التوقف في الحكم على الكافر
الأصلي! وحديث: «حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار» من مراسيل الزهري!
سئلت: هل يجوز التوقف في الحكم على الكافر الأصلي (اليهودي
أو النصراني أو الملحد..) بأنه في النّار؟!!
فقلت: الحمد لله مُذل أهل الشرك والكافرين، والصلاة
والسلام على نبيه رافع راية التوحيد وإمام المرسلين، وعلى آله وصحبه أئمة
الموحدين، ومن سار على دربهم إلى يوم الدّين، أما بعد:
فإننا نعيش في زمان غربة حقيقية!! أصبح فيها تحقيق التوحيد
والكفر بالنديد جريمة عند من كان في العلم بهيمة. فلم يخطر في بال المرء ـ صحيح
الاعتقاد - أن يأتي زمان يلتبس على العامة فضلاً عن طلب العلم هل الكافر الأصلي من
أهل النار أم يتوقف في ذلك!! وتلك هي البلية والرزية!! فقد رُمي في الزمان أهل
التوحيد عن قوس واحدة! وحاربهم أهل الفسق والضلال بفتاوى أئمة الكفر وأئمة الضلال
وأئمة السوء!!
فقد ألحدوا في الواضحات غير متشابهات التي نزل بها جبريل
من رب العالمين!! وقد قيل: من لم يعرفه أصحاب محمد فليس من الدّين!! فهل شك أصحاب
محمد في كفر وتبشير من لم يدين بالإسلام؟؟ سبحانك هذا بهتان عظيم!!
ومن شدة الحيرة في المسلّمات الواضحات التي تعيشها الأمة
والتي بسببها تسلط أعدائها عليها يذلوها بما اقترفه أئمة السوء!! حتى صار الكافر
الأصلي عندهم مُتوقف في أمره! ولا يجوز القطع بأنه من أهل النار!! بل يُترحم عليه،
وقد يكون من أهل الجنة!! أليس هذا تكذيب للقطعيات والدلالات الواضحات؟؟
رحماك يا الله.
فلماذا إذن بُعثت الرسل؟!! وأهريقت الدماء في نشر التوحيد
ورفع رايته؟!
أيُعقل أن يكون الكافر الأصلي من أهل الجنة؟!
إن في ذلك تعدٍّ واضح على الآيات القرآنية، والحجج
النبوية، وإبطال لها! فإنا لله وإنا إليه راجعون!
قال الله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ
هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}، فأي وضوح أكبر من هذه الآية؟
فهذه الآية يعلمها العامي، فإذا تلوتها عليه يقول: كل من
مات وهو لا يدين بالإسلام فهو في نار جهنم! وإذا قلت له: ما رأيك لو نَكل أمره إلى
الله؟ لقال لك: أنت تكذب القرآن!!
وجهم بن صفوان يُكفر من توقف في هذا! لكن هي غربة الإسلام
الحقيقية!! ولم يخطر ببال السلف ولا واحد من الأئمة التوقف في هذه المسألة! وقد
رُوي في الحديث: «حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار»، وهذا الحديث رُوي
مرفوعاً من حديث الإمام الزهري (توفي 124هـ)، والصواب أنه من مراسيل الزهري، ومراسيل
الزهري ضعيفة، لكن هذا الحديث المرسل يدلّ على اعتقاد مشتهر ومنتشر في ذلك الوقت
في زمن التابعين، وعادة ما يكون الشيء المنتشر بين الناس يُرفع للنبي صلى الله
عليه وسلم خطأ لشهرته بينهم.
ومع هذا فقد صحح إسناده الشيخ الألباني، وقال في «أحكام
الجنائز»: "وإذا زار قبر الكافر فلا يُسلّم عليه، ولا يدعو له، بل يبشره
بالنار، كذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث سعد بن أبي وقاص.. «حيثما
مررت بقبر كافر فبشره بالنار»...".
وقال في موضع آخر: "وفي هذا الحديث فائدة هامة
أغفلتها عامة كتب الفقه، ألا وهي مشروعية تبشير الكافر بالنار إذا مر بقبره. ولا
يخفى ما في هذا التشريع من إيقاظ المؤمن وتذكيره بخطورة جرم هذا الكافر حيث ارتكب
ذنبا عظيما تهون ذنوب الدنيا كلها تجاهه ولو اجتمعت، وهو الكفر بالله عز وجل
والإشراك به الذي أبان الله تعالى عن شدة مقته إياه حين استثناه من المغفرة فقال:
{إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}، ولهذا قال صلى الله
عليه وسلم: (أكبر الكبائر أن تجعل لله ندا وقد خلقك) متفق عليه. وإن الجهل بهذه
الفائدة مما أودى ببعض المسلمين إلى الوقوع في خلاف ما أراد الشارع الحكيم منها،
فإننا نعلم أن كثيراً من المسلمين يأتون بلاد الكفر لقضاء بعض المصالح الخاصة أو
العامة، فلا يكتفون بذلك حتى يقصدوا زيارة بعض قبور من يسمونهم بعظماء الرجال من
الكفار ويضعون على قبورهم الأزهار والأكاليل ويقفون أمامها خاشعين محزونين، مما
يشعر برضاهم عنهم وعدم مقتهم إياهم، مع أن الأسوة الحسنة بالأنبياء عليهم السلام
تقضي خلاف ذلك كما في هذا الحديث الصحيح واسمع قول الله عز وجل: {قد كانت لكم أسوة
حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءآؤ منكم ومما تعبدون من دون
الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا} الآية، هذا موقفهم منهم
وهم أحياء فكيف وهم أموات)؟...".
وما انتشر من فتاوى معاصرة بأنه لا يجوز القطع لأحد بأنه
في الجنة أو النار في سياق السؤال عن الحكم على الكافر الأصلي هل هو في النار! فهذا
من الكفر المبين!! فالأئمة عندما قرروا عقيدة أهل السنة والجماعة وذكروا بأنه
"لا نشهد على أحد من أهل القبلة أنه في النار، لذنب عمله، ولا لكبيرة أتاها،
إلا أن يكون في ذلك حديث، كما جاء في حديث.."، فإنما يتكلمون على المسلمين لا
على من مات وهو لا يدين بالإسلام!! ثم هم يتكلمون على عدم الحكم عليه بأنه في
النار لذنب عمله أو لا "لكفر"!
فالذنب وارتكاب الكبيرة ليس كفراً، فتنبه!!
بل إن الأئمة قد حكموا على من ارتد بأنهم في النار! فكيف
بمن كان كافراً أصلياً؟!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عن مانعي الزكاة:
"... وقد روي أن طوائف منهم كانوا يقرون بالوجوب ـ- وجوب الزكاة ـ ومع هذا
فسيرة الخلفاء فيهم واحدة وهي قتل مقاتيلهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم، والشهادة
على قتلاهم بالنار...".
قال الإمام محمد بن عبدالوهاب معلقاً: "فتأمل كلامه
في تكفير المعين، والشهادة عليه إذا قتل بالنار".
وفي حديث وَفْد بُزَاخَةَ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ إِلى أَبِي
بَكْرٍ يَسْأَلُونَهُ الصُّلْح، خَيَّرَهُمْ أَبُو بَكْرٍ بَيْنَ الحَرْبِ
المُجْلِيَةِ أَوِ السَّلْمِ الْمُخْزِيَةِ، فقَالُوا: هَذَا الحَرْبُ
الْمُجْلِيَةُ قَدْ عَرَفْنَاهَا، فَمَا السَّلْمُ الْمُخْزِيَةُ؟ قال أَبُو
بَكْرٍ: «تُؤَدُّونَ الحَلْقَةَ وَالكُرَاعَ، وتتركون أَقْوَامًا تَتَّبِعُونَ
أَذْنَابَ الْإِبِلِ حَتَّى يُرِيَ اللَّهُ خَلِيفَةَ نَبِيِّهِ وَالْمُسْلِمِينَ
أَمْرًا يَعْذِرُونَكُمْ بِهِ، وَتَدُونَ قَتْلَانَا وَلَا نَدِي قَتْلَاكُمْ،
وَقَتْلَانَا فِي الجَنَّةِ وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّار».
والذي ندين الله به أننا نعتقد أن الذي لا يدين
بالإسلام إذا مات على ذلك فهو في النار خالداً مخلداً فيها ولعنه الله وغضب عليه،
ومن ظن أو شك أو توقف فيه إذا مات على ذلك بأن الله قد يرحمه ويدخله الجنة فقد كفر
بما أنزل على محمد كفراً يخرج به عن الإسلام!! ولا يعذر فيه بجهل!! لأن هذا ما لا
يجهله جاهل!! كيف وقد وجبت به التفرقة في الدنيا!
شاركنا تعليقك