كشفُ التَّوهم والظن في بيان قبول ما رواهُ مَعمر عن الحَسن.
كنت قد أعللت في كتابي [«البُرهان
الجلِيّ» لِعلّة «حَدِيثِ الوَلِيّ» «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ
بِالحرْبِ...»] الحديث بتفرد خالد بن مخلد القطواني (ت213هـ) بهذا الحديث عن
سليمان بن بلال، عن شَرِيك بن عَبْدِاللَّهِ بنِ أَبِي نَمِرٍ، عَن عَطَاءٍ، عَن
أَبِي هُرَيْرَةَ، مرفوعاً.
وقد تفرد به عن خالد: محمد بن عثمان بن كَرامة
(ت254هـ)!
وخالد صدوق يهم ويخطئ، وعنده مناكير! وقد
بينت بعضها في البحث، وكذلك كيفية تخريج البخاري لحديثه وأنه خرج له ما توبع عليه
إلا هذا الحديث وآخر، يتفرد بهما عنه ابن كرامة! مع أن خالد من شيوخ البخاري،
فرواهما عنه بواسطة من يُعدّ في أقرانه! فمن كانت هذه حاله فلا يقبل تفرده، فكيف
إذا تفرد بحديث في طبقة متأخرة جداً!
وكان أن أرجعت أصل هذا الحديث لما روي عن
بعض التابعين من المراسيل من الإسرائيليات، ومنها ما رواه عبدالرزاق في «مصنفه -
وفي آخره جامع معمر» (11/192) قال: أخبرنا مَعمر عن الحسن، قال: يقول الله: «ما
تقرّب إليّ عبدي بمثل ما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى
أحبه، فأكون عينيه اللتين يبصر بهما، وأذنيه اللتين يسمع بهما، ويديه اللتين يبطش
بهما، ورجليه اللتين يمشي بهما، فإذا دعاني أجبته، وإذا سألني أعطيته، وإن استغفرني
غفرت له».
وقلت: "وهذه الآثار كلها صحيحة إلى
هؤلاء التابعين الأربعة الثقات".
"وهؤلاء الأربعة: الحسن البصري (ت
110هـ) وحسان بن عطية الشامي (توفي من120-130هـ)، ووهب بن مُنبه الصنعاني (ت
110هـ)، وطاوس اليماني (ت 106هـ)، من كبار التابعين وكانوا مشهورين برواية
المراسيل ومنها ما يختص بالعبادة والزهد من الكتب القديمة، وأربعتهم كانوا من
العبّاد الزّهاد - رحمهم الله-".
وأبلغني بعض الفضلاء أن أحدهم في بعض
المجموعات اعترض عليّ بأن معمراً لم يسمع من الحسن! فكيف أصحح هذا؟
ونقل نقولا هي:
"أ-
فقد ذكر المزي في تهذيب الكمال (28/306) عن عبدالرزاق: عن معمر قال: خرجت مع
الصبيان إلى جنازة الحسن وطلبت العلم سنة مات الحسن.
ب- وفي
سؤالات ابن الجنيد (ص: 416) (598) قيل ليحيى بن معين وأنا أسمع: معمر بن راشد لم
ير الحسن البصري؟ قال: «لا».
ت- وقال
أحمد بن حنبل كما في جامع التحصيل للعلائي (ص: 283)786–: لم يسمع من الحسن ولم يره
بينهما رجل ويقال إنه عمرو بن عبيد.
ث -
وقال أبو حاتم كما في المراسيل لابن أبي حاتم (ص: 219)397 828 -: "لم يسمع
معمر من الحسن شيئا ولم يره بينهما رجل ويقال أنه عمرو بن عبيد".
ثم طرح سؤاله:
"فالسؤال للدكتور الحايكّ: ما حجته في
الحكم على هذا الأثر المنقطع بالصحة؟
وكيف له أن يعل حديثا في صحيح البخاري
بمثل هذا الأثر المعلول" انتهى.
فأقول مستعينا بالله:
أولاً: قد أبلغت هذا المُعترض دعوته
للمناظرة العلنية فيما زعمه عندي من أخطاء وتجرؤ على الصحيحين وغير ذلك من الترهات
والاتهامات بالزور فولى يريدها تكون في مجموعة مصغرة على واتساب! وانا لا أدخل هذه
المجموعات لأني قد جربتها!
فما أقوله أقوله على العام، ومن أراد
المناظرة فعلى العام ليشهد عليها كل طلبة العلم، ومن عنده أي استشكال فنحن بحمد
الله نبيّنه، فإن كان فيما كتبناه خطأ فنتراجع ونقول: أخطأنا في كذا وكذا، وهذا لا
يعيبنا.
ثانياً: هذا المعترض - وإن كان يحمل شهادة
دكتوراه في الحديث - إلا أنه ربما لا يركز فيما يقرأه! أو لا يفهمه! أو لعله
يُدلّس!
فأنا لم أعلل الحديث بهذا الأثر! وإنما
أعللته بتفرد خالد الذي لا يحتمل في تلك الطبقة مع ما نص عليه أهل العلم من أنه
يهم وصاحب مناكير!
وإنما أرجعت أصل ما روى لهذه الآثار التي
كانت منتشرة في عصر التابعين.
وفرق كبير بين الأمرين.
وعلى فرض أن الأثر منقطع بين مَعمر
(ت153هـ) والحسن (ت110هـ) أليس هذا الأثر منتشراً قبل رواية خالد بن مخلد للحديث؟!
ثالثاً: لا يخفى على العبد الفقير ما قاله
أهل العلم من أن مَعمر بن راشد لم يسمع من الحسن البصري ولم يجالسه، وما يرويه عن
الحسن أستبعد أن يكون الواسطة بينهما "عمرو بن عبيد" كما قيل، وإنما هو
يروي غالبا عن قتادة عن الحسن، وكثير ممن يرويه من آثار لهما يقرن بينهما، وأحيانا
يقول: عَمَّنْ سَمِعَ الحَسَنَ، وربما روى عن أيوب السختياني، ويونس، وكثير بن
زياد عن الحسن.
ومعمر من أئمة أهل العلم في البصرة، أتراه
أخذ ما رواه عن الحسن من الضعفاء! ودلّسهم؟!
قال ابن جُريج: "إِن مَعْمَرًا شرب
من العلم بأنقع".
وقال أَحمد بن حنبل: "لا تضم أحدًا
إِلى مَعْمَر إِلا وجدت مَعْمَرًا أطلب للعلم منه".
وقد كان لمعمر عناية كبيرة بتتبع أخبار
علماء البصرة قبله حتى روى عبدالرزاق في «الأمالي
في آثار الصحابة» (178) عن
معمر قَالَ: "بَعَثَ ابْنُ هُبَيْرَةَ بِجَوَائِزَ لِلْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ
وَابْنِ سِيرِينَ قَالَ: فَقَبِلَ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَلَمْ يَقْبَلِ ابْنُ
سِيرِينَ وَرَدَّهَا عَلَيْهِ".
بل لقد كانت أقوال الحسن وأخباره محل تدارس
بين علماء البصرة، فقد روى عبدالرزاق في «الأمالي» (73) عن
معمر عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: تَعْتَدُّ يَوْمَ
يَأْتِيهَا الْخَبَرُ وَلَهَا النَّفَقَةُ، يَعْنِي الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ
وَهِيَ بِأَرْضٍ أُخْرَى.
قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ أَيُّوبُ:
فَذَهَبْتُ أُفْتِي بِهِ فَقِيلَ لِي: إِنَّ الْعَمَلَ عَلَى غَيْرِهِ فَسَأَلْتُ
سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدًا وَابْنَ سِيرِينَ وَطَاوُوسًا وَسُلَيْمَانَ
بْنَ يَسَارٍ وَأَبَا قِلَابَةَ قَالُوا: تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا أَوْ
مَاتَ عَنْهَا.
وروى عبدالرزاق في «الأمالي» (42) عن
معمر: "ذُكِرَ عِنْدَ أَيُّوبَ قَوْلُ الْحَسَنِ فِي الْقَدَرِ فَقَالَ
أَيُّوبُ: إِنَّ الْحَسَنَ كَانَ يَغْلِبُهُ مَنْطِقُهُ فَإِذَا كُلِّمَ رَجَعَ".
وغير ذلك كثير جداً لمن تتبع.
وقد روى عبدالرزاق عن معمر عن الحسن، وعن
رجل عن الحسن، وعمّن سمع الحسن، وعمن رأى الحسن، وصيغ مقاربة أكثر من (200) أثراً
فهل نردها كلها لأنه لم يسمع من الحسن؟ هل يعقل أن يقول هذا أحد من أهل العلم؟!
فأهل العلم يعرفون أنه لم يسمعها من الحسن
لكنه أخذها من تلاميذ الحسن كقتادة ويونس وأيوب، وغيرهم.
بل روايته مثل هذه الأخبار عن الحسن مرسلة
يدلّ على أن هذا مما كان منتشراً عن الحسن من مراسيله، وهو معروف بذلك.
ولم أجد أحداً من أهل العلم ضعّف ما يرويه
معمر عن الحسن من كلامه أو آرائه بالانقطاع بينهما، على أننا لا نقبل ما يرويه عن
الحسن متصلاً مسنداً أو مرسلاً لمن فوقه، وإنما الكلام هنا عمّا يرويه عن الحسن
مرسلاً من أقواله وآرائه ونحو ذلك.
وهذا هو سبب قبول أئمة العلم لما يرويه
عنه.
قال ابن هَانِئ: وسألت أبا عبدالله: ما
معنى حديث جاء "أرهقوا القبلة"؟
قال: "ما أَدري ما هو، ولكن شيء رواه
ابن المبارك، عن معمر، عن الحسن، وما أَدري أيش هذا".
فهنا أحمد - وهو ممن قال بأن معمرا لم
يسمع الحسن- لم يُضعف الرواية بسبب ذلك، وإنما أشار إلى رواية الحسن المرسلة في
هذا.
وهذا أصل ما رواه مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتِ
بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْهِقُوا
الْقِبْلَةَ».
ومصعب ضعيف جداً، بل منكر الحديث.
وقال حرب الكرماني: قلت لأحمد: فالرجل
يدفع ماله مضاربة إلى الذمي؟ فكرهه، وقال: لا.
قال الخلال - بعدها-: أخبرنا محمد قال:
حدثنا وكيع، عن سفيان، عن معمر، عن رجل، عن الحسن قال: "خذ من اليهودي والنصراني
مضاربة، ولا تعطهم".
فاحتج الخلال لتدعيم قول الإمام أحمد بخبر
معمر عن رجل عن الحسن! وليبين أن الإمام أحمد تابع قول الحسن.
وروى الخلال في «الترجل» أن
إِسْحَاقَ بنَ مَنْصُورٍ قَالَ لِأَبِي عَبْدِاللَّهِ: تَكْرَهُ كُلَّ شَيْءٍ
تَصِلُ الْمَرْأَةُ بشعرها؟ قال: "غير الشعر إذا كان قرامل قليل بِقَدْرِ مَا
تَشُدُّ بِهِ شَعْرَهَا فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا".
ثم احتج له فقال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ جَعْفَرٍ، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ،
عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الحَسَنِ: "كَانَ يَكْرَهُ الْوَصْلَ بِالصُّوفِ
وَغَيْرِهِ".
ويقول ابن رجب في «فتح الباري» (9/336):
"إذا انفلتت الدابة في الصلاة.
وقال قتادة: إن أخذ ثوبه يتبع السارق ويدع
الصلاة.
وروى عبدالرزاق في «كتابه»، عن معمر، عن
الحسن وقتادة، في رجل كان يصلي، فأشفق أن تذهب دابته أو أغار عليها السبع؟ قالا:
ينصرف.
وعن معمر، عن قتادة، قالَ: سألته، قلت:
الرجل يصلي فيرى صبياً على بئر، يتخوف أن يسقط فيها، أفينصرف؟ قال: نعم. قلت: فيرى
سارقاً يريد أن يأخذ
نعليه؟ قال: ينصرف".
فهل ضعّف ابن رجب هذا بأن معمراً لم يسمع
من الحسن؟
وقال أيضاً (8/204) في مسألة تخطي الرقاب
يوم الجمعة: "فإن وجد فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي، ففيه قولان:
يجوز له التخطي حينئذ، وهو قول الحسن،
وقتادة، والأوزاعي والشافعي، وكذا قال مالكٌ في التخطي قبل خروج الإمام، وكذا روى
معمر عن الحسن وقتادة".
فهل يجوز أن يعتد بنسبة القول للحسن بهذه
الرواية المنقطعة؟!!
وهناك أشياء كثيرة رواها معمر عن الحسن قد
توبع عليها.
فمن ذلك ما رواه عَبْدُالرَّزَّاقِ، عَنِ
الثَّوْرِيِّ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَقَالَهُ مَعْمَرٌ: عَنِ الْحَسَنِ،
أَيْضًا قَالَ: «مَرَّةٌ لِلْوَجْهِ، وَمَرَّةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى
الْمِرْفَقَيْنِ».
وهذا يونس بن عُبيد صاحب الحسن.
وروى أَبُو دَاوُدَ، عَنْ سُفْيَانَ،
أَظُنُّهُ عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ
نَفْسَهُ". قَالُوا: كَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ؟، قَالَ: "يَتَعَرَّضُ
لِلْبَلَاءِ لِمَا لَا يَقُومُ لَهُ".
قال البيهقي: "هَكَذَا جَاءَ
مُرْسَلًا. وَرَوَاهُ أَيْضًا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا".
فما يروونه من مراسيل عن الحسن معروف
ومشهور عنه يرويه عنه تلاميذه، وعنهم أخذ معمر، وخاصة قتادة، ولهذا تجده يأتي بقول
قتادة أحياناً مع ما يذكره عن الحسن.
روى عبدالرزاق، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ
الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، قَالاَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "يُصَلَّى فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَلاَ يُصَلَّى فِي أَعْطَانِ
الإِبِلِ".
وقال عبدالرزاق، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ
الْحَسَنِ يَقُولُ: "إِنْ أَسْلَمَ فِي بَعْضِ شَهْرِ رَمَضَانَ صَامَهُ
كُلَّهُ. وَقَوْلُ قَتَادَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ".
وهذه الآثار التي يرويها كبار أهل العلم
عن معمر عن الحسن من أقواله، هل تراهم يضعفونها؟!
قال ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ إِذَا تَلَا {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا
مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ
الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33] قَالَ: "هَذَا حَبِيبُ اللَّهِ، هَذَا وَلِيُّ
اللَّهِ، هَذَا صَفْوَةُ اللَّهِ، هَذَا خِيرَةُ اللَّهِ، هَذَا أَحَبُّ أَهْلِ
الْأَرْضِ إِلَى اللَّهِ، أَجَابَ اللَّهَ فِي دَعْوَتِهِ، وَدَعَا النَّاسَ إِلَى
مَا أَجَابَ اللَّهَ فِيهِ مِنْ دَعْوَتِهِ، وَعَمِلَ صَالِحًا فِي إِجَابَتِهِ،
وَقَالَ: إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِرَبِّهِ، هَذَا خَلِيفَةُ اللَّهِ"،
وَكَانَ إِذَا تَلَا {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ
اسْتَقَامُوا} [فصلت: 30] قَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبُّنَا فَارْزُقْنَا
الِاسْتِقَامَةَ».
وها هو الحافظ ابن حجر يستشهد في مواضع
كثيرة من شرحه على البخاري بما يرويه معمر عن الحسن دون تضعيف ما يرويه بحجة أنه
لم يسمع منه!
وهذا يدل على أن التعامل مع مثل هذه
الآثار لا تعامل مثل المرفوعات - وهو ما يصدع هذا المعترض وأمثاله رؤوس الناس به
حين يحاولون معارضة مخالفيهم-، بل ما يذكره معمر عن الحسن من مراسيل للحسن بيّن
لنا علل بعض الأحاديث المرفوعة وأن أصلها من مراسيل الحسن.
وبعضها علقه البخاري في «صحيحه» عن الحسن،
وأشار إليها الحافظ ابن حجر في شرحه.
فإن كان من لم يقرأ هذا في «الفتح» وهو
يجهله! فهذا شأنه، ومن لا خبرة له بمنهج هؤلاء الأئمة، ويلهث وراء الظواهر فهذا
كذلك شأنه، وهذا مبلغه من العلم.
يقول الحافظ في «الفتح» (8/256):
"وَرَوَى عَبْدُالرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ
{مُرَاغَمًا} قَالَ: متحولا".
وقال (8/394): "قَوْله {يخرون
للاذقان} لِلْوُجُوهِ، وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَلْحَةَ عَنْهُ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُالرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ
قَتَادَةَ مِثْلَهُ، وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْحَسَنِ: لِلْحَيِّ".
وقال (8/432): "وَقَالَ
عَبْدُالرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْحَسَنِ وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَا فِي
قَوْلِهِ {طَهَ} قَالَ: يا رجل".
وقال (8/568): "وَقَالَ
عَبْدُالرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ {وَزُخْرُفًا}
قَالَ: الذَّهَبُ، وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْحَسَنِ مِثْلُهُ".
وقال (8/576): "قَالَ
عَبْدُالرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ {أَوْ أَثَرَةٌ مِنْ
عِلْمٍ} قَالَ: أَثَرَةٌ شَيْءٌ يَسْتَخْرِجُهُ فَيُثِيرُهُ. قَالَ: وَقَالَ
قَتَادَةُ: أَوْ خَاصَّةٌ مِنْ عِلْمٍ".
وقال (8/704): "وَقَالَ عَبْدُالرَّزَّاقِ
عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِنَّمَا هُمَا النَّجْدَانِ. فَمَا جَعَلَ نَجْدَ الشَّرِّ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ
مِنْ نَجْدِ الْخَيْرِ".
وقال (9/637): "وَأَثَرُ الْحَسَنِ
أَخْرَجَهُ عَبْدُالرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: كَانَ الْحسن يرخص فِي الرجل
إِذا أسلم بعد مَا يَكْبَرُ فَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ إِنِ اخْتُتِنَ أَنْ لَا
يُخْتَتَنَ وَكَانَ لَا يَرَى بِأَكْلِ ذَبِيحَتِهِ بَأْسًا".
وغير ذلك مما ضمّنه الحافظ ابن حجر في «شرحه» ولم
يعلّه بما اعترض به علينا المعترض الجاهل!
فضلا عن احتجاج الطبري بمثل هذا الإسناد
في نسبة الأقوال التفسيرية للحسن في أزيد من مائة موطن من «تفسيره».
فإن أبى إلا أن يضعّف ما ذكرناه، فليصرّح
بأنه يضعّف كل شيء رواه معمر عن الحسن لذات العلّة!
وأن ابن رجب وابن حجر قد أخطئا في ذلك،
وكل من روى عن معمر عن الحسن ونسب للحسن هذه الأقوال والفتاوى فقد تجنّى على
الحسن!
فإن صرح بهذا فقد كفانا مؤنته.. وإن سكت
فالسكوت خير له لو ابتدأ به! ومن كان يؤمن بالله فليقل خيرا أو ليصمت!
ثم إن إعلالي للحديث لم يكن بناء على هذا
الأثر كما أوهم المعترِض، بل الإعلال على حجج كثيرة، لكن ورود ألفاظ الحديث في
موقوفات عن بعض التابعين ومنها هذا الأثر عن معمر عن الحسن جعلنا نقول إن هذه
الموقوفات والمرسلات وهي من كتب أهل الكتاب هي أصل ما تفرد به خالد بن مخلد! وإلا
من أين له بهذا الحديث؟ وهكذا كان أهل النقد والعلل يُعللون الأخبار ثم يحيلون على
أصل تلك المعلولات.
فالتوقف عند هذه الجزئية جهل من المعترض، والحجج
التفصيلية تجتمع وتقوي بعضها بعضاً، فلو رددنا هذا الأثر، وغيره، وغيره، كل على
حدة وانفراد لما ضرّ ذلك ما اجتمع معها من حجج مثل ما يرويه خالد القطواني من
منكرات، وتفرده، والتفرد عنه، وتأخر الطبقة، وغير ذلك. وقد يُعلّ الحفاظ الأحاديث
بحجة واحدة، فما بالك إذا اجتمعت عدة حُجج.
وما تعامُلنا مع يرويه معمر عن الحسن إلا
كتعاملنا مع ما يرويه عبدالرحمن وأبو عبيدة ابنا عبدالله بن مسعود عن أبيهما، فقد
نصّ أهل العلم على أنهما لم يسمعا من أبيهما، وفي ذات الوقت قبلوا روايتهما عنه
لأنهما أخذا حديث أبيهما عن أصحابه، وكذلك معمر أخذ ما يرويه من آراء للحسن وفتاوى
ومراسيل من أصحابه، فالقضية ليست مسألة رياضية وقوالب جامدة نُمشي كل شيء عليها،
وإنما هناك ذوق نقدي تعامل به أهل العلل لا بد من معرفته والاستفادة منه في حدود
معينة.
هذا وقد طلبت من الأخ الذي أبلغني اعتراض
المعترض أن يستخرج لنا كل ما في هذه الجعبة الفارغة من اعتراضات فلم يأت إلا بهذا
الكلام البارد في بحث طويل جداً تتبعت فيه بحمد الله كل أحاديث خالد بن مخلد عند
البخاري.
فالحمد لله على فضله وإنعامه.
وكتب خالد الحايك.
شاركنا تعليقك