الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

من ذاكرة التاريخ... الشعب يُريد إسقاط (البلطجية)!!

من ذاكرة التاريخ...

الشعب يُريد إسقاط (البلطجية)!!

 

الشعوب العربية الإسلامية هذه الأيام تريد إسقاط أشياء كثيرة!

ومن هذه الأمور التي تريد الشعوب إسقاطها من يسمون بـ «البلطجية»!!

فمصطلح «البلطجية» بلغة أهل مصر والشام، و«البلاطجة» بلغة أهل اليمن، هو من أكثر المصطلحات ترداداً على الألسنة: في البيوت، والشوارع والفضائيات، وغيرها كما هو مصطلح «زنجة زنجة» عند الليبيين (القذافي نموذجاً).

«البلطجية» جمع «بلطجي» نسبة إلى «بلطة» ومعناها «فأس»، ومما خلفه لنا الأتراك إضافة «جي» إلى آخر الكلمات لتدل على المهنة مثل: «سفرجي» و «قهوجي» و «مكوجي»، و«عربه جي» أي المسؤول عن عرباين السلطان، وغيرها.

و«البلطجي» هو الرجل الذي يحترف مهنة تقطيع الأشجار (الحطّاب).

جاء في:

 http://en.wikipedia.org/wiki/Baltaci

Baltaci (
Turkish: Baltacı means "a person skilled with an axe", from balta, "axe", i.e., "carpenter" or "halberdier").

فهذا المصطلح له دلالة تاريخية ويعني بالتركي (صاحب البلطة)، وكان في الجيش العثماني فرقة عسكرية تحمل «البلطة»، وكانت تتقدم الجيش لقطع الأشجار وإزالة الحواجز التي تعترض طريقه، وكل من انتسب لهذه الفرقة أطلق عليه اسم: «بلطجي»، وكان لهذا اللقب احترام كبير عند العثمانيين حتى إن بعض القادة العسكريين قد تسموا به، ومنهم: الصدر الأعظم (بلطه جي محمد باشا) في عهد السلطان العثماني الثالث والعشرون (أحمد بن محمد بن إبراهيم)، وكانت السلطنة العثمانية في عهد بلطجي باشا قد أعلنت الحرب على روسية سنة (1710م). وكان حكم مصر أيام العثمانيين (بلطه جي مصطفى باشا 1752م - 1755م).

وذكر إن (بلطه جي باشي) هو الذي كان يحمل البلطة بين يدي السلطان ليؤدب من يريد السلطان تأديبه!!

ثم تدرج هذا المصطلح في بعض المدن العربية التي كانت تابعة للدولة العثمانية، فأطلق على بعض قوات الأمن التي تحفظ المدن الداخلية؛ ثم أطلق على فرقة خاصة كانت تحمل «البلطة» لحماية النساء في الأسواق من أهل الشر.

ثم عاد هذا اللفظ إلى الظهور عندما أطلق الرئيس المصري أنور السادات هذا المصطلح «البلطجية» على المتظاهرين عام 1977.

ثم أخذ هذا المصطلح في التبلور من أصل استخدامه في الخير إلى استخدامه في الشر، فاستخدمته الحكومات حتى أخذ المعنى الذي ترسخ في الأفهام أن هؤلاء «البلطجية» ممن يعاونون الحكومات، فاستخدموهم في نشر الفوضى بين المتظاهرين وإظهارهم بمظهر من يريد الخراب وتدمير الممتلكات العامة.

وهذا المصطلح كان قد انتشر بين الناس وما زال في وصف (الزُّعْر)، ويطلق عليهم العوام (الزعران)، وهم الذين يأخذون من الناس ما يحلو لهم بالقوة، وهم من أصحاب الجرائم المعروفين عند أجهزة الأمن في كل مكان.

وهؤلاء «الزعر» درجات وأشدهم نكاية بالناس هم من يطلق عليهم «البلطجية» لأن سفك الدماء عندهم سهل جداً!

فأصل هذا المصطلح كان طيباً؛ إلا أنه سرعان ما انقلب إلى الشر، فولدت علاقة قوية بين أصحابه وبين قوات الأمن في كل مكان، وهذه العلاقة بينهم – إلا من رحم ربي -، قائمة على الاستعانة بهم في كثير من الأمور، ومنها: ما حصل أثناء الثورات الشعبية التي قامت في مصر، والتي ما تزال قائمة في اليمن وغيرها من عالمنا العربي الإسلامي.

وكان الهدف من زج هؤلاء «البلطجية» بين المعتصمين لتشويه مسار هذه الإعتصامات السلمية التي قامت وثارت في وجه الظلم والقهر والاستبداد.

ولكن الله غالب على أمره، وسرعان ما تكشفت الحقائق وفُضح هؤلاء «البلطجية» ومن أحضرهم.

فقوات الأمن إذا أرادات أن لا تشوه صورتها بين الناس وأمام الرأي العام في العالم استعانت بهؤلاء لضرب الناس وحتى قتلهم، وقد حدث هذا قديماً في العصر المملوكي مع بعض السلاطين.

ذكر الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في كتابه «إِنباء الغُمْر بأبناء العُمْر» في (حوادث سنة 842هـ) (9/41) قال: "وفي يوم الأربعاء رابعه ثار جمعٌ من الجند وطلبوا زيادة في النفقة الشهرية فلم يُلتفت إليهم، فاجتمعوا إلى (قرقماس) - وكان أتابك العساكر - فما زالوا به حتى ركب معهم ولم يركب معه من الأمراء إلا القليل، وغالب الأمراء والجند صعدوا إلى القلعة، ووقع بينهم الترامي بالنشاب وقتل جماعة من الفريقين، وفي آخر النهار انهزم قرقماس ومن معه فنهب بيته، ونودي لمن أحضره بامرة وخلعة، ورجع جماعة ممن كان معه إلى الطاعة قبل الهزيمة، وكان السلطان عزل والي الشرطة، وولى علي بن الطبلاوي، فجمع له (الزُّعْر) فبالغوا في القتال مع جماعة السلطان إلى أن تمت الهزيمة، وفرّق السلطان فيهم جملة من الذهب والفضة، رماها من أعلى المكان فتناهبوها وجدّوا في القتال. وفي صبيحة الخميس قبض على قرقماس وأرسل إلى الإسكندرية، وتتبع جماعة ممن كان معه فسجن بعض ونفى بعض".

فهؤلاء العساكر ثاروا مطالبين بزيادة رواتبهم، فاستعين عليهم بالبلطجية فهزموا.

فما أشبه اليوم بالبارحة.

قال إسماعيل بن أبي أويس: سمعت خالي مالك بن أنس يقول: قَالَ لِي رَبِيعَةُ الرَّأْيِ - وكان أستاذ مالك - يَا مَالِكُ مَنْ السَّفِلَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ «مَنْ أَكَلَ بِدِينِهِ»، فَقَالَ لِي: وَمَنْ أَسْفَلُ السَّفِلَةِ؟ قُلْتُ: «مَنْ أَصْلَحَ دُنْيَا غَيْرِهِ بِفَسَادِ دِينِهِ»، فَقال: «زِهْ» وصدَرني، أي ضرب على صدرِي، يعني استحساناً.

وقال نصر بن حاجب: قلت للأعمش: من السفلة؟ قال: «الذين يطلبون الدنيا بعمل».

د. خالد الحايك

26/3/2011

شاركنا تعليقك