سلسلة فهم أقوال
أهل النَّقد (32).
قولُ مَعْمَرِ
بنِ رَاشدٍ الصنعانيّ: «ما رأيت أحدًا بصنعاء إِلا وهو يُثَبِّح الحَدِيْث؛ إِلا
خلاد بن عَبْدالرَّحْمَن».
مصطلح «يُثبّج الحديث» استخدمه بعض الأئمة
في بعض الرواة بنُدرة، وأول من استخدمه الإمام مَعمر بن راشد الصنعاني، وتبعه
الإمام أحمد - رحمهما الله -.
وهذا المصطلح فيه دلالة على تجريح الراوي،
لكن لا يسقطه تماماً، وإنما يُنبّه إلى أن هذا الراوي أحياناً لا يأتي بالحديث على
وجهه، فقد يخلّط فيه، ويُدخل فيه ما ليس منه، ولا يفصل ما فيه مما لا يصح فيه.
وقد أدخل بعض المعاصرين هذا المصطلح في
أردأ منازل التجريح بسبب تحريف وقع فيما نُقل عن مَعمر بن راشد!
وقد استخدموا هذا التحريف في توضيح معناه،
فأثبتوا مصطلحات أخرى محرّفة في سُلَّم الجرح!
قَالَ البُخَارِيُّ في «التاريخ الكبير»
(1/359) في ترجمة «إِسْمَاعِيل بن شروس أَبي المِقْدَام الصَّنْعَانِيّ»: "قَالَ
عَبْدُالرَّازَّقِ، عَنْ مَعْمَرٍ: كَانَ يُثَبِّجُ الحَدِيثَ".
وذكر العقيلي إسماعيل في «الضعفاء» (1/84)
(94)، ونقل فيه قول مَعمر هذا.
ورواه ابن عدي في ترجمته من «الكامل»
(2/138) (1990) قال: سمعتُ ابن حماد يقول: قال البُخاري: "إسماعيل بن شروس
أَبو المقدام الصنعاني يروي عن يَعلَى بن أمية، قال عَبدالرَّزَّاق: قال معمر: كان
يُثَبِّجُ الحديث".
وقد وقع تحريف قديم في بعض نسخ كتاب ابن
عدي، فجاء فيه: "قال عَبدالرَّزَّاق: قال مَعمر: كان يَضعُ
الحديث".
فتحرّفت «يُثبّج» إلى «يَضع»!
وبسبب هذا التحريف نسب بعض من جاء بعد ابن
عدي إسماعيل هذا إلى الوضع!
قال ابن الجوزي في «الضعفاء» (1/114)
(383): "إسْمَاعِيل بن شروس أَبُو المِقْدَام الصَّنْعَانِيّ يروي عَن
عِكْرِمَة. قَالَ معمر: كَانَ يضع الحَدِيث لأهل صنعاء"!
وقال الذهبي في «ميزان الاعتدال» (1/234):
"وقال ابن عدي: قال البخاري: قال مَعمر: كان يضع الحديث".
وقال في «المغني» (1/83) (672):
"إسْمَاعِيل بن شروس الصَّنْعَانِيّ، عَن عِكْرِمَة: كَذَّاب قَالَه
معمر".
وقال في «ديوان الضعفاء» (ص: 34) (412):
"إسماعيل بن شَرْوَس الصنعاني، عن عكرمة: كذاب".
وقال ابن عراق في «تنزيه الشريعة» (1/39)
(293): "إِسْمَاعِيل بن شروس الصَّنْعَانِيّ عَن عِكْرِمَة، قَالَ معمر: كَانَ
يضع الحَدِيث".
وذكر الألباني له حديثاً في «سلسلته
الضعيفة» (7/66) (3065)، ثم قال: "قال البخاري: قال معمر: كان يضع الحديث.
وأما ابن حبان فذكره في «الثقات» (6/31)! وكذلك صنع ابن شاهين (51/10)! وكأنهما لم
يقفا على قول معمر فيه. والله أعلم".
وذكر له حديثاً فيها (14/312) (6631): ثم
قال: "موضوع بهذا التمام. أخرجه عبدالرزاق في كتابه «الجامع» المطبوع في آخر
«المصنف» (11/423 - 424) قال: عن معمر عن إسماعيل بن أبي سعيد: أن عكرمة مولى ابن
عباس أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ... فذكره. قلت: وهذا مع إرساله
موضوع، ولوائح الصنع والوضع عليه ظاهرة؛ آفته إسماعيل بن أبي سعيد هذا - وهو:
(إسماعيل بن شروس الصنعاني) -: بيض له ابن أبي حاتم، وأما البخاري؛ فقال في
«التاريخ» (1/1/359): قال عبدالرزاق عن معمر: كان يثبّج الحديث". وعلق عليه
الشيخ عبدالرحمن اليماني رحمه الله بقوله: [هكذا في الأصلين، وبهامش (كو): أي: لا
يأتي به على الوجه. أقول: وفي «الميزان» و«لسانه» عن ابن عدي حكاية هذه الكلمة عن
البخاري بلفظ: «يضع»، فلزم من ذلك ما لزم. والله المستعان]. قلت: كأنه رحمه الله
يشير إلى عدم اطمئنانه لتفسير الكلمة بالوضع، وقد يكون له وجه من الناحية العربية،
ولكن نحن المتأخرين لا يسعنا إلا أن نقبل تفسير المتقدمين لأعلميتهم، ما لم يكن
هناك ما يدل على خطئهم، فكيف إذا كان هناك من رواه بلفظ الوضع؟! فقد روى ابن عدي
في «الكامل» (1/320) عن البخاري قال: «قال عبدالرزاق: قال معمر: كان يضع الحديث».
ولعل الأقرب إلى هذا المعنى: ما رواه ابن عدي بسنده عن أحمد: حدثنا عبدالرزاق قال:
قلت لمعمر: ما لك لم تكثر عن ابن شروس؟ قال: «كان ينتج الحديث»،
فإنه بمعنى الوضع - كما هو ظاهر-. ويبدو أن الحافظ الذهبي الذي ذكر في «الميزان»
رواية عبدالرزاق المتقدمة عن معمر قال: «كان يضع الحديث». مع هذا؛ فكأنه رواه بالمعنى
حين قال في ترجمة إسماعيل هذا في «المغني»: «كذاب، قاله معمر». كما يبدو أن ابن
حبان لم يتبين له هذا الجرح البالغ، أو أنه لم يبلغه؛ فذكره في كتابه «الثقات»
(3/31) برواية معمر عنه! وكذلك فعل ابن شاهين؛ فذكره في «تاريخ أسماء الثقات»،
وقال (10/51): "ثقة من أهل اليمن" انتهى.
وقال محمد عوّامة في مقدمته على «الكاشف»
للذهبي (1/163): "وقد تحرفت هذه الكلمة على ابن عدي - على تقدمه في هذا الفن
-. فقد روى في «الكامل» 1: 314 كلام البخاري هذا عن شيخه تلميذ البخاري: ابن حماد
- وهو الدولابي صاحب «الكنى» - وجاء عنده هذا اللفظ: «قال معمر: كان يضع
الحديث»!!".
وأثبت أبو غدة في تحقيقه لكتاب ابن حجر
«لسان الميزان» (2/133) (1179): "كان يُنْتج الحديث"!
وعلّق في الحاشية بقوله: "هكذا في
(ص) وعُلِّق في الحاشية: «يُنْتج – أي يُولِّدُ». وجاء في «التاريخ الكبير»
«يُثبِّجُ»، وعلَّق عليه المُعلّمي فقال: «أي: لا يأتي به على الوجه. وفي الميزان
ولسانه عن ابن عدي حكاية هذه الكلمة عن البخاري بلفظ (يَضَعُ) فلزم من ذلك ما لزم،
والله المستعان». انتهى. قلت: فيكون لفظُ «يُنتجُ» تحريفاً عن «يُثبِّجُ»، وتفسيرُ
بـ «يُولِّدُ» مبني على ظنِّ سلامته من التحريف، وليس كذلك. وكذا لفظ «يَضع» فإنه
محرَّفٌ أيضاً عن «يُثبِّج»، وقول الذهبي في «المغني»: «كذاب، قاله معمر» نقلٌ
بالمعنى، اعتماداً على لفظ (يَضع) المحرّف من «الكامل» لابن عدي!! فليتنبه لذلك،
فإن التحريف في هذه الكلمة قديمٌ وشديد".
ثم أحال أبو غدة على كلام عوّامة في
مقدمته على كتاب «الكاشف».
قلت: لم يتحرّف على ابن عدي، وقد وقع عنده
على الصواب.
قال ابن عدي: سمعتُ ابن حمّاد يقول: قال
البُخاري: "إسماعيل بن شروس أَبو المقدام الصنعاني يروي عن يَعلَى بن أمية،
قال عَبدالرَّزَّاق: قال معمر: كان يُثَبِّجُ الحديث".
ثم ساق عن إسحاق بن إبراهيم بن يُونُس،
قال: حَدثنا أَبو بكر الأثرم، قال: حَدثنا أحمد بن حنبل، قال: حَدثنا
عَبدالرَّزَّاق، قال: قلتُ لمعمر: مالك لَم تكثر عن ابن شروس؟ قال: "كان
يُثَبِّجُ الحديث".
وقد نقل ابن قُطْلُوبُغَا الحَنَفِي في
«الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة» (2/382) قول ابن عدي على الصواب، فقال:
"وقال ابن عدي: قال البخاري: قال معمر: «كان يُثَبِّجُ
الحديث». قلت: الذي في «تاريخ البخاري»: قال عبدالرزاق عن معمر: كان شيخ
الحديث".
قلت: فهذا يدل على أنه كان في بعض نسخ
كتاب ابن عدي على الصواب، وتحرّف في بعضها، كما تحرّف هذا اللفظ في بعض نسخ تاريخ
البخاري كما حصل هنا في الكتاب الذي اعتمده ابن قُطْلُوبُغَا، فتحرف اللفظ إلى
«شيخ»!
ففي كلا الموضعين عند ابن عَدي: «يُثبّج»،
والتحريف وقع من بعض النسخ لا من ابن عدي نفسه. وبسبب هذا التحريف نقل ابن الجوزي
والذهبي عن معمر أنه قال فيه: "كان يضع الحديث"! فنسبوا لمعمر أنه
اتّهمه بالوضع، وهذا ليس بصحيح.
فابن عدي نقل ما سمعه من شيخه الدَّوْلاَبي
من قول البخاري الذي نقله عن معمر، ثم ساق ذلك بالإسناد من طريق أحمد عن عبدالرزاق
عن معمر لإثبات هذه اللفظة «يُثبّج»، ولو كانت تحرّفت عليه «يضع» لما اتسق مع ما
نقله بعدها لتباين المعنى بينهما! وبسبب التحريف في بعض نسخ «الكامل» ذهب ابن
الجوزي والذهبي وغيرهما إلى أن معنى «يُثبّج» في إسناد أحمد ما جاء فيما نقله ابن
عدي عن البخاري من قول معمر «يضع»! وهذا لا يستقيم فهماً ولا لغة! وينقضه أيضاً
سؤال عبدالرزاق لمعمر في السبب عن عدم إكثاره عن ابن شروس؟ = يعني أنه روى عنه،
لكنه لم يُكثر، فهل لو كان معنى «يُثبّج» هنا الوضع هل كان ليروي عنه؟! وهل يُقال
فيمن يضع الحديث: لم أكثر عنه؛ لأنه يضع؟!! فالذي يضع الحديث لا يروي عنه الأئمة
من أمثال معمر أصلاً.
ولو قلنا بأن مَعمراً قصد بهذا اللفظ أنه
«يضع» لكان كلّ أهل صنعاء عنده من الوضّاعين إلا خلاّد بن عبدالرحمن!
قال ابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (1/322)
(1179): حَدَّثَنا أَحْمَدُ بنُ حنبل، عَنْ عَبْدالرَّزَّاق، قَالَ: قَالَ
مَعْمَر: "ما رأيت أحدًا بصنعاء إِلا وهو يُثَبِّح الحَدِيْث؛
إِلا خلاد بن عَبْدالرَّحْمَن".
فإن كان معنى «يُثبج»: «يضع» = فهذا يعني
أن أهل صنعاء كانوا يضعون الحديث إلا خلاد بن عبدالرحمن! وهذا لا يقوله عاقل!
فمعمر كان يستخدم هذه اللفظة في وصف رواة
أهل صنعاء؛ لأنهم لم يكونوا يحفظون الحديث على وجهه، ويُفسر ذلك ما رواه ابن أبي
حاتم في تقدمة «الجرح والتعديل» (3/365) عن صالح بن أحمد، عن علي بن المديني، قال:
سمعت هشامًا - يعني: ابن يوسف - قال: قال مَعمر: "لقيت مشيختكم فلم أرَ منهم
أحدًا يكاد أن يحفظ الحديث إلا خلاد بن عبدالرحمن بن جُنْدَة".
فاسثناء معمر خلاد بن عبدالرحمن من أهل
صنعاء الذين يثبجون الحديث = يعني أنه كان يحفظ حديثه، ويأتي به كما هو.
ولهذا قال الذهبي في ترجمته من «تاريخه» (3/404)
(88) - وقد ذكره في طبقة من مات بين سنة (121 - 130هـ): "وثقه أبو زرعة، ووصفه
مَعْمَرٌ بالحفظ".
وذكره (3/639) (64) في طبقة من مات بين
سنة (131 - 140هـ) وقال: "وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَأَثْنَى
مَعْمَرٌ عَلَى حِفْظِهِ".
وقال ابن حجر في «التقريب» (ص: 196)
(1764): "خلادُ بن عبدالرحمن الصنْعاني، الأبْنَاويُّ، بفتح الهمزة وسكون
الموحدة بعدها نون: ثقة حافظ".
وقد أورد الكعبي المعتزلي قول معمر هذا في
كتابه «قبول الأخبار ومعرفة الرجال» (2/161) قال: "باب ما قيل في محدثي أهل
صنعاء"، ثم نقل عن ابن حنبل، قال: حدثنا عبدالرزاق، قال: قال معمر: "ما
رأيت أحدًا بصنعاء إلّا وهو ينتج الحديث إلّا خلاد بن
عبدالرحمن".
كذا وقع كما في المطبوع: «يُنتج»! وكأنها
تحرّفت عليه، فأوردها في كتابه هذا الذي أراد فيه الطعن على أهل الحديث - قبّحه
الله -.
فهذه اللفظة «يُثبِّج» تتعلق بالحفظ، وقد
استخدمها الإمام أحمد أيضاً.
قال أبو داود في «سؤالاته لأحمد» (ص: 153)
(533): وقِيْلَ لأَحْمَد: فَرَوْحٌ؟ قَالَ: "رَوْحٌ لم يكن به بأس، لم يكن
متهمًا بشيء من هذا" - وكان جرى ذكر الكذب. وسَمِعْتُ أَحْمَد، قِيْلَ له:
رَوْحٌ أَحَبَّ إِلَيْكَ، أو أبو عاصم؟ قَالَ: "كان رَوْح يُخرج الكتاب، وأبو
عاصم يُثبج الحَدِيْث".
قلت: يعني أن رَوح بن عُبادة البصري
(ت205هـ) عندما كان يُحدّث فيخرج كتابه ويُحدِّث منه، وأبو عاصم النبيل (ت212هـ)
كان يُحدّث من حفظه، فلا يأتي بالحديث كما هو بخلاف من يُحدّث من كتابه ويأتي به
على وجهه.
وقال عبدالله بن أحمد في «العلل ومعرفة
الرجال» (1/369) (709): قُلْتُ لِأَبِي: حَدِيثُ عَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ حَدِيثُ
عَبْدِاللَّهِ؟ قَالَ: حَدَّثَنَاهُ وَكِيعٌ فِي الجَمَاعَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمِ بنِ كُلَيْبٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ الْأَسْوَدِ،
عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قَالَ ابن مَسْعُود: «أَلا أُصَلِّي بكم صَلَاة رَسُول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»؟ قَالَ: "فَصَلَّى فَلَمْ يَرْفَعْ
يَدَيْهِ إِلَّا مَرَّةً".
حَدثنِي أبي قَالَ: حدّثنَاهُ وَكِيع مرّة
أُخْرَى بِإِسْنَادِهِ سَوَاء، فَقَالَ: قَالَ عبدالله: «أُصَلِّي بكم صَلَاة
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم»، فَرفع يَدَيْهِ فِي أول مرة.
حَدثنِي أبي قَالَ: حَدثنَا أَبُو
عبدالرَّحْمَن الضَّرِير قَالَ: "كَانَ وَكِيع رُبمَا قَالَ يَعْنِي - «ثمَّ
لَا يعود»"، قَالَ أبي: "كَانَ وَكِيع يَقُول هَذَا من قبل
نَفسه - يَعْنِي: «ثمَّ لَا يعود»".
وقال أحمد مرة: "حديث وكيع صحيح إلا
هذِه اللفظة - زيادة: «ثمَّ لَا يعود»!
وقال مرة: "وَكِيع رجل يثبج
الحَدِيث؛ لِأَنَّهُ يحمل على نَفسه فِي حفظ الحَدِيث".
يعني أنه كان يحاول أن يأتي بألفاظ الحديث
لكنه قد يُخطئ في ذلك، وكان – رحمه الله – يحثّ على الإتيان بلفظ الحديث كما هو.
روى الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي
وآداب السامع» (2/33) من طريق أَبي طَاهِرٍ أَسْبَاطَ بنِ اليَسَعِ قال: قَالَ
لَنَا أَبُو حَفْصٍ - يَعْنِي: أَحْمَدَ بْنَ حَفْصٍ -: "كُنَّا عِنْدَ
وَكِيعِ بنِ الجَرَّاحِ، وَكَانَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا فَكَانَت الْأَلْفَاظُ
تَخْتَلِفُ، فَقَالَ لَنَا وَكِيعٌ: كَيْفَ فِي كِتَابِكُمْ حَتَّى أَقْرَأَ كَمَا
فِي كِتَابِكُمْ؟ قَالَ: وَقَالَ وَكِيعٌ: لَا تُغَيِّرُوا الْأَلْفَاظَ إِذَا
كَانَ المَعْنَى وَاحِدًا".
فهو – رحمه الله – كان يحاول أن يأتي
بالألفاظ كما هي، لكنه لم يستطع، فيأتي بألفاظ قريبة منها = وهذا هو معنى التثبيج
= الإتيان بألفاظ قريبة من لفظ الحديث، لكن قد يُخطئ فاعل ذلك فلا يأتي بالحديث
على وجهه الصحيح، فيدخل في الحديث ما ليس منه، أو يُخطئ في معناه، ونحو ذلك.
وقد ضعّف أبو داود هذه اللفظة: «ثمَّ
لَا يعود»، وجاء في بعض النسخ من كتابه «السنن»: "أَنه مُخْتَصر من
حَدِيث طَوِيل، وقَالَ: وَلَيْسَ بِصَحِيح على هَذَا اللَّفْظ".
نقل هذا ابن القطان في «بيان الوهم
والإيهام» (3/365) ثم قال: "وَالَّذِي توهمه أَبُو دَاوُد: من أَنه مُخْتَصر،
قد بَين متوهمه من ذَلِك فِي كِتَابه، بإتباعه إِيَّاه حَدِيث ابن إِدْرِيس،
وَرِوَايَته لَهُ عَن عَاصِم بن كُلَيْب.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا عُثْمَان بن
أبي شيبَة، قَالَ: حَدثنَا وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن عَاصِم بن كُلَيْب، عَن عبد
الرَّحْمَن بن الْأسود، عَن عَلْقَمَة قَالَ: قَالَ عبدالله بن مَسْعُود: «أَلا
أُصَلِّي بكم صَلَاة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم»؟ قَالَ: فصلى
فَلم يرفع يَده إِلَّا مرّة.
قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا الحَدِيث
مُخْتَصر من حَدِيث طَوِيل، وَلَيْسَ هُوَ بِصَحِيح على هَذَا اللَّفْظ. حَدثنَا
عُثْمَان بن أبي شيبَة، قال: حَدثنَا عبدالله بن إِدْرِيس، عَن عَاصِم بن كُلَيْب،
عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود، عَن عَلْقَمَة، قَالَ عبدالله: «علمنَا رَسُول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َالصَّلَاة: فَكبر وَرفع يَدَيْهِ،
فَلَمَّا ركع، طبق يَدَيْهِ بَين رُكْبَتَيْهِ، قَالَ: فَبلغ ذَلِك سَعْدا
فَقَالَ: صدق أخي، قد كُنَّا نَفْعل هَذَا، ثمَّ أمرنَا بِهَذَا - يَعْنِي الْإِمْسَاك
على الرُّكْبَتَيْن-».
فَمن هنا زعم أَبُو دَاوُد أَنه اختصر
حَدِيث وَكِيع، فتثبج مَعْنَاهُ".
قلت: يعني أنه غيّر معناه، وأدخل فيه ما
ليس منه، ولم يأت به على وجهه بسبب اختصاره له.
وهذا هو معنى تثبيج الحديث = فالراوي لا
يأتي بالحديث على وجهه فقد يضطرب فيه ويخلط.
قال ابن فارس في «مقاييس اللغة» (1/400):
"فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: ثَبَّجَ الكَلَامَ تَثْبِيجًا فَهُوَ: أَنْ لَا
يَأْتِيَ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ. وَأَصْلُهُ مِنَ البَابِ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ
يَجْمَعُهُ جَمْعًا فَيَأْتِي بِهِ مُجْتَمِعًا غَيْرَ مُلَخَّصٍ وَلَا
مُفَصَّلٍ".
قلت: وهذا ينطبق على ما فعله وكيع من
إدخاله لفظ «ثمَّ لَا يعود» في الحديث، فجمعه فيه، ولم يُفصّل بين ما صح في
الحديث، وهذه اللفظة التي ليست منه.
ومن معاني التثبيج: الاضطراب، والتخليط،
وعدم الإتيان بالكلام على وجهه الصحيح.
قال أبو منصور الأزهري الهروي في «تهذيب
اللغة» (11/19): "والثَّبَجُ: اضْطِرَاب الكَلَام وتفْنينُه، والثَّبَجُ:
تَعْمِيَةُ الخَطِّ وتَرْكُ بيانِه. وَقَالَ اللَّيْث: الثَّثْبيجُ: التَّخْليط".
وقال ابن سِيده في «المحكم والمحيط الأعظم»
(7/374): "وثَبَّجَ الْكَلَام: لم يَأْتِ بِهِ على وَجهه".
وقال ابن منظور في «لسان العرب» (2/220):
"وثَبَّجَ الكتابَ والكلامَ تَثْبيجاً: لَمْ يُبَيِّنْهُ؛ وَقِيلَ: لَمْ يأْت
بِهِ عَلَى وَجْهِهِ. والثَّبَجُ: اضطرابُ الكَلَامِ وتَفَنُّنُه".
يعني أنه يتفنن في الإتيان بألفاظ مختلفة
يُقارب بها ألفاظ الحديث، فلا يأتي بها على الوجه الصحيح، وهذا لمن لا يُتقن، وأما
من يُتقن ويعرف الألفاظ ولا يخرجها عن معانيها، فلا حرج عليه.
وعليه فتثبيج الحديث ليس معناه وضع الحديث
كما فهمه غالب المعاصرين الذين تابعوا ابن الجوزي والذهبي على ذلك!
والأنكى أن صاحب كتاب «شفاء العليل بألفاظ
وقواعد الجرح والتعديل» - أبا الحسن المأربي - جعل لفظة «يُثبج» في «المرتبة
السادسة من مراتب التجريح»، وهي عنده: "أردأ مراتب التجريح وأهلها لا خير
فيهم والعياذ بالله"!
قال في ذلك الكتاب (1/286): "وقولهم:
«كان فلان يثبج الحديث»، «وثبج بالثاء المثلثة والباء الموحدة الكتابَ والكلامَ
تثبيجاً: لم يُبينه، وقيل: لم يأت به على وجهه، والثبيج: اضطراب الكلام وتفننه،
والثبج: تعمية الخط وترك بيانه، قال الليث: التثبيج التخليط» (2/220) «اللسان». وهذا
اللفظ دليل على الكذب، فقد قال معمر في إسماعيل بن شروس الصنعاني: كان
يثبج الحديث - أي يضعه - (1/234) «الميزان»، وفي «الكامل» لابن عدي قال معمر: «كان
يضع الحديث، وقال عبدالرزاق: قلت لمعمر: ما لك لم تكثر عن ابن شروس؟ فقال: كان
ينتج الحديث» (1/314) هكذا بالنون والمثناة الفوقية، أي يولّد الأحاديث ويفتعلها،
وفي حاشية على «التاريخ الكبير» للبخاري تفسير لقول معمر «كان يثبج الحديث»: «أي
لا يأتي به على الوجه»".
وقال في موضع آخر من كتابه (2/51):
"وهناك عبارات تدل على أن الراوي يضع ويفتري على رسول اللّه - صلى الله عليه
وعلى آله وسلم - فمن ذلك قولهم: «فلان وضاع»، «وفلان يفتعل الحديث»، «وفلان يختلق
الحديث»، «وفلان اختلق الحديث»، أو «الحديث الفلاني مما عملته يدا فلان»، «وفلان
ينتج الحديث» بالنون والمثناة الفوقية، «وفلان يثبج الحديث»
بالمثلثة والموحدة، «وفلان يولّد الحديث» إلى غير ذلك من الألفاظ التي سبق كثير
منها في المرتبة السادسة من مراتب التجريح" انتهى.
وتبعه على ذلك صاحب كتاب «النفح العليل
بفرائد ألفاظ الجرح والتعديل» - ماجد آل عثمان - فقال (ص: 24): "قولهم في
الراوي (كان يُثَبِّجٌ الحديث): ومعناها: أنه يضع الحديث. وهذه
العبارة استعملها معمر بن راشد في تجريحه لـ (إسماعيل الصنعاني). ذكر الإمام
البخاري في ترجمة: (إسماعيل بن شروس الصنعاني)، عن عبدالرزاق عن معمر: أنه قال:
كان يثبج الحديث".
وكذا صاحب كتاب «ضوابط الجرح والتعديل مع
دراسة تحليلية لترجمة إسرائيل بن يونس» (1/108) - د. عبدالعزيز العبد اللطيف -،
فإنه قال: "(يَثْبِجُ الحديث) كناية عن الوضع"!
وكذلك صاحب «شفاء التبريح من داء التجريح»
(ص: 257) - عمر الحدوشي- حيث قال: "المصطلح السابع والثلاثون قولهم في
الراوي: (فلان كان يثبج الحديث): هذا المصطلح- (فلان كان يثبج الحديث) -استعمله
معمر بن راشد الأزدي مولاهم أبو عروة البصري الثقة الثبت- (توفي- رحمه الله
تعالى-سنة:154 هـ) - في تجريح إسماعيل بن شروس - بن أبي سعد- الصنعاني أبي
المقدام". ثم قال: "وأما معنى تعبيره الذي استعمله معمر بن راشد -رحمه
الله تعالى- فيه، فهو أن إسماعيل بن شروس كان يضع الحديث فيكون التعبير
كناية عن الوضع. ولقد خالف كل من ابن حبان وابن شاهين (أبو حفص عمر
البغدادي توفي سنة:385 هـ) هؤلاء النقاد فذكراه في كتابيهما الثقات، وهذا تساهل
منهما، والله أعلم". ثم قال: "وإلى هذا أشرت بقولي:
مُثبِجاً تِلْكَ الأحاديثَ بِمَكِر ***
حاسِباً أفَعَاله آياتِ فِكْرِ"!!
وقال صاحب كتاب «المعجم الصغير لرواة
الإمام ابن جرير الطبري» (1/52) (2954) - أكرم زيادة -: "أبو المقدام،
إسماعيل بن شروس، الصنعاني، قال معمر بن راشد: «كان يضع الحديث»،
وذكره ابن حبان وابن شاهين في «الثقات»".
وقال صاحب كتاب «أنيس الساري في تخريج أحاديث
فتح الباري» (1/545) - نبيل البصارة -: "إسماعيل بن شروس وثقه ابن المديني،
وذكره ابن حبان وابن شاهين في «الثقات»، وقال معمر بن راشد: «كان يثبج الحديث»، أي:
يضعه، وذكره العقيلي في «الضعفاء»".
وقال محقق كتاب «التلخيص الحبير» (1/46)
[طبعة دار الكتب العلمية]: "«كان يُثبج الحديث» هذا القول استعمله معمر بن
راشد الأزدي في تجريح إسماعيل بن شروس. والثبج اضطراب الكلام وتفننه، يعني لم يؤت
به على الوجه الصحيح، لكن استعمال معمر بن راشد لهذا التعبير في إسماعيل بن شروس يفيد
أنه كان يضع الحديث لأن هذا التعبير كناية عن الوضع".
قلت: وكلّ ذلك خطأ بُني على تحريف في
النصّ! والله المستعان.
فقاموا بتفسير «يُثبّج الحديث» بما جاء
مُحرفاً عنها بـ «يَضع الحديث»، والتحريف الآخر لها «يُنتج الحديث» جعلوا هذا
مصطلحاً آخر استخدمه العلماء في ذلك! بل وأورد بعضهم تفسير ذلك التحريف بأنه يولد
الحديث في مصطلحات الجرح كذلك، فقال: «وفلان ينتج الحديث»، «وفلان يولّد الحديث»!!!
فإذا كان إِسْمَاعِيل بن شَرُوسٍ
الصَّنْعَانِيّ يضع الحديث! فكيف يوثقه علي بن المديني؟! وابن حبان؟! وكيف يروي
عنه معمر بن راشد وهو من قال إنه يُثبج الحديث!!
وكان - رحمه الله - من فقهاء اليمن.
قال الحافظ أبو العباس أحمد بن عبدالله
الرازي في «تاريخ مدينة صنعاء» (ص: 97): "ولأبي المقدام إسماعيل بن شروس هذا
مسجد في صنعاء باق إلى اليوم معروف"، ثم ذكره في «قُرّاء أهل صنعاء وعُبّادهم
وأخيارهم وزهّادهم» (ص: 339) وقال: "وكان بها إسماعيل بن شروس، لقي أصحاب ابن
عباس: عكرمة، وعطاء بن أبي رباح، ووهب بن منبه، وقرأ القرآن على عبدالله بن كثير
الداري، قال: وحدثني فليح بن إسماعيل بن شروس، عن أبيه إسماعيل، وكان
إسماعيل من الفقهاء، قال: قرأت القرآن على الداري، فقال لي الدّاري: إنما
تقرأ القرآن بالسنة. وقد روى معمر عن إسماعيل غير حديث".
وذكره أيضاً في «أشهر فقهاء اليمن» فقال:
"وكان بها سماك بن الفضل، يقال إن سماك بن الفضل، وإسماعيل بن شروس
الصنعاني، وعبدالله بن طاوس اليماني، وخلّاد بن عبدالرحمن، وعبدالله بن سعيد
كانوا فقهاء أهل اليمن".
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
وكتب: د. خالد الحايك.
16 ذو الحجة 1442هـ.
**تنبيه:
اطلعني أحد الإخوة على ما كتبه بعضهم حول
معنى مصطلح «التثبيج» على صفحته في الفيسبوك، وهو يعرّف نفسه بأنه باحث في علم
الحديث!
وها أنا أسوق كلامه كاملاً ثم نعلّق عليه
إن شاء الله.
يقول: "حول معنى قولهم (يُثَبِّجُ
الحديث)
قال الامام البخاري: قَالَ أَحْمَد عَنْ
عَبد الرَّزّاق عَنْ مَعمَر: ما رأَيتُ أحدا بصنعاء إلا هو يُثَبِّجُ إلا خَلاَّد
بْن عَبد الرَّحمَن. هـ التاريخ الكبير 3/187.
وقال في ترجمة إسماعيل بن شروس: قَالَ
عَبد الرَّزّاق عَنْ مَعمَر: كَانَ يُثبج الحديث. هـ. التاريخ الكبير 1/359.
للباحث د. خالد الحايك بحث مطول في تفسير
معنى التثبيج عند بعض أهل الحديث ذهب فيه إلى أن قولهم (يُثَبِّجُ الحديث) يعني
أنه خلط فيه وأدخل فيه ما ليس منه.
قال: وهذا المصطلح فيه دلالة على تجريح
الراوي لكن لا يسقطه تماماً وإنما يُنبّه إلى أن هذا الراوي أحياناً لا يأتي
بالحديث على وجهه فقد يخلّط فيه ويُدخل فيه ما ليس منه ولا يفصل ما فيه مما لا يصح
فيه.
قال: وهذا هو معنى تثبيج الحديث = فالراوي
لا يأتي بالحديث على وجهه فقد يضطرب فيه ويخلط.
ونقل عن ابن فارس في مقاييس اللغة قال:
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ ثَبَّجَ الْكَلَامَ تَثْبِيجًا فَهُوَ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِهِ
عَلَى وَجْهِهِ وَأَصْلُهُ مِنَ الْبَابِ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ يَجْمَعُهُ جَمْعًا
فَيَأْتِي بِهِ مُجْتَمِعًا غَيْرَ مُلَخَّصٍ وَلَا مُفَصَّلٍ. هـ
وعن ابن سيده قال: وثبج الكلام: لم يأت به
على وجهه. هـ
وقال ابن منظور: وثَبَّجَ الكتابَ
والكلامَ تَثْبيجاً لَمْ يُبَيِّنْهُ وَقِيلَ لَمْ يأْت بِهِ عَلَى وَجْهِهِ
والثَّبَجُ اضطرابُ الْكَلَامِ وتَفَنُّنُه والثَّبَجُ تَعْمِيَةُ الخَط وتَرْكُ
بَيَانِهِ. اللَّيْثُ: التَّثْبيجُ التَّخْلِيطُ. وكتابٌ مُثَبَّجٌ وَقَدْ ثُبِّجَ
تَثْبيجاً. هـ
قلت: والذي يظهر لي أن التثبيج في كلام
أهل الحديث يراد به التصرف في لفظ الحديث وروايته بالمعنى.
وقد يطلقه بعضهم ويقصد به الخلط في متن
الرواية الذي ربما يقدح في حفظ الراوي كما هو ظاهر من كلام معمر بن راشد.
وقد يطلق ويراد به مطلق التصرف في لفظ
الحديث وروايته بالمعنى ولا يوجب ذلك القدح في حفظ الراوي أو عموم روايته كما
سيأتي في بعض الأمثلة.
فـ (يُثَبِّجُ الحديث) يتصرف في لفظه، فهو
أقرب للرواية بالمعنى.
والرواية بالمعنى أحياناً يحصل فيها الخلل
ويأتي فيها الراوي بكلمات يدخل فيها الوهم والاضطراب.
لكن هذا لا ينسحب لزاماً على حال الراوي
أو وصفه بالضعف من أجل التثبيج في رواية الحديث.
والرواية بالمعنى وقع فيها كثير من
المحدثين الثقات.
وقول معمر (يُثَبِّجُ الحديث) نبه الباحث
وأطال البيان أن جماعة من أهل الحديث المتأخرين والمعاصرين تصحفت عندهم إلى (يضع
الحديث) وأنهم فهموا من هذا اتهام الراوي بالكذب وهذا الفهم منهم خطأ لغة
واصطلاحاً.
فلا علاقة بين قوله (يُثَبِّجُ الحديث)
وبين (يضع الحديث) أو (ينتج الحديث) وإنما هي تصحيفات وأوهام.
وهذا التفسير والشرح مسبوق فيه الباحث كما
في كتاب (لسان المحدثين) للأستاذ محمد خلف سلامة.
ومرفق صورة من البحث المطول لمؤلف الكتاب
والذي هو إلى حد كبير يتشابه مع بحث الأستاذ الحايك حتى في النقولات عن بعض
المعاصرين وأهل اللغةة!
فلا أدري هل استفاد الحايك من كتاب لسان
المحدثين.
ولماذا لم يعزو ما استفاده وقد أطال في
العزو لكتب المحققين المعاصرين الذين أخطأوا في فهم الجملة وتفسيرها؟
فلماذا لم يعزو إلى بحث من سبقه وخرج بنفس
النتيجة ونفس نقولات ومضامين بحثه تقريباً؟
وقد ذكر د. الحايك أمثلة أخرى على وصف
الراوي بالتثبيج منها:
قال عبد الله بن أحمد: حَدَّثَنِي أَبِي
قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ أَمْلَاهُ عَلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
إِدْرِيسَ مِنْ كِتَابِهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ حَدَّثَنَا عَلْقَمَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ
عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ
فَكَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ رَكَعَ وَطَبَّقَ يَدَيْهِ وَجَعَلَهُمَا
بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ فَبَلَغَ سَعْدًا فَقَالَ صَدَقَ أَخِي قَدْ كُنَّا نَفْعَلُ
ذَلِكَ ثُمَّ أَمَرَنَا بِهَذَا وَأَخَذَ بِرُكْبَتَيْهِ حَدثنِي عَاصِم بن
كُلَيْب هَكَذَا.
قَالَ أبي: هَذَا لفظ غير لفظ وَكِيع
وَكِيع يثبج الحَدِيث لِأَنَّهُ كَانَ يحمل نَفسه فِي حفظ الحَدِيث. هـ العلل
رواية عبد الله 714.
وقال أبو داود: وَقيل لِأَحْمَد فَروح ؟
قَالَ روح لم يكن بِهِ بَأْس لم يكن مُتَّهمًا بِشَيْء من هَذَا وَكَانَ جرى ذكر
الْكَذِب.
وَسمعت أَحْمد قيل لَهُ روح أحب إِلَيْك
أَو أَبُو عَاصِم قَالَ كَانَ روح يخرج الْكتاب وَأَبُو عَاصِم يثبج الحَدِيث. هـ سؤالات
أبي داود 533.
قلت: وكيع بن الجراح وأبو عاصم النبيل من
أئمة الحديث الثقات فقوله (وَكِيع يثبج الحَدِيث) (وَأَبُو عَاصِم يثبج الحَدِيث)
يعني يروونه بالمعنى أحياناً ويتصرفون في لفظه لأنهم كانوا يعتمدون على الحفظ في
الرواية.
وهذا يفيدنا عند الترجيح فيقدم لفظ الراوي
صاحب الكتاب على الراوي صاحب الحفظ الذي يثبج الحديث.
وليس هذا مما يجرح وكيع أو أبو عاصم.
وهناك مثال آخر لم يذكره الباحث وهو يوضح
معني التثبيج:
قال الخطيب البغدادي: أنا مُحَمَّدُ بْنُ
الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ نا يَعْقُوبُ بْنُ
سُفْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ الْحَسَنِ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: وَلَوْ رَأَى إِنْسَانٌ سُفْيَانَ يُحَدِّثُ لَقَالَ:
لَيْسَ هَذَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُقَدِّمُ وَيُؤَخِّرُ وَيُثَبِّجُ وَلَكِنْ
لَوْ جَهِدْتَ جُهْدَكَ أَنْ تُزِيلَهُ عَنِ الْمَعْنَى لَمْ يَفْعَلْ. هـ الجامع
لأخلاق الراوي وآداب السامع 1100.
وهذا ظاهر في أن التثبيج في الحديث يعني
التصرف في روايته بالمعنى وسفيان الثوري إمام أهل الحديث وكان (يُقَدِّمُ
وَيُؤَخِّرُ وَيُثَبِّجُ) ولكن مع هذا التصرف والتثبيج في لفظ الحديث لا يخلط في
معناه.
قال (وَلَكِنْ لَوْ جَهِدْتَ جُهْدَكَ
أَنْ تُزِيلَهُ عَنِ الْمَعْنَى لَمْ يَفْعَلْ).
وهذا الأثر أورده الخطيب في باب (ذِكْرُ
مَنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى جَوَازِ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ عَلَى الْمَعْنَى
وَبَعْضُ الْمَحْفُوظِ عَنْهُ فِي ذَلِكَ).
وهذا ظاهر في بيان مراد أهل الحديث بقولهم
(كان يُثَبِّجُ الحديث) يعني يتصرف في لفظه بروايته بالمعنى.
والظاهر أن التثبيج في الكلام مصطلح عراقي
من ألفاظ العراقيين فإني لم أقف عليه بهذا المعنى عند غيرهم.
هذا ما ظهر لي في أصله ومعناه والله أعلم.
كتبه..." انتهى.
أقول:
أولاً: لا أشك أن هذا الباحث أراد الغمز
بالعبد الفقير في سرقة ما ذكره محمد خلف سلامة صاحب كتاب "لسان
المحدثين"! مع أني – والله – لم أقف على كلامه، ولو وقفت لذكرته فهذا مما لا
يعيب طالما أني ذكرت غيره في بحثي!
ومع هذا فشتان بين ما حررته وما ذكره الأخ
سلامة في كتابه.
وسأسوق كلامه كاملاً حتى يقف القارئ عليه –
وإن كان الباحث صوّره وأرفقه! وكان ينبغي له أن يقارن بين كل الكلام! لكنها
السريرة التي تُضمر ما فيها، والله المستعان.
قال الأخ صاحب "لسان المحدثين" (5/279):
"يثبّجُ الحديثَ:
قال البخاري في (التاريخ الكبير) (1/359) (1138): (إسماعيل بن شروس
أبو المقدام، قال أحمد: هو الصنعاني، نسبه محمد بن ثور عن معمر. يروي عن يعلى بن
أمية، وسمع عكرمةَ قولَه. قال عبد الرزاق عن معمر: كان يثبِّجُ الحديثَ).
فما معنى هذه العبارة الأخيرة؟
قال ابن فارس رحمه الله في (مقاييس اللغة) (1/399-400): (ثبج :
الثاء والباء والجيم كلمةٌ واحدةٌ تتفرّع منها كَلِمٌ، وهي مُعْظَمُ الشيءِ
ووَسَطُهُ ؛ قال ابنُ دريد: ثَبَجُ كلِّ شيءٍ وسطُه، ورجل أثْبَجُ وامرأةٌ
ثَبْجاء، إذا كان عظيمَ الجوفِ----.
وتَثَبَّجَ الرجلُ بالعصا إذا جعَلَها على ظهره وجعل يديه من
ورائها.
وثَبَجُ الرّمْل: مُعْظَمُه، وكذلك ثَبَجُ البَحْر.
فأمّا قولهم "ثبّجَ الكلامَ تثبيجاً" فهو أن لا يأِتيَ
به على وَجْهِهِ. وأصله من الباب، لأنه كأنه يجمعه جمعاً فيأتي به مجتمعاً غيرَ
ملخَّص ولا مفصّل).
وجاء في (لسان العرب) لابن منظور (ث ب ج) (1/655)(1): (وثبّجَ
الكتابَ والكلامَ تثبيجاً: لم يبيِّنه، وقيل: لم يأت به على وجهه؛ والثبَجُ:
اضطرابُ الكلام وتفتُّنُه؛ والثَبَجُ: تعمية الخط وترك بيانه. الليث: التثبيج
التخليط).
ويتبين مما تقدم وغيره من نصوص أهل اللغة في معنى هذه اللفظة، ومن
استقراء مواضع استعمال المحدثين لهذه العبارة أن المراد بتثبيج الحديث الاضطراب
فيه وعدم الإتيان به على وجهه؛ فمن الوهم البين ما صنعه بعض المعاصرين إذ ذكر كلمة
(يثبج) في مرتبة دجال ووضاع وأفاك وكذاب وما أشبهها من عبارات النقاد.
وقد وقع مما يتعلق بهذه المسألة وهمٌ في طائفة من كتب الرجال ولعل
أصله هو ما وقع في كتاب ابن عدي (الكامل) فقد وقع فيه نقلٌ عن البخاري عن عبد
الرزاق عن معمر أنه قال في إسماعيل بن شروس: (يضع الحديث)، وهذا تصحيف صوابه (يثبج
الحديث) كما في (تاريخ البخاري) نفسه، وتقدم نقلًه، وكما نقله عن البخاري العقيلي
في (الضعفاء) (1/98) (95) ثم الذهبي في (الميزان)(2) وغيرهما؛ وهذا الوهم في كتاب
ابن عدي إما لذهول منه، أو أن الكلمة تصحفت عليه أو على أحد نساخ كتابه.
........
حاشية:
(2) ولكن الإمام الذهبي لم يثبت على هذا النقل، فإنه نقل في
(الميزان) عن البخاري عن عبد الرزاق عن معمر الكلمتين معاً (يثبج) و(يضع)، نقل
أولاهما من (تاريخ البخاري) أو (ضعفاء العقيلي) أو غيرهما، ونقل الثانية من
(الكامل)، فأوهم صنيعه أن إحدى الكلمتين تفسيرٌ للأخرى؛ وتابع الذهبي على طريقته
هذه سبط ابن العجمي في (الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث) (ص70)، بل الذهبي نفسه
قال في (المغني) في إسماعيل هذا: (كذاب قاله معمر)!.
...........
ومما يدل على أنه لا يصح عن البخاري نقلُه اتهامَ إسماعيلَ بن شروس
بالوضع مقرّاً له: أنَّ ابن شروس هذا قد وثقه الحافظُ ابنُ حبان في (الثقات) وهو
كثير المتابعة للبخاري ولم يذكره في (المجروحين) له، وابنُ شاهين إذ ذكره في
(ثقاته) أيضاً، ولم يذكره في (ضعفائه)؛ وأكثر من ذلك أنه وثقه إمام علم العلل وشيخ
البخاري المقدم عنده في هذه الصناعة، الإمامُ علي بن المديني(1)؛ ومثل ذلك - أو
أكثر منه - أنه وثقه مرتين إمام الجرح والتعديل يحيى بن معين كما نقله عنه وأقره
عليه الخطيب في (موضح أوهام الجمع والتفريق)(2)، هذا فضلاً عما تقدم من أن المحفوظ
عن البخاري في نقله عن معمر هو كلمة (يثبج) وليس كلمة (يضع)، ومعنياهما متغايران كما
تقدم، وصورتاهما متقاربتان بل تحتملان - عند عدم تجويد الخط - التصحيفَ، أي من
إحداهما إلى الأخرى.
وأيضاً ابن أبي حاتم ترجم إسماعيل هذا في كتابه (الجرح والتعديل)
(2/177) ولم يذكر فيه جرحاً البتة، لا تلك العبارة المنسوبة إلى معمر ولا غيرها.
...........
حاشية:
(1) كما في (تاريخ أسماء الثقات ممن نُقل عنهم العلم) لابن شاهين
(ص10) .
(2) أخرج الخطيب في (موضح أوهام الجمع والتفريق) (1/235): (الوهم
العاشر) يعني من أوهام يحيى بن معين رحمه الله عن علي بن الحسين بن حبان قال: وجدت
في كتاب أبي بخط يده: قال أبو زكريا [هو يحيى بن معين]: (إسماعيل بن أبي سعيد شيخ
صنعاني حدث عنه معمر في حرمة الزرع وإسماعيل بن شروس أبو المقدام ثقتان جميعاً)؛
ثم قال الخطيب مبيناً وجه توهيمه ابن معين: (وإسماعيل بن شروس هو إسماعيل بن أبي
سعيد ليس بغيره ----).
.............
إذا عُلم هذا أفليس من البعيد أن يتهم ابنَ شروس تلميذُه الذي هو
أعرف الناس به معمرُ بن راشد ثم ينقله عنه عبد الرزاق وهو تلميذه الملازم له، ثم
يأتي تلامذة عبد الزاق وتلامذتهم فيوثقونه من غير أدنى إشارة إلى إتهام معمر له
بالوضع، ولا سيما أنهم لم ينقلوا توثيقه عن أحد من أقران معمر أو أقران عبد الرزاق
ليقال: لعلهم رجحوا قول الموثِّق على قول الجارِح لأمر ما ؟! بلى، هذا في غاية
البعد ونهاية الغرابة ، فيهمَل ولا يُقبل(1).
وقال العلامة المعلمي في حاشيته على (التاريخ الكبير) للبخاري في
تعليق له على الموضع المذكور منه: (أي لا يأتي به على الوجه؛ وفي
"الميزان" و"لسانه" عن ابن عدي حكايةُ هذه الكلمة عن البخاري
بلفظ (يضع) فلزم من ذلك ما لزم، والله المستعان).
............
حاشية:
(1) ثم وقفت في وقت مراجعتي الأخيرة للكتاب على تنبيه الأستاذ محمد
عوامة على هذه المسألة في مقدمته لكتاب (الكاشف) (1/1620164)، فإن المجلد الأول من
هذا الكتاب لم يقع لي رغم بحثي عنه من أزمان بعدما رأيت المجلد الثاني منه، وحده،
إلا بعد أن رأيته في (المكتبة الوقفية) على الشبكة العالمية، جزى الله القائمين
على تلك المكتبة جزاء المحسنين، ومَن علمَ أحوالنا في بلادنا عرَف أعذارنا في قلة
الاطلاع على الكتب، ظللنا واللهِ شطراً من عمرنا نسمع بمئات من الكتب المطبوعة
التي نتمنى اقتناءها أو حتى رؤيتها، ولكن ذلك كان أشبه بالمستحيل، الكتب الصحيحة
والنافعة محرمة! والسفر ممنوع! والتدين تهمة بل جريمة! ولقاء الأصحاب تحزب سياسي
خطير! والمطاردات شاملة والسجون مظلمة، وهكذا انقضى معظم العمر والحسرات تفعل في
القلوب فعلها، ومضى زمن الشباب وأوان القوة في البحث والرغبة في الدراسة قبل
الوقوف على شيء يستحق الذكر من إرثِ علمائنا الذين أحبَبنا، وما أخبث وأظلم مكر
الكافرين وأعوانهم بالإسلام وأهله وما أشدَّ حقدهم عليهم والقيامة موعدنا.
............
وهي في بعض نسخ (اللسان) (يُنتج) واختارها للمتن محققه عبد الفتاح
أبو غدة وقال في تعليقه على ذلك (2/34-35): (هكذا في ص وعُلِّق في الحاشية :
"ينتِج أي يولِّد"، وجاء في "التاريخ الكبير" (يثبِّج)----)؛
ثم نقل قول المعلمي ثم قال: (قلت: فيكون لفظ "يُنتِج" تحريفاً عن
"يثبج"، وتفسيرُه بـ "يولِّد" مبني على ظن سلامته من التحريف،
وليس كذلك.
وكذا لفظ "يضع" فإنه محرف أيضاً عن "يثبج" ،
وقول الذهبي في "المغني": "كذاب، قال معمر" نقلٌ بالمعنى،
اعتماداً على لفظ "يضع" المحرف في (الكامل) لابن عدي !! فليتنبه لذلك،
فإن التحريف في هذه الكلمة قديم وشديد)؛ ثم أحال على مقدمة "الكاشف"
(1/162-164) لتلميذه محمد عوامة" انتهى كلامه.
أقول: هذا كلام الأخ محمد خلف سلامة بتمامه، والعارف في علم الحديث
يرى البون الشاسع بين كلامي وكلامه.
وما ذكره الأخ من معاجم اللغة وذكرته أنا أمر طبيعي لأي باحث، فمن
أين ينقل الباحث في المعاني اللغوية التي عادة توضيح المصطلحات يرتكز على معانيها
اللغوية؟
وكذلك ما حصل من تحريف في اللفظ في كتاب ابن عدي وما قاله بعض
المتأخرين والمعاصرين في هذا، فهذا من أصل البحث، ولا يستطيع أحد أن يغفله، لكن
معالجتي له تختلف عن معالجته لهذا الأمر.
فهل هذا يُعدّ من السرقة؟
فالأخ وأنا والباحث اعتمدنا كلنا على كلام البخاري، فهل نقول مثل
ما غمز به الأخ!!
والأخ - هداه الله – له سابقة معي في هذا نذكرها لنبيّن أن نيته
ليست صافية، وطويته فيها ما فيها! ثم نتابع الحديث عما ذكره في مقالته.
كنت نشرت بحثاً على موقعي بعنوان: «قُرَّةُ العَيْن في بيان عِلّة
حديث دُعاء المَلَكَيْن المُنَادِيَيْن»!
الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك
(addyaiya.com)
والحديث رواه سليمان بن بلال، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي
مُزَرِّدٍ، عَنْ أَبِي الحُبَابِ سَعِيدِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ
أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ
أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا».
وضعفت الحديث بتفرد سليمان بن بلال!
وكان الأخ أحمد عوف المصري قد ناقشني في هذا التضعيف، وذكر أن
بعضهم أرشده بوجود متابعة سليمان بن بلال في «مستخرج أبي عوانة» من طريق أبي بكر
الحَنَفِيِّ عبدالكَبير بن عبدالمجيد البصري.
وهذه متابعة صحيحة، فبرأت ذمة سليمان بن بلال منه، فانتقلت إلى
الكلام على تفرد معاوية بن أبي مُزرد به، وهذا عمل من يشتغل بالحديث!
فالحديث أصله من الإسرائيليات، لكن كيف ندفع هذه الرواية؟
فالأمر الطبيعي أن أنتقل لحال معاوية هذا وتفرده به، فدرست حاله
وروايته وخلصت إلى أنه هو علة الحديث، وهو صالح الحديث كما قال ابن معين = يعني
يُعتبر بحديثه، ولا يُحتج بما انفرد به! وهذا هو مدلول قول الرازيين: "لا بأس
به".
وقد أضفت كل ذلك في البحث دون حذف أي شيء مما قلته حول سليمان بن
بلال.
وتفاجأت في تاريخ (14 مارس 2023) بالباحث المذكور ويدعى (أحمد فوزي
وجيه) يكتب في صفحته على الفيس:
"تنبيه حول ما قام به بعض الباحثين مؤخرا:
حديث دعاء الملكين كل صباح (اللهم أعط منفقا خلفا اللهم أعط ممسكاً
تلفا) قد كتبت فيه بحثاً وذكرت فيه علته وهي تفرد معاوية بن أبي مزرد بروايته وليس
هو ممن يحتمل تفرده فضلاً عن كونه خولف في رفعه ممن هو أوثق منه.
كتبت هذا البحث قديماً ثم أعدت رفعه مؤخراً في نسخة مزيدة على هذا
الرابط: noor-book.com/lb0tjg
وبعض الباحثين كتب بحثاً حول هذا الحديث أيضاً ولكنه أخطأ في كشف علته
فأعله بتفرد سليمان بن بلال الراوي عن معاوية مع أنه متابع فيه ولم يتطرق البتة
إلى معاوية بن أبي مزرد ومؤخراً (وبعد نشري للنسخة المزيدة من البحث) قام
هذا الباحث بتعديل بحثه بعد أن قاموا بالرد عليه وبينوا له خطأه.
وتراجع عن اعلال الحديث بتفرد سليمان بن بلال وتبنى فكرتي بتفرد
معاوية بن أبي مزرد.
وأخذ يطيل الشرح حول حال معاوية بن أبي مزرد وأفراده وكأن هذا
الشرح سيعطيه الحق في انتحال أفكار الآخرين.
وقام بتعديل بحثه ولم يحترم من سبقه بالاشارة إلى سبق النشر وبدا
لمريديه وكأنه أول من تطرق لهذه العلة!
مع العلم أني التزمت معه منتهى الأمانة العلمية لما نشر بحثه ومن
يقرأ سيرى ويعرف.
فهل أنت أول من أعل الحديث بهذه العلة (تفرد معاوية بن أبي مزرد)
أم هناك من سبقك في هذا؟!
أين أنت من التزام الأمانة العلمية؟
وأين أنت من احترام سبق النشر؟!
والغريب أن هذا الباحث كثير التهجم على اخوانه وأقرانه واتهامهم
بسرقة الأبحاث والأفكار العلمية!
أتنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم" انتهى.
وقال في مقدمة بحثه المشار إليه في الرابط السابق:
"وقد كتبت هذا البحث في عام 2020م.
وقبيل نشري للبحث بأيام قام د. خالد الحايك بنشر بحث بعنوان: (قرة
العين في بيان علة حديث دعاء الملكين المناديين).
قام فيه بتخريج الحديث وتوصل إلى نفس ما توصلت إليه من ضعف الحديث
المرفوع في الباب وأن أصله من كلام كعب الأحبار مع الاختلاف في بعض التخريج وبيان
أسباب الضعف والكلام على الأحاديث كما سيأتي بيانه.
واحاراماً لسبق النشر تواصلت مع الباحث المذكور للمشورة في نشر
بحثي الذي كنت قد انتهيت منه وتوصلت فيه لنفس الحكم تقريباً.
فأجابني بقوله (انشره وفقك الله).
وكان هذا التواصل موجوداً في التعليقات على بحثه قبل أن يقوم
الباحث بتحديث موقعه وحذف جميع التعليقات.
وكان يمكنني أن أنشر البحث من غير الرجوع إليه فأنا لم اطلع على
بحثه إلا بعد الانتهاء من بحثي وقبيل نشري له بأيام ولكنها الأمانة العلمية
واحترام السبق الذي للأسف لم يلتزم به الباحث المذكور بعد ذلك كما سأبينه في نهاية
البحث!
وبالفعل نشرت البحث بعد عدة أيام مع الالتزام بالأمانة العلمية
بالإشارة إلى بحثه وبعض الفوائد منه.
أقول هذا كمقدمة لتاريخ البحث وتوثيق نسبته وكي لا يقول أني أقلد
غيري أو أنقل منه!
ومن يقرأ البحثين سيجد اختلاف الاجتهاد واستنباط العلة ظاهر.
وهذه نسخة مزيدة من البحث أضفت فيها ما ظهر لي من فوائد وتخريجات
مع الاعتبار ببعض الملاحظات التي اعترض بها البعض على بحثي أو على بحث د. خالد
بعيداً عن المغالطات والجدل..." انتهى.
وأعاد الكلام نفسه في نهاية بحثه المعدّل!
أقول:
مسكين هذا الباحث! تجده كغيره يجلس بالساعات يتتبع ما كتبناه بفضل
الله ليخرج بشيء يذمّنا به!
وصدق إذ قال فرق بين بحثي وبحثه! فأنت تقرأ له فلا تجد ترابطاً في
الأفكار ولا في الصنعة العللية النقدية!
ما تجده هو حشد معلومات دون تحرير في الغالب! وعدم تنسيق وترتيب
منطقي ومنهجية في الكلام!
عموماً هو يدعي أنه أعلّ الحديث بتفرد معاوية ثم لما عدلت بحثي
أخذت هذا التعليل منه!
ما شاء الله على هذه (السرقة العظيمة)!!!! - إن ثبتت -.
وانظروا إلى كذبه!
يقول:
"وبعض الباحثين كتب بحثاً حول هذا الحديث أيضاً ولكنه أخطأ في
كشف علته فأعله بتفرد سليمان بن بلال الراوي عن معاوية مع أنه متابع فيه ولم يتطرق
البتة إلى معاوية بن أبي مزرد ومؤخراً (وبعد نشري للنسخة المزيدة من البحث) قام
هذا الباحث بتعديل بحثه بعد أن قاموا بالرد عليه وبينوا له خطأه".
فقوله: "وبعد نشري للنسخة المزيدة من البحث"!!
الكذاب نشر نسخته المزيدة حسب قوله في بحثه المعدل بعد مناقشة الأخ
أحمد عوف لي حيث قال: "الانتهاء من الزيادة والتعديل: 6/2/2023. إضافة
التعقيب: 27/3/2023م".
ومناقشة الأخ أحمد عوف لي كانت في (9/8/2022)!
وبناء على ذلك الحوار عدلت في وقتها عن رأيي في ذلك التفرد.
فأي كذب بعد هذا الكذب!
وما هذا التناقض؟
قام الباحث بتعديل بحثه بعد أن قاموا بالرد عليه وبينوا له خطأه،
وقبلها يقول: التعديل كان مؤخراً بعد نشره لنسخته المزيدة من البحث؟!!
فتعديلي كان بناء على تلك المحاورة قبل أن ينشر بحثه المزيد الذي
ليس فيه إلا ما سرقه من خلال الحوار!
وسأثبت للقارئ أنه هو السارق!
هو يقول أني قلت له عن بحثه: انشره ودعوت له بالتوفيق = يعني بفضل
الله حتى لو وافقتني فلا أتهمك! مع أن الأصل الآن أن اتهمك بأنك أنت السارق؛ لأن
بحثك نشرته بعد بحثي، فسرقت منه أن أصل الحديث من رواية كعب الأحبار!
فأنت بزعمك أعللت الحديث بتفرد معاوية، وأنا غيّرت رأيي لما ناقشني
الأخ أحمد عوف بوجود متابعة لسليمان بن بلال وقد بينت هذا في أصل البحث، فكيف تدعي
أني سرقت التعليل منك!
فهل تعقل ما تقول؟
وكما أشرت سابقاً من الطبيعي لأي مشتغل بالحديث بعد أن تبين وجود
متابعة لسليمان بن بلال أن يناقش تفرد معاوية!
وهذا ما فعلته بحمد الله وسبرت حديثه كله، وأنت حاولت التقليل من
شأن هذا مع أن الأصل أنه لا بأس به كما نقلت أنت عن أهل العلم فحديثه مقبول سيما
وقد أخرج حديثه هذا البخاري ومسلم.
فلو أنك أتيت بقرينة تدل على أن الحديث يُعلل به لدعم رأيك! لكنك
لم تستطع ذلك فحاولت التشغيب على كلامي!
عموماً...
رجعت لأصل بحثه الذي نشره في شبكة الألوكة بتاريخ (31/10/2020م)
تحت عنوان: "سلسلة مقارنة ودراسة (24) حديث اللهم أعط منفقاً خالفاً.. اللهم
أعط ممسكاً تلفاً".
ولم أجد فيه أية إشارة إلى تعليلك للحديث بتفرد معاوية به!!
فأنت قلت: "هذا االحديث في الصحيحين عن أبي هريرة إلا أن الرواة
اختلفوا على أبي هريرة فيه، فبعضهم رواه مرفوعاً، وبعضهم وقفه على أبي هريرة.
وقد رواه مرفوعاً كلاً من:
1- معاوية بن أبي مُزرد عن أبي الحباب عن أبي هريرة مرفوعاً في
الصحيحين. ومعاوية لا بأس به.
2- حماد بن سلمة... إلخ".
ثم قلت بعد: "وأحسن ما ورد في الباب هو من طريق معاوية بن أبي
مزرد عن أبي الحباب عن أبي هريرة. ومعاوية بن أبي مزرد قال أبو زرعة وأبو حاتم لا
بأس به، وقال ابن معين: صالح. وقال ابن حجر: ليس به بأس. وقال الذهبي: صدوق.
قلت: فعلى هذا فحديثه في عداد الحديث الحسن ولا يبلغ رتبة الصحيح.
وخالفه عفان بن مسلم فرواه عن همام بن يحيى عن محمد بن جحادة عن
أبي حازم عن أبي هريرة موقوفاً... وهذا إسناد صحيح وهو أصح من المرفوع الذي يرويه معاوية بن أبي
مزرد، فإن معاوية لا بأس به أو صدوق...".
فهذا كل ما ذكره هذا الباحث عن الحديث! وأعل رواية معاوية بمخالفته
لرواية أخرى! وهذا تعليل عليل؛ لأن تلك رواية أخرى، والمخالفة تكون في الاختلاف
على الراوي نفسه! ولن أخوض في هذا الآن.
فأين تعليلك له بتفرد معاوية؟
ثم السؤال:
طالما أنك وقفت على بحثي قبل أن تنشر أنت بحثك، لمَ لمْ تُدخل هذه
الأمور التي عدلتها في بحثك وأشرت إلى الاختلاف بين بحثي وبحثك وأنك أعللت الحديث
بتفرد معاوية، ورددت تعليلي له بتفرد سليمان بن بلال لأنه قد توبع عليه؟
لم لم تفعل ذلك؟ وهذه من دواعي نشر بحثك حقيقة، وهو أن تأتي بشيء
جديد! لكنك لم تفعل! وإنما فعلت هذا بعد حواري مع الأخ أحمد حول هذا الحديث.
والأخ نشر مشاركة أخرى له بعد نشره لبحثه في شبكة الألوكة قال
فيها:
"بعد كتابتي لهذا البحث وقبل نشره قام الأستاذ خالد الحايك
بنشر بحثه منذ ايام قليلة في تخريج هذا الحديث وبيان علته. وقد خرج منه بنفس
النتيجة وأنه لا يصح مرفوعاً وإنما هو من كلام كعب الأحبار ومنه أخذه أبو هريرة
وأخطأ بعض الرواة فرفعه.
وبحث د. خالد فيه بعض الاختلاف في التخريج وذكر الطرق وايراد العلل
القادحة في صحة الحديث أذكر من أهمها:
1- أعلَّ د. خالد حديث أبي هريرة بتفرد سليمان بن بلال الذي روى
الحديث عن معاوية بن أبي مزرد. وهو وإن كان ثقة فإن له أفراداً استغربها بعض أهل
العلم. ثم استطرد في بحث مسألة تفرد سليمان بن بلال مع ذكر الأمثلة وبعض أقوال
أهل العلم ثم قال:
والخلاصة أن هذا الحديث أصله من كلام كعب الأحبار، وقد رواه أبو
هريرة من قوله؛ لأنه أخذه من كعب، وكان أبو هريرة يسمع من كعب فيروي حديثه، ويأتي
بعض الرواة فيخطؤون فيرفعونه، وإنما رواه أبو هريرة موقوفا. فالحديث محفوظ من رواية أبي هريرة
لكن موقوفاً، والظاهر أن سليمان بن بلال وهم فيه، وسلك فيه الجادة، فرواه عَنْ
مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ سَعِيدِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ. والصواب أنه من قول كعب الأحبار.ومما يدلّ على أنه من الإسرائيليات ما رواه ابن أبي حاتم
في «تفسيره» (6/1943) (10328) عن أَبِيه، عن هِشَام بن خَالِدٍ الدمشقيّ، عن
شُعَيْب بن إِسْحَاقَ البصري ثمّ الدمشقيّ، عن سَعِيد بن أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ
قَتَادَةَ في قوله تعالى: {وَاللَّهُ يدعوا إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي
مَنْيَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ فِيَ
التَّوْرَاةِ مَكْتُوبًا: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ هَلُمَّ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ انْتَه.
ها هو قتادة يُصرّح أن هذا ذُكر لهم أنه في التوراة.
2- أعلَّ حديث أبي الدرداء بالانقطاع وأن خليداً العصري لم يسمع من
أبي الدرداء وليس هو مولىً له كما قيل.
ثم استطرد في بيان الأدلة على عدم السماع.
وهذا رابط البحث كاملاً..." انتهى.
قلت: فها هو الأخ يذكر تعليلي له بتفرد سليمان بن بلال مقراً له
دون تعقيب! وكان ينبغي له إذ لم يوافقني على ذلك أن يتعقب قولي ويقول: بل
علته تفرد معاوية بن أبي مزرد! لكنه لم يفعل.
ومن خلال هذا تبيّن أن الأخ - هداه الله - هو السارق!
فهو لم يذكر رواية أبي عوانة في بحثه الأول! وذكرها في بحثه
المعدل! وإنما سرق ذلك مني بعد أن عدلت بحثي بناء على تنبيه الأخ أحمد عوف لي حول
هذه المتابعة.
ففي بحثه الأصلي والمعدّل لم ينص على أن العلة هي تفرد معاوية به!
وإنما جعل العلة مخالفته لغيره! مع أنه حقيقة لم يخالف لأن الحديث الآخر مخرجه
مختلف! وما هكذا تُعلل الأحاديث.
فنظراً لأنه لم يكن قد وقف على رواية أبي عوانة لم يتعقبني في
تعليلي له بتفرد سليمان بن بلال!
فلما ذكرتها في تعديلي للبحث سرقها وبنى الوهم الذي في رأسه أني
سرقت منه فكرة تعليله بتفرد معاوية بن أبي مزرد به!
وكان ينبغي أن ينص على أن العلة هي تفرده وعدم متابعته عليه، ولا
يحتمل تفرده!
فكلّ ما في رأس هذا
المهووس... أني عدلت بحثي بناء على تعليله للحديث بتفرد معاوية به؟
يعني على رأيه... أنا اطلعت على بحثه، فقمت بسرقة تعليله:
"تفرد به معاوية"!!!
والمصيبة أنه لم يُعله بتفرد معاوية! بل ولم يعترض على تعليلي له
بسليمان بن بلال إلا بعد أن عدلت عن رأيي بناء على مناقشة الأخ أحمد عوف.
فمن السارق إذن! هداك الله.
فهذا ما يُكنّه هذا الأخ للعبد الفقير، فظنّ أنه وقع على كنز ثمين
في عدم ذكري لما في كتاب "لسان المحدثين" قاصداً أني سرقت منه، وتعليقه
على بعض السفهاء عنده يدل على ذلك!
نعوذ بالله من النفوس المريضة.
ونرجع للكلام على ما كتبه حول معنى "تثبيج الحديث".
ثانياً: الأخ ذهب إلى أن تثبيج الحديث: "يعني يتصرف في لفظه
بروايته بالمعنى" واحتج بذلك على ما نقله مما أخرجه الخطيب من طريق عَبْدالرَّحْمَنِ
بن مَهْدِيٍّ، أنه قال: "وَلَوْ رَأَى إِنْسَانٌ سُفْيَانَ يُحَدِّثُ
لَقَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُقَدِّمُ وَيُؤَخِّرُ وَيُثَبِّجُ
وَلَكِنْ لَوْ جَهِدْتَ جُهْدَكَ أَنْ تُزِيلَهُ عَنِ الْمَعْنَى لَمْ يَفْعَلْ".
وقال: "وهذا ظاهر في أن التثبيج في الحديث يعني التصرف في
روايته بالمعنى وسفيان الثوري إمام أهل الحديث وكان (يُقَدِّمُ وَيُؤَخِّرُ
وَيُثَبِّجُ) ولكن مع هذا التصرف والتثبيج في لفظ الحديث لا يخلط في معناه. قال
(وَلَكِنْ لَوْ جَهِدْتَ جُهْدَكَ أَنْ تُزِيلَهُ عَنِ الْمَعْنَى لَمْ يَفْعَلْ).
وهذا الأثر أورده الخطيب في باب (ذِكْرُ مَنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى جَوَازِ
رِوَايَةِ الْحَدِيثِ عَلَى الْمَعْنَى وَبَعْضُ الْمَحْفُوظِ عَنْهُ فِي ذَلِكَ)"
انتهى.
قلت: هذا الأثر جميل، لكنه لا يدلّ على ما فهمه الباحث! فلو كان
معناه الرواية بالمعنى لما كان لإطلاق هذا المصطلح عندهم أي معنى؟
فمن هو الذي لا يروي الحديث بالمعنى؟ فغالب أهل الحديث يروون
بالمعنى.
وإنما هذا المصطلح يتعلق بالحفظ كما شرحناه في البحث وبيناه وأن
وكيعاً كان يحاول أن يأتي بالألفاظ ولا يستطيع ويحمل نفسه على الحفظ.
وهذا يثبته هذا الأثر عن سفيان الثوري فهو يدل على تمام حفظه، فإن
تصرف بألفاظ الحديث فيصيب المعنى.
فمسألة الإتيان بالمعنى الصحيح من عدمه هو من آثار التثبيج، لا أنه
التثبيج هو الرواية بالمعنى.
والخطيب إنما ذكر هذا الأثر في باب من كان يذهب إلى جواز رواية
الحديث على المعنى لأن سفيان كان متقناً لهذا مهما تصرف بالألفاظ.
فهذا المصطلح كما ذكرت ليس جرحاً في الراوي على إطلاقه، لكن هو
إشارة إلى أنه قد يُخطئ في الحديث إذا حاول الإتيان بألفاظ قريبة من ألفاظ الحديث،
وأما من كان يتقن حفظه فلا يضره ذلك.
فمن قيل فيه إنه يثبج الحديث كوكيع وأبي عاصم النبيل فهذا لأنهم
كانوا يعتمدون على حفظهم فلا يأتون بألفاظ الحديث كما لو أنهم كانوا يقرؤون من
كتاب.
فالرواية من الحفظ مظنة الخطأ والوهم، فمن ثبّج وأتى بألفاظ مقاربة
للحديث قد يخطئ فيها = يعني أنه لم يأت بالحديث على وجهه، وقد يدخله الخلط والوهم
والاضطراب. والله أعلم.
وكتب: خالد الحايك.
16 محرّم 1446هـ.
**تنبيه آخر:
لما نشرت هذا توقعت أن يخرج علينا هذا الأحمق بكذبات أخرى! فعمل
لنا قصة "ألف ليلة وليلة" وراح يُشرّق ويغرّب دون أدلة وإنما بناء على
ما في مخيلته! وزعم أني لم أعدل البحث إلا بعد أن نشر بحثه المعدل = يعني أنا
أبقيت البحث = يعني عدلت البحث بعد مناقشة الأخ أحمد عوف لي بعد (7) أشهر! وهذا
التعديل تم لما حصلت على تلك الفائدة القيمة العظيمة التي ادعاها وهي ما قاله من
إعلال الحديث بتفرد معاوية بن أبي مزرد!
فزعم أنه كان يدخل صفحتي ليرى إذا كنت سأعدل شيئاً! وبقي يتابع ذلك
طيلة هذه الأشهر، ثم لما هو نشر بعده المعدل بتاريخ (18/3/2023) قمت أنا بتعديل
بحثي بعد هذا بأربعة أيام!!!!
ههههههه مضحك هذا والله وقصة خيالية تصلح لأن تُدرّس!
يا أحمق... إيش هذا الكلام الفارغ؟ وما دليلك عليه؟
وقد قال بأن المحاورة بيني وبين الأخ عوف كانت من طرف واحد وانتهت
ولم أعقب عليها!
نعم، هو نشر حلقة واحدة عن الموضوع، وعلقت عنده فقلت: "بوركت،
لما تنهي حلقاتك تجد ما يسرك بإذن الله. وإن كان عندي ضيق شديد في الوقت".
ثم نشر في اليوم التالي (10/8/2022) الحلقة الثانية، وعلقت عنده
فقلت: "بوركت. سيأتيك بالأخبار من لم تزود إن شاء الله. تابع أبا عمر
تابع".
ثم نشر في اليوم نفسه تعقيباً في المتابعة التي عند أبي عوانة في
"المستخرج".
ثم في اليوم التالي (11/8/2022) اعتذر الأخ عن متابعة الحوار،
فقال: "فضيلة الشيخ خالد الحايك: أعتذر عن مواصلة مناقشتي لكم في حديث (اللهم
أعط منفقاً). وأترك لغيري ممن يرى نفسه قد أوكله الله بحفظ الصحيحين أن يكمل
المهمة بعلمه وخبرته".
فعلقت عليه: "شكر الله لك أخي أبا عمر، دائما نفيد منكم،
والأمر متعلق بحفظ العلم والسنة، وليس متعلقاً بحظوظ شخصية!! فإن كان عندك أي
فائدة فزودنا بها، ونفرح بها، وننسبها إليكم كما فعلنا هذا من قبل في إفادتين
منكم. بارك الله فيك".
ثم صار بيننا محاورات على الخاص.
هذا كل ما حصل، فلما توقف الأخ عن المحاورة ذهبت مباشرة ودرست حديث
معاوية بن أبي المزرد، وعدلت بحثي في غضون أيام، لا كما يتخيل هذا المهووس بعد
نشره لتعديله بعد (7) أشهر وبعد أن قام هو بتعديل بحثه بأربعة أيام! أي عاقل سيصدق
ذلك!
وقد تراسلت مع الأخ أحمد عوف على الخاص في (20/8/2022)
وتجاذبنا الحوار، وقلت له: "استفدت منك فائدة متابعة حديث سليمان بن بلال
لكنها لم تؤثر على أصل العلة بل وجهتها توجيهاً آخر سأرسله لكم" – وعندي
صورة عنها إن أردتها أيها الكذاب.
بفضل الله استفدت من الفائدة ومباشرة أعدت دراسة الحديث، وعدلت
البحث بناءًا على ذلك.
ونفصل في ذلك:
قال المهووس: "وقد مكثت فترة بعد ذلك أتردد على موقع الأخ
الحايك وبحثه عسى أن أجد له رداً فلم أجد شيئاً. وكان من سبب إعادة نشري للبحث أني
لم أجد له رداً ولا نقداً على كلام مخالفيه طيلة تلك الشهور السابقة! وبعد
الانتهاء من إعداد النسخة المزيدة وقبيل نشرها قمت بالاطلاع على بحثه مرة أخرى عسى
أن أجد شيئاً جديداً فلم أجد، وقمت بنشر البحث والإعلان عنه على صفحتي بتاريخ
(8/2/2023)...".
ثم قال: "وبعد نشري للبحث وجدت الأخ قد ألحق التعديل وأصلح
الخطأ! ثم لم ينشر الباحث وقتها شيئاً على صفحته في بيان هذا فلما فعل ذلك قمت
بنقده على صفحتي وبيان بفعلته بتاريخ (14/3/2023) وهذه كلها تواريخ لمنشورات على
الفيس موجودة".
ثم قال: "وأول منشور له عن التعديل الجديد الذي أدخله وأنه
قام بإصلاح الخطأ والإعلال بمعاوية بن أبي مزرد متى كان هذا؟ بتاريخ 18/3/2023 بعد
تعقبي له بأربعة أيام فقط! فكما أنه نشر التعديل عقب بحثي فكذلك أعلن عنه عقب نشر
نقدي.. (يا محاسن الصدف)".
أقول:
ملخص كلام هذا المهووس أنه عدّل بحثه الأصلي ونشره في (8/2/2023)
وفيه تلك الفائدة العظيمة المسروقة، ونشر إعلاناً بنشره البحث.
فلما رأيت هذا الفتح العظيم أخذته وعدلت بحثي عليه! وانتظر الأخ
حتى تاريخ (14/3/2023) ونشر أخذي لذلك الكنز العظيم دون عزوها إليه!
ثم قمت أنا بالإشارة إلى تحديث بحثي بعد أربعة أيام من نشره هو
لهذا الفعل – أي في (18/3/2023)!!
أولاً: الإعلان الذي نشره عن بحثه في (8/2/2023) ليس فيه أنه
عدّله! وإنما هو نشر لرابط البحث فقط! ولا يوجد أي تعليق في المنشور.
وعندما تفتح الرابط تجد أن تاريخ الإنشاء: (27/3/2023)! وهذا غريب؛
لأنك لو فتحت روابط أخرى نشرها لبحوثه كما هو الحال في نشره لرابط بحث: "أهل
الكتاب أول من لقبوا عمر بالفاروق" نشره في (15/2/2023) فإذا فتحت الرابط
وجدت تاريخ الإنشاء: (14/2/2023).
وهذا هو الأمر المنطقي أن تنشر البحث في مدونتك أو على مكتبو نور
هذه التي ينشر عليها، ثم ينشر الرابط على صفحته في اليوم نفسه أو بعد ذلك.
فكيف ينشئ البحث في مكتبة نور في تاريخ (27/3/2023) وكان قد نشر
الرابط قبله بتاريخ (8/2/2023)؟!
وإذا نزلنا في الصفحة التي فيها رابط الكتاب نجد فيها تحت وصف
الكتاب:
"تاريخ إصدار البحث هنا 6/2/2023. تم زيادة بعض الإضافات في:
27/3/2023".
وهذه المعلومات يكتبها صاحب الصفحة وهو المؤلف، فهو يتحكم فيها بما
ينشر!
فمن خلال ذلك يتبين أنه فعلاً نشر بحثه الأصلي في (6/2/2023) ثم
نشر الرابط في (8/2/2023) ولا يوجد فيه أية إضافات، وإلا لذكرها!
ثم في (27/3/2023) أدخل بعض التعديلات كما ذكر هو الصفحة، فصار هو
نفسه تاريخ الإنشاء.
ويحتمل أنه فعلاً أنشأه بتاريخ: (27/3/2023) إذا كان لا يستطيع
تغيير التواريخ في مكتبة نور، ودخل إلى منشور له في تاريخ (8/2/2023) فوضع فيه
رابط البحث في مكتبة نور والذي يظهر فيه بجلاء أنه أنشئ بتاريخ (27/3/2023)!
فهو المتحكم في صفحته، ويفعل ما يشاء فيها!
ثانياً: قوله: "وبعد نشري للبحث وجدت الأخ قد ألحق التعديل
وأصلح الخطأ! ثم لم ينشر الباحث وقتها شيئاً على صفحته في بيان هذا فلما فعل ذلك
قمت بنقده على صفحتي وبيان بفعلته بتاريخ (14/3/2023) وهذه كلها تواريخ لمنشورات
على الفيس موجودة" كلام مصنوع لكن ليس بدقة!
فكيف عرفت أني عدلت ذلك بعد نشرك لبحثك! وأما الهراء الذي تقوله
هذا فلا دليل عليه!
طيب... جميل...
أنت نشرت بحثك دون الإشارة إلى تعديله، ثم كنت تدخل إلى صفحتي
باستمرار لترى إن كان ثمة تعديل... فمتى قمت أنا بتعديل البحث، فأنت نشرته في
(8/2/2023) وتكلمت على التعديل في (14/3/2023) = يعني بعد أكثر من شهر!
يعني طيلة هذا الوقت وأنت يا مسكين تتابع إن كنت سأعدل شيئاً؟!
وكيف عرقت أني سأفعل ذلك؟
والحقيقة أني عدلت بحثي بناء على ما نبهني عليه الأخ أحمد عوف في
أيام بفضل الله وأرسلت له أخبرته بذلك.
فلما رأيت أنت ذلك قمت باختراع هذه القصة الخيالية ونشرت هذا
الاتهام في (14/3/2023)! والله حسيبك.
ثالثاً: وأما أن أول منشور لي عن التعديل الجديد والإعلال بمعاوية
كان بتاريخ (18/3/2023) بعد تعقبك بأربعة الأيام فهذا حجة عليك لا لك!
فإذا كنت قد فعلت ذلك فهل أجرؤ على كتابة هذا وأنت قد أشرت إلى
اتهامي قبل ذلك بأربعة أيام!
وكانت مناسبة ذلك المنشور هو الرد على من يطعن فينا، وأننا بفضل
الله رجاعون للحق، ومن أفادنا بشيء شكرناه وذكرناه، ولو فعلاً كانت هذه االفائدة
عندك ونقلناها لعزوناها لك دون حرج.
فيبقى زعمك أني نشرت التعديل عقب نشر بحثك المزعوم!!!
وما أجدك إلا متخبطاً!
ويبقى السؤال العجيب كيف يفتح رابط البحث الذي نشرته في (8/2/2023)
ولم تقل أنك عدلت فيه أي شيء، يفتح في صفحة تاريخ الإنشاء فيها في (27/3/2023)؟!!!
ثم زاد هذا المهووس ضَغثاً على إبالة وقال: "وقد أشرت إلى التفرد
في النسخة المعدلة التي نشرتها قبل تعديلك مع أن المخالفة أقوى من التفرد فليس كل
تفرد مردود، ولولا المخالفة وكون الحديث من رواية كعب الأحبار لكانت العلة ضعيفة
قابلة للأخذ والرد لذلك احتج البخاري ومسلم بتفرده".
فهذا يزيد كذباً على كذب!!!
فانظروا يقول: "وقد أشرت..." = يعني أنه في بحثه الأصل
لم يتعرض لذلك!
ثم أنت تدعي أنك صرحت بهذا التفرد، ثم تقول الآن:
"أشرت"!! فأين الإشارة؟ ولم حدت عن قولك بالتصريح الذي هو محل النزاع!
وأما قصة أن المخالفة أقوى فهذا يدل على ضعفك وجهلك في هذا العلم!
أتكون المخالفة في إسنادين مخارجهما مختلفة؟!!
المخالفة تكون على الشيخ نفسه يا مُسيكين، والإسناد الآخر يستخدم
في الترجيح.
عموماً... لا يوجد في كلامك أنك أعللته بتفرد معاوية = فثبت كذبك!
وإثباته دونه خرط القتاد إلا في مخيلتك الواسعة! وكلامك الإنشائي الذي لا يسمن ولا
يغني من جوع ولا يحمل الأدلة عليه!
ولو أني وقفت على بحثك المعدل كما تزعم لسرقت منك قصة المخالفة لا
التفرد! أليس كذلك؟ مع العلم أن كل ما ذكرته في بحثك هو في بحثي الذي نشرته قبلك!
ويبقى السؤال: أين قولك في بحثك المعدل بعد أن اعترفت أنك لم تذكر
هذا في بحثك الأصلي بحسب قولك بأنك أشرت لذلك في المعدل؟!!
ثم إن الأمر – والله – لا يستاهل كل ذلك! فلا أدري لم كبرت الموضوع
ودخلت في الاتهامات والكذب ووووو!!!
إذا كان عندك مرض نفسي أو حقد داخلي فعالج نفسك، وأسأل الله أن
يشفيك.
وكم هو مضحك قولك إنك خالفتني غير مرة في الحكم على بعض الأحاديث
ونقلت كلامي ورددت عليه ولم تذكرني أصلاً: وتقول: (بعض الباحثين)، وربما لم يعرف
أحد أني المقصود إلا لو كان ممن يتابع أبحاثي جيداً!!!
يا رجل... لم هذه السرية؟ صرّح ولا تخف! مع أني لم أجد هذه
الإشارات التي قلتها في جولة سريعة في صفحتك الفيسبوكية، وخالف كما تشاء!
وأما ما قلته في آخر هرائك من اتهامات لا علاقة لها بالحديث ولا
بالعلم فهذا من حجة الضعيف الحاقد الذي يريد أن يؤذي الناس!!! - والله حسيبك -
وهذه لعمري رقة في الدِّين! وهذا نابع من منهجك العقدي الغارق في الإرجاء! والخلط
في مسائل الإيمان!
وكنت أستطيع أن أتكلم عليك علمياً وأنت تجمع ما شذّ من مسائل
وتدافع عنها بحجة التحقيق العلمي كمسألة المعازف، وإدخالك بعض المشركين النار دون
فهم وعلم! وتظن أنك على شيء! وما أنت والله إلا بعوضة وقعت على نخلة، لم تؤثر
عليها، وعندنا ما يشغلنا عن أفكارك العفنة هذه!
هداك الله وأصلحك.
18 محرّم 1446هـ.
***تنبيه ثالث:
لم يقف هذا الأحمق ولا يزال يتابع ما أكتبه، فاخترع قصة أن الموقع
الذي ينشر عليه يضع تاريخ الإنشاء آخر تاريخ عدّل فيه!
طيب، هب أن ذلك صحيح، فلم لم يُعلق على نشره إعلان البحث في شهر
(2/2023)!!!
فلا يوجد أية إشارة إلى التعديل المزعوم!
وآن الآن لأن أتهمه بصراحة: هو من سرق فكرة التفرد لما عدّلت بحثي
بناء على محاورة الأخ أحمد عوف – مع أن المسألة والله لا تستحق كل ذلك! وإنما هذا
يدل على مرض الرجل النفسي!
فالأصل في بحثه الأصلي هو لم يتعرض لكل هذا! فعليه الإثبات إذن!
ثم من هو حتى أطلع على بحثه وآخذ منه!!! الله المستعان.
وأما الرابطين اللذين ذكرهما في بعض ردوده على حديثين أنا تكلمت
عليهما في بحوث طويلة بقوله: "أحد الباحثين" فلا يسويا شيئاً! ولا أقول
إلا أيها المسكين هذا الفنّ ليس فنك فلا تتقحم ما هو أكبر منك.
ويا أيها الأحمق أنا بفضل الله من يكشف السراق، وهو أعلم أني لا
آخذ حرفاً من أحد إلا أعزوه له.
فتوقف أنت عن الكذب والتدليس!
وكان بإمكاني من البداية أن أقول: أنت قد سرقت مني علة الحديث
الأصلية وهو أن الحديث من قول كعب الأحبار!
لكن لا أفتري على الناس، وإذا تكلمت تكلمت بفضل الله بحجة ودليل
وبرهان.
ومن نظر إلى بحثك الأصلي وبحثك المعدّل يرى البون الشاسع بينهما!
والسؤال: ما الذي دعاك لهذا التعديل الجذري في البحث؟ وهو البحث
الوحيد من بين بحوثك اليتيمة الركيكة الذي قمت بتعديله؟
سيقول العارف الفاهم: من المؤكد ما تابعته من محاورة الأخ أحمد معي
وما عدلته أنا في بحثي!
ولا أقول إلا هداك الله وأصلحك.
22 محرم 1446هـ.
شاركنا تعليقك