانِ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَعَدْتُ، وَحَدَّثَ الْقَوْمَ أَنَّ
النَّاسَ كَانُوا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْقَوْمُ
عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمْ مَا أَنْكَرْتُمْ مِنْ ذَلِكَ،
جَاءَ الْإِسْلَامُ حِينَ جَاءَ فَجَاءَ أَمْرٌ لَيْسَ كَأَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ،
وَكُنْتُ قَدْ أُعْطِيتُ فِي الْقُرْآنِ فَهْمًا، فَكَانَ رِجَالٌ يَجِيئونَ
فَيَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ
وَأَنَا أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَكُونُ
بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ:
قُلْتُ: فَمَا الْعِصْمَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «السَّيْفُ»، قُلْتُ:
وَهَلْ بَعْدَ السَّيْفِ بَقِيَّةٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، تَكُونُ إِمَارَةٌ عَلَى
أَقْذَاءٍ وَهُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ»، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ
يَنْشَأُ دُعَاةُ الضَّلَالَةِ، فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ فِي الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ
خَلِيفَةٌ جَلَدَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ، فَالْزَمْهُ وَإِلَّا فَمُتْ وَأَنْتَ
عَاضٌّ عَلَى جِذْلِ شَجَرَةٍ»، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ
يَخْرُجُ الدَّجَّالُ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَهُ نَهَرٌ وَنَارٌ، مَنْ وَقَعَ فِي
نَارِهِ وَجَبَ أَجْرُهُ وَحُطَّ وَزْرُهُ، وَمَنْ وَقَعَ فِي نَهَرِهِ وَجَبَ
وَزْرُهُ وَحُطَّ أَجْرُهُ»، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «يُنْتَجُ
الْمُهْرُ فَلَا يُرْكَبُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ».
رواه عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (11/341) (20711) عن مَعْمَر
بن راشد.
وأبو داود في «سننه» (6/296) (4244) عن مُسَدَّد بن
مُسرهد، وقتيبة بن سعيد. والبزار في «مسنده» (7/361) (2959) عن أَبي كَامِلٍ
الجحدري، و(2960) عن مُحَمَّد بن الْمُثَنَّى، عن يَحْيَى بن حَمَّادٍ الشيباني،
وأَبي الوَلِيدِ الطيالسي. كلهم (مسدد، وقتيبة، وأبو كامل، ويحيى، وأبو الوليد) عن
أَبي عَوَانَةَ الوضاح اليشكري. [ورواه الحاكم في «المستدرك» (4/479) (8332)
عن مُحَمَّد بن صَالِحِ بنِ هَانِئٍ، عن يَحْيَى بن مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، عن أَبي
الوَلِيدِ الطَّيَالِسِيّ].
كلاهما (معمر، وأبو عوانة) عَنْ قَتَادَةَ. [ورواه
أحمد في «مسنده» (38/424) (23429) عن عبدالرزاق].
ورواه أحمد في «مسنده» (38/316) (23282) عن بَهْز بن أسد،
وأَبي النَّضْرِ. وابن أبي شيبة في «مصنفه» (21/28) (38269) عن أبي أسامة. وأبو
داود في «سننه» (6/299) (4246) عن عبدالله بن مَسلمةَ. والنسائي في «السنن الكبرى»
(7/264) (7978) عن مُحَمَّد بن عُثْمَانَ، عن بَهْز بن أَسَدٍ. وابن حبان في «صحيحه»
(13/298) (5963) من طريق شَيْبَان بن أَبِي شَيْبَةَ. وأبو نُعيم في «الحلية» (1/271)
من طريق الحَارِث بن أَبِي أُسَامَةَ، عن أَبي النَّضْرِ. خمستهم (بهز، وأبو
النضر، وأبو أسامة، وعبدالله بن مسلمة، وشيبان) عن سُلَيْمَان بن المُغِيرَةِ، عن حُمَيْد
بن هِلالٍ.
كلاهما (قتادة، وحميد بن هلال) عن نصر بن عاصم الليثي، به.
ولفظ حديث حُمَيْد بن هِلَالٍ، عن نَصْر بن عَاصِمٍ
اللَّيْثِيّ، قَالَ: أَتَيْنَا اليَشْكُرِيَّ فِي رَهْطٍ مِنْ بَنِي لَيْثٍ،
فَقَالَ: مِمَّنِ الْقَوْمُ؟ فَقُلْنَا: بَنُو لَيْثٍ، فَسَأَلْنَاهُ وَسَأَلَنَا،
وَقَالُوا: إِنَّا أَتَيْنَاكَ نَسْأَلُكُ عَنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ، فَقَالَ:
أَقْبَلْنَا مَعَ أَبِي مُوسَى قَافِلِينَ مِنْ بَعْضِ مَغَازِيهِ، قَالَ:
وَغَلَتِ الدَّوَابُّ بِالْكُوفَةِ، قَالَ: فَاسْتَأْذَنْتُ أَنَا وَصَاحِبِي
أَبَا مُوسَى، فَأَذِنَ لَنَا، فَقَدِمْنَا الْكُوفَةَ بَاكِرًا مِنَ النَّهَارِ،
فَقُلْتُ لِصَاحِبِي: إِنِّي دَاخِلٌ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا قَامَتِ السُّوقُ
خَرَجْتُ إِلَيْكَ، فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا أَنَا بِحَلْقَةٍ كَأَنَّمَا
قُطِعَتْ رُءُوسُهُمْ، يَسْتَمِعُونَ إِلَى حَدِيثِ رَجُلٍ، قَالَ: فَجِئْتُ
فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَامَ إِلَى جَنْبِي، فَقُلْتُ لِلرَّجُلِ:
مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَبَصْرِيُّ أَنْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: قَدْ عَرَفْتُ
أَنَّكَ لَوْ كُنْتَ كُوفِيًّا لَمْ تَسْأَلْ عَنْ هَذَا، هَذَا حُذَيْفَةُ بنُ اليَمَانِ،
فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ
عَنِ الشَّرِّ، وَعَرَفْتُ أَنَّ الْخَيْرَ لَمْ يَسْبِقْنِي فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ فَقَالَ: «يَا
حُذَيْفَةُ، تَعَلَّمْ كِتَابَ اللَّهِ وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ»، يَقُولُهَا لِي
ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ بَعْدَ هَذَا
الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «فِتْنَةٌ وَشَرٌّ»، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، هَلْ بَعْدَ هَذَا الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: «هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ»،
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ مَا هِيَ؟ قَالَ:
«لَا تَرْجِعُ قُلُوبُ أَقْوَامٍ عَلَى الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ»، قَالَ: قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «يَا حُذَيْفَةُ،
تَعَلَّمْ كِتَابَ اللَّهِ، وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ
صَمَّاءُ عَلَيْهَا دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ النَّارِ، فَإِنْ مُتَّ يَا
حُذَيْفَةُ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جَذْرِ خَشَبَةٍ يَابِسَةٍ خَيْرٌ لَكَ مِنْ
أَنْ تَتْبَعَ أَحَدًا مِنْهُمْ».
وفي رواية معمر عن قتادة: «خالد بن خالد».
وفي رواية حميد بن هلال: «سبيع بن خالد».
قال البزار: "وهَذَا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ
عَنْ قَتَادَةَ أَحَدٌ أَتَمُّ لَهُ مِنْ أَبِي عَوَانَةَ".
وقال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ،
وَلَمْ يُخْرِجَاهُ".
·
رواية عن قتادة ليس فيها: «نصر بن
عاصم»!
ورواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (1/349) (438) قَالَ:
حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سُبَيْعِ بنِ خَالِدٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ،
قَالَ: «يَخْرُجُ الدَّجَّالُ وَمَعَهُ نَهَرٌ وَنَارٌ فَمَنْ دَخَلَ نَهَرَهُ
وَجَبَ وِزْرُهُ وَحُطَّ أَجْرُهُ وَمَنْ دَخَلَ نَارَهُ وَجَبَ أَجْرُهُ وَحُطَّ
وِزْرُهُ». [تحرّف «هشام» في بعض المطبوعات إلى «همام»!].
ورواه أيضاً (1/354) (444) قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ
الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سُبَيْعِ بْنِ خَالِدٍ، به، مطولاً.
فهشام هنا لم يذكر "نصر بن عاصم"! والصواب ذكره
كما رواه معمر، وأبو عوانة عَنْ قَتَادَةَ، عن نَصْر بن عَاصِمٍ، عَنْ سُبيعٍ
اليَشْكُرِيِّ.
فلا أدري هل الخطأ من هشام وهم فيه لما حدّث به عن قتادة!
أم أن قتادة حدّث به مرة فلم يذكر فيه "نصر بن عاصم"! فالله أعلم.
وما رُوي عن حذيفة هنا: «يَخْرُجُ الدَّجَّالُ وَمَعَهُ
نَهَرٌ وَنَارٌ فَمَنْ دَخَلَ نَهَرَهُ وَجَبَ وِزْرُهُ وَحُطَّ أَجْرُهُ وَمَنْ
دَخَلَ نَارَهُ وَجَبَ أَجْرُهُ وَحُطَّ وِزْرُهُ».
قد سبق ذكره في حديث نصر بن عاصم مرفوعا: «ثُمَّ يَخْرُجُ
الدَّجَّالُ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَهُ نَهَرٌ وَنَارٌ، مَنْ وَقَعَ فِي نَارِهِ وَجَبَ
أَجْرُهُ وَحُطَّ وَزْرُهُ، وَمَنْ وَقَعَ فِي نَهَرِهِ وَجَبَ وَزْرُهُ وَحُطَّ
أَجْرُهُ».
فهذا رُوي هكذا موقوفاً عن حذيفة، ومرفوعاً!
والمحفوظ من هذا ما رواه رِبْعِيّ بن حِراشٍ، عَنْ
حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي
الدَّجَّالِ: «إِنَّ مَعَهُ مَاءً وَنَارًا، فَنَارُهُ مَاءٌ بَارِدٌ، وَمَاؤُهُ
نَارٌ».
·
وهم لأبي عامر صالح بن رستم
الخَزّاز البصري!
ورواه أَبُو عَامِرٍ الخَزَّازُ،
عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلَالٍ، عن نَصْر بن عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ
قُرْطٍ قَالَ: مَرَرْتُ بِالكُوفَةِ، فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا أَنَا
بِقَوْمٍ جُلُوسٍ كَأَنَّمَا قُطِعَتْ رُءُوسُهُمْ، فَجَلَسْتُ فِي أَدْنَى
الْقَوْمِ، فَقُلْتُ لِرَجُلٍ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، مَنْ هَذَا الرَّجُلُ؟
فَقَالَ: كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ كُنْتَ
مِنْ أَهْلِهَا لَعَرَفْتَهُ، هَذَا حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، فَأَنْشَأَ
يُحَدِّثُ الْقَوْمَ، فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ كَانُوا يَسْأَلُونَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَأَسْأَلُهُ أَنَا عَنِ
الشَّرِّ، حَتَّى أَتَّقِيَهُ، وَأَعْلَمُ أَنَّ الْخَيْرَ لَنْ يَفُوتَنِي قَالَ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ الَّذِي يَجِيءُ فِيهِ
مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «يَا حُذَيْفَةُ، تَعَلَّمْ كِتَابَ اللَّهِ وَاعْمَلْ بِمَا
فِيهِ» ثُمَّ قَالَ: «نَعَمْ، فِتْنَةٌ وَاخْتِلَافٌ» فَقُلْتُ: أَفَيَكُونُ
بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، جَمَاعَةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ وَهُدْنَةٌ
عَلَى دَخَنٍ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ
شَرٍّ؟ قَالَ: «يَا حُذَيْفَةُ، تَعَلَّمْ كِتَابَ اللَّهِ وَاعْمَلْ بِمَا فِيهِ»،
حَتَّى سَأَلْتُهُ أَيْضًا ثَلَاثَ مِرَارٍ، يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ:
«نَعَمْ، يَكُونُ فِتْنَةٌ، عَلَى أَبْوَابِهَا دُعَاةٌ إِلَى النَّارِ، فَأَنْ
تَمُوتَ حِينَ تَمُوتُ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جَذْلٍ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَتْبَعَ
أَحَدَهُمْ».
·
تعقّب
على الطبراني، والاختلاف على أبي عامر!
رواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (7/226)
(7343) من طريق رَوْحِ بن عُبَادَةَ، عن أبي عامر، به.
قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ
هَذَا الحَدِيثَ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازِ إِلَّا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ".
قلت: بل رواه عن أبي عامر أيضاً: سعيد بن عامر الضُّبَعي البصري،
لكنه لم يذكر فيه "نصر بن عاصم"!
رواه النسائي في «السنن الكبرى» (7/265)
(7979) عن أَحْمَد بن حَرْبٍ.
وابن ماجه في «سننه» (2/1317) (3981) عن مُحَمَّد
بن عُمَرَ بنِ عَلِيٍّ المُقَدِّمِيّ. مختصراً
والبزار في «مسنده» (7/363) (2961) عن إِبْرَاهِيم
بن المُسْتَمِرِّ.
والحاكم في «المستدرك» (1/209) (417) من طريق أَبي بَكْرٍ
مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ يَزِيدَ الرِّمَاحِيّ. وفي (4/478) (8330) من طريق
العَبَّاس بن مُحَمَّدٍ الدُّورِيّ. [جاء في الموضع الأول في مطبوع الحاكم:
(الرماحي: حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَامِرٍ..)! وهو خطأ! قد تحرفت (سعيد بن) إلى
(شعبة عن)! والرماحي يروي عن سعيد بن عامر لا عن شعبة! وسعيد يروي عن شعبة، ولا
يروي شعبة عنه].
كلهم (أحمد بن حرب، والمقدمي،
وإبراهيم، والرماحي، والدوري) عن سَعِيد بن عَامِرٍ، عَنْ أبي عامرٍ صَالِحِ بنِ
رُسْتُمَ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ قُرْطٍ، عَنْ
حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ.
قال الحاكم في الموضع الأول:
"مَتْنُ
هَذَا الحَدِيثِ مُخَرَّجٌ فِي الكِتَابَيْنِ، وَإِنَّمَا خَرَّجْتُهُ فِي هَذَا
المَوْضِعِ لِلْإِصْغَاءِ إِلَى المُحَدِّثِ وَكَيْفِيَّةِ التَّوْقِيرِ لَهُ،
فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَمْ يُخَرِّجَاهُ فِي الكِتَابَيْنِ".
وقال في الموضع الثاني: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ،
وَلَمْ يُخْرِجَاهُ".
قلت: بل إسناده معلول! فقد خالف صالح بن رستم فيه سُلَيْمَان
بن المُغِيرَةِ! فسليمان رواه عن حُمَيْد بن هِلالٍ، عن نَصْر بن عَاصِمٍ
اللَّيْثِيّ البصريّ، عَنْ خَالِدِ بنِ سُبيعٍ الْيَشْكُرِيِّ، عن حذيفة.
وكذا رواه قتادة عن نصر، به.
ورواه أَبُو عَامِرٍ الخَزَّازُ،
عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلَالٍ، عن نَصْر بن عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ
قُرْطٍ، عن حذيفة.
ورواه سَعِيد بن عَامِرٍ الضبعي،
عَنْ أبي عامرٍ صَالِحِ بنِ رُسْتُمَ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلَالٍ، عَنْ
عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ قُرْطٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ.
ولم يذكر فيه: "نصر بن
عاصم"!
وقد وهم أبو عامر في الحديث! ولم
يضبط الاسم فيه! فقال عن "عبدالرحمن بن قرط"، والصواب: "خالد بن
سبيع"، وأبو عامر صالح في حديثه أوهام.
وجاء في رواية البزار: "أَبُو
عَامِرٍ الخَزَّازُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ
قُرْطٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَوْ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ،
نَحْوَهُ".
وقوله: "أو عن رجل عن
حذيفة" يدلّ على أن أبا عامر لم يضبط اسمه، فكان يبهمه أحياناً، ويسميه
"عبدالرحمن بن قرط" أحياناً!
ورواية سعيد بن عامر التي ليس
فيها "نصر بن عاصم" قد يكون الخطأ فيها من سعيد، وهو صدوق في حديثه بعض
الغلط!ّ وقد يكون من أبي عامر نفسه، وهو الأقرب؛ لأن أبا عامر لم يكن يضبط الاسم،
ورواه سعيد عنه كما في رواية البزار: "عن عبدالرحمن بن قرط عن حذيفة أو عن
رجل عن حذيفة"! فلما كان يهم في اسم الراوي ربما أسقط منه "نصر بن
عاصم" مرة، والله أعلم.
·
من
عبدالرحمن بن قرط هذا؟! وكيف دخل الخطأ على أبي عامر الخزاز فيه!
عبدالرحمن بن قرط هذا جاء هنا في
هذا الإسناد وهماً من أبي عامر الخزاز! ولم يُذكر إلا في هذا الحديث! وعليه اعتمد
أهل العلم في الترجمة له.
قال المزي في «تهذيب الكمال»
(17/353): "عبدالرحمن بن قرط، روى عن حذيفة بن اليمان (س ق)، روى عنه حميد بن
هلال العدوي (س ق). روى له النسائي وابن ماجه حديثاً واحداً عن حذيفة: «كان الناس
يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر.. الحديث»، وقد
اختلف فيه على حميد بن هلال روي عنه هكذا، وروي عنه عن نصر بن عاصم الليثي عن
اليشكري عن حذيفة، وهو المحفوظ".
وقال الذهبي في «الميزان» (4/308):
"عبدالرحمن بن قرط (س ق)، عن حذيفة، تفرد عنه حميد بن هلال".
وقال ابن حجر في «التقريب»:
"عبدالرحمن بن قرط، بضم القاف وسكون الراء ثم مهملة، مجهول، من الثانية (س
ق)".
قلت: وهو غير "عبدالرحمن بن
قرط الثمالي" فهذا صحابي معدود في أهل الشام، روى عنه: سُليم بن عامر، وعروة
بن رُويم.
وكأن الوهم في ذكر هذا الرجل في
الإسناد دخل على أبي عامر؛ لأنه لم يضبط اسم الراوي في الأصل، وكان في باله "عبادة بن قرط" وهو ليثي نزل
البصرة، وروى عنه حميد بن هلال، فأخطأ في اسمه، فقال: "عبدالرحمن بن
قرط" وهذا لا وجود له أصلاً، وكأنه أراد "عبادة بن قرط"، وهو: ابن
قرص وهو الأصح.
وعموماً فهو قد أخطأ في اسم الراوي أصلاً، والحديث ليس عن
"عبادة بن قرط"، لكن أردنا بيان من أين دخل على أبي عامر اسم
"عبدالرحمن بن قرط"!! والله الموفق.
·
رواية صخر بن بدر العجلي:
ورواه صَخْرُ بنُ بَدْرٍ، عَنْ سُبَيْعِ بنِ خَالِدٍ أَوْ
خَالِدِ بنِ سُبَيْعٍ قَالَ: غَلَتِ الدَّوَابُّ فَأَتَيْنَا الْكُوفَةَ نَجْلِبُ
مِنْهَا دَوَابَّ فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَجُلٌ صَدَعٌ مِنَ الرِّجَالِ
حَسَنُ الثَّغْرِ يُعْرَفُ أَنَّهُ مِنْ رِجَالِ الْحِجَازِ وَإِذَا نَاسٌ
مُشْرَئِبُّونَ عَلَيْهِ فَقَالَ: لَا تَعْجَلُوا عَلَيَّ أُحَدِّثْكُمْ، فَإِنَّا
كُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ فَإِذَا أَمْرٌ
لَمْ أَرَ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَكَانَ اللَّهُ رَزَقَنِي فَهْمًا فِي الْقُرْآنِ
وَكَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنِ الْخَيْرِ وَأَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ
بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»،
قُلْتُ: فَمَا العِصْمَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «السَّيْفُ»، قُلْتُ:
فَهَلْ لِلسَّيْفِ مِنْ بَقِيَّةٍ؟ فَمَا يَكُونُ بَعْدَهُ؟ قَالَ: «تَكُونُ
هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ»، قَالَ: قُلْتُ: فَمَا يَكُونُ بَعْدَ الْهُدْنَةِ؟ قَالَ:
«دُعَاةُ الضَّلَالَةِ فَإِنْ رَأَيْتَ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي
الْأَرْضِ خَلِيفَةً فَالْزَمْهُ وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ وَإِنْ
لَمْ تَرَ خَلِيفَةً فَاهْرُبْ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى
جِذْلِ شَجَرَةٍ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ؟
قَالَ: «الدَّجَّالُ».
رواه الطيالسي في «مسنده» (1/354) (444). وأحمد في «العلل
ومعرفة الرجال» (2/205) (2020) عن يونس بن محمد المؤدب. كلاهما (الطيالسي، ويونس)
عن حَمَّاد بن زَيْدٍ.
وأحمد في «مسنده» (38/421) (23425) عن مُحَمَّد بن
جَعْفَرٍ، عن شُعْبَة.
والطيالسي في «مسنده» (1/354) (444). وابن أبي شيبة في «مصنفه»
(21/26) (38268) عن وَكِيع. كلاهما (الطيالسي، ووكيع) عَنْ حَمَّادِ بنِ نَجِيحٍ.
[ورواه ابن عدي في «الكامل» (3/30) (425) عن عَبد الأهوازي، عن عثمان وأَبي بكر
ابني أبي شيبة، عن وكيع].
والطيالسي في «مسنده» (1/354) (444). وأحمد في «مسنده» (38/423)
(23427) عن عَبْدالصَّمَدِ بن عبدالوارث. وأبو داود في «سننه» (6/301) (4247) عن مُسدَّد.
وأبو عوانة في «مستخرجه» (4/420) (7168) من طريق مُسْلِم بن إِبْرَاهِيمَ. أربعتهم
(الطيالسي، وعبدالصمد، ومسدد، ومسلم بن إبراهيم) عن أَبي عُبَيْدة عَبْدالوَارِثِ
بن سعيد العنبري البصري.
كُلُّهُمْ (حماد بن زيد، وشعبة، وحماد بن نَجيح،
وعبدالوارث) عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ يَزِيدَ بنِ حُمَيْدٍ الضُّبَعِيِّ، عن صَخْر
بن بَدْرٍ العِجْلِيّ، عَنْ سُبَيْعِ بنِ خَالِدٍ الضُّبَعِيِّ، به.
·
خطأ شعبة في اسم «سُبيع»!
روى شعبة الحديث عن أبي التياح، قال: سمعت صخراً يُحدِّث
عن سُبيعة، فذكره بطوله.
وقد أخطأ شعبة في قوله «سبيعة»! وكان أكثر خطأ شعبة في
الأسماء.
·
سقط من إسناد نُعيم بن حماد!
ورواه نُعيم بن حماد في «الفتن» (1/36) (34)، و(1/144) (357)
عن ضَمْرَة بن رَبِيعَةَ، عَنِ ابنِ شَوْذَبٍ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ خَالِدِ
بنِ سُبَيْعٍ، مختصراً.
ولم يذكر فيه: "صخر بن بدر"! ولا بدّ منه، وكأنه
سقط من كتابه.
·
الكلام على هذين الإسنادين!
فالحديث رواه نصر بن عاصم الليثي، وصخر بن بدر، كلاهما عن
خالد بن سبيع.
وقد اختلف في اسم «خالد بن سبيع»، فقيل: «خالد بن خالد»،
وقيل: «سبيع بن خالد»، وقيل: «خالد بن سبيع»! ورجّح أكثر أهل العلم أن اسمه «سبيع
بن خالد».
وكذلك اختلفوا في متن الحديث اختلافاً بيّناً! فلفظ حديث
نصر يختلف عن لفظ حديث صخر!
وكذا يختلف متن هذه الطرق عن متن حديث أبي إدريس الخولاني!
ففيه: ضرب الظهر وأخذ المال وقصة السيف، وهذا منكر! وفيه: الحث على تعلم كتاب الله
والعمل به عند وقوع الفتن، وفيه قصة الدّجال وما معه، وفيه: لو أن فرساً أنتجت لم
تركب فلوها حتى تقوم الساعة! وهذا منكر أيضاً!
فلفظ أحاديث الشاميين يختلف عن لفظ حديث العراقيين! وهذا
أمر معروف إذا كان الحديث مرسلا! فيدخل في المرسل ما ليس عند الآخرين!
ونصر بن عاصم الليثي صدوق، وحديثه ليس بالكثير، وكان
مُعتنياً بالنحو والقراءات، ولم يخرّج له البخاري.
وصخر مجهول الحال، ولا يُعرف إلا في هذا الحديث.
وذكره الأئمة في كتبهم، ولم يذكروا في ترجمته إلا أنه روى
عن خالد بن سبيع، وروى عنه أبو التياح! وذكره ابن حبان في «الثقات» (6/473) على
قاعدته في ذكر من لم يتكلموا عليه = مسكوت عنه.
فهذا صدوق يتابع مجهول أو العكس على حديث مع الاختلاف
بينهما في ألفاظ الحديث! ولا يُستبعد أن يكون أحدهما أخذه من الآخر!
وعلى فرض صحة أو تقوية متابعة صخر لنصر، فهل يُقبل حديث
سبيع بن خالد هذا؟
وسبيع لا يُعرف إلا في هذا الحديث! وهو مجهول الحال! وكنت
قد ذكرت في بحثي «القطع بنكارة زيادة: وَإِنْ ضرِبَ ظَهْركَ وَأخذَ مَالكَ
فَاسْمَعْ وَأَطِعْ» أنه مستور الحال، وأن حديثه لا يقبل بإطلاق، وفيه بعض
النكارة مقارنة ذلك بحديث أبي إدريس الخولاني عن حذيفة! والآن قد اختلف اجتهادي في
ذلك فيما يخص رواية أبي إدريس عن حذيفة! وكذا في رواية سبيع هذه!
فهو مجهول الحال! وهو يقول بأنه دخل الكوفة بعد فتح تَستر،
وكان فتحها سنة سبع عشرة، وقيل: ست عشرة. وكان مع جيش أبي موسى الأشعري الذي خرج
من البصرة لفتح تستر.
فكيف لرجل بصري لا يُعرف أن ينفرد بهذا الحديث عن حذيفة
الذي يحدّث في مسجد بالكوفة، ولا يرويها أحد من أهلها!! ولا أحد من أصحابه!!
فبين سماع سبيع الحديث من حذيفة وموته (20) سنة! فخلال هذه
العشرين سنة لم يسمعه أحد، ولم يروه أحد من أهل الكوفة! فهذا غريب جداً!!
فسبيع مجهول الحال، ولا يُقبل حديثه!
وكأن حديثه هذا هو أصل حديث أهل الشام المنتشر هناك
مرسلاً! والله أعلم.
-
قَيْس بن أَبِي حَازِمٍ الكوفيّ،
عَنْ حُذَيْفَةَ:
ورواه البخاري في «صحيحه» (4/200) (3607) عن مُحَمَّد بن
المُثَنَّى، عن يَحْيَى بن سَعِيدٍ القطان، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ،
عَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بنِ الْيَمَانِ، قَالَ:
«تَعَلَّمَ أَصْحَابِي الخَيْرَ وَتَعَلَّمْتُ الشَّرَّ».
ورواه نُعيم بن حماد في «الفتن» (1/36) (31) عن عِيسَى بن
يُونُسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، به، بلفظ: «كَانَ أَصْحَابِي يَتَعَلَّمُونَ
الْخَيْرَ وَأَنَا أَتَعْلَمُ الشَّرَّ، مَخَافَةَ أَنْ أَقَعَ فِيهِ». قَالَ
عِيسَى: "يَعْنِي مِنَ الفِتَنِ".
ورواه البزار في «مسنده» (7/342) (2939) عن عَبْدَة بن
عَبْدِاللَّهِ القَسْمَلِيّ الصفّار، عن مُحَمَّد بن بِشْرٍ العبدي، عن إِسْمَاعِيل،
به، بلفظ: «كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنِ الخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ».
·
مُنكرات قيس بن أبي حازم!
قال البزار: "ولا نَعْلَمُ رَوَى إِسْمَاعِيلُ، عَنْ
قَيْسٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، إِلَّا هَذَا الحَدِيثَ".
قلت: يعني تفرد به إسماعيل عن قيس عن حذيفة! ولا يُعرف أن
قيسا روى عن حذيفة إلا هذا الحديث من رواية إسماعيل! = يريد البزار تضعيفه بهذا!
ورواية إسماعيل عن قيس كثيرة، ورواية قيس عن الصحابة كذلك،
إلا أنه لا يحفظ أنه روى عن حذيفة شيئاً إلا من حديث إسماعيل!!
والبزار مع سعة اطلاعه لم يورد في «مسنده» في ترجمة «قيس
عن حذيفة» إلا هذا الحديث وأعلّه!!
وإسماعيل من كبار الثقات وكان راوية عن قيس بن أبي حازم، ولم
يكن أحد أروى عنه منه.
لكن هذا الحديث لا
يُحفظ عن أصحاب حذيفة الكبار كشقيق أبي وائل، وربعي بن حراش، وغيرهما.
وقيس بن أبي حازم تابعي قديم كوفي ثقة، وحذيفة كان ينزل
الكوفة لما كان أميراً على المدائن، لكن لم يثبت أنه سمع من حذيفة شيئاً! وكان قيس
يروي المراسيل، فقد يكون هذا منها! وله بعض المراسيل المنكرات!
قَال علي بن المديني: قال لي يحيى بن سَعِيد: "قَيْس
بن أَبي حازم منكر الحديث" - ثُمَّ ذكر له يَحْيَى أحاديث مناكير منها حديث:
كلاب الحوأب.
وقَال أَبُو سَعِيد الأشج: سمعت أَبَا خَالِد الأحمر
يَقُول لعَبدالله بن نُمَيْر: يَا أَبَا هشام، أما تذكر إِسْمَاعِيل بن أَبي
خَالِد وهُوَ يَقُول: حَدَّثَنَا قَيْس بن أَبي حازم هذه الإسطوانة = يَعْنِي
أَنَّهُ في الثقة مثل الإسطوانة.
وَقَال يَحْيَى بن أَبي غنية: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بن
أَبي خَالِد، قال: "كبر قَيْس بن أَبي حازم حَتَّى جاز المئة بسنين كثيرة
حَتَّى خرف وذهب عقله".
وقد رد الذهبي في «الميزان» (3/392) على من تكلّم فيه،
وقال: "ثقة حجة، كاد أن يكون صحابيا. وثقه ابن معين، والناس. وقال علي بن عبدالله،
عن يحيى بن سعيد: منكر الحديث، ثم سمى له أحاديث استنكرها، فلم يصنع شيئا، بل هي
ثابتة.
لا ينكر له التفرد في سعة ما روى من ذلك حديث كلاب الحوأب.
وقَالَ يَعْقُوْبُ السَّدُوْسِيُّ - هو: ابن شيبة-: تكلم
فيه أصحابنا، فمنهم من حمل عليه. وقال: له مناكير، فالذين أطروه عدّوها غرائب. وقيل:
كان يحمل على علي رضي الله عنه، إلى أن قال يعقوب: والمشهور أنه كان يقدم عثمان. ومنهم
من جعل الحديث عنه من أصح الأسانيد.
وقال إسماعيل بن خالد: كان ثبتا، قال: وقد كبر حتى جاوز
المائة وخرف.
قلت: أجمعوا على الاحتجاج به، ومن تكلم فيه فقد آذى نفسه"
انتهى كلام الذهبي.
قلت: تفرده بهذا الحديث الواحد عن حذيفة يؤيد ما ذهب إليه
يحيى القطان من أن له مناكير! وربما يكون هذا الحديث منها!
·
رواية أخرى لإسماعيل بن أبي خالد
عن قيس عن حذيفة!
ثم وقفت على رواية أخرى له عن حذيفة من رواية إسماعيل
أيضاً.
رواها ابن أبي شيبة في «مصنفه» (21/336) (38878) عن وَكِيع،
عَنْ إسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ: «أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَمْشِي مَعَ حُذَيْفَةَ
نَحْوَ الفُرَاتِ، فقال: كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا أخْرِجْتُمْ لاَ تَذُوقُونَ مِنْهُ
قَطْرَةً! قَالَ: قُلْنَا: أَتَظُنُّ ذَلِكَ؟ قَالَ: مَا أَظُنُّهُ، وَلَكِنْ
أَسْتَيْقِنُهُ».
فهذا يُشبه المرسل أيضاً!
وهذا الرجل سُمي في رواية أخرى، رواها ابن العديم في «بغية
الطلب في تاريخ حلب» (1/515) من طريق مروان بن معاوية، عن ابن أبي خالد، عن قيس بن
أبي حازم، عن حذيفة أنه قال لعروة بن أبي الجعد البارقي - ونظر إلى الفرات-، فقال:
«كيف أنتم حين تخرجون منها لا تذوقون منه قطرة؟ فقال له عروة: تظن ذلك؟ قال: لا،
بل أستيقنه».
وعروة البارقي صحابي نزل الكوفة، وكان قاضيها لعمر بن
الخطاب رضي الله عنهم.
فهذه رواية أخرى لقيس عن حذيفة، وكأنها مرسلة!
ويُحتمل أن قيس بن أبي حازم سمع من حذيفة، ويُحتمل أنه
أرسل عنه! فالله أعلم.
والبخاري إنما رواه في «صحيحه» في المتابعات!
وعلى فرض ثبوته فهو من قول حذيفة، ولا يُعد شاهداً لتلك
الروايات الطويلة التي رُويت عن حذيفة! وقد يكون هذا هو أصل الحديث المشهور عن
حذيفة، والله أعلم.
·
روايات أخرى عن قيس عن حذيفة! ولا
تصح!
وقد وجدت لقيس روايتين أخريين عن حذيفة، إلا أنها ضعيفة!
الأولى: ما رواه الداني في «السنن الواردة في الفتن» (1/211) (15) من
طريق عَلِيّ بن شَبَابَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عَبْدِالغَفَّارِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ،
تُرْسَلُ عَلَيْكُمُ الفِتَنُ إِرْسَالَ القَطْرِ».
قلت: تفرد به هكذا عن حذيفة: عمرو بن عبدالغفار الفُقَيمي،
وهو متروك الحديث، وقد اتّهموه بوضع الحديث!
والحديث محفوظ عن قيس مرسل.
رواه نُعيم بن حماد في «الفتن» (1/33) (21) عن هُشَيْم، قال:
حَدَّثَنَا ابنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُرْسِلُ عَلَى الْأَرْضِ
الْفِتَنُ إِرْسَالَ الْقَطْرِ».
ورواه ابن أبي شيبة (21/77) (38372) عن أَبي أُسَامَةَ
حماد بن أسامة، عَنْ إسْمَاعِيلَ بن أبي خالد، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسٍ: «أَنَّ
رَسُولَ اللهِ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ،
تُرْسَلُ عَلَيْهِمَ الفِتَنُ إرْسَالَ القَطْرِ».
وأدخل أبو أسامة بين إسماعيل وقيس: "بيان" وهو:
ابن بشر الأحمسي الكوفي، وهو من أقران إسماعيل، وهو من الثقات الأثبات. والظاهر أن
إسماعيل سمعه من بيان عن قيس، وسمعه من قيس مباشرة، والله أعلم.
والحديث مرسل على كل حال من مراسيل قيس بن أبي حازم! وهذا
من منكراته التي تحدّث عنها يحيى القطان. والله أعلم.
الثانية: ما رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (3/38) (2609)، وفي
«المعجم الأوسط» (6/238) (6286) من طريق عَطَاء بن مُسْلِمٍ الخِفَاف، قال: حَدَّثَنِي
أَبُو عَمْرٍو الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ قَيْسِ بنِ
أَبِي حَازِمٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً، فَرَأَيْتُ عِنْدَهُ شَخْصًا، فَقَالَ: «هَلْ
رَأَيْتَهُ يَا حُذَيْفَةُ» قُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «هَذَا
مَلَكٌ لَمْ يَهْبِطْ إِلَيَّ مُنْذُ بُعِثْتُ، أَتَانِي اللَّيْلَةَ،
وَبَشَّرَنِي أَنَّ الْحَسَنَ، وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ».
قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هذا الحَدِيثَ عَنْ
قَيْسٍ إِلَّا سَالِمُ بنُ أَبِي الْجَعْدِ، وَلَا عَنْ سَالِمٍ إِلَّا أَبُو
عَمْرٍو الْأَشْجَعِيُّ، تَفَرَّدَ بِهِ عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ".
وفي مطبوع «المعجم الكبير»: "أَبُو عَمْرَةَ
الْأَشْجَعِيُّ".
وأورده ابن عدي في «كامله» (7/81) في ترجمة «عطاء بن مسلم»،
وقال: "وفي حديثه بعض ما يُنكر عليه".
وقال مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ
مَعِينٍ قَالَ: "عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ الخَفَّافُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَأَحَادِيثُهُ
مُنْكَرَاتٌ".
وقال أحمد: "وعَطَاءُ بنُ مسلم: مضطرب الحديث".
وقال أبو حاتم الرازي: "كان شيخًا صالحًا يشبه بيوسف
بن أسباط، وكان دفع كتبه، وليس بقوي، فلا يثبت حديثه".
وقال أبو زُرعة الرازي: "دفن كتبه ثم روى من حفظه فَيَهم
فيه، وكان رجلاً صالحًا".
وقال عثمان بن سعيد الدارمي: قلت ليحيى بن معين، عطاء بن
مسلم، كيف هو؟ فقال: "ثقة".
وقال الفضل بن موسى ووكيع بن الجراح: "عطاء بن مسلم:
ثقة".
قلت: من وثقه إنما وثقه لصلاحه في دينه، وهو صدوق، وقد
يكون هو في الأصل ثقة، إلا أنه بعد أن دفن كتبه دخل الوهم عليه، فروى المنكرات،
ولا يُحتج بحديثه!
على أن شيخه "أبا عمرو الأشجعي" هذا مجهول، لا
يُعرف!
قال الهيثمي في «المجمع» (9/183) (15086): "رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيُّ فِي الكَبِيرِ والْأَوْسَطِ، وفِيهِ أَبُو عُمَرَ الْأَشْجَعِيُّ
وَلَمْ أَعْرِفْهُ - أَوْ أَبُو عَمْرَةَ - وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ".
قلت: عطاء الخفاف لا يُحتج به كما سبق بيانه.
-
أَبو الطُّفَيْلِ عامر بن وَاثلة
الكوفيّ عَنْ حُذَيْفَةَ:
ورواه أحمد في «مسنده» (38/426) (23432) عن عَبْدِالرَّزَّاقِ،
عن بَكَّار بن عبدالله بن وهب الصنعانيّ، عن خَلَّاد بن عَبْدِالرَّحْمَنِ
الصنعانيّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الطُّفَيْلِ يُحَدِّثُ، أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ
بنَ اليَمَانِ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا تَسْأَلُونِي؟ فَإِنَّ
النَّاسَ كَانُوا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ
الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، إِنَّ اللهَ بَعَثَ نَبِيَّهُ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا النَّاسَ مِنَ الْكُفْرِ إِلَى
الْإِيمَانِ، وَمِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى، فَاسْتَجَابَ لَهُ مَنْ
اسْتَجَابَ، فَحَيِيَ مِنَ الْحَقِّ مَا كَانَ مَيْتًا، وَمَاتَ مِنَ الْبَاطِلِ
مَا كَانَ حَيًّا، ثُمَّ ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ فَكَانَتِ الخِلَافَةُ عَلَى
مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».
ورواه أبو نُعيم في «الحلية» (1/2745) من طريق إسحاق بن
إبراهيم الدبري، عن عبدالرزاق، به.
وزاد فيه: «ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا عَضُوضًا، فَمِنَ
النَّاسِ مَنْ يُنْكِرُ بِقَلْبِهِ وَيَدِهِ وَلِسَانِهِ وَالْحَقَّ اسْتَكْمَلَ،
وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ كَافًّا يَدَهُ وَشُعْبَةً مِنَ
الْحَقِّ تَرَكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ بِقَلْبِهِ كَافًّا يَدَهُ وَلِسَانَهُ
وَشُعْبَتَيْنِ مِنَ الْحَقِّ تَرَكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُنْكِرُ بِقَلْبِهِ
وَلِسَانِهِ فَذَلِكَ مَيِّتُ الْأَحْيَاءِ».
ورواه البزار في «مسنده» (7/226) (2799) قال: حَدَّثَنَا
الحُسَيْنُ بنُ مَهْدِيٍّ الأُبليّ البصري، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ،
قَالَ: أَنْبَأَنَا بَكَّارُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ خَلَّادٍ الصَّفَّارِ، عَنْ
فُرَاتٍ - يَعْنِي القَزَّازَ-، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟، قَالَ: «يَا
حُذَيْفَةُ، تَعَلَّمْ كِتَابَ اللَّهِ، وَاعْمَلْ بِمَا فِيهِ»، قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ بَعْدَ هَذَا الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟، قَالَ: «هُدْنَةٌ
عَلَى دَخَنٍ، وَجَمَاعَةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ فِيهَا».
قال البزار: "وهذَا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ
عَنْ فُرَاتٍ القَزَّازِ إِلَّا خَلَّادٌ الصَّفَّارُ، ولَا نَعْلَمُ رَوَى هَذَا
الحَدِيثَ إِلَّا عَبْدُالرَّزَّاقِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ".
قلت: اختلف على عبدالرزاق في سنده، ومتنه!! فرواه عن بكار،
عن خلاد، عن أبي الطفيل، عن حذيفة!
ورواه أيضاً عن بكار، عن خلاد، عن فرات، عن أبي الطفيل، عن
حذيفة، بلفظ آخر!
فالظاهر أن عبدالرزاق كان يضطرب فيه! وقد تفرد به عن
بكّار!
ويُحتمل أنه سقط من الإسناد الأول: "عن فرات"!
وفُرَات القَزَّازِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ
حُذَيْفَةَ بنِ اليمان لا يجيء! وكأن عبدالرزاق وهم فيه! فإن المحفوظ الصحيح عَنْ
فُرَاتٍ القَزَّازِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بنِ أَسِيدٍ
الْغِفَارِيِّ، في الآيات العشر قبل قيام الساعة: «الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ،
وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلَاثَةَ
خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ
الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ
إِلَى مَحْشَرِهِمْ».
فعبدالرزاق تفرد به عن بَكَّار بن عبدالله بن وهب
الصنعانيّ! ولا يُعرف عن أبي الطفيل عن حذيفة بن اليمان إلا من رواية خَلَّاد بن
عَبْدِالرَّحْمَنِ الصنعانيّ!
وعبدالرزاق قد أسندوا عنه أحاديث ليست في كتبه كان يلقنها
بعدما عَمي، ولهذا قال النسائي أنّ من كتب عنه بأخرة في حديثه نظر. وقد روي عنه
أحاديث مناكير.
لكن هذا الحديث سمعه منه أحمد قبل أن يعمى بسنوات، وقد
أقام الإمام أحمد عِنْدَ عَبْدِالرَّزَّاقِ (ت 211هـ) سَنَةَ (199هـ).
قال أَحْمَدُ: "أَتَيْنَا عَبْدَالرَّزَّاقِ قَبْلَ
المائَتَيْنِ، وَهُوَ صَحِيْحُ البَصْرِ، وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ بَعْدَ مَا ذَهَبَ
بَصَرُهُ، فَهُوَ ضَعِيْفُ السَّمَاعِ".
فالذي يظهر لي أنه وهم في هذا الحديث! فلا يقبل تفرده به؛
لأن أول إسناده عراقي، ولا يُعرف عند أهل العراق، وإنما رواه أهل اليمن! وهذه مظنة
الخطأ في روايات الأمصار.
وبكار بن عبدالله بن اليَمَانِيّ شيخ يروي عَن وهب بن
مُنَبّه، روى عَنهُ: ابن المُبَارك، وعبدالرَّزَّاق، وهشام بن يوسف الصنعاني، وكَانَ
من الْأَبْنَاء، وَكَانَ ينزل الجند، وقد وثقه ابن معين وأحمد! وحديثه قليل،
وجُلّه عن وهب مما روى من الإسرائيليات! ولم يخرّج له أصحاب الكتب الستة!
ومصنف عبدالرزاق على كثرة أحاديثه ورواياته لم يُخرج له عن
خلاد إلا أثراً واحداً!
روى عبدالرزاق في «مصنفه» (3/318) (5784) عَنْ بَكَّارِ
بنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ خَلَّادِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ قَالَ: سَأَلْتُ عُرْوَةَ
بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بنَ جُبَيْرٍ عَنْ إِطْعَامِ الْفِطْرِ، فَقَالَا:
«صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ مُدٌّ مِنْ قَمْحٍ».
وخلاّد بن عبدالرحمن وثقه أبو زرعة الرازي، وأثنى معمر على
حفظه، وهو كذلك قليل الرواية.
خرّج له أبو داود والنسائي حديثاً واحداً فِي الَّذِي
يَعْتَرِفُ أَنَّهُ زَنَا بِامْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا! رواه عنه القَاسِمُ بنُ
فَيَّاضٍ. والقاسم ضعفه غير واحد كابن معين وأبو حاتم، ووثقه أبو داود، ولهذا خرّج
حديثه في كتابه. لكن النسائي حكم على الحديث بالنكارة.
فهذا الحديث لا يُقبل لتفرد عبدالرزاق به! وهو ليس في «مصنفه»
على كثرة حديثه فيه! وقول البزار السابق هو تعليل له، والله أعلم.
-
أَبو البَخْتَرِيّ الكوفي عَنْ
حُذَيْفَةَ:
ورواه سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بنِ
السَّائِبِ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ سعيد بن فَيروز، قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ: «كَانَ
أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ عَنِ الخَيْرِ
وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ»، قِيلَ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «مَنْ
اتَّقَى الشَّرَّ وَقَعَ فِي الخَيْرِ».
رواه أحمد في «مسنده» (38/401) (23390) عن وَكِيع.
والخرائطي في «اعتلال القلوب» (1/128) (250) عن العَبَّاس
بن عَبْدِاللَّهِ التَّرْقُفِيّ، عن الفِرْيَابِيّ.
كلاهما (وكيع، والفريابي) عَنِ الثَّوْرِيِّ، به.
قلت: وهذا مرسل! فأبو البَختري لم يُدرك حذيفة.
قال المزي في «تهذيب الكمال» (11/32): "روى عن... وحذيفة
بن اليمان: مرسل".
وقال العلائي في «جامح التحصيل في أحكام المراسيل» (ص: 28):
"كثير الإرسال عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وحذيفة، وغيرهم رضي الله عنهم".
-
جُنْدُب بن عَبْدِاللهِ بنِ سُفْيَانَ
البَجَلِيّ الكوفيّ عَنْ حُذَيْفَةَ:
ورواه البزار في «مسنده» (7/221) (2794) عن الحَسَنِ بنِ
يَحْيَى الْأَرُزِّيّ، عن عَبْدالغَفَّارِ بن عُبَيْدِاللَّهِ القُرَشِيّ البصري، عن
أَبِيه، عَنْ يُونُسَ بنِ عُبَيْدٍ الليثي البصري، عَنِ الوَلِيدِ بن مسلم العنبريّ
أَبِي بِشْرٍ، عَنْ جُنْدُب بن عبدالله البجليّ، عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ: «كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ».
قال البزار: "وهذا الحَدِيثُ لا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ
مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بنِ عُبَيْدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَّا عَبْدُالْغَفَّارِ
عَنْ أَبِيهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ مِنْ طُرُقٍ".
قلت: تفرد به عبدالغفار، وهو صالح، ولا يقبل تفرده!
قال البُخَارِيُّ: "لَيْسَ حَدِيْثُه بِالقَائِمِ".
وقال أبو داود: "ليس به بأس".
وذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال: "ربما خالف".
وقال الذهبي: "وهُو مُتَوَسِّطُ الحَالِ".
ووالده عبدالأعلى: مجهول الحال، لا يُعرف!!
ويونس بن عُبيد: ليس بذاك القوي!
فهذه روايات الحديث في العراق، أشهرها حديث سبيع بن خالد
أو خالد بن سبيع، وهو مجهول الحال! وبقيتها إما مرسل أو ضعيف!
والظاهر أن هذا الحديث كان منتشراً أيضاً في العراق
بالإرسال كما كان منتشراً كذلك في الشام.
·
الحديث الثاني عن أبي
إدريس عن حُذيفة:
رواه ابنُ شِهَابٍ الزهريّ: أَنَّ أَبَا إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيَّ،
كَانَ يَقُولُ: قَالَ حُذَيْفَةُ بنُ اليَمَانِ: «واللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ
النَّاسِ بِكُلِّ فِتْنَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ، فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ السَّاعَةِ،
وَمَا بِي إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَسَرَّ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، لَمْ يُحَدِّثْهُ غَيْرِي، وَلَكِنْ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَهُوَ يُحَدِّثُ مَجْلِسًا أَنَا
فِيهِ عَنِ الفِتَنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وهُوَ يَعُدُّ الفِتَنَ: مِنْهُنَّ ثَلَاثٌ لَا يَكَدْنَ يَذَرْنَ شَيْئًا،
وَمِنْهُنَّ فِتَنٌ كَرِيَاحِ الصَّيْفِ مِنْهَا صِغَارٌ وَمِنْهَا كِبَارٌ».
قَالَ حُذَيْفَةُ: «فَذَهَبَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ كُلُّهُمْ غَيْرِي».
رواه مسلم في «صحيحه» (4/2216) (2891) عن حَرْمَلَة بن
يَحْيَى التُّجِيبِيّ، عن ابن وَهْبٍ، عن يُونُس بن يَزِيدَ الأيلي.
وأحمد في «مسنده» (38/327) (23291)، والحاكم في «المستدرك»
(4/518) (8454) من طريق العَبَّاس بن مُحَمَّدٍ الدُّورِيّ. كلاهما (أحمد،
والدوري) عن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سَعْدٍ. ورواه أحمد في «مسنده» (38/328) (23292)
عن فَزَارَة بن عُمَرَ. كلاهما (يعقوب، وفزارة) عن إِبْرَاهِيم بن سَعْدٍ، عن صَالِح
بن كَيْسَانَ.
وأحمد في «مسنده» (38/446) (23460) عن أَبي اليَمَانِ
الحكم بن نافع الحمصيّ، عن شُعَيْب بن أَبِي حَمْزَةَ.
ونُعيم بن حمَّاد في «الفتن» (1/28) (3) عن عَبْداللَّهِ
بنِ وَهْبٍ، عَنِ ابنِ لَهِيعَةَ. وابن مَنده في «الإيمان» (2/912) (997) من طريق يَحْيَى
بن بُكَيْرٍ، عن اللَّيْث بن سعد. والداني في «السنن الواردة في الفتن» (1/232)
(31) من طريق مُحَمَّدِ بنِ عَزِيزٍ، عن سَلَامَة بن رَوْحٍ. كلهم (ابن لهيعة،
والليث، وسلامة) عَنْ عُقَيلِ بنِ خَالِدٍ الأيلي.
والطبراني في «مسند الشاميين» (4/130) (2917) من طريق الوَلِيد
بنِ مُسْلِمٍ، عن مَرْزُوقِ بن أَبِي الهُذَيْلِ.
وابن حبان في «صحيحه» (15/6) (6637) من طريق بِشْر بن
المُفَضَّلِ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ إِسْحَاقَ المدنيّ.
وابن عساكر في «تاريخه» (12/266) من طريق فُضَيْل بنِ
سُلَيْمَانَ النُّمَيْرِيّ البصري، عن عُمَر بنِ سَعِيد بن سرحة التنوخي.
وفي (8/351) من طريق حفص بن عمر بن حفص بن أبي السائب قاضي
البلقاء.
كلهم (يونس، وصالح، وشعيب، وعُقيل، ومرزوق، وعبدالرحمن،
وعمر، وحفص) عَنِ ابنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، به.
ولفظ حديث عبدالرحمن بن إسحاق: «لَقَدْ قَامَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا فَحَدَّثَنَا مَا هُوَ
كَائِنٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ السَّاعَةِ مَا بِي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي كُنْتُ
وَحْدِي، لَقَدْ كَانَ مَعِي غَيْرِي حَفِظَ ذَاكَ من حفظه ونسيه من نسيه».
قال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ،
وَلَمْ يُخْرِجَاهُ".
قلت: الإسناد صحيح إلى أبي إدريس الخولاني، رواه عنه
الحافظ الثبت الثقة الإمام الزهري، لكن لا نعرف لأبي إدريس سماعاً من حذيفة!
وما جاء في بعض الطرق من التصريح بالسماع منه لا يُعتمد
عليه! وفي رواية مسلم: "أن أَبَا إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيَّ كَانَ يَقُولُ:
قَالَ حُذَيْفَةُ.."، وهذا يدلّ على الإرسال.
وهذا الحديث بهذا اللفظ لم يروه عن حذيفة إلا أبو إدريس
الخولاني! وهذه مظنّة الإرسال!
·
روايات أخرى عن حذيفة فيها بعض
معنى حديث أبي إدريس!
وبعض معنى الحديث - تحديثه لهم بالفتن - رُوي عن حذيفة من
طرق عراقية.
رَوَاهُ شَقِيقُ بن سَلَمَةَ أبو وائل الكوفي، وعَبْدُالله
بنُ يَزِيدَ الأَنْصَارِيّ، وزَيْدُ بنُ وَهْبٍ الجُهَنِيُّ، عَنْ حُذَيْفَةَ.
أما حديث شقيق بن سلمة:
فرواه الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ:
«قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا، مَا
تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، إِلَّا
حَدَّثَ بِهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، قَدْ عَلِمَهُ
أَصْحَابِي هَؤُلَاءِ، وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ قَدْ نَسِيتُهُ
فَأَرَاهُ فَأَذْكُرُهُ، كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ
عَنْهُ، ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ». وفي رواية: «وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ».
رواه البخاري في «صحيحه» (8/123) (6604) عن مُوسَى بن
مَسْعُودٍ. ومسلم في «صحيحه» (4/2217) عن أَبي بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ، عن
وَكِيع. كلاهما (موسى، ووكيع) عَنْ سُفْيَانَ الثوريّ. [ورواية مسلم إِلَى
قَوْلِهِ: "وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ"، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ].
ومسلم في «صحيحه» (4/2217) (2891) عن عُثْمَان بن أَبِي
شَيْبَةَ، وإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيمَ ابن راهويه. وابن مَنده في كتاب «التوحيد»
(3/78) (459) من طريق أَحمَد بن سَلَمَةَ، عن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيمَ بنِ
مَخْلَدٍ الحنظلي. كلاهما (عثمان، وإسحاق) عن جَرِير بن عبدالحميد الرازيّ.
والبزار في «مسنده» (7/291) (2883) من طريق الْأَسْوَد بن
عَامِرٍ، عن شَرِيك.
والحاكم في «المستدرك» (4/533) (8499) من طريق عُبَيْداللَّهِ
بن مُوسَى، عن شَيْبَان بن عبدالرحمن النحويّ.
كلهم (سفيان، وجرير، وشَريك، وشيبان) عَنِ الْأَعْمَشِ،
به.
ورواه البزار أيضاً (7/277) (2862) عن يُوسُف بن مُوسَى، عن
جَرِير، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، بنحوه.
قال البزار: "وهَذَا الحَدِيثُ قَدْ رُوِيَ عَنْ
حُذَيْفَةَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ،
وَلَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَجَلُّ مِنْ مَنْصُورٍ".
·
تعقب على الحاكم!
وقال الحاكم: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ
الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَةِ".
قلت: بل خرّجه مسلم من طريق الأعمش بنفس السياقة!
وهو حديث صحيح اتفق عليه الشيخان. وكان مسلم قد بدأ بحديث
أبي إدريس عن حذيفة، وبحسب منهجه في تقديم الأصح إسناداً كما صرّح في مقدمة صحيحه،
فيكون حديث أبي إدريس عنده أصح من حديث شقيق عن حذيفة!! والأصوب تقديم حديث شقيق
عن حذيفة، لكن عُذر مسلم أنه كان يرى صحة سماع أبي إدريس من حذيفة! ولو صح لكان
مثل منزلة حديث شقيق عن حذيفة، والله أعلم.
وأما حديث عبدالله بن يزيد:
فرواه عَدِيُّ بنُ ثَابِتٍ الأنصاريّ الكوفي، عَنْ
عَبْدِاللهِ بنِ يَزِيدَ الأنصاريّ الخطميّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّهُ قَالَ:
«أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا هُوَ كَائِنٌ
إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ. فَمَا مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا قَدْ سَأَلْتُهُ،
إِلَّا أَنِّي لَمْ أَسْأَلْهُ: مَا يُخْرِجُ أَهْلَ المَدِينَةِ مِنَ المَدِينَةِ!».
رواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (1/347) (434).
[ورواه ابن شبّة في «تاريخ المدينة» (1/281) عن الطيالسي].
وأحمد في «مسنده» (38/315) (23281). ومسلم في «صحيحه» (4/2217)
(2891) عن مُحَمَّد بن بَشَّارٍ، وأَبي بَكْرِ بن نَافِعٍ. وابن عساكر في «تاريخه»
(12/266) من طريق عمرو بن علي الفلاّس. أربعتهم (أحمد، ومحمد بن بشار، وأبو بكر،
وعمرو) عن مُحَمَّد بن جَعْفَرٍ غُنْدَر.
ورواه مسلم أيضاً عن مُحَمَّد بن المُثَنَّى. وابن منده في
«الإيمان» (2/912) (996) من طريق مُحَمَّد بن عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ.
كلاهما (محمد بن المثنى، ومحمد بن عبيدالله) عن وَهْبِ بنِ جَرِير بن حازم.
ورواه ابن عساكر في «تاريخه» (12/266) من طريق إسحاق بن
أبي إسرائيل.
أربعتهم (الطيالسي، وغندر، ووهب، وإسحاق) عن شُعْبَةُ، عن
عَديّ بن ثابت، به.
·
الفرق بين لفظ شقيق ولفظ عبدالله
بن يزيد!
وفي متن هذا الحديث - حديث عدي بن ثابت عن عبدالله بن
يزيد- أن النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر حذيفة بِمَا هُوَ كَائِنٌ
إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، ومَا مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا وقَدْ سَأَله عنه،
إِلَّا أَنّه لَمْ يسْأَلْهُ: مَا يُخْرِجُ أَهْلَ المَدِينَةِ مِنَ المَدِينَةِ؟!
لكن في حديث شقيق أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حدّث
الصحابة كلهم، وكان حذيفة بينهم، وأنه كان ربما نسي الشيء فإذا رأى وجه الصحابي
تذكر ذلك الشيء.
وما جاء فيه من قوله: "إِلَّا أَنِّي لَمْ أَسْأَلْهُ:
مَا يُخْرِجُ أَهْلَ المَدِينَةِ مِنَ المَدِينَةِ" لا يوجد إلا في هذا
الحديث! والأصل أنه صلى الله عليه وسلم أخبر الصحابة بهذا، ولم يختص حذيفة به كما
في حديث شقيق.
وخروج أهل المدينة من المدينة جاء فيما أخرجه الشيخان دون
ذكر السبب!
رواه البخاري في «صحيحه» (3/21)، ومسلم في «صحيحه»
(2/1010) من حديث أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يَتْرُكُونَ المَدِينَةَ
عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ، لاَ يَغْشَاهَا إِلَّا العَوَافِ - يُرِيدُ عَوَافِيَ
السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ - وَآخِرُ مَنْ يُحْشَرُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ،
يُرِيدَانِ المَدِينَةَ، يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا فَيَجِدَانِهَا وَحْشًا،
حَتَّى إِذَا بَلَغَا ثَنِيَّةَ الوَدَاعِ، خَرَّا عَلَى وُجُوهِهِمَا».
والأقرب للصواب لفظ حديث شقيق. وعدي بن ثابت ثقة، كان
غالياً في التشيع. ولم يتكلموا فيه إلا من جهة مذهبه. إلا أن مغلطاي قال في «إكمال
تهذيب الكمال» (9/201): "قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في كتابه «تهذيب
الآثار»: «ويشكل الحديث» يعني قوله بأن عدي بن ثابت يجب التثبت في نقله".
فهذه إشارة إلى أن لفظ حديثه ينبغي التثبت فيه، فكيف إذا
خالف من هو أوثق منه! وحديث شقيق أصح.
·
استدراك على صاحب «المستدرك»!
قال الحاكم في «المستدرك» (4/472) بعد أن خرّج حديث أَبِي
هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَتُتْرَكَنَّ الْمَدِينَةُ عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ
تَأْكُلُهَا الطَّيْرُ وَالسِّبَاعُ»: "فَلْيَعْلَمْ طَالِبُ هَذَا العِلْمِ
أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ صَاحِبُ سِرِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ
الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ أَقَعَ فِيهِ، وَقَدْ يَخْفَى عَلَيَّ إِلَّا عَلِمَ
مَجْلِسٍ مِنَ الْعِلْمِ لِبَعْضِ عِلَّةٍ ذَلِكَ الْجِنْسِ، وَقَدْ خَفِيَ عَلَى
حُذَيْفَةَ الَّذِي يُخْرِجُ أَهْلَ المَدِينَةِ مِنَ الْمَدِينَةِ وَعَلِمَهُ
غَيْرُهُ. وَقَدِ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَى
حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ
يَزِيدَ، عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ فَمَا مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا وَقَدْ سَأَلْتُهُ عَنْهُ، إِلَّا أَنِّي
لَمْ أَسْأَلْهُ مَا يُخْرِجُ أهْلَ الْمَدِينَةِ مِنَ الْمَدِينَة" انتهى.
قلت: الشيخان اتفقا على تخريج حديث شقيق عن حذيفة، وحديث
شعبة عن عدي أخرجه مسلم دون البخاري كما سبق تخريجه.
وتحديث النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالفتن في يوم
كامل رُوي أيضاً من طريق آخر أخرجه مسلم في «صحيحه» في الشواهد، وختم به الباب في
ذلك، (4/2217) (2892) من حديث أَبي عَاصِمٍ الضّحاك بن مَخلد، عن عَزْرَة بن
ثَابِتٍ الأنصاريّ البصري، عن عِلْبَاء بن أَحْمَرَ اليشكريّ، عن أَبي زَيْدٍ
عَمْرو بن أَخْطَبَ، قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْفَجْرَ، وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ
الظُّهْرُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى
حَضَرَتِ الْعَصْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ،
فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ
كَائِنٌ، فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا».
وهذا إسناد صحيح.
وأما حديث زَيْدِ بنِ وَهْبٍ الجُهَنِيِّ:
فرواه البزار في «مسنده» (7/240) (2816) قال: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بنُ إِسْمَاعِيلَ بنِ يَحْيَى بنِ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ
وَهْبٍ الجُهَنِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَكُلَّمَا حَضَرَتْ صَلَاةٌ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ عَادَ إِلَى مَقَامِهِ
فَحَدَّثَنَا بِمَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ لَدُنْ مَقَامِهِ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ
مَا مِنْ أَمِيرٍ عَلَى مِائَةٍ فَأَعْلَى ضَلَّ وَلَا اهْتَدَى إِلَّا وَقَدْ
سَمَّاهُ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَفِظَ مَنْ
حَفِظَ، وَنَسِيَ مَنْ نَسِيَ».
قَالَ حُذَيْفَةُ: «فَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي قَدْ
تَعَلَّمْتُ الشَّرَّ فَحَفِظْتُهُ فَعَلِمْتُ أَنِّي إِذَا حَفِظْتُ الشَّرَّ
اجْتَنَبْتُهُ فَلَمْ أَقَعْ إِلَّا فِي الخَيْرِ».
قلت: هذا إسناد مسلسل بالمتروكين!
فإبراهيم: ليّنه أبو زرعة، وتركه أبو حاتم.
قال ابن أبي حاتم: "كتب أبي حديثه ولم يأته، ولم يذهب
بي إليه، ولم يسمع منه زهادة فيه، وسألت أبا زرعة عنه؟ فقال: يذكر عنه أنه كان
يحدث بأحاديث عن أبيه، ثم ترك أباه فجعله عن عمه؛ لأن عمه أحلى عند الناس، وأحاديث
قد جعلها عن عمه عن سلمة عن الأعمش، وسلمة عن أبي إسحاق".
وقال العقيلي: "كَانَ ابنُ نُمَيْرٍ لا يَرْضَى
إِبْرَاهِيمَ بنَ إِسْمَاعِيلَ وَيُضَعِّفُهُ. قَالَ: رَوَى مَنَاكِيرَ".
ولما ذكره ابن حبان في «جملة الثقات» قال: "وكَانَ
رَاوِيا لِأَبِيهِ.. فِي رِوَايَته عَن أَبِيه بعض المَنَاكِير".
وروى ابن خزيمة في «صحيحه» عنه حديثين! (289)، و(628).
قال مغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (1/182): "وروى
الحاكم في «مستدركه» عن أحمد بن يعقوب، عن محمد بن عبدالله بن سليمان عنه، وقال:
كان صالح الحديث"!
كذا نقل مغلطاي عن الحاكم! ولم أجده في كتابه، ولم ينقله
الذهبي في «تلخيصه»!
روى الحاكم في «مستدركه» (3/136) (4636) قال: حَدَّثَنَا
أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بنُ يَعْقُوبَ الثَّقَفِيُّ: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ
عَبْدِاللَّهِ بنِ سُلَيْمَانَ: خدثنا إِبْرَاهِيمُ بنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى
بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَلَمَةَ،
عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَةٍ خَطَبَهَا فِي حَجَّةِ
الْوَدَاعِ: «لَأَقْتُلَنَّ الْعَمَالِقَةَ فِي كَتِيبَةٍ»، فَقَالَ لَهُ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَوْ عَلِيٌّ، قَالَ: «أَوْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ».
قال الذهبي في «تلخيصه»: "إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن
كهيل وأبوه: متروكان".
وإسماعيل: واهٍ، متروك!
قال الدارقطني: "متروك". ونقل ابن الجوزي عن أبي
الفتح الأزدي أنه قال: "متروك".
وقال أبو حاتم ابن حبان: "لا تحل الرواية عنه"،
فيما رأيته في كتاب الصريفيني.
وخرج الحاكم حديثه في «المستدرك». [إكمال تهذيب الكمال:
(2/208)].
ويحيى بن سلمة: ليس بشيء، متروك!
قال عثمان بن سعيد الدارمي، وعبّاس الدوري، وابن مُحرز،
وابن الجُنيد، عن أبي زكريا يحيى بن معين، قال: "يَحْيَى بن سَلَمة بن
كُهَيل: لَيْسَ بِشَيْءٍ".
وقال الدوري عن يحيى قال: "يحيى بن سَلمَة بن كهيل: لا
يُكْتب حَدِيثه".
وقال عَبْداللَّهِ بن المُبَارَكِ: "يَحْيَى بنُ
سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ضَعِيفٌ". وقال في «تاريخه»: "ارم به".
وقال البُخَارِيَّ: "يَحْيَى بْنُ سَلَمَةَ بْنِ
كُهَيْلٍ فِي حَدِيثِهِ مَنَاكِيرُ".
وقال أبو حاتم الرازي: "يحيى بن سلمة بن كهيل: منكر
الحديث، ليس بالقوي".
وقال جَعْفَر بن أبان: سَأَلت ابن نُمَيْرٍ عَنْ يَحْيَى بنَ
سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ؟ فقال: "لَيْسَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَكَانَ
يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ أَحَادِيثَ لَيْسَ لَهَا أُصُولٌ".
وقال النسائي، وأبو داود، والدارقطني: "مَتْرُوك
الحَدِيث".
وقال أبو الحسن العجلي: "واهي الحديث، شديد التشيع،
غال فيه"، وفي موضع آخر: "حديثه ليس بشيء"، وفي موضع آخر: "ضعيف
الحديث، وكان يغلو في التشيع".
وذكره يعقوب في باب من يرغب عن الرواية عنهم، وقال الساجي:
"ضعيف، في حديثه مناكير".
وذكره العقيلي، وأبو العرب، والبلخي، والمنتجالي، وابن
شاهين في جملة الضعفاء. وفي كتاب «الضعفاء» لأبي محمد ابن الجارود: "روى عن
أبيه مناكير". [إكمال تهذيب الكمال: (12/322)].
وذكره ابن حبان في «الثقات» (7/595) وقال: "في
أَحَادِيث ابْنه إِبْرَاهِيم بْن يَحْيَى عَنْهُ مَنَاكِير".
وذكره في «المجروحين» (3/112) (1196)، وقال: "مُنكر
الحَدِيث جداً، يروي عَن أَبِيهِ أَشْيَاء لا تشبه حَدِيث الثِّقَات، كَأَنَّهُ
لَيْسَ من حَدِيث أَبِيه، فَلَمَّا أَكثر عَن أَبِيه مِمَّا خَالف الْأَثْبَات
بَطل الِاحْتِجَاج بِهِ فِيمَا وَافق الثِّقَات".
ولما ذكره الحاكم في «المستدرك» (1/120) قال: "هو كَثِيرُ
الوَهْمِ عَلَى أَبِيهِ".
وقال في موضع آخر (4/650) وصحح حديثاً له: "وتَرْكُ
حَدِيث يَحْيَى بنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ مِنَ الْمُحَالَاتِ الَّتِي يَرُدُّهَا
العَقْلُ؛ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ، فَلَا يُنْكَرُ
لِأَبِيهِ أَنْ يَخُصَّهُ بِأَحَادِيثَ يَتَفَرَّدُ بِهَا عَنْهُ".
وقال الذهبي في «الميزان» (4/382): "وقد قوّاه الحاكم
وحده! وأخرج له في «المستدرك» فلم يُصب".
فهذا الحديث باطل! وما جاء في آخره: قَالَ حُذَيْفَةُ: «فَأَمَّا
أَنَا فَإِنِّي قَدْ تَعَلَّمْتُ الشَّرَّ فَحَفِظْتُهُ فَعَلِمْتُ أَنِّي إِذَا
حَفِظْتُ الشَّرَّ اجْتَنَبْتُهُ فَلَمْ أَقَعْ إِلَّا فِي الخَيْرِ»،
يدلّ على انتشار هذا القول عن حذيفة مرسلاً، والله أعلم.
·
حديث آخر لأبي إدريس الخَوْلَانِيِّ
عن حذيفة!
وروى نُعيم بن حماد في كتاب «الفتن» (1/28) (5) عن عِيسَى
بن يُونُسَ، قال: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ حَسَّانَ بنِ عَطِيَّةَ
الشاميّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ، قالَ:
«هَذِهِ فِتَنٌ قَدْ أَظَلَّتْ كَجِبِاهِ البَقَرِ، يَهْلِكُ فِيهَا أَكْثَرُ
النَّاسِ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْرِفُهَا قَبْلَ ذَلِكَ».
كذا في مطبوع «الفتن»: "عيسى بن يونس"! وهو يروي
عن الأوزاعي. وهو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي.
لكن رواه ابن أبي شيبة «مصنفه» (21/65) (38350) عن أَبي
أُسَامَةَ حماد بن أسامة، عَنِ ابنِ المُبَارَك، ومُفَضّلِ بنِ يُونُسَ الجعفيّ
الكوفيّ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، به.
فيُحتمل أن عيسى بن يونس ومفضل بن يونس كلاهما رواه عن
الأوزاعي، ويُحتمل أن "مفضل" تحرفت إلى "عيسى"! والله أعلم.
وعموماً، فالحديث ثابت عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن
أبي إدريس، عن حذيفة.
وهو إسناد حسن! لكن لا نعرف لأبي إدريس سماعاً من حذيفة!
وهذا يدلّ على انتشار الأحاديث عن حذيفة بالإرسال في الشام.
ويؤيده أن السَّفَر بن نُسَيْرٍ الشّاميّ الحمصيّ رواه
عَنْ حُذَيْفَةَ، بنحوه، مرسلاً.
رواه نُعيم بن حمّاد في «الفتن» (1/28) (4) عن بَقِيَّة بن
الوَلِيدِ وأَبي المُغِيرَةِ، عَنْ صَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو الحمصيّ، عن السَّفَر بن
نُسَيْرٍ الْأَزْدِيّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَكُونُ فِتَنٌ كَقِطَعِ
اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا، تَأْتِيكُمْ مُشْتَبِهَةً
كَوجُوهِ الْبَقَرِ، لَا تَدْرُونَ أَيُّهَا مِنْ أَيٍّ».
قلت: وهذا مرسل! فالسفر لم يدرك حذيفة، وروايته عن الصحابة
مرسلة، وهو إنما يروي عن بعض التابعين.
ذكره ابن حبان في «الثقات» (4/349) (3284) وقال: "السّفر
بن نسير: من أهل الشَّام. يروي عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة. روى عَنهُ أَهلهَا.
مَاتَ سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَة".
قال ابن أبي حاتم في «المراسيل» (315): سَأَلْتُ أَبِي
عَنْ سَفْر بن نُسَيْرٍ، هَلْ سَمِعَ مِنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ شَيْئًا؟ فقالَ: "لا".
قُلْتُ: فَإِنَّ أَبَا المُغِيرَةَ رَوَى عَنْ عُمَرَ بنِ عَمْرِو بنِ عَبْدِ الْأَحْمُوسِيِّ
عَنْ السَّفْرِ بنِ نُسَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الدَّرْدَاءِ! فقالَ: "هذَا
وَهَمٌ".
وقال البرقاني في «سؤالاته للدارقطني» (ص: 85): وسَمِعْتُهُ
يَقُولُ: "السَّفْر بن نُسَير، حِمْصِيٌّ، ولا يُعْتَبَرُ بِهِ".
وقال الذهبي في «ديوان الضعفاء» (ص: 164) (1666): "السفر
بن نسير: حمصي مجهول، يروي عن التابعين".
وقال ابن حجر في «التقريب» (ص: 243): "أرسل عن أبي
الدرداء، وهو ضعيف".
فهذا يدلّ على انتشار الأحاديث المرسلة عن حذيفة بن اليمان
في الشّام! ولم يثبت أن أبا إدريس الخولانيّ لقيه، أو سمع منه. فحذيفة كان في
المدائن، وكان ينزل الكوفة، وأبو إدريس في الشام.
·
هل سمع أبو إدريسٍ الخَولانيّ من
عُقبة بن عامر الجُهنيّ؟!
لم أجد كلاماً لأحدٍ من أهل العلم المتقدمين في سماع أبي
إدريس الخولاني من عقبة بن عامر!
لكن قد تحققت المعاصرة بينهما، وكان عقبة قد نزل الشام،
لكن لم يثبت أن أبا إدريس سمع منه!
ومن ذكر أن أبا إدريس سمع من حذيفة من المتأخرين اعتمد في
ذلك على رواية أبي إدريس لحديثه عنه! ومن ترجم له ذكر ذلك أيضاً.
·
نزول عُقبة الشّام!
قال ابن عساكر في «تاريخه» (40/486) (4726): "عقبة بن
عامر بن عبس بن عمرو بن عدي بن عمرو بن رفاعة... الجهني صاحب رسول الله صلى الله عليه
وسلم... روى عنه: أبو الخير مرثد بن عبدالله اليزني... وأبو إدريس الخولاني،
وجبير بن نفير... وسكن مصر، وكان البريد إلى عمر بفتح دمشق، وكانت لها بها
دار بناحية قنطرة سنان من نواحي باب توما".
وقال ابن حجر في «الإصابة» (4/429): "روى عنه جماعة
من الصحابة والتابعين، منهم: ابن عباس، وأبو أمامة، وجبير بن نفير، وبعجة بن عبداللَّه
الجهنيّ، وأبو إدريس الخولانيّ، وخلق من أهل مصر.
قال أبو سعيد ابن يونس: كان قارئا عالما بالفرائض والفقه،
فصيح اللسان، شاعرا كاتبا، وهو أحد من جمع القرآن، قال: ورأيت مصحفه بمصر على غير
تأليف مصحف عثمان، وفي آخره: كتبه عقبة بن عامر بيده".
وقال مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الواقدي: "شَهِدَ عُقْبَةُ
بْنُ عَامِرٍ صِفِّينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ وَتَحَوَّلَ إِلَى مِصْرَ فَنَزَلَهَا
وَبَنَى بِهَا دَارًا وَتُوُفِّيَ فِي آخِرِ خِلافَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي
سُفْيَانَ". [الطبقات الكبرى لابن سعد: (4/256)].
وقال ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (7/342) في «تَسْمِيَة
مَنْ نَزَلَ مِصْرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم»:
"عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَبْسٍ الْجُهَنِيُّ. ويكنى أبا عمرو. صحب النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وندب أبو بكر الناس إلى الشام خرج عقبة بن عامر فشهد فتوح
الشام ومصر وشهد مع معاوية صفين ثم تحول إلى مصر فنزلها وابتنى بها دارًا
وتوفي بها فِي آخِرِ خِلافَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ودفن
بالمقطم مقبرة أهل مصر".
وقال ابن سعد في الطبقة الثالثة: "عقبة بن عامر بن
عبس الجهني، ويكنى أبا عمرو. قال الهيثم بن عدي: توفي آخر خلافة معاوية
بالشام، وكان نزلها وبنى بها داراً، وقد شهد صفين مع معاوية. وقال عمر بن
عمير: مات بمصر".
وقال أبو بكر البرقي: "مات سنة ثمان وخمسين في زمن
معاوية بمصر، ودفن في مقبرة الفسطاط فيما ذكر عثمان بن صالح عن ابن لهيعة".
قلت: جمهور أهل العلم على أن عقبة مات بمصر سنة (58هـ)،
وشذّ الهيثم بن عدي فقال: "توفي بالشام في آخر خلافة معاوية".
وقال أبو الحسن ابن سُميع في تسمية من نزل الشام من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم: عقبة بن عامر الجهني".
وقال أبو سعيد ابن يونس: "توفي بمصر، وقد كان بالشام،
ولهم عنه أحاديث عدة".
وقال أيضاً: "عقبة بن عامر بن عبس الجهني يكنى أبا
حماد، شهد الفتح بمصر، واختط بها، وولي الجند بمصر لمعاوية بن أبي سفيان بعد عتبة
بن أبي سفيان سنة أربع وأربعين، ثم أغزاه معاوية البحر سنة سبع وأربعين، وكتب إلى
مسلمة بن مخلد بولايته على مصر فلم يظهر مسلمة ولايته حتى رفع عقبة غازيا في البحر
فأظهر مسلمة ولايته فبلغ ذلك عقبة فقال: ما أنصفنا أمير المؤمنين عزلنا وغربنا.
توفي بمصر سنة ثمان وخمسين. وقبر في مقربتها بالمقطم، وكان يخضب بالسواد، وآخر من
حدّث عنه بمصر أبو قبيل". [تاريخ دمشق لابن عساكر: (40/491)].
وقال أبو نُعيم الحافظ: "ولي الجيش لمعاوية بعد موت
عتبة بن أبي سفيان. توفي بمصر آخر خلافة معاوية سنة ثمان وخمسين".
فعقبة بن عامر نزل الشام، وكان هو البريد إلى عمر بفتح
دمشق، وشهد فتح مصر، وولي إمرتها لمعاوية سنة (44هـ)، ومات سنة ثمان وخمسين في
مصر، وهو الصحيح كما ذكر محمد بن سعد، وخليفة، وأبو بكر ابن البرقي، وأبو سعيد بن
يونس، وأبو عبدالله بن منده، وغيرهم.
·
رواية المصريين والشاميين عن
عقبة!
وممن روى عنه من المصريين الثقات وأهل الصدق: أسلم بن يزيد
أبو عمران التُّجيبي، وإياس بن عامر الغافقي، وأبو عَلِيّ ثمامة بن شفي الهمداني، وعبدالله
بن مالك اليحصبي، وعبدالرحمن بن شِمَاسَةَ المهري، وعبدالرحمن بن حجيرة الخولاني، وعقبة
بن مسلم التجيبي، وأبو الخير مرثد بن عَبْدالله اليزني، وكعب بن علقمة التنوخي.
وممن روى عنه من الشاميين الثقات وأهل الصدق مما جاء في
الأسانيد: جُبير بن نُفير الحضرمي، وعبدالرحمن بن عائذ الحمصي، وكثير بن مرة
الحضرمي.
ونلاحظ أن رواية المصريين عنه أكثر من الشاميين، ورواية
الشاميين عنه قليلة جداً، ولا يكاد يصح منها حديث!
وغالب ما في الصحيحين عنه من رواية أبي الخير مَرْثَد بن
عَبْدالله اليزني المصريّ.
·
حديث أبي إدريس الخولاني عن عقبة
بن عامر الجُهنيّ!
روى مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ قاضي الأندلس، عَنْ رَبِيعَةَ
بنَ يَزِيد الدمشقي، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ
عَامِرٍ.
وعن أَبي عُثْمَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنْ
عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قالَ: "كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَةُ الْإِبِلِ
فَجَاءَتْ نَوْبَتِي فَرَوَّحْتُهَا بِعَشِيٍّ فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا يُحَدِّثُ النَّاسَ فَأَدْرَكْتُ مِنْ
قَوْلِهِ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ
فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إِلَّا
وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ»، قَالَ فَقُلْتُ: مَا أَجْوَدَ هَذِهِ فَإِذَا
قَائِلٌ بَيْنَ يَدَيَّ يَقُولُ: الَّتِي قَبْلَهَا أَجْوَدُ فَنَظَرْتُ فَإِذَا
عُمَرُ قَالَ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ جِئْتَ آنِفًا، قَالَ: مَا مِنْكُمْ
مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ - أَوْ فَيُسْبِغُ - الْوَضُوءَ ثُمَّ
يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ
وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ
مِنْ أَيِّهَا شَاءَ".
رواه أحمد في «مسنده» (28/615) (17393). ومسلم في «صحيحه» (1/209)
(234) عن محمد بن حاتم. وابن خزيمة في «صحيحه» (1/146) (222) عن عَبْدِاللَّهِ بن
هَاشِمٍ الطوسيّ. ثلاثتهم (أحمد، وابن حاتم، وابن هاشم) عن عبدالرحمن بن مهدي.
وأحمد في «مسنده» (28/549) (17314) عن أَبي العَلَاءِ
الحَسَن بن سَوَّارٍ، عن لَيْث بن سعد.
وأبو داود في «سننه» (1/43) (169) عن أَحْمَدُ بن سَعِيدٍ
الهَمْدَانِيّ. وأبو عوانة في «مستخرجه» (1/191) (606)، وابن خزيمة في «صحيحه»
(1/146) (222) عن بَحْر بن نَصْر بنِ سَابِقٍ. وابن حبان في «صحيحه» (3/325) (1050)
عن ابنِ قُتَيْبَةَ، عن حَرْمَلَة بن يَحْيَى. ثلاثتهم عن ابن وَهْبٍ.
وأبو عوانة في «مستخرجه» (1/191) (607) عن أَبي العَبَّاسِ
الغَزِّيّ عَبْداللَّهِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ الجَرَّاحِ الْأَزْدِيّ.
وابن خزيمة في «صحيحه» (1/146) (223) عن نَصْر بن مَرْزُوقٍ المِصْرِيّ. والطبراني
في «مسند الشاميين» (3/125) (1924)، وفي «المعجم الكبير» (17/332) (917) عن أَبي
يَزِيدَ القَرَاطِيسِيّ. ثلاثتهم عن أَسَد بن مُوسَى.
ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (2/426). والطبراني
في «مسند الشاميين» (3/125) (1924)، وفي «المعجم الكبير» (17/332) (917) عن بَكْر
بن سَهْلٍ. كلاهما (يعقوب، وبكر) عن عَبْداللَّهِ بن صَالِحٍ كاتب الليث.
خمستهم (ابن مهدي، والليث بن سعد، وابن وهب، وأسد،
وعبدالله بن صالح) عن مُعَاوِيَة بن صَالِحٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ
جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ.
وعن مُعَاوِيَة، عن رَبِيعَة بن يَزِيدَ، عَنْ أَبِي
إِدْرِيسَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، به.
·
رواية زَيْدِ بنِ الحُبَابِ، عن
مُعَاوِيَة بنِ صَالِحٍ، والاختلاف عليه!
ورواه أبو بكر ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1/233) (21).
والنسائي في «السنن الكبرى» (1/145) (177) عن مُوسَى بن عَبْدِالرَّحْمَنِ المَسْرُوقِيّ.
وأبو عوانة في «مستخرجه» (1/191) (605) عن مُحَمَّد بن عبدالرَّحْمَن بن عَليّ
الجعْفِيّ أَبي بكر ابن أخي حُسَيْن بن عَليّ الجعْفِيّ. ثلاثتهم (ابن أبي شيبة،
وموسى، وأبو بكر الجعفي) عن زَيْدِ بنِ الحُبَابِ، عن مُعَاوِيَة بن صَالِحٍ، عَنْ
رَبِيعَةَ بنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الخَوْلاَنِيِّ، وأَبِي
عُثْمَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرِ بنِ مَالِكٍ الحَضْرَمِيِّ، عَنْ
عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ الجُهَنِيِّ.
ورواه مسلم في «صحيحه» (1/209) (234) عن أبي بكر ابن أبي
شيبة.
ورواه البزار في «مسنده» (1/361) (243) عن بِشْر بن آدَمَ.
وأبو عوانة في «مستخرجه» (1/190) (604) عن عَبَّاس بنِ مُحَمَّدٍ الدّوريّ.
والنسائي في «السنن الكبرى» (1/129) (140) عن مُحَمَّد بن عَلِيِّ بنِ حَرْبٍ
المَرْوَزِيّ. ثلاثتهم (بشر، وعباس، وابن حرب) عن زَيْد بن الحُبَابِ، عن مُعَاوِيَة
بن صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ عُقْبَةَ
بنِ عَامِرٍ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَقَالَ أَشْهَدُ
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ».
وفي رواية ابن حَرْبٍ المَرْوَزِيّ: "عَنْ رَبِيعَةَ
بنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، وَأَبِي عُثْمَانَ، عَنْ
عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ". لم يذكر "جبير بن
نُفير"!
ورواه أبو داود في «سننه» (2/174) (906) عن عثمان بن أبي
شيبةَ، عن زيد بن الحُبَاب، عن معاوية بن صالح، عن ربيعةَ بن يزيدَ، عن أبي
إدريس الخَوّلاني، عن جُبير بن نُفير الحضرمي، عن عقبة بن عامر الجُهَني.
فزاد عثمان بن أبي شيبة في إسناده رجلاً، وهو "جبير
بن نفير".
·
رواية الترمذي وجعله العهدة فيه
على زيد بن حُباب! وتعقّب الجيّاني له!
ورواه الترمذي في «جامعه» (1/109) (55) عن جَعْفَر بن
مُحَمَّدِ بنِ عِمْرَانَ الثَّعْلَبِيّ الكُوفِيّ، عن زَيْد بن حُبَابٍ، عَنْ
مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيِّ، عَنْ أَبِي
إِدْرِيسَ الخَوْلاَنِيِّ وَأَبِي عُثْمَانَ، عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، عن
النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولم يذكر "عقبة بن عامر"!!
وزاد فيه: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ،
وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ».
قال الترمذي: "وفِي البَابِ عَنْ أَنَسٍ، وَعُقْبَةَ
بنِ عَامِرٍ".
وقال: "حَدِيثُ عُمَرَ قَدْ خُولِفَ زَيْدُ بنُ
حُبَابٍ فِي هَذَا الحَدِيثِ.
وَرَوَى عَبْدُاللهِ بنُ صَالِحٍ، وَغَيْرُهُ، عَنْ
مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ
عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عُمَرَ، وَعَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ،
عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ.
وهَذَا حَدِيثٌ فِي إِسْنَادِهِ اضْطِرَابٌ، ولاَ يَصِحُّ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا البَابِ كَبِيرُ
شَيْءٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَبُو إِدْرِيسَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ
عُمَرَ شَيْئًا" انتهى.
وقال أبو عليّ الجيّاني في «تقييد المهمل وتمييز المشكل» (3/785):
"وقد خرّج أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي - رحمه الله- في «مصنفه»
هذا الحديث من طريق زيد بن الحباب، عن شيخٍ له لم يُقم إسناده عن زيدٍ، وحمل أبو
عيسى في ذلك على زيد بن الحباب، وزيدٌ هو بريءٌ من هذه العهدة، والوهم في ذلك من
أبي عيسى أو من شيخه الذي حدثه به، لأنا قد قدمنا من رواية أئمةٍ حفاظٍ عن زيد بن
حبابٍ في هذا الإسناد ما خالف ما ذكره أبو عيسى، والحمد لله. وذكره أبو عيسى أيضاً
في كتاب «العلل وسؤالاته محمد بن إسماعيل البخاري»، فلم يجوّده، وأتى عنه فيه
بقولٍ يخالف ما ذكرنا عن الأئمة، ولعله لم يحفظ عنه. وهو حديثٌ يختلف في إسناده،
وأحسن طرقه: ما خرّجه مسلم بن الحجاج من حديث ابن مهدي وزيد بن الحباب عن معاوية
بن صالح. والله المستعان". انتهى كلام الجيّاني.
قلت: الخطأ ليس من الترمذي، والأقرب أنه من شيخه
"جعفر بن محمد بن عمران"! وهو صدوق، أسقط من إسناده "عقبة بن
عامر"! فصار الحديث: "عن أبي إدريس وأبي عثمان عن عمر"!!
وكأن الترمذي سأل البخاري عن هذا الحديث، فقال البخاري:
"أبو إدريس لم يسمع من عمر"، وهذا صحيح، فهو لم يسمع منه، ولم يتطرق
البخاري للاختلاف فيه على زيد بن الحباب، وهذا لأن الترمذي سأله عن هذا الإسناد
فقط فأجابه بهذا.
قال ابن كثير في «مسند الفاروق» (1/112) بعد أن ذكر رواية
الترمذي: "قلت: الظاهر أنه قد سقط على بعض الرواة «عقبة بن عامر»، فقد تقدم
من رواية مسلم ذكر عقبة بينهما، والله أعلم".
وقد تعقّب الحافظ ابن حجر حكم الترمذي عليه بالاضطراب في «التلخيص
الحبير» (1/299) فقال: "قُلْتُ: لَكِنَّ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ سَالِمَةٌ مِنْ هذَا
الِاعْتِرَاضِ، وَالزِّيَادَةُ الَّتِي عِنْدَهُ رَوَاهَا البَزَّارُ
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ ثَوْبَانَ وَلَفْظُهُ: «مَنْ
دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فساعة فرغ من وضوءه يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ
إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي
مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ» الحَدِيثَ".
قلت: حكم الترمذي عليه بالاضطراب؛ لأنه رُوي عن معاوية بن
صالح بأسانيد فيها اختلاف، ولم يقصد إسناد زيد بن الحباب فقط، مع أنه لم يتطرق
للاختلاف على زيد فيه! فإن كان ثمة اضطراب فهو في رواية زيد بن الحباب! والظاهر أن
زيداً لم يضبطه!
فقد خالفه ابن مهدي، والليث بن سعد، وابن وهب، وأسد،
وعبدالله بن صالح، فرووه عن مُعَاوِيَة بن صَالِحٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ
جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ. وعن مُعَاوِيَة، عن
رَبِيعَة بن يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ.
وقد أشار ابن دَقيق العيد إلى الاختلاف في أسانيد هذا
الحديث في كتاب «الإمام في معرفة أحاديث الأحكام» (2/64) وقال: "ولهذا
الاضطراب قال أبو عيسى الترمذي: "وهذا الحديث في إسناده اضطراب، ولا يصح عن
النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كبير شيء. قال محمد - أي البخاري-: أبو
إدريس لم يسمع من عمر شيئا". وذكر عبدالحق من طريق الترمذي، عن عمر قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء..." الحديث بزيادة:
«اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين»، فقال ابن القطان: "وسكت عنه
مصححا له، وهو منقطع، فإنه من رواية أبي إدريس، وأبي عثمان، عن عمر رضي الله عنه.
قال الترمذي في كتاب «العلل»: "سألت محمداً عنه فقال: هذا خطأ، إنما هو
معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس، عن عقبة، عن عمر. ومعاوية عن
ربيعة بن يزيد، عن أبي عثمان، عن جبير بن نفير، عن عمر رضي الله عنه. قال: وليس
لأبي إدريس سماع من عمر. قلت: من أبو عثمان هذا؟ قال: شيخ لم أعرف اسمه". وقد
نص الترمذي في «جامعه» على أن أبا إدريس لم يسمع من عمر رضي الله عنه. والقول بأن
أبا عثمان لم يسمعه من عمر هو لأجل إدخال جبير بن نفير بينهما".
قلت لمن صححه أن يجعل رواية أبي إدريس وأبي عثمان عن عمر
مرسلة، ويأخذ بالزيادة في إثبات عقبة بن عامر بين أبي إدريس وعمر، وإثبات جبير بن
نفير بين أبي عثمان وعمر، فإن الأخذ بالزائد أولى.
ولما أخرجه ابن مَنده قال: "هذا حديث مشهور من طرق عن
عقبة بن عامر، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أخرجه مسلم بن الحجاج، وهو صحيح
على رسم أبي داود، وأبي عبدالرحمن النسائي، ولم يخرج البخاري هذا الحديث من حديث
عقبة، وفيه زيادات". انتهى كلام ابن دقيق.
قلت: هو ليس بصحيح! وهو معلول، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله
بعد الكلام على رواية زيد بن الحباب.
·
حال زيد بن الحُباب:
وزيد بن الحُباب صدوق يَهم.
قَال أَبُو دَاوُد: سمعت أَحْمَد قال: "زَيْد بن حباب
كَانَ صدوقا، وكان يضبط الألفاظ عَنْ معاوية بن صَالِح، ولكن كَانَ كثير الخطأ".
وقال عبدالله بن أحمد: سمعت أبي يَقُول: "كَانَ رجل
صَالح مَا نفذ فِي الحَدِيث إِلَّا بالصلاح؛ لِأَنَّهُ كَانَ كثير الخَطَأ"، قلت
لَهُ: من هُوَ؟ قالَ: "زيد بن الحباب".
وقال البخاري: "كان زيد بن الحباب إذا روى حفظاً ربما
غلط في الشيء".
وقال ابن حبان: "وكَانَ مِمَّن يخطىء. يُعْتَبر
حَدِيثه إِذا روى عَنْ المَشَاهِير، وَأما رِوَايَته عَن المجاهيل فَفِيهَا المَنَاكِير".
وقال ابن خلفون في كتاب «الثقات»: قال أحمد بن صالح المصري:
"كان معروفا بالحديث صدوقاً، إلا أنه كان يأنف أن يُخرج كتابه، فكان يُملي من
حفظه، فربما وهم في الشيء، وكان راوية عن معاوية بن صالح والثوري وحسين بن واقد،
وكان صاحب سنة، وكان محتاجًا فقيرًا متعففًا، كثير الحديث". [إكمال تهذيب
الكمال: (5/146)].
فعلى هذا يمكن القول بأن زيد بن الحباب اضطرب فيه في مقابل
من اتفقوا عليه عن معاوية بن صالح.
فيُحتمل أن زيد بن الحباب كان يُحدث به من حفظه فيهم فيه!
ومن سمع الحديث من معاوية في مكة كعبدالرحمن بن مهدي، وفي
مصر كالليث وأبي صالح، روايتهم أصح من رواية زيد، لأن الظاهر أن معاوية حدث به لما
حجّ في مكة وفي مصر على وجه واحد، ولا ندري هل حدّث به من حفظه أم من كتاب!
والظاهر أنه من حفظه، إذ من يحجّ يصعب عليه حمل كتبه معه.
وعليه فهل سماع زيد بن الحباب منه في الأندلس وكتبه عنده
يُعد أصح من غيره؟ هذا مُحتمل، لكن الإشكال يبقى في أن زيد بن الحباب كان يُحدّث
من حفظه فيهم، وتحديثه به على وجوه يدلّ على ذلك، إلا إذا كان ضبط أحد هذه الوجوه
وهذا يحتاج لدليل!
·
تفرد معاوية بن صالح بهذا الحديث
عن عدّة شيوخ!
لكن هذا الحديث تفرد به معاوية بن صالح الحمصي!! ولم يروه
عن جبير ولا عن أبي إدريس إلا هو!!
ومن الغريب أن يتفرد معاوية بن صالح بهذا الحديث عن شيخين
من أعلام أهل الشام! ولا يرويه أحد عنهما إلا هو! بل يرويه عن شيخ ثالث لم يروه
عنه إلا هو! وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله.
ومعاوية صدوق، له إفرادات وغرائب ومناكير! وكان يحيى
القطان لا يأخذ عنه، وينهى من يُحدّث عنه.
قال الذهبي: "وكان يحيى القطان يتعنت ولا يرضاه".
قلت: هذا ليس بتعنت! بل هو بسبب ما كان يرويه من غرائب
ومناكير!
وقد وثقه أحمد، وأبو زرعة، وغيرهما.
وفي كتاب «الجرح والتعديل» عن النسائي: "ليس به بأس".
وليّنه ابن معين.
وقال أبو حاتم: "صالح الحديث، حسن الحديث، يُكتب
حديثه ولا يُحتج به".
وقال الساجي: "ليس بالقوي، قال: وقال يحيى بن معين:
ليس بالقوي، ولا جاء بمنكر".
وذكره أبو العرب في «جملة الضعفاء»، وكذلك الفسوي والبرقي.
قال محمد بن أحمد بن أبي خيثمة: "لوددت أن أدخل
الأندلس حتى أفتش عن أصول كتب معاوية بن صالح، فلما قدمت طلبت ذلك، فوجدت كتبه قد
ذهبت بسقوط همم أهله، وكان معاوية يُغرب بحديث أهل الشام جداً، وكان
أغرب حديثه روايته عن أبي الزاهرية حُدير بن كُريب، عن جبير بن نفير، عن أبي
الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو طريق غريب ثابت من حديث الشاميين لا
يوجد إلا عند معاوية بن صالح". [إكمال تهذيب الكمال: (11/270)].
ولم يُخرِّج له البخاري.
قال الذهبي: "وهو ممن احتج به مسلم دون البخاري. وترى
الحاكم يروي في مستدركه أحاديثه، ويقول: هذا على شرط البخاري! فَيَهِم في ذلك ويُكرره!".
قلت: وهذا من غرائب معاوية عن أهل الشام! وله أصل من حديث
شهر بن حوشب كما سيأتي بيانه!
·
حديث معاوية
بن صالح، عن اللَّيْثِ
بنِ سُلَيْمٍ الجُهَنِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ!
وقد رواه معاوية بن صالح أيضاً عن عَبْدِالوَهَّابِ بنِ
بُخْتٍ، عَنِ اللَّيْثِ بنِ سُلَيْمٍ الجُهَنِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ.
رواه يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (2/426) عن أَبي
صَالِحٍ عبدالله بن صالح. [ورواه البيهقي في «شعب الإيمان» (4/267) (2498)، وفي «السنن
الكبرى» (1/126) من طريق يعقوب].
وأحمد في «مسنده» (28/549) (17314) عن أَبي العَلَاءِ
الحَسَن بنِ سَوَّارٍ، عن لَيْث بن سعد.
وأبو عوانة في «مستخرجه» (1/191) (606) عن بَحْر بن نَصْرٍ،
عن ابن وَهْبٍ.
ثلاثتهم (أبو صالح، وليث بن سعد، وابن وهب) عن مُعَاوِيَة
بن صَالِحٍ الحِمْصِيّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ.
ورَبِيعَةَ بنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيِّ.
وعَبْدِالوَهَّابِ بنِ بُخْتٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ
سُلَيْمٍ الجُهَنِيِّ، كُلُّهُمْ يُحَدِّثُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، به.
وهذا رواه عنه أهل مصر! حدّث به عندهم، ولم يحدّث به من
سمعه منه في مكة أو في الأندلس!
ولَمْ يَرْوِهِ عَنْ اللَّيْثِ بنِ سُلَيْمٍ
الجُهَنِيِّ إِلَّا عَبْدُالوَهَّابِ بنُ بُخْتٍ، تَفَرَّدَ بِهِ: مُعَاوِيَةُ
بنُ صَالِحٍ!
·
ترجمة لَيْث بن سُليم الجُهَنِيّ:
وليث هذا ليس هو ليث بن أبي سليم الكوفي المشهور، وهو آخر
لا يُعرف إلا في هذا الإسناد! ولم يترجم له أحد من الأئمة المتقدمين! وهو مجهول!
ذكر الخطيب في «غنية الملتمس إيضاح الملتبس» (ص: 332):
"لَيْث بن سليم، وَلَيْث بن أبي سليم"، وفرّق بينهما.
قال الحسيني في «الإكمال في ذكر من له رواية في مسند
الإمام أحمد من الرجال» (ص: 365) (754): "لَيْث بن سليم الجُهَنِيّ عَن عقبَة
بن عَامر، وعنهُ: عبدالوَهَّاب بن بخت، مَجْهُول".
ولم يتعقبه ابن حجر في «تعجيل المنفعة» (2/162) (919).
ولما ذكر الدارقطني الاختلاف في هذا الحديث في «العلل»
(2/112) قَالَ: "رَوَاهُ أَبُو إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيُّ، وَجُبَيْرُ بنُ
نُفَيْرٍ، وَلَيْثُ بنُ سُلَيْمٍ الجُهَنِيُّ".
وذكر ابن عساكر في «تاريخه» (37/303) (4364) في ترجمة «عبدالوهاب
بن بخت» قال: "وروى عن... وثابت بن سليم الجهني...".
وكذا ذكر المزي في ترجمته من «تهذيب الكمال» (18/488):
"رَوَى عَن: أنس بن مالك، وثابت بن سليم الجهني..."!
فكأن المزي تبع ابن عساكر في ذلك! وهو تصحيف! تصحف «ليث»
إلى «ثابت»!
وعبدالوهاب بن بخت المكي، من صغار التابعين، وثقه ابن معين،
وأبو زرعة، ويعقوب بن سفيان، والنسائي.
وقال أبو حاتم: "صالح الحديث"، وقال مرة:
"لا بأس به".
ولم يتكلم فيه إلا ابن حبان!
ذكره في «المجروحين» (2/146) (755)، قال: "عبدالوَهَّاب
بن بخت الجَزرِي [كذا! والصواب: المكي]، كنيته أَبُو عُبَيْدَة، سكن المَدِينَة،
وَهُوَ مولى لآل مَرْوَان. يروي عَن نَافِع، وَالزهْرِيّ، وَسليمَان بن حبيب. روى
عَنهُ أهل الشَّام والحجاز، وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ: عبدالوَهَّاب بن أبي بكر،
كَانَ كنيته بخت أَبُو بكر، انْتقل آخر عمره إِلَى الثغر، وَقتل مَعَ البطال سنة
عشر وَمِائَة، كَانَ صَدُوقًا فِي الرِّوَايَة إِلَّا انه كَانَ يخطىء كثيراً،
ويهم شَدِيداً حَتَّى كثر فِي رِوَايَته الْأَشْيَاء المقلوبة فَبَطل الِاحْتِجَاج
بِهِ. كَانَ يحيى بن معِين حسن الرَّأْي فِيهِ، وَقد رَوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ،
عَنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَا سَمِعْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم رخص فِي الكَذِب إِلَّا فِي ثَلَاث: «الرجل
يَقُول القَوْل يُرِيد بِهِ الْإِصْلَاح بَين النَّاس، وَالرجل يَقُول القَوْل فِي
الْحَرْب، وَالرجل يحدث امْرَأَته، وَالمَرْأَة تحدث زَوجهَا»، رَوَاهُ يزِيد بن
عبدالله بن أُسَامَة بن الهَاد عَن عبدالْوَهَّاب بن أبي بكر، عَن الزُّهْرِيّ،
وَأما النَّاس فَإِنَّهُم رووا هَذَا الخَبَر عَن الزُّهْرِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن
حميد عَن أمّه: أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَيْسَ
الْكذَّاب الَّذِي يصلح بَين اثْنَيْنِ فينمي خيرا فَقَط»، هَكَذَا رَوَاهُ مَالك
وَمعمر وَعقيل وَيُونُس، وَقد روى عَن أبي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِذَا لَقِي أحدكُم أَخَاهُ فليسلم عَلَيْهِ فَإِن حَالَتْ بَينهمَا شَجَرَة أَو
جِدَار أَو حجر ولقيه فليسلم عَلَيْهِ»، أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُسَيِّبِ قَالَ: حَدثنَا بَحر بن نصر قَالَ: حَدثنَا ابن وهب، عن مُعَاوِيَة
بن صَالح قَالَ: حَدثنِي عبدالوَهَّاب بن بخت".
قلت: خلط ابن حبان بين «عبدالوهاب بن بخت» وبين «عبدالوهاب
بن أبي بكر» وعدهما واحداً! وليس كذلك، فأهل العلم على التفريق بينهما.
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (6/96) (1820): "عَبْدالوَهَّابِ
بْن أَبِي بكر، وهو ابن رفيع، عَنِ الزُّهْرِيّ، روى عَنْهُ الدراوردي، ويزيد بن
الهاد، حديثه في أهل المدينة".
ثم قال (1821): "عَبْدالوَهَّابِ بْن بخت الْمَكِّيّ
عَنْ نافع، وسُلَيْمَان بْن حبيب وأَبِي الزناد".
وكذا فرّق بينهما أبو حاتم وابنه.
وقال السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ الدَّارَقُطْنِيّ يقول: "عبدالوهاب
بن أبي بكر، هو عبدالوهاب بن رفيع الذي يروي عن الزهري: والله إني لأشبهكم صلاة
برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قال إنه عبدالوهاب بن بخت فقد أخطأ فيه".
وذكر ابن حبان في «الثقات» (7/132) (9328): "عَبْدالوَهَّاب
بْن أبي بكر، وَاسم أَبِيه: رفيع، من أهل المَدِينَة. يروي عَن الزُّهْرِيّ، روى
عَنهُ يزِيد بن الهَاد، والداروردي".
وقد تبع الذهبي ابن حبان في الكلام عليه، فأخطأ!
قال الذهبي في «من تكلم فيه وهو موثق» (ص: 357): "ثقة
صدوق، لكنه كثير الوهم".
وقال في «الميزان» (2/678): "كثير الأوهام".
وقال في «المغني في الضعفاء» (2/412) (3887): "صَدُوق،
فِي أَحَادِيثه أَوْهَام كَثِيرَة".
وقال في «ديوان الضعفاء» (ص: 262) (2672): "ثقة، كثير
الوهم".
قلت: لم يكن كثير الوهم، بل لا نكاد نجد له خطأ واحداً!
وقد وهم ابن حبان في الكلام عليه، والعجب من الذهبي كيف تبعه على ذلك دون تحرير!!
وأخطأ ابن حزم بقوله في «المحلى» (7/561): "عَبْدُالوَهَّابِ
بنُ بُخْتٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالعَدَالَةِ"!!
بل هو مشهور بالعدالة والثقة.
ذكره ابن خلفون في كتاب «الثقات».
وخرّج الحاكم حديثه في «المستدرك»، وصحح إسناده، ولما خرج
حديثه عن زر بن حبيش قال: "عَبْدَالوَهَّابِ بْنَ بُخْتٍ مِنْ ثِقَاتِ المدنيِّينَ
وَأَثْبَاتِهِمٍ مِمَّنْ يُجْمَعُ حَدِيثُهُ وَقَدِ احْتَجَّا بِهِ وَلَمْ
يُخَرِّجَا هَذَا الحَدِيثَ".
·
خطأ وبياض في مطبوع «جامع ابن وهب»
يُستدرك من هذه الرواية:
جاء في «الجامع» لابن وهب (ص: 284) (189) قَالَ:
وَأَخْبَرَنِي عَبْدُالوَهَّابِ بنُ بُخْتٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيِّ،
عَنْ... «مَحَبَّتِي الَّذِينَ يُعَمِّرُونَ مَسَاجِدِي، وَيُكْثِرُونَ ذِكْرِي...
نِعْمَةً بِعِبَادِي، كُفِيَتْ بِهِمْ نَفْسٌ عَنْ عِبَادِي».
قلت: كذا في المطبوع! وفيه سقط كثير وخلط!
فالحديث رواه ابنُ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ
بْنَ صَالِحٍ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ
عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُدَّامَ أَنْفُسِنَا نَتَنَاوَبُ رِعَايَةَ إِبِلِنَا،
فَرَوَّحْتُهَا بِعَشِيٍّ، فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ
يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ
يُقْبِلُ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَبِوَجْهِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ، فَقُلْتُ: بَخٍ
بَخٍ مَا أَجْوَدَ هَذِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيَّ: الَّتِي قَبْلَهَا
أَجْوَدُ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقُلْتُ
لَهُ، مَا هِيَ يَا أَبَا حَفْصٍ قَالَ: إِنَّهُ قَالَ آنِفًا قَبْلَ أَنْ
تَجِيءَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ، ثُمَّ
يَقُولُ حِينَ يَفْرُغُ مِنَ الْوُضُوءِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ أَلَا اللَّهُ
وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا
فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ».
قَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ: وَحَدَّثَنِي رَبِيعَةُ
بْنُ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ عُقْبَةَ. قَالَ مُعَاوِيَةُ هُوَ ابْنُ
صَالِحٍ، وَحَدَّثَنِي عَبْدُالْوَهَّابِ بْنُ بُخْتٍ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي
سُلَيْمٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ. [مستخرج أبي عوانة (1/191) (606)].
·
من هو أبو عثمان؟!
وأبو عثمان الذي في الإسناد اختلف أهل العلم فيه! من هو؟!
فقال الدارقطني في «العلل» (2/112): "وأبو عُثْمَانُ
هذَا: الْأَصْبُحِيِّ".
قلت: هذا آخر، وليس هو!
فأبو عثمان الأصبحي هو عُبيد بن عمرو. روى الترمذي من طريق
عبدالرحمن بن زياد بن أنعم، عن أبي عثمان، عن أبي هريرة حديث: أن رجلين ممن دخل
النار أشتد صياحهما الحديث.
قال أَبُو القاسم ابن عساكر فِي «الأطراف»: "إن لم
يكن مسلم بن يسار فلا أدري من هو".
قال المزي: "هكذا قال، وقد روى عَن أَبِي هُرَيْرة
جماعة ممن يكنى أبا عثمان، وحديثه عند المِصْرِيين منهم: مسلم ويسار الطنبذي
هَذَا، ومنهم أَبُو عثمان الأصبحي واسمه عُبَيد بْن عَمْرو، ويروي عَنْهُ سلامان
بْن عامر وشراحيل بْن يزيد، فيحتمل أن يكون واحدا منهما، ويحتمل أن يكون آخر
ثالثا، واللَّهِ أعلم".
قال ابن حجر متعقبا المزي: "قلت: ولم ينبه عليه في
الأسماء كعادته ولا ساق شيئًا من أخباره! وقد روى عن أبي هريرة، روى عنه خالد بن
عبدالله الزيادي وسلامان بن عامر وشراحيل بن يزيد وغيرهم، وسيأتي في الكنى: أبو
عثمان عن جبير بن نفير أنه يحتمل أن يكون هو هذا، وذكره ابن يونس، ولم يذكر فيه
جرحاً". [تهذيب التهذيب: 7/71].
وقال ابن حبان في «صحيحه» (3/325): "أَبُو عُثْمَانَ
هذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حَرِيزَ بنَ عُثْمَانَ الرَّحَبِيَّ، وَإِنَّمَا
اعْتِمَادُنَا عَلَى هَذَا الْإِسْنَادِ الْأَخِيرِ، لِأَنَّ حَرِيزَ بنَ عُثْمَانَ
لَيْسَ بِشَيْءٍ فِي الحَدِيثِ".
قلت: حريز بن عثمان ليس كما قال ابن حبان! بل هو ثقة، وقد
تكلّم فيه بعض أهل العلم. وليس هو الذي في هذا الحديث.
وقال أَبُو بكر ابن منجويه في «رجال صحيح مسلم» (2/396): "يُشبه
أن يكون: سَعِيد بن هانىء الخولاني المِصْرِي".
قلت: لا يوجد ما يثبت أنه سعيد بن هانئ المصري، ويُقال:
الشامي!
وقال الذهبي في «المغني في الضعفاء» (2/797) وفي «الميزان»
(5/265): "أَبُو عُثْمَان عَن جُبَير بن نفير: لا يُدرى من هُوَ"! وزاد
في الموضع الأول: "خرج لَهُ مسلم مُتَابعَة".
وقال في «ديوان الضعفاء» (4983): "أبو عثمان عن جبير
بن نفير: مجهول".
وقال ابن حجر في «التقريب» (ص: 658): "أبو عثمان شيخ
لربيعة بن يزيد الدمشقي. قيل: هو سعيد بن هانئ الخولاني، وقيل: حريز بن عثمان،
وإلا فمقبول".
وقال صاحبا «تحرير تقريب التهذيب» (4/235): "بل:
مجهولٌ، فقد تفرَّد بالرواية عنه ربيعة بن يزيد، ولم يوثقه أحد، وقال الذهبي في
"الميزان": لا يُدرى من هو".
قلت: وهم ابن حجر في قوله إنه شيخ لربيعة بن يزيد! وتبعه
على هذا الوهم صاحبا التحرير! وإنما هو شيخ لمعاوية بن صالح كما بيناه في الرواية
الأصح عنه، وإنما جاء أنه شيخ لربيعة في رواية لزيد بن الحباب، وقد بينا اضطرابه
في الرواية!
وقال ابن حجر في «تعجيل المنفعة» (2/503): "فجوّز
أَبُو بكر ابن منجويه، وَتَبعهُ ابن عَسَاكِر أَنه: سعيد بن هَانِئ الخَولَانِيّ،
وَجوّز ابن حبَان أَنه حريز بن عُثْمَان الرَّحبِي، ونقل التِّرْمِذِيّ فِي
العِلَل المُفْرد عَن البُخَارِيّ أَنه لا يعرفهُ، وَجزم الدَّارَقُطْنِيّ فِي العِلَل
الْكُبْرَى أَنه: أَبُو عُثْمَان الأصبحي، وكلأم ابن يُونُس يقتضى أَن هَذَا آخر
يُقَال لَهُ: أَبُو عُثْمَان الأصبحي لَا يعرف اسْمه، فَإِنَّهُ ترْجم لَهُ فِي
الكنى، وَقَالَ: إِنَّه أدْرك الجَاهِلِيَّة ثمَّ سكن مصر فروى عَنهُ من أَهلهَا:
أَبُو قبيل المعَافِرِي، انْتهى. وَقد عجلت تَرْجَمَة أبي عُثْمَان الأصبحي
لارتباطها بترجمة سلامان وَلِأَن الْكَشْف والتأمل اظهرا أَنَّهُمَا اثْنَان وَلَا
الْتِفَات الى مَا جوّزه ابن حبَان وَلَا ابن منجويه؛ لِأَن الأصبحي غير
الْخَولَانِيّ، وَلأَجل ذَلِك لم يرقم الْمزي (مُسلم) لسَعِيد بن هاني، وَلا لحريز
بن عُثْمَان، ومررت على تَرْجَمَة أبي عُثْمَان فِي الكنى للْحَاكِم أَبى أَحْمد
فَلم أره ذكر فيهم من يُقَال لَهُ الأصبحي غير شخص وَاحِد مُتَأَخّر الطَّبَقَة عَن
التَّابِعين، وَهُوَ من طبقَة شُيُوخ السِّتَّة واسْمه سعيد بن رَحْمَة".
قلت: أبو عثمان الذي في حديث معاوية بن صالح لا يُدرى من
هو! فهو مجهول!
والحديث لا يُعرف عن جبير بن نُفير! ولا عن أبي إدريس
الخولاني! ولا يُعرف أن أبا إدريس سمع من عقبة بن عامر!
فالحديث لا يصح! وسيأتي بيان أصله من حديث شهر بن حوشب
الشامي.
·
من القائل: «وحَدَّثَنِي أَبُو
عُثْمَانَ» في رواية مسلم وغيرها؟!
قال أبو عليّ الجيّاني في «تقييد المهمل وتمييز المشكل» (3/785):
"القائل في هذا الإسناد: «وحدثني أبو عثمان» هو معاوية بن صالح. وكتب أبو عبدالله
بن الحذّاء في نسخته: «قال ربيعة بن يزيد: وحدثني أبو عثمان عن جبير عن عقبة»".
قال أبو علي: "والذي أتى في النسخ المروية عن مسلم - كما
ذكرناه أولاً- الصواب، والذي كتب أبو عبدالله في نسخته وهمٌ، وهذا بينٌ في طرق هذا
الحديث من رواية الأئمة الثقات الحفاظ.
وهذا الحديث يرويه معاوية بن صالح بإسنادين: أحدهما عن
ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس، عن عقبة. والثاني: عن أبي عثمان، عن جبير بن نفير،
عن عقبة.
وعلى ما ذكرنا من الصواب خرّجه أبو مسعود الدمشقي، فصرّح،
وقال: «وقال معاوية بن صالح: وحدثني أبو عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة»".
قال أبو علي: "حدثنا أبو عمر النمري، قال: حدثنا خلف
بن قاسم الحافظ، قال: حدثنا أبو علي ابن السكن، قال: حدثني أبو عمران موسى بن
العباس، قال: حدثنا عبدالله بن هاشم الطوسي، قال: حدثنا عبدالرحمن بن مهدي، قال: حدثنا
معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد الدمشقي، عن أبي إدريس الخولاني. قال
معاوية: وحدثني أبو عثمان، عن جبير بن نفير، عن عقبة ابن عامرٍ، قال: كان
علينا رعاية الإبل، فجاءت نوبتي، فروحتها بعشي، فأدركت من قول النبي صلى الله عليه
وسلم: «ما من مسلمٍ يتوضأ فيحسن الوضوء...» الحديث.
فهذا شاهدٌ لما ذكرناه من أن معاوية يرويه عن أبي عثمان،
وإن كان قد روي عن زيد بن الحباب في هذا الإسناد لفظٌ يوهم ظاهره أن معاوية بن
صالح روى الإسنادين معاً عن ربيعة بن يزيد، كما حدثنا أبو عمر النمري قال: حدثنا
عبدالوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن وضاح، قال: حدثنا
أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا زيد بن الحباب، قال: حدثنا معاوية بن صالح، عن
ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان، عن جبير بن نفير، عن عقبة بن
عامر الجهني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أحدٍ يتوضأ فيحسن
الوضوء، ويصلي ركعتين مقبلاً بقلبه ووجهه عليهما، إلا وجبت له الجنة». قال: فقال
عمر: ما قبلها أفضل منها، كأنك جئت آنفاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من
توضأ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله، فتح له ثمانية أبوابٍ من الجنة، يدخل من أيها شاء».
وهكذا رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة بهذا اللفظ، وقد
بيّن ما أشكل من ظاهر إسناد هذا الحديث ما حدثنا أبو عمر النمري، قال: حدثنا خلف
بن القاسم، قال: حدثنا أبو علي بن السكن، قال: حدثنا عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز
البغوي، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا زيد بن الحباب، قال: حدثنا
معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني عن عقبة. قال
معاوية: وحدثني أبو عثمان عن جبير بن نفير، عن عقبة بن عامر الجهني: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أحدٍ يتوضأ..» الحديث.
فهذا الإسناد بين ما أشكل من إسناد مسلمٍ ومحمد ابن وضاحٍ
عن أبي بكر بن أبي شيبة.
وقد روى عبدالله بن وهب، عن معاوية بن صالح هذا الحديث
أيضاً، فبين الإسنادين معاً، ومن أين مخرجهما، كما حدثنا أبو عمر النمري، قال: حدثنا
عبد لله بن محمد بن يحيى، قال: حدثنا محمد بن بكر، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا
أحمد بن سعيد الهمداني، قال: حدثنا ابن وهب، قال: سمعت معاوية بن صالح يُحدِّث عن
أبي عثمان، عن جبير بن نفير، عن عقبة بن عامرٍ قال: كنا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم خدام أنفسنا، نتناوب الرعاية، واقتص الحديث إلى آخر حديث عقبة، وروايته
عن عمر بن الخطاب الحديث الآخر الذي فاته سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم. ثم
قال: قال معاوية: وحدثني ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس عن عقبة، بهذا.
وقال أبو محمد بن الجارود في كتاب «الكنى»: أبو عثمان عن
جبير بن نفير، روى عنه معاوية بن صالح. ثم ذكر حديث ابن وهب" انتهى.
قلت: أصاب الجيّاني في أن الذي قال: «وحدثني أبو عثمان» هو
معاوية بن صالح.
ويؤيده ما رواه ابن حبان في «صحيحه» (3/325) (1050) من
طريق حَرْمَلَة بن يَحْيَى، عن ابن وَهْبٍ، قال: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بنَ
صَالِحٍ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ
عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وساق الحديث.
قَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ: وَحَدَّثَنِيهِ رَبِيعَةُ
بْنُ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ".
وخلاصة كلام أبي علي الجياني أن الحديث عن معاوية بن صالح،
عن أبي عثمان، عن جبير، عن عقبة. وعن معاوية، عن يزيد بن ربيعة، عن أبي إدريس، عن
عقبة.
فرجّح الجيّاني أن الحديث يرويه أبو إدريس الخولاني، وجبير
بن نُفير، كلاهما عن عقبة بن عامر!
وهذا فيه نظر! كما بينت آنفاً.
والخلاصة أن الحديث تفرد بروايته معاوية بن صالح عَنْ أَبِي
عُثْمَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وعن رَبِيعَة
بن يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وعن عَبْدالوَهَّابِ
بن بُخْتٍ، عَنْ لَيْثِ بنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ!!
تفرد بهذه الأسانيد، ولم يُتابع عليها! وأبو عثمان، وليث
مجهولان! وتفرد معاوية لا يُقبل، فكيف إذا تفرد بأكثر من إسناد لحديث واحد؟!!!
ولا يُعرف أن لأبي إدريس الخولاني رواية عن عقبة بن عامر!
ولم يسمع منه! وكيف لحديث يرويه عقبة بن عامر لا يوجد عند أصحابه المصريين؟!
·
أصل الحديث من حديث شهر بن حوشب!
وأصل حديث عقبة من رواية شهر بن حوشب! وشهر أصله شامي.
رواه عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (1/45) (142) عَنْ
إِسْرَائِيلَ.
والروياني في «مسنده» (1/189) (251) من طريق الوَلِيدِ بنِ
عَيْزَارٍ.
والطبراني في «المعجم الكبير» (17/347) (956) من طريق أَبي
بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ. والحاكم في «المستدرك» (2/432) (3508) من طريق عُثْمَان
بن أَبِي شَيْبَةَ. وأبو نُعيم في «الحلية» (2/9) من طريق أَحْمَد بن جَوَّاسٍ.
ثلاثتهم عن أَبي الْأَحْوَصِ.
وابن ماجه في «سننه» (1/298) (470) عن عَلْقَمَة بن
عَمْرٍو الدَّارِمِيّ، عن أَبي بَكْرِ بن عَيَّاشٍ.
وأبو نُعيم في «تاريخ أصبهان» (1/158) من طريق سَعِيد بن
يَسَارٍ، و(2/137) من طريق سُفْيَان الثوريّ، و(2/332) من طريق مِسْعَرٍ،
وسُعَيْرِ بنِ الخِمْسِ.
كلهم (إسرائيل، والوليد، وأبو الأحوص، وأبو بكر بن عياش،
وسعيد بن يسار، والثوري، ومسعر، وسُعير) عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ
بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: كُنَّا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرَةٍ، وَنَحْنُ
نَتَنَاوَبُ رِعْيَةَ الْإِبِلِ، فَجِئْتُ ذَاتَ يَوْمٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ وَقَدْ سَبَقَنِي بَعْضُ قَوْلِهِ فَجَلَسْتُ إِلَى
جَنْبِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي
فَصَلَّى صَلَاةً، يَعْلَمُ مَا يَقُولُ فِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ
كَانَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». فَقَالَ: قُلْتُ: بَخٍ بَخٍ،
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: قَدْ قَالَ آنِفًا أَجْوَدَ مِنْ هَذَا قَالَ:
"مَنْ تَوَضَّأَ فَأَسَبْغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى صَلَاةً
يَعْلَمُ مَا يَقُولُ فِيهَا حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ مِنَ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا
شَاءَ".
وفي رواية الحاكم زيادة: ثُمَّ قَالَ: «يُجْمَعُ النَّاسُ
فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي فَيُنَادِي
مُنَادٍ سَيَعْلَمُ أَهْلُ الْجَمْعِ لِمَنِ الْكَرَمُ الْيَوْمَ» ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «أَيْنَ الَّذِينَ كَانَتْ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ
الْمَضَاجِعِ»، ثُمَّ يَقُولُ: "أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا {لَا تُلْهِيهِمْ
تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ،
ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ سَيَعْلَمُ الْجَمْعُ لِمَنِ الْكَرَمُ الْيَوْمَ"،
ثُمَّ يَقُولُ: «أَيْنَ الْحَمَّادُونَ الَّذِينَ كَانُوا يَحْمَدُونَ رَبَّهُمْ».
قال الحاكم: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَهُ طُرُقٌ
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَكَانَ مِنْ حَقِّنَا أَنْ نُخَرِّجَهُ
فِي كِتَابِ الوُضُوءِ فَلَمْ نَقْدِرْ، فَلَمَّا وَجَدْتُ الْإِمَامَ إِسْحَاقَ
الْحَنْظَلِيَّ خَرَّجَ طُرُقَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ
تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37] اتَّبَعْتُهُ".
واقتصر ابن ماجه وأبو نُعيم في رواياته على المرفوع منه
فقط: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ:
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، يَدْخُلُ
مِنْ أَيِّهَا شَاءَ».
قلت: عَبْدُاللَّهِ بنُ عَطَاءٍ الطَّائِفِيُّ، ثُمَّ
المَكِّيُّ لَمْ يُدْرِكْ عُقْبَة بن عَامِرٍ، وعبدالله تُوُفِّيَ فِي حُدُودِ
سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ.
قال أبو موسى المديني في «اللطائف من دقائق المعارف» (ص:
361): "ذكر أبو بكر الخطيب في المراسيل قال: بين عبدالله بن عطاء وعقبة - يعني
في هذا الحديث- غير واحد، منهم: الأسود عن محمد بن المنكدر عن زياد بن مخراق عن
رجل عن شهر عن أبي ريحانة عن عقبة، وقد رواه غير واحد عن أبي إسحاق فلم يذكروا
العلة".
قلت: كشف علّة هذا الحديث الإمام شعبة بن الحجاج.
روى العقيلي في «الضعفاء» (2/191) من طريق الحَسَن بن
عَلِيٍّ الحلوانيّ.
وابن عدي في «الكامل» (6/167)، والرامهرمزي في «المحدّث
الفاصل» (ص: 313)، وابن حبان في «المجروحين» (1/32)، وأبو نُعيم في «الحلية» (7/148)،
والخطيب في «الكفاية» (ص: 400) من طريق أبي يحيى مُحَمَّد بن سَعِيدِ بنِ غَالِبٍ
العَطَّار.
وابن حبان في «المجروحين» (1/32) من طريق أحمد بن زكريا
الواسطي.
ثلاثتهم (الحلواني، والعطار، والواسطي) عن نَصْر بن
حَمَّادٍ الوَرَّاق، قَالَ: كُنَّا قُعُودًا عَلَى بَابِ شُعْبَةَ نَتَذَاكَرُ،
قَالَ: فَقُلْتُ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ
بنِ عَطَاءٍ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، قَالَ: «كُنَّا نَتَنَاوَبُ رِعَاية
الآبِلِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَجِئْتُ ذَاتَ يَوْمٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْلَهُ
أَصْحَابُهُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ
دَخَلَ المَسْجِد فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ، غَفَرَ اللَّهُ
لَهُ قَالَ: فَقُلْتُ: بَخٍ بَخٍ، قَالَ: فَجَذَبَنِي رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي،
فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: الَّذِي قَالَ
قَبْلُ أَحْسَنُ، قَالَ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنِّي
رَسُولُ اللَّهِ، قِيلَ لَهُ: ادْخُلْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتَ»،
قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيَّ شُعْبَةُ فَلَطَمَنِي، ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ،
فَقَالَ: مَا لَهُ بَعْدُ يَبْكِي؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ:
إِنَّكَ أَسَأْتَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَمَا تَنْظُرُ مَا يُحَدِّثُ عَنْ
إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عُقْبَةَ؟
أَنَا قُلْتُ لاِبِي إِسْحَاقَ: مَنْ حَدَّثَكَ؟ قال: حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بنُ
عَطَاءٍ عَنْ عُقْبَةَ، قُلْتُ: سَمِعَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَطَاءٍ مِنْ عُقْبَةَ؟
قَالَ: فَغَضِبَ - وَمِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ حَاضِرٌ -، فَقَالَ: أَغْضَبْتَ الشَّيْخَ،
فَقَالَ مِسْعَرٌ: عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَطَاءٍ بِمَكَّةَ، فَرَحَلْتُ إِلَى
مَكَّةَ لَمْ أُرِدِ الحَجَّ، أَرَدْتُ الْحَدِيثَ، فَلَقِيتُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ
عَطَاءٍ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي فَقَالَ لِي مَالِكُ
بْنُ أَنَسٍ: سَعْدٌ بِالمَدِينَةِ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ، فَرَحَلْتُ إِلَى المَدِينَةِ،
فَلَقِيتُ سَعْدًا فَقَالَ: الحَدِيثُ مِنْ عِنْدِكُمْ زِيَادُ بنُ مِخْرَاقٍ
حَدَّثَنِي، قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْتُ: إِيشْ هَذَا؟ الحَدِيثُ بَيْنَا، هُوَ
كُوفِيُّ إِذْ صَارَ مَدَنِيًّا، إِذْ رَجَعَ إِلَى الْبَصْرَةِ.
قَالَ أَبُو يَحْيَى: هَذَا الكَلاَمَ أَوْ نَحْوَهُ،
قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى البَصْرَةِ فَلَقِيتُ زِيَادَ بْنَ مِخْرَاقٍ
فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: لَيْسَ هُوَ مِنْ بَابَتِكَ، قُلْتُ: حَدِّثْنِي بِهِ،
قَالَ: لاَ تُرِدْهُ، قُلْتُ: حَدَّثَنِي بِهِ قال: حَدَّثَنِي شَهْرُ بْنُ
حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ عَنْ عُقْبَةَ. قَالَ شُعْبَةُ: فَلَمَّا ذَكَرَ
شَهْرًا قُلْتُ: دَمِّرْ عَلَي هَذَا الْحَدِيثِ، لَوْ صَحَّ لِي مِثْلُ هَذَا
الْحَدِيثِ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي وَمِنَ النَّاسِ
أَجْمَعِينَ.
وفي بعض الروايات: قال أبو يحيى: قدم علينا المثنى بن معاذ
فسألته عن هذا الحديث، فقلت: هل عندكم أصل بالبصرة، قال: نعم، حدثني بشر بن المفضل
عن شعبة بمثل هذه القصة.
وذكر الكعبي القصة في «قبول الأخبار ومعرفة الرجال» (1/48)
عن أبي الحارث الورّاق - وهو نصر بن حماد - قال: سمعت شعبة يقول: قدمت الكوفة
فلقيت أصحابنا سفيان ومسعر، قال: فقالوا لي: تعال حتى نأتي أبا إسحاق. قال: فقلت: لا
تريدون. قال: فقالوا لي: انطلق. قال: فقلت: أرى إذا صرت إليه يقول: هو الحارث عن
علي فأوقفه عليه فأفسد عليكم فلا تريدون. قال: فقالوا انطلق. قال: فمضيت معهم حتى
صرنا إلى أبي إسحاق.
قال: فقال أبو إسحاق: أبو ريحانة، عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: «من صلى كذا فله كذا»، قال شعبة: فتطاولت من بينهم فقلت: يا أبا إسحاق
من حدّثك بهذا؟ قال: فقال لي: أنت هاهنا، حدثنيه عبدالله بن عطاء. قال: فرجعت إلى
منزلي فلم يكن لي همة إلَّا الخروج إلى مكة، وعبدالله بن عطاء يومئذ حيّ بمكة،
فتكاريت ومضيت حتى قدمت مكة فقضيت عمرتي أو نسكي، ثم أتيت عبدالله فقلت له: حديث
عنك. قال: ما هو؟ قلت: حديث أبي ريحانة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال هذا:
حدثنا سعد بن إبراهيم عن أبي ريحانة، وسعد يومئذ حيّ بالمدينة فخرجت إليه، فلما
قدمت المدينة أتيته فسألته عنه فقال: هذا جاءنا من ناحيتكم. قال: قلت من؟ قال: زياد.
قال: فخرجت البصرة. قال: فوجهت إليه رسولي، قال: أقرأه مني السلام، وقل له: إن أبا
بسطام قدم من سفر وهو يريد أن يلقاك فإن شئت أن تجيئني كان كما شئت جئتك. قال:
فلقيته فقلت: أما تتقون الله تروون مثل هذه الأحاديث. قال: ففزع، وقال: أي حديث؟
قلت: حديث أبي ريحانة في الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: هذا حدثنيه شهر
بن حوشب، عن أبي ريحانة.
قلت: القصة مشهورة ومعروفة عن شعبة، وقد ضعّفها مقبل
الوادعي في «أحاديث معلة ظاهرها الصحة» (ص: 320) فقال: "وأما تلكم القصة الطويلة
التي وقعت في «الرحلة» للخطيب، وفي «الكفاية» للخطيب أيضاً فضعيفة جداً، لأنها من
طريق نصر بن حماد وهو كذاب".
قلت: ما هكذا تورد الإبل! فالقصة ليست ضعيفة، ولا يضرها
أنها من رواية نصر بن حماد المتّهم!
نعم، كذّبه بعض أهل العلم في روايته للأحاديث؛ وذلك لأنه
يروي الأحاديث المنكرة والموضوعة، وهو هنا يروي قصة حدثت معه مع شعبة، وهو من أهل
العلم، ولم يكذب في هذه القصة. ولها أصل معروف من غير طريقه.
روى ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (1/167) قال: حدثنا
علي بن الحسين بن الجنيد قال: قال علي بن المديني: حدثنا بشر بن المفضل قال: قدم
علينا إسرائيل فحدّثنا عن أبي إسحاق، عن عبدالله بن عطاء، عن عقبة بن عامر
بحديثين، فذهبت إلى شعبة فقلت ما تصنع شيئاً، حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن عبدالله
بن عطاء، عن عقبة بكذا، فقال: يا مجنون هذا حدثنا به أبو إسحاق، فقلت لأبي إسحاق:
من عبدالله بن عطاء؟ قال: شاب من أهل البصرة قدم علينا، فقدمت البصرة فسألت عنه
فإذا هو جليس فلان، وإذا هو غائب في موضع فقدم فسألته فحدثني به، فقلت من حدثك؟
قال: حدثني زياد بن مخراق فأحالني على صاحب حديث، فلقيت زياد بن مخراق فسألته،
فحدثني به، قال: حدثني بعض أصحابنا عن شهر بن حوشب.
وروى البخاري في «التاريخ الكبير» (5/165) عن أَحْمَد بن
سُلَيْمَان، قال: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد - هو الطيالسي -، عَنْ شُعْبَة قَالَ:
سألت أبا إِسْحَاق عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عطاء الَّذِي روى عَنْ عقبة قَالَ: «كنا
نتناوب رعية الإبل»، قَالَ: شيخ من أهل الطائف حدثنيه، قَالَ شُعْبَة فلقيت عَبْداللَّه
فقلت: سمعته من عقبة؟ قال: لا، حدثنيه سعد بن إِبْرَاهِيم، فلقيت سعداً فسألته
فقَالَ: حَدَّثَنِي زياد بن مخراق، فلقيت زياد بن مخراق فسألته فقَالَ: حَدَّثَنِي
رجل، عَنْ شهر بن حوشب.
وقد سُئِلَ الدارقطني في «العلل» (2/112) (149) عَنْ
حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فِي فَضْلِ مَنْ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَفِي فَضْلِ
الْوُضُوءِ؟.
فَقَالَ: "رَوَاهُ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ،
وَجُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ، وَلَيْثُ بْنُ سُلَيْمٍ الجُهَنِيُّ، وَابْنُ عَمِّ
زَهْرَةَ بنِ مَعْبَدٍ، وَأَبُو سَلَّامٍ الْأَسْوَدُ مَمْطُورٌ، وَمُحَمَّدُ بنُ
ثَابِتٍ القُرَشِيُّ، والقَاسِمُ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ، وَأَبُو الْأَحْوَصِ
حَكِيمُ بنُ عُمَيْرٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ.
وَرُويَ عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلَالٍ العَدَوِيِّ، عَنْ
عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ. وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُقْبَةَ شَيْئًا.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَطَاءٍ، عن عقبة، حدث به
أبو إسحاق السبيعي، واختلف عن أبي إسحاق:
فَرَوَاهُ إِسْرَائِيلُ، وَأَبُو الْأَحْوَصِ،
وَعُبَيْدَةُ بْنُ مُعَتِّبٍ، وَمِسْعَرٌ، وَيُوسُفُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي
إِسْحَاقَ، وَسَلَمَةُ بْنُ صَالِحٍ الْأَحْمَرُ، وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عقبة بن عامر.
ورواه أنيس بن خالد، وهلال الوزان، عن أبي إسحاق، عَنْ
عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ.
وَرَوَاهُ شُعْبَةُ، فَفَحَصَ عَنْ إِسْنَادِهِ، وَبَيَّنَ
عِلَّتَهُ وذكر أنه سمعه من أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ،
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَأَنَّهُ لَقِيَ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَطَاءٍ
فَسَأَلَهُ عَنْهُ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ،
وَأَنَّهُ لَقِيَ سَعْدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ
سَمِعَهُ مِنْ زِيَادِ بْنِ مِخْرَاقٍ، وَأَنَّهُ لَقِيَ زِيَادَ بْنَ مِخْرَاقٍ،
فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، وَأَنَّ الْحَدِيثَ
فُسِدَ عِنْدَ شُعْبَةَ بذكر ابن حَوْشَبٍ فِيهِ.
وَأَحْسَنُ أَسَانِيدِهِ مَا رَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ
صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أبي إدريس الخولاني، وَعَنْ أَبِي
عُثْمَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عن عقبة بن عامر.
وَحَدِيثُ يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، عَنْ يَزِيدَ بنِ أَبِي
مَرْيَمَ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ عُقْبَةَ، لَيْسَ بِهِ
بَاْسٌ أَيْضًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.." انتهى.
قلت: غالب هذه الطرق شامية، وهي ضعيفة! واستحسان الدارقطني
لبعضها فيه نظر!!
أما حديث أَبي إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيّ، وجُبَيْر بن
نُفَيْرٍ، ولَيْث بن سُلَيْمٍ الجُهَنِيّ، فقد تفرد بها معاوية بن صالح،
وسبق الكلام عليها.
وأما حديث ابن عَمِّ زَهْرَةَ بنِ مَعْبَدٍ:
فرواه أحمد في «مسنده» (1/274) (121). وأبو يعلى الموصلي في
«مسنده» (1/162) (180) عن القَوَارِيرِيّ، و(1/213) (249) عن زُهَيْر بن حَرْبٍ.
وأبو داود في «سننه» (1/44) (170) عن الحُسَيْن بن عِيسَى. والنسائي في «السنن
الكبرى» (9/38) (9832) عن سُوَيْد بن نَصْرِ بنِ سُوَيْدٍ. كلهم عن عَبْداللهِ بن
يَزِيدَ المُقْرِىء، عن حَيْوَة بن شُرَيْحٍ.
وأحمد أيضاً في «مسنده» (28/592) (17363)، وابن أبي شيبة
في «مصنفه» (1/236) (24)، و(15/423) (30516). والبزار في «مسنده» (1/361) (242) عن
مُحَمَّد بن المُثَنَّى. ثلاثتهم عن عَبْداللهِ بن يَزِيدَ المُقْرِىء، عَنْ سَعِيدِ
بنِ أَبِي أَيُّوبَ. [رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (17/331) (916) من
طريق أَبي بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ].
كلاهما (حيوة، وسعيد) عن زُهْرَة بن مَعْبَدٍ أَبي عَقِيلٍ:
أَنَّ ابْنَ عَمِّهِ أَخَا أَبِيهِ حَدَّثَهُ: أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ
حَدَّثَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمًا يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ،
ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَفَّرْنَ خَطَايَاهُ، وَكَانَ كَيَوْمِ
وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» قَالَ عُقْبَةُ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي أَنْ
أَسْمَعَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ عُمَرُ وَهُوَ جَالِسٌ: أَتَعْجَبُ مِنْ هَذَا
فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ هَذَا
أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، قَدْ قَالَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ، فَقُلْتُ لِعُمَرَ: مَاذَا
قَالَ؟ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَوَضَّأَ
فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: أَشْهَدُ
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ
مِنْ أَيِّهَا شَاءَ».
قال ابن حجر في «نتائج الأفكارفي تخريج أحاديث الأذكار»
(1/240): "هذا حديث حسن من هذا الوجه، ولولا الرجل المبهم لكان على شرط
البخاري، لأنه أخرج لجميع رواته من المقرئ فصاعداً إلا المبهم، ولم أقف على اسمه".
قلت: حديث ضعيف لجهالة ابن عمّ أبي عقيل!
وأبو عقيل زهرة بن معبد أصله مدني، سكن مصر، ودخل الشام،
وترجم له ابن عساكر في «تاريخ دمشق».
وأما حديث القَاسِم أَبي عَبْدِالرَّحْمَنِ:
فرواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (8/54) (7947) عن مُوسَى
بن عِيسَى بنِ المُنْذِرِ، عن مُحَمَّد بن المُبَارَكِ الصُّورِيّ، عن يَحْيَى بن
حَمْزَةَ، عَنِ الوَضِينِ بنِ عَطَاءٍ، عَنِ القَاسِمِ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ،
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: خَرَجْتُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ رَاكِبًا حَتَّى
حَلَلْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَصْحَابِي:
مَنْ يَرْعَى إِبِلَنَا وَنَنْطَلِقُ فَنَقْتَبِسُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُ فِي نَفْسِي:
لَعَلِّي مَغْبُونٌ يَسْمَعُ أَصْحَابِي مَا لَمْ أَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَضَرْتُ يَوْمًا فَسَمِعْتُ رَجُلًا يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوءً
كَامِلًا ثُمَّ قَامَ إِلَى صَلَاتِهِ خَرَجَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ
وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» فَتَعَجَّبْتُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ:
فَكَيْفَ لَوْ سَمِعْتَ الْكَلَامَ الْآخَرَ كُنْتَ أَشَدَّ عَجَبًا؟ قُلْتُ:
ارْوِهِ عَلَيَّ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ:
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ مَاتَ لَا
يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ
أَيِّهَا شَاءَ وَلَهَا ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ» فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسْتُ مُسْتَقْبِلَهُ فَصَرَفَ
وَجْهَهُ عَنِّي فَقُمْتُ فَاسْتَقْبَلْتُهُ فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
فَلَمَّا كَانَتِ الرَّابِعَةُ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي وَأُمِّي لَمْ
تَصْرِفُ وَجْهَكَ عَنِّي، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: «وَاحِدٌ أَحَبُّ إِلَيْكَ
أَمِ اثْنَا عَشَرَ؟ - مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا -» فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ
رَجَعْتُ إِلَى أَصْحَابِي.
رواه أبو نُعيم في «الحلية» (9/307) عن الطبراني.
قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ
الوَضِينِ بنِ عَطَاءٍ إِلَّا يَحْيَى بن حَمْزَةَ».
ورواه الطبراني في «مسند الشاميين» (2/314) (1408) عن
مُحَمَّد بن عَبْدوسِ بنِ جَرِيرٍ الصُّورِيّ، عن هِشَام بن عَمَّارٍ، عن يَحْيَى
بن حَمْزَةَ، عن يَزِيد بن أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ القَاسِمِ أَبِي
عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، به.
قلت: اختلف على يحيى بن حمزة الدمشقي فيه:
فرواه مُحَمَّد بن المُبَارَكِ الصُّورِيّ، عن يَحْيَى بن
حَمْزَةَ، عَنِ الوَضِينِ بنِ عَطَاءٍ، عَنِ القَاسِمِ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ،
عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ.
وخالفه هِشَام بن عَمَّارٍ، فرواه عن يَحْيَى بن حَمْزَةَ،
عن يَزِيد بن أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ القَاسِمِ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ عُقْبَةَ
بنِ عَامِرٍ!
والقاسم أبو عبدالرحمن الشّامي لا يُحتج به.
استنكر حديثه الإمام أحمد.
وقال العجلي: "يُكتب حديثه، وليس بالقوي".
وَقَال أَبُو حاتم: "حديث الثقات عنه مستقيم، لا بأس
بِهِ، وإنما ينكر عنه الضعفاء".
وَقَال الغلاّبي: "منكر الحديث".
وَقَال يعقوب بْن شَيْبَة: "ثقة"، وَقَال في
موضع آخر: "قد اختلف الناس فيه، فمنهم من يضعف روايته، ومنهم من يوثقه".
وقال ابن حبان: "كَانَ مِمَّن يَرْوِي عَن أَصْحَاب
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المعضلات وَيَأْتِي عَن الثِّقَات
بالأشياء المقلوبات حَيّ يسْبق إِلَى الْقبل أَنه كَانَ الْمُتَعَمد لَهَا".
وهو لم يسمع من عقبة بن عامر، فحديثه عنه مرسل.
قال ابن عساكر في ترجمته من «تاريخه» (49/101): "وأرسل
عن عليّ، وابن مسعود، وعائشة، وعقبة بن عامر، وتميم الداري، وأبي أيوب".
وأما حديث أَبي سَلَّامٍ الْأَسْوَد مَمْطُور الحبشي
الدمشقي، وَمُحَمَّد بن ثَابِتٍ القُرَشِيّ الحجازي، وأَبي الْأَحْوَصِ حَكِيم بن
عُمَيْرٍ الحمصيّ، فلم أقف على حديثهم! ولا ندري هل ثبتت الرواية عنهم!
ولا يُعرف أنهم سمعوا من عقبة بن عامر.
فمَمْطُور الدِّمِشْقِيّ رَوَى عَنْ ثَوْبَانَ (ت 54هـ)، وَأَبِي
أُمَامَةَ (ت 86هـ)، وحديثه عنهما مُرْسَلٌ، وكلاهما من الشام، فكيف يسمع من عقبة
بن عامر الذي توفي بمصر سنة (58هـ)؟!
ومُحَمَّدُ بنُ ثَابِتِ بنِ شُرَحْبِيلَ، أَبُو مُصْعَبٍ
العَبْدَرِيُّ المَدَنِيُّ (توفي ما بين سنة 91 - 100هـ) روى عَنْ: أَبِي
هُرَيْرَةَ، وعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وابنِ عمر، وأثبت البخاري سماعه من ابن عمر،
وأشار إلى أن روايته عن أبي هريرة وعقبة بالعنعنة!
وحَكِيمُ بنُ عمير بن الأحوص الحمصيّ (توفي ما بين سنة 101
- 110هـ) لا بأس به، وقيل ضعفه محدث حمص محمد بن عوف، وقال أبو حاتم: "لا بأس
به".
قال الذهبي: "أَرْسَلَ عَنْ عُمَرَ وغَيْرِهِ مِنْ
كِبَارِ الصَّحَابَةِ".
·
خلاصة وفوائد:
1- لم يسمع
أبو إدريس الخولاني من معاذ بن جبل (ت18هـ)، ولا من أبي ذرٍّ الغفاري (ت 32هـ).
2- كان سعيد بن عبدالعزيز التنوخي الدمشقي يُنكر أن يكون
أبو إدريس سمع من معاذ شيئاً؛ لأن مولد أبي إدريس عام حنين في سنة ثمان، وتوفي
معاذ سنة (18هـ)، فكان أبو إدريس لوفاة معاذ بن جبل ابن عشر سنين أو أقل، وأبو
إدريس إذا حدّث عن معاذ بن جبل من حديث الثقات الزهري وربيعة بن يزيد أدخلا يزيد
بن عميرة الزبيدي بينهما.
وخالف الطحاوي وابن عبدالبر في ذلك وذهبا إلى أن أبا إدريس
سمع من معاذ بن جبل وذلك لما جاء في الحديث عَنْه أَنَّهُ قَالَ: «دَخَلْتُ
مَسْجِدَ دِمَشْقَ فَإِذَا فَتًى شَابٌّ بَرَّاقُ الثَّنَايَا وَإِذَا
النَّاسُ مَعَهُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوهُ إِلَيْهِ وَصَدَرُوا
عَنْ قَوْلِهِ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقِيلَ هَذَا مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ...
الحديث»!
وهذا الحديث فيه اختلاف كثير، ولم يثبت أن الذي دخل مسجد
دمشق ورأى معاذا هو أبو إدريس الخولاني، وإنما آخر.
3- حديث: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَجَبَتْ
مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، والمُتَجَالِسِينَ فِيَّ،
وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ» رواه جماعة كبيرة عَنْ
أَبِي إِدْرِيسَ، منهم: أَبِو حَازِمِ بن دِينَارٍ المدنيّ، وشَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ،
وَيزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيمَ، وَشُرَيْحُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَعَطَاءٌ الخُرَاسَانِيُّ،
وَيونُسُ بنُ مَيْسَرَةَ، ومُحَمَّدُ بنُ قَيْسٍ، وربيعة بن يزيد الإيادي القصير
الدمشقي، والوليد بن عبدالرحمن الجُرَشي الحمصي.
وهذه الروايات كلها مرسلة ضعيفة، لم يسمع أحد من هؤلاء هذه
الرواية من أبي إدريس الخولاني، ولم يثبت أن أبا إدريس حدّث بها، وإنما كانت
منتشرة عند أهل الشام بالإرسال!
ورواه حَبِيبُ بنُ أَبِي مَرْزُوقٍ الرَّقيُّ، عَنْ
عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الخَوْلَانِيِّ، عن معاذ، وصححه
الترمذي وغيره، وهو معلول بالانقطاع! فحبيب لم يسمع من عطاء، وإنما يروي عنه
بواسطة.
4- روى أبو حازم بن دينار المدني عن أبي إدريس الخولاني
حديثاً واحداً رواه مالك في «موطئه»، وهو مرسل؛ لأن أبا حازم لم يلقه! فأبو حازم
دخل الشام ما بين سنة (99 - 101هـ) بعد وفاة أبي إدريس التي كانت سنة (80هـ).
5- الحارث بن عميرة هو يزيد بن عميرة، وقد وهم من سماه "الحارث"!
6- لم يسمع أبو إدريس الخولاني من ابن مسعود (ت32هـ) -
وكان أميراً لعمر على الكوفة، ونزوله الشام كان زمن عمر (ت23هـ)، ولم يلقه أبو
إدريس، ولم أجد له رواية عنه!
7- لم يسمع أبو إدريس من أبي موسى الأشعري (ت42، وقيل: 44،
وقيل: 50، وقيل: 52، وقيل: 53هـ) - وكان قد استعمله عُمَر بن الخطاب على الكوفة
والبصرة أيضاً، وقدم دمشق على معاوية، ولا نعلم أن أبا إدريس لقيه لما نزل الشام،
ولا توجد له رواية عنه.
8- لم يتكلم الأئمة المتقدمون كشعبة وابن معين وابن
المديني وأمثالهم على سماع أبي إدريس من حذيفة وعقبة بن عامر!
9- أثبت يعقوب الفسوي (ت277هـ)، وأبو نصرٍ البخاري
الكُلاباذي (398هـ) سماع أبي إدريس من حذيفة!
10- لم يثبت سماع أبي إدريس الخولاني من حذيفة! فحذيفة شهد
اليرموك في الشام، وكان البريد إلى عمر - رضي الله عنه – بالفتح، واستعمله على
المدائن، فلم يزل بها حتى مات بعد قتل عثمان وبعد بيعة علي بأربعين يوماً، وكان
يأتي الكوفة من المدائن.
فحذيفة كان في
المدائن، وأبو إدريس كان في الشام، ولم يثبت أنه لقيه! ولا زال أهل النقد ينفون
السماع بين الرواة بعدم اللقاء لاختلاف المواطن.
11- أخرج البخاريّ لأبي إدريس الخولاني عن حُذَيْفَةَ بن
اليَمَانِ حديثاً واحداً، وأخرج له مسلمٌ عَنْ حُذَيْفَةَ حديثين.
والحديث المشهور له عن حذيفة في «الصحيحين» في سؤاله عن الشَّر،
وطرقه شامية وكوفية، وأشهر طريقين: طريق شامي: عن أبي إدريس عن حذيفة. وطريق
عراقيّ: عن سُبَيْعِ بنِ خَالِدٍ أو خالد بن سُبيع اليَشْكُرِيِّ.
12- روى بُسْرُ بنُ عُبَيْدِاللهِ الحَضْرَمِيُّ، أَنَّهُ
سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ بنَ
اليَمَانِ، يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ
مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، الحديث.
وما جاء فيه من تصريح أبي إدريس سماعه له من حذيفة! لا
يُعتمد عليه؛ لأن الخطأ كثير في أسانيد الشاميين في إثبات السماعات! وهذه السماعات
تكون خطأ في الأصول!
13-
روى أَبو سَلَّامٍ مَمطور الحبشيّ، قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ بنُ اليَمَانِ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ، فَجَاءَ اللهُ بِخَيْرٍ،
فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الخَيْرِ شَرٌّ؟... الحديث.
وهو
منقطع؛ فأبو سلاَّم لم يسمع من حذيفة.
قال
الدارقطني في «تتبعه» (53): "أبو سلام لم يسمع من حذيفة ولا من نظرائه الذين
نزلوا العراق؛ لأن حذيفة توفي بعد قتل عثمان رضي الله عنه بليال، وقد قال فيه:
«قال: قال حذيفة» فهذا يدل على إرساله".
وأبو
سلام توفي سنة نيف ومئة كما قال الإمام الذهبي، ومثله لا يكون سمع ممن مات قبل
الستين؛ وذلك لأن أهل الشام كانوا يتأخرون في السماع، وكانوا يطلبون الحديث
وأعمارهم ما بين (25-30)، وكان الإرسال شائعا فيهم، ولهذا قال عنه الذهبي:
"غالب رواياته مرسلة، ولذا ما أخرج له البخاري"، فطبقة سماع أبي سلام من
الصحابة ممن مات بعد سنة (60هـ) كأبي أمامة الباهلي (ت86هـ)، والنعمان بن بشير
(ت66هـ). وقد روى عن عبدالله بن عمر (ت74هـ) وأبي هريرة (ت59هـ) بواسطة: الحَكَم
بن مِينَاءَ.
وقد
اتفق أهل النقد على أن أبا سلاَّم لم يسمع من ثوبان الصحابي، وثوبان نزل الشام
ومات بحمص سنة (54هـ)؛ فكيف يسمع من حذيفة الذي توفي في أول خلافة عليّ سنة (36هـ)
في المدائن!
وكذلك
لم يثبت سماع أبي سلام من عبادة بن الصامت (34هـ)، وعلى فرض أنه سمع منه، فهذا لا
يدل على أنه سمع من حذيفة الذي كان في المدائن! فإن الدراقطني لما نفى سماعه من
حذيفة (ت 36هـ) قال "أبو سلام لم يسمع من حذيفة ولا من نظرائه الذين
نزلوا العراق"، وهذا نفي لسماعه ممن نزل العراق من الصحابة؛ لأنه لم
يرحل إلى هناك وهو شامي، وهذا يدلّ على دقة الإمام الدارقطني - رحمه الله تعالى-.
14- روى يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ الْجُبْلَانِيِّ، عَنْ
حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ دُعَاةً عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَطَاعَهُمْ أَقَحَمُوهُ
فِيهَا، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ النَّجَاةُ مِنْهَا؟ قَالَ:
«تَلْزَمُ الْجَمَاعَةَ وَإِمَامَ الْجَمَاعَةِ» قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ
جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامُ جَمَاعَةٍ؟ قَالَ: «فَاهْرُبْ مِنْ تِلْكَ الْفِرَقِ
كُلِّهَا، وَلَوْ يُدْرِكُكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَاضٌّ بِسَاقِ شَجَرَةٍ».
وهذا أيضاً مرسل؛ فيونس لم يدرك حذيفة! وقيل أدرك معاوية
لكن لم يسمع منه! وقد توفي سنة (132هـ).
15- روى مَكْحُولٌ الشّاميّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بنِ
اليَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «مَا مِنْ صَاحِبِ فِتْنَةٍ
يَبْلُغُونَ ثَلَاثَمِائَةِ إِنْسَانٍ إِلَّا وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ
بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَمَسْكَنِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، كُلُّ ذَلِكَ
مِمَّا عَلَّمَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا:
بِأَعْيَانِهَا؟ قَالَ: «أَوْ أَشْبَاهِهَا، يَعْرِفُهَا الْفُقَهَاءُ، أَوْ
قَالَ: الْعُلَمَاءُ، إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تُسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ وَأَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ،
وَتَسْأَلُونَهُ عَمَّا كَانَ، وَأَسْأَلُهُ عَمَّا يَكُونُ».
وهذا مرسل؛ مكحول توفي سنة بضع عشرة ومائة، كثير الإرسال،
ولم يلق حذيفة.
16- روى حَسَّانَ بنِ عَطِيَّةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ
الْيَمَانِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ.
وهذا مرسل أيضاً! حسان بن عطية توفي بعد سنة (120هـ)، ولم
يدرك حذيفة!
فهذه الأحاديث الشامية رواتها ثقات، وكلها عن حذيفة مرسلة!
وهذا يعني أن الحديث عن حذيفة كان منتشراً عند الشاميين مرسلاً! وكان من عادتهم
الإرسال، وهذه قرينة على أن رواية أبي إدريس عن حذيفة مرسلة أيضاً.
والحديث إذا كان له عدة طرق مرسلة، وهناك طريق الإرسال فيه
ليس ببيّن كرواية أبي إدريس عن حذيفة، فعدم ثبوت اللقاء والسماع بينهما، وانتشار
الحديث في ذلك المِصر مرسلاً قرينة قوية على أن هذا الإسناد مرسل أيضاً، حتى لو
جاء في بعض الطرق التصريح بالسماع! فكثير من هذه السماعات تكون من الرواة، وكثيراً
ما يحصل الخطأ في أصول الشاميين فيما يتعلق بالسماعات.
17- روى نَصْرُ بنُ عَاصِمٍ اللَّيْثِيّ البصريّ، وصخْر بن
بدرٍ العِجْليّ، عن خالد بن سُبيع أو سُبيع بن خالد، عن حذيفة: كَانَ النَّاسُ
يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ
أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، وَعَرَفْتُ أَنَّ الْخَيْرَ لَمْ يَسْبِقْنِي فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ الحديث.
وقد اختلف في اسم «خالد بن سبيع»، فقيل: «خالد بن خالد»،
وقيل: «سبيع بن خالد»، وقيل: «خالد بن سبيع»! ورجّح أكثر أهل العلم أن اسمه «سبيع
بن خالد»، وكذلك اختلفوا في متن الحديث اختلافاً بيّناً! فلفظ حديث نصر يختلف عن
لفظ حديث صخر!
وكذا يختلف متن هذه الطرق عن متن حديث أبي إدريس الخولاني!
ففيه: ضرب الظهر وأخذ المال وقصة السيف، وهذا منكر! وفيه: الحث على تعلم كتاب الله
والعمل به عند وقوع الفتن، وفيه قصة الدّجال وما معه، وفيه: لو أن فرساً أنتجت لم
تركب فلوها حتى تقوم الساعة! وهذا منكر أيضاً!
فلفظ أحاديث الشاميين يختلف عن لفظ حديث العراقيين! وهذا
أمر معروف إذا كان الحديث مرسلاً! فيدخل في المرسل ما ليس عند الآخرين!
ونصر بن عاصم الليثي صدوق، وحديثه ليس بالكثير، وكان
مُعتنياً بالنحو والقراءات، ولم يخرّج له البخاري.
وصخر مجهول الحال، ولا يُعرف إلا في هذا الحديث.
وذكره الأئمة في كتبهم، ولم يذكروا في ترجمته إلا أنه روى
عن خالد بن سبيع، وروى عنه أبو التياح! وذكره ابن حبان في «الثقات» على قاعدته في
ذكر من لم يتكلموا عليه = مسكوت عنه.
فهذا صدوق يتابع مجهول أو العكس على حديث مع الاختلاف
بينهما في ألفاظ الحديث! ولا يُستبعد أن يكون أحدهما أخذه من الآخر!
وعلى فرض صحة أو تقوية متابعة صخر لنصر، فهل يُقبل حديث
سبيع بن خالد هذا؟
وسبيع لا يُعرف إلا في هذا الحديث! وهو مجهول الحال! وهو
يقول بأنه دخل الكوفة بعد فتح تَستر، وكان فتحها سنة سبع عشرة، وقيل: ست عشرة.
وكان مع جيش أبي موسى الأشعري الذي خرج من البصرة لفتح تستر، فكيف لرجل بصري لا
يُعرف أن ينفرد بهذا الحديث عن حذيفة الذي يحدّث في مسجد بالكوفة، ولا يرويها أحد
من أهلها!! ولا أحد من أصحابه!!
فبين سماع سبيع الحديث من حذيفة وموته (20) سنة! فخلال هذه
العشرين سنة لم يسمعه أحد، ولم يروه أحد من أهل الكوفة! وهذا غريب جداً!!
فسبيع مجهول الحال، ولا يُقبل حديثه! وكأن حديثه هذا هو
أصل حديث أهل الشام المنتشر هناك مرسلاً! والله أعلم.
18- روى البخاري في المتابعات من حديث قَيْسِ بنِ أَبِي
حَازِمٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بنِ الْيَمَانِ، قَالَ: «تَعَلَّمَ أَصْحَابِي الخَيْرَ
وَتَعَلَّمْتُ الشَّرَّ».
وقيس بن أبي حازم تابعي قديم كوفي ثقة، وحذيفة كان ينزل
الكوفة لما كان أميراً على المدائن، لكن لم يثبت أنه سمع من حذيفة شيئاً! وكان قيس
يروي المراسيل، فقد يكون هذا منها! وله بعض المراسيل المنكرات!
19- روى عَبْدِالرَّزَّاقِ، عن بَكَّار بن عبدالله بن وهب
الصنعانيّ، عن خَلَّاد بن عَبْدِالرَّحْمَنِ الصنعانيّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا
الطُّفَيْلِ يُحَدِّثُ، أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بنَ اليَمَانِ يَقُولُ: «يَا
أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا تَسْأَلُونِي؟ فَإِنَّ النَّاسَ كَانُوا يَسْأَلُونَ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ
أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، إِنَّ اللهَ بَعَثَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَدَعَا النَّاسَ مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ، وَمِنَ
الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى، فَاسْتَجَابَ لَهُ مَنْ اسْتَجَابَ، فَحَيِيَ مِنَ
الْحَقِّ مَا كَانَ مَيْتًا، وَمَاتَ مِنَ الْبَاطِلِ مَا كَانَ حَيًّا، ثُمَّ ذَهَبَتِ
النُّبُوَّةُ فَكَانَتِ الخِلَافَةُ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».
وفي رواية: عن بكار، عن خلاد، عَنْ فُرَاتٍ القَزَّاز، عن
أبي الطفيل، عن حذيفة بن اليمان!
وقد تفرد به عبدالرزاق بهذا الإسناد! وأعلّه البزار بذلك.
وفُرَات القَزَّازِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ
حُذَيْفَةَ بنِ اليمان لا يجيء! وكأن عبدالرزاق وهم فيه! فإن المحفوظ الصحيح عَنْ
فُرَاتٍ القَزَّازِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بنِ أَسِيدٍ
الْغِفَارِيِّ، في الآيات العشر قبل قيام الساعة: «الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ،
وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلَاثَةَ
خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ
الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ
إِلَى مَحْشَرِهِمْ».
20- روايات حديث حذيفة في العراق أشهرها حديث سبيع بن خالد
أو خالد بن سبيع، وهو مجهول الحال! وبقيتها إما مرسل أو ضعيف! والظاهر أن هذا
الحديث كان منتشراً أيضاً في العراق بالإرسال كما كان منتشراً كذلك في الشام.
21- روى مسلمٌ في «صحيحه» وغيره من حديث ابنِ شِهَابٍ
الزهريّ: أَنَّ أَبَا إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيَّ، كَانَ يَقُولُ: قَالَ
حُذَيْفَةُ بنُ اليَمَانِ: «واللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِكُلِّ
فِتْنَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ، فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ السَّاعَةِ، وَمَا بِي إِلَّا
أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَّ إِلَيَّ فِي
ذَلِكَ شَيْئًا، لَمْ يُحَدِّثْهُ غَيْرِي، وَلَكِنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَهُوَ يُحَدِّثُ مَجْلِسًا أَنَا فِيهِ عَنِ الفِتَنِ،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وهُوَ يَعُدُّ الفِتَنَ: مِنْهُنَّ
ثَلَاثٌ لَا يَكَدْنَ يَذَرْنَ شَيْئًا، وَمِنْهُنَّ فِتَنٌ كَرِيَاحِ الصَّيْفِ
مِنْهَا صِغَارٌ وَمِنْهَا كِبَارٌ». قَالَ حُذَيْفَةُ: «فَذَهَبَ أُولَئِكَ
الرَّهْطُ كُلُّهُمْ غَيْرِي».
والإسناد صحيح إلى أبي إدريس الخولاني، رواه عنه الحافظ
الثبت الثقة الإمام الزهري، لكن لا نعرف لأبي إدريس سماعاً من حذيفة، وما جاء في
بعض الطرق من التصريح بالسماع منه لا يُعتمد عليه! وفي رواية مسلم: "أن أَبَا
إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيَّ كَانَ يَقُولُ: قَالَ حُذَيْفَةُ.."، وهذا يدلّ على
الإرسال.
وهذا الحديث بهذا اللفظ لم يروه عن حذيفة إلا أبو إدريس
الخولاني! وهذه مظنّة الإرسال!
وبعض معنى حديث حذيفة وتحديثه لهم بالفتن - رُوي عنه من
طرق عراقية: رَوَاهُ شَقِيقُ بن سَلَمَةَ أبو وائل الكوفي، وعَبْدُالله بنُ
يَزِيدَ الأَنْصَارِيّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، وهي صحيحة، وفيها أنه حدثهم بالفتن في
يوم كامل، لكن ليس فيها ما جاء في حديث ابن شهاب عن أبي إدريس: «مِنْهُنَّ ثَلَاثٌ
لَا يَكَدْنَ يَذَرْنَ شَيْئًا، وَمِنْهُنَّ فِتَنٌ كَرِيَاحِ الصَّيْفِ مِنْهَا
صِغَارٌ وَمِنْهَا كِبَارٌ»!!
22- روى حَسَّانَ بنِ عَطِيَّةَ الشاميّ، عَنْ أَبِي
إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ، قالَ: «هَذِهِ فِتَنٌ
قَدْ أَظَلَّتْ كَجِبِاهِ البَقَرِ، يَهْلِكُ فِيهَا أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا
مَنْ كَانَ يَعْرِفُهَا قَبْلَ ذَلِكَ».
وهذا مما كان منتشراً في الشام عن حذيفة في الفتن!
23- عبدالرحمن بن قرط الذي يروي عن حذيفة لا
وجود له، وقد جاء ذكره في إسناد وهم فيه أبو عامر الخزاز! ولم يُذكر إلا في حديثه!
وعليه اعتمد أهل العلم في الترجمة له! وهو غير "عبدالرحمن بن قرط الثمالي"
فهذا صحابي معدود في أهل الشام، روى عنه: سُليم بن عامر، وعروة بن رُويم.
24- لم أجد كلاماً لأحدٍ من أهل العلم
المتقدمين في سماع أبي إدريس الخولاني من عقبة بن عامر! وقد تحققت المعاصرة
بينهما، وكان عقبة قد نزل الشام، لكن لم يثبت أن أبا إدريس سمع منه، ومن
ذكر أن أبا إدريس سمع من حذيفة من المتأخرين اعتمد في ذلك على رواية أبي إدريس
لحديثه عنه! ومن ترجم له ذكر ذلك أيضاً.
25- شهد عقبة بن عامر فتوح الشام، وكان البريد إلى عمر
بفتح دمشق، وشهد فتح مصر، وشهد مع معاوية صفين سنة (37هـ)، ثم تحول إلى مصر فنزلها
وابتنى بها دارًا، وولي إمرتها لمُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ سنة (44هـ)، وتوفي
بها فِي آخِرِ خِلافَةِ مُعَاوِيَةَ سنة (58هـ)، ودفن بالمقطم مقبرة أهل مصر، وشذّ
الهيثم بن عدي فقال: "توفي بالشام في آخر خلافة معاوية"!
26- ممن روى عن عقبة بن عامر من المصريين الثقات وأهل
الصدق: أسلم بن يزيد أبو عمران التُّجيبي، وإياس بن عامر الغافقي، وأبو عَلِيّ
ثمامة بن شفي الهمداني، وعبدالله بن مالك اليحصبي، وعبدالرحمن بن شِمَاسَةَ المهري،
وعبدالرحمن بن حجيرة الخولاني، وعقبة بن مسلم التجيبي، وأبو الخير مرثد بن عَبْدالله
اليزني، وكعب بن علقمة التنوخي.
وممن روى عنه من الشاميين الثقات وأهل الصدق مما جاء في
الأسانيد: جُبير بن نُفير الحضرمي، وعبدالرحمن بن عائذ الحمصي، وكثير بن مرة الحضرمي.
ورواية المصريين عنه أكثر من الشاميين، ورواية الشاميين
عنه قليلة جداً، ولا يكاد يصح منها حديث! وغالب ما في الصحيحين عنه من رواية أبي
الخير مَرْثَد بن عَبْدالله اليزني المصريّ.
27- أخرج مسلمٌ لأبي إدريس الخولاني عن عُقْبَة بنِ
عَامِرٍ حديثاً واحداً، قالَ: "كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَةُ الْإِبِلِ
فَجَاءَتْ نَوْبَتِي فَرَوَّحْتُهَا بِعَشِيٍّ فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا يُحَدِّثُ النَّاسَ فَأَدْرَكْتُ مِنْ
قَوْلِهِ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ
فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إِلَّا
وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ»، قَالَ فَقُلْتُ: مَا أَجْوَدَ هَذِهِ فَإِذَا
قَائِلٌ بَيْنَ يَدَيَّ يَقُولُ: الَّتِي قَبْلَهَا أَجْوَدُ فَنَظَرْتُ فَإِذَا
عُمَرُ قَالَ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ جِئْتَ آنِفًا، قَالَ: مَا مِنْكُمْ
مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ - أَوْ فَيُسْبِغُ - الْوَضُوءَ ثُمَّ
يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ
وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ
مِنْ أَيِّهَا شَاءَ".
وهذا رواه مُعَاوِيَة بن صَالِحٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ
جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ.
ورواه مُعَاوِيَة أيضاً عن رَبِيعَة بن يَزِيدَ، عَنْ
أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ.
ورواه معاوية بن صالح أيضاً عن عَبْدِالوَهَّابِ بنِ
بُخْتٍ، عَنِ اللَّيْثِ بنِ سُلَيْمٍ الجُهَنِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ
عَامِرٍ.
وقد تفرد معاوية بن صالح الحمصي بهذه الأسانيد الثلاثة!
وأبو عثمان، والليث بن سليم مجهولان!
ومن الغريب أن يتفرد معاوية بن صالح بهذا الحديث عن شيخين
من أعلام أهل الشام! ولا يرويه أحد عنهما إلا هو! بل يرويه عن شيخ ثالث لم يروه
عنه إلا هو!
ومعاوية صدوق، له إفرادات وغرائب ومناكير! وكان يحيى
القطان لا يأخذ عنه، وينهى من يُحدّث عنه.
قال محمد بن أحمد بن أبي خيثمة: "لوددت أن أدخل
الأندلس حتى أفتش عن أصول كتب معاوية بن صالح، فلما قدمت طلبت ذلك، فوجدت كتبه قد
ذهبت بسقوط همم أهله، وكان معاوية يُغرب بحديث أهل الشام جداً، وكان
أغرب حديثه روايته عن أبي الزاهرية حُدير بن كُريب، عن جبير بن نفير، عن أبي
الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو طريق غريب ثابت من حديث الشاميين لا
يوجد إلا عند معاوية بن صالح".
ولم يُخرِّج له البخاري.
ولا يُعرف أن لأبي إدريس الخولاني رواية عن عقبة بن عامر!
ولم يسمع منه! وكيف لحديث يرويه عقبة بن عامر لا يوجد عند أصحابه المصريين؟! وأصل
حديث عقبة من رواية شهر بن حوشب! وقد بيّن علته الإمام شعبة بن الحجاج في رحلته
لتتبع هذا الحديث الذي رواه أَبو إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَطَاءٍ، عَنْ
عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، قَالَ: «كُنَّا نَتَنَاوَبُ رِعَاية الآبِلِ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ...» الحديث.
فرحل شعبة إلى عَبْداللَّهِ بن عَطَاءٍ بِمَكَّةَ، فأخبره
أنه سمعه من سَعْد بن إِبْرَاهِيمَ، فرحل إلى سعد بِالمَدِينَةِ، فأخبره أنه سمعه
من زِيَاد بن مِخْرَاقٍ، فَرَجَع شعبة إِلَى البَصْرَةِ فَلَقِي زِيَادَ بْنَ
مِخْرَاقٍ فأخبره أنه حَدَّثه به شَهْر بن حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ عَنْ
عُقْبَةَ!!
وشهر أصله شاميّ، وحديثه هو أصل ما رواه معاوية بن صالح عن
عقبة بن عامر!
28- أشار الدارقطني إلى أن هذا الحديث رَوَاهُ أَبُو
إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ، وَجُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ، وَلَيْثُ بْنُ سُلَيْمٍ الجُهَنِيُّ،
وَابْنُ عَمِّ زَهْرَةَ بنِ مَعْبَدٍ، وَأَبُو سَلَّامٍ الْأَسْوَدُ مَمْطُورٌ،
وَمُحَمَّدُ بنُ ثَابِتٍ القُرَشِيُّ، والقَاسِمُ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ،
وَأَبُو الْأَحْوَصِ حَكِيمُ بنُ عُمَيْرٍ، وحُمَيْد بنِ هِلَالٍ العَدَوِيّ، عَنْ
عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ.
وقال بأن: "أَحْسَنُ أَسَانِيدِهِ مَا رَوَاهُ
مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أبي إدريس الخولاني،
وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عن عقبة بن عامر. وَحَدِيثُ
يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، عَنْ يَزِيدَ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ القَاسِمِ أَبِي
عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ عُقْبَةَ، لَيْسَ بِهِ بَاْسٌ أَيْضًا"!
وفيما قاله الدارقطني نظر! فأحاديث هؤلاء كلها ضعيفة،
وغالبها روايات شامية تدلّ على أصل الحديث عندهم!
29- القَاسِم أَبو عَبْدِالرَّحْمَنِ الشّاميّ ضعيف لا
يُحتج به، وكان يُرسل عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، ولم يسمع منه!
30- خلط ابن حبان بين «عبدالوهاب بن بخت» وبين «عبدالوهاب
بن أبي بكر» وعدهما واحداً! وليس كذلك، فأهل العلم على التفريق بينهما.
وتكلّم فيه ابن حبان فقال: "كان صَدُوقًا فِي
الرِّوَايَة إِلَّا انه كَانَ يخطىء كثيراً، ويهم شَدِيدا حَتَّى كثر فِي
رِوَايَته الْأَشْيَاء المقلوبة فَبَطل الِاحْتِجَاج بِهِ"!
وتبع الذهبي ابن حبان في الكلام عليه في عدة مواضع من كتبه
فأخطأ! فهو ثقة، ولم يكن كثير الوهم، بل لا نكاد نجد له خطأ واحداً! وقد وهم ابن
حبان في الكلام عليه، والعجب من الذهبي كيف تبعه على ذلك دون تحرير! والعجب من ابن
حزم كيف قال فيه: "غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالعَدَالَةِ"! وهو مشهور بالعدالة
والثقة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
وكتب: د. أبو صهيب خالد الحايك.
2 ربيع الأول 1442هـ.
شاركنا تعليقك