«القَوْلُ القَائِم» فِي بَيَان علّة حديث «أَجر مُفَطِّرِ
الصَّائِم»!
سُئلت عن حديث: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ
أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا»؟
وكنت أجبت عنه إجابة مختصرة قبل سنوات بأن هذا الحديث معلول لا يصح
لانقطاع فيه، والمحفوظ عن صحابي الحديث بلفظ هذا ليس منه.
وتفصيل ذلك:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وعلى
آله وصحبه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين، وبعد:
فهذا الحديث رواه عطاءُ بن أبي رباح، عَنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ورواه عن عطاء: عبدالملك بن أبي سليمان، ومُحَمَّد بن عَبْدِالرَّحْمَنِ
بن أَبِي لَيْلَى، وحجّاج بن أرطأة، ومَعْقِلُ بنُ عُبَيْدِاللهِ الجزري، وعُمَرُ
بنُ قَيْسٍ سَنْدَلٌ، وابنه يَعْقُوب بن عَطَاءٍ، وحسين بن ذَكوان المُعلِّم.
·
رواية عَبْدالمَلِكِ بن أَبِي
سُلَيْمَانَ العَرْزَميّ، عَنْ عَطَاء بنِ أبي رَباحٍ:
أما حديث عبدالملك بن أبي سليمان:
فرواه أحمد في «مسنده» (28/261) (17033)، والدارمي في «سننه» (2/1062)
(1744)، وعبدُ بن حُميد في «مسنده» [كما في «المنتخب منه» (1/231) (276)]. وإسحاق
بن راهويه في «مسنده» (3/21) (2719). وابن ماجه في «سننه» (2/633) (1746) عن علي
بن محمَّد الطنافسي. خمستهم (أحمد، والدارمي، وعبد بن حميد، وابن راهويه، وعلي بن
محمد) عن يَعْلَى بن عُبَيْدٍ الطنافسيّ.
وأحمد أيضاً في «مسنده» (28/278) (17044). والطبراني في «المعجم
الكبير» (5/256) (5272) عن عُمَر بن حَفْصٍ السَّدُوسِيّ، عن عَاصِم بن عَلِيٍّ.
كلاهما (أحمد، وعاصم) عن إِسْحَاق بن يُوسُفَ الْأَزْرَق.
وإسحاق بن راهويه في «مسنده» (3/21) (2718) عن عبدالله بن رجاء
المكيّ.
وأحمد في «مسنده» (36/10) (21676). والبزار في «مسنده» (9/232)
(3775) عن عمرو بن عليّ الفلاّس. وابن حبان في «صحيحه» (8/216) (3429) عن الفَضْل
بن الحُبَابِ، عن مُسَدَّد بن مُسَرْهَدٍ. ثلاثتهم (أحمد، والفلاس، ومُسدد) عن يَحْيَى
بن سَعِيدٍ القطان.
والترمذي في «جامعه» (2/163) (807) عن هَنَّاد بن السّري، عن عَبْدالرَّحِيمِ
بن سُلَيْمَانَ الكناني المروزي.
والنسائي في «السنن الكبرى» (3/375) (3317) عن عَلِيّ بن الحُسَيْنِ
الدرهميّ، عن خَالِد بن الحارث بن عُبيد الهُجَيْمِيّ.
والطبراني في «المعجم الكبير» (5/256) (5273) عن أَحْمَد بن
دَاوُدَ المَكِّيّ، عن ابن عَائِشَةَ، وعَبْداللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ أَسْمَاءَ، كلاهما
عن عَبْداللهِ بن المُبَارَكِ.
و(5274) عن الحُسَيْن بن إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيّ، عن عُثْمَان بن
أَبِي شَيْبَةَ، عن جَرِير بن عبدالحميد، وعَبْدالرَّحِيمِ بن سُلَيْمَانَ.
وابن خزيمة في «صحيحه» (2/992) (2064) عن عَلِي بن المُنْذِرِ، عن مُحمد
بن فُضَيْلٍ.
والبيهقي في «شُعب الإيمان» (5/427) (3666)، وفي «السنن الكبرى» (4/404)
(8137) من طريق حُسَيْن الجُعْفِيّ، عَنْ زَائِدَة بن قُدامة.
وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (54/129) من طريق الحسن بن محمد بن
الصباح الزعفراني، عن أسباط بن محمّد الكوفيّ.
كلهم (يعلى، وإسحاق، وابن رجاء، والقطان، وعبدالرحيم، وخالد، وابن
المبارك، وجرير، وابن فُضيل، وزائدة، وأسباط) عن عَبْدالمَلِكِ بن أَبِي
سُلَيْمَانَ العَرْزَميّ، عَنْ عَطَاء بنِ أبي رَباحٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ
الْجُهَنِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ
فَطَّرَ صَائِمًا كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا ينقص من أجر
الصائم شيئاً، وَمَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ خَلَفَ فِي
أَهْلِهِ؛ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ
الغازي شيء».
وبعضهم اقتصر على ما يتعلق بتفطير الصائم فقط.
وعبدالملك بن أبي سليمان صدوق إلا أنهم أخذوا عليه أنه كان يرفع
الأحاديث المرسلة ويوصل المنقطع!
قال أبو داود: قُلْتُ لأَحْمَدَ: عَبْدالْمَلِك بن أَبِي
سُلَيْمَان؟ قَالَ: ثِقَة.
قُلْتُ: يُخْطِيءُ؟ قَالَ: نعم، وكان من أحفظ أهل الْكُوْفَة، إلا
أنه رفع أحاديث عن عَطَاء.
قلت: وقد أنكروا له أحاديث عن عطاء تفرد ببعضها، وخالف ابن جريج في
بعضها، وابن جُريج أثبت منه وأوثق.
·
رواية ابن أَبِي لَيْلَى، عَنْ
عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ:
وأما حديث ابن أبي ليلى:
فرواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (10/365) (19904). وإسحاق بن راهويه
في «مسنده» (3/21) (2720). وابن ماجه في «سننه» (2/632) (1746) عن عَلِيّ بن
مُحَمَّدٍ الطنافسيّ. كلهم (ابن أبي شيبة، وابن راهويه، وعلي بن محمد) عن وَكِيع
بن الجرّاح.
وعَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (4/311) (7905) عن جَعْفَرِ بنِ
سُلَيْمَانَ الضُّبَعيّ. [ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (5/256) (5269)
من طريق عَبْدِالرَّزَّاقِ. ووقع في المطبوع: «عَنِ ابنِ أَبِي ذِئْبٍ»! وهو خطأ.
ووهم شعيب الأرنؤوط في تعليقه على «مسند أحمد» (28/262) بقوله: "والطبراني
أيضاً (5269) من طريق ابن أبي ذئب"!].
والنسائي في «السنن الكبرى» (3/375) (3316) عن إِسْمَاعِيل بن
مَسْعُودٍ. ابن خزيمة في «صحيحه» (2/992) (2064) عن مُحَمَّد بن عَبْدالْأَعْلَى
الصَّنْعَانِيّ. والطبراني في «المعجم الكبير» (5/255) (5268) من طريق مُحَمَّد بن
المِنْهَالِ. كلهم (إسماعيل، والصنعاني، وابن المنهال) عن يَزِيد بن زُرَيْعٍ.
والطبراني في «المعجم الكبير» (5/255) (5267) عن يُوسُف القَاضِي. والبيهقي في «السنن
الكبرى» (4/404) (8139) من طريق عُثْمَان بن عُمَرَ الضَّبِّيّ. كلاهما (يوسف،
وعثمان) عن محمد بن كَثِيرٍ. كلاهما (ابن زُريع، وابن كثير) عن سُفْيَان الثوري.
والطبراني في «المعجم الكبير» (5/256) (5268) عن أَبي مُسْلِمٍ
الكَشِّيّ، عن مُحَمَّد بن المِنْهَالِ، عن يَزِيد بن زُرَيْعٍ، عَنْ رَوْحِ
بنِ القَاسِمِ.
والطبراني في «المعجم الكبير» (5/256) (5270) عن مُعَاذ بن المُثَنَّى.
والبيهقي في «شعب الإيمان» (6/27) (3827) من طريق عُثْمَان بن عُمَرَ. كلاهما
(معاذ، وعثمان) عن مُسَدَّد، عن أَبي عَوَانَةَ الوضّاح اليشكريّ.
والطبراني في «المعجم الكبير» (5/256) (5271) عن عُمَر بن حَفْصٍ
السَّدُوسِيّ، عن عَاصِم بن عَلِيٍّ، عن أبيه عَلِيّ بن عَاصِمٍ الواسطيّ.
كلهم (وكيع، وجعفر، والثوري، وروح، وأبو عوانة، وعلي بن عاصم) عن مُحَمَّدِ
بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بن أَبِي لَيْلَى الأنصاري الكوفي، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ
زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا، أَوْ جَهَّزَ غَازِيًا، أَوْ حَاجًّا
أَوْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ، كَانَ لَهُ مِثْلُ أُجُورِهِمْ مِنْ غَيْرِ
أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا».
ولفظ جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا، أَطْعَمَهُ
وَسَقَاهُ، كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ
أَجْرِهِ شَيْءٌ».
زاد فيه محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي: «أو
حاجّاً» وهو ليس بقوي، سيئ الحفظ.
·
وهمٌ لمُؤَمَّل بن إِسْمَاعِيل!
المَحْفُوظُ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء،
عن زيد، ورَوَاهُ مُؤَمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الثَّوْرِيِّ فَخَالَفَ الجَمَاعَةَ
فِي إِسْنَادِهِ.
رواه البيهقي في «السنن الكبرى» (4/404) (8140)، وفي «شعب الإيمان»
(5/428) (3667) عن أَبي عَبْدِاللهِ الحاكم الحَافِظ، وأَبي بَكْرٍ أَحْمَد بن
الحَسَنِ القَاضِي، وَأَبي زَكَرِيَّا بن أَبِي إِسْحَاقَ.
والبغوي في «شرح السنة» (6/377) (1819) من طريق أَبي القَاسِمِ
عَبْدالرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدٍ السَّرَّاج.
كلهم عن أَبي العَبَّاسِ مُحَمَّد بن يَعْقُوبَ الأَصَمّ، عن حُمَيْد
بن عَيَّاشٍ الرَّمْلِيّ، عن مُؤَمَّل بن إِسْمَاعِيلَ، عن الثوري، عَنِ ابْنِ
جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا أَوْ جَهَّزَ
غَازِيًا، فَلَهُ مِثْلُ أجْرِهِ».
قال البغوي: "صَحِيحٌ".
قلت: كيف يكون صحيحاً وقد خالف مؤمل فيه أصحاب الثوري! ومؤمل سيء
الحفظ، أخطأ فيه، فجعله عن الثوري عن ابن جريج! ولا مدخل لابن جريج فيه، وإنما هو
عن ابن أبي ليلى.
·
رواية أخرى عن ابن جُريج!
وروى الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (20/258)، وفي «تاريخ الإسلام»
(11/494) من طريق يَحْيَى بن مُحَمَّدٍ بن صاعد، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالجَبَّارِ
بنُ العَلاَءِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ
زَيْدِ بنِ خَالِدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِياً أَوْ حَاجّاً أَوْ مُعْتَمِراً أَوْ خَلَفَهُ
فِي أَهْلِهِ، فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ».
قال الدارقطني في «الغرائب والأفراد» [كما في «الأطراف» (3/78) (2091)]:
"تفرد بِهِ عبدالجَبَّار بن العَلَاء، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن ابْن
جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن أبي ليلى عَن عَطاء. وعَن عَطاء عَن أَبِيه".
قلت: وهذه الرواية وإن لم يكن فيها ذكر تفطير الصائم إلا أن هذا
جزء هو من حديث ابن أبي ليلى عن عطاء.
وعبدالجبار صدوق وكان جيد الأخذ عن ابن عيينة إلا أنه انشغل
بالتجارة بعد فدخل عليه الخطأ فيما يرويه.
قال الدَّارَقُطْنِيّ: قال سلمة بن شبيب قال لي أحمد بن حنبل ما
فعل ابن العلاء عبدالجبار؟ فقلت: "اشتغل بالتجارة عن الحديث، فقال: أحمد بن
حنبل قد كنت أراه عند سفيان بن عيينة حسن الأخذ".
وقد خالفه الحميدي في إسناده.
رواه الحُمَيْدِيُّ في «مسنده» (2/63) (837) قَالَ: حدثنا سُفْيَانُ،
قَالَ: حدثنا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ زَيْدِ
بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا أَوْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ، فَقَدْ غَزَا».
ومما أخطأ فيه عبدالجبار عن ابن عيينة ما أشار إليه الحافظ ابن
عمار الشهيد في «علل الأحاديث في صحيح مسلم» (ص: 94) (18) قال: وَوجدت فِيهِ عَن
عبدالجَبَّار بن العَلَاء، عَن سُفْيَان، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي عبيد قَالَ: شهِدت
الْعِيد مَعَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قبل
الْخطْبَة وَقَالَ: «إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَانَا أَن
نَأْكُل من لُحُوم نسكنا بعد ثَلَاث».
قالَ أَبُو الفضل ابن عمّار الشهيد: "وَرفع هَذَا الحَدِيث
عِنْدِي غير مَحْفُوظ فِي حَدِيث ابْن عُيَيْنَة".
·
رواية حَجّاج بن أَرطأة، عَنْ
عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ:
وأما حديث حجاج بن أرطأة:
فرواه سعيد بن منصور في «سننه» (2/129) (2328). وابن ماجه في «سننه»
(2/632) (1746) عن علي بن محمد الطنافسي. كلاهما (سعيد، وعلي) عن أَبي مُعَاوِيَةَ
الضرير، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَهَّزَ حَاجًّا
أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ غَازِيًا، أَوْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ، أَوْ
فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أُجُورِهِمْ».
زاد فيه حجّاج: «حاجاً أو معتمراً»، وحجاج ليس بقوي، كثير الخطأ!
·
رواية مَعْقِل بن عُبَيْدِاللهِ،
عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ:
وأما حديث مَعقل بن عبيدالله:
فرواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (2/7) (1048) عن أَحْمَد بن
عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عِقَالٍ الحَرَّانِيّ.
وابن بشران في «أماليه» (267) عن أَبي بَكْرٍ مُحَمَّد بن الحُسَيْنِ
بنِ عَبْدِاللَّهِ الْآجُرِّيّ. والقضاعي في «مسند الشهاب» (1/241) (382) من طريق عَبْداللَّهِ
بن عَبْدِالرَّحْمَنِ الزُّهْرِيّ. والبيهقي في «السنن الكبرى» (4/404) (8138) من
طريق أَحْمَد بن عُبَيْدٍ الصَّفَّار. ثلاثتهم عن جَعْفَر بن مُحَمَّدٍ
الفِرْيَابِيّ.
كلاهما (ابن عِقال، والفريابي) عن أَبي جَعْفَرٍ عَبْداللهِ بن
مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ نُفَيْلِ النُّفَيْلِيّ.
ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (5/257) (5275) عن أَحْمَد بن
النَّضْرِ العَسْكَرِيّ، عن سَعِيد بن حَفْصٍ النُّفَيْلِيّ.
كلاهما (أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ حَفْصٍ
النُّفَيْلِيُّ) عن مَعْقِل بن عُبَيْدِاللهِ الجَزَرِيّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي
رَبَاحٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ
أَجْرِهِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ، وَمَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي
سَبِيلِ اللهِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ».
وفي رواية الطبراني من حديث سعيد بن حفص: "مَعْقِل بن
عُبَيْدِاللهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَعِكْرِمَةَ"! فقرن عكرمة
مع عطاء! وهذا وهم! فعكرمة لم يروه عن زيد بن خالد. وأبو جعفر النفيلي أحفظ من
خاله سعيد بن حفص النفيلي، وكان سعيد قد كبر ولزم البيت، وتغير في آخر عمره.
ومعقل بن عبيدالله الجزري صدوق يُخطئ.
وثقه أحمد مرة، وقال مرة: "صالح الحديث".
ووثقه ابن معين مرة، وقال مرة: "ليس به بأس"، وضعفه مرة.
وقال النسائي: "لا بأس به"، وقال مرة: "صالح".
وذكره ابن حبان في «الثقات» وقال: "وَكَانَ يخطئ لم يفحش خطؤه
فَيسْتَحق التّرْك، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك مِنْهُ على حسب مَا لَا يَنْفَكّ
مِنْهُ البشر، وَلَو ترك حَدِيث من أَخطَأ من غير أَن يفحش ذَلِك مِنْهُ لوَجَبَ
ترك حَدِيث كل مُحدث فِي الدُّنْيَا؛ لأَنهم كَانُوا يخطؤون وَلم يَكُونُوا
بمعصومين، بل يحْتَج بِخَبَر من يخطئ مَا لم يفحش ذَلِك مِنْهُ، فَإِذا فحش حَتَّى
غلب على صَوَابه ترك حِينَئِذٍ، وَمَتى مَا علم الْخَطَأ بِعَيْنِه وَأَنه خَالف
فِيهِ الثِّقَات ترك ذَلِك الحَدِيث بِعَيْنِه، وَاحْتج بِمَا سواهُ هَذَا حكم
الْمُحدثين الَّذين كَانُوا يخطؤن وَلم يفحش ذَلِك مِنْهُم".
وقال في «المشاهير»: "ربما وهم".
وفي كتاب «الكنى» للنسائي: حدثنا محمد بن معدان، قال: سمعت أبا
جعفر النفيلي يقول: "معقل بن عبيدالله: ضعيف".
·
رواية عُمَر بن قَيْسٍ، عَنْ
عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ:
وأما حديث عمر بن قيس:
فرواه ابن قانع في «معجم الصحابة» (1/224) عن إِسْحَاق بن الحَسَنِ
الحَرْبِيّ.
والقطيعي في «جزء الألف دينار» (94) عن بِشر بن موسى الأسدي.
والطبراني في «المعجم الكبير» (5/257) (5276) عن بِشْر بن مُوسَى،
وَمُحَمَّد بن العَبَّاسِ المُؤَدِّب.
كلهم ( الحربي، والأسدي، والمؤدب) عن هَوْذَة بن خَلِيفَةَ
البكراوي البصري، عن عُمَر بن قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا
فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ
الْغَازِي مِنْ غَيْرِ أَنَّ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ، وَمَنْ فَطَّرَ
صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ».
وعمر بن قيس المكي: ضعيف الحديث، متروك الحديث، منكر الحديث.
·
رواية يَعْقُوب بن عَطَاء، عَنْ أبيه
عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ:
وأما حديث يَعْقُوب بن عَطَاءٍ:
فرواه الطبراني في «المعجم الكبير» (5/257) (5277) عن عَبْداللهِ
بن أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عن سُرَيْج بن يُونُسَ.
ورواه في «المعجم الأوسط» (7/351) (7700)، و«المعجم الصغير» (2/89)
(836) عن مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ بنِ إِسْمَاعِيلَ البَغْدَادِيّ، عن مَنْصُور بن
أَبِي مُزَاحِمٍ.
كلاهما (سُريج، ومنصور) عن أَبي إِسْمَاعِيلَ المُؤَدِّبُ إبراهيم
بن سليمان، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ
الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا، أَوْ فَطَّرَ صَائِمًا، أَوْ جَهَّزَ حَاجًّا كَانَ لَهُ
مِثْلُ أَجْرِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا».
قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ
إِلَّا أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبُ".
قلت: أبو إسماعيل صدوق، ويعقوب ليس بالمتين، يُكتب حديثه.
قَال ابن عدي: "له أحاديث صالحة وهو ممن يُكتب حديثه، وعنده
غرائب وخاصة إذا روى عنه أَبُو إسماعيل المؤدب".
·
رواية حُسين المُعلِّم، عَنْ
عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ:
وأما حديث حسين المعلّم:
فرواه النسائي في «السنن الكبرى» (3/375) (3318) عن أَحْمَد بن
سُلَيْمَانَ الرهاوي الحافظ، عن يَزِيد بن هارون، عن حُسَيْن المعلّم، عَنْ
عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ
أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ».
قلت: كذا رواه حسين المعلّم، عن عطاء، عن عائشة،
ووقفه!
وخالفه الجماعة المتقدم ذكرهم (عبدالملك بن أبي سليمان الكوفي، ومُحَمَّد
بن عَبْدِالرَّحْمَنِ بن أَبِي لَيْلَى الكوفيّ، وحجّاج بن أرطأة الكوفي، ومَعْقِلُ
بنُ عُبَيْدِاللهِ الجزري، وعُمَرُ بنُ قَيْسٍ المكيّ سَنْدَلٌ، وابنه يَعْقُوب بن
عَطَاءٍ المكيّ) فرووه عن عطاء بن أبي رباح، عن زيد بن خالد الجهني،
عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
فبحسب القواعد الحديثية فالأصل أن يُحكم للجماعة على الفرد، ولهذا
قال شعيب الأرنؤوط ورفاقه في تعليقهم على «المسند» (28/262): "وخالفهم حسين
المعلم، فرواه عن عطاء، عن عائشة موقوفاً عند النسائي في الكبرى (3333). وحسين
المعلم ثقة ربما وهم. وقد وهم في هذا الإسناد".
قلت: حسين المعلّم ثقة مطلقاً، وقولهم: «ثقة ربما وهم» هو قول ابن
حجر فيه في «التقريب»، وإنما قال ابن حجر ذلك لما أورده العقيلي عن يحيى القطان
أنه قال فيه: "في حديثه اضطراب"! ولهذا قال العقيلي عنه: "ضعيف،
مضطرب الحديث"!!
وهذا خطأ! ويحيى القطان قال ذلك في "حبيب المعلّم" لا في
"حسين المعلم"، وقد تحرّف في النسخ كما بينته بتفصيل في موضع آخر.
فحسين ثقة وهو أوثق من كل هؤلاء الستة الذين رووا الحديث عن عطاء!
فعمر ويعقوب هلكى! وابن ابي ليلى وحجاج حفظهم سيء! وعبدالملك بن أبي سليمان يرفع
الموقوف! ومعقل بن عبيدالله يهم ويخطئ!
فلا أستبعد أن يكون هذا الحديث رواه عطاء على الوجهين كما رواه
حسين عنه، وكما رواه الآخرون لكن ربما وهموا في رفعه؛ لأن عبدالملك يضيف في روايته
متناً آخر فيه، والصواب وقفه على زيد كما سيأتي إن شاء الله.
ولما ذكر المزي هذا الحديث في «التحفة» (12/236) في ترجمة «حسين بن
ذكوان المعلم، عن عطاء، عن عائشة» أشار إلى مخالفة عبدالملك بن أبي سليمان له،
فقال: "النسائي: عن أحمد بن سليمان، عن يزيد بن هارون، عن حسين، به. رواه عبدالملك
بن أبي سليمان، عن عطاء، عن زيد بن خالد الجهني، وقد مضى".
ولو صحت رواية حسين عن عطاء عن عائشة، فهو لا يُعرف عن عائشة! ولم
يذكر عطاء السماع منها، وهو قد سمع من عائشة بعض الأحاديث إلا أن غالب رواياته
عنها بواسطة.
فتوهيم حسين المعلم فيه من الصعب بمكان سيما وقد وقفه، وعادة
الحفاظ يضبطون مثل هذه الأمور.
·
زيادة أخرى في متن الحديث!
وقد زاد عبدالملك بن أبي سليمان في الحديث
عن عطاء زيادة أخرى: «لَا
تَتَّخِذُوا بُيُوتِكُمْ قُبُورًا وَصَلُّوا فِيهَا» كما في رواية إسحاق بن
يوسف الأزرق عن عبدالملك التي رواها أحمد في «مسنده» (28/278)
(17044).
ورواه بعض الرواة عن عبدالملك منفصلاً:
رواه أحمد في «مسنده» (28/256)
(17030) عن عبدالله بن نُمَيْرٍ، ويَعْلَى بن عُبيد الطنافسيّ، ويَزِيد بن هارون.
وإسحاق بن راهويه (ط. دار التأصيل) (3/21)
(2716) عن جرير، و(2717) عن يعلى بن عبيد.
وعبدُ بن حميد في «مسنده» [كما في «المنتخب منه» (1/231) (275) عن
يَعْلَى بن عُبَيْدٍ.
والطبراني في «المعجم الكبير» (5/258) (5278)، و(5279)، و(5280) من
طريق عَبْداللهِ بن المُبَارَكِ، وزَائِدَة، وجَرِير، وَعَبْدالرَّحِيمِ بن
سُلَيْمَانَ.
كلهم (ابن نُمير، ويعلى، ويزيد، وجرير، وابن المبارك، وزائدة، وعبدالرحيم)
عَنْ عَبْدِالمَلِكِ بن أبي سليمان، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ
الْجُهَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا
تَتَّخِذُوا بُيُوتِكُمْ قُبُورًا وَصَلُّوا فِيهَا».
وذكره الألباني في «صحيحته» (5/545) (2418) وقال: "وهذا إسناد
صحيح على شرط مسلم".
قلت: كذا رواه عبدالملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن زيد، مرفوعاً!
وخالفه ابن جريج، فوقفه.
رواه عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (1/393) (1533) عَنِ ابْنِ
جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ: اتَّخِذْ فِي بَيْتِكَ مَسْجِدًا، فَإِنَّ
زَيْدَ بنَ خَالِدٍ الجُهَنِيَّ قَالَ: «لَا تَتَّخِذُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ،
وَاتخِذُوا فِيهَا مَسَاجِدَ».
وابن جريج أثبت الناس في عطاء، وقد وهم عبدالملك في رفعه، وهذا فيه
دلالة أن الحديث السابق قد يكون رواه عطاء عن زيد بن خالد موقوفاً أيضاً، والله
أعلم.
وهذا إسناد منقطع كما سيأتي الكلام على رواية عطاء عن زيد.
وهذا المتن محفوظ من رواية ابن عمر كما رواه البخاري ومسلم من حديث
نافعٍ، عن ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلاَتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا».
·
حكم أهل العلم على الحديث:
فحديث تفطير الصائم رواه جماعة عن عطاء بن أبي رباح، عن زيد
بن خالد الجهني، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
قال الترمذي: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".
وصححه ابن خزيمة، وابن حبان.
وصححه الألباني في «صحيح سنن الترمذي» (807)، و«صحيح ابن ماجه»
(1746).
وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على «صحيح ابن حبان» (8/216): "إسناده
صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح".
وقال في تعليقه على «مسند أحمد» (28/261): "صحيح لغيره، دون
قوله: «من فطّر صائماً» فحسن بشواهده، وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه، عطاء - وهو ابن
أبي رباح- لم يسمع من زيد بن خالد، فيما ذكر ابن المديني في العلل ص71، وباقي رجاله
ثقات رجال الشيخين، غير عبدالملك - وهو ابن أبي سليمان العرزمي- فمن رجال مسلم،
وأخرج له البخاري تعليقاً".
وقال في تعليقه على «سنن ابن ماجه» (2/633): "إسناده صحيح من
طريق علي بن محمَّد - وهو الطنافسي- عن خاله يعلى - وهو ابن عبيد الطنافسي-.
والطريقان الآخران ضعيفان".
قلت: الحديث معلول بالانقطاع! فعطاء (ت 114هـ) لم يسمع من زيد بن
خالد.
وقد اختلف في وفاة زيد، فقيل توفي بالمدينة سنة (68هـ)، وهو ابن
خمس وثمانين. وقيل: بل مات بمصر سنة (50هـ)، وهو ابن ثمان وسبعين سنة. وقيل: توفي
بالكوفة في آخر خلافة معاوية. وقيل: توفي سنة (78هـ)، وهو ابن خمس وثمانين سنة.
وقيل: توفي سنة (72هـ)، وهو ابن ثمانين سنة.
قال ابن المديني في «العلل»: "عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ
لَقِيَ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَرَأَى أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَآهُ
يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وجابرا وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَرَأَى
عَبْدَاللَّهِ بنَ عَمْرٍو، ولَمْ يَسْمَعْ مِنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ
الجُهَنِيِّ".
قلت: فهذا نصٌّ صريح من ابن المديني أن عطاء بن أبي رباح لم يسمع
من زيد بن خالد، بل لا يُعرف أنه روى عنه إلا هذا الحديث.
وتنبيه ابن المديني هنا على الرؤية واللقاء لأنهما لا يعنيان السماع.
ومما يدل على عدم ثبوت سماع عطاء من زيد ما تقدم من رواية ابْنِ
جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ: اتَّخِذْ فِي بَيْتِكَ مَسْجِدًا، فَإِنَّ
زَيْدَ بنَ خَالِدٍ الجُهَنِيَّ قَالَ: «لَا تَتَّخِذُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ،
وَاتخِذُوا فِيهَا مَسَاجِدَ».
فلم يذكر هنا السماع، ولو كان سمع منه لصرّح به.
·
مراسيل عطاء بن أبي رباح!
وعطاء كان كثير الإرسال، ومرسلاته واهية؛ لأنه كان يأخذ عن كلّ
أحد!
قال يحيى القطان: "مُرْسَلَاتُ مُجَاهِدٍ أَحَبُّ إِلَيَّ
مِنْ مُرْسَلَاتِ عَطَاءٍ بِكَثِيرٍ، كَانَ عَطَاءٌ يَأْخُذُ عَنْ كُلِّ ضَرْبٍ".
فالحديث يرويه عطاء مرسلاً، ولا يُدرى من أين أخذه، وجزء من الحديث
معروف في تجهيز الغازي من حديث زيد بن خالد، والجزء الآخر لا يُعرف إلا من حديث
عطاء!
وهذه حال المراسيل تدخل في بعض الألفاظ المعروفة المشتهرة.
فالحديث يرويه عطاء عن زيد بلفظ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كُتِبَ
لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا ينقص من أجر الصائم شيئاً، وَمَنْ
جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ خَلَفَ فِي أَهْلِهِ؛ كُتِبَ لَهُ
مِثْلُ أَجْرِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الغازي شيء».
أما الجزء الأول منه: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كُتِبَ لَهُ
مِثْلُ أَجْرِهِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا ينقص من أجر الصائم شيئاً»، فلا يُعرف من
أي طريق آخر!
وأما الجزء الآخر: «وَمَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ،
أَوْ خَلَفَ فِي أَهْلِهِ؛ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ
مِنْ أَجْرِ الغازي شيء» فُروي من حديث زيد بن خالد لكن ليس بلفظ: «كُتِبَ لَهُ
مِثْلُ أَجْرِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الغازي شيء»!
فالعجب من الترمذي كيف صححه!!
وكذا ابن خزيمة، وابن حبان!!
·
الرواية الصحيحة عن زيد بن خالد
الجهني:
أخرج البخاري في «صحيحه» (4/27) (2843) عن أَبي مَعْمَرٍ عبدالله
بن عمرِو بن أبي الحَجَّاج، عن عَبْدالوَارِثِ بن سعيد العنبريّ.
ومسلم في «صحيحه» (3/1507) (1895) عن أَبي الرَّبِيعِ
الزَّهْرَانِيّ، عن يَزِيد بن زُرَيْعٍ.
كلاهما (عبدالوارث، ويزيد) عن حُسَيْن المُعَلِّم، قال: حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ
بُسْرِ بنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: قَالَ نَبِيُّ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ
فَقَدْ غَزَا».
ورواه رَوح بن عُبادة، عن حسين المعلم، به.
ورَوَاهُ حَرْبُ بنُ شَدَّادٍ، والْأَوْزَاعِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ المُبَارَكِ
الهُنَائِيُّ، وَشَيْبَانُ، وأَبُو إِسْمَاعِيلَ القَنَّادُ فِي آخَرِينَ، عَنْ
يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، به.
وَرَوَاهُ بُكَيْرُ بنُ الْأَشَجِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ
بُسْرِ بنِ سَعِيدٍ، به.
قال الحافظ ابن حجر في «الفتح» (6/50): "وَقَدْ سَمِعَ أَبُو
سَلَمَةَ مِنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ، وَحَدَّثَ عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ، وَحَدَّثَ
عَنْهُ بِلَا وَاسِطَةٍ فِي غَيْرِ هَذَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَصَحَّحَهُ وَغَيرهمَا".
قلت: فهذا هو اللفظ الثابت عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ،
قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَهَّزَ
غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا».
ولشهرة الحديث دخله بعض الأحاديث المرسلة، وصار هناك مقابلة في
جزئي الحديث من ناحية ترتيب الأجر فدخل على الجزء المشهور منه، وجاء هذا بحسب ما
يشتهيه الناس، وعادة ما يدخل ما يرغبه الناس في مثل هذه المراسيل.
فدخل فيه: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ،
إِلَّا أَنَّهُ لَا ينقص من أجر الصائم شيئاً»!
ثم دخلت هذه الألفاظ المنكرة في الحديث المشهور ودخل الأجر المقابل
لهذا أيضاً: «وَمَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ خَلَفَ فِي
أَهْلِهِ؛ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ
الغازي شيء»!!
فهذه الألفاظ منكرة في هذا الحديث المرسل، ولا يجوز تصحيح الجزء
المتعلق بتجهيز الغازي بالحديث المشهور عن زيد بن خالد. والأجر لا يعرفه إلا الله
سبحانه وتعالى.
وقد رُويت بعض الشواهد للحديث عن سلمان الفارسي، وابن مسعود، وابن
عباس، وعائشة، وغيرهم، وكلها واهية منكرة!!
·
مخالفة لعبدالصمد
في حديثه هذا عن أبيه! وتنبيه ابن المديني، وابن معين عليها!
قال يحيى بن معين [كما في رواية ابن مُحرز عنه (ص: 402) (1660)]: سَمِعْتُ عَلِيَّ بن
المَدِيْنِيَّ يذكر عن عبدالصَّمَد - يَعْنِي: ابن عبدالوَارِث -، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي، عن الحُسَيْن، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بن أَبِي كَثِيْر،
قَالَ: حَدَّثَنِي أبو سَلَمَة بن عبدالرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي بُسر بن
سَعِيْد، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْد بن خَالِد، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:
«مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا»، و«مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا».
قلت: هذه إشارة من إمامين من أئمة العلل إلى أن عبدالصمد كان عنده
هذا الحديث في تجهيز الغازي عن أبيه، إلا أنه زاد فيه: «مَنْ فَطَّرَ
صَائِمًا»!!!
فهما يُنبهان على أن هذا الحديث لا يُروى بهذا الإسناد! وكان عبدالصمد
يهم في ذلك!
فالحديث كما مر آنفاً يرويه حُسَيْن المعلّم، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ
عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ
غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ».
فالظاهر أن عبدالصمد لما روى حديث تجهيز الغازي عن أبيه عن حسين
المعلم، يحتمل أن حديث تفطير الصائم كان عند أبيه عن حسين، فأدخله فيه!
وكأن ابن المديني أخذ ذلك من كتابه عن أبيه، فأراد التنبيه عليه، فذكر
ابن معين ذلك لتلاميذه لما كان يتكلم على النقد والعلل مُنبهاً على ذلك أيضاً.
فالحديث يرويه أَبُو مَعْمَرٍ المُقْعَدُ عن عبدالوارث، ولم يذكر
ما يتعلق بتفطير الصائم، وأبو معمر من أوثق الناس في عبدالوارث، وهو صاحبه.
ورواه يزيد بن زُريع، ورَوح بن عبادة، عن حُسَيْن المُعَلِّم دونها
أيضاً.
قَال يَعْقُوب بْن شَيْبَة عن أبي مَعمر: "كَانَ ثقة ثبتاً،
صحيح الكتاب، وكان يقول بالقدر، وكان غالباً على عبدالوارث".
وقال علي بن المديني: "قد كتبت كتب عَبْدالوَارِثِ عن عبدالصمد،
وأنا اشتهي أن أكتبها عَن أَبِي معمر".
قلت: كان - رحمه الله - يرى أنه في كتب عبدالوارث التي كتبها عن
عبدالصمد بعض الأوهام! فاشتهى أن يكتبها عن أبي معمر لثقة كتابه عن عبدالوارث. كما
نبّه على هذا الوهم هنا.
وقَال أَبُو عُبَيد الآجري: سمعت أبا داود يَقُولُ: بلغني عن علي
أنه قال: "أَبُو معمر فِي عَبْدالوَارِثِ أحبّ إليّ من عَبْدالوَارِثِ فِي
رجاله".
قلت: الظاهر أن ابن المديني رآها في كتاب عبدالصمد عن أبيه، وأنه
وهم فيها، ولهذا قدّم أبو معمر عليه؛ لأن حديث أبي معمر عن عبدالوارث في تجهيز
الغازي ليس فيه ما يتعلق بأجر تفطير الصائم!
وكذا قدّمه يحيى بن معين.
قال ابن مُحرِز: سمعتُ يحيى بن مَعين، وسُئل عن أَبي مَعمَر، فقال:
"صاحب عبدالوارث، كان لا بأس به، ثَبتٌ، صحيحُ الكتاب، كان أثبت من
عبدالصَّمَد، وقد كتبتُ عن عبدالصَّمَد، ولكن لا أحكي".
·
من أوهام عبدالصمد! وترجيح رواية
أبي مَعمر عليه!
قال ابن أبي حاتم في «علل الحديث» (5/366) (2049): وسألتُ أَبِي
عَنْ حديثٍ رَوَاهُ عبدالصمد بن عبدالوارث، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّم،
عَنِ ابنِ بُرَيْدة؛ قَالَ: حَدَّثَنِي ابن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛
أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا دَخَلَ مَضْجَعَه: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي كَفَانِي
وَآوانِي...»، وَذَكَرَ الحديثَ.
وَرَوَاهُ أَبُو مَعْمَر المِنْقَري، عن عبدالوارث، عَنْ حُسَيْنٍ
المُعَلِّم، عَنِ ابْنِ بُرَيْدة؛ قَالَ: حدَّثني ابنُ عِمْرَانَ: أنَّ النبيَّ صلى
الله عليه وسلم.
قلتُ لأَبِي: أيُّهما أصحُّ؟
قَالَ: حَدِيثُ أَبِي مَعْمَر أشبهُ.
قلتُ لأَبِي: ابنُ عمران من هو؟
قَالَ: لا أدري.
قلتُ: فابنُ بُرَيْدة أدركَ ابنَ عُمَرَ؟
قَالَ: أَدركَهُ ولم يَبِنْ سماعُهُ منه.
قلت: فها هو أبو حاتم رجّح رواية أبي معمر عن عبدالوارث على رواية
عبدالصمد عن أبيه عبدالوارث.
وهذا يؤيد ما ذكرته آنفاً من أن علي بن المديني كان يعرف أن في كتب
عبدالصمد عن أبيه بعض الأوهام، ولهذا كان يتمنى أن يكتب حديث عبدالوارث عن أبي
معمر.
·
هل صح الحديث من قول أبي هريرة!
وروى عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (4/311) (7906) قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ قَالَ: سَمِعْتُ
أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ، كَانَ
لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ».
قال شعيب الأرنؤوط ورفاقه في تعليقهم على «المسند» (28/262):
"وابن جريج لم يصرح بالتحديث عن مولى التوأمة، على أنه من قدماء أصحابه، وهو
في حكم المرفوع فمثله لا يعرف بالرأي".
قلت: كذا هو موقوف في كتاب «عبدالرزاق»، وقد رُوي عنه مرفوعاً!
رواه العقيلي في «الضعفاء» (1/225) عن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّدِ
بْنِ بَرَّةَ الصَّنْعَانِيّ.
والبيهقي في «شعب الإيمان» (5/428) (3668) من طريق أَبي
الْأَزْهَرِ أحمد بن الأزهر النيسابوري.
وأبو نُعيم في «تاريخ أصبهان» (2/192، 276) من طريق مَحْمُود بن
غَيْلانَ المروزي.
كلهم (إبراهيم، وأبو الأزهر، ومحمود) عن عَبْدالرَّزَّاقِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ
فَطَّرَ صَائِمًا أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ، وَكَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ».
قلت: فالظاهر أن المحفوظ عن عبدالرزاق مرفوعاً، والخطأ في نسخة
الدبري راوي «المصنف» عن عبدالرزاق.
ولما ساق العقيلي حديث عبدالرزاق ساق بعده حديث عَبْدالمَلِكِ بن
أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا
كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يُنْقِصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ
شَيْئًا»، ثم قال: "هَذَا أَوْلَى مِنْ حَدِيثِ عَبْدِالرَّزَّاقِ، وَلَمْ يُبَيِّنُ
ابْنُ جُرَيْجٍ شَيْئًا فِيهِ السَّمَاعَ مِنْ صَالِحٍ، وَأَحْسَبُ أَنَّ
حَجَّاجَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَرْوِيهِ عَنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحٍ".
قلت: فأعلّ العقيلي حديث عبدالرزاق بعدم تصريح ابن جريج سماعه له
من صالح، وأنه يرويه عنه بواسطة إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى المتّهم = يعني أنه
دلّسه بإسقاطه إبراهيم من إسناده!
وصالح هذا لا يُحتج به!
قال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: وسَألتُ عَلِيًّا - يعني ابن
المديني-، عن مشايخ من أهل الحِجَاز، وغيرهم، سَأَلْتُهُ عن صَالِح مولى التَّوْأَمَة؟
فَقَالَ: "صَالِح ثقة، إلا أنه خَرِفَ وكبر، فسَمِعَ منه قوم وهو خَرِفٌ
كبير، فكان سماعهم ليس بصحيح. سُفْيَان الثَّوْرِي ممن سَمِعَ منه بعد ما خَرِفَ.
وكان ابن أبي ذِئْب قد سَمِعَ منه قبل أن يخرف".
وقال البرذعي في «سؤالاته لأبي زرعة»: قلت: صالح مولى التوأمة؟
فقال: حدثني عبدالله بن الحسن، عن مُطرِّف، قال: سمعت مالكاً يقول: "صالح
مولى التوأمة كذاب".
وقال بشر بن عُمر الزهراني: سألت مالك بن أنس عن صالح مولي التوأمة؟
فقال: "ليس بثقة فلا تأخذن عنه شَيئًا".
وقال عبدالله بن أحمد: قلت لأبي: إِن بشر بْن عُمَر زعم أَنه
سَأَلَ مَالك بْن أَنَس عَن صَالح مولى التَّوْأَمَة، فَقَالَ: "لَيْسَ
بِثِقَة"! قَالَ أَبِي: "مَالك كَانَ قد أدْرك صَالحا وَقد اخْتَلَط أَو
هُوَ كَبِير، مَا أعلم بِهِ بَأْساً، من سمع قَدِيماً، وَقد روى عَنْهُ أكَابِر
أَهْل المَدِينَة".
وقال أب داود: قُلْتُ لأَحْمَدَ: صَالِح مولى التوأمة؟ قَالَ: "لقيه
مَالِك، زَعَمُوا بعد ما كبر". قُلْتُ لأَحْمَدَ: هو مُقَارِب الْحَدِيْث؟
قَالَ: "أما أنا فأحتمله، وأروي عنه، وأما أن يقوم موضع مجدٍ، فلا".
وقال عبدالله بن أحمد: قَالَ أبي: "صَالح مولي التَّوْأَمَة
مَا أرى بِهِ بَأْس من سمع مِنْهُ قَدِيماً".
وقال المروذي: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدالله عن صَالِح مولى
التَّوأَمَة ؟ فقال: "قَاَلَ مَاَلِك: قَدْ رأَيْته مختلطًا، ولم يحمل عنه،
ثُمَّ قَاَلَ: من سمع منة قبل الاختلاط، فكأَنَّهُ".
وقال عباس الدوري: سَمِعت يحيى يَقُول: "صَالح مولى
التَّوْأَمَة ثِقَة"، قَالَ: "قد كَانَ خرف قبل أَن يَمُوت فَمن سمع
مِنْهُ قبل أَن يخْتَلط فَهُوَ ثَبت".
وقال الدارمي: وسَأَلته - يعني ابن معين- عَن صَالح مولى
التَّوْأَمَة، كَيفَ حَدِيثه؟ فقالَ: "ثِقَة".
وقال عبدالله بن أحمد: سَأَلت يحيى عَن صَالح مولي التَّوْأَمَة؟
فقالَ: "لَيْسَ بِالقَوِيّ فِي الحَدِيث".
وقال الأصمعي: "كان شُعبَة لا يروي عن صالح مولي التوأمة،
وكان ينهى عنه".
وقال عَمرو بن علي الفلاّس: سألت يَحيى القطان عن صالح مولي
التوأمة؟ فقال: "لم يكن بثقة، وهو صالح بن نبهان".
وقال النسائي: "ضعيف".
وقال أبو حاتم، والنسائي أيضاً: "ليس بقوي"، وقال
النسائي مرة: "ليس بثقة".
وقال محمد بن سعد في كتاب «الطبقات الكبير»: "له أحاديث
قليلة، ورأيتهم يهابون حديثه".
ولما خرج الحاكم حديثه في «كتابه» قال: "وصالح ليس بالساقط".
وذكره ابن الجارود، وأبو العرب، وأبو جعفر العقيلي، والساجي في
«جملة الضعفاء».
وذكره ابن شاهين، وابن خلفون في «الثقات».
وقال ابن حبان في «الضعفاء»: "تغيّر في سنة خمس وعشرين ومئة،
وجعل يأتي بالأشياء التي تشبه الموضوعات عن الأئمة الثقات، فاختلط حديثه الأخير
بحديثه القديم، ولم يتميز فاستحق الترك".
ثم ساق كلام ابن معين فيه أنه كان قد خرف، ثم قال: "هذا الذي
قاله أبو زكريا رحمة الله عليه هو كذلك، لم يتميز حديثه القديم من حديثه الأخير،
فأما عند عدم التمييز لذلك واختلاط البعض بالبعض يرتفع به عدالة الإنسان حتى يصير
غير محتج به، ولا معتبر بما يرويه".
قلت: فحديثه هذا منكر لا يصح! ولعله كما قال العقيلي أن ابن جريج
سمعه من إبراهيم بن يحيى عن صالح، فأسقط إبراهيم ودلّسه!
والذي أميل إليه أن حديث صالح هذا ربما هو أصل الحديث الذي يرويه
عطاء عن زيد بن خالد؛ لأن صالحا هذا يروي عن زيد بن خالد، وحديثه منكر لا يُحتج
به، والله أعلم.
·
تصحيح الترمذي لحديث عطاء عن زيد
بن خالد!
والعجب من الترمذي كيف يصحح حديث عطاء عن زيد وهو منقطع!
روى الترمذي في «جامعه» (3/221) (1629) قال: حَدَّثَنَا ابْنُ
أَبِي عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي
لَيْلَى، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي
سَبِيلِ اللهِ، أَوْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ فَقَدْ غَزَا».
قال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".
ثم رواه (1630) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُالمَلِكِ بنُ أَبِي
سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ.
قلت: ابن أبي ليلى سيء الحفظ! وعبدالملك بن أبي سليمان يخطئ ويهم!
وعطاء لم يسمع من زيد بن خالد! وهذا المتن محفوظ من حديث بُسر بن سَعِيْد، عن
زَيْد بن خَالِد، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كما سبق بيانه.
وقد تساهل الترمذي في تصحيحه!
·
تصحيح ابن حِبّان لحديث عطاء عن
زيد بن خالد!
روى ابن حبان في «صحيحه» (10/489) (4630) قال: أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى، قال: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، قال: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدُالْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ
عَطَاءٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ،
أَوْ خَلْفَهُ فِي أَهْلِهِ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ حَتَّى إِنَّهُ لَا ينقص
من أجر الغازي شيء».
قال شعيب الأرنؤوط: "إسناده صحيح على شرط مسلم".
قلت: كيف على شرط مسلم، وهو منقطع! ولفظه منكر!!
·
خلاصة وفوائد:
1- حديث «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ،
إِلَّا أَنَّهُ لَا ينقص من أجر الصائم شيئاً» يرويه جماعة كلهم مُتكلّم فيهم
عن عطاءُ بن أبي رباح، عَنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو حديث منكر! وعطاء لم يسمع من زيد بن خالد،
وهذا من مراسيله الواهية، وكان يأخذ عن كلّ أحد، والحديث المرسل يأتي على ما
يشتهيه الناس!
ويرويه حسين المعلّم عن عطاء عن عائشة موقوفاً! فربما كان عطاء
يرويه على الوجهين! وهذا منكر أيضاً، وإن صح عن حسين فلم يذكر عطاء سماعاً من
عائشة، وأكثر روايته عنه بواسطة!
2- الحديث صححه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، وكثير من
المعاصرين! وهو معلول بالانقطاع بين عطاء وزيد بن خالد!
3- شواهد الحديث كلها واهية ومنكرة!!
4- زاد بعض الرواة في الحديث عن عطاء عن زيد بن خالد: «وَمَنْ
جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ وَلَا يَنْقُصُ
مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ»! وهذا منكر أيضاً!
والصواب ما رواه بُسْر بن سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ
الْجُهَنِيِّ، قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ
جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا».
5- زاد عبدالملك بن أبي سليمان في الحديث عن عطاء عن زيد بن خالد: «لَا تَتَّخِذُوا بُيُوتِكُمْ
قُبُورًا وَصَلُّوا فِيهَا»! وصححه بعض المعاصرين!
والصواب ما رواه ابن جُريج، عن عطاء، عن زيد بن خالد، قوله. وهو
منقطع أيضاً لعدم سماع عطاء من زيد.
وهذا المتن محفوظ من رواية ابن عمر عند البخاري ومسلم بلفظ: «اجْعَلُوا
فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلاَتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا».
6- نبّه ابن المديني إلى أنه ما كان عند عبدالصَّمَد بن
عبدالوَارِث، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عن الحُسَيْن، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى
بن أَبِي كَثِيْر، قَالَ: حَدَّثَنِي أبو سَلَمَة بن عبدالرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي
بُسر بن سَعِيْد، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْد بن خَالِد، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله
عليه وسلم: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا»، و«مَنْ فَطَّرَ
صَائِمًا»! خطأ بذكره «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا»؛ لأن الحديث محفوظ عن أبيه
بلفظ «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا» فقط! وكأنه دخل له حديث في حديث سيما وحديث تفطير
الصائم مروي عن الحسين بن المعلم، عن عطاء، عن عائشة!
7- روى عبدالرزاق عن ابن جُرَيْجٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى
التَّوْأَمَةِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا
أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ، كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ»، هكذا جاء موقوفاً في كتاب
عبدالرزاق برواية إسحاق الدبري!
ورواه إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّدِ بن بَرَّةَ الصَّنْعَانِيّ، وأَبو
الْأَزْهَرِ أحمد بن الأزهر النيسابوري، ومَحْمُود بن غَيْلانَ المروزي، عن
عبدالرزاق، به، مرفوعاً!
وكأن الدبري أخطأ في وقفه، والمحفوظ عن عبدالرزاق مرفوعاً.
وقد أعله العقيلي بعدم ذكر ابن جريج السماع من صالح! وأن حجاج بن
محمد رواه عن ابن جريج، عن إبراهيم بن أبي يحيى، عن صالح، عن أبي هريرة = يعني أن
ابن جريج كان يدلسه عن إبراهيم، وإبراهيم متّهم!
وصالح مولى التوأمة لا يُحتج بحديثه، وكأن روايته هي أصل حديث
عطاء!
8- صحح الترمذي حديث ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ
زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ خَلَفَهُ فِي
أَهْلِهِ فَقَدْ غَزَا»! وهو منقطع بين عطاء وزيد بن خالد!
9- صحح ابن حبان، وتبعه بعض المعاصرين حديث عَبْدالْمَلِكِ بن
أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا
فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ خَلْفَهُ فِي أَهْلِهِ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ
حَتَّى إِنَّهُ لَا ينقص من أجر الغازي شيء»! وهو منقطع بين عطاء وزيد بن خالد.
10- لا يُعرف لعطاء بن أبي رباح رواية عن زيد بن خالد إلا في هذا الحديث
الذي يتضمن ثلاثة متون! وهو منقطع منكر!
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وكتب: د. خالد الحايك.
10 رمضان 1441هـ.
شاركنا تعليقك