استدراك غريب من مُغلطاي وابن حَجر على الحافظ المزي! ومتابعة د. بشار
معروف لهما دون تحقيق!
قال المزي في ترجمة «إِسْمَاعِيل بن رافع بن عويمر المدني» من «تهذيب
الكمال» (3/89): "وذكره البخاري فيمن مات ما بين سنة عشر ومئة إلى سنة
خمسين ومئة".
فتعقبه مغلطاي، فقال في «إكمال تهذيب الكمال» (2/168): "وفي
قول المزي: «ذكره البخاري فيمن مات ما بين سنة عشر ومئة إلى سنة خمسين ومئة» نظرٌ؛
لأن البخاري لم يترجم في كتابيه «الأوسط»، ولا «الصغير» هذه الترجمة، إنما قال: من
بين عشر ومئة إلى عشرين ومئة، يذكر ذلك عقداً عقداً، والله أعلم. وليس لقائل أن
يقول: لعله سقط شيء، ويكون ما بين عشر إلى سنة خمس عشرة، فسقط من الناسخ عشرة؛
لأنه المهندس (كذا!) ومقابلته على الشيخ، وعليها خطه في مواضع، وعلى تقدير صحة
ذاك، ليس جيد أيضاً؛ لأن ترجمة نصف عقد ليست في كتابي البخاري، وعلى تقدير وجود
ذاك في بعض النسخ على أن التاريخين اللذين أنقل منهما في غاية الصحة والقدم يكون
إغفالاً مرّ من الشيخ لعدم ذكره عنده في عقد العشرين جملة، والله تعالى
أعلم".
وتبعه ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (1/258) فتعقب المزي بقوله:
"قلت: هذا سبق قلم، وصوابه ما بين سنة عشر ومئة إلى سنة عشرين ومئة، كذا هو
في التاريخ الأوسط، والله أعلم".
وقال الدكتور بشار عواد معروف أثناء تحقيقه لتهذيب الكمال متعقباً
المزي أيضاً (3/89) (هامش 1): "كذا في جميع الأصول، وهو وهم، صحيحه: «عشرين».
وقد لاحظه قبلي العلامة مغلطاي والحافظ ابن حجر، قال مغلطاي: «وفي قول المزي: ذكره
البخاري فيمن مات ما بين سنة عشر ومئة إلى سنة خمسين ومئة، نظر؛ لأن البخاري لم
يترجم في كتابيه الأوسط والصغير هذه الترجمة (يعني من سنة عشر إلى خمسين) إنما
قال: من عشر ومئة إلى عشرين ومئتين، يذكر ذاك عقدا عقدا» (إكمال: 1/الورقة: 115)،
وذكر ابن حجر أنه وجده في تاريخ البخاري الأوسط مترجماً ما بين 110 - 120 (تهذيب:
1/295).
قلت: ولم أجده في تاريخه الصغير، وقد ترجمه في تاريخه الكبير ولم
يذكر وفاته (1/1/354)، ولكن الإمام الذهبي ذكره في الطبقة الخامسة عشر (141 - 150)
من تاريخ الإسلام (6/39)، وَقَال في الميزان: مات قبل الخمسين ومئة (1/227)".
انتهى.
قلت: لم يُحْسِن المزي - رحمه الله- نقل العبارة من كتاب البخاري
مما جعل مغلطاي وابن حجر والدكتور بشار يتعقبوه ويوهموه!
فالذي عند البخاري في «التاريخ الأوسط» رواية عبدالله بن أحمد
الخفاف (ت294هـ): "ما بين عشر إلى خمسين ومئة" كما أشار محقق الكتاب
الدكتور يحيى الثمالي (3/426) (مطبوعة مكتبة الرشد).
ومعنى هذه الترجمة هو نفسه ما جاء في رواية أبي محمد زنجوية
(ت318هـ): "ما بين أربعين إلى الخمسين" (مطبوعة الرشد من التاريخ
الأوسط: 3/410)، فمعنى «عشر» السنوات العشر الأخيرة من الترجمة الموجودة، ويؤيد
هذا ما جاء في تراجم الكتاب في غير هذا الموضع: فمثلاً جاء بعد «عشر ما بين أربعين
إلى الخمسين»: «ما بين عشر إلى ستين ومئة» كما هو في رواية زنجوية، وفي رواية
الخفاف: «ما بين خمسين إلى ستين ومئة»، ثم: «ما بين عشر إلى سبعين ومئة»، ثم «ما
بين عشر إلى الثمانين»، ثم «عشر إلى تسعين ومئة»، ثم «عشر إلى مئتين»، ثم «عشر إلى
عشر ومئتين»، ثم «باب من مات ما بين إحدى عشرة ومئتين إلى خمس عشرة ومئتين»، ثم «باب
ذكر من مات فيما بين خمس عشرة إلى عشرين ومئتين»، ثم «عشر إلى ثلاثين ومئتين»، ثم «عشر
إلى أربعين ومئتين»، ثم «ومن ومات بعد الأربعين»، ثم «ومن مات بعد خمسين ومئتين
إلى ستين ومئتين».
وترجمة: «ما بين عشر إلى سبعين ومئة» تعني ضمناً: «ما بين ستين
ومئة إلى سبعين ومئة»، وما ذكره البخاري: «ما بين عشر إلى خمسين ومئة» = يعني: «ما
بين أربعين إلى الخمسين».
فوهم المزي في النقل فزاد كلمة «سنة» إلى كلمة «عشر» فأصبحت عنده: «من
مات ما بين سنة عشر ومئة إلى سنة خمسين ومئة»، فظن مغلطاي وابن حجر ومن تبعهما أنه
يقصد سنة (110) فوهموه وتعقبوه، ووقعوا في وهم أكبر من وهمه حيث ذهبوا إلى أن
البخاري ذكره في وفيات ما بين سنة (110-120)، وهذا وهم مركب، حيث إنهم نسبوا إلى
البخاري أنه ذكره في سنة (110-120)، والصواب أنه ذكره في وفيات ما بين سنة
(140-150) وهذا ما يقصده المزي، ولكنه أخطأ في زيادة كلمة «سنة» إلى كلمة «عشر»
التي تعني عشر سنوات الأخيرة من الترجمة، والعجب من مغلطاي وابن حجر أنهما جزما
بأن ما ذكره المزي وهم والصواب ما بين (110-120)! وجزم ابن حجر بأنه في التاريخ في
هذه الترجمة، فلو رجعا إلى كتاب البخاري لوجدا أنه ذكره في وفيات ما بين سنة (140-150)،
ولكنهما لم يفعلا ذلك!
والعجب الأكبر من بشار عواد! يتبعهما في هذا الوهم وأنهما تنبها
لهذا قبله! ثم زاد الطين بلة وهو ينقل إيراد الذهبي له في الطبقة الخامسة عشر (141
- 150)! ويكأنه يشير إلى وهم الذهبي في ذلك! لأنه وافق مغلطاي وابن حجر في تعقبهما
للمزي! والله المستعان.
وقد أصاب الذهبي في «الميزان» (1/348) حيث قال: "مات قبل
الخمسين ومئة".
وكتب: د. خالد الحايك.
شاركنا تعليقك