«مَلاذ الأَفذاذ» في بَيان رواية «طَاوُس عَن مُعاذ».
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام
على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين، ومن سار على نهجهم إلى يوم
الدِّين، وبعد:
فقد روى الإمام التابعي الكبير طاوس
اليماني بعض الأحاديث والأقضية عن معاذ بن جبلٍ - رضي الله عنه -، وهو لم يُدركه!
وقد اختلف العلماء في حكم ما يرويه عنه، فمنهم من قبله، ومنهم من ردّه، وسأفصّل في
هذا البحث بإذن الله وجمع ما رواه عنه، بعد أن أذكر شيئاً يسيراً من ترجمة معاذ
وطاوس.
·
ترجمة
موجزة لسيدنا معاذ وبعث النبي صلى الله عليه وسلم له إلى اليمن قاضياً ومُعلماً:
أما مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ الأَنْصَارِيّ -
رضي الله عنه - فهو أحد السبعين الَّذِينَ شهدوا العقبة من الأنصار، وشهد بدراً - وهو
ابن عشرين أو إحدى وعشرين-، وأُحداً، والمشاهد كلها مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بينه وبين عَبْداللَّهِ بْن مسعود. وكَانَ عمره لِمَا أسلم ثماني عشرة
سنة.
وبعثه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاضياً إِلى جبل الجَنَد من اليمن، يُعلّم الناس القرآن وشرائع
الإسلام، ويقضي بينهم، وجعل إِلَيْهِ قبض الصدقات من العمّال الذين باليمن.
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَلَّى زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ حَضْرَمَوْتَ، وَوَلَّى أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ
زَبِيدَ، وَرِمَعَ وَعَدَنَ وَالسَّاحِلَ، وَوَلَّى نَجْرَانَ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ
الأَنْصَارِيَّ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ وَلَّى أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ نَجْرَانَ
بَعْدَ عَمْرِو بن حزم.
وكان صلى الله عليه وسلم بعث عمّاله إلى
اليمن في سنة عشر بعدما حجّ حجة التمام.
وشيّع النبيّ صلى الله عليه وسلم معاذاً ماشياً
في مخرجه إلى اليمن وهو راكب.
وكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ اليَمَنِ كِتَابًا يُخْبِرُهُمْ فِيهِ
بِشَرَائِعِ الإِسْلامِ وَفَرَائِضِ الصَّدَقَةِ فِي المَوَاشِي وَالأَمْوَالِ
وَيُوصِيهِمْ بِأَصْحَابِهِ وَرُسُلِهِ خَيْرًا.
روى البُلاذريّ في «فتوح البلدان» (ص: 77)
عن عَبْداللَّهِ بن صَالِحٍ المُقْرِئ - والد أحمد بن عبدالله العجلي صاحب «التاريخ»
-.
وأبو عُبيد القاسم بن سلاّم في «الأموال»
(ص: 259) (517) عن عُثْمَان بن صَالِحٍ. [ورواه ابن زنجويه في «الأموال» (2/463) (749)].
كلاهما عن ابن لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي
الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى زُرْعَةَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَرْسَلَ إِلَى زُرْعَةَ ذِي يَزِنٍ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ
عِنْدَنَا زُرْعَةُ بْنُ ذِي يَزِنٍ - إِذَا أَتَاكُمْ رُسُلِي فَإِنِّي آمُرُكُمْ
بِهِمْ خَيْرًا: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَعَبْدُاللَّهِ بنُ رَوَاحَةَ، وَمَالِكُ
بْنُ عُبَادَةَ، وَعُتْبَةُ بْنُ نِيَارٍ، وَمَالِكُ بْنُ مُرَارَةَ،
وَأَصْحَابُهُمْ، فَاجْمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَكُمْ لِلصَّدَقَةِ وَالْجِزْيَةِ
فَأَبْلِغُوَهَا رُسُلِي، فَإِنَّ أَمِيرَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَلَا
يَنْقَلِبُنَّ مِنْ عِنْدِكُمْ إِلَّا رَاضِينَ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ
مُحَمَّدًا يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّهُ عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ مَالِكَ بْنَ مُرَارَةَ الرَّهَاوِيَّ حَدَّثَنِي أَنَّكُ
أَسْلَمْتَ مِنْ أَوَّلِ حِمْيَرَ، وَفَارَقْتَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَبْشِرْ
بِخَيْرٍ، وَإِنِّي آمُرُكُمْ يَا حِمْيَرُ خَيْرًا، فَلَا تَخُونُوا وَلَا
تُحَادُّوا، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْلَى
غَنِيِّكُمْ وَفَقِيرِكُمْ، وَإِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا
لِأَهْلِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ زَكَاةٌ تُزَكُّونَ بِهَا لِفُقَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ
وَإِنَّ مَالِكًا قَدْ بَلَّغَ الْخَبَرَ وَحِفِظَ الْغَيْبَ، وَإِنِّي قَدْ
أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ مِنْ صَالِحِي وَأَهْلِي وَأُولِي دِينِهِمْ فَآمُرُكُمْ
بِهِ خَيْرًا، فَإِنَّهُ مَنْظُورٌ إِلَيْهِ، وَالسَّلَامُ». وَقَالَ أَبُو
عُبَيْدٍ: أُرَاهُ يَعْنِي مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ.
وفي رواية البلاذري: «أَمَّا بَعْدُ،
فَإِذَا أَتَاكُمْ رَسُولِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَصْحَابُهُ فَاجْمَعُوا مَا عِنْدَكُمْ
مِنَ الصَّدَقَةِ وَالجِزْيَةِ فَأَبْلِغُوهُ ذَلِكَ، فَإِنَّ أَمِيرَ رُسُلِي
مُعَاذٌ وَهُوَ مِنْ صَالِحِي مَنْ قِبَلِي، وَأَنَّ مَالِكَ بْنَ مُرَارَةَ
الرَّهَاوِيَّ...».
قلت: وهذا من كتاب «مغازي عروة» برواية
ابن لهيعة، وهو كتاب صحيح كما حققته في موضع آخر بحمد الله ومنّه وكرمه.
لكن ما وقع فيه من ذكر "عبدالله بن
رواحة" فيه نظر! فعبدالله استشهد بمؤتة سنة (8هـ)، ولم يكن مع الذين أرسلهم
النبي صلى الله عليه وسلم لليمن مع معاذ! والظاهر أنه محرّف، وهو "عبداللَّه
بن زيد" كما روى ابن منده هذه القصة بإسناد آخر.
قال ابن حجر في «الإصابة» (5/556): "قال
ابن منده: أَخْبَرَنَا أَبُو اليزن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بْن
عَبْد الْعَزِيز بْن عفير بْن عَبْد الْعَزِيز بْن السفر بْن عفير بْن زرعة بْن
سيف بْن ذي يزن، قال: وكتبته من كتاب أدم منه، ذكر أنه كتاب النبي صلّى اللَّه
عليه وآله وسلم، قال: حَدَّثَنَا عمي أَبُو روح أَحْمَد بْن خيش، حَدَّثَنِي عمي
مُحَمَّد بْن عَبْدالعزيز، قَالَ: سَمِعْتُ أبي وعمي يقولان، عن أبيهما، عن جدهما عفير
بن زرعة هذا الكتاب فذكره وفيه: فإذا جاءكم رسلي فآمركم بهم خيراً: معاذ بن جبل، وعبداللَّه
بن زيد، ومالك بن عبدة، وعقبة بن مر، ومالك بن مزرد، وأصحابهم.
وفيه: وإن مالك بن مزرد الرّهاوي قد
حدّثني أنك قد أسلمت من أول حمير، وأنك قاتلت المشركين، فأبشر بخير، وآمرك بحمير
خيراً فلا تحزنوا ولا تجادلوا، وإن مالكا قد بلّغ الخبر، وحفظ الغيب، فآمرك به
خيراً. وسلام عليكم".
قال ابن حجر في «الإصابة» (4/314): "قلت:
ورجال هذا الإسناد مجاهيل".
ورواه البيهقي في «السنن الكبرى» (9/327)
(18676) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرَوَيْهِ بنِ أَحْمَدَ
الْمَرْوَزِيُّ، قال: حدثنا أَبُو عَبْدِاللهِ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ
الْمَعَافِرِيُّ، قال: حدثنا أَبُو يَزَنَ الْحِمْيَرِيُّ إِبْرَاهِيمُ بْنُ
عَبْدِاللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ بْنِ عُفَيْرِ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ
بْنِ عُفَيْرِ بْنِ زُرْعَةَ بْنِ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ، قال: حَدَّثَنِي عَمِّي
أَحْمَدُ بْنُ حُبَيْشِ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي عُفَيْرٌ،
قال: حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُالْعَزِيزِ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي عُفَيْرُ، قال: حَدَّثَنِي
أَبِي زُرْعَةُ بْنُ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ قَالَ: «كَتَبَ إِلِيَّ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا هَذَا نُسْخَتُهُ، فَذَكَرَهَا وَفِيهَا:
وَمَنْ يَكُنْ عَلَى يَهُودِيَّتِهِ أَوْ عَلَى نَصْرَانِيَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا
يُفْتَنُ عَنْهَا، وَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى،
حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ دِينَارٌ أَوْ قِيمَتُهُ مِنَ الْمَعَافِرِ».
قال البيهقي: "وهَذِهِ الرِّوَايَةُ
فِي رُوَاتِهَا مَنْ يُجْهَلُ، وَلَمْ يَثْبُتْ بِمِثْلِهَا عِنْدَ أَهْلِ
الْعِلْمِ حَدِيثٌ، فَالَّذِي يُوَافِقُ مِنْ أَلْفَاظِهَا وَأَلْفَاظِ مَا
قَبْلَهَا رِوَايَةَ مَسْرُوقٍ مَقُولٌ بِهِ، وَالَّذِي يَزِيدُ عَلَيْهَا وَجَبَ
التَّوَقُّفُ فِيهِ".
وروى أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» من
طريق (3/1233) إِبْرَاهِيم بن سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «وَقَدِمَ
عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ مُلُوكِ حِمْيَرَ
مَقْدَمَهُ مِنْ تَبُوكَ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ زُرْعَةُ بْنُ ذِي يَزَنَ مَالِكِ
بْنِ مُرَّةَ الرَّهَاوِيُّ بِإِسْلَامِهِمْ وَمُفَارَقَتِهِمُ الشِّرْكَ
وَأَهْلَهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ».
قال ابن إسحاق: وَحُدِّثْتُ عَنْ أَبِي
اليَزَنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِاللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ
بْنِ عُفَيْرِ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ بْنِ السَّفَرِ بْنِ عُفَيْرِ بْنِ زُرْعَةَ
بْنِ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ مَلِكِ الْيَمَنِ، قال: حدثنا عَمِّي أَبُو رَوح
أَحْمَدُ بنُ خَنْبَشٍ، قال: حدثنا عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ،
سَمِعْتُ أَبِي وَعَمِّي يَقُولَانِ: عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ جَدِّهِمَا عُفَيْرِ
بْنِ زُرْعَةَ، عَنْ أَبِيهِ زُرْعَةَ بْنِ سَيْفٍ قَالَ: «كَتَبَ إِلَيَّ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْكِتَابَ: بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا الْكِتَابُ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى زُرْعَةَ ذِي يَزَنَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي
أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّهُ وَقَعَ بِنَا رُسُلُكُمْ مَقْفَلَنَا مِنْ أَرْضِ الرُّومِ،
فَلَقِيَتْنَا بِالْمَدِينَةِ، فَأَبْلَغَتْ مَا أَرْسَلْتُمْ بِهِ، وَأَخْبَرَ
بِمَا كَانَ مِنْ قِبَلِكُمْ، وَأَنْبَأَنَا بِإِسْلَامِكُمْ، وَبِقِتَالِكُمُ
الْمُشْرِكِينَ، وَأَنَّ اللهَ قَدْ هَدَاكُمْ بِذَلِكُمْ إِنْ أَصْلَحْتُمْ
وَأَطَعْتُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَأَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ، وَآتَيْتُمُ
الزَّكَاةَ، وَأَنْطَيْتُمْ خُمْسَ اللهِ مِنَ الْمَغَانِمِ، وَسَهْمَ النَّبِيِّ
وَالصَّالِحِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الصَّدَقَةِ، مِنَ الْعَقَارَ عُشْرُ
مَا سَقَى الْغَيْلُ وَسَقَتِ السَّمَاءُ، وَعَلَى مَا سَقَى الْغَرْبُ نِصْفُ
الْعُشْرِ، وَإِنَّ فِي الْإِبِلِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ نَاقَةً نَاقَةٌ، وَفِي
كُلِّ ثَلَاثِينَ لَبُونًا لَبُونٌ، وَفِي عِشْرِينَ شَاتَانِ، وَفِي عَشَرَةٍ
شَاةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مِنَ الْبَقَرَةِ، وَفِي ثَلَاثِينَ تَبِيعًا
جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ، وَإِنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مِنَ الْمَعْزِ وَالْغَنَمُ
سَارِحَةٌ شَاةٌ، وَإِنَّهَا فَرِيضَةُ اللهِ الَّتِي فَرَضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
مِنَ الصَّدَقَةِ، فَمَنَ زَادَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَمَنْ أَنْطَى
ذَلِكُمْ، وَأَشْهَدَ عَلَى إِسْلَامِهِ، وَظَاهَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى
الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّ لَهُ ذِمَّةَ اللهِ
وَذِمَّةَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، وَإِنَّهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ
نَصْرَانِيٍّ فَإِنَّهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ مَا لَهُمْ، وَعَلَيْهِ مَا
عَلَيْهِمْ، وَمَنْ يَكُنْ عَلَى يَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ فَإِنَّهُ لَا
يُفْتَنُ عَنْهَا وَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، عَلَى كُلِّ حَالِمٍ، ذَكَرٌ أَوْ
أُنْثَى، حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ دِينَارًا، وَمِنْ قِيمَةِ الْمَعَافِرِ إِنْ عَرَضَهُ
لَنَا، فَمَنَ أَدَّى ذَلِكُمْ إِلَى رُسُلِي فَإِنَّ لَهُ ذِمَّةَ اللهِ
وَرَسُولِهِ، وَمَنْ مَنَعَهُ فَإِنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ
وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّ ذِمَّةَ اللهِ وَالرَّسُولِ بَرِيئَةٌ مِنْهُ».
«أَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ رَسُولَ
اللهِ مُحَمَّدًا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ إِلَى
زُرْعَةَ ذِي يَزَنَ أَنْ: إِذَا جَاءَكُمْ رُسُلِي فَآمُرُكُمْ بِهِمْ خَيْرًا:
مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَعَبْدُاللهِ بْنُ زَيْدٍ، وَمَالِكُ بْنُ عَبْدٍ،
وَعُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَمَالِكُ بْنُ مُرَّةَ أَصْحَابُهُمْ، وَأَنِ اجْمَعْ
مَا عِنْدَكَ مِنَ الصَّدَقَةِ وَمِنِ الْجِزْيَةِ مَنْ بِخِلَافِكَ، فَأَبْلِغْهُ
رُسُلِي، وَإِنَّ أَمِيرَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَلَا يَنْقَلِبُوا مِنْ
عِنْدِكُمْ إِلَّا رَاضِينَ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مُحَمَّدًا يَشْهَدُ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّهُ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِنَّ مَالِكَ بْنَ
مُرَّةَ الزُّهْرِيَّ قَدْ حَدَّثَنِي: أَنَّكَ أَسْلَمْتَ مِنْ أَوَّلِ حِمْيَرَ،
وَأَنَّكَ قَاتَلْتَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَبْشِرْ بِخَيْرٍ، وَآمُرُكَ بِحِمْيَرَ
خَيْرًا، فَلَا تَخُونُوا وَلَا تُخْاذِلُوا، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْلَى غَنِيِّكُمْ وَفَقِيرِكُمْ، تِلْكَ صَدَقَةٌ
لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِأَهْلِهِ، إِنَّمَا هِيَ زَكَاةٌ يُزَكِّيكُمْ
بِهَا، وَفُقَرَاءُ الْمُؤْمِنِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنَّ مَالِكًا قَدْ
بَلَغَ الْخَيْرَ وَحَفِظَ الْغَيْبَ، فَآمُرُكَ بِهِ خَيْرًا، وَإِنِّي قَدْ
أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ مِنْ صُلَحَاءِ أَهْلِي وَذَوِي عِلْمِهِمْ وَكُتُبِهِمْ،
فَآمُرُكَ بِهِمْ خَيْرًا، وَإِنَّهُ مَنْظُورٌ إِلَيْهِمْ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ
وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَسَلَامٌ عَلَيْكُمْ». عَبْدُاللهِ بْنُ زَيْدٍ
الكَاتِبُ، وَلَفْظُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ مِثْلُهُ قَرِيبٌ مِنْهُ، حَدَّثَنَاهُ
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ، قال: حدثنا أَبُو يَزَنَ، بِهِ مِنْ كِتَابٍ
أَدِيمٍ، ذَكَرَ أَنَّهُ كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَا يُعْرَفُ مَوْصُولًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ».
وذكر ابن حجر في «الإصابة» أيضاً (4/367)
قال: "عتبة بن نِيار - بكسر النون بعدها تحتانية خفيفة -، غير منسوب. روى ابن
منده من طريق أبي عُبيد بن سلاّم، ثم من طريق ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة:
أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كتب إلى زرعة بن سيف بن ذي يزن: «إذا أتتك
رسلي فآمرك بهم خيراً: معاذ بن جبل، وعتبة بن نيار»، وذكر جماعة. وذكر ابن إسحاق
هذه القصة ولم يسمّ فيهم عتبة".
وقال ابن حجر أيضاً (2/350): "ذو يزن:
ذكره أبو موسى عن عبدان، قال: قدم ذو يزن، واسمه مالك بن مرارة على النبيّ صلى اللَّه
عليه وآله وسلم من عند زرعة بن سيف بإسلامهم وإسلام ملوك اليمن فكتب له كتاباً".
وقال (5/544): "مالك بن عبدة
الهمدانيّ: قال ابن منده: له ذكر في الكتاب الّذي كتبه النبيّ صلّى اللَّه عليه
وآله وسلم إلى زرعة بن سيف بن ذي يزن يوصيه بمعاذ ومالك بن عبدة وغيرهما".
وروى ابن سعد في «الطبقات» (3/438) قال: أَخْبَرَنَا
الفَضْلُ بنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي
نَجِيحٍ قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إلى أَهْلِ
اليَمَنِ وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مُعَاذًا: «إِنِّي قَدْ بَعَثْتُ عَلَيْكُمْ مِنْ
خَيْرِ أَهْلِي وَالِيَ عِلْمِهِمْ وَالِيَ دِينِهِمْ».
قلت: وهذا منقطع، وكان أبو نَجيح من أصحاب
طاوس، وابنه عبدالله روى عن طاوس أيضاً، فلعل هذا مما أخذه عبدالله بن أبي نجيح من
طاوس، ويؤيده ما قبله من كتاب «المغازي» لعروة بن الزبير.
وروى ابن سعد أيضاً من طريق سَعِيد بن
عُبَيْدٍ الطَّائِيُّ عَنْ بَشِيرِ بنِ يَسَارٍ الحارثي المدني، قَالَ: «لَمَّا
بُعِثَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ إِلَى اليَمَنِ مُعَلِّمًا، قَالَ: وَكَانَ رَجُلا
أَعْرَجَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ فِي اليَمَنِ فَبَسَطَ رِجْلَهُ فَبَسَطَ الْقَوْمُ
أَرْجُلَهُمْ. فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: قَدْ أَحْسَنْتُمْ وَلَكِنْ لا تَعُودُوا
فَإِنِّي إِنَّمَا بَسَطْتُ رِجْلَيَّ فِي الصَّلاةِ لأَنِّي اشْتَكَيْتُهَا».
وبشير لم يدرك معاذاً، لكن هذا مما يُقبل
منه، وكان شيخاً كبيراً فقيها، وكان قد أدرك عامة أصحاب رَسُول اللَّهِ صلى الله
عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وكان ثقة.
قال خليفة بن خيّاط في تسمية عُمّال النبي
صلى الله عليه وسلم: "ومعاذ بن جبل على الجند، والقضاء، وتعليم الناس الإسلام
وشرائعه، وقراءة القرآن، وجعل قبض الصدقات من العمال الذين بها يعني باليمن إلى
معاذ بن جبل".
قال محمد بن خلف المعروف بوكيع في «أخبار
القضاة» (1/97): "وقد قضى معاذ بن جبل في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وروى من طريق قتادة، عَن أبي حسان، عَن
الأسود بن يزيد؛ قال: "قضى معاذ ورَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حيّ".
وروى من طريق ابن عيينة، عَن ابن أبي
نجيح؛ قال: "قضى معاذ باليمن".
وقد رُوي عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ: «أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ له حِينَ بَعَثَهُ إِلَى
الْيَمَنِ فَذَكَرَ: كَيْفَ تَقْضِي إِنْ عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟ قَالَ: أَقْضِي
بِكِتَابِ اللهِ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللهِ؟ قَالَ:
فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سَنَةِ رَسُولِ اللهِ؟ قَالَ:
أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلَا آلُو. قَالَ: فَضَرَبَ صَدْرِي فَقَالَ: الحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِمَا يُرْضِي رَسُولَهُ».
وهذه القصة مشهورة في الكتب إلا أن الأكثر
على ضعفها لجهالة من رواها عن معاذ! وسأفردها ببحث خاص إن شاء الله تعالى.
وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عامله
على اليمن، ولم يكن قد رجع منها.
روى البغوي في «معجم الصحابة» (5/278) من
طريق مصعب الزبيري، قال: حدثني مالك بن أنس، عن حميد بن قيس المكي، عن طاووس
اليماني: «أنّ معاذ بن جبل - رضي الله عنه - حين توفي رسول الله صلى الله عليه
وسلم لم يكن قدم معاذ - يعني لما بعثه إلى اليمن -».
وروى عبدالرزاق في «مصنفه» (4/22) (6844) عَنِ
ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، «إِنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ
لَمْ يَزَلْ بِالجَنَدِ إِذْ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ حَتَّى مَاتَ، وَأَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى
عُمَرَ فَرَدَّهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ».
·
حديث
مُنكر يُروى عن معاذ!
وهذا يدفع الحديث المُنكر الذي يُروى عَنْ
مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ: «أَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ مِنَ اليَمَنِ، قَالَ: يَا رَسُولَ
اللهِ، رَأَيْتُ رِجَالًا بِاليَمَنِ يَسْجُدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، أَفَلَا
نَسْجُدُ لَكَ؟ قَالَ: لَوْ كُنْتُ آمِرًا بَشَرًا يَسْجُدُ لِبَشَرٍ، لَأَمَرْتُ
الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا».
أخرجه أحمد في «مسنده» (36/312) (21986)
عن وَكِيع.
وابن أبي شيبة في «مصنفه» (9/323) (17411)
عن أبي معاوية الضرير.
والطبراني في «المعجم الكبير» (20/174)
(373) من طريق جرير بن عبدالحميد الرازي.
ثلاثتهم عن الْأَعْمَش، عَنْ أَبِي
ظَبْيَانَ، عن معاذ، به.
ورواه أحمد بعد الرواية الأولى (21987)،
وكذا ابن أبي شيبة (17412) كلاهما عن عبدالله بن نُمَيْرٍ، عن الأَعْمَش، عَنْ
أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،
قَالَ: أَقْبَلَ مُعَاذٌ مِنَ الْيَمَنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي
رَأَيْتُ رِجَالًا، فَذَكَرَ مَعْنَاهُ.
فبيّن أحمد وابن أبي شيبة أن الحديث يرويه
أبو ظبيان عن رجل مجهول لا يُعرف! وهو حديث منكر!
والعجب كيف يصححه شعيب الأرنؤوط في تعليقه
على مسند أحمد بشاهد عبدالله بن أبي أوفى!! مع اضطراب حديثه، وفي بعض رواياته: "أن
معاذاً قدم اليمن -أو الشام- على الشك"، وفي بعضها: "أن معاذاً أتى
الشام"!! وكلاهما منكر! فمعاذ لم يرسله النبي صلى الله عليه وسلم للشام في
حياته.
ثم من أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم
لتعليم الناس «التوحيد» يرجع ليفعل ويطالب بالشّرك؟!! بل وفي بعض الروايات: "لَمَّا
قَدِمَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ مِنَ الشَّامِ سَجَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"!!
فالله المستعان على من يصحح مثل هذه
الروايات الباطلة!
تُوُفِّيَ معاذ شَهِيْداً فِي طَاعُوْنِ
عَمَوَاسَ بِالأُرْدُنِّ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ.
وعاش أربعاً وثلاثين سنة. وقيل غير ذلك.
·
ترجمة
موجزة لطاوسٍ اليمانيّ:
وأما طَاوُسُ بنُ كَيْسَانَ فهو أَوَّلُ
الطَّبَقَةِ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ، وهو مَوْلَى بَحِيرِ بنِ رَيْسَانَ الحِمْيَرِيِّ،
وَكَانَ يَنْزِلُ الجَنَدَ، وقيل: هُوَ مَوْلَى لِهَمْدَانَ، وقيل: هُوَ مَوْلَى
لابْنِ هَوْذَةَ الْهَمْدَانِيِّ. وَكَانَ أَبُو طاوس مِنْ أَهْلِ فَارِسَ
وَلَيْسَ مِنَ الأَبْنَاءِ فَوَالَى أهل هذا البيت.
قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (5/38):
"طَاوُوْسُ بنُ كَيْسَانَ الفَارِسِيُّ، الفَقِيْهُ، القُدْوَةُ، عَالِمُ اليَمَنِ،
أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ الفَارِسِيُّ، ثُمَّ اليَمَنِيُّ، الجَنَدِيُّ،
الحَافِظُ. كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الفُرْسِ الَّذِيْنَ جَهَّزَهُم كِسْرَى لأَخْذِ
اليَمَنِ لَهُ".
وقد أَدْرَكَ طَاوُسٌ خَمْسِينَ رَجُلًا
مِنَ الصَّحَابَةِ وَعُلَمَائِهِمْ وَأَعْلَامِهِمْ - رَضِيَ الله عنهم -، وَأَكْثَرُ
رِوَايَتِهِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، وهو من كِبار أصحابه.
قال عَبْدالمَلِكِ بنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ
طَاوُسٍ، قَالَ: «أَدْرَكْتُ خَمْسِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
مات - رحمه الله - سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَةٍ.
قال الذهبي: "أُرَاهُ وُلِدَ فِي
دَوْلَةِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ".
قلت: الذي عليه الأدلة أنه وُلد قبل دولة
عثمان، والأقرب أنه ولد في بداية عهد عمر - رضي الله عنه -.
روى ابن سعد في «الطبقات» (6/70) عن مُحَمَّد
بن عُمَرَ الواقديّ، عَنْ سَيْفِ بْنِ سليمان قال: "مات طاوس بِمَكَّةَ
قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ. وَكَانَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِالمَلِكِ قَدْ
حَجَّ تِلْكَ السَّنَةَ، وَهُوَ خَلِيفَةٌ، سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَةٍ، فَصَلَّى
عَلَى طاوس، وَكَانَ لَهُ يَوْمَ مَاتَ بِضْعٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً".
قلت: يعني أنه ولد تقريباً سنة (13هـ) أو
بعدها بقليل. وهو قديم.
قال ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص: 99) (355):
سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: "طَاوسُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُثْمَانَ شَيْئًا،
وَقَدْ أَدْرَكَ - يَعْنِي زَمَنَ عُثْمَانَ؛ لِأَنَّهُ قَدِيمٌ".
ويؤيده ما رواه وَكِيعٌ، عن أَبي
عَبْدِاللهِ الشَّاميّ - وقيل: وكيع، عن أبيه، عن أبي عبدالله -، قَالَ: أَتَيْتُ
طَاوُسًا فَخَرَجَ إِلَيَّ ابْنُهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَقُلْتُ: أَنْتَ طَاوُسٌ.
فَقَالَ: أَنَا ابْنُهُ، قُلْتُ: فَإِنْ كُنْتَ ابْنَهُ فَإِنَّ الشَّيْخَ قَدْ
خَرِفَ فقالَ: إِنَّ العَالِمَ لَا يَخْرَفُ. فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي
طَاوُسٌ: «سَلْ وَأَوْجِزْ»، قُلْتُ: إِنْ أَوْجَزْتَ أَوْجَزْتُ لَكَ. قَالَ: تُرِيدُ
أَنْ أَجْمَعَ لَكَ فِي مَجْلِسِي هذا التَّوْرَاةَ والإِنْجِيلَ والزَّبُورَ والفُرْقَانَ؟.
قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «خَفِ اللهَ تَعَالَى مَخَافَةً لَا يَكُونُ عِنْدَكَ
شَيْءٌ أَخْوَفَ مِنْهُ، وَارْجُهْ رَجَاءً هُوَ أَشَدُّ مِنْ خَوْفِكَ إِيَّاهُ،
وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ».
قلت: أبو عبدالله الشامي هذا مجهول!
والحاصل أن طاوساً لم يسمع من معاذ، بل لم
يدركه!
قَالَ عَلِيُّ بن المَدِينِيِّ: "لَمْ
يَسْمَعْ طَاوسُ مِنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ شَيْئًا". [العلل (ص: 73)].
وقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: "طَاوسُ عَنْ
عَلِيٍّ مُرْسَلٌ، وَطَاوسُ عَنْ مُعَاذٍ مُرْسَلٌ، وَطَاوسُ عَنْ عُمَرَ مُرْسَلٌ".
[«المراسيل» لابن أبي حاتم (ص: 99) (354)].
وقد روى طاوس عن معاذٍ من كتابه كما جاء
في بعض الآثار عنه.
·
كتاب (قَضِيَّة)
مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ برواية طاوس عنه زمن الصدّيق:
ورواية طاوس عن معاذ يُذكر فيها أنها من "كتاب
معاذ"، والظاهر أنه كان عند طاوس "كتاب عن معاذ" فيه أقضيته.
وكان ابنه عبدالله عنده هذا الكتاب عن
أبيه عن معاذ.
روى ابن زنجويه في كتاب «الأموال» (3/1193)
(2244) قال: حدثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قال: أخبرنا سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، أَنَّهُ وَجَدَ فِي
كِتَابٍ عِنْدَ أَبِيهِ: «أَنَّ مُعَاذًا قَضَى: أَنَّ مَنْ يَحُولُ
مِنْ مِخْلَافٍ إِلَى مِخْلَافٍ، فَإِنَّ عُشْرَهُ وَصَدَقَتَهُ إِلَى
مِخْلَافِهِ».
ورواه الشافعي في كتاب «الأم» (2/77) قال:
أَخْبَرَنَا مُطَرِّف بن مازن، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: «أَنْ قَضَى: أَيُّمَا رَجُلٍ انْتَقَلَ مِنْ مِخْلَافِ
عَشِيرَتِهِ فَعُشْرُهُ وَصَدَقَتُهُ إلَى مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ».
والمِخْلَافُ فِي اليَمَنِ كالرُّسْتاق
فِي العِراق، وجَمْعُهُ المَخَالِيفُ، أَرَادَ أَنَّهُ يُؤَدِّي صَدَقَتَهُ إِلَى
عَشِيرَتِهِ الَّتِي كَانَ يُؤدِّي إِلَيْهَا. [النهاية في غريب الحديث (2/70)].
ففيه الْأَمْرِ بتَفْرِيقِ الصَّدَقَاتِ
فِي كُلِّ قَوْمٍ فِي أَهْلِ نَاحِيَتِهِمْ، ولا يُخْرِجُ صَدَقَةَ قَوْمٍ
مِنْهُمْ مِنْ بَلَدِهِمْ وَفِي بَلَدِهِمْ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا.
فمن انْتَقَلَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ كَانَ
زَكَاةُ مَالِهِ لِأَهْلِ البَلَدِ الَّذِي انْتَقَلَ مِنْهُ مَهْمَا أَمْكَنَ
إيصَالُ ذَلِكَ إلَيْهِمْ.
ومن هنا أخذ أهل العلم أن مذهب معاذ هو
عدم نقل الصدقات من البلد.
واحتج الشافعي بهذا الأثر على عدم جواز
نقل الصدقة من البلد، وقال: "هُوَ مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ جَعَلَ العُشْرَ
وَالصَّدَقَةَ إلَى جِيرَانِ المَالِ وَلَمْ يَجْعَلْهَا عَلَى جِيرَانِ مَالِكِ
المَالِ إذَا مَا نَأَى عَنْ مَوْضِعِ المَالِ".
روى عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (5/215)
(9420) عَنِ المُثَنَّى بنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: سَمِعْتُهُ
يَقُولُ: «أَوْصَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ بْنِ
جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ فَقَالَ: إِنَّكَ سَتَأْتِي عَلَى نَاسٍ
مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَادْعُهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ، فَإِنْ أَقَرُّوا
بِذَلِكَ فَقُلْ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ
بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَإِنْ أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَقُلْ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ
فَرَضَ عَلَيْكُمْ صِيَامَ شَهْرٍ فِي إاثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، فَإِنْ أَقَرُّوا
بِذَلِكَ فَقُلْ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمْ زَكَاةً فِي
أَمْوَالِكُمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنَيَائِكُمْ، فَإِنْ أَقَرُّوا بِذَلِكَ، فَخُذْ
مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَاجْتَنِبْ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَإِيَّاكَ وَدَعْوَةَ
الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَا حِجَابَ لَهَا دُونِي».
وهذا من مراسيل طاوس، لكنه معروف من طرق
صحيحة مسندة، وكأن طاوساً لم يسنده؛ لأنه معروف ومشهور عندهم، وأمر الصدقات
والأقضية مما اعتنى بها طاوس عناية كبيرة.
وقد رواه البخاري في «صحيحه» (2/128) (1496)
من طريق أَبِي مَعْبَدٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ: «إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا
أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ، فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لاَ
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ
أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ
خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ
بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً
تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا
لَكَ بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ
المَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ».
وظاهر هذا الحديث أنه يرد الصدقات على
الفقراء، لكن البخاري بوّب عليه: «بَابُ أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنَ الأَغْنِيَاءِ
وَتُرَدَّ فِي الفُقَرَاءِ حَيْثُ كَانُوا».
قال ابن حجر في «الفتح» (3/357): "قَالَ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ: ظَاهِرُ حَدِيثِ البَابِ أَنَّ الصَّدَقَةَ تُرَدُّ عَلَى
فُقَرَاءِ من أخذت من أغنيائهم. وَقَالَ ابن المُنِيرِ: اخْتَارَ البُخَارِيُّ
جَوَازَ نَقْلِ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدِ المَالِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ «فَتُرَدُّ فِي
فُقَرَائِهِمْ» لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى المُسْلِمِينَ، فَأَيُّ فَقِيرٍ
مِنْهُمْ رُدَّتْ فِيهِ الصَّدَقَةُ فِي أَيِّ جِهَةٍ كَانَ فَقَدْ وَافَقَ
عُمُومَ الْحَدِيثِ. انْتَهَى. وَالَّذِي يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ مِنْ هَذَا
الْحَدِيثِ عَدَمُ النَّقْلِ، وَأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى المُخَاطَبِينَ
فَيَخْتَصُّ بذلك فقراؤهم، لَكِن رجّح ابن دَقِيقِ الْعِيدِ الْأَوَّلَ، وَقَالَ
إِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْأَظْهَرَ إِلَّا أَنَّهُ يُقَوِّيهِ أَنَّ
أَعْيَانَ الْأَشْخَاصِ الْمُخَاطَبِينَ فِي قَوَاعِدِ الشَّرْعِ الْكُلِّيَّةِ
لَا تُعْتَبَرُ فَلَا تُعْتَبَرُ فِي الزَّكَاةِ كَمَا لَا تُعْتَبَرُ فِي
الصَّلَاةِ، فَلَا يَخْتَصُّ بِهِمُ الْحُكْمُ وَإِنِ اخْتَصَّ بِهِمْ خِطَابُ
الْمُوَاجَهَةِ انْتَهَى. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ،
فَأَجَازَ النَّقْلَ: اللَّيْث، وَأَبُو حنيفَة وأصحابهما، وَنَقله ابن
الْمُنْذِرِ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ
الشَّافِعِيَّةِ وَالمَالِكِيَّةِ وَالْجُمْهُورِ تَرْكُ النَّقْلِ، فَلَوْ
خَالَفَ وَنَقَلَ أَجْزَأَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَمْ
يُجْزِئْ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ إِلَّا إِذَا فُقِدَ
الْمُسْتَحِقُّونَ لَهَا، وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ لِأَنَّ
قَوْلَهُ «حَيْثُ كَانُوا» يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا يَنْقُلُهَا عَنْ بَلَدٍ
وَفِيهِ مَنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ".
وروى عبدالرزاق الصنعاني في «مصنفه» (8/245)
(15072) قال: أخبرنا مَعْمَر، عَنِ ابنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: فِي
كِتَابِ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ: «مَنِ ارْتَهَنَ أَرْضًا فَهُوَ يَحْسِبُ
ثَمَرَهَا لِصَاحِبِ الرَّهْنِ مِنْ عَامِ حَجِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ».
ورواه الشافعي في «الأم» (3/198) قال: أَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ
مَازِنٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَضَى
فِيمَنْ ارْتَهَنَ نَخْلًا مُثْمِرًا فَلْيَحْسِبْ الْمُرْتَهِنُ ثَمَرَهَا مِنْ
رَأْسِ المَالِ».
قال الشافعي: وَذَكَرَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ شَبِيهًا بِهِ.
قَال الشافعي: وأَحْسَبُ مُطَرِّفًا قَالَهُ فِي الحَدِيثِ مِنْ
عَامِ حَجِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقَالَ الشَّافِعِيّ: "وهَذَا كَلَامٌ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ،
فَأَظْهَرُ مَعَانِيهِ أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ تَرَاضَيَا أَنْ
تَكُونَ الثَّمَرَةُ رَهْنًا أَوْ يَكُونَ الدَّيْنُ حَالًّا وَيَكُونَ الرَّاهِنُ
سَلَّطَ الْمُرْتَهِنَ عَلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ وَاقْتِضَائِهَا مِنْ رَأْسِ
مَالِهِ أَوْ أَذِنَ لَهُ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ إلَى أَجَلٍ،
وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ هَذَا الْمَعْنَى فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا تَرَاضَيَا
أَنَّ الثَّمَرَةَ لِلْمُرْتَهِنِ فَتَأَدَّاهَا عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ هِيَ مِنْ
رَأْسِ الْمَالِ لَا لِلْمُرْتَهِنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا صَنَعُوا هَذَا
مُتَقَدِّمًا فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهَا لَا تَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ وَيُشْبِهُ
هَذَا لِقَوْلِهِ مِنْ عَامِ حَجِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْضُونَ بِأَنَّ الثَّمَرَةَ لِلْمُرْتَهِنِ
قَبْلَ حَجِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَظُهُورِ حُكْمِهِ
فَرَدَّهُمْ إلَى أَنْ لَا تَكُونَ لِلْمُرْتَهِنِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ
ظَاهِرٌ مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ وَصَارَ إلَى التَّأْوِيلِ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ
فِيهِ شَيْءٌ إلَّا جَازَ عَلَيْهِ، وَكُلٌّ يَحْتَمِلُ مَعْنًى لَا يُخَالِفُ
مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ لَا تَكُونُ الثَّمَرَةُ رَهْنًا مَعَ الْحَائِطِ إذَا
لَمْ يُشْتَرَطْ".
ثم قال: "وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إلَّا أَنْ
يَتَشَارَطَا عِنْدَ الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ وَالنِّتَاجُ وَالثَّمَرُ
رَهْنًا فَيُشْبِهُ أَنْ يَجُوزَ عِنْدِي، وَإِنَّمَا أَجْزَتْهُ عَلَى مَا لَمْ
يَكُنْ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ مَا لَا يَكُونُ،
وَهَذَا يُشْبِهُ مَعْنَى حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ بِالْبَيِّنِ جِدًّا كَانَ مَذْهَبًا، وَلَوْلَا حَدِيثُ مُعَاذٍ مَا
رَأَيْته يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَحَدٍ جَائِزًا".
وروى سعيد بن منصور في «سننه» (2/269) (2594)
قالَ: حدثنا عَبْدُاللَّهِ بنُ المُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابنِ طَاوُسٍ،
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: فِي كِتَابِ مُعَاذٍ: «مَنِ اسْتَخْمَرَ
قَوْمًا - قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: يَعْنِي: مَنِ اسْتَعْبَدَ قَوْمًا أَولهُمْ
أَحْرَارٌ وَجِيرَانٌ مُسْتَضْعَفُونَ - فَمَنْ قَصَرَ مِنْهُمْ فِي بَيْتِهِ
حَتَّى دَخَلَ الْإِسْلَامَ فِي بَيْتِهِ فَهُوَ رَقِيقٌ، وَمَنْ كَانَ مُهْمَلًا
يُؤَدِّي الخَرَاجَ فَهُوَ حُرٌّ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَزَعَ إِلَى المُسْلِمَةِ
مُسْلِمًا فَهُوَ حُرٌّ».
قال أبو بكر الخلاّل في «أحكام أهل الملل
والردة من الجامع لمسائل الإمام أحمد بن حنبل» (ص: 101) (277): أَخْبَرَنِي عبدالملك
الميموني: أنه سمع أبا عبدالله، يقول في قضية معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -،
باليمن: «من استخمر قوماً»، معناه: من استعبدهم، ثم قَالَ في تفسير ذلك: "كانوا
يصيبون في الجاهلية السبي، فيستخدمونهم، فأدركوا الإسلام وهم عندهم".
وقال (278): أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ مشيش: سَمِعَ أَبَا عَبْدِاللَّهِ،
وَقَالَ لَهُ الْوَرْكَانِيُّ أَبُو عِمْرَانَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ المُبَارَكِ،
عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ فِي كِتَابِ
مُعَاذٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَنِ اسْتَخْمَرَ قَوْمًا أَوَّلُهُمْ
أَحْرَارٌ، أَوْ جِيرَانٌ مُسْتَضْعَفُونَ، فَمَنْ قَصُرَ مِنْهُمْ فِي بَيْتِهِ
حَتَّى دَخَلَ الْإِسْلامُ فِي بَيْتِهِ فَهُوَ رَقِيقٌ، وَمَنْ كَانَ مُهْمَلا يُؤَدِّي
الْخَرَاجَ فَهُوَ حُرٌّ. وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَزَعَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ
حُرٌّ».
ثم سأل أحمد: ما معنى: من استخْمَر؟
قَالَ: "من استعبد قوماً في الجاهلية، ثم أسلم وهو عنده، فهو له رقيق". وكذلك
كان قضاء معاذ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قال أبو عُبيد القاسم بن سلاَّم في «غريب
الحديث» (4/138): "قَوْله: من اسْتَخْمَرَ قوماً كَانَ عبدالله بن المُبَارك
يَقُول: استخمر: استعبد. وَقَالَ مُحَمَّد بن كثير: هَذَا كَلَام عندنَا مَعْرُوف
بِاليمن لَا يكَاد يُتكلم بِغَيْرِهِ يَقُول الرجل: أخْمرْني كَذَا وَكَذَا أَي
أعْطِيه وهَبْهُ لي ملّكني إيّاه وَنَحْو هَذَا، فَيَقُول معَاذ: من استخمر قوما، يَقُول:
أَخذهم قهرا وتملّكا عَلَيْهِم، وَهَذَا كَقَوْل ابْن الْمُبَارك: استعبدهم. يَقُول:
فَمَا وهب الملِك من هَؤُلَاءِ لرجل فقصَره الرجل فِي بَيته حَتَّى جَاءَ
الْإِسْلَام وَهُوَ عِنْده فَهُوَ لَهُ وَمَا كَانَ مهملا يُعْطي الْخراج يَعْنِي
الضَّريبة فَهُوَ حرّ".
وروى عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه»
(8/181) (14797) قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ،
قَالَ فِي قَضِيَّةِ مُعَاذٍ: «كُلُّ عَارِيَةٍ مَرْدُودَةٌ، وَالزَّعِيمُ
غَارِمٌ».
وروى أيضاً (9/108) (16534) قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ،
أَنَّهُ قَالَ: «قَضَى مُعَاذ لأَهْلِ اليَمَنِ: أَيُّمَا رَجُلٍ وَهَبَ أَرْضًا
عَلَى أَنَّكَ تَسْمَعُ لِي وَتُطِيعُ فَسَمِعَ وَأَطَاعَ فَهِيَ لِلْمَوْهُوبِ
لَهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ وَهَبَ كَذَا وَكَذَا إِلَى أَجَلٍ، ثُمَّ رَجَعَ
إِلَيْهِ فَهِيَ لِلْوَاهِبِ إِذَا جَاءَ الْأَجَلُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ وَهَبَ
أَرْضًا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فَهِيَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ هَكَذَا فِي الشَّرْطِ
قَضَى بِهِ مُعَاذٌ بَيْنَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ».
والكتاب لا يعني كتاباً بالمعنى المعهود
إلى الذهن، وإنما قد يكون في ورقة أو أكثر فيها ما رُوي عن معاذ من أقضية.
·
قَضِيَّةُ
مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ كاملاً:
وهذا الكتاب الذي عند طاوس عن معاذ رواه
كاملاً عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (10/373) (19413) قال: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ،
عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
«هَذِهِ قَضِيَّةُ مُعَاذِ بنِ
جَبَلٍ فِيمَنْ أَعْتَقَ اللَّهُ مِنْ [مِخْلافِ] حِمْيَرٍ:
فَمَنِ اسْتَخْمَرَ قَوْمًا أَولهُمْ
أَحْرَارٌ وَجِيرَانٌ مُسْتَضْعَفُونَ، فَمَنْ قَصَرَ مِنْهُمْ فِي بَيْتِهِ،
حَتَّى دَخَلَ الْإِسْلَامَ، وَمَنْ كَانَ مُهْمَلًا يُعْطِي الخَرَاجَ فَإِنَّهُ
عَتِيقٌ.
وَمَنْ كَانَ مُشْتَرًى أَوْ مَغْنُومًا
مِنْ عَدُو الدِّينِ لَا يُدْعَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِتَالِ،
فَإِنَّهُ لِوَجْهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ أَوْ غَنِمَهُ.
وَمَنْ جَاءَ بِجِزْيَةٍ بَيِّنَةٍ أَوْ
فِدَاءٍ بَيِّنٍ فَإِنَّهُ عَتِيقٌ.
وَمَنْ نَزَعَ يَدَهُ فِي الجَاهِلِيَّةِ
مِنْ رَبِّهِ، ثُمَّ لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ حَتَّى دَخَلَ الْإِسْلَامَ فَإِنَّهُ
عَتِيقٌ.
وَمَنْ نَزَعَ يَدَهُ فِي السِّلْمِ إِلَى
المُسْلِمِينَ وَرَبُّهُ كَافِرٌ فَإِنَّهُ عَتِيقٌ.
وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَهُو أَحَقُّ
بِهَا، وَهِيَ أَرْضُهُ وَأَرْضُ أَبِيهِ، وَهِيَ نَفْلُهُ وَلَمْ تُنْزَعْ مِنْهُ
حَتَّى دَخَلَ الْإِسْلَامَ، فَلَهُ مَا أَسْلَمَ عَلَيْهِ مِنْهَا وَهِيَ
تَحْتَهُ.
وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ أَوْ
لِأَبِيهِ، أَوْ وُهِبَتْ لَهُ أَرْضٌ فَأَكَلَهَا حَتَّى دَخَلَ الْإِسْلَامَ
فَإِنَّهَا لَهُ.
وَمَنْ مَنَحَ أَرْضًا وَلَيْسَتْ
بِأَرْضٍ لِلْمَمْنُوحِ فَإِنَّهَا لِلْمَانِحِ.
وَأَنَّ كُلَّ عَارِيَةٍ مَرْدُودَةٌ
إِلَى رَبِّهَا.
وَأَنَّ كُلَّ نَشر أَرْضٍ إِذَا أَسْلَمَ
عَلَيْهَا صَاحِبُهَا فَإِنَّهُ يُخْرَجُ مِنْهَا مَا أَعْطَى نَشْرُهَا: رُبْعَ
المَسْقَوِيّ، وَعُشْر المَظْمَئ، إِلَّا أَنْ يُسْتَجَارَ بِهَا، فَيَعْرِضَهَا
عَلَى نَشرِهَا بِثَمَنٍ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْهَا فَلْيَبِعْهَا مِمَّنْ شَاءَ.
وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى مِخْلَافٍ غَيْرِ
مِخْلَافِ عشيرته فَإِنَّ عُشُورَهُ صَدَقَةٌ إِلَى أَمِيرِ عَشِيرَتِهِ.
وَمَنْ رَهَنَ رَهْنًا أَرْضًا،
فَلْيَحْتَسِبِ الْمَرْهُونُ ثَمَرَهَا مِنْ عَامِ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تُوُفِّيَ.
وَمَنْ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ عُرِفَتْ
لَهُ وَلَمْ يَغْلِبْهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى أَسْلَمَ،
وَلَمْ يُحْدِثْ، فَإِنَّهَا لِرَبِّهَا.
وَمَنْ حَرَثَ أَرْضًا لَيْسَ لَهَا رَبٌّ
فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى دَخَلَ الْإِسْلَامَ لَمْ تَكُنْ مَنِيحَةً، فَمَنْ
أَكَلَهَا حَتَّى دَخَلَ الْإِسْلَامَ وَلَمْ يُعْطِ عَلَيْهَا حَقًّا فَإِنَّهَا
لَهُ.
وَمَنِ اشْتَرَى أَرْضًا بِمَالِهِ
فَإِنَّهَا لَهُ.
وَمَنْ أَصْدَقَ امْرَأَةً صَدَقَةً
فَإِنَّ لَهَا صَدَقَتَهُ.
وَمَنْ أَصْدَقَ امْرَأَتَهُ رَقِيقًا،
أَولهُمْ أَحْرَارٌ وَأَصْدَقَهُمْ إِيَّاهَا، فَإِنْ كَانَتْ أَخْرَجَتْهُمْ مِنْ
أَهْلِيهِمْ فَإِنَّهُمْ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُخْرِجْهَا مِنْ أَهْلِيهِمْ
وَأَوَّلُهُمْ أَحْرَارٌ فَإِنَّ لَهَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ،
وَإِنَّهُمْ يُعْتَقُونَ.
وَمَنْ وَهَبَ أَرْضًا عَلَى أَنْ
يُسْمَعَ لَهُ وَيُطِيعَ وَيَخْدُمَهُ، فَإِنَّهَا لِلَّذِي وُهِبَتْ لَهُ إِنْ
كَانَ يَأْكُلُهَا حَتَّى دَخَلَ الْإِسْلَامَ.
وَمَنْ وَهَبَ أَرْضًا لِرَجُلٍ حَتَّى
يَرْضَى أَوْ يَأْمَنَ بِهَا فَهِيَ لِلَّذِي وَهَبَهَا لَهُ.
هَذِهِ قَضِيَّةُ مُعَاذٍ، والْأَمِيرُ
أَبُو بَكْرٍ» انتهى.
وفي كتاب أبي عبيد «غريب الحديث» [نسخة الدكتور
حسين محمد محمد شرف] (5/159) زيادة:
«وَمن كَانَت لَهُ أَرض جَادِسَة قد عُرفت
لَهُ فِي الجَاهِلِيَّة حَتَّى أسلم فَهِيَ لِرَبِّهَا».
قال أبو عبيد: "يروى عن معمر، عن ابن
طاوس، عن أبيه، قال: وجدنا ذلك في كتاب معاذ".
فهذا الكتاب فيه أقضية معاذ في عهد أبي
بكر - رضي الله عنهما -. وهو وِجادة، وكان معروفاً عند أهل اليمن، وهو عند طاوس،
فهو صحيح، ويُحتج به.
لكن يبقى النظر فيما عدا ذلك من روايات
لطاوس عن معاذ، فربما كانت في كتاب آخر عند طاوس عن معاذ، لكنها ليست من تلك
الأقضية في الكتاب المذكور آنفاً.
*[تفسير بعض ما جاء في الكتاب:
خمر: يَعْنِي: إِذا استعبد الرجل فِي الجَاهِلِيَّة
قوماً بني أَحْرَار، وقوماً استجاروا بِهِ فاستضعفهم واستعبدهم، فَإِن من قصره أَي
من احتبسه وَاخْتَارَهُ مِنْهُم فِي بَيته واستجراه فِي خدمته إِلَى أَن جَاءَ
الْإِسْلَام فَهُوَ عبدٌ لَهُ، وَمن لم تحتبسه وَكَانَ مهملاً قد ضرب عَلَيْهِ
الْخراج وَهُوَ الضريبة فَهُوَ حرٌّ بمجيء الْإِسْلَام.
وَقَوله: نشر الأَرْض هُوَ مَا خرج من
نباتها.
والمَسْقَوِيّ: الَّذِي يُسقى بالسَّيْح.
والمَظْمَئ الَّذِي تسقيه السَّمَاء.
والأَرْض الجادِسة: هِيَ الَّتِي لم
تُعْمل وَلم تُحْرث. وَقَوله: ربع المَسقوِيّ: ربع الْعشْر. [غريب الحديث للقاسم
بن سلام (4/139)، الفائق في غريب الحديث للزمخشري (1/397)].
·
ما رواه
طاوس عن معاذ في أمور الزكاة والصدقات ونحوها:
وروى طاوس عن معاذ بعض ما يتعلق بالصدقات
والزكاة، وهي في الغالب مما كتبه له صلى الله عليه وسلم عندما أرسله قاضياً على اليمن.
ومن ذلك:
·
ما رواه طاوس
عن معاذ في زكاة البقر، وعدم أخذه من أَوقَاص البقر، والعَسل.
روى مالك في «الموطأ» (1/259) (24) عَنْ
حُمَيْدِ بنِ قَيْسٍ المَكِّيِّ، عَنْ طَاوُسٍ الْيَمَانِيِّ: «أَنَّ مُعَاذَ
بْنَ جَبَلٍ الْأَنْصَارِيَّ أَخَذَ مِنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً، تَبِيعًا، وَمِنْ
أَرْبَعِينَ بَقَرَةً، مُسِنَّةً. وَأُتِيَ بِمَا دُونَ ذَلِكَ، فَأَبَى أَنْ
يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا. وَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ شَيْئًا، حَتَّى أَلْقَاهُ فَأَسْأَلَهُ،
فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ
يَقْدُمَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ».
ورواه الشافعي في «مسنده» (ص: 90) عن
مالكٍ.
ورواه أبو داود في «المراسيل» (ص: 129) (108)
عن عَبْداللَّهِ بن مَسْلَمَةَ القَعنبيّ، عَنْ مَالِكٍ.
ورواه عبدُالرزاق في «مصنفه» (4/26) (6856)
عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ
جَبَلٍ، أَنَّهُ أَخَذَ مِنَ الْبَقَرِ مِنْ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا، وَمِنْ
أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، فَسَأَلُوهُ عَمَّا دُونَ الثَّلَاثِينَ، فَقَالَ: «لَمْ
أَسْمَعْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ شَيْئًا، وَلَمْ
يَأْمُرْنِي فِيهَا بِشَيْءٍ».
ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (20/165)
قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ، عَنْ مَالِكٍ، به، لكن جاء فيه: "قَالَ: سَأَلُوهُ عَمَّا دُونَ
الثَّلَاثِينَ، عَنِ الْبَقَرِ والعَسَلِ فَقَالَ: «لَمْ أُومَرْ
فِيهَا بِشَيْءٍ»".
قلت: قوله: "عن البقر والعسل" لا
توجد في رواية عبدالرزاق في كتابه، ولا توجد في الموطآت عن مالك، ويُشبه أن تكون
زيادة تفسيرية من الدبري أو الطبراني، أي فسئل عن الوقص من البقر، وسئل أيضاً عن
العسل، وقد جاء ذكر العسل في روايات أخرى من غير طريق حميد بن قيس عن طاوس.
ورواه أبو عُبيد القاسم بن سلاّم في «الأموال»
(ص: 468) (995) من طريق يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي طَاوُسٌ
الْيَمَانِيُّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعَاذٍ مِثْلَ
ذَلِكَ سَوَاءً = أي مثل رواية مالك عن حميد عن طاوس.
وقد رُوي هذا الحديث من طرق عَنْ
مَسْرُوقٍ، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ
ثَلَاثِينَ بَقَرَةٍ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً».
وفي بعض الروايات زيادة: «فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ فِي كُلِّ
عَامٍ دِينَارًا، أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ، وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذُ مِمَّا سَقَتِ
السَّمَاءُ أَوْ سُقِيَ بَعْلًا الْعُشْرَ وَبِالدَّوَالِي نِصْفَ العُشْرِ».
وحديث مسروق حسّنه الترمذي، وصححه ابن
حبان، والحاكم، وغيرهما. وقد تكلمت عليه في موضع آخر من بحوثي المخطوطة، يسر الله
نشره بخير.
وفي حديث طاوس أن معاذاً أُتي له بِوَقَصِ
البَقَرِ، وهو: مَا لَمْ يَبْلُغْ الفَرِيضَةَ، فلم يأخذ من ذلك شيئاً، وقال بأنه
سيسأل النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع للمدينة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم
توفي قبل أن يرجع معاذ.
وقد يكون هذا يعارض حديث الاجتهاد المشهور
الذي أشرت إليه وهو أنه معاذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم سيجتهد فيما لا يجده
في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم! وربما خشي من الاجتهاد في هذه
المسألة لتعلقها بأموال الناس، فقرر أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها لما
يرجع، والله أعلم.
·
قول معاذ
في وَقَصِ البَقَرِ، وفي العَسل:
وقد رُويت هذه المسألة عن معاذ من طرق
كثيرة كلها ترجع إلى رواية طاوس؛ لأنها متعلقة بها.
فرواه أحمد في «مسنده» (36/336)
(22010)، (22011) عن أَبي كامل مُظفر بن مدرك عن حَمَّاد بن زَيْدٍ، وحَمَّاد بن
سَلَمَةَ.
وعبدالرزاق في «مصنفه» (4/22)
(6843) عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. [ورواه أحمد في «مسنده» (36/349) (22018) عن
عبدالرزاق)]. وأحمد في «مسنده» (36/349) (22018) عن محمد بن بَكْرٍ البرساني، عن ابن
جُرَيْجٍ. وأبو عُبيدٍ القاسم بن سلام في «الأموال» (ص: 474) (1022) عن حجاج بن
مُحَمَّد المصيصيّ، عن ابن جريج وحماد بن سلمة.
وأحمد في «مسنده» (36/349) (22019)، والشافعي في «الأم»، بَاب
صَدَقَةِ البَقَرِ، (2/9) كلاهما عن سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ. والشاشي في «مسنده» (3/297)
(1407) من طريق حَجَّاج بن مِنهال، والدارقطني في «سننه» (2/485)
(1927) من طريق اليَسَع بن إِسْمَاعِيلَ، كلاهما عن سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ.
وابن زنجويه في «الأموال» (2/839)
(1463) من طريق ابنِ المُبَارَكِ، عَنِ الحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ.
والمَحاملي في «أماليه -
رواية ابن مهدي الفارسي» (ص: 209) (421) من طريق عبدالرحمن بن مغراء، عَنِ
الحَجَّاجِ بنِ أبي عثمان الصوّاف.
والطبراني في «المعجم الكبير» (20/165)
(348) من طريق هُدْبَة بن خَالِدٍ، عن حَمّاد بن زَيْدٍ.
والشاشي في «مسنده» (3/298)
(1408) من طريق حَجَّاج بن مِنْهَالٍ، عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ.
كلهم (الحمادان: ابن زيد، وابن سلمة، وابن
جُريج، وابن عُيينة، والحجّاجان: ابن أرطأة، والصواف) عن عَمْرو بن دِينَارٍ، أَنَّ
طَاوُسًا، أَخْبَرَهُ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ: «لَسْتُ آخُذُ مِنْ
أَوْقَاصِ البَقَرِ شَيْئًا حَتَّى آتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ
فِيهَا بِشَيْءٍ».
وفي رواية: «أَنَّ مُعَاذًا أُتِيَ
بِوَقَصِ البَقَرِ فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، وَقَالَ: لَمْ يَأْمُرْنِي
فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ،
بِشَيْءٍ».
قَالَ سُفْيَانُ: "الْأَوْقَاصُ: مَا
دُونَ الثَّلَاثِينَ".
ورواه أحمد في «مسنده» (36/349)
(22019).
وابن زنجويه في كتاب «الأموال» (2/839)
(1465) عن أَبي نُعَيْمٍ الفضل بن دُكين.
وأبو داود في «المراسيل» (ص:
129) (107) من طريق أَحْمَد بن عَبْدَةَ الضبيّ.
والشاشي في «مسنده» (3/296)
(1406) من طريق حَجاج بن مِنهال.
كلهم (الإمام أحمد، وأبو نُعيم، وأحمد بن
عبدة، وحجاج بن منهال) عن سُفْيَان بن عُيينة.
ورواه عبدالرزاق في «مصنفه»، بَاب صَدَقَةِ الْعَسَلِ، (4/60)
(6964).
وابن أبي شيبة في «مصنفه»، مَنْ قَالَ: لَيْسَ فِي الْعَسَلِ
زَكَاة، (6/445) (10150) عن وَكِيعٍ.
والشاشي في «مسنده» (3/296)
(1405) من طريق عبدالله بن وَهْبٍ.
ثلاثتهم (عبدالرزاق، ووكيع، وابن وهب) عَنِ
الثَّوْرِيِّ.
كلاهما (ابن عيينة، والثوري) عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُسٍ: أَنَّ مُعَاذًا أُتِيَ بِوَقَصِ البَقَرِ،
والعَسَلِ، فَقَالَ: «كِلَاهُمَا لَمْ يَأْمُرْنِي فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، بِشَيْءٍ».
ووقع في مطبوع «مراسيل أبي داود» "بِوَقَصِ
الْبَقَرِ وَالغَنَمِ"! كذا "والغنم"! وهو محرّف، والصواب:
"والعسل".
ووقع في جميع مطبوعات كتاب ابن أبي شيبة:
"أُتَيَ بِالْعَسَلِ وَأَوْقَاصِ الْغَنَمِ"! وهو تحريف!
والصواب: "البقر"، فقد رواه البُلاذري في «فتوح البلدان» (ص: 80)
من طريق الحسين بن علي بن الأسود، عن وَكِيع، بلفظ: "أتي بأوقاص البقر، والعسل".
ولفظ رواية ابن وهب: "عَنْ طَاوُسٍ،
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، إِلَى الْيَمَنِ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّا دُونَ
الثَّلَاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ وَعَنِ الْعَسَلِ مَا فِيهِ قَالَ: لَمْ أُومَرْ
فِيهِ بِشَيْءٍ، فَكَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى
آلِهِ وَسَلَّمَ، يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَرْجِعْ كِتَابُهُ حَتَّى
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ".
ولا يوجد أن معاذاً كتب عن ذلك إلى النبي
صلى الله عليه وسلم إلا في رواية ابن وهب!
ورواه الخطيب في «تاريخ بغداد» (7/362)
في ترجمة «إسحاق
بن راهويه الخراساني» من طريق محمد بن إسحاق السراج، قال: حدثنا محمد بن
رافع بن أبي زيد القشيري، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا أبو يعقوب
الخراساني، عن عبدالرزاق، عن النعمان بن شيبة، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: «ليس في
الأوقاص صدقة».
قال السراج: فسألت أبا يعقوب إسحاق بن
راهويه فحدثني به، وقال لي إسحاق: كتب عني يحيى بن آدم ألفي حديث.
ورواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2/364)
(9942)، و(7/299) (36267) عن ابن إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ
مُعَاذٍ، قَالَ: «لَيْسَ فِي الْأَوْقَاصِ شَيْءٌ».
وروى ابن زنجويه في «الأموال» (2/839)
(1464) من طريق المُعْتَمِر بن سُلَيْمَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ، فِي
صَدَقَةِ الْبَقَرِ قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِينَ شَيْءٌ، وَهِيَ
الْأَوْقَاصُ، مَا لَمْ تَحِلُّ فِيهَا الصَّدَقَةُ، فَإِذَا بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ،
فَإِنَّ فِيهَا تَبِيعًا جَذَعًا، وَفِي أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً».
وروى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (6/447)
(10161) عن وَكِيعٌ، قَالَ: كَانَ سُفْيَانُ يَقُولُ: "لَيْسَ فِي
الَعَنَبَرِ، وَلاَ فِي العَسَلِ، وَلاَ فِي الأَوْقَاصِ زَكَاةٌ".
وسئل الدارقطني في «العلل» (6/65 - 66)
(984) عن حديث طاووس عَنْ مُعَاذٍ: «أَنَّهُ أَتَى وَهُوَ بِاليَمَنِ بِأَوْقَاصِ
البَقَرِ وَالغَنَمِ [كذا في المطبوع! وهو تحريف، والصواب: والعسل]،
فَقَالَ لَمْ يَأْمُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِيهَا بِشَيْءٍ»؟
فقال: "يَرْوِيهِ عَمْرُو بنُ
دِينَارٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ. فَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ،
وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي جعفر عن عمرو بن دينار، عن طاووس عن معاذ.
وكذلك رواه ابن عُيَيْنَةَ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بنِ مَيْسَرَةَ.
وَاخْتُلِفَ عَنِ الثَّوْرِيِّ، فَرَوَاهُ
ابنُ وَهْبٍ عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ إبراهيم بن ميسرة عن طاووس عَنْ مُعَاذِ بْنِ
جَبَلٍ.
وَرَوَاهُ وَكِيعٌ عَنِ الثوري، عن
إبراهيم بن ميسرة عن طاووس: أَنَّ مُعَاذًا لَمَّا أَتَى الْيَمَنَ قَالَ
لَمْ أُومَرْ فِيهَا بِشَيْءٍ فَأَرْسَلَهُ.
ومَنْ قَالَ: عَنْ معاذ فهو أيضاً مرسل؛
لأن طاووسا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذٍ".
·
رواية الحَكَمِ
بن عُتيبة عَنْ طَاوُسٍ!
ورواه ابن أبي شيبة (20/131) (37416) عن عَبْداللهِ
بن نُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الحَكَمِ، قَالَ: «بَعَثَ
النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ
مِنْ كُلِّ ثَلاَثِينَ تَبِيعًا، أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ
مُسِنَّةً، فَسَأَلُوهُ عَنْ فَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا، فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ
حَتَّى سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لاَ تَأْخُذْ
شَيْئًا».
ورواه ابن زنجويه في «الأموال» (2/839)
(1466)، والطبراني في «المعجم الكبير» (20/168) (356) من طريق سُفْيَان،
عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُعَاذٍ، أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَأْخُذْ مِنَ
الْأَوْقَاصِ شَيْئًا».
قلت: محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي ليس بالقوي، سيء
الحفظ. والرجل هنا هو "طاوس".
·
رواية مسندة منكرة!
ورُوي عن الحكم مسنداً!
رواه البزار في «مسنده» (11/138) (4868) من طريق حيوة بن
شريح بن يزيد الحمصيّ.
والدارقطني في «سننه» (2/485)
(1928) من طريق عَمْرو بن عُثْمَانَ الحمصيّ. [ورواه البيهقي في «سننه» (4/166)
(7293)].
كلاهما (حيوة، وعمرو) عن بَقِيَّة بن
الوليد، قال: حَدَّثَنِي الْمَسْعُودِيُّ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ
مِنَ الْبَقَرِ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً جَذَعًا أَوْ جَذَعَةً مِنْ كُلِّ
أَرْبَعِينَ بَقَرَةً بَقَرَةً مُسِنَّةً». فَقَالُوا: فَالْأَوْقَاصُ؟ قَالَ: مَا
أَمَرَنِي فِيهَا بِشَيْءٍ، وَسَأَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ عَنِ الْأَوْقَاصِ، فَقَالَ: «لَيْسَ فِيهَا
شَيْءٌ».
قَالَ الْمَسْعُودِيُّ: "وَالْأَوْقَاصُ
مَا دُونَ الثَّلَاثِينَ وَمَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ إِلَى السِّتِّينَ، فَإِذَا
كَانَتْ سِتِّينَ فَفِيهَا تَبِيعَانِ، فَإِذَا كَانَتْ سَبْعُونَ فَفِيهَا
مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ، فَإِذَا كَانَتْ ثَمَانُونَ فَفِيهَا مُسِنَّتَانِ، فَإِذَا
كَانَتْ تِسْعُونَ فَفِيهَا ثَلَاثُ تَبَايِعَ".
قَالَ بَقِيَّةُ: قَالَ الْمَسْعُودِيُّ: "الْأَوْقَاصُ
هِيَ بِالسِّينِ أَوْقَاسُ، فَلَا تَجْعَلَهَا بِصَادٍ".
قال البزار: "وهَذَا الحَدِيثُ
إِنَّمَا يَرْوِيهِ الحفّاظ عن الحكم، عَن طاوُوس مرسلاً، ولاَ نَعْلَمُ أَحَدًا
قال: عَن طاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إلاَّ بَقِيَّةَ عَنِ المَسْعُودِيِّ،
وَلَمْ يُتَابَع بَقِيَّةَ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ،
وَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنِ الحكم، عَن طاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
وَالحَسن بْنُ عُمَارَةَ لا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ إِذْ تَفَرَّدَ بِحَدِيثٍ".
وقال ابن عبدالبر في «التمهيد» (2/274):
"لَمْ يُسْنِدْهُ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنِ الْحَكَمِ غَيْرُ بَقِيَّةَ بْنِ
الْوَلِيدِ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الِاحْتِجَاجِ بِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ
بَقِيَّةُ عَنِ الثِّقَةِ، وَلَهُ رِوَايَاتٌ عَنْ مَجْهُولِينَ لَا يُعَرَّجُ
عَلَيْهِمْ. وقَدْ رَوَاهُ الحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنِ الحكم، عن طَاوُسٍ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مُعَاذٍ كَمَا رَوَاهُ بَقِيَّةُ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنِ
الْحَكَمِ، وَالْحَسَنُ مُجْتَمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ".
قلت: هذا حديث منكر سنداً ومتناً! والصواب
كما أشار له البزار أنه يحفظ عن الحكم عن طاوس مرسلاً، ولا يوجد فيه أن معاذا قدم
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك! فقد توفي صلى الله عليه وسلم قبل أن
يقدم معاذ من اليمن كما ذكرته آنفاً.
وتفرد بقية عن عبدالرحمن بن عبدالله
المسعودي الكوفي لا يُحتمل هنا! والمسعودي كان قد اختلط!
وأما حديث الحَسَن بن عُمَارَةَ فرواه
الدارقطني في «سننه» (2/475)
(1904). والبيهقي في «سننه» (4/166)
(7292) عن أَبي عَبْدِاللهِ الَحَافِظ الحاكم النيسابوري.
كلاهما (الدارقطني، والحاكم) عن أَبي
عَمْرٍو عُثْمَان بن أَحْمَدَ الدَّقَّاق، عن مُحَمَّد بن عُبَيْدِاللهِ بنِ المُنَادِي،
قال: حدثنا أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بنُ الوَلِيدِ، عن الحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، قال:
حدثنا الْحَكَمُ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ
قِيلَ لَهُ: بِمَا أُمِرْتَ؟ قَالَ: أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ مِنَ الْبَقَرِ مِنْ
كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً.
قِيلَ لَهُ: أُمِرْتَ فِي الْأَوْقَاصِ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: لَا، وَسَأَسْأَلُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: لَا وَهُوَ مَا
بَيْنَ السِّنِينَ - يَعْنِي: لَا تَأْخُذْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا».
قلت: وهذا منكر كسابقه، والحسن بن عمارة ساقط مُتّهم.
قال البيهقي: "رواه الحَسَنُ
بنُ عُمَارَةَ ولَيْسَ بِحُجَّةٍ...".
·
رواية يَحْيَى
بنِ الحَكَمِ عن مُعَاذ بنِ جَبَلٍ:
ورواه أحمد في «مسنده» (36/402)
(22084)، والطبراني في «المعجم الكبير» (20/170) (8123)، وابن عساكر في «تاريخه» (64/119)
من طريق حَيْوَة بن شُرَيْح بن صفوان المصريّ.
وأبو عُبيد القاسم بن سلاّم في كتاب كتاب «الأموال» (ص: 474)
(1021)، و(ص: 475) (1026)، وابن زنجويه في كتاب «الأموال» (2/837)
(1456)، و(2/839) (1462)، من طريق ابن لَهِيعَةَ.
كلاهما (حيوة، وابن لهيعة) عَنْ
يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سَلَمَةَ بنِ أُسَامَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ
الحَكَمِ: أَنَّ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ، قَالَ: «بَعَثَنِي
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّقًا إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ،
وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنَ الْبَقَرِ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا -
وَالتَّبِيعُ الْجَذَعُ - أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً،
قَالَ: فَعَرَضُوا عَلَيَّ أَنْ آخُذَ مَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ وَالْخَمْسِينَ،
وَبَيْنَ السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ، وَمَا بَيْنَ الثَّمَانِينَ وَالتِّسْعِينَ،
فَأَبَيْتُ عَلَيْهِمْ، وَقُلْتُ لَهُمْ: حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَدِمْتُ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ
تَبِيعًا، وَمِنَ الْأَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنَ السِّتِّينَ تَبِيعَتَيْنِ،
وَمِنَ السَّبْعِينَ مُسِنَّةً وَتَبِيعًا، وَمِنَ الثَّمَانِينَ مُسِنَّتَيْنِ،
وَمِنَ التِّسْعِينَ ثَلَاثَةَ أَتَابِيعَ، وَمِنَ الْمِائَةِ مُسِنَّةً وَتَبِيعَيْنِ،
وَمِنَ الْعَشْرِ وَماِئَةٍ مُسِنَّتَيْنِ وَتَبِيعًا، وَمِنَ الْعِشْرِينَ
وَماِئَةٍ ثَلَاثَةَ مُسِنَّاتٍ أَوْ أَرْبَعَةَ أَتَابِيعَ، وَأَمَرَنِي رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا آخُذَ مِنْ مَا بَيْنَ ذَلِكَ
شَيْئًا، إِلَى أَنْ يَبْلُغَ مُسِنَّةً أَوْ جَذَعًا، وَزَعَمَ أَيْضًا أَنَّ
الْأَوْقَاصَ لَا فَرِيضَةَ فِيهَا».
قال ابن عساكر: "يحيى بن الحكم بن
أبي العاص ابن أمية بن عبد شمس أبو مروان الأموي، أخو مروان بن الحكم. حدّث عن
معاذ بن جبل. روى عنه: سلمة بن أسامة، وسكن دمشق، وولاه ابن أخيه عبدالملك المدينة،
ثم ولاه حمص".
قال أبو زرعة في «كتاب
الاخوة»:
"خمسة أخوة: مروان بن الحكم بن أبي العاص، وعبدالرحمن بن
الحكم، والحارث بن الحكم، وعثمان بن الحكم، ويحيى بن الحكم".
قال أبو زرعة: "يحيى مذكور في حديث
صدقات أهل اليمن، يُحدث به عن معاذ بن جبل".
قلت: يحيى هذا لا يُعرف بالرواية، ولم
يُدرك معاذا، وكأنه سمع هذا الحديث في حمص، ولم يذكر من حدّثه به! والرواية فيها
نكارة كسابقتها في أن معاذا رجع وسأل النبي صلى الله عليه وسلم!
وروى أبو داود في «المراسيل» (ص: 131)
(112) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ، قال: حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ، قال: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَذَكَرَ
مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ: «أَنَّ مِمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْكَمَ مِنْ أَمَرِ الصَّدَقَةِ أَنَّهُ جَعَلَ فِي
الْأَوْقَاصِ مِنَ الْبَقَرِ بَعْدَ كِتَابِهِ الْأَوَّلِ مَعَ مُعَاذِ بْنِ
جَبَلٍ، وَالْأَوْقَاصُ الْخَمْسُ مِنَ الْبَقَرِ فَصَاعِدًا إِلَى عَشَرٍ،
فَجَعَلَ فِي الْعَشْرِ شَاتَيْنِ، ثُمَّ جَعَلَ صَدَقَةَ الْبَقَرِ عَلَى نَحْوٍ
مِنْ صَدَقَةِ الْإِبِلِ».
قلت: وهذا أيضاً منكر! والظاهر أن ابن
إسحاق دلّسه! ومراسيل الزهري واهية.
·
كلام أهل
العلم على رواية طاوس عن معاذ:
وقد ضعّف بعض أهل العلم رواية طاوس عن
معاذ بالإرسال؛ لأنه لم يدركه، ومنهم من قبلها لشهرة هذا عن معاذ في اليمن.
ففي «المدونة» (1/354) قَالَ سَحْنُونٌ:
قُلْتُ لِعَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ: أَيَأْخُذُ مَالِكٌ بِالْحَدِيثِ
الَّذِي يُذْكَرُ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ مُعَاذٍ فِي الْبَقَرِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ أَشْهَبُ عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ
بِلَالٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: أَنَّ طَاوُسًا الْيَمَانِيَّ
حَدَّثَهُ، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُعَاذًا فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْبَقَرِ الصَّدَقَةَ: مِنْ كُلِّ
ثَلَاثِينَ بَقَرَةً: تَبِيعًا، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً: مُسِنَّةً،
وَمِنْ كُلِّ سِتِّينَ: تَبِيعَيْنِ، وَمِنْ كُلِّ سَبْعِينَ: تَبِيعًا وَبَقَرَةً
مُسِنَّةً» عَلَى نَحْو هَذَا الحَدِيثِ.
وقَالَ الشَّافِعِيُّ في كتاب «الأم»: "وَيُشْبِهُ
أَنْ يَكُونَ مُعَاذٌ إنَّمَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ أُتِيَ بِمَا دُونَ ثَلَاثِينَ
فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا
شَيْئًا".
ثم ساق حديث مَالِك، عَنْ حُمَيْدِ بنِ
قَيْسٍ، عَنْ طَاوُسٍ اليَمَانِيِّ، ثم قال: "وَطَاوُسٌ عَالِمٌ بِأَمْرِ
مُعَاذٍ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَلْقَهُ عَلَى كَثْرَةِ مَنْ لَقِيَ مِمَّنْ
أَدْرَكَ مُعَاذًا مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ فِيمَا عَلِمْت".
ثم قال: "وَأَخْبَرَنِي غَيْرُ
وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ عَنْ عَدَدٍ مَضَوْا مِنْهُمْ أَنَّ مُعَاذًا أَخَذَ
مِنْهُمْ صَدَقَةَ الْبَقَرِ عَلَى مَا رَوَى طَاوُسٌ".
وقَالَ: أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَهْلِ
العِلْمِ وَالْأَمَانَةِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ سَلَامَةَ:
«أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِالعَزِيزِ دَعَا بِصَحِيفَةٍ فَزَعَمُوا أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ بِهَا إلَى مُعَاذِ بنِ
جَبَلٍ، فَإِذَا فِيهَا فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ
مُسِنَّةٌ».
وقال: "وَهُوَ مَا لَا أَعْلَمُ
فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ لَقِيته مِنْ أَهْلِ العِلْمِ خِلَافًا، وَبِهِ نَأْخُذُ".
قلت: وقول الشافعي: "وطاوس عالمٌ
بأمر معاذ" = أي في ما ورد عنه من أمور الزكاة والصدقات، لا أنه يقصد كل ما
يرويه طاوس عن معاذ في أيّ أمر!
وقال ابن عبدالبر في «التمهيد» (2/273) في
رواية مالك السابقة: "هذَا الحَدِيثُ ظَاهِرُهُ الوُقُوفُ عَلَى مُعَاذِ بْنِ
جَبَلٍ مِنْ قَوْلِهِ، إِلَّا أَنَّ فِي قَوْلِهِ إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِينَ
وَالْأَرْبَعِينَ مِنَ الْبَقْرِ شَيْئًا دَلِيلًا وَاضِحًا عَلَى أَنَّهُ قَدْ
سَمِعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الثَّلَاثِينَ
وَالْأَرْبَعِينَ مَا عَمِلَ بِهِ فِي ذَلِكَ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مِثْلُهُ
رَأْيًا، وَإِنَّمَا هُوَ تَوْقِيفٌ مِمَّنْ أَمَرَ بِأَخْذِ الزَّكَاةِ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ يُطَهِّرُهُمْ وَيُزَكِّيهِمْ بِهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ العُلَمَاءِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي زَكَاةِ
الْبَقَرِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مَا
قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: فِي ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعٌ، وَفِي أَرْبَعِينَ
مُسِنَّةٌ، وَالتَّبِيعُ وَالتَّبِيعَةُ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ. قَالَ
الْخَلِيلُ: التَّبِيعُ: الْعِجْلُ مَنْ وَلَدِ الْبَقَرِ، وحَدِيثُ طَاوُسٍ
عِنْدَهُمْ عَنْ مُعَاذٍ غَيْرُ مُتَّصِلٍ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ طَاوُسًا لَمْ
يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذٍ شَيْئًا، وَقَدْ رَوَاهُ قَوْمٌ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ عَنْ مُعَاذٍ، إِلَّا أَنَّ الَّذِينَ أَرْسَلُوهُ أَثْبَتُ مِنَ
الَّذِينَ أَسْنَدُوهُ".
قلت: يقصد أن حديث طاوس عن معاذ ليس حجة
عند الشافعية.
وكان قد نقل في موضع سابق (2/276) هذا
الأثر، ونقل عن عَمْرو بن شُعَيْبٍ قوله: "إِنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ لَمْ
يَزَلْ بِالجَنَدِ مُنْذُ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِلَى الْيَمَنِ حَتَّى مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ فَرَدَّهُ عَلَى مَا كَانَ فِيهِ
عَلَيْهِ"، ثم قال: "الجَنَدُ مِنَ اليَمَنِ هُوَ بَلَدُ طَاوُسٍ،
وَتُوُفِّيَ طَاوُسٌ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ مُعَاذٌ سَنَةَ خَمْسَ
عَشْرَةَ أَوْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فِي طاعون عمواس".
قلت: وابن عبدالبر بهذا يقوّي ما يرويه
طاوس عن معاذ؛ لأنه من أهل الجند، ومعاذ كان أميراً عليها، فهو أعلم بأقضية معاذ
في بلده، وهذا مثل قول الشافعي المتقدم.
وقال ابن حزم في «المحلى» (4/102) -
مُنتقداً الحنفية في عدم قبولهم لهذا الأثر، وقبولهم لأثر آخر من رواية طاوس عن
معاذ في مسألة أخرى -: "لَا سِيَّمَا الْحَنَفِيِّينَ فَإِنَّهُمْ خَالَفُوا مُرْسَلَاتِ
مُعَاذٍ تِلْكَ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ عَنْ الْأَوْقَاصِ وَالْعَسَلِ... فَمِنْ
الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ مُعَاذٍ حُجَّةً إذَا وَافَقَ هَوَى الحَنَفِيِّينَ
وَرَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ؟ وَلَا يَكُونُ حُجَّةً إذَا لَمْ يُوَافِقْهُمَا، مَا
نَدْرِي أَيُّ دِينٍ يَبْقَى مَعَ هَذَا العَمَلِ؟ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ
الْخِذْلَانِ وَالضَّلَالِ، وَمِنْ أَنْ يُزِيغَ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَانَا".
·
نَقلٌ لا
أظنّه يثبت عن البيهقي!
ونقل ابن المُلقّن في «البدر المنير» (5/428)
قال: "وقَالَ البَيْهَقِيّ: طَاوُسٌ وَإِنْ لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا إلَّا
أَنَّهُ يَمَانِيٌّ وَسِيرَةُ مُعَاذٍ بَيْنَهُمْ مَشْهُورَةٌ".
وكذا قال ابن حجر في «التلخيص الحبير» (2/345)
قال: "وقَالَ البَيْهَقِيُّ: طَاوُسٌ وَإِنْ لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا إلَّا
أَنَّهُ يَمَانِيٌّ وَسِيرَةُ مُعَاذٍ بَيْنَهُمْ مَشْهُورَةٌ"!
وكأن ابن حجر أخذه من شيخه ابن الملقن.
وهذا النقل لم أجده في كتب البيهقي، وهي
معروفة، ومشتهرة ومنتشرة، ولم ينقله عنه سوى ابن الملقن وابن حجر! وفي نقلهما عنه
نظر! لأن البيهقي رد أثراً يرويه طاوس عن معاذ في «سننه»، وفي «الخلافيات»!
وكأن ابن الملقن نقله من حفظه وهو يشبه
كلام الشافعي المتقدم، فلعله قصده، فوهم في نسبته، وتبعه عليه ابن حجر، والله
أعلم.
وقال الماوردي في «الحاوي» (3/107):
"وَرَوَى طَاوُسٌ الْيَمَانِيُّ: أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ
ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا، وَمِنْ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَأُتِيَ بِدُونِ
ذَلِكَ فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا...
فَإِنْ قِيلَ: حَدِيثُ طَاوُسٍ عَنْ
مُعَاذٍ مُرْسَلٌ؛ لِأَنَّ طَاوُسًا وُلِدَ فِي زَمَانِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -، وَكَانَ لَهُ سَنَةً حِينَ مَاتَ مُعَاذٌ، وَالشَّافِعِيُّ لَا يَقُولُ
بِالمَرَاسِيلِ، فَكَيْفَ يَحْتَجُّ بِهَا؟ قِيلَ: الجَوَابُ عَنْهُ مِنْ
ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا - وَإِنْ كَانَ
مُرْسَلًا- فَطَرِيقُهُ السِّيرَةُ والقَضِيَّةُ، وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ
فِي اليَمَنِ خُصُوصًا، وَفِي سَائِرِ النَّاسِ عُمُومًا، وَطَاوُسٌ يَمَانِيٌّ،
فَكَانَ الْأَخْذُ بِهِ مِنْ طَرِيقِ اشْتِهَارِهِ لَا مِنْ طَرِيقِ إِرْسَالِهِ.
والجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ
الشَّافِعِيَّ يَمْنَعُ مِنَ الْأَخْذِ بِالْمَرَاسِيلِ إِذَا كَانَ هُنَاكَ
مُسْنَدٌ يُعَارِضُهُ، وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا لَا يُعَارِضُهُ مُسْنَدٌ
فَالْأَخْذُ بِهِ وَاجِبٌ.
وَالجَوَابُ الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا
الْحَدِيثَ وَإِنْ أَرْسَلَهُ الشَّافِعِيُّ فَقَدْ أُسْنِدَ لَهُ غَيْرُهُ،
فَكَانَ الْأَخْذُ بِهِ مِنْ طَرِيقِ الْإِسْنَادِ" انتهى.
وقال ابن الملقن في «البدر المنير» (5/516)
- وذكر حديث: معَاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: «أَنه لم يَأْخُذ زَكَاة
الْعَسَل، وَقَالَ: لم يَأْمُرنِي فِيهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِشَيْء» -: "هذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله»، وَالبَيْهَقِيّ
فِي «سنَنه»، من حَدِيث طَاوس عَن معَاذ أَنه أُتِي بوقص البَقر (وَالعَسَل)،
فَقَالَ معَاذ: كِلَاهُمَا لم يَأْمُرنِي فِيهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسلم بِشَيْء». قلت: وَهَذَا مُرْسل؛ طَاوس لم يدْرك معَاذًا كَمَا سلف فِي
الحَدِيث السَّادِس من بَاب زَكَاة النعم".
وحديث وقص البقر والعسل ذكره الذهبي في
مختصره لكتاب البيهقي
«المهذب
في اختصار السنن الكبير» (3/1483) (6573)، وقال: "قلت: وهذا
منقطع".
·
ما رواه طاوس
عن معاذ في أخذه الثِّيَابَ بِصَدَقَةِ الحِنْطَةِ والشَّعِيرِ.
رُوي عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ،
وَمُعَاذٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا حِينَ بُعِثَا إِلَى الْيَمَنِ
لَمْ يَأْخُذَا إِلَّا مِنَ الحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ.
وقد ورد أنه كان هناك كتاب لمعاذ عن النبي
صلى الله عليه وسلم، وهو كتاب الصدقات.
فروى أحمد في «مسنده» (36/314) (21989) قال:
حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ - يَعْنِي: ابْنَ مَوْهَبٍ -، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ
بن عُبيدالله التيميّ، قَالَ: «عِنْدَنَا كِتَابُ مُعَاذٍ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ إِنَّمَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ
مِنَ الحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ».
ورواه الحاكم في «المستدرك» (1/558) (1457)
من طريق أَحْمَد بن سِنَانٍ، عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن مَهْدِيٍّ، به.
قال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ قَدِ
احْتَجَّ بِجَمِيعِ رُوَاتِهِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وَمُوسَى بْنُ طَلْحَةَ
تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ لَمْ يُنْكَرْ لَهُ أَنَّهُ يُدْرِكُ أَيَّامَ مُعَاذٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ".
ورواه عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه»
(4/119) (7186) عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُثمَانَ، عَنْ مُوسَى
بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: بَعَثَ الحَجَّاجُ مُوسَى بْنَ
مُغِيرَةَ عَلَى السَّوَادِ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ خُضَرِ السَّوَادِ
فَقَالَ: مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ عِنْدِي كِتَابُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلْ، عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَرَهُ أَنْ
يَأْخُذَ مِنِ الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ» قَالَ:
فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلْحَجَّاجِ، فَقَالَ: «صَدَقَ».
ورواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (6/437) (10117)
عن وَكِيع، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ: «أَنَّ
مُعَاذًا لَمَّا قَدِمَ الْيَمَنَ لَمْ يَأْخُذَ الزَّكَاةَ إِلاَّ مِنَ
الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ».
ورواه يحيى بن آدم في كتاب «الخراج» (ص:
143) (504) من طريق حَفْص بن غِيَاثٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ
بْنِ مَوْهَبٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّدَقَةَ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ
وَالزَّبِيبِ». قَالَ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ: «وَالزَّبِيبِ أَوْ قَالَ:
الْعِنَبِ».
ورواه أيضاً (508) من طريق يَزِيد بن
عَبْدِالعَزِيزِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ
مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ يَقُولُ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مُعَاذًا عَلَى صَدَقَاتِ الْيَمَنِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ
الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالنَّخْلِ وَالْعِنَبِ - أَوْ قاَلَ الزَّبِيبِ - الْعُشْرَ
وَنِصْفَ الْعُشْرِ».
ورواه عبدالرزاق في «مصنفه» (4/119) (7187)
عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهِبٍ قَالَ:
سَمِعْتُ ابْنَ طَلْحَةَ - يَعْنِي: مُوسَى، وَكَانُوا أَخَذُوا مِنْ حُبُوبٍ لَهُ
فِي أَرْضِهِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِعَبْدِالْحَمِيدِ وَدَخَلَ عَلَيْهِ: «بَيْنِي
وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: لَمْ يَأْخُذْ مِنَ الْخُضَرِ شَيْئًا».
قلت: وهذا كتاب صحيح، فموسى ابن الصحابي
طلحة بن عبيدالله من كبار التابعين الثقات (ت 103هـ)، وقد احتج عليهم بما فيه.
وقد روى ابن زنجويه في كتاب «الأموال» (3/1034)
(1904) عن يَعْلَى بنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: حدثَنَا الحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ
أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ اليَمَنَ
أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنَ الزَّرْعِ، وَالكَرْمِ، وَالنَّخْلِ، وَالذُّرَةِ، العُشْرُ
وَنِصْفُ الْعُشْرِ».
فمعاذ كان يأخذ هذه الأصناف في الزكاة كما
أمره النبي صلى الله عليه وسلم، ثم اجتهد فرُوي أنه أخذ العَرْض بدل هذه الأصناف.
وقد روى ذلك الأمر عنه: طاوس اليماني،
ورواه عن طاوس: عَمْرِو بن دِينَارٍ المكيّ، وإِبْرَاهِيم بن مَيْسَرَةَ الطائفي
المكيّ.
أما حديث عَمْرِو بنِ دِينَارٍ: فرواه
عنه: سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ، والحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ.
أما حديث ابن عيينة:
فرواه يحيى بن آدم الكوفي في كتاب «الخراج»، بَاب: مَنْ قَالَ:
الصَّدَقَةُ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ خَاصَّةً، (ص: 147)
(525).
وابن زَنجويه في كتاب «الأموال» بَاب:
مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي حَمْلِ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، (3/1188)
(2233) عن مُحَمَّد بنِ يُوسُفَ الفِريابيّ.
والدارقطني في «سننه» (2/487)
(1930) من طريق أَحْمَد بن رَوْحٍ الأهوازيّ القارئ.
والذهبي في «معجم
الشيوخ الكبير» (2/359)
من طريق بِشْر بن مَطَر بن ثابت الواسطيّ.
أربعتهم (يحيى بن آدم، والفريابي،
والأهوازي، وبشر) عن سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عَنْ
طَاوُسٍ، قَالَ: قَالَ مُعَاذٌ بِاليَمَنِ: «ائْتُونِي
بِعَرَضِ ثِيَابٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ مَكَانَ الصَّدَقَةِ؛ فَإِنَّهُ
أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ، وَخَيْرٌ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ».
وفي رواية يحيى بن آدم: «مَكَانَ
الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ».
وفي رواية بشر: «مَكَانَ
الصَّدَقَةِ، وَمَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ».
وفي رواية الأهوازي: «ائْتُونِي بِخَميسٍ
أَوْ لَبِيسٍ».
وأما حديث الحجاج بن أرطأة:
فرواه ابن أبي شيبة في «مصنفه»، مَا قَالُوا
فِي أَخْذِ العُرُوضِ فِي الصَّدَقَةِ، (6/521) (10538) عن عَبْدالرَّحِيمِ بن سُلَيْمان الكناني.
وأبو عُبيد القاسم بن سلاّم في كتاب «الأموال» (ص: 568) (1377)، وابن
زنجويه في كتاب «الأموال» (2/817) (1422)، و(3/1026) (1898)، والحارث بن أبي أسامة
في «مسنده» [كما في «بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث» (1/499) (436)] كلهم عن يَزِيد
بن هَارُونَ.
كلاهما (عَبْدُالرَّحِيمِ، ويَزيد) عَنِ
الحَجَّاجِ بن أَرْطَاةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: «بَعَثَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَأَمَرَهُ
أَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، فَأَخَذَ العُرُوضَ
وَالثِّيَابَ مِنَ الحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ».
ولفظ رواية يزيد بن هارون: «أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ،
فَكَانَ يَأْخُذُ الثِّيَابَ بِصَدَقَةِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ».
وأما حديث إِبْرَاهِيم بن مَيْسَرَةَ
الطائفي المكيّ: فرواه عنه: سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ، وسفيان الثوري.
فأما حديث ابن عيينة:
فرواه يحيى بن آدم الكوفي في كتاب «الخراج» (ص: 147)
(526)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (6/522) (10540)، والدارقطني
في «سننه» (2/487)
(1930) من طريق أَحْمَد بن رَوْحٍ.
ثلاثتهم (يحيى بن آدم، وابن أبي شيبة،
وأحمد بن روح) عن سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ،
عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: قَالَ مُعَاذٌ بِاليَمَنِ: «ائْتُونِي
بِخَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ مَكَانَ الصَّدَقَةِ؛ فَإِنَّهُ
أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ».
وأما حديث الثّوري:
فرواه عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه»، بَابُ
أَخْذِ الْعُرُوضِ فِي الزَّكَاةِ، (4/105) (7133).
وابن أبي شيبة في «مصنفه»، مَا
قَالُوا فِي أَخْذِ الْعُرُوضِ فِي الصَّدَقَةِ، (6/522) (10541) عن وَكِيعٍ.
كلاهما (عبدالرزاق، ووكيع) عَنِ
الثَّوْرِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ مُعَاذِ
بْنِ جَبَلٍ: «أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فِي زَكَاتِهِمُ
الْعُرُوضَ».
ولفظ وكيع: «أَنَّ
مُعَاذًا كَانَ يَأْخُذُ الْعُرُوضَ فِي الصَّدَقَةِ».
قال الدارقطني: "هَذَا مُرْسَلٌ،
طَاوُسٌ لَمْ يُدْرِكْ مُعَاذًا".
·
هل خالف
إبراهيم بن مَيسرة عمرو بن دينار فيه؟
روى البيهقي الحديث في «السنن الكبرى»، بَاب
مَنْ أَجَازَ أَخْذَ الْقِيَمِ فِي الزَّكَوَاتِ، (4/189) (7372) من طريق يَحْيَى
بن آدَمَ، عن سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ
طَاوُسٍ، بلفظ: «مَكَانَ
الصَّدَقَةِ».
ثم قال: "كَذَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ
بْنُ مَيْسَرَةَ! وخَالَفَهُ عَمْرُو بنُ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، فَقَالَ: قَالَ
مُعَاذٌ بِالْيَمَنِ: «ائْتُونِي بِعَرَضِ ثِيَابٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ مَكَانَ
الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ».
وقال في «الخلافيات» (5/29): "كَذَا
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ، وَخَالَفَهُ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْهُ:
عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ"، ثم قال: "أَمَّا قَوْلُهُ:
مَكَانَ الصَّدَقَةِ، فَلَمْ يَحْفَظْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ، وَخَالَفَهُ
مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ".
قلت: لم يخالف إبراهيم عمرو بن دينار! وكلاهما من الثقات الأثبات.
وكأن البيهقي - رحمه الله - لم يستقصِ طرق الحديث! فقد رواه الفريابي،
والأهوازي عن سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، وذكرا:
«مَكَانَ
الصَّدَقَةِ»،
وهذه الرواية عن عمرو وهي موافقة لرواية إبراهيم.
وكأن سفيان بن عيينة كان أحياناً يذكر هذا، وأحياناً هذا، وأحياناً
يجمع بينهما من باب البيان والتفسير كما في رواية
بشر: «مَكَانَ
الصَّدَقَةِ، وَمَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ» = يعني
يأخذ مكان الصدقة وهي الذرة والشعير.
فالروايات متفقة، ولا خلاف فيها.
·
تعليق البخاري لهذه الرواية في «صحيحه»!
وقد علّق البخاري في «صحيحه»، بَاب
العَرْضِ فِي الزَّكَاةِ، (2/116) هذه الرواية فقال: وقَالَ طَاوُسٌ: قَالَ
مُعَاذٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَهْلِ اليَمَنِ: «ائْتُونِي بِعَرْضٍ
ثِيَابٍ خَمِيصٍ - أَوْ لَبِيسٍ - فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ
أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ»
والبخاري إنما استفاد من تبويب عبدالرزاق
الصنعاني في «مصنفه»: "بَاب
أَخْذِ العُرُوضِ فِي الزَّكَاةِ"، (4/105) ثم روى (7133) عَنِ الثَّوْرِيِّ،
عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ:
«أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ فِي زَكَاتِهِمُ العُرُوضَ».
قال ابن حجر في «الفتح» (3/324)
فيما علّقه البخاري: "وَطَاوُسٌ عَنْ مُعَاذٍ مُنْقَطِعٌ".
وقال أيضاً (3/312): "(قَوْلُهُ بَابُ
الْعَرْضِ فِي الزَّكَاةِ) أَيْ جَوَازُ أَخْذِ العَرْضِ، وَهُوَ بِفَتْحِ
الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ، وَالمُرَادُ بِهِ: مَا
عَدَا النَّقْدَيْنِ. قَالَ ابن رُشيدٍ: وَافَقَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ الْحَنَفِيَّةَ مَعَ كَثْرَةِ مُخَالَفَتِهِ لَهُمْ لَكِنْ قَادَهُ
إِلَى ذَلِكَ الدَّلِيلُ، وَقَدْ أَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ قِصَّةِ مُعَاذٍ
وَعَنِ الْأَحَادِيثِ كَمَا سَيَأْتِي عَقِبَ كُلٍّ مِنْهَا. (قَوْلُهُ: وَقَالَ
طَاوُسٌ: قَالَ مُعَاذٌ لِأَهْلِ الْيَمَنِ): هَذَا التَّعْلِيقُ صَحِيحُ
الْإِسْنَادِ إِلَى طَاوُسٍ، لَكِن طَاوس لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذٍ، فَهُوَ
مُنْقَطِعٌ، فَلَا يُغْتَرُّ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ: ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ
بِالتَّعْلِيقِ الْجَازِمِ، فَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ
إِلَّا الصِّحَّةَ إِلَى مَنْ عُلِّقَ عَنْهُ، وَأَمَّا بَاقِي الْإِسْنَادِ فَلَا
إِلَّا أَنَّ إِيرَادَهُ لَهُ فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ يَقْتَضِي
قُوَّتَهُ عِنْدَهُ، وَكَأَنَّهُ عَضَّدَهُ عِنْدَهُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي
ذَكَرَهَا فِي البَابِ".
وقال في «النكت» (1/331): "ومثال
التعليق الجازم الذي يضعف بسبب الانقطاع: قوله في كتاب الزكاة، وقال طاووس: قال
معاذ (يعني ابن جبل - رضي الله عنه-) لأهل اليمن: "ائتوني بعرض ثياب خميص...
والإسناد صحيح إلى طاووس، قد رويناه في كتاب الخراج ليحيى بن آدم، لكنه منقطع؛ لأن
طاووس لم يسمع من معاذ".
وقال في «تغليق التعليق» (3/13): "وهُوَ
إِلَى طَاوس إِسْنَاد صَحِيح، لكنه لم يسمع من معَاذ؛ فَهُوَ مُنْقَطع".
وهذا الأثر يُضعفه الشافعية، ومن قَبِلَهُ
منهم أوّلَه على أنه جاء في الجزية!
قال البيهقي في «السنن» و«الخلافيات» بعد
أن أخرجه: "قالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو
عَمْرٍو الْأَدِيبُ عَنْهُ: "حَدِيثَ طَاوُسٍ عَنِ مُعَاذٍ إِذَا كَانَ
مُرْسَلًا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ فِيهِ بَعْضُهُمْ: «مِنَ الجِزْيَةِ» بَدَلَ «الصَّدَقَةِ»".
ثم قَالَ: "هَذَا هُوَ الْأَلْيَقُ
بِمُعَاذٍ، وَالْأَشْبَهُ بِمَا أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِهِ مِنْ أَخْذِ الجِنْسِ فِي الصَّدَقَاتِ، وَأَخْذِ الدِّينَارِ أَوْ
عَدَّلَهُ مَعَافِرَ ثِيَابٍ بِاليَمَنِ فِي الجِزْيَةِ، وَأَنْ تُرَدَّ
الصَّدَقَاتُ عَلَى فُقَرَائِهِمْ لَا أَنْ يَنْقُلَهَا إِلَى الْمُهَاجِرِينَ
بِالْمَدِينَةِ الَّذِينَ أَكْثَرُهُمْ أَهْلُ فَيْءٍ لَا أَهْلُ صَدَقَةٍ،
وَاللهُ أَعْلَمُ".
قلت: لا يوجد أي رواية جاء فيها لفظ «الجِزْيَةِ» بَدَلَ «الصَّدَقَةِ» كما قال الإسماعيلي!! وأكثرها
فيها: «الصَّدَقَةِ».
قال ابن حجر في «الفتح» (3/312): "وَحَكَى
الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ فِيهِ: مِنَ الْجِزْيَةِ بَدَلَ
الصَّدَقَةِ، فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ سَقَطَ الِاسْتِدْلَال، لكِن المَشْهُور الأول"
- أي الصدقة.
وقَالَ الإمام الشَّافِعِيُّ في كتاب «الأم» (2/99) - وهو
يتحدث عن نقل الصدقة من بلد إلى آخر- : "فَاحْتَجَّ مُحْتَجٌّ فِي نَقْلِ
الصَّدَقَاتِ بِأَنْ قَالَ: إنَّ بَعْضَ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ قَالَ: إنْ جُعِلَتْ
فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَ، وَاَلَّذِي قَالَ هَذَا القَوْلَ لَا يَكُونُ
قَوْلُهُ حُجَّةً تُلْزِمُ وَهُوَ لَوْ قَالَ هَذَا لَمْ يَكُنْ قَالَ إنْ
جُعِلَتْ فِي صِنْفٍ وَأَصْنَافٍ مَوْجُودَةٍ، وَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ إذَا
لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْأَصْنَافِ إلَّا صِنْفٌ أَجْزَأَ أَنْ تُوضَعَ فِيهِ،
وَاحْتَجَّ بِأَنْ قَالَ: إنَّ طَاوُسًا رَوَى: «أَنَّ مُعَاذَ
بْنَ جَبَلٍ قَالَ لِبَعْضِ أَهْلِ الْيَمَنِ: ائْتُونِي بِعُرْضِ ثِيَابٍ
آخُذُهَا مِنْكُمْ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ فَإِنَّهُ أَهْوَنُ
عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ».
صَالَحَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ ذِمَّةِ اليَمَنِ عَلَى دِينَارٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ
كُلَّ سَنَةٍ، فَكَانَ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الرَّجُلِ دِينَارٌ أَوْ قِيمَتُهُ مِنْ
الْمَعَافِرِ، كَانَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُوجَدْ الدِّينَارُ، فَلَعَلَّ مُعَاذًا
لَوْ أَعَسَرُوا بِالدِّينَارِ أَخَذَ مِنْهُمْ الشَّعِيرَ وَالْحِنْطَةَ؛
لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا عِنْدَهُمْ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَتْرُكَ الدِّينَارَ
لِغَرَضٍ فَلَعَلَّهُ جَازَ عِنْدَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ طَعَامًا وَغَيْرَهُ
مِنْ العَرَضِ بِقِيمَةِ الدَّنَانِيرِ، فَأَسْرَعُوا إلَى أَنْ يُعْطُوهُ مِنْ
الطَّعَامِ لِكَثْرَتِهِ عِنْدَهُمْ يَقُولُ: «الثِّيَابُ
خَيْرٌ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالمَدِينَةِ وَأَهْوَنُ عَلَيْكُمْ»؛
لِأَنَّهُ لَا مُؤْنَةً كَثِيرَةً فِي الْمَحْمَلِ لِلثِّيَابِ إلَى الْمَدِينَةِ
وَالثِّيَابُ بِهَا أَغْلَى ثَمَنًا.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هَذَا تَأْوِيلٌ
لَا يُقْبَلُ إلَّا بِدَلَالَةٍ عَمَّنْ رُوي عَنْهُ، فَإِنَّمَا قُلْنَاهُ
بِالدَّلَائِلِ عَنْ مُعَاذٍ وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ هَذَا.
أَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ، عَنْ
مَعْمَرٍ، عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ مُعَاذًا قَضَى: «أَيُّمَا
رَجُلٍ انْتَقَلَ مِنْ مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ إلَى غَيْرِ مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ
فَعُشْرُهُ وَصَدَقَتُهُ إلَى مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ».
فَبَيَّنَ فِي قِصَّةِ مُعَاذٍ أَنَّ هَذَا
فِي المُسْلِمِينَ خَاصَّةً، وَذَلِكَ أَنَّ العُشْرَ وَالصَّدَقَةَ لَا تَكُونُ
إلَّا لِلْمُسْلِمِينَ.
وَإِذَا رَأَى مُعَاذٌ فِي الرَّجُلِ
الْمَأْخُوذِ مِنْهُ الصَّدَقَةَ يَنْتَقِلُ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ عَنْ مِخْلَافِ
عَشِيرَتِهِ أَنْ تَكُونَ صَدَقَتُهُ وَعُشْرُهُ إلَى مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ
وَذَلِكَ يَنْتَقِلُ بِصَدَقَةِ مَالِهِ النَّاضِّ وَالْمَاشِيَةِ، فَيَجْعَلُ
مُعَاذٌ صَدَقَتَهُ وَعُشْرَهُ لِأَهْلِ مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ لَا لِمَنْ
يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِقَرَابَتِهِ دُونَ أَهْلِ الْمِخْلَافِ الَّذِي انْتَقَلَ
عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ أَنَّ مِخْلَافَ عَشِيرَتِهِ لِعَشِيرَتِهِ،
وَإِنَّمَا خَلَطَهُمْ غَيْرُهُمْ وَكَانَتْ الْعَشِيرَةُ أَكْثَرَ، وَالْآخَرُ
أَنَّهُ رَأَى أَنَّ الصَّدَقَةَ إذَا ثَبَتَتْ لِأَهْلِ مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ
لَمْ تُحَوَّلْ عَنْهُمْ صَدَقَتُهُ وَعُشْرُهُ بِتَحَوُّلِهِ وَكَانَتْ لَهُمْ
كَمَا تَثْبُتُ بَدْءًا. وهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُشْرُهُ وَصَدَقَتُهُ
الَّتِي هِيَ بَيْنَ ظَهَرَانِي مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ لَا تَتَحَوَّلُ عَنْهُمْ
دُونَ النَّاضِّ الَّذِي يَتَحَوَّلُ، وَمُعَاذٌ إذْ حَكَمَ بِهَذَا كَانَ مِنْ
أَنْ يَنْقُلَ صَدَقَةَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ الَّذِينَ هُمْ
أَهْلُ الصَّدَقَةِ إلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ أَكْثَرُهُمْ أَهْلُ
الْفَيْءِ أَبْعَدَ، وَفِيمَا رَوَيْنَا مِنْ هَذَا عَنْ مُعَاذٍ مَا يَدُلُّ
عَلَى قَوْلِنَا: لَا تُنْقَلُ الصَّدَقَةُ مِنْ جِيرَانِ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ
مِنْهُ الصَّدَقَةُ إلَى غَيْرِهِمْ.
وَطَاوُسٌ لَوْ ثَبَتَ عَنْ مُعَاذٍ
شَيْءٌ لَمْ يُخَالِفْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَطَاوُسٌ يَحْلِفُ مَا
يَحِلُّ بَيْعُ الصَّدَقَاتِ قَبْلَ أَنْ تُقْبَضَ وَلَا بَعْدَ أَنْ تُقْبَضَ،
وَلَوْ كَانَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَنْ احْتَجَّ عَلَيْنَا بِأَنَّ مُعَاذًا بَاعَ
الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالثِّيَابِ
كَانَ بَيْعُ الصَّدَقَةِ قَبْلَ أَنْ تُقْبَضَ، وَلَكِنَّهُ عِنْدَنَا إنَّمَا
قَالَ: «ائْتُونِي
بِعُرْضٍ مِنْ الثِّيَابِ»..." إلخ كلامه.
وقال البيهقي في «الخلافيات»: "فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَجُوزُ
حَمْلُهُ عَلَى الْجِزْيَةِ، وَقَدْ رُوِّينَا أَنَّهُ قَالَ: «آخُذُهُ مِنْكُمْ
مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «مَكَانَ الصَّدَقَةِ»؟.
قُلْنَا: أَمَّا قَوْلُهُ: «مَكَانَ الصَّدَقَةِ»، فَلَمْ
يَحْفَظْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ، وَخَالَفَهُ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ،
وَإِنْ ثَبَتَ مَحْمُولٌ عَلَى مَعْنَى مَا كَانَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بِاسْمِ
الصَّدَقَةِ، كَبَنِي تَغْلِبَ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُعْطُونَ الْجِزْيَةَ
بِاسْمِ الصَّدَقَاتِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: «مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ»، فَلَعَلَّ
مُعَاذًا - رضي الله عنه - لَوْ أَعْسَرُوا بِالدَّنَانِيرِ أَخَذَ مِنْهُمُ
الشَّعِيرَ وَالْحِنْطَةَ، لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا عِنْدَهُمْ، وَإِذَا جَازَ أَنْ
يَتْرُكَ الدِّيَنارَ لِعَرضٍ - وَهُوَ الْمَعَافِرِيُّ - فَلَعَلَّهُ جَازَ
عِنْدَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ طَعَامًا فِي الْجِزْيَةِ، ثُمَّ يَقُولُ:
الثِّيَابُ خَيْرٌ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَأَهْوَنُ عَلَيْكُمْ؛
لِأَنَّهُ لَا مُؤْنَةَ كَبِيرَةً فِي حَمْلِ الثِّيَابِ إِلَى الْمَدِينَةِ،
وَالثِّيَابُ بِهَا أَغْلَى مِنْهَا بِالْيَمَنِ، وَالْحِكَايَةُ حِكَايَةُ حَالٍ.
يُوَضِّحُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ رَاوِيَهُ حَدَّثَنَا وَحَدَّثَكُمْ
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مِنْ حَدِيثِ طَاوُسٍ، وَلَوْ ثَبَتَ عَنْ مُعَاذٍ
لِطَاوُسٍ أَنَّهُ قَضَى فِي نَقْلِ الصَّدَقَاتِ نَحْوَ مَذْهَبِكُمْ لَمَا
خَالَفَهُ طَاوُسٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَمَعْلُومٌ مِنْ مَذْهَبِ طَاوُسٍ - رحمه
الله - أَنَّهُ كَانَ لَا يُجِيزُ بَيْعَ الصَّدَقَاتِ، وَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَا
يَحِلُّ، لَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا بَعْدَهُ.
وَلَوْ صَحَّ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضي الله
عنه - مِنْ أَخْذِهِ الثِّيَابَ بَدَلَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فِي الصَّدَقَةِ،
كَانَ بَيْعُ الصَّدَقَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ، ثُمَّ قَدْ رَوَيْنَا قَضَاءَ
مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضي الله عنه - فِي الْعُشْرِ وَالصَّدَقَةِ لَنَا مِنْ
طَرِيقِ حَدِيثِ مُطَرِّفِ بْنِ مَازِنٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْهُ، فَتَعَارَضَا، عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ عَنْ مُعَاذٍ
مُنْقَطِعٌ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: طَاوُسٌ لَمْ يُدْرِكْ مُعَاذًا" انتهى.
قلت: ذهب الشافعي ومن تبعه إلى تأويل الأثر أنه جاء في الجزية لا
في الصدقة، فهم يقبلون الأثر؛ لأنهم قبلوا غيره من رواية طاوس عن معاذ، لكنهم
أوّلوه؛ لأنه يخالف مذهبهم في عدم جواز إخراج القيمة في الزكاة والصدقات!
وقالوا بأن الذي رُوي عنه هذا وهو معاذ مذهبه عدم جواز نقل الزكاة
من مكان إلى آخر!
وحقيقة فإن الاحتجاج بما جاء عن معاذ بأن من ترك مخلافه فزكاته لمن
هم في ذاك المخلاف كان في قضيّة معاذ زمن أبي بكر الصديق كما بيّناه سابقاً، وأما
أخذه الثياب بدل الصدقة من الشعير والذرة فهذا كان زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم،
فلا مخالفة بينهما، وإنما هو اجتهاد في تلك القضية من عدم نقل الزكاة من مكان إلى
آخر، مع أن ذلك ليس نصّاً في عدم جواز نقل الصدقة من مكان إلى آخر.
وأما القول بأن هذا في الجزية؛ لأنه ورد في حديث آخر في أخذ الجزية
من المال والثياب، فهذا لا يتجه، بل قد يكون معاذ أخذ بدل الصدقة الثياب قياساً
على ما جاء في أخذ الثياب في الجزية، والله أعلم.
قال الماوردي في «الحاوي» (3/179): "مَسْأَلَةٌ:
قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «وَلَا يُجْزِئُهُ ذَهَبٌ عَنْ
وَرِقٍ، وَلَا وَرِقٌ عَنْ ذَهَبٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ»".
قالَ الْمَاوَرْدِيُّ: "وَهَذَا
كَمَا قَالَ: إِخْرَاجُ الْقِيَمِ فِي الزَّكَوَاتِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا فِي
الْكَفَّارَاتِ حَتَّى يُخْرِجَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ بَدَلًا أَوْ مُبْدَلًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْقِيَمِ فِي الزَّكَوَاتِ
وَالْكَفَّارِاتِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ عِتْقًا...".
ثم قال في الرد على من احتج بأثر طاوس عن
معاذ في جواز إخراج القيمة: "وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ
فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَارِدٌ فِي الجِزْيَةِ لَا فِي
الزَّكَاةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي الزَّكَاةِ مِنَ الْحَبِّ حَبًّا، ثُمَّ
عَقَّبَ ذَلِكَ بِالجِزْيَةِ فَقَالَ: خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عَدْلَهُ
مِنْ مَعَافِرِ الْيَمَنِ، فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ مُعَاذٌ «آخُذُهُ مِنْكُمْ مَكَانَ
الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ»، وَذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الجِزْيَةِ، قِيلَ: يَجُوزُ
أَنْ يَكُونَ مُعَاذٌ عَقَدَ مَعَهُمُ الجِزْيَةَ عَلَى أَخْذِ الشَّعِيرِ مِنْ
زُرُوعِهِمْ، يُوَضِّحُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْجِزْيَةِ لَا مِنَ الزَّكَاةِ أَنَّ
مُعَاذًا قَالَ: «فَإِنَّهُ أَنْفَعُ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ
بِالْمَدِينَةِ»، وَالزَّكَاةُ لَا يَجُوزُ نَقْلُهَا مِنْ جِيرَانِ الْمَالِ إِلَى
غَيْرِهِمْ، سِيَّمَا عِنْدَ مُعَاذٍ الَّذِي يَقُولُ: «أَيُّمَا رَجُلٍ انْتَقَلَ
مِنْ مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ إِلَى غَيْرِ مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ فَعُشْرُهُ
وَصَدَقَتُهُ فِي مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ». فَثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْجِزْيَةِ
الَّتِي يَجُوزُ نَقْلُهَا".
وقال في موضع آخر (8/483): "وَأَمَّا
قَوْلُ مُعَاذٍ «ائْتُونِي بِخَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ»، فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى
مَالِ الجِزْيَةِ؛ لِأَنَّ المُهَاجِرِينَ بِالمَدِينَةِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ
وَبَنِي الْمُطَّلِبِ يُصْرَفُ إِلَيْهِمُ الجِزْيَةُ، وَلَا تُصْرَفُ إِلَيْهِمُ
الزَّكَاةُ".
قلت: من قال بأن الزكاة إذا نُقلت للمدنية
فسيكون المقصود بها من تصرف إليهم الجزية؟! ألا يوجد في المدينة من تجوز عليه
الزكاة؟! فمن تتبع كتب السير والتاريخ وجد أن هناك الكثير من أهل المدينة من
المهاجرين كانوا بحاجة الزكاة.
وغالب أهل العلم على أن ما رواه طاوس عن
معاذ في الزكاة لا في الجزية، وهذا واضح في تبويب الإمام البخاري، ولولا أنه يتبنى
هذا الرأي لما بوّب عليه هكذا، وساقه في التبويب.
قال ابن حجر في «الفتح» (3/312): "(قَوْلُهُ
بَابُ الْعَرْضِ فِي الزَّكَاةِ) أَيْ جَوَازُ أَخْذِ العَرْضِ، وَهُوَ بِفَتْحِ
الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ، وَالمُرَادُ بِهِ: مَا
عَدَا النَّقْدَيْنِ. قَالَ ابن رُشيدٍ: وَافَقَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ الْحَنَفِيَّةَ مَعَ كَثْرَةِ مُخَالَفَتِهِ لَهُمْ لَكِنْ قَادَهُ إِلَى
ذَلِكَ الدَّلِيلُ".
ثم قال:"(قَوْلُهُ: وَقَالَ طَاوُسٌ
قَالَ مُعَاذٌ لِأَهْلِ الْيَمَنِ): هَذَا التَّعْلِيقُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ
إِلَى طَاوُسٍ، لَكِن طَاوس لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذٍ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، فَلَا
يُغْتَرُّ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ: ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ بِالتَّعْلِيقِ الْجَازِمِ
فَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ إِلَّا الصِّحَّةَ إِلَى
مَنْ عُلِّقَ عَنْهُ، وَأَمَّا بَاقِي الْإِسْنَادِ فَلَا إِلَّا أَنَّ إِيرَادَهُ
لَهُ فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ يَقْتَضِي قُوَّتَهُ عِنْدَهُ وَكَأَنَّهُ
عَضَّدَهُ عِنْدَهُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي البَابِ".
·
اعتراضات
وإجابات:
وقال الحافظ أيضاً: "وأَجَابَ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ المَعْنَى: ائْتُونِي بِهِ آخُذْهُ
مِنْكُمْ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ الَّذِي آخُذُهُ شِرَاءً بِمَا آخُذُهُ
فَيَكُونُ بِقَبْضِهِ قَدْ بَلَغَ مَحِلَّهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَكَانَهُ مَا
يَشْتَرِيهِ مِمَّا هُوَ أَوْسَعُ عِنْدَهُمْ وَأَنْفَعُ لِلْآخِذِ. قَالَ:
وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنَ الزَّكَاةِ لَمْ تَكُنْ مَرْدُودَةً
عَلَى الصَّحَابَةِ، وَقَدْ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فيردها عَلَى
فُقَرَائِهِمْ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ
أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ الزَّكَاةَ إِلَى الْإِمَامِ لِيَتَوَلَّى قِسْمَتَهَا،
وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ مَنْ يُجِيزُ نَقْلَ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ،
وَهِيَ مَسْأَلَةٌ خِلَافِيَّةٌ أَيْضًا.
وَقِيلَ فِي الجَوَابِ عَنْ قِصَّةِ
مُعَاذٍ: إِنَّهَا اجْتِهَادٌ مِنْهُ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ؛
لِأَنَّهُ كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَقَدْ بَيَّنَ لَهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرْسَلَهُ إِلَى الْيَمَنِ
مَا يَصْنَعُ.
وَقِيلَ: كَانَتْ تِلْكَ وَاقِعَةَ حَالٍ
لَا دَلَالَةَ فِيهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ
حَاجَةً لِذَلِكَ، وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِ عَمَلِهِ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُالْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ: كَانُوا يُطْلِقُونَ عَلَى الجِزْيَةِ:
اسْمَ الصَّدَقَةِ، فَلَعَلَّ هَذَا مِنْهَا، وَتُعُقِّبَ بِقَوْلِهِ مَكَانَ
الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ، وَمَا كَانَتِ الْجِزْيَةُ حِينَئِذٍ مِنْ أُولَئِكَ مِنْ
شَعِيرٍ وَلَا ذُرَةٍ إِلَّا مِنَ النَّقْدَيْنِ" انتهى.
وقال العيني في «عمدة القاري» (9/4):
"احْتج بِهِ أَصْحَابنَا فِي جَوَاز دفع الْقيم فِي الزكوات، وَلِهَذَا قَالَ
ابن رُشيد: وَافق البُخَارِيّ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة الْحَنَفِيَّة مَعَ كَثْرَة
مُخَالفَته لَهُم، لَكِن قَادَهُ إِلَى ذَلِك الدَّلِيل.
وَقَالَ بَعضهم: لَكِن أجَاب الْجُمْهُور
عَن قصَّة معَاذ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قلت: من جملَة مَا قَالُوا: إِنَّه
مُرْسل. وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: حَدِيث طَاوُوس لَو كَانَ صَحِيحا لوَجَبَ
ذكره لينتهي إِلَيْهِ، وَإِن كَانَ مُرْسلا فَلَا حجَّة فِيهِ.
وَمِنْهُم من قَالَ: إِن المُرَاد
بِالصَّدَقَةِ الْجِزْيَة؛ لأَنهم يطلقون ذَلِك مَعَ تَضْعِيف الْوَاجِب حذراً من
العَار. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا الْأَلْيَق بمعاذ، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، وَالْأَشْبَه بِمَا أَمر بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَخذ
الْجِنْس فِي الصَّدقَات وَأخذ الدِّينَار، وعدله معافر ثِيَاب الْيمن فِي
الْجِزْيَة.
قَالُوا: وَيدل عَلَيْهِ نَقله إِلَى
الْمَدِينَة، وَذهب معَاذ أَن النَّقْل فِي الصَّدقَات مُمْتَنع وَيدل عَلَيْهِ
إضافتها إِلَى الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، والجزية تسْتَحقّ بالهجرة والنصرة،
وَأما الزَّكَاة فتستحق بالفقر والمسكنة.
وَقَالُوا أَيْضاً: أَن قَوْله ائْتُونِي
بِعرْض ثِيَاب، مَعْنَاهُ: آتوني بِهِ آخذه مِنْكُم مَكَان الشّعير والذرة الَّذِي
آخذه شِرَاء بِمَا آخذه فَيكون بِأَخْذِهِ قد بلغت مَحَله، ثمَّ يَأْخُذ مَكَان
مَا يَشْتَرِيهِ مِمَّا هُوَ وَاسع عِنْدهم وأنفع للآخذ.
وَقَالُوا: لَو كَانَت هَذِه من الزَّكَاة
لم تكن مَرْدُودَة على أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ
دون غَيرهم، وَكَيف كَانَ الْوَجْه فِي رده عَلَيْهِم وَقد قَالَ لَهُ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم «تُؤْخَذ من أغنيائهم فَترد فِي فقرائهم».
وَأما الْجَواب عَن ذَلِك كُله فَهُوَ:
أَن قَوْلهم إِنه مُرْسل، فَنَقُول: المُرْسل حجَّة عندنَا.
وَأَن قَوْلهم المُرَاد بِالصَّدَقَةِ:
الْجِزْيَة، فَالْجَوَاب عَنهُ من أَرْبَعَة أوجه:
أَولهَا: أَنه قَالَ مَكَان الشّعير
والذرة، وَتلك غير وَاجِبَة فِي الْجِزْيَة بِالْإِجْمَاع.
الثَّانِي: أَن الْمَنْصُوص عَلَيْهِ لفظ
الصَّدَقَة، كَمَا فِي لفظ البُخَارِيّ، والجزية صغَار لَا صَدَقَة، ومسميها
بِالصَّدَقَةِ مكابر.
الثَّالِث: قَالَه حِين بَعثه رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأخذ زكاتهم، وَفعله امْتِثَال لما بعث من أَجله وَسَببه
هُوَ الزَّكَاة، فَكيف يحمل على الْجِزْيَة؟
الرَّابِع: أَن الْخطاب مَعَ الْمُسلمين؛
لِأَنَّهُ يبين لَهُم مَا فِيهِ من النَّفْع لأَنْفُسِهِمْ وللمهاجرين
وَالْأَنْصَار، فلولا أَنهم يُرِيدُونَ الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار لما قَالَ:
خير الْأَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ وهم
الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار، لِأَن الْكفَّار لَا يختارون الْخَيْر للمهاجرين
وَالْأَنْصَار.
وَأَن قَوْلهم: مَذْهَب معَاذ أَن
النَّقْل من الصَّدقَات مُمْتَنع، لَا أصل لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا ينْسب إِلَى أحد من
الصَّحَابَة مَذْهَب فِي حَيَاة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وسلم.
وَأَن قَوْلهم: وَيدل عَلَيْهِ إضافتها إِلَى
الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار... إِلَى آخِره، لَيْسَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ لم يضف
الصَّدَقَة إِلَيْهِم مُطلقًا، بل أَرَادَ أَنه خير للْفُقَرَاء مِنْهُم،
فَكَأَنَّهُ قَالَ: خير للْفُقَرَاء مِنْهُم، فَحذف الْمُضَاف وَأقَام الْمُضَاف
إِلَيْهِ مقَامه وأعربه إعرابه، وَمَا نقل الزَّكَاة إِلَى الْمَدِينَة إلاَّ
بِأَمْر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَعثه لذَلِك، وَلِأَنَّهُ يجوز
نقلهَا إِلَى قوم أحْوج من الْفُقَرَاء الَّذين هم هُنَاكَ، وفقراء الْمُهَاجِرين
وَالْأَنْصَار أحْوج لِلْهِجْرَةِ وضيق حَال الْمَدِينَة فِي ذَلِك الْوَقْت.
فَإِن قلت: قد قيل: إِن الْجِزْيَة كَانَت
يَوْمئِذٍ من قوم عرب باسم الصَّدَقَة، فَيجوز أَن يكون معَاذ أَرَادَ ذَلِك فِي
قَوْله: فِي الصَّدَقَة؟ قلت: قَالَ السرُوجِي: قَالَ هَذَا القَاضِي أَبُو مُحَمَّد،
ثمَّ قَالَ: مَا أقبح الْجور وَالظُّلم مِنْهُ، وَمَا أجهله بِالنَّقْلِ، إِنَّمَا
جَاءَت تَسْمِيَة الْجِزْيَة بِالصَّدَقَةِ من بني تغلب ونصارى الْعَرَب بالتماسهم
فِي خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: هِيَ جِزْيَة فسموها مَا
شِئْتُم، وَمَا سَمَّاهَا المسلمون صَدَقَة قطّ.
قلت: قَالَ الطرطوشي: قَالَ معَاذ:
للمهاجرين وَالْأَنْصَار بِالْمَدِينَةِ، وَفِي الْمُهَاجِرين بَنو هَاشم وَبَنُو
عبد الْمطلب وَلَا يحل لَهُم الصَّدَقَة، وَفِي الْأَنْصَار أَغْنِيَاء وَلَا يحل
لَهُم الصَّدَقَة، فَدلَّ على أَن ذَلِك الْجِزْيَة.
قلت: قَالَ السرُوجِي: ركة مَا قَالَه
ظَاهِرَة جدا، وَهُوَ تعلق بحبال الْهوى وخبطة العشواء؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ
بالمهاجرين وَالْأَنْصَار من يحل لَهُ الصَّدَقَة لَا من تحرم عَلَيْهِ، وَكَذَا
الْجِزْيَة لَا تصرف إِلَى جَمِيع الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار بل إِلَى مصارفها
المعروفين. فَافْهَم.
فَإِن قلت: إِن قصَّة معَاذ اجْتِهَاد
مِنْهُ فَلَا حجَّة فِيهَا؟ قلت: كَانَ معَاذ أعلم النَّاس بالحلال وَالحرَام،
وَقد بَين لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أرْسلهُ إِلَى الْيمن مَا
يصنع بِهِ" انتهى.
·
رأي أحمد
وإسحاق:
والذي أراه أن هذا الأثر في أخذ معاذ عرض
الثياب بدل الطعام في الزكاة صحيح عنه، وهو أمر معروف شائع عند أهل اليمن، وطاوس
كان عالماً بأمور معاذ في الصدقات والزكوات والأقضية.
والذي يترجّح لديّ أن أخذ العرض هو اجتهاد
من معاذ، ولا علاقة أنه كان من أعلم الناس بالحلال والحرام بأن لا يجتهد في
المسألة، فالأمر ليس فيه حرمة، فهو قد أخذ منهم الذرة والشعير وغيرها، لكن في وقت
ما أخذ بدلاً من ذلك الثياب بقيمة تلك الأطعمة، فهو لم يرتكب مُحرماً - حاشاه من
ذلك -، وإنما نظر إلى المصلحة العامة، والله أعلم.
ورأى أحمد وإسحاق بن راهويه الأفضل
إخراجها من الأصناف المعروفة، وجوّز إسحاق إخراجها قيمة للضرورة والمصلحة.
قال إسحاق الكوسج في «مسائله لأحمد وإسحاق»
(3/1149) قلت: تؤخذ العروض في الزكاة؟
قال - أي أحمد -: "قد رُوي هذا عن
معاذ - رضي الله عنه -، وأما أنا فلا يعجبني".
قال إسحاق: "هو جائز إذا كان على وجه
النظر للمساكين".
قلت: فهنا ذكروا هذا في عروض الزكاة، ولم
يأخذ أحمد بما رُوي عن معاذ، وكره ذلك، وجوّزه إسحاق لمصلحة المساكين والضرورة.
قال الكوسج في موضع آخر (3/1006): قلت:
قال سفيان الثوري: "لأن يعطيها على وجهها أحب إليَّ، وإن أعطى العروض أجزأه".
قال أحمد: "ما يعجبني أن يعطي العروض".
قال إسحاق: "كما قال أحمد، إلا أن
يكون في موضع ضرورة".
وقال أبو عبدالله المروزي في «اختلاف
الفقهاء» (ص: 449) (241): "وقالَ سُفْيَانُ: والعروض تجزئ أن تعطيها عَن زكاة
مَالك إِذَا كانت قيمته ذَلِكَ، وإن تعطيها على وجهها أحبّ إليّ. وَهُوَ قَوْلُ
أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَهُوَ قَوْل أَحْمَد وأبي عُبَيْد وإِسْحَاقَ.
وقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ المَدِيْنَةِ والشَّافِعِيُّ:
لَا تجزيه أن يعطي القيمة، وعَلَيْهِ أن يخرج ماوجب عَلَيْهِ بعينه".
قَالَ أَبُوْ عَبْدِاللهِ المروزي: "والقياس
الصحيح هَذَا".
وقال ابن قُدامة في «المُغني» (2/357) تحت
«مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ أَعْطَى الْقِيمَةَ، لَمْ تُجْزِئْهُ)»:
قَالَ أَبُو دَاوُد: قِيلَ لِأَحْمَدَ - وَأَنَا
أَسْمَعُ -: أُعْطِي دَرَاهِمَ - يَعْنِي فِي صَدَقَةِ الفِطْرِ - قَالَ: أَخَافُ
أَنْ لَا يُجْزِئَهُ خِلَافُ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ، قَالَ لِي
أَحْمَدُ: لَا يُعْطِي قِيمَتَهُ، قِيلَ لَهُ: قَوْمٌ يَقُولُونَ: عُمَرُ بْنُ
عَبْدِالعَزِيزِ كَانَ يَأْخُذُ بِالقِيمَةِ؟ قَالَ: يَدَعُونَ قَوْلَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُونَ: قَالَ فُلَانٌ! قَالَ
ابْنُ عُمَرَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}. وَقَالَ
قَوْمٌ يَرُدُّونَ السُّنَنَ: قَالَ فُلَانٌ، قَالَ فُلَانٌ.
وظَاهِرُ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا
يُجْزِئُهُ إخْرَاجُ القِيمَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الزَّكَوَاتِ. وَبِهِ قَالَ
مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ:
يَجُوزُ. وقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ،
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ، فِيمَا عَدَا الفِطْرَةَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: سُئِلَ أَحْمَدُ،
عَنْ رَجُلٍ بَاعَ ثَمَرَةَ نَخْلِهِ. قَالَ: عُشْرُهُ عَلَى الَّذِي بَاعَهُ.
قِيلَ لَهُ: فَيُخْرِجُ ثَمَرًا، أَوْ ثَمَنَهُ؟ قَالَ: إنْ شَاءَ أَخْرَجَ
ثَمَرًا، وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ مِنْ الثَّمَنِ. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ
إخْرَاجِ القِيَمِ. وَوَجْهُهُ قَوْلُ مُعَاذٍ لِأَهْلِ اليَمَنِ: «ائْتُونِي
بِخَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ، فَإِنَّهُ أَيْسَرُ عَلَيْكُمْ،
وَأَنْفَعُ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ».
وَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ الْيَمَنَ، قَالَ:
ائْتُونِي بِعَرْضِ ثِيَابٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ،
فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِلْمُهَاجِرِينَ، بِالْمَدِينَةِ».
قَالَ: وَحَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ
لَيْثٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «كَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ يَأْخُذُ الْعُرُوضَ
فِي الصَّدَقَةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ».
ولِأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ الْحَاجَةِ،
وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بَعْدَ اتِّحَادِ قَدْرِ الْمَالِيَّةِ بِاخْتِلَافِ
صُوَرِ الْأَمْوَالِ.
ولَنَا، قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: «فَرَضَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ: صَاعًا
مِنْ تَمْرٍ، وَصَاعًا مِنْ شَعِيرٍ»، فَإِذَا عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَدْ تَرَكَ
الْمَفْرُوضَ.
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةٌ، وَفِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ
خَمْسَةُ دَرَاهِمَ». وَهُوَ وَارِدٌ بَيَانًا لِمُجْمَلِ قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا
الزَّكَاةَ} فَتَكُونُ الشَّاةُ المَذْكُورَةُ هِيَ الزَّكَاةُ الْمَأْمُورُ
بِهَا، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الوُجُوبَ. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ الصَّدَقَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَأَمَرَ بِهَا
أَنْ تُؤَدَّى، فَفِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي كَتَبَهُ فِي الصَّدَقَاتِ
أَنَّهُ قَالَ: «هَذِهِ الصَّدَقَةُ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى. وَكَانَ فِيهِ: فِي
خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ،
فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ»، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ عَيْنَهَا لِتَسْمِيَتِهِ
إيَّاهَا. وَقَوْلُهُ: «فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ»،
وَلَوْ أَرَادَ الْمَالِيَّةَ أَوْ الْقِيمَةَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ خَمْسًا
وَعِشْرِينَ لَا تَخْلُو عَنْ مَالِيَّةِ بِنْتِ مَخَاضٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «فَابْنُ
لَبُونٍ ذَكَرٌ»، فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ المَالِيَّةَ لَلَزِمَهُ مَالِيَّةُ
بِنْتِ مَخَاضٍ، دُونَ مَالِيَّةِ ابْنِ لَبُونٍ...
وحَدِيثُ مُعَاذٍ الَّذِي رَوَوْهُ فِي الجِزْيَةِ،
بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ
بِتَفْرِيقِ الصَّدَقَةِ فِي فُقَرَائِهِمْ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِحَمْلِهَا إلَى
المَدِينَة. وَفِي حَدِيثِهِ هَذَا: فَإِنَّهُ أَنْفَعُ لِلْمُهَاجِرِينَ
بِالْمَدِينَةِ" انتهى.
·
ما رواه
طاوس عن معاذ في أنه لَمْ يَأْخُذْ مِنَ الخَضْرَاوَاتِ شَيْئًا.
قَالَ طَاوُسٌ إِنَّهُ: «قَدِمَ
عَلَيْنَا مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ، فَلَمْ يَأْخُذْ مِنَ الْخَضْرَاوَاتِ شَيْئًا».
ذكره الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/451)
وقال: "وَطَاوُسٌ لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُعَاذًا إِنَّمَا كَانَ
قَدْ قَدِمَ اليَمَنَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَلَمْ يُولَدْ طَاوُسٌ حِينَئِذٍ، فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ: «قَدِمَ عَلَيْنَا»
أَيْ قَدِمَ بَلَدَنَا".
قلت: ضعّف الأحناف هذا الأثر وقالوا في الخَضْرَاوَاتِ
العُشْرُ وَنِصْفُ العُشْرِ، إِلَّا فِي القَصَبِ، وَالحَطَبِ، وَالتِّبْنِ،
وَالسَّعْفِ، وخَالَفُوا مُرْسَلَاتِ مُعَاذٍ أيضاً فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ عَنْ
الْأَوْقَاصِ والعَسَلِ، وأخذوا بها في جواز أخذ القيمة في الزكاة! وهذا تناقض!
ويؤيد رواية طاوس هذه عن معاذ ما جاء عن
موسى بن طلحة أنه في كتاب معاذ الذي عندهم أنه لم يأخذ من الخضروات صدقة، وقد سبق
الكلام عليه، وهو وِجادة صحيحة.
روى الترمذي في «جامعه»، بَاب مَا جَاءَ
فِي زَكَاةِ الخَضْرَاوَاتِ، (2/23) (638) قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ مُعَاذٍ: «أَنَّهُ
كَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنِ
الخَضْرَاوَاتِ وَهِيَ البُقُولُ؟ فَقَالَ: لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ».
قال الترمذي: "الحَسَنُ هُوَ: ابنُ
عُمَارَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ، ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ،
وَتَرَكَهُ ابنُ المُبَارَكِ".
وقال: "إِسْنَادُ هذا الحَدِيثِ
لَيْسَ بِصَحِيحٍ، ولَيْسَ يَصِحُّ فِي هَذَا البَابِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا عَنْ مُوسَى بنِ
طَلْحَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُرْسَلاً، والعَمَلُ
عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي الخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ".
وقد سُئِلَ الدارقطني في «العلل» (4/203)
(510) عَنْ حَدِيثِ مُوسَى بنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «لَيْسَ فِي الْخَضْرَوَاتِ صَدَقَةٌ»؟، فذكر الاختلاف في
إسناده، ورجّح المرسل، فقال: "وَأَصَحُّهَا كُلُّهَا المُرْسَلُ" = عَنْ
مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ مُرْسَلًا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
وقد ضعّف بعض أهل العلم ما يرويه موسى بن
طلحة عن معاذ؛ لأنه لم يدركه! وهذا صحيح، لكنه يروي عنه من كتاب.
قال ابن دقيق العيد في «الإمام»: "وفي
الاتصال بين موسى بن طلحة ومعاذ نظر، فقد ذكروا أنّ وفاة موسى سنة ثلاث ومائة،
وقيل سنة أربع ومائه".
وقال الحافظ في «التلخيص الحبير» (2/364 -
365): "وَفِيهِ ضَعْفٌ وَانْقِطَاعٌ... وَرَوَى البَيْهَقِيّ بَعْضَهُ مِنْ
حَدِيثِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: عِنْدَنَا كِتَابُ مُعَاذٍ، وَرَوَاهُ
الْحَاكِمُ وَقَالَ: مُوسَى تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ لَا يُنْكَرُ لَهُ لَقِيَ مُعاذ. قُلْت:
قَدْ مَنَعَ ذَلِكَ أَبُو زُرْعَةَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِالبَرِّ: لَمْ يَلْقَ
مُعَاذًا، وَلَا أَدْرَكَهُ".
قلت: موسى بن طلحة في طبقة طاوس، وكلاهما
لم يدركا معاذاً، وإنما يرويان عنه ما وجدوه في كتب عن معاذ في الصدقة والزكاة.
·
ما رواه
طاوس عن معاذ أنّه لَمْ يَأْخُذ مِنَ البَقَرِ العَوَامِلِ صَدَقَةً.
روى عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (4/19)
(6830).
وابن أبي شيبة في «مصنفه» (6/421) (10047)
عن وَكِيع.
وابن زنجويه في «الأموال» (2/839) (1474)
عن أَبي نُعَيْمٍ.
كلهم (عبدالرزاق، ووكيع، وأبو نُعيم) عَنِ
الثَّوْرِيِّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ مُعَاذٍ: «أَنَّهُ كَانَ لاَ
يَأْخُذُ مِنَ البَقَرِ العَوَامِلِ صَدَقَةً».
ولفظ عبدالرزاق: أنه قال: «لَيْسَ فِي
عَوَامِلِ البَقَرِ صَدَقَةٌ».
*[«العَوَامِل»: جَمْعُ عَامِلَة، وهِيَ
الَّتِي يُستقى عَلَيْهَا وَيُحْرَثُ، وَتُسْتَعْمَلُ فِي الْأَشْغَالِ].
وروى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (6/421) (10051).
وابن زنجويه في «الأموال» (2/839) (1480)
عن يَحْيَى بن يَحْيَى.
كلاهما (ابن أبي شيبة، ويحيى) عن
المُعْتَمِر بن سُلَيْمَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ، فِي صَدَقَةِ الْبَقَرِ
فَقَالَ: «لَا يُؤْخَذُ مِنَ الْعَوَامِلِ شَيْءٌ إِلَّا شَيْئًا سَائِمًا»،
قَالَ: «وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ».
قلت: فالظاهر أن طاوساً كان يُفتي بحسب ما
نقله عن معاذ. وكذا كان يفعل موسى بن طلحة، وطلحة والد موسى هو الصحابيّ الجليل
طلحة بن عُبيدالله، وابنه موسى تابعي جليل القدر من خيار أهل المدينة، وقال أبو
حاتم: "هو أفضل أولاد طلحة بعد محمد".
روى ابن زنجويه في «الأموال» (2/839) (1477)
عن أَبي نُعَيْمٍ، عن عَمْرو بن عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ
يَقُولُ: «لَيْسَ عَلَى العَوَامِلِ صَدَقَةٌ».
·
ما رواه
طاوس عن معاذ في كِرَاءِ الْأَرْضِ.
رواه عن طاوس: عمرو بن دينار، وليث بن أبي
سُليم، ومُجَاهِد.
أما حديث عمرو بن دينار:
فرواه محمد بن الحسن الشيباني في «الأصل =
المبسوط» (9/519).
والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (4/114) (5964)،
و«شرح مشكل الآثار» (7/125) من طريق يَحْيَى بن يَحْيَى النيسابوريّ.
وابن المنذر في «الأوسط» (11/74) (8438)
من طريق أبي نُعيم.
ثلاثتهم (محمد بن الحسن، ويحيى بن يحيى،
وأبو نُعيم) عن حَمَّاد بن زَيْدٍ.
ورواه الحُمَيْدِيُّ في «مسنده» (1/448) (519).
والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (4/114) (5963)،
و«شرح مشكل الآثار» (7/125) من طريق إِبْرَاهِيم بن بَشَّارٍ.
كلاهما (الحميدي، وإبراهيم) عن سُفْيَان
بن عُيينة.
كلاهما (حماد بن زيد، وابن عيينة) عَنْ
عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ: «أَنَّ مُعَاذًا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لَمَّا
قَدِمَ الْيَمَنَ كَانَ يُكْري الْأَرْضَ أَوِ المَزَارِعَ عَلَى الثُّلُثِ أَوِ
الرُّبُعِ. وَقَالَ: قَدِمَ اليَمَنَ وَهُمْ يَفْعَلُونَهُ فَأَمْضَى لَهُمْ
ذَلِكَ».
ولفظ إبراهيم عن ابن عيينة: «أَنَّ
مُعَاذًا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لَمَّا قَدِمَ إِلَى الْيَمَنِ وَهُمْ
يُخَابِرُونَ فَأَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ».
ولفظ الحميدي: قال عَمْرٌو: قُلْتُ
لِطَاوُسٍ، يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ لَوْ تَرَكْتَ المُخَابَرَةَ فَإِنَّهُمْ
يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا،
فَقَالَ: أَيْ عَمْرُو أَخْبَرَنِي أَعْلَمُهُمْ بِذَلِكَ - يَعْنِي ابْنَ
عَبَّاسٍ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ
عَنْهَا» وَلَكِنْ قَالَ: «لَأَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ أَرْضَهُ خَيْرٌ
لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ خَرْجًا مَعْلُومًا»، «وَإِنَّ مُعَاذًا
حِينَ قَدِمَ اليَمَنَ أَقَرَّهُمْ عَلَيْهَا»، "وَإِنِّي - أَيْ
عَمْرٌو - أُعِينُهُمْ وَأُعْطِيهِمْ فَإِنْ رَبِحُوا فَلِي وَلَهُمْ، وَإِنْ
نَقَصُوا فَعَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ وَإِنَّ الْحَيْقَلَةَ فِي الْأَنْصَارِ فَسَلْ
عَنْهَا فَسَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ رِفَاعَةَ فَقَالَ: هِيَ الْمُخَابَرَةُ".
وقد أخرج البخاري حديث سفيان في «صحيحه»
(3/105) (2330) دون ذكر قول طاوس عن معاذ.
قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِاللَّهِ،
قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو: قُلْتُ لِطَاوُسٍ: لَوْ تَرَكْتَ
المُخَابَرَةَ فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ، قَالَ: أَيْ عَمْرُو إِنِّي أُعْطِيهِمْ وَأُغْنِيهِمْ
وَإِنَّ أَعْلَمَهُمْ، أَخْبَرَنِي يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ
وَلَكِنْ، قَالَ: «أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ
يَأْخُذَ عَلَيْهِ خَرْجًا مَعْلُومًا».
قال ابن حجر في «صحيحه» (5/15): "زَاد
ابن مَاجَهْ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ طَاوُسٍ: «وَأَنَّ
مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَقَرَّ النَّاسَ عَلَيْهَا عِنْدَنَا» - يَعْنِي بِاليَمَنِ،
وَكَأَنَّ البُخَارِيَّ حَذَفَ هَذِهِ الجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ لِمَا فِيهَا
مِنْ الِانْقِطَاعِ بَيْنَ طَاوُسٍ وَمُعَاذٍ".
[و«المُخَابَرَةِ»: هِيَ المُزارَعة عَلَى
نَصيب مُعَيَّن كَالثُّلُثِ والرُّبع، وغَيْرِهِمَا أقل من ذلك أو أكثر].
وأما حديث ليث بن أبي سُليم:
فرواه ابن أبي شيبة في «مصنفه»، من لم ير
بِالمزارعةِ بِالنِّصفِ وبالثّلثِ وبالرّبعِ بأسًا، (11/125) (21640) عن جَرِير،
وفُضيل بن عياض. وفي المزارعة (20/211) (37670) عن فُضَيْل بن عِيَاضٍ.
ومحمد بن الحسن الشيباني في «الأصل =
المبسوط» (9/519) عن عبدالرحيم بن سليمان.
ثلاثتهم عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُوسٍ،
قَالَ: «جَاءَنَا - أو: قدِمَ عَلَيْنَا - مُعَاذٌ وَنَحْنُ نُعْطِي أَرْضَنَا
بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، فَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ عَلَيْنَا».
وفي رواية فضيل: «بِالثُّلُثِ وَالنِّصْفِ».
وأما حديث مُجَاهِدٍ:
فرواه محمد بن الحسن الشيباني في «الأصل =
المبسوط» (9/523) عن حماد بن سلمة.
وابن ماجه في «سننه» (3/523) (2463) عن عَبْدالوَهَّابِ
بن عبدالمجيد الثقفي.
والطبراني في «المعجم الكبير» (4/266) (4370)
من طريق مُحَمَّد بن رَاشِدٍ المكحوليّ.
ثلاثتهم (حماد، وعبدالوهاب، ومحمد بن
راشد) عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى طَاوُسٍ
فَحَدَّثْتُهُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ مِنَ النَّهْيِ عَنِ المُحَاقَلَةِ،
فَضَرَبَ طَاوُسٌ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: «تُحَدِّثُنِي عَنْ رَافِعٍ، وَقَدْ
عَمِلَ بِهَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ، فَأَعْطَى الْأَرْضَ
بِالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ؟»
ولفظ حماد: «قدم علينا معاذ اليمن،
فكان يعطي الأرض على الثلث والربع، فنحن نعمل به إلى اليوم».
ولفظ عبدالوهاب: «أَنَّ مُعَاذَ بنَ
جَبَلٍ أَكْرَى الْأَرْضَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، عَلَى الثُّلُثِ
وَالرُّبُعِ، فَهُوَ يُعْمَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِكَ هَذَا».
قلت: قوله: "وعثمان" زيادة لا
تصح! لأن معاذاً مات في عهد عمر، ولم يشهد عهد عثمان!
قال الشوكاني في «نيل الأوطار» (5/327):
"وَحَدِيثُ مُعَاذٍ رِجَالُ إسْنَادِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَلَكِنْ
طَاوُوسٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذٍ، وَفِيهِ نَكَارَةٌ؛ لِأَنَّ مُعَاذًا مَاتَ
فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَلَمْ يُدْرِكْ أَيَّامَ عُثْمَانَ".
قلت: هذه اللفظة فقط هي المنكرة، وكأنها
سبق لسان من عبدالوهاب، والمحفوظ في هذا الحديث كما في الرواية الأولى: «وَقَدْ
عَمِلَ بِهَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ»، ويحتمل أن قوله:
"وأبي بكر وعمر" أيضاً من زيادة عبدالوهاب، والله أعلم.
وقد ضعّف الحديث شعيب الأرنؤوط في تعليقه
على «سنن ابن ماجه» فقال: "إسناده ضعيف لانقطاعه بين طاووس ومعاذ".
·
كلام ابن
حزم في تناقض الأحناف! وتناقضه هو في ما نقضه عليهم!
ونقل ابن حزم في «المحلى» (7/49) رواية حَمَّادِ
بنِ سَلَمَةَ عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عن طَاوُس، ثم قال: "مَاتَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعَاذٌ بِاليَمَنِ عَلَى هَذَا العَمَلِ".
وقد احتج ابن حزم بهذا الأثر في كتابه في
ذلك الموضع، مع أنه ضعّف مرسلات طاوس عن معاذ في موضع آخر من كتابه (4/97) فقد ذكر
مسألة أوقاص البقر، ثم قال: "فَوَجَدْنَا الْآثَارَ الْوَارِدَةَ فِيهِ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْقَطِعَةٌ وَالْحُجَّةُ لَا
تَجِبُ إلَّا بِمُتَّصِلٍ"، ثم خصّ مرسلات طاوس عن معاذ، فقال: "فَوَجَدْنَا
الْآثَارَ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا عَنْ مُعَاذٍ وَغَيْرِهِ مُرْسَلَةً كُلَّهَا"!
فتناقض!
والعجيب أنه في ذلك الموضع عاب على
الأحناف أخذهم بمرسلات معاذ مرة، ومخالفتها هنا! فقال: "لَا سِيَّمَا الحَنَفِيِّينَ
فَإِنَّهُمْ خَالَفُوا مُرْسَلَاتِ مُعَاذٍ تِلْكَ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ عَنْ
الْأَوْقَاصِ والعَسَلِ -: كَمَا حَدَّثَنَا... فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ
حَدِيثُ مُعَاذٍ حُجَّةً إذَا وَافَقَ هَوَى الْحَنَفِيِّينَ وَرَأْيَ أَبِي
حَنِيفَةَ؟ وَلَا يَكُونُ حُجَّةً إذَا لَمْ يُوَافِقْهُمَا، مَا نَدْرِي أَيُّ
دِينٍ يَبْقَى مَعَ هَذَا الْعَمَلِ؟ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ
وَالضَّلَالِ وَمِنْ أَنْ يُزِيغَ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَانَا".
وكلام ابن حزم في مسألة زكاة البقر من
المواضع التي أكثر ابن حزم الاضطراب فيها، فمرة يرد المرسل، ومرة يقبله، ومرة يغلظ
القول، ومرة يعمل بنصاب زكاة البقر، وهو يستحق الإفراد بالدراسة.
وقصة رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ مع ابن عمر
مشهورة وصحيحة وكان ابن عمر يُكري أرضه، فحدّثه رافع: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كِرَاءِ المَزَارِعِ»، فخَشِيَ ابن عمر أَنْ
يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَحْدَثَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا
لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ، فَتَرَكَ كِرَاءَ الأَرْضِ.
وهذه مسألة طويلة بين أهل العلم، وهناك
أحاديث تدل على أنه لم ينه عنها كلياً، وإنما لصورة منها.
وكان مذهب طاوس جوازها ويستدل بذلك على ما
نقله من إقرار معاذ لهم لما قدم إليهم اليمن.
روى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (11/126) (21648)
عن وَكِيع، عَنْ طَلْحَةَ القَنَّادِ، قَالَ: سَمِعْتُ طَاوُوسًا يَقُولُ: «لا
بَأْسَ بِالمُزَارَعَةِ بِالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ».
وروى الطبراني في «مسند الشاميين» (1/69)
(84) من طريق مُحَمَّد بن حِمْيَرٍ، قال: حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ،
قال: أَخْبَرَنِي أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: "خَرَجْتُ مَعَ
طَاوُسٍ إِلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَسَأَلَ طَاوُسٌ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ،
فَقَالَ: «كُنَّا نُعْطِي الْأَرْضَ بِالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ عَلَى مَا فِي
الرَّبِيعِ وَعَلَى مَا فِي الفَصِيلِ، فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ»، فَلَمَّا انْصَرَفَ ضَرَبَ طَاوُسٌ عَلَى
يَدَيَّ فَقَالَ: إِنْ كَانَ لَكَ أَرْضٌ فَأَكْرِهَا".
وهذه المسألة تُروى عن طاوس عن معاذ بلفظ
آخر:
رواه عبدالله بن المُبَارك، عَن مَعمر،
عَن ابن طَاوُوس، عَن أَبِيه، مُعاَذ: «أَنَّهُ أجازَ بَيْنَ أهلِ اليمنِ
الشِّرْك».
قال ابن قتيبة: الشّرك: مصدر شركته فِي
الْأَمر أشركه شركاً، وَأَرَادَ الِاشْتِرَاك فِي الأَرْض والمزارعة، وَذَلِكَ أَن
يَدْفَعهَا صَاحبهَا بِالنِّصْفِ وَالثلث وَمَا أشبه ذَلِك. وَمثله حَدِيث: عُمَرَ
بْنِ عَبْدِالعَزِيزِ: «إِنَّ شِرْكَ الأرضِ جائزٌ، وَيكون البذر من السَّيِّد» -
يَعْنِي: ربّ الأَرْض. [«غريب الحديث» لابن قتيبة (2/247)].
وروى عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (8/99)
(14472) عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ جَابِرٍ الجُعفيّ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ
الْأَسْوَدِ بن يزيد النخعي، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ صاحب معاذ، عَنْ مُعَاذِ
بْنِ جَبَلٍ قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِلَى قُرَى عَرَبَةَ فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ حَظَّ الْأَرْضِ». قَالَ سُفْيَانُ:
"وَحَظُّهَا: الثُّلُثُ وَالرُّبْعُ فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا".
وروى أيضاً (8/100) (14473) عن مَعْمَر،
قَالَ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الرَّجُلِ يُعْطِي أَرْضَهُ بِالثُّلُثِ
وَالرُّبْعِ قَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ».
وروى (8/101) (14480) عن مَعْمَر، قال:
«وَكَانَ الزُّهْرِيُّ لَا يَرَى بِالشِّرْكِ بَأْسًا».
فهذه المسائل التي رواها طاوس عن معاذ مما
يتعلق بما هو مشهور عن معاذ في بلدهم.
·
رواية
طاوس عن معاذ بعض الأمور الشخصية!
وقد روى عنه أيضاً بعض الأمور الشخصية
المتعلقة به.
روى أحمد في «الزهد» (ص: 148) (1006)، وهنّاد
بن السّري في «الزهد» (2/376) كلاهما عن جَرِير.
ورواه ابن أبي الدنيا في «قصر الأمل» (ص:
187) (293) من طريق مُحَمَّد بن فُضَيْلٍ.
كلاهما (جرير، وابن فُضيل) عَنْ لَيْث بن
أبي سُليم، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: قَدِمَ مُعَاذٌ أَرْضَنَا، فَقَالَ لَهُ
أَشْيَاخٌ لَنَا: لَوْ أَمَرْتَ نَنْقُلُ لَكَ مِنْ هَذِهِ الحِجَارَةِ والخَشَبِ
فَنَبْنِي لَكَ مَسْجِدًا، فَقَالَ: «إِنِّي أَخَافُ أَنْ أُكَلَّفَ حَمْلَهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ظَهْرِي».
·
رواية
طاوس عن معاذ بواسطة أشياخ لا يُسمّيهم!
وكان طاوس أحياناً يروي عن معاذ بواسطة
أشياخ لا يُسميهم!
فروى الدارمي في «سننه» (1/256) (155) عن مُسْلِم
بن إِبْرَاهِيمَ.
والداني في «السنن الواردة في الفتن»
(3/741) (363) من طريق عَفَّان بْنِ مُسْلِمٍ.
والبيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى»
(ص: 226) (296) من طريق عَبْدِالرَّحْمَنِ بن مَهْدِيٍّ.
ثلاثتهم عن حَمَّاد بن زَيْدٍ، قال: حَدَّثَنَا
الصَّلْتُ بنُ رَاشِدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ طَاوُسًا عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ لِي:
كَانَ هَذَا؟، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: آللَّهِ. قُلْتُ آللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ
أَصْحَابَنَا أَخْبَرُونَا - وفي رواية: إِنَّ أَصْحَابَنَا يُحَدِّثُونَنَا -
عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: «يَا أَيُّهَا
النَّاسُ، لَا تَعْجَلُوا بِالْبَلَاءِ قَبْلَ نُزُولِهِ، فَيُذْهَبُ بِكُمْ
هَاهُنَا وَهَاهُنَا، فَإِنَّكُمْ إِنْ لَمْ تَعْجَلُوا بِالْبَلَاءِ قَبْلَ
نُزُولِهِ، لَمْ يَنْفَكَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ إِذَا
سُئِلَ، سُدِّدَ، وَإِذَا قَالَ، وُفِّقَ».
ورواه أبو داود في «المراسيل» (ص: 322) (457)
عن عَبْداللَّهِ بن سَعِيدٍ.
والطبراني في «المعجم الكبير» (20/167) (353)
من طريق إِسْحَاق بنِ مُوسَى الْأَنْصَارِيّ.
وابن عبدالبر في «جامع بيان العلم وفضله»
(2/1063) (2055) من طريق أَبي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ.
ثلاثتهم عن أَبي خَالِدٍ الْأَحْمَر، عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ عَجْلَانَ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَعْجَلُوا بِالْبَلِيَّةِ
قَبْلَ نُزُولِهَا، فَإِنَّكُمْ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا لَمْ يَنْفَكَّ
الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ، مَنْ إِذَا قَالَ: سُدِّدَ أَوْ وُفِّقَ، وَإِنَّكُمْ
إِنْ عَجِلْتُمْ تَشَعَّبَتْ بِكُمُ السُّبُلَ هَا هُنَا، وَهَا هُنَا، وَهَا
هُنَا».
قلت: وهم فيه محمد بن عجلان، وهو سيء
الحفظ، فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والصواب أنه عن معاذ من قوله، وطاوس
يرويه عن أصحاب له عن معاذ، ولم يسمّهم!
·
رواية
طاوس عن معاذ بعض الموقوفات في الفتن!
روى مَعمر في «جامعه» [المطبوع مع مصنف
عبدالرزاق (11/376) (20786) عَنِ ابنِ طَاوُسٍ.
ونُعيم بن حماد في «الفتن» (2/628) (1755)
من طريق حَنْظَلَةَ بن أبي سفيان الجُمحي.
كلاهما عن طَاوُس، قَالَ: قَالَ مُعَاذُ بنُ
جَبَلٍ: «اخْرُجُوا مِنَ اليَمَنِ قَبْلَ ثَلَاثٍ: خُرُوجِ النَّارِ، وَقَبْلَ
انْقِطَاعِ الْحَبْلِ - يَعْنِي الطَّرِيقَ -، وَقَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ لِأَهْلِهَا
زَادٌ إِلَّا الْجَرَادُ».
قَالَ طَاوُسٌ: "وَتَخْرُجُ نَارٌ
مِنَ اليَمَنِ تَسُوقُ النَّاسَ، تَغْدُو وَتَرُوحُ وَتَدْلَجُ".
وفي رواية قَالَ: "فَأَنَا رَأَيْتُ
الْجَبَلَ الَّذِي قَالَ: إِنَّ النَّارَ تَخْرُجُ مِنْهُ، تَسُوقُ أَهْلَ الْيَمَنِ".
قلت: هذا منكر! فكيف يقول لهم:
"اخرجوا من اليمن" وقد بعثه النبيّ صلى الله عليه وسلم أميراً ومُعلماً
لهم؟!
ويُحتمل أن طاوساً سمع هذا من بعض
اليمنيين الذين كانوا يروون الإسرائيليات من كتب أهل الكتاب!
·
رواية
طاوس عن مُنبّه والد وهب عن معاذ!
روى الطبراني في «مسند الشاميين» (3/113)
(1896)، و«المعجم الأوسط» (5/146) (4910) قال: حَدَّثَنَا عَمْرو بْنُ إِسْحَاقَ
بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ زِبْرِيقٍ، قال: حدثَنَا أَبِي، قال: حدثَنَا عَمْرُو بنُ
الحَارِثِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ سَالِمٍ الأشعريّ، عَنِ محمد بن الوليد
الزُّبَيْدِيِّ، قال: حدثَنَا عِيسَى بنُ يَزِيدَ: أَنَّ طَاوُسًا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ،
حَدَّثَهُ أَنَّ مُنَبِّهًا أَبَا وَهْبِ حَدَّثَهُ، يَرُدُّهُ، إِلَى مُعَاذِ بنِ
جَبَلٍ: «أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ يَوْمًا
فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ أَزْوَاجِهِ، وَعِنْدَهُ عَائِشَةَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ
نَفَرٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ: السَّامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ:
وعَلَيْكُمْ. فَجَلَسُوا فَتَحَدَّثُوا، وَقَدْ فَهِمَتْ عَائِشَةُ تَحِيَّتَهُمُ
الَّتِي حَيُّوا بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَاسْتَجْمَعَتْ غَضَبًا وَتَصَبَّرَتْ، فَلَمْ تَمْلِكْ غَيْظَهَا فَقَالَتْ:
بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَغَضَبُ اللَّهِ وَلَعْنَتُهُ، بِهَذَا تُحَيُّونَ
نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ثُمَّ خَرَجُوا فَقَالَ لَهَا
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا حَمَلَكِ عَلَى هَذَا؟،
فَقَالَتْ: أَوَ لَمْ تَسْمَعْ كَيْفَ حَيُّوكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ وَاللَّهِ
مَا مَلَكْتُ حِينَ سَمِعْتُ تَحِيَّتَهُمُ إِيَّاكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا جَرَمَ كَيْفَ رَأَيْتِ رَدَدْتُ
عَلَيْهِمْ، إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ سَئِمُوا دِينَهُمْ، وَهُمْ قَوْمُ حَسَدٍ
لَمْ يَحْسُدُوا الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَفْضَلِ مِنْ ثَلَاثٍ: عَلَى رَدِّ
السَّلَامِ، وَإِقَامَةِ الصُّفُوفِ، وَقَوْلِهِمْ خَلْفَ إِمَامِهِمْ فِي
الْمَكْتُوبَةِ آمِينَ».
قال الطبراني: "لَا يُرْوَى هَذَا
الْحَدِيثُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَا نَعْلَمْ
مُنَبِّهًا أَبَا وَهْبٍ أَسْنَدَ حَدِيثًا غَيْرَ هَذَا".
قلت: هذا إسناد مُنكر! تفرد به عمرو بن
إسحاق عن أبيه!
وعمرو بن إسحاق لا توجد له ترجمة في
الكتب، وهو من شيوخ الطبراني، وحاله مجهولة!
وأبوه إِسْحَاق مُتّهم، كذّبه مُحدّث حمص مُحَمَّد
بن عوف.
قال أبو داود: "ليس هو بشيء".
وقال أَبو داود: قال لي ابن عوف: "ما
أشك أن إِسحاق بن إِبراهيم بن زبريقٍ يكذب".
وقال النسائي: "ليس بثقة عن عمرو بن
الحارث".
وأثنى عليه ابن معين، وقال: "الفتى
لا بأس به، ولكنهم يحسدونه".
وقال أبو حاتم: "شيخ".
قلت: لا يُحتج به، ولا كرامة! وهو ينفرد
عن عمرو بن الحارث بمناكير! لا تُعرف إلا من حديث ابنه عنه!
ومُنبّه والد وهب لا تُعرف له رواية، ولم
يُذكر إلا في هذا الحديث، ولا يُعتمد لنكارته! وكأن ابن أبي حاتم، وابن حبان
ترجموا له بناء على هذا الحديث!
قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/418)
(1907): "مُنبّه والد وهب بن منبه: روى عن معاذ بن جبل. روى عنه: طاوس".
قال: سمعت أبي يقول: "لا أعلم أحداً
روى عن منبه هذا، والرواية عن ابنه وهب وهمام".
وقال ابن حبان في «الثقات» (5/465) (5748):
"مُنَبّه بن كَامِل وَالِد وهب بن مُنَبّه: يروي عَن معَاذ بن جبل. روى عَنهُ:
طَاوس".
قلت: لم يرو عنه طاوس، ولم يرو هو عن
معاذ!
·
أحاديث
أخرى تُروى عن طاوس عن معاذ! ولم تثبت عن طاوس!
الحديث الأول:
رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (15/236) (30065)،
و(19/325) (36194). [ورواه عبد بن حُميد في «مسنده» [كما في «المنتخب منه» (1/153)
(127)] عن أبي بكر بن أبي شيبة. ورواه الطبراني في «معجمه الكبير» (20/166) (352)
من طريق أبي بكر بن أبي شيبة].
والطبراني في «معجمه الكبير» (20/166)
(352)، و«الدعاء» (ص: 520) (1856) من طريق عُثْمَان بن أَبِي شَيْبَةَ.
كلاهما (أبو بكر، وعثمان ابنا أبي شيبة)
عن سُلَيْمَان بن حَيَّانَ أَبي خَالِدٍ الأَحْمَر.
ورواه أَبُو يُوسُف القاضي في كتاب «الخراج»
(ص: 17).
كلاهما (أبو خالد الأحمر، وأبو يوسف) عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُوسٍ،
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ مِنْ عَمَلٍ أَنْجَى لَهُ مِنَ النَّارِ مِنْ
ذِكْرِ اللهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ،
قَالَ: وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إلا أن تَضْرِبُ بِسَيْفِكَ حَتَّى
يَنْقَطِعَ، ثُمَّ تَضْرِبُ بِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ»، قَالَهَا ثَلَاثًا.
قال الدارقطني في «الغرائب والأفراد» [كما
في «الأطراف» (4/294)]: "تفرد بِهِ أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَن يحيى بن سعيد
الْأنْصَارِيّ عَن أبي الزبير عَنهُ مُسْندًا".
قلت: لم يتفرد به! بل تابعه أبو يوسف
القاضي كما سبق بيانه في التخريج.
وقال الدارقطني في «العلل» (6/64) (982):
"يَرْوِيهِ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ،
وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:
فَرَوَاهُ أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عن
يحيى، عن أبي الزبير، عن طاووس، عَنْ مُعَاذٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وخَالَفَهُ عَبَّادُ بْنُ العَوَّامِ،
فَرَوَاهُ عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ مُعَاذٍ، وَلَمْ يذكر فيه
طاووساً.
وَأَسْنَدَهُ عَنْهُ الْفَضْلُ بْنُ
زِيَادٍ الطَّسِيُّ، وَغَيْرُهُ، لَا يُسْنِدُهُ، بَلْ يُوقِفُهُ.
وَرَوَاهُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ
الْأَجْلَحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ مُعَاذٍ،
مَوْقُوفًا. وَلَمْ يَذْكُرْ طاووسا، والموقوف أصح".
وقال ابن حجر في «بلوغ المرام من أدلة
الأحكام» (ص: 559) (1539): "إِسْنَاده حَسَنٍ".
وقال في «نتائج الأفكارفي تخريج أحاديث
الأذكار» (1/99): "ورجال هذا الإسناد مخرج لهم في الصحيح، لكنه منقطع، فإن
طاووساً لم يدرك معاذاً، واختلف فيه على يحيى بن سعيد - وهو الأنصاري- فرواه عنه
عبدالوهاب الثقفي هكذا، لكن أبهم طاووساً، فقال: عن أبي الزبير: أنه بلغه عن معاذ،
موقوفاً.
ورواه الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد،
فقال: عن سعيد بن المسيب عن معاذ، وهو منقطع أيضاً، ولم يرفعه أيضاً. أخرجهما
الفريابي في «الذكر». ورواه بعضهم عن أبي خالد الأحمر - واسمه سليمان بن حيان-
فسلك الجادة". – يقصد جادة أبي الزبير عن جابر، وساقه من كتاب الطبراني.
رواه الطبراني في «المعجم الصغير» (1/138)
(209)، وفي «المعجم الأوسط» (3/5) (2296) قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
سُفْيَانَ الْقَيْسَرَانِيُّ، بِمَدِينَةِ قَيْسَارِيَةَ سَنَةَ خَمْسٍ
وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الفِرْيَابِيُّ،
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ يَحْيَى
بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا عَمِلَ آدَمَيُّ عَمَلًا أَنْجَى مِنَ الْعَذَابِ مِنْ
ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» قِيلَ: وَلَا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟
قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا أَنْ تَضْرِبَ بِسَيْفِكَ
حَتَّى يَنْقَطِعَ».
قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِهِ عَنْ
أَبِي الزُّبَيْرِ إِلَّا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَلَا رَوَى
عَنْهُ إِلَّا أَبُو خَالِدٍ! تَفَرَّدَ بِهِ الفِرْيَابِيُّ".
فتعقبه ابن حجر، وقال: "قلت: بل رواه
غير أبي خالد عن يحيى، وغير محمد بن يوسف عن أبي خالد كما تقدّم، فلعله أراد بقيد
كونه عن جابر فيستقيم، لكنها رواية شاذة، والمحفوظ ما تقدم، والله أعلم".
قلت: فذكر طاوس في إسناده غير محفوظ!
والصواب عن يحيى بن سعيد، عن أبي الزبير، عن معاذ، موقوفاً.
وأبو الزبير لم يدرك معاذاً. والحديث فيه
نكارة! ولا يثبت عن معاذ.
وله طرق أخرى عن معاذ، ولا يصح منها شيء.
رواه أحمد في «مسنده» (36/396) (22079) قال:
حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالْعَزِيزِ - يَعْنِي
ابْنَ أَبِي سَلَمَةَ-، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، مَوْلَى عَبْدِاللهِ
بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، أَنَّهُ بَلَغَهُ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ
جَبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا
عَمِلَ آدَمِيٌّ عَمَلًا قَطُّ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ مِنْ ذِكْرِ
اللهِ».
وقَالَ مُعَاذٌ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا
عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ؟ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ
تَعَاطِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ غَدًا
فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ. قَالُوا: بَلَى. يَا
رَسُولَ اللهِ. قَالَ: ذِكْرُ اللهِ».
وهذا منقطع.
ورواه مالك في «الموطأ» (1/211) (24) عَنْ
زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: «أَلَا
أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعمَالِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ،
وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ
وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا
أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ذِكْرُ
اللَّهِ تَعَالَى».
قَالَ زِيَادُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ،
وَقَالَ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ
مِنْ عَمَلٍ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ».
وهذا مرسل!
ورواه أحمد في «مسنده» (36/33) (21702) عن
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ سَعِيدٍ: حَدَّثَنِي مَوْلَى ابْنِ
عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ.
وعن مَكِّيّ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ
سَعِيدٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ، عَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ.
ورواه الترمذي في «جامعه» (5/320) (3377)،
والحاكم في «المستدرك» (1/673) من طريق عَبْداللَّهِ بن سَعِيدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ،
عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ مَوْلَى ابْنِ عَيَّاشٍ، عن أَبِي بَحْرِيَّةَ،
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، به.
قال الترمذي: "وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ
هَذَا الحَدِيثَ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ سَعِيدٍ، مِثْلَ هَذَا بِهَذَا
الإِسْنَادِ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْهُ فَأَرْسَلَهُ".
وقال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ
الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
ورواه أبو نُعيم في «الحلية» (1/235) من
طريق حَريز بن عُثْمَانَ، عَنِ المَشْيَخَةِ، عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ، عَنْ
مُعَاذٍ، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ عَمَلًا
أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ، قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ،
وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: وَلَا، إِلَّا أَنْ يَضْرِبَ
بِسَيْفِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ، لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ:
{وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45]».
وهذا ضعيف موقوف!
ورواه ابن المبارك في «الزهد» (1/340) (960)
عن مُوسَى بن عُبَيْدَةَ الربذي، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ
أَبِي بَحْرِيَّةَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: «مَا عَمِلَ عَبْدٌ مِنْ
عَمَلٍ أَنْجَى لَهُ غَدًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى».
وهذا ضعيف أيضاً.
وهناط طرق أخرى واهية!
قال ابن حجر في «نتائج الأفكارفي تخريج
أحاديث الأذكار» (1/98): "هذا حديث مختلف في رفعه ووقفه، وفي إرساله ووصله".
والعجب ممن صححه من المتأخرين،
والمعاصرين! وهو منكر! وكأن لفظ «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ مِنْ عَمَلٍ أَنْجَى لَهُ
مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» مشتهر عن معاذ من قوله. فدخلت فيه قصة
"وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ" على غِرار ما جاء في حديث: «مَا
العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟» قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟
قَالَ: «وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ،
فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ».
الحديث الثاني:
رواه عبدالرزاق في «مصنفه» (6/417) (11455).
[رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (20/166) (349) من طريق عبدالرزاق].
والمحاملي في «أماليه - رواية ابن مهدي
الفارسي» (ص: 90) (158). والدارقطني في «سننه» (5/26) (3930) عن إِسْحَاق بن
مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ الزَّيَّات، (المحاملي، وإسحاق) عن عَلِيُّ بْنُ شُعَيْبٍ.
والحاكم في «المستدرك» (2/455) (3571) من طريق سَعِيد بن أَبِي مَرْيَمَ. كلاهما (علي،
وسعيد) عن عَبْدالمَجِيدِ بن عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ.
كلاهما (عبدالرزاق، وعبدالمجيد) عَنِ ابنِ
جُرَيْجٍ.
ورواه عبدُ بن حُميد في «مسنده» [كما في «المنتخب
منه» (ص: 71) (121) من طريق عَبْدالعَزِيزِ بن المُطَّلِبِ المخزوميّ، عَنْ
عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بنِ عَيَّاشٍ المَخْزُومِيّ.
كلاهما (ابن جريج، وعبدالرحمن بن الحارث) عن
عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ،
وَلَا نَذْرَ فِيمَا لَا يُمْلَكُ».
وفي لفظ: «لَا طَلَاقَ لِمَا لَا
يَمْلِكُ، وَلَا عَتَاقَ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ».
[وقد وقع عند الحاكم: «ابنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو
بنِ دِينَارٍ»، وكذا رواه البيهقي في «سننه» (7/524) (14882) عن شيخه
الحاكم. وكذا نقله الزيلعي في «نصب الراية» (3/231)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (4/446)!
وهو خطأ شنيع! والصواب أنه «عمرو بن شعيب»، ولم يشيروا إلى هذا].
[وأشار البيهقي في «سننه» أن عَبْدالرَّحْمَنِ
بن الحَارِثِ المَخْزُومِيُّ رواه عَنْ طَاوُسٍ!
وروايته هذه في «مسائل حرب الكرماني» (1/385)
من طريق رِشدين بن سعد، عن عياض بن عبدالله الفهري المدني نزيل مصر، عن
عَبْدالرَّحْمَنِ بن الحَارِثِ المَخْزُومِيّ، عَنْ طَاوُسٍ، عن معاذ بن جبل: «أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب له حين وجهه إلى اليمن: أن لا طلاق، ولا عتاق
إلا بعد ملك».
ومن هنا قال المزي في «تهذيب الكمال» (17/37)
في ترجمة «عبدالرحمن بن الحارث المخزومي» (3787): "رَوَى عَن:... وطاووس
بن كيسان اليماني... وعمرو بن شعيب...".
والصواب أنه لا يروي عن طاوس، وإنما روى
هذا الحديث عن عمرو بن شعيب عن طاوس كما تقدم من رواية عبدالعزيز بن المطلب، وقد
أخطأ في الحديث رِشدين بن سعد، وهو ضعيفٌ جداً، وتركه بعض أهل العلم، فلم يحفظه،
وأخطأ فيه فأسقط من إسناده "عمرو بن شعيب"، وساق بهذه السياقة أنه كتب
له حين وجهه إلى اليمن! وهذا منكر!].
[وفي «مسائل حرب الكرماني» (1/377) من
طريق سعيد بن شرحبيل الكندي، عن ابن لهيعة، عن محمد بن المنكدر، عن عمرو بن شعيب،
عن طاوس، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا طلاق ولا عتاق
لمن لا يملك».
وهذا لا يصح! أخطأ فيه ابن لهيعة، وهو
ضعيف! وإنما هو: عن عمرو بن شعيب، عن طاوس، عن معاذ.
قال الدارقطني في «الغرائب والأفراد» [كما
في «الأطراف» (3/195) (2408)]: "لم يجمع بَين مُحَمَّد بن المُنْكَدر
وَعَمْرو بن شُعَيْب عَن طَاوس فِي هَذَا الحَدِيث عَن عبدالله بن لَهِيعَة،
واخْتلف عَلى ابن المُنْكَدر فِي إِسْنَاده، فَقَالَ ابْن سمْعَان عَنهُ عَن طَاوس
عَن ابْن عَبَّاس عَن عَليّ، وأرسله غَيره"].
ورواه عبدالرزاق في «مصنفه» (6/418) (11458)
عَنْ إِبْرَاهِيمَ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، عَن طَاوَسٍ، عَنْ
مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَلَا عَتَاقَةَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ
الْمِلْكِ».
[ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (20/166)
(350) من طريق عَبْدِالرَّزَّاقِ].
وإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد هو: ابن أَبِي
يَحْيَى المدني، لم ينسبه عبدالرزاق! وكأنه أراد تدليسه! فهو ليس بثقة، متروك،
وكذّبه بعض أهل العلم.
ورواه الطبراني في «المعجم الكبير»
(20/166) (351)، و«المعجم الأوسط» (1/35) (89) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ
يَحْيَى بْنِ خَالِدِ بْنِ حَيَّانَ الرَّقِّيُّ، قال: حدثنا رَوْحُ بْنُ صَلَاحٍ،
قال: حدثنا سَعِيدُ بنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ، عَنْ
طَاوُوسٍ، به.
ورواه أبو نُعيم في «الحلية» (3/165) في
ترجمة «صفوان بن سليم» عن الطبراني، ثم قال: "غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ
لَمْ نَكْتُبْهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ".
وهذا الحديث رواه الطبراني وأربعة أحاديث
أخرى من طريق روح بن صلاح، عن سعيد بن أبي أيوب المصري، ثم قال: "لَمْ يَرْوِ
هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ إِلَّا رَوْحُ بْنُ
صَلَاحٍ".
وروى لروح هذا في كتابه «الأوسط» غير هذه
الأحاديث (27) حديثاً تفرد بها! وغالبها عن سعيد بن أبي أيوب! ولا يرويها عن سعيد
غيره!
وروح هذا مصريّ ضعيف لا يُحتج به، ينفرد
عن الثقات بالمناكير!
ولم يعرف ابن حبان حاله، فأورده في «الثقات»
(8/244) (13240)، فقال: "روح بن صَلَاح من أهل مصر، يروي عَن يحيى بن أَيُّوب
وَأهل بَلَده. روى عَنهُ: مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم البوشنجي وَأهل مصر".
وقال السجزي في «سؤالاته للحاكم» (ص: 98)
(68): وسمعته - يعني: الحاكم - يقول: "روح بن صلاح، ثقة مأمون من أهل الشام".
كذا قال الحاكم! وهو من أهل الموصل لا من
أهل الشام! ولم ينصّ أحد على أنه ثقة، بل العلماء على تضعيفه! فأخشى أن يكون
الحاكم قصد رجلاً آخر، والله أعلم.
ذكره ابن يونس في تاريخ الغرباء وقال: "من أهل الموصل، قدم
مصر وحدّث بها. رُويت عنه مناكير".
وقال الدارقُطني في «المؤتَلِف
والمختَلِف»: "كان ضعيفًا في الحديث، سكن مصر".
وقال أيضاً: سمعت أبا طالب - يعني: أَحمد
بن نصر الحافظ - يقول: قال لي أخو ميمون - واسمه: أَحمد بن ميمون بن زكريا
البغدادي -: "اتفقنا على ألا نكتب بمصر حديث ثلاثة، وهم: علي بن الحسن
الشامي، وروح بن صلاح، وعبدالمنعم بن بشير".
وقال ابن ماكولا: "ضعّفوه، سكن مصر".
وذكره ابن عدي في «الضعفاء» (4/553)، وأورد له ثلاثة أحاديث،
ثم قال: "ولروح بن سيابة أحاديث ليست بالكثيرة عن: ابن لَهيعَة، والليث،
وسعيد بن أبي أيوب، ويحيى بن أيوب، وحيوة، وغيرهم، وفي بعض حديثه نكرة".
وقال الذهبي في «تاريخ الإسلام» (5/821): "له مناكير".
قلت: فروايته عن سعيد بن أبي أيوب منكرة!
وكأن المزي اعتمد على روايته فذكر في ترجمة «صفوان
بن سليم» من «تهذيب الكمال» (13/184) (2882): "رَوَى عَن: ... وطاووس بن كيسان...".
وذكر في ترجمة «سعيد بن أبي أيوب» من «تهذيب
الكمال» (10/343):
"روى عن...
وصفوان بن سليم...".
ولا تثبت لصفوان رواية عن طاوس! ولا رواية
لسعيد بن أبي أيوب عن صفوان!
وهذا الحديث هو حديث عمرو بن
شعيب (118هـ)، فإن ثبت أن صفوان بن سُليم (132هـ) رواه، فيكون بواسطة عمرو بن
شعيب، والله أعلم.
والخلاصة أن هذا الحديث رواه عمرو بن
شعيب، عن طاوس، عن معاذ، مرفوعاً.
وقد ضعّفه أهل العلم.
قال في «التنقيح»: "لا بأس
بِرِوَايَتِهِ، غَيْرَ أَنَّ طَاوُسًا عَنْ مُعَاذٍ مُنْقَطِعٌ".
وقال ابن حجر في «تغليق التعليق» (4/446):
"رَوَاهُ الحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَهُوَ
مُنْقَطع". = يقصد الانقطاع بين طاوس ومعاذ.
وقال في «التلخيص الحبير» (3/453): "وأَمَّا
حَدِيثُ مُعَاذٍ فَمِنْ رِوَايَةِ طَاوُسٍ عَنْ مُعَاذٍ، وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَلَهُ
طَرِيقٌ أُخْرَى عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيِّبِ عَنْ
مُعَاذٍ، وَهِيَ مُنْقَطِعَةٌ أَيْضًا، وَفِيهَا يَزِيدُ بنُ عِيَاضٍ، وهُوَ
مَتْرُوكٌ".
وقال في «الفتح» (9/384): "رِجَالُهُ
ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ طَاوُسٍ وَمُعَاذٍ".
وقال العيني في «العمدة» (20/248):
"قلت: وطاووس عَن معَاذ مُنْقَطع".
قلت: العجب من العيني ضعّفه بالانقطاع بين
طاوس ومعاذ، وسبق احتجاجه بطاوس عن معاذ في روايته لأثر قبول القيمة في الزكاة!
وهذا الحديث لا يصح أن طاوساً رواه أصلاً!
وإنما تفرد به عن طاوس عن معاذ: عمرو بن شعيب! وقد اضطرب فيه!
فرواه عبدالرزاق في «مصنفه» (6/417) (11456)
عَنْ مَعْمَرٍ.
وابن أبي شيبة في «مصنفه» (9/525) (18113). والدارقطني في
«سننه» (5/28) (3933) من طريق عَمْرو بن عَلِيٍّ. كلاهما (ابن ابي شيبة، وعمرو) عن
عَبْدالعَزِيزِ بن عَبْدِالصَّمَدِ العَمِّيِّ. وسعيد بن منصور في «سننه» (1/289)
(1020). والترمذي في «جامعه» (2/477) (1181) عن أَحْمَد بن مَنِيعٍ. وابن ماجه في «سننه»
(3/202) (2047) عن أَبي كُرَيْبٍ. ثلاثتهم (سعيد، وأحمد، وأبو كريب) عن هُشَيْم. كلاهما
(عبدالعزيز، وهشيم) عَنْ عَامِرٍ الأَحْوَلِ.
وابن أبي شيبة في «مصنفه» (20/151) (37465).
وأبو داود في «سننه» (2/258) (2190) عن ابنِ الصَّبَّاحِ، والدارقطني في «سننه» (5/27)
(3931) من طريق عَمرو بنِ عليّ. ثلاثتهم (ابن أبي شيبة، وعمرو، وابن الصباح) عن
عَبْدالعَزِيزِ بن عَبْدِالصَّمَدِ العَمِّيِّ. وأحمد في «مسنده» (11/381) (6769)
عن مُحَمَّد بن جَعْفَرٍ، وَعَبْداللهِ بن بَكْرٍ، والدارقطني في «سننه» (5/28) (3932)
من طريق عَبْدَة بن سُلَيْمَانَ، وعبدالأعلى، ومحمد بن سَواءٍ، كلهم (محمد بن
جعفر، وعبدالله، وعبدة، وعبدالأعلى، وابن سواء) عَنْ سَعِيدِ بنِ أَبِي عَرُوبَةَ.
وأبو داود في «سننه» (2/258) (2190) عن مُسْلِم بن إِبْرَاهِيمَ، عن هِشَام
الدستوائي. ثلاثتهم (عبدالعزيز العمي، وابن أبي عروبة، وهشام) عن مَطَرٍ
الوَرَّاق.
وأحمد في «مسنده» (11/525) (6932) عن يَزِيد بن
هارون، عن مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ.
وأبو داود الطيالسي في «مسنده» (4/22) (2379) عن حَمَّاد
بن سَلَمَةَ، عَنْ حَبِيبٍ المُعَلِّمِ.
والحاكم في «المستدرك» (2/222) (2820) من
طريق مُسْلِم بن إِبْرَاهِيمَ، عن حُسَيْن المُعَلِّم. [ورواه البيهقي في «سننه»
(7/519) (14869) عن الحاكم].
وابن ماجه في «سننه» (3/202) (2047) عن
أبي كُريب عن حَاتِم بن إِسْمَاعِيلَ. والدارقطني في «سننه» (5/28) (3934) من طريق
أَبي أُسَامَةَ حماد بن أسامة، عن الوَلِيد بن كَثِيرٍ المدني. كلاهما (حاتم،
والوليد) عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن الحَارِثِ بن عيّاش المخزوميّ.
كلهم (مَعمر، وعامر الأحول، ومطر، وابن
إسحاق، وحبيب المعلّم، وحسين المعلّم، عبدالرحمن المخزومي) عَنْ عَمْرِو بنِ
شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ النِّكَاحِ، وَلَا عِتْقَ إِلَّا
بَعْدَ مِلْكٍ».
وفي «مسائل حرب الكرماني» (1/387) من طريق
عيسى بن يونس، عن الوليد بن كثير المخزومي المدنيّ، عن عمرو بن شعيب، ولم يذكر
"عبدالرحمن المخزومي"، والوليد يروي عن عبدالرحمن، ويروي عن عمرو بن
شعيب، فيحتمل أنه رواه عنهما، رواه عن عبدالرحمن عن عمرو، ثم رواه عن عمرو مباشرة،
ويُحتمل أنه لم يسمعه من عمرو وإنما رواه عن عبدالرحمن عنه، لكن سقط
"عبدالرحمن" من الإسناد، والله أعلم.
وروى عبدالرزاق أيضاً في «مصنفه» (6/418)
(11462) عَنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ شُعَيْبٍ، يَذْكُرُ
أَنَّهُ سَأَلَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَشْيَاخِ أَهْلِ المَدِينَةِ، وَسَمَّاهُمْ
فَلَا أَحْفَظُ مِنْهُمْ أَحَدًا غَيْرَ أَنِّي أَرَى مِنْهُمُ ابنَ المُسَيِّبِ،
وَأَبَا سَلَمَةَ، وَكُلُّهَمْ قَالَ: «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ».
وروى سعيد بن منصور في «سننه» (1/289) (1021)
عن أَبي عَلْقَمَةَ الفَرْوِيّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُالحَكِيمِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ
بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ،
فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: كَانَ أَبِي عَرَضَ عَلَيَّ امْرَأَةً يُزَوِّجُنِيهَا،
فَأَبَيْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَهَا، وَقُلْتُ: هِيَ طَالِقٌ الْبَتَّةَ يَوْمَ
أَتَزَوَّجُهَا، ثُمَّ نَدِمْتُ فَقَدِمْتُ المَدِينَةَ، فَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ
المُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ».
وأبو علقمة الفروي هو: عبدالله بن
مُحَمَّدِ بنِ أَبِي فَرْوَة، وكان ثقة. وعبد الحكيم صدوق كان يفتي في المدينة.
وقد سئل الدارقطني في «العلل» (6/65)
(983) عن حديث طاووس، عَنْ مُعَاذٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ، وَلَا نَذْرَ فِيمَا لَا يُمْلَكُ»؟
فقَالَ: "يَرْوِيهِ عَمْرُو بنُ
شُعَيْبٍ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:
فَرَوَاهُ ابنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عمرو بن
شعيب، عن طاووس، عَنْ مُعَاذٍ - قَالَهُ: عَبْدُالْمَجِيدِ بنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
وَخَالَفَهُ عَامِرٌ الْأَحْوَلُ،
وَمَطَرٌ الْوَرَّاقُ، وَغَيْرُهُمَا، رَوَوْهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جدّه، وهو الصواب".
قلت: مع ترجيح الدارقطني إلا أن كلامه يومئ
إلى أن رواية ابن جُريج تفرد بها عبدالمجيد! وليس كذلك، فقد تابعه: عبدالرزاق عن
ابن جريج. وتابع ابن جريج عليه: عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ الحَارِث بنِ عَيَّاشٍ المَخْزُومِيّ،
كما سبق بيانه.
وقد تكلّم بعض أهل العلم في سماع ابن
جُريج من عمرو بن شعيب! فلَا يَرَوْنَ لَهُ سَمَاعًا مِنْ عَمْرٍو.
قال الترمذي في «العلل الكبير» (ص: 108)
قال البخاريّ: "ابْنُ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ".
وقال العلائي في «جامح التحصيل في أحكام
المراسيل» (ص: 57): "وقال البخاري: لم يسمع ابن جريج من عمرو بن شعيب شيئاً. قلت:
وقد روى عنه عدة أحاديث، وهي عن جماعة ممن تقدم ذكرهم، ولكنه مدلس كما سبق ذكره
فيهم".
قلت: فإن كان ابن جُريج لم يسمع من عمرو
فيكون أخذ هذ الحديث عن آخر فدلّسه، وقد رواه عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ الحَارِث بنِ
عَيَّاشٍ المَخْزُومِيّ عن عمرو بن شعيب كما رواه ابن جريج، ومن هنا قلت بأنه قد
تابعه، لكن يُحتمل أن ابن جريج أخذه من عبدالرحمن ودلّسه، على أن رواية عبدالرحمن
هنا عن عمرو بهذا الإسناد، وقد رواه عبدالرحمن أيضاً عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّه كما رواه الجماعة عن عمرو، فيحتمل أن عبدالرحمن أخطأ فيه
مرة فرواه عن عمرو بن شعيب، عن معاذ، وهو ليس بالقوي في الحديث، والله أعلم.
فالمشكلة في عمرو بن شعيب نفسه، لا في
الرواة عنه. وقد اضطرب فيه عمرو بن شعيب!
فرواه عن طاوس عن معاذ، مرفوعاً.
ورواه عن أبيه، عن جدّه، مرفوعاً.
ورواه عن ابن المُسَيِّبِ، وأَبي سَلَمَةَ،
من قولهما.
ورواه عن ابن المسيّب، وعروة بن الزبير،
مرفوعاً.
والأصوب فيه الوقف على هؤلاء التابعين،
ولا يصح فيه شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ولو كان الحديث عند عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده لما رحل إلى المدينة من أجل أن يسأل عن حكم ما قاله كما في القصة التي
رواها عبدالحكيم عنه، وقد تقدمت قريباً.
وقد أجاد الحافظ ابن حجر في قوله في «الفتح»
(9/384): "وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ عَلَى عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ: فَرَوَاهُ
عَامِرٌ الْأَحْوَلُ، وَمَطَرٌ الْوَرَّاقُ، وَعَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ،
وَحُسَيْنٌ الْمُعَلَّمُ كُلُّهُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ جَدِّهِ. وَالْأَرْبَعَةُ ثِقَاتٌ، وَأَحَادِيثُهُمْ فِي السُّنَنِ. وَمِنْ
ثَمَّ صَحَّحَهُ مَنْ يُقَوِّي حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَهُوَ قَوِيٌّ لَكِنْ
فِيهِ عِلَّةُ الِاخْتِلَافِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ
اخْتِلَافًا آخَرَ، فَأَخْرَجَ سَعِيدُ بنُ مَنْصُورٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ
عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ: «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: كَانَ أَبِي عَرَضَ
عَلَيَّ امْرَأَةً يُزَوِّجُنِيهَا فَأَبَيْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَهَا، وَقُلْتُ هِيَ
طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ يَوْمَ أَتَزَوَّجُهَا، ثُمَّ نَدِمْتُ، فَقَدِمْتُ المَدِينَةَ
فَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَا:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا طَلَاقَ إِلَّا
بَعْدَ نِكَاحٍ»، وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ مَنْ قَالَ فِيهِ: «عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ» سَلَكَ الْجَادَّةَ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ جَدِّهِ لِمَا احْتَاجَ أَنْ يَرْحَلَ فِيهِ إِلَى المَدِينَةَ، وَيَكْتَفِي
فِيهِ بِحَدِيثٍ مُرْسَلٍ".
قلت: لله درّ الحافظ ابن حجر، فإنه وضع
يده على الجرح، وأصاب في تعليله، فلو كان الحديث عنده عن أبيه عن جده لما رحل إلى
المدينة لسؤال أئمة التابعين هناك عما حصل له.
والذي نخالف الحافظ ابن حجر فيه هنا هو
قوله: "وهذا يُشعر بأن من قال فيه: «عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ» سَلَكَ الجَادَّةَ"!
فمفهوم هذا القول أن من روى عن عمرو هم من سلكوا هذه الجادة المشهورة = يعني أنهم
أخطأوا! وليس كذلك! فهؤلاء الجماعة سمعوا عمرَواً يرويه عن أبيه عن جده، يقول:
"حدثني أبي، عن جدي"، فحدثوا به كما سمعوه، فقالوا: "عن عمرو بن
شعيب، عن أبيه، عن جده"، فهم لم يسلكوا الجادة! فكيف لسبعة رواة أن يسلكوا
الجادة؟!
وهذا يعني أن الذي سلك الجادة هو عمرو
نفسه! فتنبه إلى هذه النفيسة.
وقد صحح حديث عمرو بن شعيب هذا غير واحد
من أهل العلم.
قال الترمذي بعد أن أخرجه في «جامعه»:
"حَدِيثُ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ
شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا البَابِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ. رُوِيَ
ذَلِكَ عَنْ: عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرِ بْنِ
عَبْدِاللهِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،
وَعَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، وَشُرَيْحٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ
مِنْ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ".
وقال: "وَفِي البَاب عَنْ عَلِيٍّ،
وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ".
قلت: هذا مصير من الترمذي إلى أن الجد
الوارد في هذه السلسلة هو "عبدالله بن عمرو"! وعلى فرض أنه هو المقصود
في رواية "عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده"، فهو لا يصح! فقد اضطرب فيه
عمرو بن شعيب! وصحّ بعض الصحابة من قولهم، وكذلك عن كثير من التابعين، لكن لم يصح
عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولهذا استخدمه البخاري في التبويب فقط
كعادته في استخدام الحديث الضعيف لذلك.
قال في «صحيحه» (7/45): "بَابُ «لاَ
طَلاَقَ قَبْلَ النِّكَاح»، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَمَسُّوهُنَّ، فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا،
فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: 49]. وقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: «جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ»، وَيُرْوَى فِي ذَلِكَ
عَنْ: عَلِيٍّ، وَسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبِي
بَكْرِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ
عُتْبَةَ، وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَعَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، وَشُرَيْحٍ،
وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَطَاوُسٍ، وَالحَسَنِ،
وَعِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ، وَعَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ،
وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ،
وَمُجَاهِدٍ، وَالقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَمْرِو بْنِ هَرِمٍ،
وَالشَّعْبِيِّ: «أَنَّهَا لاَ تَطْلُقُ»".
فعبّر البخاري عن رأيه في هذه المسألة،
وذكر الرواية في ذلك عن الصحابة والتابعين، وعبّر بقوله: "ويُروى في
ذلك..."؛ لأنه لم يثبت عن كل هؤلاء الذين ذكرهم، وقد تكلم ابن حجر في «تغليق
التعليق» (4/439 - 451) على كل هذه الآثار.
فالبخاري لا يرى صحة الحديث المرفوع،
وإنما يٌضّعفه.
وأما ما نقله الترمذي عن البخاري في «جامعه»
(ص: 173) قال: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقُلْتُ، أَيُّ
حَدِيثٍ فِي هَذَا البَابِ أَصَحُّ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ؟ فَقَالَ: "حَدِيثُ
عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ"، فهذا لا يعني تصحيحه
له! وإنما هو يقول: "أصح" يعني بالنسبة لغيره، وهذا التعبير ليس تصحيحاً
مطلقاً، فقد يكون عندنا أسانيد كلها ضعيفة، لكن أحدها أصح من غيره، أي أقوى من
الأخرى، وهذا لا يعني التصحيح المطلق!
وقد يكون الترمذي فهم من البخاري تصحيحه
لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فأخرجه في كتابه وصححه!
وهذه السؤالات من الترمذي للبخاري قديمة
قبل أن يظهر كتاب الصحيح للبخاري، وهناك بعض الأقوال التي نقلها الترمذي عنه قد
تغيّر رأيه فيها من خلال سبر ما جاء عنده في الصحيح، وقد كتبت بحثاً خاصاً في ذلك
أثبت هذا الأمر، وهو لا يزال حبيس الأدراج كغيره من عشرات البحوث، والله المستعان،
نسأل الله التعجيل بتمامها ونشرها.
ومن المعلوم اختلاف أهل العلم في سلسلة
"عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده"، في أمرين:
الأول: فيمن هو المقصود بـ «جده»: هل هو
جده «محمد» والد شعيب، أم جد أبيه الصحابي «عبدالله بن عمرو بن العاص»؟
والثاني: في الاحتجاج بهذه السلسلة.
قال البيهقي بعد أن ساق رواية حَمَّاد بن
سَلَمَةَ، عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو: "رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ عَمْرِو بنِ
شُعَيْبٍ، بَعْضُهُمُ قَالَ: عَنْ جَدِّهِ كَمَا قَالَ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ،
وَبَعْضُهُمْ قَالَ: عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو كَمَا قَالَ حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ".
ثم ساق قول يَحْيَى بن مَعِينٍ: "عَمْرُو
بْنُ شُعَيْبٍ: ثِقَةٌ".
وقول إِسْحَاق بن رَاهَوَيْهِ: "إِذَا
كَانَ الرَّاوِي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ثِقَةٌ فَهُوَ كَأَيُّوبَ عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ".
وقول البُخَارِيّ: "عَمْرُو بْنُ
شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ أَبُو
إِبْرَاهِيمَ السَّهْمِيُّ الْقُرَشِيُّ: سَمِعَ أَبَاهُ، وَسَعِيدَ بْنَ
الْمُسَيِّبِ، وَطَاوُسًا. رَوَى عَنْهُ: أَيُّوبُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَعَطَاءُ
بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَالزُّهْرِيُّ، والحَكَمُ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ،
وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ".
قَالَ البُخَارِيُّ: وَقَالَ أَحْمَدُ
بْنُ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ مُعْتَمِرًا يَقُولُ: قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ
الْعَلَاءِ: "كَانَ قَتَادَةُ وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ لَا يُعَابُ
عَلَيْهِمَا شَيْءٌ إِلَّا أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَسْمِعَانِ شَيْئًا إِلَّا
حَدَّثَا بِهِ".
قَالَ البُخَارِيُّ: "رَأَيْتُ
أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَعَلِيَّ بْنَ عَبْدِاللهِ، وَالْحُمَيْدِيَّ،
وَإِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ".
وساق أيضاً قول الدارقطني قَالَ: سَمِعْتُ
أَبَا بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيَّ يَقُولُ: "قَدْ صَحَّ سَمَاعُ عَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ مِنْ أَبِيهِ شُعَيْبٍ، وَسَمَاعُ شُعَيْبٍ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِاللهِ
بْنِ عَمْرٍو".
ثم قَالَ البيهقي: "وَقَدْ مَضَى فِي
كِتَابِ الحَجِّ، فِي بَابِ وَطْءِ الْمُحْرِمِ، وَفِي كِتَابِ الْبُيُوعِ، فِي باب
الخِيَارِ مَا دَلَّ عَلَى سَمَاعِ شُعَيْبٍ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِاللهِ بْنِ
عَمْرٍو إِلَّا أَنَّهُ إِذَا قِيلَ: عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ، فَإِنَّهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ عَنْ جَدِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللهِ لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ
فَيَكُونُ الْخَبَرُ مُرْسَلًا، وَإِذَا قَالَ الرَّاوِي: عَنْ جَدِّهِ عَبْدِاللهِ
بْنِ عَمْرٍو زَالَ الْإِشْكَالُ، وَصَارَ الْحَدِيثُ مَوْصُولًا، وَاللهُ
أَعْلَمُ".
قلت: كأن البيهقي يذهب إلى صحة سماع شعيب
من جدّه عبدالله بن عمرو في الجملة بما ذكره من قصة في باب ما يُفسد الحج (5/274)،
وما جاء في الإسناد الذي ذكره في باب الخيار (5/445): "عَمْرو بن شُعَيْبٍ،
يَقُولُ: سَمِعْتُ شُعَيْبًا، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَاللهِ بنَ عَمْرٍو"،
وعليه فقد فرّق البيهقي بين ما جاء فيه التصريح بذكر "عبدالله بن عمرو"،
وما كان فيه: "عن جده" = فإذا أطلق "عن جده" فهو "محمد
بن عبدالله بن عمرو"، فالحديث حينها مرسل، وإذا جاء فيه: "عبدالله بن
عمرو" فهو الصحابي، والحديث حينها متصل!
وهذا الذي ذهب إليه البيهقي فيه نظر! لأن
الأصل فيمن يروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه يقولون: "عن جده"، ولا يسمونه،
وهي سلسلة معروفة مشهورة، وهذه التسمية التي جاءت في أسانيد قليلة جداً هي من
تصرفات بعض الرواة، ولا تحلّ المشكلة.
وقد تكلمت على هذه السلسلة باستفاضة بحمد
الله في كتاب خاص لا يزال مخطوطاً، يسر الله مراجعته ونشره.
وقد رد العيني تصحيح الترمذي له في «عمدة
القاري» (20/248) فقال: "فِي رِوَايَة عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده
كَلَام كثير، فَمن النَّاس من رده، فَعَن أَحْمد: «عَمْرو بن شُعَيْب لَهُ
أَشْيَاء مَنَاكِير، وَإِنَّمَا يكْتب حَدِيثه وَيعْتَبر بِهِ فَأَما أَن يكون
حجَّة فَلَا». وَقَالَ أَبُو عُبيد الْآجُرِيّ: قيل لأبي دَاوُد، عَمْرو بن
شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده، قَالَ: «لَا وَلَا نصف حجَّة»".
قلت: قال سَألتُ عَلِيًّا - يعني: ابن
المديني - عن عمرو بن شُعَيْب؟ فَقَالَ: "ما روى عنه أَيْوُّب، وابن جُرَيْج،
فذلك كله صحيح، وما روى عمرو، عن أبيه، عن جَدِّه فذلك كتاب وَجَدَهُ، فهو
ضَعِيْفٌ".
وسئل أحمد عنه، فقال: "أنا أكتب
حديثه، وربما احتججنا به، وربما وجس في القلب منه".
وسئل يحيي بن معين عن حديث عمرو بن شعيب،
عن أبيه، عن جده؟ فقال: "ليس بذاك".
وقال ابن أبي خيثمة: ورأيت في كتاب علي بن
المديني، سمعت يحيي بن سعيد يقول: "عمرو بن شعيب عندنا واه".
والكلام على عمرو بن شعيب، وعن روايتة عن
أبيه عن جده يطول، وقد فصّلته في الكتاب الذي أشرت إليه قريباً، ولله الحمد.
فالحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح عن طاوس عن
معاذ. ويُروى عن طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، دون ذكر معاذ فيه.
رواه عبدالرزاق في «مصنفه»
(6/417) (11457).
وابن أبي شيبة في «مصنفه» (9/526) (18114)
عن وَكِيعٍ.
كلاهما (عبدالرزاق، ووكيع) عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَمَّنْ سَمِعَ طَاوُوسًا
يَقُولُ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا
طَلَاقَ لِمَنْ لَمْ يَنْكِحْ، وَلَا عَتَاقَ لِمَنْ لَمْ يَمْلِكْ».
قال ابن حجر في «الفتح» (9/384) فقال:
"وهَذَا مُرْسَلٌ، وَفِيهِ رَاوٍ لَمْ يُسَمَّ، وَقِيلَ فِيهِ: عَن طَاوس عَن
ابن عَبَّاس، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وابن عَدِيٍّ بِسَنَدَيْنِ ضَعِيفَيْنِ".
ورواه أبو بكر الشافعيُّ في «الغيلانيات» (ص:
507) (628) من طريق حُسَيْن بن مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيّ، عن ابن أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مرسلًا.
ورواه أيضاً عن حسين، عن ابن أَبِي
ذِئْبٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
ورواه البيهقي في «السنن الكبرى» (8/115)
(16103) من طريق عَبْدالوَهَّابِ بن عَطَاءٍ الخفاف، عن إِسْمَاعِيل المَكِّيّ، عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ طَاوُسٍ، ذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا طَلَاقَ قَبْلَ مِلْكٍ، وَلَا قِصَاصَ فِيمَا دُونَ
الْمُوضِحَةِ مِنَ الْجِرَاحَاتِ».
قال البيهقي: "هَذَا مُنْقَطِعٌ".
قلت: إسماعيل بن مسلم المكي ليس بشيء،
متروك الحديث.
وهو محفوظ من فتوى طاوس.
رواه عبدالرزاق في «مصنفه» (6/420) (11469)
عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: كَتَبَ الوَلِيدُ بنُ يَزِيدَ إِلَى عَامِلِهِ بِصَنْعَاءَ:
أَنْ يَسْأَلَ مَنْ قِبَلَهُ عَنِ الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ، قَالَ: فَسُئِلَ
ابنُ طَاوُسٍ فَحَدَّثَهُمْ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: «لَا طَلَاقَ قَبْلَ
النِّكَاحِ».
الحديث الثالث:
روى الفاكهي في «أخبار مكة» (1/237) (444)
قال: حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: حدثثنا عَبْدُالعَزِيزِ
بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الحَارِثِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلَيْنِ مُقْتَرِنَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لِلْأَقْرَانِ؟ فَقَالَا: نَذَرْنَا
لَنَقْتَرِنَنَّ حَتَّى نَأْتِيَ الْكَعْبَةَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: اطْلِقَا أَنْفُسَكُمَا، لَيْسَ هَذَا نَذْرًا إِنَّمَا النَّذْرُ مَا
ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ».
قَالَ عَمْرٌو: وَحَدَّثَنِي طَاوُسٌ:
أَنَّ مُعَاذًا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَدِمَ عَلَيْهِمُ اليَمَنَ، بِهَذَا.
قلت: الظاهر أن هذا الحديث رواه عمرو بن
شعيب من طريقين:
رواه عن أبيه عن جده، ورواه عن طاوس عن
معاذ! = يعني أن معاذاً لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم لليمن رأى رجلين
مقترنين... إلخ.
وهذا الحديث يتفرد به عبدالرحمن بن الحارث
عمرو بن شعيب بكلا الإسنادين، وعبدالرحمن ليس بالقوي. وإن ثبت أنه سمع هذا الحديث
من عمرو على الوجهين فالعلّة في عمرو نفسه، وروايته الحديث على أكثر من وجه كما مر
في الحديث السابق، والله أعلم.
والحديث بدون ما في رواية الفاكهي من
زيادة ما رواه عمرو بن شعيب عن معاذ، رواه الأزرقي في «أخبار مكة» (2/14) عن جَدّه،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ
بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، به.
وقد وقع في مطبوعات كتاب الأزرقي هكذا:
"عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ عَيَّاشِ بْنِ
أَبِي رَبِيعَةَ"! وهو خطأ! تحرفت «بن» إلى «عن»، وهو: "عَبْدالرَّحْمَن
بن الحارث بن عَبداللَّهِ بْن عياش بن أَبي ربيعة".
ورواه أحمد في «مسنده» (11/324) (6714) عن
الحُسَيْن بنُ مُحَمَّدٍ المروزي، وَسُرَيْج بن النعمان البغدادي، قَالَا:
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الحَارِثِ، به.
وروى أحمد أيضاً (11/558) (6975) قال: حَدَّثَنَا
سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، قال: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ
بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ إِلَى أَعْرَابِيٍّ
قَائِمًا فِي الشَّمْسِ، وَهُوَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: نَذَرْتُ
يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْ لَا أَزَالَ فِي الشَّمْسِ حَتَّى تَفْرُغَ فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ هَذَا نَذْرًا، إِنَّمَا
النَّذْرُ مَا ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ».
وروى أيضاً (34/196) (20589) قال:
حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قال: حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ
أَهْلِ الْبَادِيَةِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّهُ حَجَّ مَعَ ذِي
قَرَابَةٍ لَهُ مُقْتَرِنًا بِهِ، فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: إِنَّهُ نَذْرٌ، فَأَمَرَ بِالْقِرَانِ
أَنْ يُقْطَعَ».
قلت: والرواية في هذا الباب ليّنة!
·
خلاصة
ونتائج:
1- أرسل النبيّ صلى الله عليه وسلم عمّاله
إلى اليمن في سنة عشر بعدما حجّ حجة التمام، وكان على رأسهم معاذ بن جبل، وجعله
قاضياً ومعلماً وهو المسؤول عن جمع الصدقات، وكان رضي الله عنه في جبل الجَنَد،
وبقي عاملاً على اليمن، ورجع إلى المدينة في عهد عمر رضي الله عنهما.
وكان رضي الله عنه من فقهاء الصحابة،
وعدّه أهل العلم من أعلم الناس بالحلال والحرام، وجاء في ذلك حديث مرسل لا يصح من
رواية أبي قِلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد تُوُفِّيَ معاذ سَنَةَ ثَمَانِيَ
عَشْرَةَ، وعاش أربعاً وثلاثين سنة على الأرجح.
2- الحديث المروي عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ: «أَنَّهُ
لَمَّا رَجَعَ مِنَ اليَمَنِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْتُ رِجَالًا بِاليَمَنِ
يَسْجُدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، أَفَلَا نَسْجُدُ لَكَ؟ قَالَ: لَوْ كُنْتُ آمِرًا
بَشَرًا يَسْجُدُ لِبَشَرٍ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا»
حديث منكر! لأن معاذاً لم يرجع للمدينة بعد أن بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى
اليمن، ومات صلى الله عليه وسلم ومعاذ لا يزال هناك، وهل يعقل أن من أرسله النبي
صلى الله عليه وسلم ليعلم الناس «التوحيد» يطلب فعل الشّرك؟ والحديث يرويه رجل
مجهول لا يعرف! وشاهده مضطرب، وقد أخطأ من صححه!
3- طاوس اليماني من موالي فارس، وهو من
كبار التابعين، وولد تقريباً سنة (13هـ) أو بعدها بقليل، وهو قديم، ولقي أكثر من
خمسين صحابياً، ومات سنة (106هـ)، وكان عمره لما مات أكثر من تسعين سنة.
4- طاوس لم يدرك معاذاً، ولهذا ضعّف كثير
من أهل العلم ما رواه عن معاذ!
5- روى طاوس عن معاذ كتاباً فيه أقضيته، وكان
هذا الكتاب عند ابنه عبدالله بن طاوس، ويروي منه، وفيه تسعة عشر قضاءً، وكانت في
عهد أبي بكر - رضي الله عنه -، وهي أقضية صحيحة؛ لأنها من كتاب معاذ، فهي وِجادة
صحيحة، ومشهورة عند أهل اليمن.
6- كان هناك كتاب لمعاذ عن النبي صلى الله
عليه وسلم، وهو كتاب الصدقات، وكان عند موسى بن طلحة بن عُبيدالله، وهو وِجادة
صحيحة.
7- روى طَاوُسٍ: «أَنَّ مُعَاذَ بْنَ
جَبَلٍ الْأَنْصَارِيَّ أَخَذَ مِنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً، تَبِيعًا، وَمِنْ
أَرْبَعِينَ بَقَرَةً، مُسِنَّةً. وَأُتِيَ بِمَا دُونَ ذَلِكَ، فَأَبَى أَنْ
يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا. وَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ شَيْئًا، حَتَّى أَلْقَاهُ فَأَسْأَلَهُ،
فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ
يَقْدُمَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ».
وسَأَلُوهُ عَمَّا دُونَ الثَّلَاثِينَ، عَنِ
الْبَقَرِ والعَسَلِ فَقَالَ: «لَمْ أُومَرْ فِيهَا بِشَيْءٍ».
8- روى طَاوُسٍ: أن مُعَاذاً قال لأهل اليَمَنِ:
«ائْتُونِي
بِعَرَضِ ثِيَابٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ مَكَانَ الصَّدَقَةِ؛ فَإِنَّهُ
أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ، وَخَيْرٌ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ».
وفي رواية: «مَكَانَ
الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ».
وفي رواية: «مَكَانَ
الصَّدَقَةِ، وَمَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ».
ورواه عن طاوس: عَمْرِو بن دِينَارٍ
المكيّ، وإِبْرَاهِيم بن مَيْسَرَةَ الطائفي المكيّ، ولا اختلاف بين رواية عمرو
ورواية إبراهيم كما توهّم البيهقي!
9- تعليق البخاري لأثر طاوس عن معاذ في
أخذ العَرض من الثياب مصير منه إلى قبول القيمة في الصدقات.
10- ذهب الإسماعيلي، وتبعه البيهقي، وغيره
من الشافعية إلى أن أخذ معاذ للقيمة كان في "الجزية" لا في
"الصدقة"! وأشار الإسماعيلي أن بعض الرواة ذكر "الجزية"! وهذا
لم يثبت! والصواب أنه في "الصدقة" لا في "الجزية"! وإنما
ذهبوا هذا المذهب لأنهم لا يجيزون القيمة في الصدقات!
11- احتج الشافعي بأن أثر معاذ في أخذ
الثياب إنما كان في الجزية؛ لأن مذهب معاذ عدم جواز نقل الصدقات من بلد لآخر! وهذا
يدل على أنه أخذ القيمة في الجزية لا في الزكاة!
ويُرد على هذا بأن ما كان يذهب إليه معاذ
من عدم نقل الصدقة من مكان لآخر إنما كان في كتابه الذي كان زمن أبي بكر الصديق،
لا زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن ما في ذلك الكتاب أن من انتقل من مخلافه
إلى مخلاف آخر فإن زكاته تبقى في مخلافه الذي انتقل منه، فهذا لا يعني عدم جواز
نقل الزكاة من مكان إلى آخر، وإنما أقصى ما يُقال فيه أن أهل المخلاف الذي كان فيه
أو عشيرة المُزكِّي أحقّ بزكاته من المخلاف الذي انتقل إليه، وهذا لا يدل على عدم
جواز نقل الزكاة من مكان إلى آخر.
12- قبل الإمام مالك، والإمام الشافعي
روايات طاوس عن معاذ في أمور الصدقات؛ وعلل ذلك الإمام الشافعي بأن طَاوُساً كان عَالِماً
بِأَمْرِ مُعَاذٍ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَلْقَهُ عَلَى كَثْرَةِ مَنْ لَقِيَ مِمَّنْ
أَدْرَكَ مُعَاذًا مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ = ويقصد بذلك أنه كان عالماً في ما ورد
عنه من أمور الزكاة والصدقات، لا أنه يقصد كل ما يرويه طاوس عن معاذ في أيّ أمر!
13- رأى أحمد وإسحاق بن راهويه الأفضل في
الصدقات إخراجها من الأصناف المعروفة، وجوّز إسحاق إخراجها قيمة للضرورة والمصلحة.
14- تعقب ابن حزم الحنفية في قبولهم
لإسناد طاوس عن معاذ في مسألة، ورده في مسألة أخرى! ثم هو تناقض في الشيء نفسه!
15- روى طَاوُسٌ، عن معاذ أَنَّهُ: «قَدِمَ
على أهل اليمن فَلَمْ يَأْخُذْ مِنَ الْخَضْرَاوَاتِ شَيْئًا». وكذا هو في كتاب
معاذ عند موسى بن طلحة بن عبيدالله التيميّ.
16- روى طَاوُسٍ، عَنْ مُعَاذٍ: «أَنَّهُ
كَانَ لاَ يَأْخُذُ مِنَ البَقَرِ العَوَامِلِ صَدَقَةً».
17- روى طَاوُسٍ، عن معاذٍ: «أَنَّه لَمَّا
قَدِمَ اليَمَنَ كانت الْأَرْضَ أَوِ المَزَارِعَ تُكرى عَلَى الثُّلُثِ أَوِ
الرُّبُعِ، فأقرّهم على ذَلِكَ»، وقال: "فنحن نعمل به إلى اليوم". وهذا
ما يُعرف بالمُخابرة، أو الشِّرْك، وهو: الِاشْتِرَاك فِي الأَرْض والمزارعة،
وَذَلِكَ أَن يَدْفَعهَا صَاحبهَا بِالنِّصْفِ وَالثلث وَمَا أشبه ذَلِك.
فهذه خمسة أمور رواها طاوس عن معاذ في ما
يتعلق بالصدقات، والمخابرة، وهي صحيحة عنه، وهي مشهورة معروفة عند أهل اليمن،
وكانت عند طاوس في كتاب، وهي مقبولة.
18- ما رُوي عن طاوس عن معاذ في غير أمور
الصدقات وما يتعلق بأقضية الناس لا يُقبل، وقد رُوي عنه بعض الأمور في غير ما
أشرنا له رواها عن معاذ عن أشياخ لم يُسميهم، وكذلك رُوي عنه بعض الأحاديث المرسلة
عن النبي صلى الله عليه وسلم، مراسيله هذه مردودة.
19- روى طاوس عن معاذ حديثاً في الفتن
موقوفاً عليه، وهو منكر! فيُحتمل أنه أخذه ممن كانوا يروون من كتب أهل الكتاب في
اليمن.
20- جاءت رواية أن طَاوُسًا روى عن مُنَبِّه
والد وَهْبِ، عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وعليها ترجم بعض أهل العلم أن طاوساً روى عن
مُنبّه! وأن منبهاً روى عن معاذ! وهذه الرواية منكرة لا تصح! يرويها إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيمَ بنِ زِبْرِيق وهو ليس بشيء، وقد كذّبه محمد بن عوف محدّث حمص.
ولم يثبت أن لمُنبّه والد وهب رواية.
21- وجدت ثلاثة أحاديث رُويت عن طاوس عن
معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي معلولة، ولم يثبت أن طاوساً رواها أصلاً!
22- حديث: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ مِنْ
عَمَلٍ أَنْجَى لَهُ مِنَ النَّارِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ
اللهِ، وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَالَ: وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ
اللهِ، إلا أن تَضْرِبُ بِسَيْفِكَ حَتَّى يَنْقَطِعَ، ثُمَّ تَضْرِبُ بِهِ حَتَّى
يَنْقَطِعَ»، ضعيف لا يصح من جميع طرقه، وفيه اضطراب! وهو حديث مختلف في رفعه
ووقفه، وفي إرساله ووصله".
والعجب ممن صححه من المتأخرين،
والمعاصرين! وهو منكر! وكأن لفظ «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ مِنْ عَمَلٍ أَنْجَى لَهُ
مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» مشتهر عن معاذ من قوله. فدخلت فيه قصة
"وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ" على غِرار ما جاء في حديث: «مَا
العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟» قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟
قَالَ: «وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ،
فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ».
ورُوي عن مُعَاذ بن جَبَلٍ: «مَا عَمِلَ
ابْنُ آدَمَ مِنْ عَمَلٍ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ»
قوله، وأسانيد هذا منقطعة أيضاً لا تصح!
23- حديث: طَاوَسٍ، عَنْ مُعَاذِ بنِ
جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا
طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَلَا عَتَاقَةَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ الْمِلْكِ»، لا
يصح عن طاوس! والذي صح عن طاوس قوله.
24- لم يُروَ عن طاوس أيّ حديث صحيح سمّى
فيه شيخه أو شيوخه الذين سمعوا من معاذ، وهذا مما يُستغرب على تنوع هذه الروايات
وكثرتها، ويبدو أنه اعتمد على الشهرة عن معاذ في بلده.
25- أشهر رواية لحديث: «لَا طَلَاقَ
إِلَّا بَعْدَ النِّكَاحِ، وَلَا عِتْقَ إِلَّا بَعْدَ مِلْكٍ» من رواية: عَمْرِو
بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّه، عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. وقد اختلف فيه على عمرو على أوجه:
رواه عن أبيه، عن جدّه، مرفوعاً.
ورواه عن ابن المُسَيِّبِ، وأَبي سَلَمَةَ،
من قولهما.
ورواه عن ابن المسيّب، وعروة بن الزبير،
مرفوعاً.
والأصوب فيه الوقف على هؤلاء التابعين،
ولا يصح فيه شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان عمرو بن شعيب يضطرب فيه، وهو من كان
يسلك فيه الجادة "عن أبيه، عن جده" لا الرواة عنه كما قال ابن حجر!
26- حديث عمرو بن شعيب هذا صححه غير واحد
من أهل العلم، ومنهم الترمذي! والصواب أنه لا يصح لاضطراب عمرو بن شعيب فيه!
27- اختلف أهل العلم في سلسلة "عمرو
بن شعيب، عن أبيه، عن جده"، في أمرين:
الأول: فيمن هو المقصود بـ «جده»: هل هو
جده «محمد» والد شعيب، أم جد أبيه الصحابي «عبدالله بن عمرو بن العاص»؟
والثاني: في الاحتجاج بهذه السلسلة.
وقد سمع عمرو بن شعيب من جدّ أبيه الصحابي
عبدالله بن عمرو بن العاص بعض الأحاديث، لكن ما كان يرويه بهذه السلسلة إنما هي
صحيفة كانت عندهم! وفيها أحاديث ضعيفة، وهو فيه ضعف أيضاً.
28- لا تثبت لصفوان بن سُليم رواية عن
طاوس! ولا رواية لسعيد بن أبي أيوب عن صفوان بن سُليم!
29- ذهب الإمام البخاري إلى أن ابن جُريج لم يسمع من عمرو بن شعيب!
30- بوّب البخاري في أبواب كتابه: "باب «لاَ
طَلاَقَ قَبْلَ النِّكَاح»"، ثم ذكر ما روي عن الصحابة والتابعين من ذلك،
وهذا مصير منه أنه يُضعف الحديث المرفوع، ولهذا استخدمه في الترجمة كعادته في
استخدام الضعيف في التراجم ليبيّن ضعفه.
31- ما نقله الترمذي عن البخاري أنه قال
في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده هذا أنه أصح شيء في الباب لا يعني تصحيحه
لهذا الحديث! وإنما هو يقصد أصح بالنسبة للأحاديث الضعيفة في هذا الباب، فهو مع
ضعفه أقل ضعفاً من غيره.
وقد يكون الترمذي فهم منه التصحيح المطلق
له، ولهذا صححه في كتابه، لكن هذه النقولات التي يرويها الترمذي عن البخاري قديمة
قبل أن ينهي البخاري كتابه الصحيح، وكان قد تغيّر رأيه في بعض منها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتب: د. خالد الحايك.
14 شوّال 1441هـ.
شاركنا تعليقك