صلاة العيد في السيارات!!
احتج بعض النّاس بـ "حديث
مُنكر" يُشرّعون
به ما فعله دكتور كندا في صلاة العيد في السيارات!!
وهو ما رواه جماعة من أهل العلم
كأحمد، والترمذي، والدارقطني، وغيرهم من طرق جماعة من الرواة عن عُمَر بن
مَيْمُونِ بنِ الرَّمَّاحِ - قَاضِي بَلْخ -، عَنْ
أَبِي سَهْلٍ كَثِيرِ بنِ زِيَادٍ البَصْرِيِّ الْعَتَكِيِّ،
عَنْ عَمْرِو بنِ عُثْمَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَدِّهِ: «أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى إِلَى مَضِيقٍ هُوَ
وَأَصْحَابُهُ، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَالسَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ،
وَالْبَلَّةُ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَأَمَرَ
الْمُؤَذِّنَ، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَصَلَّى بِهِمْ يُومِئُ إِيمَاءً،
يَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ، أَوْ يَجْعَلُ سُجُودَهُ أَخْفَضَ
مِنْ رُكُوعِهِ».
قال الترمذي: "هَذَا
حَدِيثٌ غَرِيبٌ، تَفَرَّدَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الرَّمَّاحِ البَلْخِيُّ لاَ
يُعْرَفُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِهِ. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ
وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ. وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ صَلَّى فِي مَاءٍ وَطِينٍ عَلَى دَابَّتِهِ. والعَمَلُ
عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ. وَبِهِ
يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ".
قلت: يعني
الترمذي بقوله: "غريب" = أي ضعيف.
وقال البيهقي: "وَفِي
إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَلَمْ يَثْبُتْ مِنْ عَدَالَةِ بَعْضِ رُوَاتِهِ مَا يُوجِبُ
قَبُولَ خَبَرِهِ".
وقال ابن حجر في «الإصابة»: "إسناده
لا بأس به".
قلت: بل به
كلّ البأس! فهو إسناد ضعيف جداً، وفيه
جهالة!
فابن الرّماح قاضي بلخ - وإن كان
ثقة - إلا أنه لا يُحتمل منه هذا التفرد
بالحديث!
وكثير بن زياد من أهل البصرة من
أصحاب الحسن، دخل خراسان فكان يقيم ببلخ مدة، وكان عابداً زاهداً، وكان يتعبّد
بدشتك بلخ في مسجد روست الكرابيسي مسجد المارة، فقيل له: لماذا
اعتكفت في هذا المسجد ولم تعتكف في المسجد
الجامع؟ قال: "بلغني أن
في هذا المسجد قبر نبي، فأنا أريد أن أتبرّك بجواره"!!
[قاله أبو مطيع البلخي كما نقله نجم الدين النسفي في كتابه «القند
في ذكر علماء سمرقند»].
وقد وثقه بعض أهل العلم كابن
معين، والنسائي، وتكلّم فيه ابن حبان، فذكره في «الثقات»، وقال: "وَقع إِلَى بَلخ وسمرقند
فَحَدثهُمْ بِمَا وَرَاء النَّهر، فروى عَنْهُ البصريون، وَأهل خُرَاسَان، وَكَانَ
مِمَّن يُخطئ".
ثم ذكره في «الضعفاء»، وقال: "يروي عَن
الحسن وَأهل العرَاق الْأَشْيَاء المقلوبة، اسْتحبَّ مجانبة مَا انفرد به من
الرِّوَايَات. وهُوَ الَّذِي رَوَى عَنْ
مُسَّةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «كَانَتِ
النُّفَسَاءُ عَلَى عَهْدِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تَقْعُدُ بَعْدَ نِفَاسِهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَكُنَّا نَطْلِي عَلَى
وُجُوهِنَا الورس من الكلف»".
وعمرو بن عثمان وأبوه مجهولان! ولا تعرف
لجدّه صحبة! ولا يُعرف إلا في هذا الحديث
المُنكر!!
وأما ما ذكره الترمذي أنه رُوي عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ صَلَّى فِي مَاءٍ وَطِينٍ عَلَى دَابَّتِهِ. والعَمَلُ
عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ. وَبِهِ
يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ.
فهذا نقله إسحاق الكوسج في «مسائله
لأحمد وإسحاق» قال: قلت: إذا صلى
في ماء وطين، كيف يسجد؟
قال: "إذا كان
لا يقدر على السجود يفسد ثيابه يومئ إيماءً كما فعل أنس - رضي الله
عنه-".
قال إسحاق - أي: ابن
راهويه -: "كما قال" - أي كما
قال أحمد.
قال - أي: ابن
راهويه -: "وتجزئه
المكتوبة في الحضر كما فعل
أنس - رضي الله عنه-".
قلت: أما فعل
أنس فثبت أنه اجتهد وصلّى في ماء وطين حيث لم يستطع أن ينزل عن دابته هو ومن معه،
فاجتهد في ذلك لئلا تفوتهم الصلاة حيث لا يستطيعون النزول في الطين، ومن تصوّر حال
طرقهم آنذاك لا يستنكر ذلك عليهم. وكان ذلك في صلاة عصر وكان
راجعاً من الكوفة، ولم يُنقل أنه أعاد الصلاة.
رواه عبدالرزاق الصنعاني في «مصنفه» (4511) عَنْ
هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: «كُنْتُ
مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَطِيطٍ،
وَالْأَرْضُ فَضْفَاضٌ، صَلَّى بِنَا عَلَى حِمَارِهِ صَلَاةَ العَصْرِ، يُومِئُ
بِرَأْسِهِ إِيمَاءً، وَجَعَلَ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ».
وفي رواية حماد بن سلمة عند
الطبراني عن أنس بن سيرين أنه قالَ: «مَا صَلَّيْتُ الْمَكْتُوبَةَ قَطُّ
عَلَى دَابَّتِي قَبْلَ اليَوْمِ».
ثم رواه عبدالرزاق عَنْ
مَعْمَرٍ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ: سَمِعْتُ
أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: «إِنَّهُ كَانَ يَسِيرُ فِي
مَاءٍ وَطِينٍ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ
يَخْرُجَ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ» قَالَ: «وَخَشِينَا
أَنْ تَفُوتَنَا الصَّلَاةُ فَاسْتَخَرْنَا اللَّهَ، وَاسْتَقْبَلْنَا
الْقِبْلَةَ، فَأَوْمَأْنَا عَلَى دَوَابِّنَا إِيمَاءً».
وعلى هذا بنى الإمام أحمد
وإسحاق بن راهويه رأيهما.
وروي عن الإمام أحمد: "أنه لا
تصح صلاة الفرض على الراحلة".
والمعتمد عند الحنابلة في المذهب
أنه من اضطر للصلاة في ماء وطين فعليه أن ينزل عن دابته، ويصلي قائماً يركع، لكنه
يومئ بالسجود، ولا يلزمه أن يسجد في الماء والطين.
وفي المذهب الحنبلي: أن من
كان راجلاً في ماء وطين، صلى قائماً، يركع ويومئ بالسجود، ولا يلزمه السجود على
الأرض.
ورُوي عن أحمد أنه يَسْجُدُ
عَلَى مَتْنِ المَاءِ كَالغَرِيقِ.
ونقل المروذي عنه فيمن كان في
ماء: "يومئ؛ لأن الماء ليس بقار، فهو
كما لو صلى على الراحلة فإنه يومئ".
وأما عند الشافعية فلا تجوز
صلاة الفريضة على الراحلة لأجل المطر لما رواه أبو سعيد الخدري، قال: «فأبصرت
عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انصرف وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين»، وهو
حديث صحيح.
وقالوا: القيام والسجود من أركان
الصلاة، ولا تسقط بالمطر.
والخلاصة:
أن الاحتجاج بحديث ابن الرماح
لا يجوز؛ لأنه حديث منكر! ولم يثبت أنه صلى الله عليه
وسلم صلى المكتوبة لا جماعة ولا منفرداً على الراحلة، وثبت أنه صلى النافلة على
الراحلة.
وثبت عن أنس أنه اجتهد وصلى
المكتوبة على الراحلة جماعة اضطراراً؛ لأنه لم يستطع النزول عن دابته بسبب الماء
والطين.
والقياس على هذا في الصلاة في
السيارات بسبب ما يسمى بفيروس #كورونا لا يصح! سيما
والنساء موجودات في السيارات ويتقدمن الرجال، وإمكانية الصلاة في صفوف على الأرض
متوفرة ميسورة، بل إن بعض الطرق في هذا الزمان الصلاة أيسر عليها من بعض المساجد
القديمة!
فأي صلاة هذه التي تكون في
السيارة، وهو يجلس في راحة وسعة وتكييف وغير ذلك، والذي يصلي على دابته في البرد
والمطر والوحل والطين اضطرارا! هل يستويان؟
ثم أين هيبة صلاة العيد في
الاجتماع الذي كان صلى الله عليه وسلم يحرص عليه، حتى حضّ على خروج الحيض من
بيوتهن يشهدن الخطبة، وكان يذكرهم النار والآخرة!
والله أعلم.
وكتب: د. خالد
الحايك.
3 شوال 1441 هـ.
شاركنا تعليقك