الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

شبهة حول كلام لابن القيّم عن الشيعة! والجواب عنه.

شبهة حول كلام لابن القيّم عن الشيعة! والجواب عنه.

لمّا ذكر ابن القيّم في كتابه: "الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة" (2/616) مسألة: "الحالف بالطلاق والعتاق إذا حنث في يمينه أنه تطلق عليه زوجته ويعتق عليه عبده أو جاريته"، قال: "حكى ذلك بضعة عشر من أهل العلم وعذرهم أنهم قالوا بموجب علمهم وإلا فالخلاف في ذلك ثابت عن السلف والخلف من وجوه"، ثم ساق هذه الوجوه، وذكر منها:

"الوجه التاسع: إن فقهاء الإمامية من أولهم إلى آخرهم ينقلون عن أهل البيت أنه لا يقع الطلاق المحلوف به، وهذا متواتر عندهم عن جعفر بن محمد وغيره من أهل البيت.

وهب أن مكابراً كذّبهم كلهم، وقال: قد تواطئوا على الكذب عن أهل البيت ففي القوم فقهاء وأصحاب علم ونظر في اجتهاد وإن كانوا مخطئين مبتدعين في أمر الصحابة فلا يوجب ذلك الحكم عليهم كلهم بالكذب والجهل! وقد روى أصحاب الصحيح عن جماعة من الشيعة وحملوا حديثهم واحتج به المسلمون، ولم يزل الفقهاء ينقلون خلافهم ويبحثون معهم، والقوم وإن أخطأوا في بعض المواضع لم يلزم من ذلك أن يكون جميع ما قالوه خطأ حتى يرد عليهم هذا لو انفردوا بذلك عن الأمة؛ فكيف وقد وافقوا في قولهم من قد حكينا قولهم وغيره ممن لم تقف على قوله" انتهى كلامه.

قلت: استغرب بعض طلبة العلم هذا القول من ابن القيّم – رحمه الله- وقالوا: كيف يُثني على الإمامية؟ وكيف يدفع عنهم الكذب! وهو من أعلم الناس بتكذيب شيخه ابن تيمية لهم في مواضع كثيرة؟!!!

والجواب عن هذا:

أولاً: ابن القيّم - رحمه الله يعرف كلام شيخه ابن تيمية في تكذيب الرافضة، وكلامه هنا لا غُبار عليه، فهو إنما يتحدّث عن "فقهاء الإمامية" الذين نقلوا أقوال أئمة آل البيت وهو المذهب الذي اعتمدوه قديماً قبل ظهور ما يسمى بـ "الرافضة الإمامية".

فهناك فرق بين "الشيعة الإمامية" الأُول الذين كانوا يُقدّمون علياً على بقية الخلفاء، و"الرافضة الإمامية" الذين جاؤوا بعدهم بسنوات وهم الذين كذّبهم ابن تيمية وسائر أهل العلم وقالوا بجهلهم.

وقد وصف ابن القيم هؤلاء الفقهاء بأنهم أصحاب علم ونظر؛ لما لهم من الفقه الذي أخذوه عن أهل العلم، وما أخذه بعضهم عن جعفر الصادق وغيره من آل البيت، مع عدم تصديقهم كلهم! لأن جعفر الصادق نفسه كذّب كثيراً منهم كما يرون هم في كتبهم.

قال الكشي: اشتكى الفيض بن المختار إلى أبي عبد الله – يعني: الصادق- قال: جعلني الله فداك، ما هذا الاختلاف الذي بين شيعتكم؟ فقال: "وأي الاختلاف؟ فقال: "إني لأجلس في حلقهم بالكوفة فأكاد أشك في اختلافهم في حديثهم". فقال أبو عبدالله: "أجل هو ما ذكرت: إن الناس أولعوا بالكذب علينا، وإني أحدث أحدهم بالحديث، فلا يخرج من عندي، حتى يتأوله على غير تأويله، وذلك أنهم لا يطلبون بحديثنا وحبنا ما عند الله، وإنما يطلبون الدنيا، وكل يحب أن يدعى رأساً" [رجال الكشي (ص:135-136)].

وقد عني بذكرهم من تَرجم للإمامية في كتب التراجم عندهم، مثل: أبو جعفر الطوسي، والمفيد، وابن النجاشي، والكَرَاجَكِيُّ، والكشي، وغيرهم.

قلت: وهذا يفسّر لنا إيراد ابن حجر للعشرات منهم بل المئات في كتابه "لسان الميزان" ممن ذكرهم أبو جعفر الطوسي في كتابه "رجال الشيعة" ممن كانوا يروون عن جعفر الصادق والباقر والكاظم وبقية الأئمة، وبيّن أحوالهم.

ومن هؤلاء الذين ذكرهم ابن حجر:

* أحمد بن ميثم بن أبي نعيم الفضل بن دكين الكوفي أبو الحسن. وقال أبو جعفر الطوسي: "له تصانيف في التشيع، يعني: وكان من الفقهاء" [اللسان: 1/682].

* إسحاق بن جرير بن يزيد بن جرير بن عبدالله البجلي أبو عبدالله. روى عن جعفر الصادق قاله الطوسي. قال: "وكان فقيهًا من أهل العلم والتصنيف والرواية، روى عنه عُبَيد بن سعدان بن مسلم، وروى هو عن أحمد بن ميثم بن أبي نعيم وعثمان بن عيسى الرؤاسي، وَغيرهما" [اللسان: 2/51].

* الحسن بن علي بن أبي عثمان الكوفي يلقب سجادة. ذَكَره الطوسِي في رجال الشيعة الإمامية وقال كان غالياً. رَوَى عَن أبي جعفر الجواد ابن علي الرضا. روى عنه أبو عبد الله التركي. وقال ابن النجاشي: "ضعفه أصحابنا" [اللسان: 3/88].

فأمثال هؤلاء من فقهاء الإمامية وممن لهم رواية هم من قصدهم ابن القيّم في كلامه، مع تكذيبه لعامتهم.

وهم الذين نقل عنهم علماء الزيدية مذاهب أهل البيت في كتبهم، كما ينقل الشوكاني في "نيل الأوطار".

ومما قاله الشوكاني في كتابه في بعض المسائل: "وقَدْ رَوَاهُ فِي البَحْرِ عَنْ الْإِمَامِيَّةِ وَالْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ وَالمَهْدِيِّ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ، وَرَوَاهُ ابنُ مُظَفَّرٍ فِي البَيَانِ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بنِ عَلِيٍّ وَالهَادِي، وَأَحَدِ قَوْلَيْ النَّاصِرِ وَأَحَد قَوْلَيْ المَنْصُورِ بِاَللَّهِ وَلَا أَدْرِي مَا صِحَّة ذَلِكَ، فَإِنَّ الَّذِي وَجَدْنَاهُ فِي كُتِبَ بَعْض هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة وَكُتِبَ غَيْرهمْ يَقْضِي بِخِلَافِ ذَلِكَ" [نيل الأوطار: 3/257].

ثانياً: قوله "بأنهم مبتدعين في أمر الصحابة" فيقصد بذلك التشيع المعروف قديماً وهو تقديم عليّ عثمان أو على الشيخين أبي بكر وعمر دون التعرض لهما بالسبّ ونحوه مما اتخذه الرافضة الإمامية منهجاً لهم فيما بعد!!

فقد ذكر الإمام الذهبي في "ميزان الاعتدال" (1/5)، قال: "أبان بن تغلب [م، عو] الكوفي شيعي جلد، لكنه صدوق، فلنا صدقه وعليه بدعته.

وقد وثقه أحمد بن حنبل، وابن معين، وأبو حاتم، وأورده ابن عدي، وقال: كان غالياً في التشيع. وقال السعدي: زائغ مجاهر.

فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع وحدّ الثقة العدالة والإتقان؟ فكيف يكون عدلاً من هو صاحب بدعة؟ وجوابه أن البدعة على ضربين: فبدعة صغرى كغلو التشيع، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرف، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق. فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة.

ثم بدعة كبرى، كالرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة.

وأيضاً فما أستحضر الآن في هذا الضرب رجلاً صادقاً ولا مأموناً، بل الكذب شعارهم، والتقية والنفاق دثارهم، فكيف يقبل نقل من هذا حاله! حاشا وكلا.

فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو: من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب علياً رضي الله عنه، وتعرض لسبهم.

والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين أيضاً، فهذا ضال معثر. ولم يكن أبان بن تغلب يعرض للشيخين أصلاً، بل قد يعتقد علياً أفضل منهما".

قلت: وهذا قصد ابن القيم بقوله: "وقد روى أصحاب الصحيح عن جماعة من الشيعة وحملوا حديثهم واحتج به المسلمون"، أي: الشيعة من المحدثين الذين يقدمون علياً على عثمان.

ومن هؤلاء أيضاً:

* "عباد بن يعقوب [خ، ت، ق] الأسدي الرواجنى الكوفي، من غلاة الشيعة ورؤوس البدع، لكنه صادق في الحديث. عن شريك، والوليد بن أبي ثور، وخلق. وعنه البخاري حديثاً في الصحيح مقرونا بآخر، والترمذي، وابن ماجة وابن خزيمة، وابن أبي داود". [ميزان الاعتدال (2/379)].

* "عدي بن ثابت [ع]، عالم الشيعة وصادقهم وقاصهم وإمام مسجدهم، ولو كانت الشيعة مثله لقل شرهم" [ميزان الاعتدال (3/61)].

ثالثاً: ابن القيم يذكر في بعض كتبه أحياناً بعض ما نُقل عنهم من مسائل ومن نقلها، وهو ما عبر عنه بقوله: " ولم يزل الفقهاء ينقلون خلافهم ويبحثون معهم".

قال في "بدائع الفوائد" (3/132): "قالت الإمامية: إن العتق لا ينفذ إلا إذا قصد به القربة؛ لأنهم جعلوه عبادة والعبادة لا تصح إلا بالنية. قال ابن عقيل: "ولا بأس بهذا القول لا سيما وهم يقولون الطلاق لا يقع إلا إذا كان مصادقاً للسنة مطابقا للأمر وليس بقربة فكيف بالعتق الذي هو قربة.

قلت: وقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن عباس أنه قال: "الطلاق ما كان عن وطر والعتق ما ابتغى به وجه الله".

وقال أيضاً في موضع آخر (3/135): "فائدة: حكى الطحاوي أن مذهب أبي يوسف جواز أخذ بني هاشم الفقراء الزكاة من بني هاشم الأغنياء قاله ابن عقيل قال: "وسألت قاضي القضاة عن ذلك يريد الدامغاني فقال: نعم هو مذهب أبي يوسف وهو مذهب الإمامية".

رابعاً: الظاهر في كلام ابن القيّم أنه أقر كذب أكثرهم لا كلّهم بخلاف من جاء بعدهم من الرافضة الإمامية الذين تكلّم عليهم شيخه ابن تيمية وكذّبهم وجهّلهم كلهم.

والخلاصة أن كلام ابن القيّم لا غرابة فيه، وهو محمول على فقهاء الشيعة القدماء الذين لم يتلبّسوا بكفر، وإنما كانوا يُفضّلون علياً على غيره، وليس مقصوده الرافضة الإمامية الذين يتكلمون في الصحابة ويكفّرونهم!! ومن هؤلاء الفقهاء من نقل الفقه عن آل البيت، وقد اتفق نقلهم حول المسألة التي ذكرها ابن القيّم، واتفاقهم مع كذب أكثرهم جعله يذكر ذلك هنا، ولا غضاضة في فعله، والله أعلم.

وكتب: خالد الحايك.

 

شاركنا تعليقك