الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

هل تجوز التسمية بـ «عبد النبيّ» أو «عبد الرسول» أو «عبد الحسين» ونحوها من الأسماء؟!

هل تجوز التسمية بـ «عبد النبيّ» أو «عبد الرسول» أو «عبد الحسين» ونحوها من الأسماء؟!

كان من هَدي النبيّ صلى الله عليه وسلم تغيير الأسماء القبيحة أو المخالفة لأصول الدّين، وخاصة أنّ العرب في الجاهلية كانوا يضيفون الأسماء إلى المخلوفات والأصنام! وهذا ينافي التوحيد لما فيه من الشرك.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (1/378): "كانَ المُشْرِكُونَ يُعَبِّدُونَ أَنْفُسَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ لِغَيْرِ اللَّهِ؛ فَيُسَمُّونَ بَعْضَهُمْ عَبْدَ الْكَعْبَةِ كَمَا كَانَ اسْمُ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَبَعْضَهُمْ عَبْدَ شَمْسٍ كَمَا كَانَ اسْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاسْمُ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَبَعْضَهُمْ عَبْدَ اللَّاتِ، وَبَعْضَهُمْ عَبْدَ الْعُزَّى، وَبَعْضَهُمْ عَبْدَ مَنَاةَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُضِيفُونَ فِيهِ التَّعْبِيدَ إلَى غَيْرِ اللَّهِ مِنْ شَمْسٍ أَوْ وَثَنٍ أَوْ بَشَرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ يُشْرَكُ بِاَللَّهِ. وَنَظِيرُ تَسْمِيَةِ النَّصَارَى عَبْدَ الْمَسِيحِ. فَغَيَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَعَبَّدَهُمْ لِلَّهِ وَحْدَهُ فَسَمَّى جَمَاعَاتٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: عَبْدَاللَّهِ وَعَبْدَالرَّحْمَنِ كَمَا سَمَّى عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَنَحْوَ هَذَا وَكَمَا سَمَّى أَبَا مُعَاوِيَةَ وَكَانَ اسْمُهُ عَبْدَ الْعُزَّى فَسَمَّاهُ عَبْدَالرَّحْمَنِ وَكَانَ اسْمَ مَوْلَاهُ قَيُّومٌ، فَسَمَّاهُ عَبْدَالْقَيُّومِ".

والأسماء لها تأثير على القلوب، فعندما يُنادى الواحد باسم حسن يكون له الوقع على السامع، بخلاف الاسم القبيح!

قال ابن القيّم في "زاد المعاد في هدي خير العباد" (2/307): "لَمَّا كَانَتِ الْأَسْمَاءُ قَوَالِبَ لِلْمَعَانِي، وَدَالَّةً عَلَيْهَا، اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا ارْتِبَاطٌ وَتَنَاسُبٌ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمَعْنَى مَعَهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ الْمَحْضِ الَّذِي لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهَا، فَإِنَّ حِكْمَةَ الْحَكِيمِ تَأْبَى ذَلِكَ، وَالْوَاقِعُ يَشْهَدُ بِخِلَافِهِ، بَلْ لِلْأَسْمَاءِ تَأْثِيرٌ فِي الْمُسَمَّيَاتِ، وَلِلْمُسَمَّيَاتِ تَأَثُّرٌ عَنْ أَسْمَائِهَا فِي الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، وَالْخِفَّةِ وَالثِّقَلِ، وَاللَّطَافَةِ وَالْكَثَافَةِ كَمَا قِيلَ:

وَقَلَّمَا أَبْصَرَتْ عَيْنَاكَ ذَا لَقَبٍ // إِلَّا وَمَعْنَاهُ إِنْ فَكَّرْتَ فِي لَقَبِهْ

وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِبُّ الِاسْمَ الْحَسَنِ...

وَلَمَّا كَانَ الِاسْمُ الحَسَنُ يَقْتَضِي مُسَمَّاهُ وَيَسْتَدْعِيهِ مِنْ قُرْبٍ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَعْضِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ: «يَا بَنِي عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَسَّنَ اسْمَكُمْ وَاسْمَ أَبِيكُمْ»، فَانْظُرْ كَيْفَ دَعَاهُمْ إِلَى عُبُودِيَّةِ اللَّهِ بِحُسْنِ اسْمِ أَبِيهِمْ وَبِمَا فِيهِ مِنَ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلدَّعْوَةِ.

وَلَمَّا كَانَ الِاسْمُ مُقْتَضِيًا لِمُسَمَّاهُ وَمُؤَثِّرًا فِيهِ كَانَ أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ مَا اقْتَضَى أَحَبَّ الْأَوْصَافِ إِلَيْهِ كَعَبْدِاللَّهِ، وَعَبْدِالرَّحْمَنِ، وَكَانَ إِضَافَةُ الْعُبُودِيَّةِ إِلَى اسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ الرَّحْمَنِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ إِضَافَتِهَا إِلَى غَيْرِهِمَا، كَالْقَاهِرِ وَالْقَادِرِ.. وَلَمَّا كَانَ الْمُلْكُ الْحَقُّ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَلَا مَلِكَ عَلَى الْحَقِيقَةِ سِوَاهُ كَانَ أَخْنَعَ اسْمٍ، وَأَوْضَعَهُ عِنْدَ اللَّهِ، وَأَغْضَبَهُ لَهُ اسْمُ "شَاهَانْ شَاهْ" أَيْ: مَلِكُ الْمُلُوكِ وَسُلْطَانُ السَّلَاطِينِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ فَتَسْمِيَةُ غَيْرِهِ بِهَذَا مِنْ أَبْطَلِ الْبَاطِلِ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْبَاطِلَ.

وَقَدْ أَلْحَقَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا "قَاضِي الْقُضَاةِ"، وَقَالَ: لَيْسَ قَاضِي الْقُضَاةِ إِلَّا مَنْ يَقْضِي الْحَقَّ، وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ الَّذِي إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ. وَيَلِي هَذَا الِاسْمَ فِي الْكَرَاهَةِ وَالْقُبْحِ وَالْكَذِبِ سَيِّدُ النَّاسِ، وَسَيِّدُ الْكُلِّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً كَمَا قَالَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ» فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ قَطُّ أَنْ يَقُولَ عَنْ غَيْرِهِ: إِنَّهُ سَيِّدُ النَّاسِ، وَسَيِّدُ الْكُلِّ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: إِنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ".

ومضى النّاس على هذا الأمر حتى ظهرت بعض الأسماء التي أضيفت إلى كلمة «عبد» سواءاً بحسن نيّة كما يفعل الجهّال، أم بغير ذلك كما يفعل أهل البدع الذين غلّوا في الأشخاص كالرافضة أخزاهم الله. وكلّ بلاء في هذه الأمة جاء من أهل البدع ومن الرافضة!!

وأقدم ما وقفت عليه من هذه التسميات «عبد النبيّ»، وهو: "عبد النَّبِيّ بن المهديّ، اليمنيّ الخارجيّ، المُلَقَّب بالمهديّ المتوفى سنة 569هـ".

قال الذهبي في "تاريخ الإسلام" (12/411): "كَانَ أَبُوهُ المهديّ قد استولى عَلَى اليمن، وظلم وعَسَف، وشق أجواف الْحَبَالَى، وذبح الأطفال، وتمرَّد عَلَى اللَّه. وكان يرى رأي القرامطة والباطنية، وكان يظهر أنه داعية للمصريين، فهلك سنة تسع أو سبع وستين وخمسمائة.

وولي الأمر بعده عَبْد النَّبِيّ هذا، ففعل أنحس من فعل الوالد، وسبى النّساء، وبنى عَلَى قبر أَبِيهِ قُبَّةً عظيمة لم يُعمل فِي الْإِسْلَام مثلها، فإنّه صفَّح حيطانها بالذَّهب والجواهر، ظاهرًا وباطنًا، وعمل لها سُتُور الحرير، وقناديل الذَّهب، فيقال: إنّه أمر النَّاس بالحجّ إلى قبر أبيه، كما تحج الكعبة، وأن يحمل كلّ واحدٍ إليها مالًا، ومن لم يحمل مالًا قتله، ومنعهم من الحجّ، فكانوا يقصدونها من السَّحَر، واجتمع فيها أموالٌ لا تُحْصَى، وانهمك فِي اللّذّات والفواحش إلى أن قصمه اللَّه واستأصله على يد شمس الدَّولة ابن أيّوب، واستولى عَلَى جميع خزائنه وعذّبَه، ثُمَّ قتله، وهدم القُبَّة، وأحرق ما فيها".

وقال في "سير أعلام النبلاء" (20/583): "فَلله الْحَمد عَلَى مصرع هَذَا الزِّنْدِيْق، وَكَانَ ذَلِكَ فِي قرب سَنَة سَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَإِنَّ مُضِيَّ شَمْس الدَّوْلَةِ تُوْرَانَ شَاه إِلَى اليَمَنِ وَأَخْذِهَا كَانَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ، فَأَسر هَذَا المُجرمَ، وَشَنَقَهُ، وَتَملَّكَ زَبِيْدَ وَعَدَنَ وَصَنْعَاءَ. وَلِعَبْدِ النَّبِيِّ أَخْبَارٌ فِي الجَبَرُوْتِ وَالعُتُوِّ - فَلاَ رَحِمَهُ اللهُ –".

ثمّ انتشر هذا الاسم وغيره من الأسماء التي تدلّ على الشرك وتنافي التوحيد بين الرافضة، وبين الأعاجم وخاصة في بلاد الهند، حتى كثر انتشار اسم «عبد النبيّ» بين العلماء! ومن طالع كتاب الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام المسمى بـ (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر) لعبدالحي بن فخر الدين بن عبد العلي الحسني الطالبي (المتوفى: 1341هـ) يجدّ الكثير ممن ذكرهم من العلماء الذين سمّوا بهذا الاسم! وهذا عجيب منهم! وقد أنكره كثيرٌ من أهل العلم عليهم.

ومع انتشار الرافضة في زماننا وانتشار تسميتهم باسم «عبد الحسين» و«عبد الرضا» وغيرهما! تنازع بعض المعاصرين في جواز هذه التسمية من عدمها!!

ولو اطلعنا على كلام أهل العلم المحققين لا نجد بينهم خلافاً في حرمة التسمي بهذه الأسماء لما فيها من دلالة على الشرك بالله، لكن لما مال كثير من أهل العلم إلى «الميوعة» ميّعوا هذه الآراء والفتاوى!! فتجدهم يجيزون ذلك ويدافعون عنه! كما تجده مثلاً في فتوى "دار الإفتاء المصرية"، عبر موقعها الإلكتروني! يقولون فيها: "أن كلمة "عبد" منها: الطاعة، والخدمة، والرق، والولاء، وهذه تسمى عبودية أو عبدية ولا تسمى عبادة؛ فإذا أضيفت كلمة "عبد" إلى الله تعالى كان معناها غاية التذلل والخضوع، كعبدالله وعبدالرحمن، وإذا أضيفت إلى غيره أمكن حملها على معنى: رقيق فلان أو خادمه أو مولاه أو مطيعه، وذلك تبعاً للسياق والقرينة التى تحدد المعنى اللغوي، وهذا هو ما نص عليه أئمة اللغة وأهلها كما فى معجم مقاييس اللغة لابن فارس"!!

وهذه الفتوى فيها من التلبيس والتدليس والضلال!! فانظر كيف قابلوا إضافة عبد لله أو لأحد أسمائه مقابل إضافة عبد لغير الله!!

ثمّ دعوى القرينة هذه التي أشاروا إليها هذه تكون في حالو عدم اتخاذ ذلك كتسمية كما هو الحال الآن!! مع أنه لن نجد في زمن وجود الرقيق ما يدلّ على ما أوهموا به في هذه الفتوى الضالّة! وعادة ما يكانوا يقولون عن العبد: مولى فلان، أو مولى فلانة، يستخدمون لفظ "المولى" لا العبد، مراعين في ذلك عدم الدخول في معنى الشرك!

والذي قاله ابن فارس في "معجم المقاييس" لا علاقة له بما دلّس هؤلاء في فتواهم! لأنه كان يتحدث عن اشتقاق هذه الكلمة، ثم قال: "فَالْمُتَعَبِّدُ: الْمُتَفَرِّدُ بِالْعِبَادَةِ. وَاسْتَعْبَدْتُ فُلَانًا: اتَّخَذْتُهُ عَبْدًا. وَأَمَّا عَبْدٌ فِي مَعْنَى خَدَمَ مَوْلَاهُ فَلَا يُقَالُ عَبَدَهُ، وَلَا يُقَالُ يَعْبُدُ مَوْلَاهُ. وَتَعَبَّدَ فُلَانٌ فُلَانًا".

وكذلك من أجاز مثل هذه التسميات «عبد الحسين» و«عبد الزهراء» ونحوها قالوا بأنه "ليس المقصود من العبوديّة هو المخلوقيّة أو تأليه المعصومين، بل المراد خضوع الطاعة لهم والخدمة احتراماً لهم كما أمر بذلك القرآن الكريم: {أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّ‌سُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ‌ مِنكُمْ} [النساء: 59]. هذا مع أنّ العبوديّة في القرآن المجيد والفقه على أقسام: منها: عبوديّة المخلوقيّة وهي مضافة لله تعالى خاصّة. ومنها: عبوديّة للطاعة، ومنها: عبوديّة ملك المنفعة، وهو الذي يسمّى ملك الرقبة في كتب الفقه عند جميع المذاهب الإسلاميّة، وأطلقوا على ذلك الباب الفقهي اسم كتاب العبيد والإماء وبيعهم وشراؤهم، وهم الكفّار الذين يؤسرون ويُغنمون، فيقال: هذا عبد فلان، وغلام وجارية فلان، وأشار إليه القرآن الكريم: {عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ‌ عَلَىٰ شَيْءٍ} [النحل: 75]. فالمملوكيّة ههنا ليس بمعنى الملك التكويني للخالق على مخلوقه بل هو الملك الإعتباري التخويلي، وهو ملك المنفعة المسمّى بملك الرقبة. فلم يستشكل أحد من المسلمين في قراءه هذه الآية ونظيرها من الآيات الواردة في العبيد، ولا استشكل أحد من الفقهاء في كتابة كتاب العبيد والإماء؟! وليس إلّا؛ لأنّ استعمال العبوديّة على معان وأقسام مختلفة لا بمعنى المخلوقيّة".

وهذا الكلام أيضاً من الجهل ما فيه!! وخاصة الاستدلال بهذه الآيات! فالاحترام المزعوم لا يكون بمثل هذه التسميات، والآية في طاعة الله والرسول وأولي الأمر لا علاقة بموضوع التسمية، وإنما الطاعة هنا الاتباع. وما جاء في كتب الفقه من أبواب العبيد والإماء والآية التي فيها العبد المملوك لا علاقة لها بالتسمية، وإنما فيها ما يتعلق بهم من أحكام، وكما ذكرنا سابقاً لم نجد أحداً ممن تكلّم في ذلك كان يقول هذا عبد فلان، وإنما مولى فلان، أو جارية فلان.

وهذه التسميات عند الرافضة مرتبطة بعقيدة عندهم، وهي تعظيمهم للحسين وللأئمة من آل البيت، ومن أجل هذا التعظيم يتسمون بهذه الأسماء المضافة إليهم، فهم يستغيثون بهم ويطلبون حوائجهم منهم، ومن تمام العبودية لهم عندهم أنهم يضيفون لفظ «عبد» لهؤلاء!!!

ولهذا لما تكلّم ابن تيمية – رحمه الله- على التسميات الشركية في الجاهلية – كما تقدّم- قال: "وَنَحْوَ هَذَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ مَا يَقَعُ فِي الغَالِيَةِ مِنْ الرَّافِضَةِ وَمُشَابِهِيهِمْ الْغَالِينَ فِي الْمَشَايِخِ، فَيُقَالُ: هَذَا غُلَامُ الشَّيْخِ يُونُسَ أَوْ لِلشَّيْخِ يُونُسَ أَوْ غُلَامُ ابْنِ الرِّفَاعِيِّ أَوْ الْحَرِيرِيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَقُومُ فِيهِ لِلْبَشَرِ نَوْعُ تَأَلُّهٍ كَمَا قَدْ يَقُومُ فِي نُفُوسِ النَّصَارَى مِنْ الْمَسِيحِ، وَفِي نُفُوسِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ آلِهَتِهِمْ رَجَاءً وَخَشْيَةً، وَقَدْ يَتُوبُونَ لَهُمْ كَمَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَتُوبُونَ لِبَعْضِ الْآلِهَةِ وَالنَّصَارَى لِلْمَسِيحِ أَوْ لِبَعْضِ الْقِدِّيسِينَ. وَشَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ الدِّينُ الْخَالِصُ لِلَّهِ وَحْدَهُ: تَعْبِيدُ الْخَلْقِ لِرَبِّهِمْ كَمَا سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَغَيُّرُ الْأَسْمَاءِ الشِّرْكِيَّةِ إلَى الْأَسْمَاءِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَالْأَسْمَاءِ الكفرية إلَى الْأَسْمَاءِ الْإِيمَانِيَّةِ وَعَامَّةِ مَا سَمَّى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَاللَّهِ وَعَبْدَالرَّحْمَنِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} فَإِنَّ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ هُمَا أَصْلُ بَقِيَّةِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى. وَكَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الهروي قَدْ سَمَّى أَهْلَ بَلَدِهِ بِعَامَّةِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى وَكَذَلِكَ أَهْلُ بَيْتِنَا: غَلَبَ عَلَى أَسْمَائِهِمْ التَّعْبِيدُ لِلَّهِ كَعَبْدِ للَّهِ؛ وَعَبْدِالرَّحْمَنِ؛ وَعَبْدِالْغَنِيِّ؛ وَالسَّلَامِ؛ وَالْقَاهِرِ؛ وَاللَّطِيفِ؛ وَالْحَكِيمِ؛ وَالْعَزِيزِ؛ وَالرَّحِيمِ وَالْمُحْسِنِ؛ وَالْأَحَدِ؛ وَالْوَاحِدِ؛ وَالْقَادِرِ؛ وَالْكَرِيمِ؛ وَالْمَلِكِ؛ وَالْحَقِّ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللَّهِ: عَبْدُاللَّهِ وَعَبْدُالرَّحْمَنِ..»، وَكَانَ مِنْ شِعَارِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ فِي الْحُرُوبِ: يَا بَنِي عَبْدِالرَّحْمَنِ، يَا بَنِي عَبْدِاللَّهِ، يَا بَنِي عُبَيْدِاللَّهِ كَمَا قَالُوا ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ؛ وحنين؛ وَالْفَتْحِ؛ وَالطَّائِفِ؛ فَكَانَ شِعَارُ الْمُهَاجِرِينَ: يَا بَنِي عَبْدِالرَّحْمَنِ، وَشِعَارُ الْخَزْرَجِ: يَا بَنِي عَبْدِاللَّهِ، وَشِعَارُ الْأَوْسِ يَا بَنِي عُبَيْدِاللَّهِ" انتهى كلامه.

فالتعبيد لا يجوز لغير الله سبحانه وتعالى، وهذه التسميات «عبد الحسين» و«عبد الزهراء» و«عبد الرسول» ونحوها منكرة! وفيها من الشرك الذي يذهب بالتوحيد.

قال ابن حزم: "اتفق العلماء على تحريم كلّ اسم معبد لغير الله، كعبد عمر وعبد الكعبة وغير ذلك، ما عدا عبد المطلب، فليس فيه اتفاق".

وقال ابن عابدين في "حاشيته" (5/268) في تسمية الولد: "بأنه لا يسميه عبد فلان".

وفي "تحفة المحتاج" (4/295): "وتحرم التسمية بعبد النبيّ أو عبد الكعبة أو عبد الدار أو عبد علي أو عبد الحسين لإيهام التشريك، ومنه يؤخذ حرمة التسمية بجار الله ورفيق الله ونحوهما لإيهامه المحذور".

وفي "كشاف القناع" (3/27): "واتفقوا على تحريم كل اسم مُعبّد لغير الله تعالى كعبد العزى، وعبد عمرو، وعبد علي، وعبد الكعبة، وما أشبه ذلك، ومثله: عبد النبي، وعبد الحسين، وعبد المسيح ".

وقد روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" (5/262) (25901) عن يَزِيد بن المِقْدَامِ، عَنِ المِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ هَانِئِ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ: وَفَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْمِهِ، فَسَمِعَهُمْ يُسَمُّونَ رَجُلًا عَبْدَ الحَجَرِ، فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ»؟ قَالَ: عَبْدُ الحَجَرِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ».

وكلّ هذا من أجل سدّ الباب المؤدي للشرك! كيف لا! والذين يتسمون بهذه الأسماء إنما يعظّمونها، فينسبون أنفسهم لهم فيشابهون الله في ربوبيته؛ ولهذا حرص أهل العلم الذين صنّفوا في التوحيد على التحذير منه.

قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب كما في "الدرر السنية في الأجوبة النجدية" (4/292): "وأما الرب، فمعناه: المالك المتصرف، فالله تعالى مالك كل شيء، وهو المتصرف فيه؛ وهذا حق، ولكن أقرّ به عباد الأصنام الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكر الله عنهم في القرآن في غير موضع، كقوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} إلى قوله: {فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} [سورة يونس آية: 31]. فمن دعا الله في تفريج كربته، وقضاء حاجته، ثم دعا مخلوقاً في ذلك، خصوصاً إن اقترن بدعائه نسبة نفسه إلى عبوديته، مثل قوله في دعائه: فلان عبدك، أو قول: عبد علي، أو عبد النبي، أو عبد الزبير، فقد أقر له بالربوبية، وفي دعائه علياً، أو الزبير، وإقراره له بالعبودية ليأتي له بخير، أو ليصرف عنه شراً، مع تسمية نفسه عبداً له، قد أقَرّ له بالربوبية، ولم يقر لله بأنه رب العالمين كلهم، بل جحد بعض ربوبيته".

وقال حفيده سليمان بن عبدالله (ت1233هـ) في "تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد" (ص: 548): "لا تجوز التسمية بعبد المطلب، ولا غيره مما عبد لغير الله، وكيف تجوز التسمية وقد أجمع العلماء على تحريم التسمية بـ: عبد النبي، وعبد الرسول، وعبد المسيح، وعبد علي، وعبد الحسين، وعبد الكعبة؟! وكل هذه أولى بالجواز من عبد المطلب لو جازت التسمية به. وأيضًا فقد نصّ النبي صلى الله عليه وسلم على أن التسمية بعبد الحارث من وحي الشيطان، وأمره بعبد المطلب كعبد الحارث، لا فرق بينهما، إلا أن أصدق الأسماء الحارث وهمام، فلعله أولى بالجواز. لا يقال: إن الحارث اسم للشيطان، لأنه وإن كان اسمًا له، فلا فرق في ذلك بين جميع من اسمه الحارث. فلا يجوز التسمية به وإن نوى عبد الحارث بن هشام أو غيره.

فإن قلت: إذا كان ابن حزم قد حكى الإجماع على جواز التسمية بعبد المطلب، فكيف يجوز خلافه؟

قلت: كلام ابن حزم ليس صريحًا في حكاية الإجماع على جواز ذلك بعبد المطلب، فإن لفظه: اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله، كعبد العزى، وعبد هبل، وعبد عمرو، وعبد الكعبة، وما أشبه ذلك حاشا عبد المطلب. واتفقوا على إباحة كل اسم بعد ما ذكرنا ما لم يكن اسم نبي، أو اسم ملك إلى آخر كلامه. فيحتمل أن مراده حكاية الخلاف فيه، ويكون التقدير: اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله حاشا عبد المطلب، أي: فإنهم لم يتفقوا على تحريمه، بل اختلفوا، ويؤيده أنه قال بعده: واتفقوا على إباحة كل اسم بعد ما ذكرنا إلى آخره. ويكون المراد حاشا عبد المطلب، فلا أحفظ ما قالوا فيه، ويكون سكوتًا منه عن حكاية إجماعًا، أو خلاف فيه، وعلى تقدير أن مراده حكاية الإجماع من جواز ذلك، فليس كل من حكى إجماعًا يسلم له، ولا كل إجماع يكون حجة أيضًا، فكيف والخلاف موجود، والسنة فاصلة بين المتنازعين؟ وغاية حُجّة من أجازه قوله عليه السلام: "أنا ابن عبد المطلب" ونحوه، أو أن بعض الصحابة اسمه عبد المطلب. وقد تقدم الجواب عن ذلك، وأيضًا فلو كان قوله: "أنا ابن عبد المطلب" حجة على جواز التسمية به لكان قوله: "إنما بنو هاشم، وبنو عبد مناف شيء واحد" حجة على جواز التسمية بعبد مناف، ولكن فرق بين إنشاء التسمية وبين الإخبار بذلك عمن هو اسمه".

قلت: فقوله صلى الله عليه وسلم «أنا ابن عبد المطلب» ليس إقراراً بجواز التسمي بهذا، وإنما هو من باب الإخبار لا من باب الإنشاء، وفرق بين الإخبار وبين الإنشاء والإقرار، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «بنو هاشم وبنو عبد المطلب شيء واحد»، وقال: «يا بني عبد مناف»، ولا يجوز التسمي بعبد مناف.

قال النووي في "شرح مسلم" (12/119): "كَانَتْ شُهْرَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَدِّهِ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ تُوُفِّيَ شَابًّا فِي حَيَاةِ أَبِيهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَبْلَ اشْتِهَارِ عَبْدِ اللَّهِ، وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مَشْهُورًا شُهْرَةً ظاهرة شائعة، وكان سيد أهل مكة وكان كثير من الناس يدعون النبي صلى الله عليه وسلم ابن عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَنْسُبُونَهُ إِلَى جَدِّهِ لِشُهْرَتِهِ، وَمِنْهُ حَدِيثُ هَمَّامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فِي قَوْلِهِ أَيُّكُمُ بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَقَدْ كَانَ مُشْتَهِرًا عِنْدَهُمْ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بُشِّرَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ سَيَظْهَرُ وَسَيَكُونُ شَأْنُهُ عَظِيمًا، وَكَانَ قَدْ أَخْبَرَهَ بِذِلْكَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ وَقِيلَ إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ رَأَى رُؤْيَا تَدُلُّ عَلَى ظُهُورِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ ذَلِكَ مَشْهُورًا عِنْدَهُمْ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذْكِيرَهُمْ بِذَلِكَ وَتَنْبِيهَهُمْ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهِ عَلَى الْأَعْدَاءِ، وَأَنَّ الْعَاقِبَةَ لَهُ لِتَقْوَى نُفُوسُهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ أَيْضًا بِأَنَّهُ ثَابِتٌ مُلَازِمٌ لِلْحَرْبِ لَمْ يُوَلِّ مَعَ مَنْ وَلَّى وَعَرَّفَهُمْ مَوْضِعَهُ لِيَرْجِعَ إِلَيْهِ الرَّاجِعُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

وأما اسم "عبد المطلب" فذكر أهل العلم ترجمة: "عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي".

قال ابن عبدالبر في "الاستيعاب" (3/1007): "كانَ فيما ذكر أهل السير على عهد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً، ولم يغير رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسمه فيما علمت".

وقال ابن حجر في "الإصابة" (4/317) متعقّباً ابن عبدالبر: "قلت: وفيما قاله نظر، فإن الزبير بن بكَّار أعلم من غيره بنسب قريش وأحوالهم، ولم يذكر أن اسمه إلا المطلب. وقد ذكر العسكريّ أنّ أهل النسب إنما يسمونه المطلب. وأما أهل الحديث فمنهم من يقول المطلب، ومنهم من يقول عبد المطلب. وثبت في صحيح مسلم من حديثه أنّ النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم أمر بتزويجه لما سأله هو والفضل بن العباس ذلك... وحكى البغويّ والطّبرانيّ الوجهين، وصوّب الطبراني المطلب، وعليه اقتصر ابن عساكر في التاريخ".

قلت: فكأن ابن حزم لما رأى هذا الاختلاف لم يجزم بنقل الاتفاق على حرمة التسمي بهذا الاسم! لكن ثبت أن اسمه "المطلب" لا "عبد المطلب"، وعليه فيحرم التسمية به أيضاً.

ولما بيّن العلامة إسماعيل بن عبدالغني الدهلوي (ت1246هـ) في رسالة التوحيد المسماة بـ «تقوية الإيمان» (ص: 49 - 50) – وتبعه على ذلك الشيخ أبو الحسن الندوي- بيّن أنواع الشرك الموجودة في القبورية، وهي: الشرك بدعاء الأولياء والاستغاثة بهم، والشرك بالاستعانة من الأولياء، والشرك بالنذر والذبح للأولياء، والشرك في التسميات بأن ينسب الأولاد إلى الأولياء.

قال: "استفحال فتنة الشرك والجهالة في الناس: اعلم أن الشرك قد شاع في الناس في هذا الزمان وانتشر، وأصبح التوحيد الخالص غريباً، ولكن معظم الناس لا يعرفون معنى الشرك، ويدعون الإيمان مع أنهم قد تورطوا في الشرك وتلوثوا به، فمن المهم قبل كل شيء أن يفقه الناس معنى الشرك والتوحيد، ويعرفوا حكمهما في القرآن والحديث".

ثم قال: "مظاهر الشرك وأشكاله المتنوعة:

ومن المشاهد اليوم أنّ كثيراً من الناس يستعينون بالمشايخ والأنبياء، والأئمة [يعني أئمة آل البيت عند الشيعة]، والشهداء، والملائكة، والجنيات عند الشدائد، فينادونها، ويصرخون بأسمائها، ويسألونها أو يطلبون منها قضاء الحاجات وتحقيق المطالب، وينذرون لها، ويقربون لها قرابين لتسعفهم بحاجاتهم، وتقضي مآربهم، وقد ينسبون إليها أبناءهم طمعاً في رد البلاء، فيسمى بعضهم ابنه: بعبد النبي وبعضهم بعلي بخش، وحسين بخش، وبير بخش، ومدار بخش، وسالار بخش، وغلام محي الدين، وغلام معين الدين، ويُرسل بعض الناس ضفيرة في رأسه باسم ولي من الأولياء، وبعضهم يقلد ابنه قلادة باسم شيخ أو ولي، وبعضهم يكسو ولده لباساً، وبعضهم يصفد ابنه بقيد في الرجل باسم أحد المشايخ والأولياء، وبعضهم يذبح حيواناً بأسمائهم، وبعضهم يستغيث بهم عند الشدة، وبعضهم يحلف في حديثه بأسمائهم".

ثم بيّن تقليد جهال المسلمين للمشركين، فقال: "والحاصل أنه ما سلك عباد الأوثان في الهند طريقاً مع آلهتهم، إلا وسلكه الأدعياء من المسلمين مع الأنبياء والأولياء، والأئمة والشهداء والملائكة والجنيات، واتبعوا سنن جيرانهم من المشركين شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، وحذو القذة بالقذة، والنعل بالنعل، فما أجرأهم على اللَّه، وما أبعد الشقة بين الاسم والمسمى، والحقيقة والدعوى".

ثم قال فيمن سمّى أولاده بـ "عبد النبي" أو "إمام بخش" أو "بير بخش": "وكل ذلك يتحقق منه الشرك ويسمى "الإشراك في العبادة" يعني أن يعظم غير اللَّه في الأعمال التي اعتادها تعظيماً، لا يليق إلا بالله".

[حاشية بتعريف بعض الأسماء من كلام أبي الحسن الندوي:

* مدار بخش: هو الشيخ الكبير المعمر بديع الدين المدار الحلبي المكنبوري، أحد مشاهير الأولياء بأرض الهند، ينسبون إليه من الوقائع الغريبة ما يأباه العقل والنقل، وإليه نسب شهر من شهور السنة في التقويم المنتشر عند العامة وأهل القرى في الهند ودخل اسمه في الأمثال السائرة عند عوام الناس، وهو مؤسس الطريقة المدارية التي انحرفت في العهد الأخير، ودخل فيها الشيء الكثير من الخرافات والرياضات البهلوانية، كانت وفاته في عاشر جمادى الأولى سنة 844هـ.

* سالار بخش: هو السيد سالار مسعود الغازي من أشهر الأعلام في الهند، نسجت حوله أساطير كثيرة، وشخصيته لم يسلط عليها الضوء الكافي علميا وتاريخيا، ذكره ابن بطوطة في رحلته، وقال إنه فتح أكثر تلك البلاد، وله أخبار عجيبة، وغزوات شهيرة، مات شهيدا سنة 588 هـ، ودفن في مدينة بهرانج في الولاية الشمالية في الهند، قال في «نزهة الخواطر»: بنى على قبره ملوك الهند عمارة سامية البناء، والناس يفدون إليه من بلاد شاسعة، ويزعمون أنه كان عزبا شابا لم يتزوج، فيزوجونه كل سنة، ويحتفلون لعرسه وينذرون له أعلاما فينصبونها على قبره.

* معنى (بخش): الهبة والرزق، يعني فلان هبة فلان ورزقه، وعلي هو علي بن أبي طالب، وحسين هو حسين بن علي، و «بير» معناه الشيخ، ومدار، وسالار، أسماء رجال صالحين، ومشايخ مشهورين في الهند، وغلام معناه عبد، ومحيي الدين المراد به الإمام عبد القادر الجيلاني المشهور، ومعين الدين هو الشيخ معين الدين الجشتي الأجميري، مؤسس الطريقة الجشتية في الهند، كانت وفاته في سادس رجب سنة 627 هـ. وهذه الأسماء كلها غير شرعية، وتنم عن عقيدة في القدرة والهبة والرزق، في الأولياء والصالحين].

قال الشيخ بكر أبو زيد في "معجم المناهي اللفظية" (ص: 370): "ومن الأسماء المعبدة لغير الله تعالى، ويجري عليها الحكم بالتحريم والمنع، ومنها ما هو مشترك بين السنة والشيعة، ومنها ما هو خاص بالشيعة لغلوهم بآل البيت، ومن هذه الأسماء المحرمة شرعاً: عبد علي، عبد الزهرة، عبد الإمام، عبد الحسن، عبد الحسين، عبد الأمير، عبد السجاد، عبد الباقر، عبد الصادق، عبد الكاظم، عبد الرضا، عبد المهدي، عبد الهادي، عبد العال، عبد الونيس، عبد النعيم، عبد الراضي، عبد النبي، عبد الرسول، عبد المرسل، عبد محمد، عبد طه، عبد الحمزة، عبد المولى، عبد المقصود، عبد الفضيل، عبد الوحيد، عبد العباس، عبد مسلم، عبد الصاحب، عبد زيد، عبد جاسم، عبد الحر، عبد عون، عبد الشيخ، عبد السادة، عبد الغريب، عبد الخضر، عبد الزبير، عبد الشاه، عبد الهوه، عبد القيس، عبد النور، عبد العاطي، عبد النافع، عبد الضار، وعبد المفتي، وعبد المستوي، كما ذكرهما ابن حزم في (الفصل) وذكر الإجماع على المنع منهما".

وذكر رحمه الله في "تسمية المولود": "الأصل الثامن: في الأسماء المحرمة"، قال: "الأصل الثامِنُ: في الأسماء المحرمة:

دلَّتِ الشَّريعةُ على تحريمِ تسميةِ المولودِ في واحدٍ من الوجوهِ الآتيةِ:

اتَّفق المسلمون على أنَّه يحرُمُ كلُّ اسمٍ معبَّدٍ لغيرِ اللهِ تعالى؛ مِن شمسٍ أو وثنٍ أو بشرٍ أغيرِ ذلك؛ مثلُ: عبدِ الرسولِ، عبدِ النبيِّ، عبدِ عليٍّ، عبدِ الحسينِ، عبدِ الأمير (يعني: أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب رضي اللهُ عنهُ)، عبدِ الصَّاحبِ (يعني: صاحِب الزَّمانِ المهديَّ المنتظر)، وهي من تسمياتِ الرَّوافض!

وقد غيَّر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كلَّ اسمٍ معبَّدٍ لغيرِ اللهِ تعالى؛ مثل: عبدِ العُزَّى، عبدِ الكعبة، عبدِ شمسٍ، عبدِ الحارثِ.

ومن هذا البابِ: غُلام رسول، غُلام محمّد؛ أي عبد الرسول ... وهكذا.

والصَّحيحُ في عبد المطَّلبِ المنع.

ومن هذا الغلطُ في التعبيد لأسماءٍ يُظنُّ أنَّها من أسماءِ اللهِ تعالى وليستْ كذلك؛ مثل: عبدِ المقصودِ، عبدِ الستَّارِ، عبدِ الموجودِ، عبد المعبودِ عبدِ الهوه، عبد المُرْسِل، عبد الوحيد، عبد الطالب، عبد الناصر، عبد القاضي، عبد الجامع، عبد الحنان، عبد الصاحب - لحديث: (الصاحب في السفر) - عبد الوفي.. فهذه يكونُ الخطأُ فيه من جهتين:

- من جهةِ تسميةِ اللهِ بما لم يردْ بِهِ السَّمعُ، وأسماؤهُ سبحانه توقيفيَّةٌ على النصِّ مِن كتابٍ أو سنَّةٍ.

- والجهةُ الثانيةُ: التَّعبيدُ بما لم يسمِّ اللهُ بهِ نفسه ولا رسولُه - صلى الله عليه وسلم -.

وكثير منها من صفات الله العُلى، لكن قد غلط غلطاً بيناً من جعل لله من كل صفة: اسماً واشتق له منها، فقول الله تعالى: {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ} [غافر: من الآية20] لا يشتق لله منها: اسم القاضي، لهذا فلا يقال: عبد القاضي، وهكذا - وانظره في حرف الجيم: الجامع -...".

وكان أهل العلم ينتقدون من تسمى بمثل هذه الأسماء التي انتشرت في بعض الأماكن!

ذكر نجم الدين الغزيّ (ت 1061هـ) في كتابه "الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة" (1/256): "عبد النبي المغربي"، فقال: "عبد النبي المغربي المالكي، الشيخ الإمام العلامة، الحجة القدوة اللهامة، مفتي السادة المالكية بدمشق"، ثم قال: "وذكر ابن الحنبلي في تاريخه أنه قدم حلب في سنة اثنتين وتسعمائة، أو قبلها، فباحثه البدر السيوفي في تنافس حتى انتهى معه إلى إظهار قبح تسميته بعبد النبي لكونه من الأسماء المعبدة لغير الله تعالى".

ثم ذكر عن ابن طولون أنه ذكر في "تاريخه" "مفاكهة الإخوان": "أنه توضأ يوم الجمعة عشرين شوال سنة ثلاث وثلاثين لصلاة الجمعة من الظاهرية الجوانية. قال: فرأيت ناظرها منلا بني الرومي قد عمل على إيوان الحنفية القبلي درابزين لصيانته. قال: وأخبرت أن بها نازلاً منلا رسول بلاد بيروت، ومنلا أحد أحد المدرسين بجامع الأموي المطالبي الحنفي عوضاً عن الشمس الكفرسوسي المتوفي إلى رحمة الله تعالى - قال: وقد كان ينكر - يعني الكفرسوسي - على شيخنا الشيخ عبد النبي هذه التسمية، فكيف بهذه الأسماء الثلاثة؟ قال: "ومن رأيت ينكرها مدرس هذه المدرسة صاحبنا القطب ابن سلطان الحنفي" انتهى. قلت: وهذه عادة الأعاجم يختصرون هذه الأسماء المعبدة بحذف عبد، وهو خطأ ظاهر، وأقبح ما يقع من ذلك قولهم في منلا عبد الأحد: منلا أحد، وتبعهم الأروام في هذا الاختصار لكنهم زادوا ياء النسبة، فزال الإشكال، ولكن فاتهم فضيلة التعبيد في التسمية فقالوا في عبد الكريم: كريمي، وفي عبد الحليم، حليمي" انتهى.

وختاماً:

فهذه أقوال أهل العلم في حرمة التسمي بمثل هذه الأسماء والإجماع على ذلك، والإنكار على من تسمّى بها، وأن التسمية بها يفتح باب الشرك، بل هو الشرك بعينه كما هو عند الرافضة الذين يستغيثون بالحسين وبالأئمة، وما محافظتهم على مثل هذه التسميات إلا من هذا الباب ليكونوا عبيداً للحسين والزهراء والرضا والكاظم وغيرهم!!!

ولو كانوا صادقين في نياتهم فلم يحيدون عن تسمية عبدالله وعبدالرحمن ونحوهما؟!! فالحسين والزهراء وغيرهم بشر خلقهم الله، فأولى أن تضاف التسمية له والعبودية له لا للبشر لو كانوا صادقين!

بل إن الرافضة من أكذب النّاس، وحديثهم من أكذب الحديث!!

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكتب: خالد الحايك

19 ذو القعدة 1438هـ.

 

شاركنا تعليقك