الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

زيارة شيخنا الدكتور حمزة المليباري للأردن.

 

زيارة شيخنا الدكتور حمزة المليباري للأردن.

 

زار الأردن مؤخراً أستاذنا الدكتور حمزة الميلباري، وقد التقينا به في مقر إقامته في عمان برفقة بعض إخواننا من طلبة العلم، ومنهم الأخ وائل البتيري الذي حاوره ونشر الحوار معه في جريدة السبيل الأردنية يوم الجمعة: 10/04/2009 وهذه هي المقابلة:

في حوار لـ«السبيل» مع الأستاذ في كلية الدراسات الإسلامية والعربية في دبي د. المليباري: منهج المحدّثين هو أدق مناهج النقد في تاريخ البشر ولن يستطيع أحد أن يستدرك عليه.

حاوره: وائل علي البتيري.

عندما كنت أقرأ ردود خصوم الدكتور المليباري عليه؛ كان يخيل إليّ للوهلة الأولى أن الرجل يسعى بكل قواه إلى هدم قواعد الحديث ومصطلحاته التي استقرت على مدى قرون طويلة، إلا أنني عندما حاورته؛ وجدت فيه ذلك الرجل الأصولي الذي ربما يصفه بعض العصرانيين بـ «التقليدي» لكثرة ما يدافع عن منهج علماء الحديث القدامى الذين أسسوا قواعد علم الحديث، وهو لا يتصور أن يستطيع إنسان مجاراتهم في دقة المنهج الذي وضعوه من أجل حفظ السنة النبوية الشريفة.

فبالرغم من أن الدكتور حمزة المليباري يطرح «نظرات جديدة في علوم الحديث» - وهذا عنوان أحد كتبه - إلا أن هذه النظرات تنتصر للمنهج القديم الذي وضعه علماء أهل هذا الفن، ولكنه في نظره بحاجة إلى اكتشاف من خلال دراسات جديدة تتجاوز ما استقرت عليه كتب مصطلح الحديث، من غير إهمال كلي لها.

يشكو الدكتور المليباري - الذي ولد في الهند عام 1952 - من سطحية أخلّت بعلوم الحديث الشريف، نتج عنها مفاهيم مغلوطة، ومناهج مزدوجة، الأمر الذي فتح ثغرات في جدار هذا العلم المتين؛ لم يقف تجاهها المستشرقون موقف المتفرج، ومن خلالها باتوا يطعنون في هذا المنهج النقدي الدقيق واصفينه بـ «الشكلي».. وإلى الحوار:

ما هي أهم الخلاصات التي توصلتم إليها من خلال تجربتكم مع علم الحديث الشريف؟

- أهم النقاط التي توصلت إليها هي أننا ما زلنا في حاجة إلى الاطلاع على عمل النقّاد حتى نفهم علوم الحديث ودقة هؤلاء المحدثين في حماية السنة وحفظها، ودقتهم في اكتشاف الأخطاء حتى ولو كانت صادرة عن إمام من الأئمة أو من كبار الثقات، فهذه الدقة غير معروفة الآن، لأن الطلاب والباحثين حالياً تخرجوا من خلال كتب مصطلح الحديث، فجعلوها المعتمد والمستند، رغم أن الإمام ابن الصلاح - الذي كان جل اعتمادهم على كتابه في المصطلح - سمَّى كتابه (المقدمة) بمعنى أن أي شخص يريد أن يدرس الحديث؛ فلا بد أن يبدأ بهذا الكتاب ليأخذ بعض البديهيات، لكن مع مضي الزمن بوجود الشروح والاختصارات لهذا الكتاب والتفاف العلماء حوله، كل هذا جعل الناس يعتقدون أن هذا الكتاب هو الأصل في علوم الحديث، ولذلك لم ينظروا نظرة الفحص والتأمل في مدى تطبيق هذه المصطلحات في كتب البخاري أو كتب العلل أو كتب الضعفاء، وبالتالي لم يتعرفوا على دقة معرفة هؤلاء النقاد الكبار.

إذن نحن ما زلنا بحاجة إلى إبراز هذا المنهج بحقائقه، لأن هذا المنهج هو أدق مناهج النقد في تاريخ البشر، ولم يستطع ولن يستطيع أحد أن يكتشف عنصراً جديداً يستدرك من خلاله على هذا المنهج، ولكننا لم نكتشف هذا المنهج بحقائقه، لأننا كنا معتمدين على كتب المصطلح، وأنا لا أنكر قيمة هذه الكتب، بل هي ضرورية بالنسبة لنا، فلا بد أن نبدأ بها وأن نقرأها، وبدون ذلك كيف سننطلق إلى مجال أرحب في علوم الحديث، فهي عبارة عن أبواب ندخل من خلالها إلى هذه العلوم.

فنحن مسؤولون، وواجبنا الأولي - وخاصة المتخصصين في الحديث - في ضوء ما يحدث الآن هو أن نفهم منهج المحدثين ونبرزه.

وكيف يكون ذلك؟

- يكون من خلال دراسة كل مصطلح على حدة، دراسة معمقة ومقارنة بين النظري والتطبيقي، فأنتم تعلمون أن مصطلحات علوم الحديث هي أوعية لمعالم النقد، فربما نحن لا نفهم حقائق التعريف الذي يذكرونه في كتب المصطلح للحديث الصحيح عندما يقولون: (هو ما اتصل سنده برواية العدل الضابط عن مثله من أول السند إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة) لكن هذا المصطلح يحمل في طياته المعالم الدقيقة لاستشراف الخطأ والصواب أو منهج النقد بعبارة أخرى.

إذن واجبنا كبير جداً، لكننا لا نستطيع أن نقوم بهذا إلا إذا غيّرنا طريقة التدريس والدراسة والقراءة، فحتى الآن ليس عندنا منهج للقراءة الصحيحة في علوم الحديث، فهذه المصطلحات التي استخدمها المحدثون المتقدمون كيف نقرأها؟ نحن لا نملك المنهجية الصحيحة لقراءتها، بينما المحدثون وسلفنا جميعهم أسسوا لهذه المنهجية، وهي موجودة إلا أننا لم ننتبه إليها.

أنتم تقولون إن منهج المحدثين منهج دقيق جداً، إذن لماذا هذه الاختلافات بين المشتغلين بالحديث؛ فهذا يصحح، والآخر يضعّف ما صحّحه الأول؟

- من الذي يصحّح ومن الذي يضعف؟ نقاد الحديث غالباً ما يتفقون في الحكم، ولكن ربما أنهم لا يتفقون في العبارات التي يعبّرون بها عن هذا الحكم، فربما يستخدمون مصطلحات مختلفة في الظاهر إلا أنها تؤدي في النهاية إلى معنى واحد، وأما إذا وقع اختلاف حقيقي - وهو قليل بين النقاد - فهذا أمر طبيعي، بسبب طبيعة المعلومات التي يستحضرها هذا العالم أو ذاك، وربما يتساهل البعض أحياناً دون الآخر، فالاختلاف وارد، ولكن ذلك لا يعني أن هناك اضطراباً في المنهج.

إذا كان منهج العلماء المتقدمين دقيقاً جداً، وجمع العلماء الكبار – كالبخاري ومسلم وغيرهما - أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ووضع النقاد قواعد هذا العلم حتى استقر، فما الجديد الذي ستأتون به؟

- الجديد هو إحياء هذا المنهج، فنحن لا نسمح أن تطمس معالم هذا المنهج بحجة هذا التساؤل الذي طرحته، فنحن بحاجة إلى معرفة هذا المنهج، والحفاظ عليه بقواعده التي وضعها أسلافنا، فالمستشرقون يراقبون أعمال المعاصرين ويجعلونها هي عمل المحدثين المتقدمين، ليشككوا في منهجهم ويطعنوا فيه بالقول بأنه منهج شكلي، وهناك للأسف من علماء المسلمين من يردد نفس كلام المستشرقين، فهل نقول بعد هذا: إن هذا العلم نضج واحترق؟!

لاحظت من خلال أجوبتكم السابقة ومما اطلعت عليه من كتبكم أنكم تفرّقون بين منهجي المتقدمين والمتأخرين في التعامل مع قواعد علم الحديث، فما تفصيل ذلك؟

- القضية الجوهرية في هذا الموضوع هي وجود التباين في طريقة التصحيح، فنحن نريد الحفاظ على منهج المحدثين القدامى الذين حفظوا السنة النبوية وأوصلوها إلينا بدقة متناهية، وهذه الدقة ينبغي أن لا تظل بعيدة عن أعين الناس، فأريد أن أبين أن هناك تبايناً في طريقة التصحيح، وأنا لا يهمني هذا الطرف أو ذاك، وإنما الذي يهمني هم نقاد الحديث، فسواء سميناهم متقدمين أو متأخرين فالأمر لا يعنيني، لكن بعض من يتحسسون من طروحاتي يثيرون مصطلحَي المتقدمين والمتأخرين والإشكالات حولهما، وهذه قضية شكلية.

ولكنك ذكرت هذين المصطلحين صراحة في كتبك؟

- ذكرتهما على سبيل الاصطلاح لأوضح الموضوع للقارئ، لا أنها عندي مسألة حدية أو جوهرية، فأنا يهمني أن نقاد الحديث - سواء سميناهم متقدمين أو متأخرين - منهجهم دقيق للغاية، وتصحيحهم وتضعيفهم للأحاديث لم يكن مثل تصحيحنا وتضعيفنا، فمن هم هؤلاء النقاد الذين يتبعون هذا المنهج الدقيق؟ سمّهم ما شئت.

لنتعامل مع المصطلح كما طرحته أنت في كتبك.. واسمح لنا أن نسأل: إلى أين ينتهي عصر المتقدمين؟

- ما الذي يترتب على معرفة ذلك؟ نحن إذا استوعبنا أن هناك تبايناً بين منهجين، ثم نظرنا إلى هذا الشخص أو ذاك على أي أساس يصحح ويضعف؛ فإننا نحكم على طريقته بعدئذ بأنها صحيحة أو خاطئة، وانتهى الأمر.

إذن دعني آتيك من زاوية أخرى لأسأل: ما هو الحد الزمني الفاصل بين سيادة كل من منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين؟

- الفاصل المنهجي بين المتقدمين والمتأخرين هو عصر الرواية الذهبي الذي كان يعتمد على الرواية المباشرة لا على الكتاب، وهو ينتهي إلى القرن الرابع الهجري، ثم بعد ذلك بدأ الاعتماد على كتابة الحديث، والاتكاء على ما قرره المتقدمون فيما يخص الحديث والرواية والنقد.

ولكن هل تقولون إن من المتأخرين مَن لم يفهم مصطلحات المتقدمين؟

- أنا لا أستطيع أن أقول ذلك صراحة، لكني أقول: مِن خلال اطلاعي على أعمال بعض المتأخرين فإنه يُفهم منها أنهم لم يستطيعوا أن ييستوعبوا منهج المتقدمين.

وهل ترى أنك بذلت الجهد الكافي في التأصيل والتعريف بنظريتك في التفريق بين المنهجين؟

- أنا بذلت جهدي ولكني لا أستطيع أن أحكم عليه.

مَن هم العلماء الذين تأثرت بتحقيقاتهم وجهودهم حتى وصلت إلى تأصيل هذه النظرية؟

- عند كتابتي رسالة الدكتوراه كنت أتوقف كثيراً عند دراسة أي حديث أحتاج إلى دراسته، وأرجع في ذلك إلى كتب الحديث جميعها تقريباً، وخاصة الرسائل الجامعية والكتب الجديدة، فأكتشف الأخطاء والفروق بين مناهج الحكم على الحديث، فأدرس وأرجع إلى مراجع أخرى.. وهكذا، وكنت أتأثر كثيراً أثناء ذلك بتحقيقات ابن رجب الحنبلي، والحافظ الذهبي، والشيخ عبدالرحمن المعلمي، وآراؤهم عندي معتمدة تقريباً، وتحرك في داخلي حب التحقيق والتدقيق للوصول إلى الحقيقة.

ومن هم الذين خالفوك في التفريق بين منهجي المتقدمين والمتأخرين في التصحيح والتضعيف؟

- أنا لا يهمني من هم المخالفون، وهم بهذه المخالفة والمعارضة خدموني أكثر مما أساؤوا إلي.

ولكن هل هؤلاء المعارضون واعون لأبعاد نظريتك، أم استحكم عليهم هاجس التوجس من كل طرح جديد؟

- في الحقيقة لا أستطيع أن أحكم عليهم، والله يتولى سرائرهم.

ما هي الآثار التي تترتب على نظريتكم في التفريق بين المتقدمين والمتأخرين، سواء على الجانب الحديثي أو العقدي أو الفقهي؟

- الآثار الإيجابية كبيرة جداً، وأهم الإيجابيات هو الدفاع عن دقة منهج المحدثين في التصحيح والتضعيف للحفاظ على السنة النبوية، والأمر الثاني هو تصحيح المفاهيم سواء في جانب الأحكام أو السلوك أو الجانب الفقهي أو العقدي، فهناك مفاهيم خاطئة أُسست على أحاديث غير صحيحة.

لو تعطينا مثالاً توضيحياً على ذلك، ولنأخذ الجانب العقدي مثلاً؟

- لو رجعنا مثلاً إلى أفكار بعض المتصوفة لرأيت أن أكثرها قائم على أحاديث واهية وضعيفة، فنحن نريد أن نقنع هؤلاء بأهمية هذا المنهج الدقيق في النقد.

وهل تعتبر نظريتك في التفريق بين منهجي المتقدمين والمتأخرين منطلقاً لمشروعك الحديثي الكبير؟

- مشروعي هو التفريق بين أسلوبين مختلفين في التصحيح والتضعيف، فكيف أقبل قول من يرد كلاماً للإمام البخاري أو الإمام أحمد بناء على دراسة شكلية من خلال النظر في أحوال بعض الرواة ثم يقول: لو اطلع أبو حاتم الرازي أو غيره من الأئمة على دراستي لما تجاوزوا النتيجة التي توصلت إليها! فمعنى ذلك أنهم لم يستوعبوا كيف كان البخاري ومسلم وأمثالهما يصححون ويضعفون!

الإمام البخاري كان يحفظ مئات الآلاف من الروايات، وصحيح البخاري إنما هو ملخص لما كان يحفظه، فهو بالنسبة لديه محل الدراسة، فهو يقوم بالمقارنة بين مجموعة كبيرة من الروايات التي يستحضرها، ومن خلال المقارنة يقوم باختيار الحديث الذي يريد أن يضمنه كتابه الصحيح، فالأمر لم يكن اعتباطاً ولا عبثاً، وإنما كان قائماً على قواعد متينة.

كثيرون أصبحوا يؤيدون نظريتك الحديثية، ولكن التباين واضح في كثير من آرائهم، فلماذا لا يجتمعون ويؤصلون لهذه النظرية بشكل شمولي وجماعي؟

- مشكلتنا أننا - كمحدثين - نعيش حالة فوضى، فلا يوجد لنا مَجمع يجمع كل المشتغلين في علوم الحديث، بينما هناك مجامع فقهية ولغوية، فنحن بحاجة إلى مثل هذا المجمع، وكل إنسان يخطئ ويصيب، فمن منا معصوم عن الخطأ!! ولكن عندما يكون الرأي المطروح جماعياً فإنه يكون أقرب إلى الصواب.

هل من كلمة أخيرة؟

- نحن يهمنا أن نربي الأجيال على القراءة الصحيحة لجميع النصوص، والنص هو ملك للإنسان، فقوله لا أستطيع أن أتصرف فيه، وهو كمالِه ونفسه وعرضه، وإذا تصرفت أنا في كلامك فإنني أكون تعرضت لعرضك. والواقع أن هناك أخطاء في قراءة نصوص القرآن والسنة، ولذلك فنحن بحاجة ملحة إلى تنشئة الأجيال على تأسيس منهج للتعامل مع النصوص القرآنية والنبوية، بل النصوص جميعها.

 

11/4/2009م.

نشرت في جريدة السبيل: 22/2/2011م.

شاركنا تعليقك