هل صحّ أن قوله تعالى {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} نزل في
الوليد بن المغيرة والد خالد؟ وأن أمّه اعترفت بأنها زنت فأنجبته؟!!
أرسل لي بعض الإخوة مقالاً بعنوان: "ابن الحرام! كيف
نعرفه"!! يسأل عما أورده كاتبه من قصة اعتراف والدة الوليد بن المغيرة بأنه
ابن زنا!! والوليد هو والد خالد بن الوليد رضي الله عنه.
فبحثت عن هذا المقال فوجدت أن من نشره صحيفة "المصريون"
أخزاهم الله!! ولم يذكروا من كاتبه! ولبّسوا على الناس بوضعهم صورة لشخص أزهري بعد
عنوان المقال!!
عموماً.. هذا المقال كاتبه غبيّ جداً ولا قيمة له! وهو يطعن في نسب
كثير من الناس دون تسميتهم ويتهمهم بأنهم أولاد حرام!!! لعنه الله ولعن من نشر له
هذا المقال!!
والذي يهمنا هنا هو: هل صح ما قاله الكاتب: "أن أوصاف ابن
الحرام جاءت في سورة القلم {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ}.. الآيات التي فضحت
الوليد بن المغيرة.. وكم من وليد يعيش بيننا وهي صفات لم يتحرج سيف الله المسلول
عند تلاوتها وهي نزلت في أبيه وهو من هو.. وفي السير أن الوليد ذهب إلى أمه وقال
لها: لقد نزل على محمد قرآنا وصفني بنعوت أعرفها.. وما لا أعرفه أنني ابن زنا!
فقالت له: يا بني، إن أباك كان رجلاً عنيناً لا ينجب، فخفت أن يذهب ميراثه إلى
أشقائه فذهبت إلى فلان فوقع بي!...".
قلت:
هذا كذب! أخزى الله واضعه إذ اتخذه الناس للطعن في خالد بن الوليد –
رضي الله عنه-!! فالدعوى أن والده ابن زنا جعل هؤلاء المرضى لعنهم الله يطعنون في
نسب خالد رضي الله عنه!
وبعيداً عن عداوة الوليد بن المغيرة للإسلام ومحاربته في بداية
البعثة، إلا أنه كان صاحب نسب معروف في قريش، وكان من أسياد قريش من بني مخزوم.
وهذه القصة التي افتراها كاتب مقالة "المصريون" أخزاهم
الله قصة لا وجود لها في كتب السيرة كما زعم!!!
والمعروف في السيرة أن الوليد بن المغيرة هو من قال لقومه لما سمع
القرآن وقالوا عنه صلى الله عليه وسلم: كاهن، ومجنون، وساحر، وشاعر، فنفى ذلك كله،
وقال لهم: "وَاَللَّهِ إنَّ لِقَوْلِهِ لَحَلَاوَةً، وَإِنَّ أَصْلَهُ
لَعَذِقٌ.."، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ
وَفِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: {ذَرْنِي وَمن خَلَقْتُ وَحِيداً، وَجَعَلْتُ لَهُ
مَالًا مَمْدُوداً وَبَنِينَ شُهُوداً، وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ثُمَّ
يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً}: أَيْ خَصِيمًا.
والوَلِيدُ بنُ الْمُغِيرَةِ القائل: "أَيُنَزَّلُ عَلَى
مُحَمَّدٍ وَأُتْرَكُ وَأَنَا كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيِّدُهَا! وَيُتْرَكُ أَبُو
مَسْعُودٍ عَمْرُو بْنُ عُمَيْرٍ الثَّقَفِيُّ سَيِّدُ ثَقِيفٍ، وَنَحْنُ عَظِيمَا
الْقَرْيَتَيْنِ!"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: {وَقالُوا لَوْلا
نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}.
ثمّ إن قوله تعالى {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} لم يثبت أنها
نزلت في الوليد بن المغيرة! وإنما قيل أنها نزلت فيه، والصواب أنها نزلت في غيره.
قَالَ ابنُ إسْحَاقَ: "وَالْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيُّ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَ مِنْ
أَشْرَافِ الْقَوْمِ وَمِمَّنْ يُسْتَمَعُ مِنْهُ، فَكَانَ يُصِيبُ مِنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى فِيهِ: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ، هَمَّازٍ مَشَّاءٍ
بِنَمِيمٍ}... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {زَنِيمٍ}، وَلَمْ يَقُلْ: «زَنِيمٍ»
لِعَيْبِ فِي نَسَبِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَعِيبُ أَحَدًا بِنَسَبِ،
وَلَكِنَّهُ حَقَّقَ بِذَلِكَ نَعْتَهُ لِيُعْرَفَ. وَالزَّنِيمُ: الْعَدِيدُ
لِلْقَوْمِ. وَقَدْ قَالَ الْخَطِيمُ التَّمِيمِيُّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ:
زَنِيمٌ تَدَاعَاهُ الرِّجَالُ زِيَادَةً // كَمَا زِيدَ فِي
عَرْضِ الْأَدِيمِ الْأَكَارِعُ".
وقدْ قِيلَ أنها نزلت فِي الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ
الزّهْرِيّ.
وروى البخاري في "صحيحه" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا، {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [القلم: 13] قَالَ: «رَجُلٌ
مِنْ قُرَيْشٍ لَهُ زَنَمَةٌ مِثْلُ زَنَمَةِ الشَّاةِ»، والزنيم الذي زنمتان من
الشر يُعْرَفُ بِهَا، كَمَا تُعْرَفُ الشّاةُ بِزَنَمَتِهَا.
وهذا أحد المعاني التي أشار إليها أهل التفسير في معنى الآية، وقد
ذكروا في معناها عن السلف عدة معان كما ذكر الطبري في "تفسيره"، منها:
- الزَّنِيمُ: اللَّئِيمُ فِي أَخْلَاقِ النَّاسِ.
- الزنيم: فاحش الخُلق، لئيم الضريبة.
- الزنيم في كلام العرب: الملصق بالقوم وليس منهم؛ ومنه قول حسان
بن ثابت:
وأنْتَ زَنِيمٌ نِيطَ فِي آلِ هاشِمٍ كمَا نِيطَ خَلْفَ الرَّاكِب
القَدَحُ الفَرْدُ
وقال آخر:
زَنِيمٌ لَيْسَ يَعْرِفُ مَن أبُوهُ بَغِيُّ الأمّ ذُو حَسَبٍ
لَئِيمِ
- الزنيم: المُرِيب الذي يعرف بالشرّ.
- الزنيم: الظلوم.
- الزنيم: هو علامة الكفر. وكان مجاهد يقول: "الزنيم يُعرف
بهذا الوصف كما تعرف الشاة".
- الزنيم: الفاجر.
وعليه: فلا يصح أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة، والقصة
التي فيها أن أمّه اعترفت بأنها زنت وولدته مكذوبة!! والعرب مع شركهم في الجاهلية
إلا أن الزنا لم يكن موجوداً في أشرافهم وخاصة في قريش.
فلعن الله من يروّج مثل هذه الأكاذيب للطعن في صحابة رسول الله صلى
الله عليه وسلم.
وكتب: خالد الحايك.
شاركنا تعليقك