«إِرشادُ المُتعلِّم» إلى عدم ثبوت تضعيف يحيى القطّان لـ «حسين
المُعلِّم»!
·
هل تكلّم يحيى القطان في حسين
المُعلِّم، وقال بأن حديثه فيه اضطراب؟!
الحسين بن ذكوان المُعلِّم العَوذيّ المُكتب البَصْرِيّ (ت145هـ)
من أعيان أهل الحديث وثقاتهم.
قال الدَّارِمي: سأَلتُ يحيى بن مَعين عن حُسَين المُعَلِّم؟ فقال:
"ثقةٌ".
وقال ابن طَهمان: سمعتُ يحيى يقول: "حُسَين المُعَلِّم، ثقةٌ،
ليس به بأسٌ".
وقال ابن أَبي خيثمة: سمعتُ يحيى بن مَعين يقول: "حُسَين
المُعَلِّم، ثقةٌ، وهو بَصري".
وقال ابن هَانِئ: قلت له - يعني لأَحمد بن حنبل-: فحسين المعلم،
وحرب بن شداد، وشيبان، قال: "هؤلاء ثقات".
وقال أبو حاتم: "حسين بن ذكوان المعلم ثقة".
وقال ابن أبي حاتم: سئل أبو زرعة عن حسين المعلم؟ فقال: "بصري
ليس به بأس".
وقال الدارقطني: "حسين المعلم من الثقات".
وقال ابن سعد، والعجلي، وأبو بكر البزار: "ثقة".
وذكره ابن حبان في «الثقات».
وقال الحاكم أبو عبدالله - فيما ذكره مسعود-: "ثقة مأمون".
قلت: فكلمة العلماء مجتمعة على توثيقه، إلا أن العقيلي أورده في «الضعفاء»،
ونقل تضعيفه عن يحيى القطان!
قال العقيلي في «الضعفاء» (1/250) (299): "حُسَيْنُ بنُ
ذَكْوَانَ المُعَلِّمُ: بَصْرِيٌّ، ضَعِيفٌ، مُضْطَرِبُ الحَدِيثِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ خَلَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى - وذَكَرَ
أَحَادِيثَ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، فَقَالَ: «فِيهِا اضْطِرَابٌ».
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ: قُلْتُ لِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: إِنَّ يَزِيدَ بنِ
هَارُونَ رَوَى عَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَمَّتِهَا»، فقَالَ
يَحْيَى: «كُنَّا نَعْرِفُ حُسَيْنًا - يَعْنِي المُعَلِّمَ - بِهَذَا الحَدِيثِ
المُرْسَلِ»".
ونقل هذا ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (2/339) قال: "وقال أبو
جعفر العقيلي: ضعيف، مضطرب الحديث. حدثنا عبدالله بن أحمد: حدثنا أبو بكر بن خلاد:
سمعت يحيى بن سعيد - هو القطان - وذكر حسيناً المعلم، فقال: فيه
اضطراب".
وقال في «مقدمة الفتح» (1/398): "الحُسَيْن بن ذكْوَان المعلم
البَصْرِيّ: وَثَّقَهُ ابن معِين، وَالنَّسَائِيّ، وَأَبُو حَاتِم، وَأَبُو زرْعَة،
وَالعجلِي، وابن سعد، وَالبَزَّار، وَالدَّارَقُطْنِيّ. وقَالَ يحيى الْقطَّان:
فِيهِ اضْطِرَاب. قلت: لَعَلَّ الِاضْطِرَاب من الروَاة عَنهُ، فقد احْتج بِهِ
الْأَئِمَّة".
وقال في «التقريب» (ص: 166) (1320): "ثقة، ربما وَهِم".
وقد ردّ الذهبي على العقيلي، فقال في «تاريخ الإسلام» (3/847):
"وقَدْ أَوْرَدَهُ العُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِ «الضُّعَفَاءِ» بِلا
مُسْتَنَدٍ، فَقَالَ فِيهِ: مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بنُ
خَلادٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى الْقَطَّانَ، وَذَكَرَ أَحَادِيثَ حُسَيْنٍ
الْمُعَلِّمِ، فَقَالَ: فِيهِ اضْطِرَابٌ".
وقال في «سير أعلام النبلاء» (6/346): "وَقَدْ ذَكَرَهُ
العُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِ «الضُّعَفَاءِ» لَهُ، بِلاَ مُسْتَندٍ، وَقَالَ: هُوَ
مُضْطَرِبُ الحَدِيْثِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ خَلاَّدٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ
القَطَّانَ - وَذُكِرَ حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ - فَقَالَ: فِيْهِ اضْطِرَابٌ.
قُلْتُ: الرَّجُلُ ثِقَةٌ، وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ صَاحِبَا «الصَّحِيْحَيْنِ».
وذَكَرَ لَهُ العقِيْلِيُّ حَدِيْثاً وَاحِداً، تَفَرَّدَ
بِوَصْلِهِ، وَغَيْرُه مِنَ الحُفّاظِ أَرْسَلَه، فَكَانَ مَاذَا؟ فَلَيْسَ مِنْ
شَرطِ الثِّقَةِ أَنْ لاَ يَغلَطَ أَبَداً، فَقَدْ غَلطَ شُعْبَةُ وَمَالِكٌ،
وَنَاهِيْكَ بِهِمَا ثِقَةً، وَنُبلاً، وَحُسَيْنٌ المُعَلِّمُ مِمَّنْ وَثَّقَهُ
يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَمَنْ تَقدَّمَ مُطلَقاً، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ
الحَدِيْثِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -" انتهى كلامه.
وقال في «الميزان» (1/534): "ضعّفه العقيلي بلا حجة"، ثم
قال: "وثقه ابن معين، وأبو حاتم، وقال يحيى القطان - مرة: فيه اضطراب.
وذكر له العقيلي حديثاً واحداً غيره يرسله، فكان ماذا؟ فمن ذا الذي
ما غلط في أحاديث؟ أشعبة؟ أمالك؟".
واعترض مغلطاي على الذهبي في قوله إن العقيلي ضعفه بلا حجة! فقال
[كما في «التراجم الساقطة من كتاب إكمال تهذيب الكمال»] (ص: 144): "ولما ذكره
أبو العرب في جملة «الضعفاء» قال: (قال إسماعيل القاضي: حدّث يحيى بن سعيد عن حسين
بن ذكوان ولم يَكُ عنده بالقوي). وزعم بعض المصنفين من المتأخرين أن تضعيف العقيلي
للمعلّم بلا حجة، وما درى - غفر الله لنا وله- أنه ذكر حجته، وكذلك إسماعيل القاضي
فيما أسلفناه، فأي حجّة بعد هذا؟! والله أعلم" انتهى.
قلت: قد حدّث يحيى القطان عنه، فكيف يقول فيه: "مضطرب
الحديث"! فمن كان مضطرباً فلا يُحدّث عنه يحيى.
قال عباس بن محمد الدُّوري: قال يحيى بن مَعين: "حُسَين
المُعَلِّم، هو حُسَين بن ذَكوَان، يَروي عنه يحيى وغيره".
فهذا ابن معين يعتبر رواية يحيى القطان عنه.
وما بناه العقيلي وإسماعيل القاضي من تضعيف يحيى القطان له إنما
حصل نتيجة وقوع تحريف في الكلام الذي نُقل عن يحيى القطان!
جاء في المطبوع من «العلل ومعرفة الرجال» (3/219) (4949) قال
عبدالله بن أحمد: حَدَّثَنِي ابن خَلاَّد، قال: سمعت يَحْيَى يقول: "كان عبدالمَلِك
بن أَبِي سُلَيْمَان، أو حُسَيْن المُعَلِّم، فقال: فيه شيء، يقطع فوصله
ويوصل فَقَطعه، - وذكر حَبِيبًا، فقال: فيه اضطراب، وقدَّم ابن
جُرَيْجٍ في حديث عَطَاء".
كذا فيه: "عبدالملك بن أبي سليمان أو حسين المعلم" على
الشك!
والذي في المخطوط - وهي النسخة الوحيدة الموجودة على سقم في بعض
المواضع منها -: "كان عبدالملك بن أبي سليمان فيه شيء يقطع فوصَله، ويُوصل
مقطعه. وذكرَ حَبِيبَاً [أو حُسين المعلم، فقال فيها] فقال فيها اضطراب. وقدّم ابن
جريج في حديث عطاء".
فبعد قوله "حبيباً" إشارة تستخدم على وجود سقط، وكتب في
حاشية النسخة على اليمين [أو: حسين المعلم فقال فيها].
فكأنه في أصل النسخة التي نُسخت منها "وذكر
حبيباً" وهي واضحة ومضبوطة، ثم جاء ذلك على الشك "أو حسين
المعلم"! ويحتمل أنها توضيحية في النسخة لعدم التأكد من هو؟ وأنه "ذكر
حبيبا"، أو "حسين المعلم".
وما نقله العقيلي: "وذَكَرَ أَحَادِيثَ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ،
فَقَالَ: فِيهِا اضْطِرَابٌ".
فيحيى قد تكلّم على اثنين في هذا النص: عبدالملك بن أبي سليمان،
وحبيب المعلم أو حسين المعلم بحسب الاختلاف في ذلك.
فكأنه كان في بعض النسخ "وذكر حبيباً" أو "حسين
المعلم"، والذي أراه أنه "حبيب المعلم" تحرّف إلى "حسين
المعلم".
وما جاء في حاشية النسخة المخطوطة يدلّ على الشك في الاسم من قديم!
ولأن يحيى روى عن حسين المعلم ولم يتركه، ولم يُحدّث عن حبيب، فالأرجح أن كلامه
هنا على "حبيب المعلم" لا "حسين المعلم".
فلا وجود للشك الذي وضعه محقق النسخة المطبوعة وصي الله عباس، وقد
نقل العقيلي في «الضعفاء» (3/32) في ترجمة «عبدالملك بن أبي سليمان» قال: حَدَّثَنَا
عَبْدُاللَّهِ بنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ خَلَّادٍ قَالَ:
سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُولُ: "كَانَ عَبْدُالمَلِكِ بْنُ أَبِي
سُلَيْمَانَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَطَّعٌ يُوصِلُهُ، وَمُوصَلٌ يَقْطَعُهُ".
فبيّن يحيى أن عبدالملك بن أبي سليمان روى عن عطاء أحاديث مقطوعة
عن عطاء فرفعها، وروى أحاديث عنه موصولة فقطعها.
وهذا يؤكده ما قاله أبو داود في «سؤالاته لأحمد» (ص: 124) (358):
قُلْتُ لأَحْمَدَ: عَبْدالمَلِك بن أَبِي سُلَيْمَان؟ قَالَ: "ثِقَة".
قُلْتُ: يُخْطِيءُ؟ قَالَ: "نعم، وكان من أحفظ أهل الكُوْفَة،
إلا أنه رفع أحاديث عن عَطَاء".
قال صالح بن أحمد: قال أبي: "عبدالملك بن أبي سليمان من
الحفاظ إلا انه كان يخالف ابن جريج في إسناد أحاديث، وابن جريج أثبت منه عندنا".
ثم تكلّم يحيى القطان عن الآخر وقال بأن أحاديثه عن عطاء فيها
اضطراب، وقدّم ابن جريج عليهم في عطاء.
والآخر هو "حبيب المعلم" تحرّفت في النسخة التي اعتمدها
العقيلي، إلى "حسين المعلم"! فرسم "حبيب" و"حسين"
واحد! وهذا من أعجب التحريفات!
وحَبِيْبٌ المُعَلِّمُ ابنُ أَبِي قَرِيْبَةَ دِيْنَارٍ
البَصْرِيُّ، صاحب عطاء. وثقه ابن معين، وأحمد، وأبو زرعة. ولم يُحدّث عنه القطان.
قال عمرو بن علي الفلاس: "كان يحيى لا يُحدّث عن حبيب المعلم،
وكان عبدالرحمن يُحدّث عنه".
وهذا يؤيد أن يحيى كان يتكلّم على حبيب في النص السابق لا عن حسين.
وقد قال فيه النَّسَائِيُّ أيضاً: "ليْسَ بِالقَوِيِّ".
والنص الذي نُقل عن يحيى القطان فيه كلامه عن راويين يرويان عن
عطاء ويغلطان في حديثهما عنه، وتقديمه لابن جريج عليهما في عطاء. وحسين المعلم لا
يُعرف أنه يضطرب في حديثه أو يُخطئ على عطاء، وهذا يؤيد أن كلامه كان على حبيب
المعلم.
·
التحريف في النُّسخ!
والذي يظهر أن النسخة التي اعتمدها العقيلي (ت322هـ) من كتاب
عبدالله بن أحمد فيها هذا التحريف في الأصل، وكأن النص فيها:
[قال عَبْدُاللَّهِ بنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ
خَلَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُولُ: كَانَ عَبْدُالمَلِكِ بنُ أَبِي
سُلَيْمَانَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَطَّعٌ يُوصِلُهُ، وَمُوصَلٌ يَقْطَعُهُ. وَذَكَرَ
أَحَادِيثَ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ فَقَالَ: فِيها اضْطِرَابٌ".
فتحرّف "حبيب المعلم" إلى "حسين المعلم"!
والصواب أن تكون:
[قال عَبْدُاللَّهِ بنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ
خَلَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُولُ: كَانَ عَبْدُالمَلِكِ بنُ أَبِي
سُلَيْمَانَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَطَّعٌ يُوصِلُهُ، وَمُوصَلٌ يَقْطَعُهُ. وَذَكَرَ
أَحَادِيثَ حَبيبٍ المُعَلِّمِ فَقَالَ: فِيها اضْطِرَابٌ".
وفي المخطوطة:
[قال عبدالله بن أحمد: حَدَّثَنِي ابن خَلاَّد، قال: سمعت يَحْيَى
يقول: كان عبدالمَلِك بن أَبِي سُلَيْمَان فيه شيء، مُقَطَّعٌ
يُوصِلُهُ، وَمُوصَلٌ يَقْطَعُهُ، - وذكر حَبِيبًا، فقال: فيه
اضطراب، وقدَّم ابن جُرَيْجٍ في حديث عَطَاء].
وجاء هنا على الصواب في آخره "وذكر حبيباً".
وأما ما نقله أبو العرب عن إسماعيل القاضي (ت282هـ) فيحتمل أن
إسماعيل أخذ ذلك أيضاً من كتاب عبدالله (ت290هـ) - وهو تقريباً من أقرانه فإسماعيل
يكبُر عبدالله بـ (12) سنة -، أو أنه أخذه من كتاب آخر عن ابن خلاد الباهلي، وفيه
أيضاً هذا التحريف لشدة قرب الرسم بين "حسين" و"حبيب"، والله
أعلم.
والحاصل أن يحيى القطان لم يتكلم في حسين المعلم وهو قد روى عنه،
وإنما تكلّم في حديث حبيب المعلم، ولم يُحدّث عنه.
·
وهم للذهبي!
قال الذهبي في «المغني في الضعفاء» (1/148): "حبيب المعلم:
ثِقَة، هُوَ: ابْن ابي قريبَة. كَانَ يحيى القطَّان لَا يُحدِّث عَنهُ. قَالَ أحْمَد:
هُوَ وحسين المعلم فِي حَدِيثهمَا اضْطِرَاب".
قلت: أحمد لم يقل هذا فيهما، وإنما قال ذلك يحيى في حبيب وحده!
وكأنه كان في بعض النسخ عند الذهبي الكلام الذي نقله العقيلي عن عبدالله بن أحمد
عن ابن خلاد عن يحيى، وفيها: «حبيب المعلم»، وبعض النسخ: «حسين المعلم»، فجمع
الكلام عليهما هنا، ونسبه لأحمد ربما من حفظه - عفا الله عنه-.
وعليه فلا دخل هنا لحسين المعلم، ولم يتكلّم عليه يحيى القطان.
·
تعقّب غلط لبشار عواد!
والعجب من بعض المعاصرين ممن تقحموا هذا العلم كيف يعلّقون على
كلام أهل العلم دون تحقيق!
نقل د. بشار عواد في تحقيقه لكتاب المزي «تهذيب الكمال» (6/374)
كلام العقيلي في «حسين المعلم» وما نسبه ليحيى القطان، ثم رد الذهبي، وكلام ابن
حجر في أن الاضطراب ربما يكون من الرواة عنه، ثم قال: "اعتذار الحافظ ابن حجر
غير جيد، وتعليله ضعيف؛ ذلك أن الذي ذكر الاضطراب في حديثه هو يحيى بن سَعِيد
القطان، وهو ممن روى عنه، فالمعقول أن يحيى القطان إنما يذكر ذلك من معرفته هو، لا
من الرواة الآخرين الذين رووا عن حسين المعلم. وواضح أن العقيلي نقل عبارة يحيى بن
سَعِيد.
أما قول الذهبي في «السير»: «ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء بلا
مستند»، وقوله في «الميزان»: «وضعفه العقيلي بلا حجة»، ففيه نظر أيضاً، لأن كلام
يحيى بن سَعِيد حجة له، على أن اعتذاره عنه من أن الغلط في الحديث الواحد لا يدفع
عنه التوثيق جَيّد، ويلاحظ أن البخاري ومسلماً والنَّسَائي وأبا داود أخرجوا لحسين
المعلم من رواية يَحْيَى بْن سَعِيد الْقَطَّان، عَنْهُ" انتهى.
قلت: كان ينبغي لهذا المحقق أن يحقق النصوص قبل الخوض في كلام أهل
العلم ووصفه بالضعيف ونحو ذلك!
وقول الذهبي في تعقبه للعقيلي بأنه ضعفه بلا حجة فيه وجاهة؛ لأن
العقيلي قال فيه: "ضعيف، مضطرب الحديث"، ثم ذكر كلام القطان وذكر
أحاديثه "فيه اضطراب"! وهذا لا يعني الضعف المطلق الذي نسبه له العقيلي
مع اتفاق الأئمة على توثيقه، وتخريج الشيخين له.
ولهذا حاول ابن حجر الاعتذار لهذا القول الذي ظنّوا أنه قاله يحيى
فيه!
وقد تبيّن لنا بحمد الله وكرمه أن يحيى لم يتكلم فيه، وإنما في
حبيب المعلم، وإنما حصل تحريف في النصّ الذي نقلوه عنه.
·
تخريج البخاري ليحيى القطان عن
حسين المُعلّم:
خرّج البخاري ليحيى القطان عن حسين المعلم حديثاً واحداً في «صحيحه»،
كتاب الإيمان (1/12) (13) قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى،
عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ
لِنَفْسِهِ».
قلت: وهذا موصول بالإسناد نفسه، وليس معلقاً.
قال ابن حجر في «الفتح» (1/57): "(وَعَنْ حُسَيْنٍ
الْمُعَلِّمِ) هُوَ: ابن ذَكْوَانَ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى شُعْبَةَ،
فَالتَّقْدِيرُ عَنْ شُعْبَةَ وَحُسَيْنٍ كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، وَإِنَّمَا
لَمْ يَجْمَعْهُمَا؛ لِأَنَّ شَيْخَهُ أَفْرَدَهُمَا، فَأَوْرَدَهُ المُصَنِّفُ
مَعْطُوفًا اخْتِصَارًا؛ وَلِأَنَّ شُعْبَةَ قَالَ: عَنْ قَتَادَةَ، وَقَالَ
حُسَيْنُ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ. وَأَغْرَبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَزَعَمَ
أَن طَرِيقُ حُسَيْنٍ مُعَلَّقَةٌ وَهُوَ غَلَطٌ، فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ
فِي المُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ عَنْ مُسَدَّدٍ شَيْخِ
المُصَنِّفِ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، وَأَبْدَى الْكِرْمَانِيُّ
كَعَادَتِهِ بِحَسَبِ التَّجْوِيزِ الْعَقْلِيِّ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيقًا أَوْ
مَعْطُوفًا عَلَى قَتَادَةَ، فَيَكُونُ شُعْبَةُ رَوَاهُ عَنْ حُسَيْنٍ عَنْ
قَتَادَةَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَنْفِرُ عَنْهُ مَنْ مَارَسَ شَيْئًا مِنْ
عِلْمِ الْإِسْنَادِ، وَاللَّهُ المُسْتَعَانُ".
وقد رواه مسلم في «صحيحه» (1/68) (45): وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ
حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ - أَوْ قَالَ:
لِأَخِيهِ - مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».
وعدّه المزي موصولاً بالإسناد السابق، فقال في «تحفة الأشراف» (1/303)
(1153): "(خ) في الإيمان (7) عن مسدّد. م فيه (الإيمان 19: 2) عن زهير بن حرب،
كلاهما عن يحيى بن سعيد.
·
كيفية تخريج البخاري حديث حبيب
المعلّم عن عطاء:
روى البخاري في «صحيحه» لحبيب المعلم عن عطاء حديثين تابعه عليهما
ابن جُريج وغيره:
الحديث الأول: قال في كتاب الحج، بَاب: تَقْضِي الحَائِضُ المَنَاسِكَ كُلَّهَا
إِلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، وَإِذَا سَعَى عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ بَيْنَ
الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، (2/159) (1651): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قال:
حَدَّثَنَا عَبْدُالوَهَّابِ، قَالَ: [ح].
وقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا عَبْدُالوَهَّابِ، قال: حَدَّثَنَا
حَبِيبٌ المُعَلِّمُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَهَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالحَجِّ، وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ
غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَلْحَةَ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ
مِنَ اليَمَنِ وَمَعَهُ هَدْيٌ، فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، وَيَطُوفُوا ثُمَّ
يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الهَدْيُ، فَقَالُوا:
نَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا
اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِي الهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ»،
وَحَاضَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَنَسَكَتْ المَنَاسِكَ كُلَّهَا،
غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ،
قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَنْطَلِقُونَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَنْطَلِقُ
بِحَجٍّ؟ فَأَمَرَ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا
إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الحَجِّ.
ورواه أيضاً في أبواب العمرة، بَاب عُمْرَةِ التَّنْعِيمِ، (3/4) (1785)
قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُالوَهَّابِ بْنُ
عَبْدِالمَجِيدِ، عَنْ حَبِيبٍ المُعَلِّمِ، عَنْ عَطَاءٍ، قال: حَدَّثَنِي
جَابِرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ وَأَصْحَابُهُ بِالحَجِّ، وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ
مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَطَلْحَةَ،
وَكَانَ عَلِيٌّ قَدِمَ مِنَ اليَمَنِ وَمَعَهُ الهَدْيُ، فَقَالَ: أَهْلَلْتُ
بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِأَصْحَابِهِ أَنْ
يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ، ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا
إِلَّا مَنْ مَعَهُ الهَدْيُ، فَقَالُوا: نَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ
أَحَدِنَا يَقْطُرُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: «لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ،
وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِي الهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ»، وَأَنَّ عَائِشَةَ حَاضَتْ،
فَنَسَكَتْ المَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ، قَالَ:
فَلَمَّا طَهُرَتْ وَطَافَتْ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَنْطَلِقُونَ
بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَنْطَلِقُ بِالحَجِّ؟ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ
أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ
الحَجِّ فِي ذِي الحَجَّةِ. وَأَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ لَقِيَ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالعَقَبَةِ، وَهُوَ
يَرْمِيهَا، فَقَالَ: أَلَكُمْ هَذِهِ خَاصَّةً يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لاَ،
بَلْ لِلْأَبَدِ».
ورواه أيضاً في كِتَاب التَّمَنِّي، بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ»، (9/83)
(7230) قال: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عُمَرَ، قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ - هو:
ابن زُريع-، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،
قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَبَّيْنَا
بِالحَجِّ، وَقَدِمْنَا مَكَّةَ لِأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ،
فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَطُوفَ بِالْبَيْتِ
وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَأَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً وَنَحِلَّ، إِلَّا مَنْ
كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدٍ مِنَّا هَدْيٌ غَيْرَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَلْحَةَ، وَجَاءَ عَلِيٌّ مِنَ
اليَمَنِ مَعَهُ الهَدْيُ، فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: نَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى،
وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا
أَهْدَيْتُ، وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِي الهَدْيَ لَحَلَلْتُ»، قَالَ: وَلَقِيَهُ
سُرَاقَةُ وَهُوَ يَرْمِي جَمْرَةَ العَقَبَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَلَنَا هَذِهِ خَاصَّةً؟ قَالَ: «لاَ، بَلْ لِأَبَدٍ»، قَالَ: وَكَانَتْ
عَائِشَةُ قَدِمَتْ مَعَهُ مَكَّةَ وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَنْسُكَ المَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ أَنَّهَا
لاَ تَطُوفُ، وَلاَ تُصَلِّي، حَتَّى تَطْهُرَ، فَلَمَّا نَزَلُوا البَطْحَاءَ،
قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَنْطَلِقُونَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ،
وَأَنْطَلِقُ بِحَجَّةٍ؟ قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ أَنْ يَنْطَلِقَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرَتْ عُمْرَةً
فِي ذِي الحَجَّةِ بَعْدَ أَيَّامِ الحَجِّ.
ورواه البخاري أيضاً من حديث ابن جُريج عن عطاء.
رواه في كِتَاب الشَّرِكَةِ، بَاب الِاشْتِرَاكِ فِي الهَدْيِ
وَالبُدْنِ، وَإِذَا أَشْرَكَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي هَدْيِهِ بَعْدَ مَا
أَهْدَى، (3/141) (2505) قال: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قال: حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُالمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ
عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ. وَعَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ، قَالاَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَصْحَابُهُ صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الحِجَّةِ مُهِلِّينَ بِالحَجِّ، لاَ
يَخْلِطُهُمْ شَيْءٌ، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا، فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً
وَأَنْ نَحِلَّ إِلَى نِسَائِنَا، فَفَشَتْ فِي ذَلِكَ القَالَةُ قَالَ عَطَاءٌ:
فَقَالَ جَابِرٌ: فَيَرُوحُ أَحَدُنَا إِلَى مِنًى، وَذَكَرُهُ يَقْطُرُ مَنِيًّا،
فَقَالَ جَابِرٌ بِكَفِّهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَامَ خَطِيبًا، فَقَالَ: «بَلَغَنِي أَنَّ أَقْوَامًا يَقُولُونَ
كَذَا وَكَذَا، وَاللَّهِ لَأَنَا أَبَرُّ وَأَتْقَى لِلَّهِ مِنْهُمْ، وَلَوْ
أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلاَ
أَنَّ مَعِي الهَدْيَ لأَحْلَلْتُ» فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ،
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هِيَ لَنَا أَوْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ: «لاَ، بَلْ
لِلْأَبَدِ» قَالَ: وَجَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا:
يَقُولُ لَبَّيْكَ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَقَالَ: وَقَالَ الآخَرُ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ، وَأَشْرَكَهُ فِي الهَدْيِ.
وقد رواه مَعْقِل بن عُبَيْدِاللهِ الجزري، والرَّبِيعُ بنُ
صُبَيْحٍ، وإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، والْأَوْزَاعِيُّ، كلهم عن عطاء بن أبي
رباح، بمثل حديث حبيب المعلم بطوله، إلا إسماعيل لم يذكر قصة سراقة. [انظر: المعجم
الكبير للطبراني (7/122-127) (6569)، و(6570)، و(6583)].
الحديث الثاني: قال في كتاب الحج، بَاب حَجِّ النِّسَاءِ، (3/19) (1863):
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قال: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قال: أَخْبَرَنَا حَبِيبٌ
المُعَلِّمُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
حَجَّتِهِ قَالَ لِأُمِّ سِنَانٍ الأَنْصَارِيَّةِ: «مَا مَنَعَكِ مِنَ الحَجِّ؟»،
قَالَتْ: أَبُو فُلاَنٍ، تَعْنِي زَوْجَهَا، كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ حَجَّ عَلَى
أَحَدِهِمَا، وَالآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لَنَا، قَالَ: «فَإِنَّ عُمْرَةً فِي
رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي».
قال البخاري: "رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ،
سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ
عُبَيْدُاللَّهِ، عَنْ عَبْدِالكَرِيمِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وأخرجه مسلمٌ في «صحيحه» (2/917) (1256) قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ
جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ،
يُحَدِّثُنَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لِامْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ سَمَّاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ فَنَسِيتُ اسْمَهَا «مَا
مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟» قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلَّا نَاضِحَانِ
فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا
نَنْضِحُ عَلَيْهِ، قَالَ: «فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ
عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً».
قال: وحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، قال: حَدَّثَنَا
يَزِيدُ - يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ-، قال: حَدَّثَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ
عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: لِامْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهَا أُمُّ سِنَانٍ «مَا مَنَعَكِ
أَنْ تَكُونِي حَجَجْتِ مَعَنَا؟» قَالَتْ: نَاضِحَانِ كَانَا لِأَبِي فُلَانٍ -
زَوْجِهَا - حَجَّ هُوَ وَابْنُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَكَانَ الْآخَرُ يَسْقِي
عَلَيْهِ غُلَامُنَا، قَالَ: «فَعُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ
حَجَّةً مَعِي».
·
خلاصة وفوائد:
1- اتفق الأئمة على توثيق «حُسَيْن بن ذَكْوَانَ المُعَلِّم البصري»
إلا ما نقله العقيلي عن يحيى القطان من كتاب عبدالله بن أحمد، عن أبي بكر بن خلاد
الباهلي قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى - وذَكَرَ أَحَادِيثَ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ،
فَقَالَ: «فِيهِا اضْطِرَابٌ». وعليه قال العقيلي فيه: "ضَعِيفٌ، مُضْطَرِبُ
الحَدِيثِ".
ونقل أهل العلم هذا عن العقيلي، ورده الذهبي بأنه تكلم فيه بلا
حجة! وحاول ابن حجر الاعتذار لحسين بأن الاضطراب ربما يكون من الرواة عنه؛ لأن
الأئمة احتجوا بحديثه.
وغمز مغلطاي الذهبي في رده على العقيلي، ونقل عن أبي العرب أنه لما
ذكره في جملة «الضعفاء» قال: "قال إسماعيل القاضي: حدّث يحيى بن سعيد عن حسين
بن ذكوان ولم يَكُ عنده بالقوي"!
2- يحيى القطان لم يتكلم في "حسين المعلم"، وإنما كلامه
كان عن "حبيب المعلم"، وقد حصل تحريف في النسخ! تحرف "حبيب"
إلى "حسين" لأن رسمهما واحد.
وفي النسخة المخطوطة من كتاب عبدالله بن أحمد:
[قال عبدالله بن أحمد: حَدَّثَنِي ابن خَلاَّد، قال: سمعت يَحْيَى
يقول: كان عبدالمَلِك بن أَبِي سُلَيْمَان فيه شيء، مُقَطَّعٌ
يُوصِلُهُ، وَمُوصَلٌ يَقْطَعُهُ، - وذكر حَبِيبًا، فقال: فيه
اضطراب، وقدَّم ابن جُرَيْجٍ في حديث عَطَاء].
وجاء ذكر "أو حسين المعلم" على هامش النسخة عند قوله:
"وذكر حبيبا"، وهذا يدل إما على أنه كان هناك شك من قديم فيمن تكلم فيه
يحيى، أو أن بعضهم وضعها هكذا للشك!
والصواب أنه "حبيب المعلم"، ويؤيده أن يحيى القطان لم
يكن يُحدّث عن حبيب المعلم، وكان يحدث عن حسين المعلم. وقد ضعّف النسائي حبيب
المعلم أيضاً.
3- لا يُعرف أن حسين المعلم كان يضطرب في حديثه، ولا يغلط في حديثه
عن عطاء! وإنما الذي يغلط في حديثه عن عطاء من ذكرهما في النص، وهما: عبدالملك بن
أبي سليمان، وحبيب المعلم، وقدّم عليهما ابن جريج في عطاء.
4- ما نقله أبو العرب عن إسماعيل القاضي من نقله عن يحيى كلامه في
حسين المعلم، إما أن يكون أخذه من كتاب عبدالله بن أحمد، أو من كتاب غيره، وهو
محرّف أيضاً، فكلام يحيى فيمن لم يكن يُحدّث عنه وهو حبيب المعلم.
5- نَسب الذهبي إلى أحمد أنه قال في "حسين المعلم"،
و"حبيب المعلم": "في حديثهما اضطراب"! وقد وهم في ذلك! وكأنه
علّق ذلك من حفظه! فالذي نقل ذلك عبدالله بن أحمد في كتابه عن يحيى القطان في واحد
منهما لا في كليهما، والصواب أن كلامه في حبيب المعلم.
6- خرّج البخاري في «صحيحه» حديثاً واحداً عن يحيى القطان عن حسين
المعلم. وأحاديث أخرى لحسين من رواية غير القطان.
7- روى البخاري في «صحيحه» لحبيب المعلّم عن عطاء حديثين تابعه
عليهما ابن جُريج وغيره.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
وكتب: د. خالد الحايك.
12 رمضان 1441هـ.
شاركنا تعليقك