«المُزْهِر» في بَيان عِلّة حَديثِ: «لِيَهْنِكَ العِلْمُ أَبَا
المُنْذِر»!
·
لم
ينتقده أحد من النّقاد من قبل!
هذه
العبارة هي أولُ ما يَخرج من بعض المشتغلين بالحديث النبوي - وخاصة من الدكاترة -
إذا تكلّم باحث في حديث أخرجه البخاري ومسلم أو أحدهما مُتبعاً منهج أهل الحديث،
وهي حجة واهية لا تقوم على دليل علمي!
فلازم
العبارة أن النقاد قد تكلّموا على كلّ الأحاديث وهذا لم يقل به أحد! بل حتى الذين
انتقدوا بعض أحاديث الصحيحين كابن عمّار الشهيد والدارقطني وغيرهم لم يقل واحد
منهم إنه نظر في كل أحاديث الصحيحين وتتبعها وما سكت عنه فلازمه قبولها!
وعلى
فرض أنهم نظروا فيها كلها، وهذا ما وجدوه فحسب، فهذا لا يُلزم غيرَهما، فقد يجد
غيرُهما ما لم يجداه فيهما وفي غيرِهما.
وغالب
نقّاد الحديث كانوا قبل ظهور كتابي البخاري ومسلم، ولا يوجد ما يدلّ على أن هؤلاء
النقاد نقدوا كل الأحاديث، وعليه فلا يصلح الاستشهاد بهذه العبارة؛ لأن الشيخين -
البخاري ومسلم - قد اجتهدا في تصحيح هذه الأحاديث على اختلاف بينهما في بعضها.
ومَن
النقاد الذين كانوا بعد البخاري ومسلم؟ العقيلي، وابن عَدي، وابن حبان،
والدارقطني، وهؤلاء أشهرهم، وكل منهم وجد فيهما ما لم يجده الآخر.
فالرد
على الانتقاد يكون بالحجة والدليل ضمن منهج أهل النقد، ومن لا يفقه هذا المنهج،
فليسكت!
وفي
هذا البحث نتكلم على حديث أخرجه مسلمٌ في «صحيحه»، ولم ينتقده أحد من الأئمة
النقاد، ونُبيّن علله بإذن الله.
وكان
صاحبنا الأخ الحبيب «أبو بكرٍ محمّد الخالدي الغزيّ» قد سألني عن رأيي في هذا
الحديث، وكان يُناقش بعض المشتغلين بالحديث في بعض «المجموعات الواتسابية» حول
الاختلاف في إسناده، فأدليت له برأيي فيه، وأيدته في تضعيف الموصول بالمرسل، ثم
أخبرته بعدم ثبوت سماع التابعي من الصحابي، وكان لا بدّ من تفصيل وبيان لهذه
العلل، فكتبت هذا البحث هدية له.
·
تخريج
الحديث:
روى سَعِيدُ بنُ إِيَاسٍ الجُرَيْرِيُّ،
عَنْ أَبِي السَّلِيلِ ضُرَيْبِ بنِ نُقَيْرٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيِّ،
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «أَيُّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَعْظَمُ؟» فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَعْلَمُ، يُكَرِّرُهَا مِرَارًا، ثُمَّ قَالَ أُبَيٌّ: آيَةُ الكُرْسِيِّ،
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِيَهْنِكَ العِلْمُ أَبَا
المُنْذِرِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ لَهَا لَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ
تُقَدِّسَانِ لِلْمَلِكِ عِنْدَ سَاقِ العَرْشِ».
رواه عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه»
(3/370) (6001). [ورواه أحمد في «مسنده» (35/200) (21278). وابن الضريس في «فضائل
القرآن» (ص: 90) (186) عن أَحْمَد بن أَبِي ثَابِتٍ – ومن طريقه رواه ابن بشران في
«أماليه» (ص: 117) (248) -. وأبو عوانة في «مستخرجه» (2/486) (3937) عن أَحْمَدَ
بنِ يُوسُفَ السُّلَمِيّ. والطبراني في «المعجم الكبير» (1/197) (526) عن إِسْحَاق
بن إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيّ – ومن طريقه أبو نُعيم في «حلية الأولياء» (1/250) -.
والبيهقي في «شعب الإيمان» (4/52) (2168)، وفي «السنن الصغير» (1/338) (958) من
طريق عَبْدالرَّحْمَنِ بن بِشْرِ بنِ الحَكَمِ، وَأَحْمَد بنِ الْأَزْهَرِ بنِ
مَنِيعٍ، وَأَحْمَدَ بنِ يُوسُفَ. كلهم (الإمام أحمد، وأحمد بن ثابت، وأحمد بن
يوسف، والدّبَري، وعبدالرحمن بن بشر، وابن منيع) عن عَبْدِالرَّزَّاقِ].
والبغوي
في «معجم الصحابة» (1/5) (3) عن هَارُون بنِ إِسْحَاقَ، عن مُحَمَّد بن
عَبْدِالوَهَّابِ السُّكَّرِيّ. [ورواه الواحدي في «تفسيره» (1/364) (117)،
وابن عساكر في «تاريخه» (7/330) من طريق البغوي].
والدمياطي
في «معجم شيوخه» (18) من طريق إِبْرَاهِيم بنِ هَرَاسَةَ الشيْباني.
ثلاثتهم
(عَبْدُالرَّزَّاقِ، ومُحَمَّدُ بنُ عَبْدِالوَهَّابِ السُّكَّرِيُّ، وإِبْرَاهِيمُ
بنُ هَرَاسَةَ) عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيّ.
ورواه
مسلمٌ في «صحيحه» (1/556) (810)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (3/424)
(1847)، وعبدُ بن حُميدٍ في «مسنده» [كما في «المنتخب منه» (1/185) (178)].
والبيهقي في «شعب الإيمان» (4/52) (2169)، وأبو نُعيم في «الحلية» (1/250) من طريق
الحَسَن بنِ سُفْيَانَ. وأبو نُعيم في «مستخرجه على مسلم» (2/406) (1836) من طريق عُبَيْد
بن غَنَّامٍ. وابن عبدالبر في «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» (1/66)، و«جامع بيان
العلم وفضله» (1/763) (1410) من طريق مُحَمَّدِ بنِ وَضَّاحٍ. وابن الفراء البغوي
في «تفسيره» (1/345)، وفي «شرح السنة» (4/459) (1195) من طريق حُمَيْدِ بنِ
زَنْجَوَيْهِ. كلهم (مسلم، وابن أبي عاصم، وعبد بن حميد، والحسن بن سفيان، وعبيد
بن غنّام، ومحمد بن وضاح، وابن زَنجويه) عن أَبي بَكْرِ بنِ أَبِي شَيْبَةَ.
وأبو
داود في «سننه» (2/588) (1460). والجورقاني في «الأباطيل والمناكير والصحاح
والمشاهير» (2/361) (710)، وابن عساكر في «تاريخه» (7/330) من طريق مُحَمَّدِ بنِ
هَارُونَ الرُّويَانِيِّ. كلاهما (أبو داود، والروياني) عن أَبي مُوسَى مُحَمَّدِ
بن المُثَنَّى.
والحكيم
الترمذي في «نوادر الأصول» (6/105) (1360) عن صالح بن عبدالله بن ذَكوان
الباهليّ الترمذي.
ثلاثتهم
(ابن أبي شيبة، ومحمد بن المثنى، وصالح بن عبدالله) عن عَبْدِالْأَعْلَى بنِ
عَبْدِالْأَعْلَى السَّاميّ.
ورواه
الحاكم في «المستدرك» (3/344) (5326) عن أَبي عَبْدِاللَّهِ مُحَمَّدِ بنِ
يَعْقُوبَ الحَافِظ، عن إِبْرَاهِيمَ بنِ عَبْدِاللَّهِ، عن يَزِيدَ بنِ
هَارُونَ الواسطيّ. [ورواه البيهقي في «شعب الإيمان» (4/52) (2169) عن
الحاكم].
وأبو
طاهرٍ السِّلَفيّ في «المشيخة البغدادية - الجزء الخامس عشر» (12) من طريق جَعْفَر
بنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ المَدَائِنِيّ، عن عَبَّادِ بنِ العَوَّامِ
الواسطيّ. ومن طريق بِشْرِ بنِ مُحَمَّدٍ السُّكَّرِيِّ الواسطيّ، عن عَلِيِّ
بنِ عَاصِمٍ الواسطيّ.
ورواه
العُقيلي في «الضعفاء» (2/212) من طريق صَبَاح بن سَهْلٍ أَبي سَهْلٍ
البَصْرِيّ.
ورواه
الثعلبيّ في «تفسيره» (7/50) من طريق يحيى الحِمّاني، عن عبدالله بن المبارك.
كلهم
(الثوري، وعبدالأعلى، ويزيد بن هارون، وعبّاد بن العوام، وعلي بن عاصم، وصباح بن
سهل، وابن المبارك) عن سَعِيدٍ الجُرَيْرِيّ، به.
· حذف مسلم لجزء من متن الحديث!
وقد حذف
مسلمٌ منه: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ لَهَا لَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ
تُقَدِّسَانِ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ»، وهو ثابتٌ في كل الروايات عن ابن أبي شيبة.
ورواه
أبو داود الطيالسي في «مسنده» (1/445) (552). وعبدُالله بن أحمد في «زياداته على
المسند» (35/200) (21278) عن عُبَيْدِاللهِ القَوَارِيرِيّ. والثعلبيّ في «تفسيره»
(7/50) من طريق يحيى الحِمّاني. ثلاثتهم (الطيالسي، والقواريري، والحماني) عن جَعْفَرَ
بنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ، عن الجُرَيْرِيّ.
وفي
رواية الطيالسي: الجُرَيْرِيّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ رَبَاحٍ، ليس بينهما أحد.
وفي
رواية القواريري: الجُرَيْرِيّ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ
رَبَاحٍ.
وفي
رواية الحماني: الجُريري، عن أبي السَّلِيل، عن عبدالله بن رباح.
ورواه
أبو عُبيدٍ القاسمُ بن سلاّم في «فضائل القرآن» (ص: 229) عن إِسْمَاعِيلَ بنِ
إِبْرَاهِيمَ ابن عُليّة، عَنْ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ،
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ رَبَاحٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ لِأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ: «أَبَا المُنْذِرِ، أَيُّ آيَةٍ فِي
الْقُرْآنٍ أَعْظَمُ؟»، الحديث.
وروته
شُهدة الكاتبة في «مشيختها» [العُمدة من الفوائد والآثار الصحاح في مشيخة شهدة]
(ص: 118) (57) من طريق خَالِدِ بن خِدَاش، عن مَهْدِيِّ بنِ مَيْمُونٍ،
عَنْ سَعِيدٍ الجُرَيْرِي، عَنْ أَبِي العَلَاءِ، قَالَ: بَيْنَمَا أُبي جَالِسٌ
عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: «أَبَا
المُنْذِرِ، أَيُّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أَعْظَمُ؟» فذكره.
· كلام أهل العلم في الحديث:
صححه
الإمام مسلم.
ولما ساق
العقيلي الحديث في «الضعفاء» في ترجمة «صباح بن سهل» - وهو مُنْكَرُ الحَدِيثِ -
قال: "وَفِي آيَةِ الكُرْسِيِّ رِوَايَةٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ
بِإِسْنَادٍ أَصْلَحَ مِنْ هَذَا".
وقال
الجورقاني: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ
أَبِي بَكْرِ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِالْأَعْلَى السّامِيِّ".
وقال
الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
وتعقبه
ابن حجر، فقال في «إتحاف المهرة» (1/222): "قُلْتُ: هُوَ فِي مُسْلِمٍ، فَلا
يُسْتَدْرَكُ".
وصححه
ابن كثير في «تفسيره» (1/512) فقال عن آية الكرسي: "وَقَدْ صَحَّ الحَدِيثُ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهَا أَفْضَلُ
آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ"، وذكر الحديث.
وأورده
الهيثمي في «مَجمع الزوائد» (6/321) (10872)، وقال: "هُوَ فِي الصَّحِيحِ
بِاخْتِصَارٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ".
وقال
الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (5/201) (1313): "وهذا إسناد صحيح، رجاله
ثقات على شرط مسلم؛ وعبدالأعلى: هو ابن عبدالأعلى، وقد سمع من سعيد بن إياس قبل
اختلاطه أو تغيُّره بثمان سنين".
وذكره في
«سلسلته الصحيحة» (7/1207) برقم: (3410)، وجعل رواية ابن علية متابعة لرواية
عبدالأعلى! وليس كذلك!
· الاختلاف على الجُريري، وهل ضبطه قبل الاختلاط؟!
قلت:
اختلف على الجُريري فيه:
فرواه
الثوري، وعبدالأعلى، ويزيد بن هارون، وعبّاد بن العوام، وعلي بن عاصم، وصباح بن
سهل، وابن المبارك، وجعفر بن سليمان الضبعي -
في رواية الحماني- عنه، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ
رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ورواه
جعفر بن سليمان، عنه، واختلف عليه: فرواه الطيالسي عنه، عن الجريري، عن عبدالله بن
رباح، عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه عبيدالله القواريري،
عنه، عن الجريري، عن بعض أصحابه، عن عبدالله بن رباح، عن أبي بن كعب، عن النبي صلى
الله عليه وسلم.
والاختلاف
هنا من جعفر بن سليمان نفسه، وفيه بعض الكلام، ولم يضبط اسم الراوي، فأسقطه مرة،
وقال مرة: "عن بعض أصحابه".
ورواه ابن
عُلية، عنه، عن أبي السليل، عن عبدالله بن رباح: أنَّ رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال لأبيّ بن كعب، مرسلاً.
ورواه ميمون
بن مهدي، عنه، أَبِي العَلَاءِ يَزِيدَ بنِ عَبْدِاللهِ بنِ الشِّخِّيرِ، عن أبي
بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلاً.
والظاهر
أن الجُريري كان يضطرب فيه! فأسنده مرة، وأرسله مرة عن عبدالله بن رباح، ومرة عن
أبي العلاء ابن الشِّخِّيرِ.
وغالب من
رواه عنه من الثقات الأثبات، والمسألة لا تتعلق باختلاط الجُريري حتى نقول: من
سمعه منه قبل الاختلاط فهو صحيح، ومن سمعه منه بعد الاختلاط فغير صحيح؛ وذلك أن
الثوري، وعبدالأعلى، وابن عُلية قد سمعوا منه قبل الاختلاط، وقد اختلفوا فيه عليه!
ويزيد بن
هارون سمع منه بعد الاختلاط فوافق بعض من سمعه منه قبل الاختلاط. [وانظر في هذا
بحثي الموسوم بـ «دقائقُ الاستنباط في إثباتِ سماع خالد الطحّان من الجُريري بعد
الاختلاط»].
[http://www.addyaiya.com/uin/arb/Viewdataitems.aspx?ProductId=393].
وعليه
فالجريري لم يضبطه، وكان يضطرب فيه، وقد خولف فيه أيضاً!
خالفه عُثْمَانُ
بنُ غِيَاثٍ البصريّ - وهو ثقةٌ ثَبتٌ - فرواه عن أَبي السَّلِيلِ: كَانَ رَجُلٌ
مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مرسلاً.
رواه
أحمد في «مسنده» (34/195) (20588) عن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ غُندر.
وأحمد في
«العلل ومعرفة الرجال» (1/490) (1133)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (13/493) (27043)
كلاهما عن أَبي أُسَامَة حمّاد بن أُسامة.
ومُسَدَّدٌ
في «مسنده» [كما في «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» (6/183) (5632) عن
يَحْيَى القطان.
كلهم
(غُندر، وأبو أسامة، ويحيى) عَنْ عُثْمَانَ بنِ غِيَاثٍ، قال: حدثَنَا أَبُو
السَّلِيلِ، قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ النَّاسَ حَتَّى يَكْثُرَ عَلَيْهِ فَيُحَدِّثُ
النَّاسَ مِنْ فَوْقِ بَيْتٍ، فَصَعِدَ فَوْقَ بَيْتٍ فَحَدَّثَهُمْ قَالَ: إن
الله تعالى إذا ما أَحَبَّ عَبْدًا فِي السَّمَاءِ أَنْزَلَ حُبَّهُ إِلَى
مَلَائِكَتِهِ فَنَادَى مُنَادٍ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا
فَأَحِبُّوهُ. فَيَنْزِلُ حُبُّهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، وَإِذَا أَبْغَضَ
عَبْدًا فِي السَّمَاءِ أَنْزَلَ بُغْضَهُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ فَنَادَى مُنَادٍ:
إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْغَضَ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ، فَيَنْزِلُ بُغْضُهُ إِلَى
أَهْلِ الْأَرْضِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَيُّ آيَةٍ فِي القُرْآنِ أَعْظَمُ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا
هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ} فَضَرَبَ بِيَدِهِ بَيْنَ كَتِفَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ
بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيَّ فَقَالَ لِي: لِيَهْنِكَ أَبَا الْمُنْذِرِ العلم،
والذي نفس محمد بِيَدِهِ إِنَّ لَهَا لِسَانًا، وَشَفَتَيْنِ تُقَدِّسُ
الرَّحْمَنَ- عَزَّ وَجَلَّ- عِنْدَ العَرْشِ» - لفظ رواية مُسدد-.
ورواية أَبي
أُسَامَةَ مختصرة، عَنْ أَبِي السَّلِيْلِ، قَالَ: «قدِمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانُوا يَجْتَمِعُونَ
عَلَيْهِ، فَصَعِدَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ فَحَدَّثَهُمْ».
ولم يذكر
فيه: «عبدالله بن رَباح» ولا «أُبيّ بن كعب»! وقد أرسله.
وإن
أردنا الترجيح في الاختلاف على الجُريري، فتكون رواية ابن عُلية هي الأقرب؛ لأنها
مرسلة، ورواية عثمان بن غياث مرسلة.
فالاختلاف
من الجُريري وهو من كان يَهم فيه ويرفعه، والأصل عند النقاد: أنه إذا كان هناك
اختلاف على الراوي، وهذا الراوي فيه بعض الكلام كالجُريري، وخالفه آخر فأرسل
الحديث، فالحكم للذي خالفه، ويؤيد الإرسال أنه جاء عن ذاك الراوي الذي اختلف
عليه هذا الوجه من الإرسال كما في رواية ابن عُلية عنه.
والأصل
هنا ترجيح رواية عثمان بن غياث على رواية الجريري؛ لأن الجريري اضطرب في حديثه،
ولم يُختلف على عثمان فيه، فالحديث عن أبي السليل: كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ النَّاسَ، مُرسلاً.
وأَبُو
السَّلِيلِ ضُرَيْبُ بنُ نُقَيْرٍ - وَقِيلَ: ابنُ نُفَيْرٍ بِالفَاءِ -
الجُرَيْرِيُّ البَصْرِيُّ لم يلق أحداً من الصحابة، وتوفي ما بين سنة (101 - 110هـ).
وفي رواية
غندر ويحيى: «كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ النَّاسَ»، فلم يذكر اسم الصحابي، ولا أنه سمع منه.
وفي
رواية أبي أسامة: «قدِمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، وكذلك لم يذكر اسمه، وهل سمع منه، ولفظ: «قدم علينا» = ربما
تعني قَدِم على قومي أو قدم بلدنا، ورواية غندر ويحيى أرجح.
ولأبي
السليل رواية عن عبدالله بن رباح، لكنها نادرة، ولم أجد له شيئاً مرفوعاً عنه إلا
هذا الحديث، وإنما روى عنه أثرين من قوله.
روى
أحدهما ابن أبي شيبة في «مصنفه» (7/214) (11357) عن ابنِ عُلَيَّةَ ، عَنِ
الجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ رَبَاحٍ، قَالَ: «لِلْمَاشِي
فِي الجِنَازَةِ قِيرَاطَانِ، وَلِلرَّاكِبِ قِيرَاطٌ».
والآخر
رواه أبو الفوارس الصابوني في «حديثه» (211) عن بِشْرِ بنِ المُفَضَّلِ، عن
عُبَيْدِاللَّهِ بنِ العَيْزَارِ، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ
رَبَاحٍ، قَالَ: «لا يَكُونُ لِعَبْدٍ لِسَانٌ فِي الأَرْضِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ
لِسَانٌ فِي السَّمَاءِ».
· هل سمع عَبْداللَّهِ بن رَبَاح من أُبَيّ بن كَعْبٍ؟
وعلى فرض
ثبوت رواية الجريري عَنْ أَبِي السَّلِيلِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيِّ،
عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، عن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هل
سمع عبدالله بن رباح من أُبيّ بن كعب؟!
عبدالله
بن رَباح، أَبُو خَالِدٍ الأَنْصَارِيُّ المَدَنِيُّ: حدّث عن أُبيّ بن كعب،
وعمران بن حصين (ت52هـ)، وأبي قتادة الأنصاري (ت54هـ)، وأبي هريرة (ت57هـ)، وعائشة
(ت57هـ)، وعبدالله بن عمرو بن العاص (ت 65هـ)، وكعب الأحبار (ت35هـ).
قال علي
بن المديني: "ومن أهل المدينة: عبدالله بن رباح الأنصاري، ولا أعلم أحداً روى
عن عبدالله بن رباح الأنصاري إلا أهل البصرة، ولم يرو عنه أهل المدينة شيئاً،
ولكنه قَدِمَ من المدينة فنزل البصرة، فروى عنه من أهل البصرة: ثابت البناني، وأبو
السليل، وخالد بن سمير السدوسي، وأبو عمران الجَوني، وقد روى عبدالله بن رباح هذا
عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، روى عن أبي قتادة الأنصاري، وعن عمران
بن حصين، وأُبي بن كعب، ولا نعلمه روى عن أبي بن كعب إلا هذا الحديث".
قال ابن
عساكر في «تاريخه» (28/72) - بعد أن نقل هذا -: "يعني حديثاً في فضل آية
الكرسي، وكان أكثر رواية عبدالله بن رباح عن كعب الأحبار".
وقال
البخاري في «التاريخ الكبير» (5/84) (231): "عَبْداللَّه بن رباح: سَمِعَ أبا
قتادة فارس النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبا هُرَيْرَةَ، وعَنْ
عَبْدالعزيز بن نعمان. سَمِعَ منه: ثابت".
وقال
الدوري في «تاريخ ابن معين - روايته» (4/208) (3991): سَمِعت يحيى يَقُول فِي
حَدِيث عبدالله بن رَبَاح عَن عَائِشَة، قَالَ يحيى: "بَينهمَا رجلٌ، وَهُوَ:
عبدالعَزِيز بن النُّعْمَان".
وقال
خليفة بن خياط في «الطبقات» (ص: 343) (1613): "عبدالله بن رباح، أنصاري، يكنى
أبا خالد. قُتل في ولاية ابن زياد".
وتبعه أبو
أحمد الحاكم، فقال في «الأسامي والكنى» (4/247): "قتل في ولاية عبيدالله بن
زياد".
قلت: وَلِيَ
عُبَيْداللهِ بن زِيَادِ بنِ أَبِيْهِ البَصْرَةَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ، وقُتِلَ
يَوْمَ عَاشُورَاء سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ.
قال
مغلطاي في «الإكمال» (7/341): "وذكر بعض المصنّفِين من المتأخرين: أنه توفي
في حدود سنة خمس وتسعين بعد ذكره أنه قتل في حرب أَبي بِلاَلٍ مِرْدَاس بن
أُدَيَّةَ وبني يزيد بن معاوية، وأمّره ابن زياد، فيُنظر".
قلت:
يقصد بهذا الإمام الذهبي، فقد ذكره في «تاريخ الإسلام» فيمن توفي ما بين سنة (91 -
100هـ).
وقال ابن
حجر في «تهذيب التهذيب» (5/207): "قال أبو عمران الجَوني: وقفت مع عبدالله بن
رباح ونحن نقاتل الأزارقة مع المُهلب، فهذا يدل على أنه تأخر بعد ولاية ابن زياد
بمدة، وقرأت بخطّ الذهبي أنه توفي في حدود سنة تسعين، فهذا أشبه".
وقال صلاح
الدين الصفدي في «الوافي بالوفيات» (17/86): "وَتُوفِّي فِي حُدُود المِائَة".
قلت: ذكر
البخاري طبقة الصحابة الذين سمع منهم، فذكر أبا قتادة (ت54هـ)، وأبا هريرة (57هـ).
وكان قد وفد
إلى معاوية ومعه أبو هريرة، كما ذكر ابن عساكر في رواية في «تاريخه» (28/71).
فإن كانت
هذه طبقة شيوخه من الصحابة ممن توفوا بعد سنة (50هـ)، فهو لم يُدرك أُبيّ بن كعب
كما سأفصّل في تاريخ وفاته لاحقاً إن شاء الله.
وأما
روايته عن كعب الأحبار، فأكثر روايته عنه كما قال ابن عساكر - ويحتمل أنه من قول
ابن المديني -، وهذه الكثرة هي بالنسبة لمجموع ما رُوي عنه، وهي قليلة عموماً، وقد
ذكر ابن أبي حاتم في «تفسيره» سبع روايات مما رواه عن كعب الأحبار، ولكن هل سمع
من كعب؟!
أقول:
سماعه من كعب مُستبعد، فكعب توفي في آخر خلافة عثمان، وإن ثبت ذلك، فهو قد أدرك
أُبيّ بن كعب على قول من قال بأن أُبيّاً مات في خلافة عثمان، ويؤيد ذلك ما رواه
ابن عساكر في «تاريخه» (39/390) من طريق أبان بن أبي عيّاش، عن سالم المكي، عن عبدالله
بن رباح أنه قال: «انطلقت أنا وأبو قتادة إلى عثمان حين حصره القوم، فلما خرجنا من
عنده استقبلت الحسن بن علي بن أبي طالب داخلاً عليه فرجعنا معه لننظر ما يقول له
الحسن...».
قلت: أبان
بن أبي عيّاش متروك! ولا يُحتج بما يرويه! لكن إن ثبت هذا، فيكون عبدالله بن رباح
شابّاً لما قُتل عثمان.
وقد ورد
في أثرين من الآثار التي رُويت عنه عن كعب الأحبار أنه سمع من كعب، وهذا السماع لا
يمكن الاعتماد عليه في هذه الحالة؛ لأنه لم يكن ليترك السماع من الصحابة وينشغل
بالسماع من كعب الأحبار، ومثل هذه السماعات يحصل فيها الخطأ من الرواة أو من
النساخ! وإن ثبت ذلك السماع فهذا لا يعني أنه سمع من أُبي بن كعب، وغاية ما فيه
أنه عاصره على قول من قال بأن أُبيّاً مات في خلافة عثمان!
والذي
أميل إليه أنه سمع من الصحابة الذين توفوا بعد سنة (50هـ) كما أشار إلى ذلك البخاري
في ترجمته، ولم أجد له رواية عن صحابي توفي قبل هذا إلا ما جاء في الرواية عنه عن
أبيّ بن كعب!
والأصل
في التابعي أن تكون له رواية عن الصحابة الذين أدركهم، لا عن مثل كعب الحبر!
فروايته عن كعب الذي توفي قديماً ولا توجد رواية صحيحة عن صحابي توفي في السنة
التي توفي فيها كعب أو قبلها يدل على أنه لم يسمع من كعب الأحبار أيضاً.
ووفاته
قد تأخرت إلى ما بعد سنة (90هـ) كما قال الإمام الذهبي، ورجحه ابن حجر؛ لأنه قاتل
الخوارج مع المهلب، والمُهَلَّبُ تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ.
وأما قول
خليفة بن خياط بأنه قتل في ولاية عُبَيْداللهِ بن زِيَادِ - وكانت ولايته من
سَنَةَ (55 - 67هـ) - فلا دليل عليه! وهو لا شك أنه كان موجوداً في البصرة في
ولاية عُبيدالله، لكن القول أنه قتل فيها فبعيد؛ فقد يكون اشتبه على خليفة في هذا!
ولو كان رجلاً زمن عثمان لأكثر من السماع من الصحابة في المدينة في ذلك الوقت، لكن
روايته عنهم قليلة جداً.
والذي
يظهر لي أنه ربما وُلد في آخر زمن عثمان، وتفقه في المدينة في حي الأنصار، ثم نزل
البصرة بعد سنة (50هـ)، وسمع منه أهلها، ولا رواية لأهل المدينة عنه؛ لأن الظاهر
أنه غادرها مبكراً إلى البصرة، ولم يكن في سنّ التحديث في المدينة حتى يجلس
ويُحدِّث، ولهذا لما نزل البصرة سمع هناك من عمران بن حُصين وغيره، وهذا كلّه يدل على أنه كان
شابّاً لما نزل البصرة، وغالب الظنّ أن ذلك كان بعد سنة (50هـ)، والله أعلم.
· متى كانت وفاة أُبيّ بن كعب؟!
وقد اُختلف
في وفاة أُبيّ بن كعب على أقوال:
الأول:
أنه توفي سنة تسع عشرة. وهذا قول الهيثم بن عَدي الطائي. [تاريخ
دمشق: (7/346)].
الثاني:
أنه توفي سنة عشرين. وهذا قول المَدَائِنِي. [تاريخ مولد العلماء
ووفياتهم لابن زَبر (1/108)].
الثالث:
أنه توفي سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ. وهذا
قول أهل بيته، ومُحَمَّد بن عَبْدِاللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وأَبي عُبَيْدٍ، وَأَبي
عُمَرَ الضَّرِيْر، وابن معين، ومحمد بن يحيى الذهلي، والترمذي، وابن حبان،
وغيرهم.
قال ابن
سعد في «الطبقات» (3/381): "قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ: هَذِهِ الأَحَادِيثُ
الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي مَوْتِ أُبَيٍّ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَاتَ فِي خِلافَةِ
عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ فِيمَا رَأَيْتُ أَهْلَهُ وَغَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ
أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ بِالمَدِينَةِ".
وقال
البغوي في «معجم الصحابة» (1/13): حدثني أحمد بن زهير - هو: ابن أبي خيثمة - قال:
سمعت ابن معين يقول: "مات أُبيّ بن كعب سنة عشرين أو تسع عشرة. وقال محمد بن
عمر - هو: الواقدي -: رأيت أهل أُبي بن كعب وأصحابنا يقولون: مات أبي بن كعب سنة
اثنتين وعشرين. وقال عمر: اليوم مات سيّد المسلمين".
وَقَالَ
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِاللهِ بنِ نُمَيْرٍ: "مَاتَ أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ فِي
خِلَافَةِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ" [المستدرك
على الصحيحين: (3/341)].
وَقَالَ
أَبُو عُمَرَ الضَّرِيْرُ: "توفي أبي بن كعب في خلافة عمر بن الخطاب سنة
اثنتين وعشرين، ومنهم من يقول: مات سنة ثلاثين".
وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ: "سنة اثنتين وعشرين فيها توفي أبي بن كعب، وزعم أهل العراق
أو من زعم منهم أنه بقي إلى دهر عثمان". [تاريخ ابن عساكر: (7/345 - 347)].
وقال ابن
حبان في «الثقات» (3/5): "مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين فِي خلَافَة عُمَر،
وَقد قيل إِنَّه بَقِي إِلَى خلَافَة عُثْمَان".
الرابع:
أنه توفي فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ، وهذا قول الواقدي، ومصعب
الزبيري، وخَلِيْفَة بن خَيَّاطٍ، وأَبي حَفْصٍ عَمرو بن عليّ الفَلاَّس، وابن
المدينيّ، والبخاري، والحاكم النيسابوري.
قال مُصْعَبُ
بنُ عَبْدِاللَّهِ: "إِنَّ أُبَيَّ بنَ كَعْبِ بنِ عَمْرِو بنِ مَالِكِ بنِ
النَّجَّارِ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَكَانَ أَبْيَضَ الرَّأْسِ
وَاللِّحْيَةِ، قيل: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، وَقِيلَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَعِشْرِينَ، وَقِيلَ أَنَّهُ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ سَنَةَ ثَلَاثِينَ،
وَذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ يُكَنَّى أَبَا الطُّفَيْلِ، وَكَانَتْ لَهُ كُنْيَتَانِ،
وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِمَدِينَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ الطَّعْنُ عَلَى عُثْمَانَ" [المستدرك: (3/342)].
وقال
الواقدي، وأبو نُعيم الأصبهاني: مات سَنَةَ ثَلَاثِينَ.
وقَالَ
خَلِيْفَة بن خياط: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ.
وقال أبو
الفضل عُبيدالله بن سعد الزهري: "ومات أُبيّ بن كعب أبو المنذر قبل عثمان
وصلى عليه عثمان سنة اثنتين أو ثلاث وثلاثين".
قال
خليفة في «الطبقات» (ص: 157): "ومات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين، ويقال: مات
في خلافة عمر".
وقال في «التاريخ»
(ص: 166): "سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ... وَيُقَال مَاتَ فِيهَا أَبِي بن
كَعْب أَيْضاً، وَيُقَال: بل مَاتَ أَبِيّ فِي خلَافَة عُمَر بن الخطاب".
قال
البخاري في «التاريخ الأوسط» (1/69) (266): قَالَ عَليّ بن المديني: "مَاتَ
عَبَّاس بن عبد الْمطلب - وَهُوَ: ابن هَاشم بْن عبد منَاف أَبُو الْفضل الْهَاشِمِي
عَمّ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأُبيّ بن كَعْب أَبُو
الْمُنْذر الْأنْصَارِيّ المدنِي، وَأَبُو سُفْيَان صَخْر بن حَرْب قريب بَعضهم من
بعض فِي سِتّ من خلَافَة عُثْمَان".
قلت: مات
العباس، وأبو سفيان سنة (32هـ).
وقال عمرو
بن عليّ: "ومات أبيّ بن كعب، وكان يكنى أبا المنذر في خلافة عثمان". [تاريخ
ابن عساكر: (7/347)].
وقال
البغوي في «معجم الصحابة» (1/12): حدثني هارون بن عبدالله أبو موسى، قال: سمعت
محمد بن القاسم يُذكر عن الفضل بن دلهم، عن الحسن في قصة لأُبيّ بن كعب فيه: "ومات
أُبي قبل أن يقتل عثمان بجمعة أو عشر".
قال
هارون: "ويقال: توفي بالمدينة سنة تسع عشرة، ويُقال: سنة اثنتين وعشرين في
خلافة عمر، ويُقال: في سنة ثلاثين في خلافة عثمان".
وقال
الحاكم في «المستدرك» (3/341): "وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وَقْتِ وَفَاتِهِ،
فَقِيلَ أَنَّهُ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ،
وَقِيلَ: مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ سَنَةَ ثَلَاثِينَ، وَهَذَا أَثْبَتُ
الْأَقَاوِيلِ؛ لأَنَّ عُثْمَانَ أَمَرَهُ بِأَنْ يَجْمَعَ القُرْآنَ".
وقال ابن
عساكر في «تاريخ دمشق» (7/313): "واختلف في وفاته، فقيل: توفي في زمن عمر،
وقيل: في زمن عثمان، وهذا هو الصحيح".
قلت: وقد
رجّح الواقدي أنه توفي سنة ثلاثين، فقال - بعد أن نقل قول من قال إنه توفي في
خلافة عمر -: "وَقَدْ سَمِعْتُ مَنَ يَقُولُ: مَاتَ فِي خِلافَةِ عُثْمَانَ
بنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَنَةَ ثَلاثِينَ. وَهُوَ أَثْبَتُ
الأَقَاوِيلِ عِنْدَنَا. وَذَلِكَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَمَرَهُ أَنْ
يَجْمَعَ القُرْآنَ".
قلت: مع
أن الواقدي نقل عن آل بيت أُبي أنه توفي في خلافة عمر إلا أنه رجّح أنه توفي في
خلافة عثمان؛ وذلك للخبر الذي رواه حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ وَهِشَامٍ،
عَنْ مُحَمَّدٍ بنِ سِيرِينَ: «أَنَّ عُثْمَانَ جَمَعَ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً
مِنْ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ فِيهِمْ أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ، وَزَيْدُ بنُ ثَابِتٍ
فِي جَمْعِ القُرْآنِ».
ونقل هذا
الذهبي في «السير» (1/400) وقال: "قُلْتُ: هَذَا إِسْنَادٌ قَوِيٌّ،
لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ، وَمَا أَحْسِبُ أَنَّ عُثْمَانَ نَدَبَ لِلْمُصْحَفِ
أُبَيّاً، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لاَشْتَهَرَ، وَلَكَانَ الذِّكْرُ لأُبِيٍّ
لاَ لِزَيْدٍ، وَالظَّاهِرُ وَفَاةُ أُبَيٍّ فِي زَمَنِ عُمَرَ، حَتَّى
إِنَّ الهَيْثَمَ بنَ عَدِيٍّ وَغَيْرَهُ ذَكَرَا مَوْتَهُ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ".
قلت: رد
الذهبي هذه الرواية؛ لأنها مرسلة، ولمخالفتها للواقع حيث إن أبي بن كعب كان أشهر
من زيد بن ثابت في جمعه للقرآن، فلو كان عاش لخلافة عثمان وانتدبه لذلك الجمع
لاشتهر ذلك، ولكان الذكر له لا لزيد في جمع القرآن.
ثم رجّح
أنه مات في زمن عمر، وذكر قول من قال بأنه مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ،
ثم قال: "فَالنَّفْسُ إِلَى هَذَا أَمْيَلُ".
قلت: هذا
الأثر ليس بمرسل! وقد رُوي متصلاً.
رواه ابن
شبّة في «تاريخ المدينة» (3/993) عن عَبْدالْأَعْلَى بن عَبْدِالْأَعْلَى، ووَهْب
بنِ جَرِيرٍ. وابن أبي داود في كتاب «المصاحف» (ص: 140) عن مُحَمَّد بن بَشَّارٍ.
كلاهما (عَبْدُالْأَعْلَى، ووهب) عن هِشَامِ بنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
سِيرِينَ، قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ يَقْرَأُ فَيَقُولُ لَهُ صَاحِبُهُ: كَفَرْتُ
بِمَا تَقُولُ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى ابنِ عَفَّانَ فَتَعَاظَمَ فِي نَفْسِهِ،
فَجَمَعَ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ، فِيهِمْ أُبَيُّ
بْنُ كَعْبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَرْسَلَ إِلَيَّ الرُّقْعَةَ الَّتِي
كَانَتْ فِي بَيْتِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فِيهَا الْقُرْآنُ»، قَالَ:
«وَكَانَ يَتَعَاهَدُهُمْ».
قَالَ: «فَحَدَّثَنِي
كَثِيرُ بنُ أَفْلَحَ: أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ يَكْتُبُ لَهُمْ، فَكَانُوا
كُلَّمَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَخَّرُوهُ، قُلْتُ: لِمَ أَخَّرُوهُ؟ قَالَ: لَا
أَدْرِي.
قَالَ
مُحَمَّدٌ: فَظَنَنْتُ أَنَا فِيهِ ظَنًّا، وَلَا تَجْعَلُوهُ أَنْتُمْ يَقِينًا،
ظَنَنْتُ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا اخْتَلَفُوا فِي الشَّيْءِ أَخَّرُوهُ حَتَّى
يَنْظُرُوا آخِرَهُمْ عَهْدًا بِالْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ فَكَتَبُوهُ عَلَى
قَوْلِهِ».
وَزَادَ
وهب في روايته: "قَالَ مُحَمَّدٌ: فَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ قِرَاءَتُنَا
هَذِهِ آخِرَتَهَا عَهْدًا بِالْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ".
وروى ابن
شبّة أيضاً في «تاريخ المدينة» (3/994) من طريق زَيْدِ بنِ أَبِي أَنِيسَةَ. وابن
أبي داود في كتاب «المصاحف» (ص: 100) من طريق إِسْرَائِيل بن يُونس ابن أبي إسحاق،
وغَيْلَانَ بنِ جَامعٍ المُحاربيّ. ثلاثتهم (زيد، وإسرائيل، وغَيلان) عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ السَّبيعيِّ، عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدِ بنِ أبي وقّاصٍ، قَالَ: «قَامَ
عُثْمَانُ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ عَهْدُكُمْ بِنَبِيِّكُمْ
مُنْذُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَنْتُمْ تَمْتَرُونَ فِي الْقُرْآنِ، وَتَقُولُونَ
قِرَاءَةُ أُبَيٍّ، وَقِرَاءَةُ عَبْدِاللَّهِ، يَقُولُ الرَّجُلُ: وَاللَّهِ
مَا تُقِيمُ قِرَاءَتُكَ فَأَعْزِمُ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مَا كَانَ مَعَهُ
مِنْ كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ لَمَّا جَاءَ بِهِ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ
بِالْوَرَقَةِ وَالْأَدِيمِ فِيهِ الْقُرْآنُ، حَتَّى جَمَعَ مِنْ ذَلِكَ
كَثْرَةً، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَدَعَاهُمْ رَجُلًا رَجُلًا فَنَاشَدَهُمْ
لَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَمْلَاهُ
عَلَيْكَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ عُثْمَانُ قَالَ: مَنْ
أَكْتَبُ النَّاسِ؟ قَالُوا: كَاتِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ أَعْرَبُ؟ قَالُوا:
سَعِيدُ بنُ العَاصِ قَالَ عُثْمَانُ: فَلْيُمْلِ سَعِيدٌ وَلْيَكْتُبْ زَيْدٌ،
فَكَتَبَ زَيْدٌ، وَكَتَبَ مَصَاحِفَ فَفَرَّقَهَا فِي النَّاسِ، فَسَمِعْتُ
بَعْضَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: قَدْ أَحْسَنَ».
وفي
رواية غيلان: «إِنَّمَا قُبِضَ نَبِيُّكُمْ مُنْذُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَدِ
اخْتَلَفْتُمْ فِي القُرْآنِ»، «وَكَتَبَ مَصَاحِفَ فَقَسَّمَهَا فِي
الْأَمْصَارِ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا عَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِ».
قلت: بهذا
ثبت أن أُبياً كان فيمن انتدبهم عثمان لكتابة المصحف، ودعوى أن ذلك لم يشتهر فيها
نظر! فهذا ابن سيرين يروي ذلك عن أفلح بن كثير أحد من كتبوا المصحف، وظهر سبب
اختيار عثمان لزيد بن ثابت؛ لأنه كان أكتب الناس، ولم يترأس أُبيّ ذلك الأمر لأنه
كانت له قراءة يقرأ بها أهل الشام كما كانت هناك قراءة لابن مسعود يقرأ بها أهل
العراق، ولاختلاف القراءة فيما بينهم أراد عثمان جمع الناس على مصحف واحد، ولم
ينتدب ابن مسعود لهذا الأمر ربما لبعده عن المدينة، ولمعارضته فكرة جمع المصحف،
والله أعلم.
وقول
عثمان: «عَهْدُكُمْ بِنَبِيِّكُمْ مُنْذُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ»، وفي رواية: «إِنَّمَا
قُبِضَ نَبِيُّكُمْ مُنْذُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً» = يعني كان الجمع سنة (24هـ أو
26هـ) وهذا يعني أن أبياً كان حياً في ذلك الوقت.
وذكره
البخاري فيمن مات في خلافة عثمان في «التاريخ الأوسط»، وروى فيه (1/64)، وفي «التاريخ
الكبير» في ترجمته (2/39) قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن يوسف، قَالَ: حدثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ أَسْلَمَ المِنْقَرِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ
عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ لأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ
لَمَّا وَقَعَ النَّاسُ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ: أَبَا المُنْذِرِ، مَا المَخْرَجُ؟
قَالَ: «كِتَابُ اللَّهِ، مَا اسْتَبَانَ لَكَ فَاعْمَلْ بِهِ، وَمَا اشْتَبَهَ
عَلَيْكَ فَكِلْهُ إِلَى عَالِمِهِ».
ورواه ابن
أبي شيبة في «مصنفه» (15/469) (30655)، و(21/306) (38836) عن أَبي أُسَامَةَ. والحاكم
في «المستدرك» (3/343) (5321) من طريق قَبِيصَة بنِ عُقْبَةَ. كلاهما عن سُفْيَان الثَّوْرِيّ،
به.
قلت:
وهذا إسناد صحيح، وهو يدلّ على أن وفاة أُبيّ بن كعب قد تأخرت لزمن عثمان.
وقد روى الحَسَنُ
البصري عَنْ عُتَيٍّ بن ضَمرة السَّعْدِيِّ قَالَ: «قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي
يَوْمِ رِيحٍ وَغُبْرَةٍ وَإِذَا النَّاسُ يَمُوجُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ. فَقُلْتُ:
مَا لِي أَرَى النَّاسَ يَمُوجُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟ فَقَالُوا: أَمَا أَنْتَ
مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ؟ قُلْتُ: لا. قَالُوا: مَاتَ الْيَوْمَ سَيِّدُ
الْمُسْلِمِينَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ».
وفي
رواية: «قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَجَلَسْتُ إِلَى رَجُلٍ أَبْيَضَ الرَّأْسِ
وَاللِّحْيَةِ يُحَدِّثُ وَإِذَا هُوَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ [الطبقات الكبرى: (3/379
- 380)].
قلت:
وهذا يؤيد أيضاً أن وفاته تأخرت، وعُتي السَّعْدِيّ مَاتَ سنة سبع وَأَرْبَعين. [تاريخ
مولد العلماء ووفياتهم: (1/147)].
وقال أبو
نُعيم: "اخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ، فَقِيلَ: سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ
فِي خِلَافَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وَقِيلَ: سَنَةَ ثَلَاثِينَ فِي
خِلَافَةِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ
زِرَّ بنَ حُبَيْشٍ لَقِيَهُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ".
قلت:
رجّح أبو نُعيم وفاته سنة ثلاثين في خلافة عثمان؛ وذلك لأنه جاء في بعض الروايات
أن زِر بن حُبيش لقي أُبيّ بن كعب في خلافة عثمان = يعني أنه كان حيّاً في خلافة
عثمان.
وقد روى
أبو نُعيم في «الحلية» (4/181) من طريق شَيْبَانَ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ أَبي
مُعَاوِيَةَ النَّحْوِيّ، عَنْ عَاصِمِ بنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ
حُبَيْشٍ، قَالَ: «خَرَجْتُ فِي وَفْدٍ لِأَهْلِ الكُوفَةِ، وَأيْمُ اللهِ إِنْ حِرصي
عَلَى الوِفَادَةِ إِلَّا لِقَاءُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ المَدِينَةَ
لَزِمَتُ أُبَيَّ بنَ كَعْبٍ، وَعَبْدَالرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ».
ثم ساق
من طريق أَبي بَكْرِ بنِ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرِّ بنِ حُبَيْشٍ، قَالَ:
«أَتَيْتُ المَدِينَةَ فَدَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا أَنَا بِأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ
فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: رَحِمَكَ اللهُ أَبَا المُنْذِرِ، اخْفِضْ لِي جَنَاحَكَ،
وَكَانَ امْرَأً فِيهِ شَرَاسَةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ لَيْلَةِ القَدْرِ، فَقَالَ: لَيْلَةُ
سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. قُلْتُ: أَبَا المُنْذِرِ، رَحِمَكَ اللهُ، مِنْ أَيْنَ
عَلِمْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: بِالْآيَةِ الَّتِي أَخْبَرَنَا بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
ثم ساق
أيضاً من طريق حَمَّاد بن شُعَيْبٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرِّ بنِ حُبيْشٍ، قَالَ:
«انْطَلَقْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، وَأَرَدْتُ
لِقَاءَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ المُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. قَالَ عَاصِمٌ: فَحَدَّثَنِي
أَنَّهُ لَزِمَ أُبَيَّ بنَ كَعْبٍ، وَعَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ. قَالَ:
فَقُلْتُ لِأُبَيٍّ وَكَانَتْ فِيهِ شَرَاسَةٌ: اخْفِضْ جَنَاحَكَ رَحِمَكَ اللهُ،
فَإِنِّي إِنَّمَا أَتَمَتَّعُ مِنْكَ تَمَتُّعًا».
وساق من
طريق هَمَّام، عن عاصم، عَنْ زِرٍّ، قَالَ: «وَفَدْتُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ،
وَإِنَّمَا حَمَلَنِي عَلَى الْوِفَادَةِ إِلَّا لِقَاءُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَقِيتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ فَقُلْتُ:
لَقِيتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ،
وَغَزَوْتُ مَعَهُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً».
وروى
الشاشي في «مسنده» (3/360) (1477) من طريق زَيْدِ بنِ أَبِي أُنَيْسَةَ،، عَنْ
عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، قَالَ: «وَفَدْتُ إِلَى عُثْمَانَ لَيْسَ لِي إِلَّا
لِقَاءُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَسَلَّمَ فَلَزِمْتُ عَبْدَالرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ، وَأُبَيَّ بنَ كَعْبٍ، قَالَ:
فَسَأَلْتُ أُبَيًّا عَنْ لَيْلَةِ القَدْرِ...».
قلت:
فهذا الخبر يرويه جماعة عن عَاصِمِ بنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بنِ حُبَيْشٍ،
وفي بعض الروايات أنه وفد في خلافة عثمان أو إلى عثمان، ولقي عبدالرحمن بن عوف،
وأُبيّ بن كعب، ولزمهما.
وعبدالرحمن
بن عوف مات سنة (32هـ) في خلافة عثمان. وهذا الخبر من رواية عاصم بن أبي النجود،
وكان سيء الحفظ، كثير الخطأ!
وهذا
الخبر جاء فيه أيضاً رواية عاصم عن زر عن أبي ما يتعلق بليلة القدر وعلامتها! فإذا
كان زِر بن حبيش لقي أُبي بن كعب في خلافة عثمان، فهذا يعني أنه لم يَلق عمر بن
الخطاب! وقد أثبت أهل العلم سماعه من عمر!
قال
البخاري في «التاريخ الكبير» (3/447) (1495): "زِر بن حُبيش أَبُو مريم
الأسدي الكوفي، سَمِعَ عُمَر بن الخَطَّاب، روى عنهُ: إِبْرَاهِيم، وعاصم بن بَهدلة".
فأين سمع
زر من عمر؟
قد
يُقال: سمع منه بالشام؛ لأنه شهد خطبته بالجابية.
وقد روى عاصم،
عن زرّ، قال: «خطب عمر بالشام فقال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي
فيكم فقال...».
وهذه
خطبة عمر بالجابية، ولهذا قال ابن عساكر في ترجمة «زر» في «تاريخ دمشق» (19/18):
"وشهد خطبة عمر بالجابية"، ثم ساق رواية عاصم هذه.
قلت: وهذه
أيضاً من رواية عاصم بن أبي النجود! وقد جاء في بعض الروايات أن زراً رأى عمر
بالمدينة من رواية عاصم أيضاً!
فقد روى عَبْدُالرَّزَّاقِ
في «مصنفه» (4/477) (8533) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَاصِمِ بنِ أَبِي النَّجُودِ،
عَنْ زِرِّ بنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: «خَرَجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي مَشْهَدٍ
لَهُمْ، فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ أَصْلَعَ أَعْسَرَ أَيْسَرَ قَدْ أَشْرَفَ فَوْقَ
النَّاسِ بِذِرَاعٍ عَلَيْهِ إِزَارٌ غَلِيظٌ، وَبُرْدٌ غَلِيظٌ قُطْنٌ، وَهُوَ
مُتَلَبِّبٌ بِهِ وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَاجِرُوا، وَلَا
تَهَجَّرُوا وَلَا يَحْذِفَنَّ أَحَدُكُمُ الْأَرْنَبَ بِعَصَاةٍ أَوْ بِحَجَرٍ،
ثُمَّ يَأْكُلُهَا وَلْيُذَكِّ لَكُمُ الْأَسَلُ: الرِّمَاحُ، وَالنَّبْلُ.
فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ».
وروى
أيضاً (2/429) (3965) عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرِّ بنِ حُبَيْشٍ
قَالَ: «رَأَيْتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ يَضْرِبُ عَلَى الصَّلَاةِ بَعْدَ العَصْرِ».
قلت:
فكلّ ذلك من رواية عاصم عن زِر، فإذا كان زِر لقي عمر بالمدينة، وأخبر عاصم أنه
وفد على عثمان للقاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يستقيم ذلك؟!
فيحتمل
أن عاصماً أخطأ في ذكره وفود زِر بن حبيش على عثمان، وإنما كان على عمر، وحينها
لزم أُبيّاً وعبدالرحمن بن عوف، وبهذا تستقيم الأخبار التي رواها عاصم عن زِر،
والله أعلم.
والخلاصة
أن الاختلاف في وفاة أُبيّ قويّ جداً، فكثير من أهل العلم أنه توفي سنة (22هـ) في
خلافة عمر، وهو قول أهل بيته، وهم أدرى الناس بسنة وفاته! وكثير من أهل العلم على
أنه توفي في خلافة عثمان سنة (32هـ) وأدلتهم في ذلك قوية، والأمر مُحيّر في ترجيح
أحد القولين على الآخر، وإن كان الميل لرأي أبي عبدالله البخاري ومن معه.
ثم وجدت
ما يُرجح أنه مات في خلافة عثمان.
فقد روى
يعقوب الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (3/27) قال: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حدثنا
وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ، مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي حَفْصة: «أَنَّ
سِيرِينَ عَرَّسَ بِالمَدِينَةِ، فَأَدَمَ، فَدَعَا النَّاسَ سَبْعًا، وَكَانَ
فِيمَنْ دَعَا أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ فَجَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَدَعَا لَهُمْ
بِخَيْرٍ وَانْصَرَفَ».
ثم قال: حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ، قَالَ: حدثنا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ: «أَنَّ
أَبَاهُ عَرَّسَ بِالمَدِينَةِ فَدَعَا النَّاسَ سَبْعًا».
فهل كان
تعريسه في خلافة عمر أم خلافة عثمان؟
قَالَ
أَنَسُ بنُ سِيْرِيْنَ: "وُلِدَ أَخِي مُحَمَّدٌ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ
خِلاَفَةِ عُمَرَ، وَوُلِدْتُ بَعْدَهُ بِسَنَةٍ قَابِلَةٍ".
ونقل
الذهبي في «السير» (4/607) قال: "وقَالَ خَالِدُ بنُ خِدَاشٍ: حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ، عَنْ أَنَسِ بنِ سِيْرِيْنَ، قال: "وُلِدَ أَخِي مُحَمَّدٌ
لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ".
قَالَ
الحَاكِمُ: "هَكَذَا وَجَدْتُ فِي كِتَابِي: عُمَرَ".
وَقَالَ
غَيْرُهُ: "عُثْمَانَ".
قال
الذهبي مُعقباً: "قُلْتُ: الثَّانِي أَشْبَهُ، وَلَوْ كَانَ أَوْلاَهُمَا
الأَوَّلُ، لَكَانَ ابنُ سِيْرِيْنَ فِي سِنِّ الحَسَنِ، وَمَعْلُوْمٌ أَنَّ
مُحَمَّداً كَانَ أَصْغَرَ بِسَنَوَاتٍ، لَكِنْ يَشْهَدُ لِلأَوَّلِ: قَوْلُ عَارِمٍ،
عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ: «عَاشَ ابْنُ سِيْرِيْنَ نَيِّفاً وَثَمَانِيْنَ
سَنَةً».
وَيَشْهَدُ
لِلثَّانِي: قَوْلُ مَيْسَرَةَ، عَنْ مُعَلَّى بنِ هِلاَلٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ
بنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: «مَاتَ مُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ
سَنَةً».
قلت:
الصواب: "عثمان".
روى ابن
سعد في «الطبقات» (7/143) قال: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بنِ سِيرِينَ قَالَ: «وُلِدَ
مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلافَةِ عُثْمَانَ،
وَوُلِدْتُ أَنَا لِسَنَةٍ بَقِيَتْ مِنْ خِلافَتِهِ».
قلت:
أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ آخِرُ بَنِي سِيرِينَ مَوْتًا، وُلِدَ فِي آخِرِ خِلافَةِ
عُثْمَانَ كما ذهب إليه أهل العلم.
قال
البخاري في «التاريخ الأوسط» (1/260): "مُحَمَّد بن سِيرِين... ولد
لِسنتَيْنِ بَقِيَتَا من خلَافَة عُثْمَان، وَهُوَ أكبر من أَخِيه أنس".
وقال ابن
حبان في «الثقات» (5/349)، و«مشاهير علماء الأمصار» (ص: 143): "محمد بن سيرين
الأنصاري أبو بكر، مولده لِسنتَيْنِ بَقِيَتَا من خلَافَة عُثْمَان بن عفان".
قال ابن
زَبر في «تاريخ مولد العلماء ووفياتهم» (1/123): "سنة أَربع وَثَلَاثِينَ: فِيهَا
ولد أَبُو عبدالله أنس بن سِيرِين أَخُو مُحَمَّد".
وقال
أحمد: "مَاتَ أنس بن سِيرِين سنة عشْرين وَمِائَة، وَهُوَ ابْن سِتّ
وَثَمَانِينَ سنة".
قلت:
وعليه فتعريس سيرين كان في خلافة عثمان، وهذا دليل على أن أُبي بن كعب توفي في
خلافة عثمان؛ لأنه حضر عرس سيرين في المدينة.
وعلى كل
الأحوال، فإن كانت وفاة أُبي بن كعب سنة (22هـ)، فيكون عبدالله بن رباح لم يدركه،
وإن كانت وفاته سنة (32هـ) فقد يكون عاصره إن كان عبدالله بن رباح شابّاً في زمن
عثمان، وهذه المعاصرة لا تعني أنه سمع منه، ولم يثبت ذلك، وقد تقدّم أن طبقة شيوخ
عبدالله بن رباح من الصحابة من توفوا بعد سنة (50هـ)، فلو كان سمع هذا الحديث من
أُبيّ، لوجدناه عند زِر بن حبيش الذي لزم أبيّاً لما نزل المدينة، والغريب أنه لا
يوجد عند أهل المدينة!
فالحديث
معلول بعلتين:
الأولى:
الإنقطاع لعدم ثبوت سماع عبدالله بن رباح من أُبيّ بن كعب.
الثانية:
الإرسال لعدم ثبوت أن عبدالله بن رباح رواه عن أُبي بن كعب، فقد أرسله أبو السليل
دون ذكرهما كما في رواية عثمان بن غِياث.
ويُحتمل أن
ما جاء في رواية عُثْمَانَ بنِ غِيَاثٍ، قال: حدثَنَا أَبُو السَّلِيلِ، قَالَ:
«كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُحَدِّثُ النَّاسَ حَتَّى يَكْثُرَ عَلَيْهِ فَيُحَدِّثُ النَّاسَ مِنْ فَوْقِ
بَيْتٍ، فَصَعِدَ فَوْقَ بَيْتٍ فَحَدَّثَهُمْ...»، وفي رواية: عَنْ أَبِي
السَّلِيْلِ، قَالَ: «قدِمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانُوا يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ، فَصَعِدَ عَلَى ظَهْرِ
بَيْتٍ فَحَدَّثَهُمْ»، يُحتمل أن الصواب في الرواية: «قدِمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ
مِنْ [أصحاب] أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ...»، أو
«قدِمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ [سمع] مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ...».
وهذا
الرجل هو: عبدالله بن رباح، وهو من نزل البصرة واجتمع الناس عليه.
فقد روى خَالِدُ
بنُ سُمَيْرٍ، قَالَ: «قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُاللهِ بنُ رَبَاحٍ فَوَجَدْتُهُ
قَدْ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَتَادَةَ
فَارِسُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ...».
وفي
رواية: «قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُاللهِ بنُ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيُّ البصرة،
وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ تُفَقِّهُهُ، فَأَتَيْتُهُ، وَهُوَ فِي حِوَاءِ شَرِيكِ بنِ
الْأَعْوَرِ الشَّارِعِ عَلَى المِرْبَدِ، وَقَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنَ
النَّاسِ...».
وفي
رواية: «فغشيه الناس، فقال: حدثنا أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فذكر حديث الميضأة بطوله».
وعليه
فيكون عثمان بن غياث لم يذكر اسمه، وسقط من روايته ما يدلّ على أنه من أصحاب أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم، والجُريري ذكر اسمه، لكنه وهم في حديثه فذكره عنه
عن أُبي بن كعب! والله أعلم.
ورُوي
هذا الحديث مختصراً من مراسيل الحسن البصري.
رواه
الحارث بن أبي أسامة في «مسنده» [كما في «بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث» (ص:
261) (731)] قال: حدثنا أحمد بن إسحاق، عن حمّاد بن سلمة، عن يونس، عن الحسن: أنّ
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل القرآن: سورة البقرة،
وأعظم
آية فيه: آية الكرسي».
ولعل هذا سبب انحصار مخرج الحديث بين أهل البصرة أن أصله
مرسل الحسن هذا!، والله أعلم.
وذُكرت
آية الكرسي في التوراة.
قال القرطبي
في «تفسيره» (3/268): "وَرُوِيَ لَنَا عَنْ نَوْفٍ البِكَالِيِّ أَنَّهُ قال:
«آية الكرسي تُدعى في التوراة: وَلِيَّةُ اللَّهِ» - يُرِيدُ: يُدْعَى قَارِئُهَا
فِي مَلَكُوتِ السموات والأرض عزيزاً، فكان عبدالرحمن بن عَوْفٍ إِذَا دَخَلَ
بَيْتَهُ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي زَوَايَا بَيْتِهِ الْأَرْبَعِ: مَعْنَاهُ
كَأَنَّهُ يَلْتَمِسُ بِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ لَهُ حَارِسًا مِنْ جَوَانِبِهِ
الْأَرْبَعِ، وَأَنْ تَنْفِيَ عَنْهُ الشَّيْطَانَ مِنْ زَوَايَا بَيْتِهِ".
والخلاصة
أن الحديث معلول بالإرسال، وبعدم سماع عبدالله بن رَباح من أُبيّ بن كعب، والله
أعلم.
وكتب: د.
خالد الحايك.
شاركنا تعليقك