أثر ابن عباس في قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام-: «فَلَمَّا
جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هَذَا رَبِّي، فَعَبَدَهُ حَتَّى
غَابَ عَنْهُ...»!
سئلت: هل صح ما رواه عَلِيُّ بنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابنِ
عَبَّاسٍ قَالَ - في قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام-: "فَلَمَّا جَنَّ
عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هَذَا رَبِّي" فَعَبَدَهُ حَتَّى
غَابَ عَنْهُ..."؟
فأجبت: هذا الأثر منكرٌ جداً!! ففيه أن إبراهيم عليه
الصلاة والسلام قد عَبَد الكواكب!! وهذا باطل!
وهو من النسخة التفسيرية التي رواها عليّ بن طلحة عن ابن
عباس.
وهي نسخة مشهورة رواها أَبُو صَالِحٍ كاتب الليث، عن
مُعَاوِيَة بن صَالِحٍ الحمصي قاضي الأندلس، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ.
وقد روى الطبري وابن أبي حاتم في «تفسيريهما» هذا الأثر في
قَوْله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}: يَعْنِي بِهِ: الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
وَالنُّجُومَ. {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا
رَبِّي} [الأنعام: 76] فعَبَدَهُ حَتَّى غَابَ، فَلَمَّا غَابَ قَالَ: لَا أُحِبُّ
الْآفِلِينَ، فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ: هَذَا رَبِّي، فَعَبَدَهُ
حَتَّى غَابَ، فَلَمَّا غَابَ قَالَ: لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ
مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ. فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ: هَذَا
رَبِّي، هَذَا أَكْبَرُ فَعَبَدَهَا حَتَّى غَابَتْ، فَلَمَّا غَابَتْ قَالَ: يَا
قَوْمِ، إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ.
وعلي بن أبي طلحة هذا أجمع أهل العلم على أنه لم يسمع من
ابن عباس، ولم يره.
وذهب بعضهم إلى أنه سمع التفسير من مجاهد عن ابن عباس!
ولهذا قبلوا هذه النسخة التفسيرية لمعرفة الواسطة بينهما، وقوّى ذلك الحافظ ابن
حجر!
وقال النحّاس: "وإِنَّمَا أَخَذَ التَّفْسِيرَ عَنْ
مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ، وهَذَا الْقَوْلُ – أي الانقطاع بين علي وابن عباس- لَا
يُوجِبُ طَعْنًا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ رَجُلَيْنِ ثِقَتَيْنِ، وَهُوَ فِي
نَفْسِهِ ثِقَةٌ صَدُوقٌ".
وهذا الذي قاله النحاس أخذه من شيخه الطحاوي! وفيه نظر!
فلم يثبت أنه سمع التفسير من مجاهد أو عكرمة! وأين أصحاب مجاهد وعكرمة عنه؟!
قال يعقوب بن إِسْحَاق بن محمود الفقيه: سئل يعني: صالح بن
مُحَمَّد - جزرة - عَن علي بْن أَبِي طلحة ممن سمع التفسير؟ قالَ: "من لا أحد"!
وقال أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: "لَيْسَ مِمَّنْ
يُعْتَمَدُ عَلَى تَفْسِيرِهِ الذي يُروى عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْهُ".
وقال الخليلي: "وتَفْسِيرُ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ
قَاضِي الْأَنْدَلُسِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَوَاهُ الكِبَارُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ كَاتَبِ اللَّيْثِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ،
وَأَجْمَعَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّ ابْنَ أَبِي طَلْحَةَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ. وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَرِهُوا تَصْنِيفَ التَّفْسِيرِ
إِلَّا مَا يَكُونُ عَنِ الثِّقَاتِ، وعَابُوا عَلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ
أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ مَا فَسَّرَ، وَلَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى قَائِلِهِ".
وقد حدّث معاوية بن صالح بهذه النسخة بمصر لما قدم إلى
الحج، وسمعها منه عبدالله بن صالح، ومعاوية بن صالح كان ينفرد بأشياء منكرة!
فيمكن أن يكون ما في هذه النسخة من منكرات منه، ويمكن أن
تكون من علي بن أبي طلحة نفسه! وهو عنده منكرات!
قال أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: "عَلِيُّ بْنُ أَبِي
طَلْحَةَ لَهُ أَشْيَاءُ مُنْكَرَاتٌ".
فيمكن أن يكون جمع التفسير عن ابن عباس من الثقات وغيرهم
فأرسله كله فوقعت هذه المناكير في هذه النسخة، فلا يُحتج بها إلا فيما وافق فيه
غيره.
وهناك أشياء أخرى تتعلق بترجمة علي بن أبي طلحة وتفسيره
وبعض الإشكالات سأنشرها بإذن الله في بحث خاص.
شاركنا تعليقك