«الإِفادات» في بعض السماعات (1).
«جَلاءُ الشَّك والرَّيْب» حول سَماعِ عَبدالله وسُليمان من
أَبيهما بُريدة بن الحُصَيْب.
الحمدُ لله العليّ الأكرم، الذي علم بالقلم، والصلاة والسلام على
النبيّ الأعظم، وعلى آله وصحبه الأَنجم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين، وبعد:
فقد اختلف أهل العلم في سماع سليمان وعبدالله ابني بُريدة بن الحُصَيْب
- رضي الله عنه - مع أنهما عاشا في كنف والدهما زمناً يؤهلهما للسماع منه كما جاء
في ترجمتيهما من كتب أهل العلم!
وكان لرأي الإمام البخاري في إثبات السماع ونفيه حولهما الميدان
الأوسع للحديث عن الشرط المنسوب للإمامين البخاري ومسلم في اشتراط السماع أو
المعاصرة!!!
ولا بدّ من التنبيه قبل الشروع في الكلام على هذه المسألة المهمة:
إن مسألة التنظير للقواعد لم تكن حاضرة في أذهان الأقدمين كالبخاري وغيره، فهم
كانوا يَنْظرون للأحاديث نظرة شاملة، فتراهم يُصححون ويُضعّفون ضمن مقاييس عندهم
لا ضمن قوالب جامدة كما هو الحال عند المتأخرين والمعاصرين! ولكنهم في الوقت ذاته
لا تجدهم يخالفون الكليات المعروفة عندهم مما قرره علماء الأمة من النقاد.
فالبخاري مثل غيره من العلماء يعتني باللقاء والسماع، ويقبل أيضاً
المعاصرة ضمن معايير نقدية عنده، وأحياناً يتزمّت ويتشدد كما في سماع «عبدالله بن
بُريدة» من أبيه! ولا أحد يقول إن عبدالله لم يسمع من أبيه! ففي هذا بُعد واضح!
لكن كم حجم الرواية التي سمعها من أبيه؟!
وعليه فوضع هؤلاء العلماء ضمن ما قرره الذين نظّروا من المتأخرين
لا ينبغي!!!
وسنكشف في هذا البحث إن شاء الله عن وجهة نظر البخاري والتزامه
بشرطه الذي خطّه لنفسه وغير ذلك من المسائل المهمة.
·
ترجمة مختصرة لسليمان وعبدالله
ابني بُريدة:
إذا نظرت في ترجمة عَبْداللَّهِ بن بُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْب
الأَسْلَمِيّ أبي سهل، وأخيه سليمان بن بريدة بن الحُصَيْب الأسلمي في كتب التراجم
تجد أن أهل العلم يذكرون أنهما تَوْأَمين وُلِدَا فِي بَطْنٍ واحد!!
·
الرواية التي جاء فيها أن ابني
بُريدة ولدا في بطن واحد منكرة! وراويها مجهول!!
وقيل ولدا بالمدينة في السنة الثالثة من خلافة عمر بن الخطاب سنة
خمس عشرة.
روى ابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (2/984) (4237) عن الحَوْطِيّ
عَبْدالوَهَّاب بن نَجْدَة.
وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (7/165) عن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيمَ
بنِ كَثِيرٍ العَبْدِيّ.
وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (27/127) من طريق زكريا بن عدي
والمنجاب بن الحارث الكوفيان.
أربعتهم عن يَحْيَى بن وَاضِحٍ أَبي تُمَيْلَةَ المروزي، قال:
حَدَّثَنِي رُمَيْح بنُ هِلالٍ الطَّائِيّ قالَ: سَمِعْتُ
عَبْداللَّهِ بنَ بُرَيْدَةَ يَقُولُ: وَلَدَتْ لِثَلاثَةِ أَيَّامٍ خَلَوْنَ مِنْ
خِلاَفَة عُمَر بْنِ الْخَطَّاب، فَجَاءَ غُلامٌ لَنَا إِلَى أَبِي وَهُوَ عِنْدَ
عُمَر، فَقَالَ: وُلِدَ لَكَ غلامٌ، فَقَالَ: أنت حر، قَالَ: وُلِدَ أَخِي
سُلَيْمَان، وَكَانَا توأم، فَجَاءَ غلامٌ لَنَا آخَرُ فَقَالَ: قَدْ وُلِدَ لَكَ
غُلامٌ، قَالَ: قَدْ سَبَقَكَ فُلانٌ، قَالَ: إِنَّهُ آخَرُ، فَقَالَ عُمَر:
وَهَذَا - يَعْنِي أَعْتِقْهُ.
قَالَ: إِنْ كَانَ آخَرُ فَأَنْتَ حُرٌّ، قَالَ: فَلَمْ يَبْرَحْ
أَبِي حَتَّى فَرَضَ لَنَا عُمَر مَا يَفْرِضُ لِلذُّرِّيَّةِ.
·
اعتراض الذهبي على ذكر ولادة ابني
بريدة سنة (15) هجرية!
وقد ذكر هذا الذهبي في «تاريخ الإسلام» (3/256): "وعَنِ ابن
بُرَيْدَةَ قَالَ: وُلدتُ أَنَا وأخي لثلاثٍ خَلَوْن مِنْ خلافة عُمَر".
ثم تعقبّه، فقال:" قلتُ: أراهُ وُلد بعد ذَلِكَ بمُدَيْدَة،
فإنّ الفضل السّيناني رَوَى عَنْ حُسَين بن واقد، عَنْه قَالَ: جئتُ إلى أمّي
فقلت: يا أُمّاه، قُتِل عثمان، فقالت: يا بُنَيّ اذهب فالعب مَعَ الغِلْمان".
قلت: أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (27/129).
والحسين بن واقد قاضي مرو قد سمع من عبدالله بن بريدة، وهو يروي
المناكير عنه، وهذا في الأحاديث المرفوعة، ويخالف غيره في حديثه عن عبدالله، لكن
هذه مما يقبل منه إذ أنها ليست بحديث مرفوع، وإنما قصة سمعها من عبدالله تخّصه،
فهذا مما يقبل منه سيما وقد سمع منه.
وما ذكره الذهبي أرجح؛ لأن راوي القصة الأولى: رُميح بن هلال
مجهول لا يُعرف!
قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/522): سألت أبي عنه؟
فقال: "مجهول، لا يُعرف، لا أعلم روى عنه غير أبي تميلة".
وقال ابن حبان: "ينفرد عن المشاهير بالمناكير". [ميزان
الاعتدال: 2/54].
والراوي عنه أبو تُميلة صدوق وكان يكتب عن كلّ ضرب!!
قال الأثرم في «سؤالاته لأحمد» (ص: 33): سمعت أبا عبدالله يُسأل عن
أبي تميلة، يحيى بن واضح، كيف هو، ثقة؟ فقال: "ليس به بأس"، ثم قال: "أرجو
إن شاء الله أن لا يكون به بأس". ثم قال: "كتبنا عنه على باب هشيم، ثم
بقي بعد ذلك زمانا، وكان يختلف يكتب الحديث"، قيل له: كان يكتب عن كل ضرب؟
فقال: "نعم، كان يكتب عن كِلٍّ".
فإذا كان يوم مقتل عثمان سنة (35هـ) غلاماً يعني لم يبلغ الحُلم بعد،
فتكون ولادته تقريباً نهاية خلافة عمر أو في بداية خلافة عثمان، يعني يكون عمره
تقريباً (10) سنوات وولادته سنة (25هـ)، والله أعلم.
وبحسب هذه القصة التي رواها رُميح بن هلال فإن عبدالله ولد قبل
سليمان. وقد اعتمد عليها أهل العلم في ذلك والترجمة لهما.
قال عباس بن محمد الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: "عبدالله
بن بريدة وسليمان بن بريدة هما توأم ولد هذا قبل هذا بساعة".
وقال خليفة بن خياط: "عبدالله وسليمان ابنا بريدة بن حصيب بن
أسلم هما توأم ولدا في خلافة عمر، وعبدالله أسنهما".
وقال البخاري: "قَالَ نعيم بن حماد: حدثنا
أَبُو مُحَمَّد المَرْوَزِيّ عَنْ عَبْداللَّه بن بريدة عَنْ أخيه سُلَيْمَان بْن
بريدة، وَكَانَا ولدا فِي بطن واحد على عهد عُمَر".
وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سئل أبي عن
عبدالله بن بريدة، فقال: "ثقة هو وأخوه سليمان، توأمان، ولدا في بطن واحد".
وفي بعض النسخ "ثقتان" بدل "توأمان".
وقال ابن حبان: "سُلَيْمَان بن
بُرَيْدَة... ولد هُوَ وَأَخُوهُ عبدالله بن بُرَيْدَة فِي بطن وَاحِد على عهد عمر
لثلاث خلون من خِلَافَته".
وقال أبو نصر الكُلاباذي: "عبد لله بن بريدة بن الحُصَيْب بن
عبدالله بن الحارث بن الأعرج بن سعد بن رَزَاح بن عدي بن سهم بن مازن بن الحارث بن
سلامان بن أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر الأسلمي البصري، قاضي مرو، أخو
سليمان وكانا توأمين، ولد عبدالله قبل سليمان".
وقال المزي: "سُلَيْمان بن بريدة بن
الحصيب الأَسلميّ المروزي، أخو عَبد اللَّهِ بْن بريدة، ولدا فِي بطن واحد عَلَى
عهد عُمَر بْن الخطاب".
وقال مُغلطاي: "وكان عبدالله ولد قبل سليمان، فكان سليمان
يعرف له فضله بقدر ذلك".
وقيل إن سليمان ولد قبل عبدالله بساعة.
وقال العجلي في «الثقات»: "سليمان بن بريدة: تابعي، ثقة، وهو
أكبر من أخيه عبدالله".
وقد حدّث عبدالله عن: أبيه بريدة، وابن عمر، وأبي موسى الأشعري،
وعبدالله بن عباس، وأبي هريرة، ومعاوية، والمغيرة بن شعبة، وسمرة بن جندب، وعائشة،
وسعيد بن المسيب، ويحيى بن يَعمُر، وحميد بن عبدالرحمن الحميري. ووفد على معاوية
مع أبيه.
روى عبدالله بن بريدة عن علي بن أبي طالب: «تزاوروا وتذاكروا»
الحديث، وعن عمران بن حصين: حديث الناسور وحديث صلاة القاعد، وعن ابن عمر: «أنه
طعم عند الحجاج»، وعن عبدالله بن مُغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يغلبنكم
الأعراب»، وحديث: «بين كل أذانين صلاة»، وعن سمرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم
صلى على امرأة»، وعن أبي موسى في الدعاء، وعن حويطب بن عبد العزى: «رفقة فيها جرس»،
وعن ابن عباس: «أن رجلاً شتمه»، وعن أبي برزة حديث الحوض، وعن شداد بن أوس حديث
الخاتم، وعن المغيرة بن شعبة حديث المسح على الخفين.
وحدّث سليمان عن: أَبِيهِ بريدة الأَسلميّ، وعِمْران بن حصين،
ويحيى بن يعُمَر، وعائشة أم المؤمنين.
وقال خليفة بن خياط في الطبقة الثالثة من تابعي أهل البصرة: "عبدالله
بن بريدة بن حصيب الأسلمي يكنى أبا سهل".
وكان عبدالله بن بريدة قاضي مرو أربعاً وعشرين سنة، وكان يأخذ
الرزق على القضاء كان يزيد بن المهلب استقضاه، فلم يزل قاضياً حتى كان في ولاية
أسد بن عبدالله.
قال الذهبي في «تذكرة الحفاظ»: "عبدالله بن بريدة بن الحُصَيْب
الحافظ أبو سهل الأسلمي المروزي قاضي مرو وعالم خراسان... وهو متفق على الاحتجاج
به، وقد عاش مائة سنة، توفي خمس عشرة ومائة، وقد نشر علماً كثيراً".
وقال في «السير»: "عَبْدُاللهِ بنُ بُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْب الحَافِظُ،
الإِمَامُ، شَيْخُ مَرْو وَقَاضِيْهَا، أَبُو سَهْلٍ الأَسْلَمِيُّ،
المَرْوَزِيُّ، أَخُو سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، وَكَانَا تَوْأَمَيْنِ، وُلِدَا
سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ فَأَكْثَرَ... وَكَانَ مِنْ
أَوْعِيَةِ العِلْمِ".
وكان موت عبدالله بن بريدة بـ «جَاوَرْسَة» قرية من قرى مرو، ومات
سليمان بن بريدة بـ «فَنِين» - بالفتح ثم الكسر، وياء مثناة من تحت ساكنة، ونون،
وأهلها يقولون فني، بغير نون- من قرى مرو وقبره بها، وكان بين موته وموت أخيه عبدالله
بن بريدة عشر سنين، مات سليمان قبله بعشر سنين سنة (105هـ).
قال ابن حبان في «صحيحه» (6/259): "لما وقعت فتنة عثمان
بالمدينة خرج بريدة عنها بابنيه، وسكن البصرة، وبها إذ ذاك عمران بن حصين، وسمرة
بن جندب، فسمع - أي عبدالله بن بريدة- منهما، ومات عمران سنة اثنتين وخمسين في
ولاية معاوية، ثم خرج بريدة منها بابنيه إلى سجستان، فأقام بها غازياً مدة، ثم خرج
منها إلى مرو على طريق هراة، فلما دخلها قطنها، ومات سليمان بن بريدة بمرو وهو على
القضاء بها سنة خمس ومائة".
·
وهم للإمام مسلم!
ولما ذكره مسلم وأخاه في الطبقة الثانية من أهل البصرة قال: "مات
هو وأخوه في يوم واحد بمرو، وولدا في يوم واحد".
فتعقبّه ابنُ حِبَّانَ فقال: "وُلِدَ ابنَا بُرَيْدَةَ فِي
السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَمَاتَ
سُلَيْمَانُ بنُ بُرَيْدَةَ بِمَرْوَ، وَهُوَ عَلَى القَضَاءِ بِهَا، سَنَةَ
خَمْسٍ وَمائَةٍ، وَوَلِيَ أَخُوْهُ بَعْدَهُ القَضَاءَ بِهَا، فَكَانَ عَلَى
القَضَاءِ إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ، فَيَكُوْنُ عُمُرُ
عَبْدِاللهِ مائَةَ عَامٍ، وَأَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُمَا مَاتَا فِي
يَوْمٍ وَاحِدٍ".
وأكثر الذين يذكرون حديث عبدالله عن أبيه من أهل خراسان.
وأما سليمان فأكثرهم رواية عنه: علقمة بن مَرْثَد.
وكان أولاد عبدالله أربعة: سهل، وأوس، وصخر، وجميل.
أما سهل بن عبدالله بن بريدة فله رواية عن أبيه، وقيل إنه هرب
من أبي مسلم أيام خروجه، وإنما كان هربه؛ لأن لاهز بن قريظ سأل أبا مسلم أن يمكنه
من سهل فيقتله فلذلك هرب.
وروى عن سهل: أخوه أوس، وأوس لم يدرك أباه، وكان أكثر
روايته عن أخيه سهل، ومات أوس بعد خروج المأمون من مرو سنة إحدى أو اثنتين ومائتين،
وروى عنه: الحسين بن حريث، وأبو بريدة محمد بن الحُصَيْب، وأبو صالح سليمان بن
صالح، وإسحاق بن إبراهيم، وجماعة، وأكثرهم رواية الحسين بن حريث.
وصخر لم يرو عن أبيه شيئاً، ومن أولاد صخر: حماد بن صخر بن عبدالله بن
بريدة، وكان من أهل الدعوة، وبشر بن صخر بن عبدالله بن بريدة، وذكر أن بشراً ولي
قتل لاهز بن قريظ، وذلك أن أبا مسلم لما غضب على لاهز سأل بشر أن يوليه قتله ففعل
فأمكنه قتله.
ولهم عقب بمرو بقرية تدعى «فَنِين»: حاتم بن سهل بن عبدالله، ومحمد
بن سهل بن أوس بن عبدالله بن بريدة، وبـ «جاورسة»: سهيل بن حاتم بن سهل بن عبدالله
بن بريدة، والنضر بن أوس بن عبدالله.
وكان لسليمان من الولد: قيس وحمزة. ومن ولد حمزة: حصيب بن
حمزة. ومن ولد حصيب: محمد بن الحُصَيْب، وهو أبو بريدة، وكان يُحدّث عن أوس، وعن
الفضل بن موسى، ومحمد بن شجاع. [مستفاد من تاريخ ابن أبي خيثمة، وتاريخ دمشق].
·
كلام أهل العلم في عبدالله
وسليمان:
·
ترجيح سليمان على أخيه عبدالله!
قال عبدالله بن أحمد في «العلل» (1/409): سَأَلت أبي: أَيّمَا أوثق
سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة أَو عبدالله؟ قالَ: "سُلَيْمَان أوثق وَأفضل".
قَالَ أبي: قَالَ وَكِيع: "يرَوْنَ أَن سُلَيْمَان أصَحهمَا
حَدِيثا - يَعْنِي ابْني بُرَيْدَة".
وقال إسماعيل بن أبي الحارث: حدثنا أحمد - يعني ابن حنبل-، عن وكيع
قال: "يقولون: إن سليمان، يعني ابن بريدة كان أصح حديثاً وأوثق من عبدالله بن
بريدة". [الجرح والتعديل: 4/102].
وقال عبدالله بن أحمد: قال أبي: "عبدالله بن بُرَيْدَة
الَّذِي روى عَنهُ حُسَيْن بن وَاقد مَا أنكرها! وَأَبُو المُنِيب أَيْضاً،
يَقُولُونَ: كَأَنَّهَا من قبل هَؤُلَاءِ".
قلت: يعني أن هذه المناكير التي تُروى عن عبدالله بن بريدة من حسين
بن واقد وأبي المُنيب.
وقال أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَانِئٍ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِاللَّهِ:
ابْنَا بُرَيْدَةَ: سُلَيْمَانُ وَعَبْدُاللَّهِ؟ قالَ: "أَمَّا سُلَيْمَانُ
فَلَيْسَ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ، وأَمَّا عَبْدُاللَّهِ، ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ
قال: كَانَ وَكِيعٌ يَقُولُ: كَانُوا لِسُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ أَحْمَدَ
مِنْهُمْ لِعَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، أَوْ شَيْئًا هذا مَعْنَاهُ".
·
رأي أحمد في سماع سليمان وعبدالله
من أبيهما:
وزاد ابن عساكر في رواية: قلت لأبي عبدالله: سمعا من أبيهما؟
قال: "ما رأيت أحداً يشك في هذا أنهما سمعا" [تاريخ دمشق: 27/134].
وقال سلمة بن شبيب، عن أحمد بن حنبل قال: حدثنا وكيع قال: "يقولون:
إن سليمان كان أصحهما حديثاً، وأوثقهما - يعني ابني بريدة". [المعرفة
والتاريخ: 3/29].
وقال المَيْمُونِيّ: سَأَلته - يعني أحمد- عَن إبني بُرَيْدَة؟ فقالَ:
"سُلَيْمَان أحلى فِي القلب، وَكَأَنَّهُ أصَحهمَا حَدِيثاً، وعبدالله لَهُ
أَشْيَاء إِنَّا ننكرها من حُسنها، وهُوَ جَائِز الحَدِيث" [العلل - رواية
المروذي وغيره: ص: 199].
قلت: هذا هو سبب تقديم أحمد لسليمان على أخيه عبدالله، لكن هذه الأحاديث
الحسنة = الغريبة المنكرة إنما البلاء فيها من الرواة عنه كحسين بن واقد وأبي
المنيب، وهذا ما صرّح به أحمد نفسه.
وقال أبو طالب: قال أحمد بن حنبل: "سليمان بن بريدة أوثق من
عبدالله بن بريدة". [الجرح والتعديل: 4/102].
·
توقف أحمد في سماع عبدالله من أبيه
وميله إلى أنه لم يسمع منه!
وقال حنبل بن إسحاق: سألت أبا عبدالله أحمد بن حنبل عن عبدالله بن
بريدة وسليمان؟ فقال: "قال وكيع: كانوا يقدمون سليمان بن بريدة على عبدالله"،
قلت لأبي عبدالله: فسمع عبدالله من أبيه شيئاً؟ قال: "لا أدري" [تاريخ
دمشق: 27/133].
وقال محمد بن علي الجوزجاني: قلت لأبي عبدالله - يعني أحمد بن حنبل-
سمع عبدالله من أبيه شيئاً؟ قال: ما أدري! عامة ما يُروى عن بريدة عنه، وضعّف
حديثه" [تهذيب التهذيب: 5/158]. [كذا عند ابن حجر، وكذا عند مغلطاي: وسيأتي
في معجم البغوي: "قال: لا، عامة ما يروي عن بريدة، وضعّف
حديثه"].
·
رد ابن عساكر* على أحمد في توقفه
في سماع عبدالله بن بريدة من أبيه!
قال الجوزجاني: "ورأيت سليمان أخاه عنده أكثر منه".
قال ابن عساكر - بعد أن ساق كلام أحمد، والجوزجاني": "لا
أدري ما معنى قول أحمد هذا! فإن عبدالله بن بريدة ولد في خلافة عمر بن الخطاب وبقي
أبوه بريدة إلى أيام يزيد بن معاوية، فكيف لم يسمع منه! على أن أحمد قد روى له
حديثاً أنه وفد مع أبيه على معاوية، فكيف خفي سماعه منه!".
قلت: وُفُوده مع أبيه على معاوية لا يعني أنه كان كبيراً، فقد يفد
الصغير مع والده أيضاً. وابن عساكر وغيره من أهل العلم إنما بنوا اعتراضاتهم على
ما جاء في قصة رُميح أن عبدالله وسليمان ولدا في خلافة عمر سنة (15هـ)! وقد بينت
وهاء تلك القصة.
على أني لا أرى المفاضلة بينهما رحمهما الله، فكلاهما ثقة، إلا أن
المشكلة في الرواة عنهما، فالأشياء المنكرة ليست من عبدالله وإنما من الرواة عنه!
وأكثر ما في الخلاف حولهما إنما هو في سماعهما من أبيهما!! فهناك
أقوال للإمام أحمد يثبت فيها سماع سليمان من أبيه، وينفيه عن عبدالله! ولهذا ضعّف
حديثه!! ورد عليه ابن عساكر واستغرب كيف خفي عليه سماعه من أبيه!
لكن في رواية عن ابن هانئ أنه لا يشك أحد في أنه سمع من أبيه - كما
تقدم-، فأثبت سماعه من أبيه ولا يشك أحد في ذلك.
والذي أراه أن أحمد إنما ضعّف هذه الأحاديث ليس من قبل عبدالله،
وإنما من الرواة عنه كما هو صريح كلامه المتقدم.
وبسبب ما ذكر أحمد عن وكيع، وقول أحمد في عبدالله بن بريدة ذكره
العقيلي في «الضعفاء» (2/238) (790) ولم يزد على ذكره لقول ابن هانئ عن أحمد، وقول
أحمد عن وكيع، وإشارته أن النكارة في حديثه من قِبل حسين بن واقد وأبي المنيب.
وقد تأثر ابن عساكر بهذه الأقوال، فقال: "وقد أحسن سليمان
الرواية عن أبيه، ويُقال: إنه أثبت من أخيه فيما روي عنه"!!
* تنبيه:
لما جمعت مادة هذا البحث على فترات متباعدة نقلت ما عند ابن عساكر
من أقوال نقلها عن الأئمة، وكان مما نقلت عنه:
ما ذكره في كتابه (27/135) بإسناده إلى أبي محمد بن أبي
حاتم: أخبرنا عبدالله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إليّ قال: قال أبي: "عبدالله
بن بريدة ثقة هو وأخوه سليمان، هما ثقتان ولدا في بطن واحد".
فكتبت في أصل البحث لما تكلمت على
الاختلاف على أحمد في عبدالله بن بريدة: [قال عبدالله: قال أبي: "عبدالله
بن بريدة ثقة هو وأخوه سليمان هما ثقتان، ولدا في بطن واحد"].
ولم أشر إلى هذا الكلام كون ما ينقله ابن أبي حاتم من كتاب عبدالله
عن أبيه المعروف فاعتمدته.
وقد نبهنا الأخ أحمد عوف - شكر الله له - على أن هذا القول ليس
لأحمد، وإنما هو لأبي حاتم، وقد حصل سقط في النسخة التي نعتمدها من مطبوع كتاب ابن
عساكر، وأشار لهذا القول في كتاب ابن أبي حاتم (5/13) قال:
سئل أبي عن عبدالله بن بريدة، فقال: "ثقة هو وأخوه سليمان توأمان، ولدا في
بطن واحد".
وكذلك بعد أن نقلت كلام الجوزجاني المتقدم
والذي هو عند ابن عساكر أيضاً في كتابه ودونته أثناء الجمع من كتابه هكذا كما جاء (27/133):
"قال الجوزجاني: ورأيت سليمان أخوه عنده أكثر منه، لا أدري ما معنى قول أحمد هذا
فإن عبدالله بن بريدة ولد في خلافة عمر بن الخطاب وبقي أبوه بريدة إلى أيام يزيد
بن معاوية، فكيف لم يسمع منه على أن أحمد قد روى له حديثا أنه وفد مع أبيه على
معاوية فكيف خفي سماعه منه".
ولما حررت البحث اعتمدت هذا، وعنونت برد الجوزجاني على أحمد، إلا
أن الأخ أحمد - جزاه الله خيراً - رجع لأصل النص وهو يرويه البغوي في كتابه «معجم
الصحابة»، ووجد أن الكلام الأخير ليس للجوزجاني، وإنما هو لابن عساكر.
والنص عند البغوي في كتابه (1/343):
"حدثني حنبل بن إسحاق: سألت أبا عبدالله
أحمد بن حنبل عن عبدالله بن بريدة وسليمان؟ فقال: قال وكيع: كانوا يقدمون سليمان
بن بريدة على عبدالله. قلت لأبي عبدالله: فسمع عبدالله من أبيه شيئاً؟ قال: لا
أدري.
حدثنا محمد بن علي الجوزجاني قال: قلت
لأبي عبدالله: أسمع عبدالله بن بريدة من أبيه شيئاً؟ قال: لا، عامة ما يروي عن
بريدة، وضعّف حديثه.
قال محمد: ورأيت سليمان أخاه عنده أكثر منه"
انتهى.
فهذا كلام الجوزجاني الذي نقله عنه
البغوي، وما بعده كلام ابن عساكر واتصل بالنص، فظننته له، وليس كذلك.
·
نفي الحافظ إبراهيم الحربي سماع
عبدالله وسليمان من أبيهما!
وقال إبراهيم الحربي (ت285هـ) - تلميذ الإمام أحمد -: "عبدالله
أتم من سليمان، ولم يسمعا من أبيهما، وفيما روى عبدالله عن أبيه أحاديث منكرة،
وسليمان أصح حديثاً" [تهذيب التهذيب: 5/158].
وقال مغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (7/258): "وفي «العلل»
للحربي: عبدالله أشهر من سليمان ولم يسمعا من أبيهما، وفيما روى عبدالله عن أبيه
أحاديث منكرة، وسليمان أصح حديثًا منه، وأكثر أصحابه من أهل الكوفة، وأما ابنه أوس
فمجهول، حديثه أشبه شيء بالباطل".
قلت: تحرفت في مطبوع «الإكمال»: "للحربي" إلى
"الحازمي"!!
·
تعقّب ابن حجر للحاكم في دعواه أن
أثبت أسانيد الخراسانيين: الحسين بن واقد عن عبدالله بن بريدة عن أبيه!
قال الحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص: 56): "وأَثْبَتُ
أَسَانِيدِ الخُرَاسَانِيِّينَ: الحُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ
بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ. ولَعَلَّ قَائِلًا يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ
لَمْ يُخَرَّجْ مِنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ إِلَّا حَدِيثَانِ، فَيُقَالُ لَهُ:
وَجَدْنَا لِلْخُرَاسَانِيِّينَ أَصَحَّ مِنْ هَذَا الْإِسْنَادِ، فَكُلُّهُمْ
ثِقَاتٌ وَخُرَاسَانِيُّونَ، وبُرَيْدَةُ بْنُ حُصَيْبٍ مَدْفُونٌ بِمَرْوَ".
فتعقبه الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (5/158) فقال بعد أن ساق
نفي من نفى سماع عبدالله من أبيه: "ويتعجب من الحاكم مع هذا القول في ابن
بريدة، كيف يزعم أن سند حديثه من رواية حسين بن واقد عنه عن أبيه أصح الأسانيد
لأهل مرو!".
قلت: أخطأ الحاكم في هذا! فحسين بن واقد ينفرد عن ابن بريدة عن
أبيه بمناكير!! ولا يُحتج بما انفرد به! فكيف يكون إسناده هذا من أثبت أسانيد
الخراسانيين؟!!
·
قراءة في ترجمة البخاري لعبدالله
وسليمان ابني بريدة:
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (5/51): "عَبْداللَّه بن
بريدة بن حصيب الأسلمي، قاضي مرو: عَنْ أَبِيه، سَمِعَ سمرة، ومن
عمران بن الحصين.
قال أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُاللَّهِ بنُ عَمْرٍو: حَدَّثَنَا عَبْدالوَارِثِ،
عَنِ الحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ بُرَيْدَةَ: قال حَدَّثَنِي
عَبْدُاللَّهِ المزني - رضي الله عَنْهُ - أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: «لا يَغْلِبَنَّكُمُ الأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلاةِ
المغرب، قال: وتقول الأعراب هي العشاء»".
ونقل ابن عساكر عن تاريخ البخاري: "عن أبيه، وسمع سَمُرة
وعمران بن حصين".
وأشار المعلمي أنه في نسخة من كتاب البخاري: "سمع سمرة وعمران
بن حصين"، وقال: "وهو الصواب".
قلت: لم يُثبت البخاري سماع عبدالله بن بُريدة من أبيه! وأثبت
سماعه من سَمُرة ومن عمران بن حصين.
قال مغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (7/257): "وقال البخاري
في التاريخ: عبدالله بن بريدة عن أبيه وسمع سمرة وعمران انتهى. فيه إشعار بل
جزم بأنه لم يسمع منه".
·
رواية تدلّ على سماع عبدالله بن
بريدة من أبيه!
وقد رُويت قصة عن عبدالله بن بريدة ساق فيها حديثاً عن أبيه حدّثه
به مما يدلّ على أنه سمع منه.
وهي: أنّ قُتَيْبَةَ بنَ مُسْلِمٍ أَرَادَ أَنْ يُوَلِّيَ عَلَى
مَرْوَ، فَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِعَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، فَسَأَلَهُ فَأَبَى،
وقَالَ: لا أَقْعُدُ عَلَى القَضَاءِ بَعْدَ حَدِيثٍ حَدَّثَنِيهِ أَبِي، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «القُضَاةُ ثَلاثَةٌ
قَاضِيَانِ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ فِي الجَنَّةِ، قَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ حَقٍّ،
وَهُوَ يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ الحَقِّ، وَهُوَ لا
يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِالحَقِّ فَهُوَ فِي الجَنَّةِ».
وذكرها مغلطاي في «إكماله» (7/257) في ترجمة «عبدالله بن بريدة» ثم
قال: "وهو يخدش فيما تقدم من ولايته القضاء، فثبت سماعه من أبيه".
قلت: هذه القصة رويت بعدة أسانيد وكلها ضعيفة منكرة!
فرواها وكيع في «أخبار القضاة» (ص: 15) من طريق جُبارة بن المغلس
الحماني الكوفي.
وابن عبدالبر في «جامع بيان العلم وفضله» (2/879) (1658) من طريق
يُوسُف بن عَدِيٍّ الكوفي.
كلاهما عن عَبْداللهِ بن بُكيرٍ الغَنَوِيّ، قال: حَدَّثَنِي حكيم
بن جبير، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُاللهِ بن بريدة قال: أراد يزيد بن المهلب
أن يستعملني على قضاء خراسان؛ فألح علي فقلت: لا والله؛ قد حَدَّثَنِي أبي
عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في: «القضاة ثلاثة: اثنان
في النار، وواحد في الجنة؛ قاض علم فقضى به فهو من أهل الجنة، وقاض علم الحق فجار
متعمداً فهو من أهل النار، وقاض قضى بغير علم واستحيا أن يقول: لا أعلم فهو من أهل
النار».
قلت: هذا إسناد مسلسل بالضعفاء!!
عبدالله بن بكير الغنوي الكوفي ليس بالقوي وعنده مناكير!
وحكيم بن جبير الأسدي الكوفي متروك! وهو متّهم بالكذب!
وروى الحاكم الحديث في «المستدرك» دون القصة (4/101) (7012) من
طريق شِهَاب بن عَبَّادٍ، عن عَبْداللَّهِ بن بُكَيْرٍ، عَنْ حَكِيمِ بنِ
جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، قال: «القُضَاةُ ثَلَاثَةٌ...».
ثم قال: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ،
وَلَهُ شَاهِدٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ".
وتعقبه الذهبي بقوله: "ابن بكير الغنوي منكر الحديث".
ورُويت القصة من طريق آخر:
رواها أبو نُعيم الأصبهاني في «المنتخب من حديث يونس بن عبيد» (89)
قال: حدثنا أَبُو أَحْمَدَ الغِطْرِيفِيُّ، قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بنُ نُوحٍ
الجُنْدَيْسَابُورِيُّ، قال: أخبرنا حَفْصُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عِيسَى أَبُو
يَحْيَى العَسْكَرِيُّ النَّاقِدُ، قال: حدثنا شُعَيْبُ بنُ وَاقِدٍ المريُّ -
بِالعَسْكَرِ -، قال: حدثنا خَاقَانُ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ الأَهْتَمِ، عَنْ
يُونُسَ بنِ عُبَيْدٍ، قالَ: أَرَادَ قُتَيْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ أَنْ
يُوَلِّيَ عَلَى مَرْوَ، فَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِعَبْدِاللَّهِ بنِ
بُرَيْدَةَ، فَسَأَلَهُ فَأَبَى، وقال: لا أَقْعُدُ عَلَى القَضَاءِ بَعْدَ
حَدِيثٍ حَدَّثَنِيهِ أَبِي، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «القُضَاةُ ثَلاثَةٌ قَاضِيَانِ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ فِي
الجَنَّةِ، قَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ حَقٍّ، وَهُوَ يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ،
وَقَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ الحَقِّ، وَهُوَ لا يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ
قَضَى بِالحَقِّ فَهُوَ فِي الجَنَّةِ».
ورواها ابن طولون في «الأحاديث المائة المشتملة على مائة نسبة إلى
الصنائع» (ص: 82) (92) من طريق شيخ الإسلام أَبي العَبَّاسِ بن تَيْمِيَةَ، قال:
أَخبرنا أَبُو الخَيْرِ بنُ أَبِي سَلامَةَ الحَدَّادُ، قال: أَخبرنا ابنُ أَبِي
الرَّجَاءِ، قال: أَخبرنا أَبُو عَلِيٍّ الحداد، قال: أَخبرنا أَبُو نُعيمٍ
الأَصْبَهَانِيُّ، به.
ورواها ابن عساكر في «تاريخه» (27/136) عن أبي القاسم ابن
السمرقندي، عن أبي الحسين ابن النقور، عن عيسى بن علي الوزير، عن أبي الحسن محمد
بن نوح الجنديسابوري، به.
·
تصحيف وتحريف وسقط في مطبوع ابن
عساكر!
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً!
شعيب بن واقد المري هو: البصري أبو مدين، وهو ضعيف!
ذكره ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/352) وقال بأن أباه سمع
منه، وقال: سمعت أبي يقول: "ضرب أبو حفص الصيرفي على حديث هذا الشيخ حيث رآه
في كتابي".
وأبو حفص الصيرفي هذا هو الفلّاس.
وقال الذهبي في «ديوان الضعفاء» (ص: 188): "واهٍ، ضرب الفلاس
على حديثه".
وخاقان بن عبدالله ضعيف أيضاً.
قال الدارقطني في «العلل» (7/164): "خاقان ليس بالقوي".
وقال الذهبي في «ميزان الاعتدال» (1/627): "ضعفه أبو داود.
ولا أعرفه".
ورُويت القصة بإسناد ثالث:
رواها ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (27/137) من طريق أبي عبدالله
محمد بن عبدالله الحافظ الحاكم النيسابوري، قال: حدثنا أَبُو أَحْمَدَ عَلِيُّ بنُ
مُحَمَّدِ الحَبِيْبِيُّ - بمرو -، قال: حدثنا إبراهيم بن هلال البُوْزَنْجِرْدِيّ،
قال: أخبرنا علي بن الحسن بن شقيق، قال: سمعت أبا حمزة السكري يقول: "استشار
قتيبة بن مسلم أهل مرو في رجل يجعله على القضاء فأشاروا عليه بعبدالله بن بريدة،
فدعاه، وقال له: إني قد جعلتك على القضاء بخراسان! فقال ابن بريدة: ما كنت لأجلس
على قضاء بعد حديث سمعته من أبي بريدة، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«القضاة ثلاثة: فاثنان في النار وواحد في الجنة، فأما الإثنان فقاض قضى بغير الحق
وهو يعلم فهو في النار، وقاض قضى بغير الحق وهو لا يعلم فهو في النار، وأما الواحد
الذي هو في الجنة فقاض قضى بالحق فهو في الجنة»".
قال الحاكم: "هذا حديث تفرد به الخراسانيون، فإنّ رواته عن
آخرهم مراوزة".
قلت: هذا إسناد باطل!!
أَبُو أَحْمَدَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِاللهِ بنِ
مُحَمَّدِ بنِ حَبِيْبٍ الحَبِيْبِيُّ، المَرْوَزِيُّ (ت 351هـ) كان يكذب!
قال الحَاكِمُ: "يكذبُ مِثْلَ السّكرِ، الحَسْنَوِيُّ أَحسنُ
حَالاً مِنْهُ".
وقال الخليلي: سألت الحاكم عنه؟ فقال: "هو أشهر في اللين من
أن تسألني عنه".
وقال الدارقطني في «المؤتلف»: "علي بن محمد الحبيبي، وابن عمه
عبدالرحمن بن محمد الحبيبي يُحدّثان بنسخ وأحاديث مناكير".
وتعقبه الخطيب بأن عبدالرحمن عمّ عليّ لا ابن عمه، وأن غُنجارا
ذكره في تاريخ بخارى وأرخ وفاته كما نقل السمعاني. [لسان الميزان: (6/22)].
وأَبُو حَمْزَة السكرِي هو: مُحَمَّد بن مَيْمُون المروزِي (168هـ)
لم يدرك زمن هذه القصة!!
ولو كانت صحيحة وحدّث بها علي بن الحسن بن شقيق لوجدناها عند أحمد
والبخاري وأبي خيثمة وابن أبي شيبة وعباس الدوري ممن رووا عنه، ويحرصون على مثل
هذه الفوائد.
وجاء في بعض طرق القصة أن الذي طلب عبدالله للقضاء هو: قتيبة بن
مسلم (ت 96هـ).
وفي بعضها: يَزِيْدُ بنُ المُهَلَّبِ بنِ أَبِي صُفْرَةَ (ت
102هـ)، وكان والياً على خُرَاسَانَ بعد أبيه المهلب (ت82هـ)، ثم عزل عَنْ
خُرَاسَانَ سنة (85هـ)، وَوُلِّيَ أَخُوهُ المُفَضَّلُ يَسِيرًا، ثُمَّ عُزِلَ،
ووُلِّيَ قُتَيْبَةُ بنُ مُسْلِمٍ خراسان إلى أن توفي سنة (96هـ)، فبقي والياً
لخراسان عشر سنين، ثم رجع وولي خراسان يزيد بن المهلب إلى أن تم عزله سنة (99 هـ).
وبحسب القصة فإن عبدالله بن بريدة رفض تولي القضاء بسبب الحديث
الذي سمعه من أبيه! لكنه تولى قضاء مرو بعد وفاة أخيه سُلَيْمَان الذي كان على
القضاء بها حتى توفي سَنَةَ خَمْسٍ ومائَةٍ، وبقي عبدالله عَلَى القَضَاءِ إِلى
أَنْ مَاتَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ - كما ذكر أهل العلم -.
فالقصة بهذا الاعتبار فيها نكارة! إذ كيف يرفض القضاء بسبب حديث
مرفوع سمعه من أبيه ثم يخالف ما سمع!
لكن قد يقول قائل: عبدالله بن بريدة قد تولى القضاء بعد وفاة قتيبة
بن مسلم ويزيد بن المهلب، فقد يكون غيّر رأيه؟!!
أقول: كان على قضاء مرو في حياتهما بحسب كلام أهل العلم سليمان بن
بريدة الذي ولي عبدالله القضاء بعده، فكيف يترك أخاه يستلم القضاء ولم يخبره بهذا
الحديث!!
ثم كيف يخالف ما سمعه من أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويستلم القضاء!!
على أنه رُوي ما يناهض هذه القصة تماماً.
روى ابن عساكر في «تاريخه» (27/137) من طريق الحاكم النيسابوري أبي
عبدالله، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبدالله بن الجراح - بمرو -، قال: أخبرنا
أبو رجاء محمد بن حَمدويه، قال: حدثنا أبو عمّار، قال: حدثني أوس بن عبدالله بن
بريدة قال: "كان عبدالله بن بريدة قاضي مرو أربعاً وعشرين سنة، وكان يأخذ
الرزق على القضاء، كان يزيد بن المهلب استقضاه، فلم يزل قاضياً حتى كان في
ولاية أسد بن عبدالله".
قلت لأوس: من حدثك بهذا الحديث؟ قال: "سهل أخي، والوالدة،
وأهل بيتي".
قلت: السائل هو أبو عمّار.
وهذه القصة مقبولة ورواتها أئمة حفاظ، والكلام في أوس في حديثه
المرفوع لا في مثل هذه الروايات.
وشيخ الحاكم: محمَّد بن عبدالله بن الجراح، أبو بكر، الجراحي،
المَرْوَزِي، الحافظ المعدل.
وأَبُو رَجَاءَ: الإِمَامُ المُحَدِّثُ مُحَمَّدُ بنُ حَمْدُوَيْه
بنِ مُوْسَى بنِ طَرِيْفٍ السِّنْجِيّ المَرْوَزِيُّ الهُوْرْقَانِي، مؤرخ مرو
صاحب كتاب «تاريخ المراوزة».
وأبو عمّار هو: الحافظ الثقة الحسين بن حُريث المروزي (ت 244هـ).
وأوس بن عَبْداللَّه بن بُريدة بن الحُصَيْب الأسلميُّ المَرْوَزِيّ.
لم يدرك أَبَاهُ، لعلّه مات وأوس حَمْل. وعُمَر دهراً، ورَوَى عَنْ: أخيه سهل،
والحسين بن واقد.
وقال الحسين بن حريث: "كأنه مات سنة اثنتين ومائتين، تُوُفّي
بعد خروج المأمون من مَرْو".
وذكره الذهبي في «تاريخه» (4/1076) في طبقة من مات بين سنة (191 -
200 هـ)، ثم ذكره مرة ثانية (5/37) في الطبقة التي تليها فيمن مات بين سنة (201 -
210هـ).
قَالَ أبو حاتم: "سألنا المَرَاوِزة عَنْهُ فعرفوه، وقالوا:
تَقَادَمَ موتُه".
وقال البخاري: "سكن مرو، فيه نظر".
وقال الدارقطني: "متروك".
وذكره ابن حبان في «الثقات» (8/135) وقال: "يروي عَن أَخِيه
سهل بن عبدالله عَن عبدالله بن بُرَيْدَة. روى عَنهُ أَبُو عمار الحُسَيْن بن حريث،
كَانَ مِمَّن يخطىء، فَأَما الْمَنَاكِير فِي رِوَايَته فَإِنَّهَا من قبل أَخِيه
سهل لا مِنْهُ".
وذكر «سهل» في «المجروحين» (1/348) وقال: "مُنكر الحَدِيث
يَرْوِي عَن أَبِيهِ مَا لا أصل لَهُ لَا يَجُوز أَن يشْتَغل بحَدِيثه".
قلت: هذه الرواية ليست مما يُنكر، وإنما هي معروفة عند آل بيت
بريدة، فحدثه بها أخوه سهل ووالدته وأهل بيته.
والذي لا يقبل من أوس وسهل ما يرويانه مرفوعاً إلى النبي صلى الله
عليه وسلم، فهذه الروايات منكرة!
وهذه الرواية تدل على أن يزيد بن المهلب طلب من أن يكون قاضياً
فقبل، وبقي قاضيا على مرو (24) عاماَ.
فإن كان يزيد بن المهلب هو من استقضاه فيكون فعل ذلك في ولايته على
خراسان قبل سنة (85هـ)، فيكون عبدالله بقي على قضاء مرو أكثر من (24) سنة إذا كان
توفي سنة (115هـ)، ويُحتمل أنه استقضاه في ولايته الثانية لخراسان سنة (96هـ)؛ لأن
قتيبة بن مسلم كان قد استقضى يحيى بن يعمر على مرو أيام ولايته عليها، والله أعلم.
وعليه تكون مدة بقاء عبدالله بن بريدة في قضاء مرو تقريباً (20)
سنة، بالإضافة إلى (3) سنوات في مدة ولاية يزيد بن المهلب الأولى على خراسان،
فمجموعها تقريباً كما ذكر أوس بن عبدالله بن بريدة.
وهذا ينقض قول أهل العلم أن أخاه سليمان كان قاضياً على مرو
قبله!!! لأنهم قالوا بأن سليمان توفي سنة (105هـ) وكان حينها على قضاء مرو، واستلم
بعده أخوه عبدالله! يعني عبدالله بقي في القضاء مدة (10) سنوات! وهذا خلاف ما
يرويه أهل بيته كما قال أوس بن عبدالله بن بريدة!
فالظاهر أن عبدالله بن بريدة كان قاضياً
بمرو منذ ولاية يزيد بن المهلب على خراسان، وعزل عن القضاء في ولاية قتيبة بن مسلم
وكان قاضيه يحيى بن يعمر، ثم رجع للقضاء لما ولي يزيد بن المهلب خراسان مرة أخرى،
وبقي على القضاء عندما ولي خراسان أَسَد بن عَبْدِاللَّهِ القَسْرِيّ سنة (106هـ)، وكان أخوه خالدٌ
الْقَسْرِيُّ اسْتَعْمَلَه عَلَى إِقْلِيمِ خُرَاسَانَ نِيَابَةً عَنْهُ، وبقي
واليها حتى توفي سنة (120هـ).
وروى ابن عساكر في «تاريخه» (27/137) من طريق أبي زُرعة
الدمشقيّ، قال: أخبرني أحمد بن شَبُّويَه بقضاة مرو، قال: "كان
من قضاة مرو: عبدالله بن بريدة (ت115هـ)، ويحيي بن يَعْمُر، وأبو مُنَازِل ابن أخت
شُريح، وأبو عثمان الأنصاري صاحب حديث القاسم عن عائشة في المسكر واسمه فلان بن
سعد (!) - قال لي أحمد: ذهب عني اسمه -، ويعقوب بن القعقاع، ومحمد بن ثابت من ولد
عمرو بن أخطب".
قلت: كأن ابن شَبّويه - وهو: أبو الحسن المروزي (ت230هـ) - رتب
قضاة مرو بحسب الأقدمية في ذلك.
فبدأ بعبدالله بن بريدة (ت115هـ)، ثم يحيى
بن يَعمر (ت تقريباً سنة 100هـ)، وكان قاضياً لقتيبة بن مسلم أثناء ولايته خراسان.
ثم ذكر عُثْمَان بن عبيداللَّه أَبا المُنَازل
ابن أخي شُرَيْح القاضي، ويقال: ابن أخته، وكانَ على قَضَاء خُرَاسَان، وروى عن
شُريح الذي مات سنة (80هـ).
ثم ذكر أبا عثمان الأنصاري، واسمه عُمَر
بن سالم، وقيل: عمرو، قاضي مرو خراساني، وكان من أصحاب القاسم بن محمد بن أبي بكر
الصديق الذي مات سنة (106هـ).
ثم ذكر يعقوب بن القعقاع، وكان من أهل مرو،
وكان قاضياً بها أَيَّامَ أَبِي مُسْلِمٍ الخراساني (ت 137هـ) ثُمَّ عَزَلَهُ،
وكان من أصحاب عطاء بن أبي رباح الذي مات سنة (114هـ)، ووفاة يعقوب ما بين سنة (141
- 150هـ).
ثم ذكر مُحَمَّد بن ثابت بن عَمْرو بن
أخطب أَبا النضر الْأَنْصَارِيّ قاضي مرو (ت 147هـ)، وهو أخو عزرة وعلي ابني ثابت،
بصري سكن مرو.
ولم يذكر ابن شبوية في قضاة مرو: سليمان
بن بريدة!!!.
وهذا يشكك فيما نقله بعض أهل العلم من أن
سليمان بن بريدة ولي قضاء مرو قبل أخيه، وتوفي قبله بعشر سنين!! والله أعلم.
·
حديث: «القضاة ثلاثة»:
وحديث: «القضاة ثلاثة» يُروى عن عبدالله بن بريدة عن أبيه دون ذكر
القصة!
رُوي عن سعد بن عبيدة الكوفي، وأبي هاشم الرُّمَّاني، وأبي إسحاق
السبيعي، وعمارة بن عمير التيمي الكوفي، ويونس بن خباب الكوفي، والحكم بن عُتيبة.
كلهم عن عبدالله بن بريدة عن أبيه.
·
رواية سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ عن
عبدالله بن بُريدة:
أما حديث سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ:
فرواه الترمذي في «جامعه» (3/6) (1322)، والروياني في «مسنده»
(1/94) (66)، وابن الأعرابي في «معجمه» (1/193) (336)، ومحمد بن خلف وكيع في «أخبار
القضاة» (1/13)، والطبراني في «المعجم الكبير» (2/20) (1154)، والبيهقي في «السنن
الكبرى» (10/199) (20355)، وفي «شعب الإيمان» (10/34) (7125)، كلهم من طريق الحَسَن
بن بِشْرٍ البَجَلِيّ.
والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (1/43) (54)، وابن عدي في «الكامل»
(3/406)، من طريق حَاتِم بن إسْمَاعِيلَ المدني.
وابن عدي في «الكامل» (3/406)، من طريق جُبارة بن مغلس.
ووكيع في «أخبار القضاة» (1/13) من طريق يعقوب بن إبراهيم بن
سعد الزهريّ.
والحاكم في «المستدرك» (4/102) (7013) من طريق أَبي غَسَّانَ
مالك بن إسماعيل النهديّ، وعَلِيّ بن حَكِيمٍ الأوديّ.
كلهم (الحسن بن بشر، وحاتم، وجبارة، ويعقوب، والنهدي، والأودي) عَنْ
شَرِيك بن عبدالله القاضي، عَنِ الأَعْمَش، عَنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ،
عنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وسَلَّم قَال: القُضَاةُ ثلاثة فذكره.
وهذا الحديث معروف من طريق شَريك بن عبدالله النخعي، تفرد به عن
الأعمش!!! ولم يُتابع عليه، وهو ضعيف، لا يُحتج بما انفرد به، وخاصة إذا كان عن
راو مشهور كالأعمش ممن تدور عليه الأسانيد!
وقد أورده ابن عدي في منكرات شريك في ترجمته من «الكامل» (5/25).
·
رواية فيها متابعة لشَريك!
ورواه البزار في «مسنده» (10/337) (4468) عن أَحْمَد بن عُثمَان بن
حكيم الأودي.
وابن سمعون الواعظ في «أماليه» (ص: 178)
(155) من طريق أَحْمَد بن حَازِمِ بنِ أَبِي غَرْزَةَ.
كلاهما عن بَكْر بن عَبْدِالرَّحْمَنِ
القاضي الكوفي، عن قَيْس بن الربيع الأسدي الكوفي، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ
سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، به، نحوه.
وخالفه عَبَّادُ بنُ زِيَادٍ الْأَسَدِيُّ فرواه عن قَيْس بن
الرَّبِيعِ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ،
عَنْ أَبِيهِ، به، نحوه.
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (2/21) (1156) عن عَبْداللهِ بن
أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عن عَبَّاد، به.
قلت: عبّاد بن زياد الكوفي، ويُقال: عبادة، متكلّم فيه.
قال موسى بن هارون الحمّال: "عَبَادة بن زِياد الكوفي تركت
حديثه".
وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه؟ فقال: "هو كوفي
من رؤساء الشيعة، أدركته ولم أكتب عنه، ومحله الصدق".
قال عبدالرحمن: سألت موسى بن إسحاق، قلت: هو صدوق؟ قال: "قد
روى عنه الناس مُطين وغيره".
وقال محمد بن محمد بن عَمْرو النَّيْسَابُوري الحافظ: "عَبَادة
بْن زياد مُجْمَعٌ على كذبه ووضعه الأحاديث".
وقال ابن عدي: "عَبَادة بن زِياد هو من أهل الكوفة من الغالين
في الشيعة وله أحاديث مناكير في الفضائل".
وقال ابن حجر: "صدوق رمي بالقدر والتشيع".
قلت: لو صحت رواية عباد عن قيس، فتكون العهدة على قيس! وهو ليس
بشيء! متروك.
فروايته مضطربة!! وروايته عن الأعمش لهذا الحديث لا تصلح لأن تكون
متابعة لرواية شريك؛ لأن الحديث معروف عن شريك عن الأعمش! وشريك ضعيف لا يُحتج بما
انفرد به كما قدّمنا.
·
طريقة شعيب الأرنؤوط في الحكم على
الحديث! وتعقبه!
والعجب من شعيب الأرنؤوط! فإنه لما تكلّم على الحديث في تحقيقه
لسنن أبي داود (5/427) جزم بصحة الرواية عن سعد بن عبيدة!!! وخلط الأسانيد بعضها
ببعض وصحح الحديث بمجموع الطرق!!!
قال: "وأخرجه الترمذي (1322 م) من طريق سعْد بن عبيدة، عن ابن
بريدة، به.
وسنده حسن في المتابعات.
وأخرجه محمد بن خلف وكيع في "أخبار القضاة" 1/15 من طريق
داود بن عبد الحميد الكوفي، عن يونس بن خباب، ووكيع 1/15، والحاكم في المستدرك،
1/90 من طريق عبدالله بن بكير الغنوي، عن حكيم بن جبير، والحاكم في "معرفة
علوم الحديث" ص 98، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 27/137 من
طريق أبي حمزة السكري، وابن عساكر 27/136، وابن طولون في "الأحاديث المئة في
الصنائع" (92) من طريق خاقان بن عبد الله بن الأهتَم، عن يونس بن عبيد،
أربعتهم عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه.
وأسانيدها كلها ضعيفة، لكن بمجموعها يتقوى الحديث.
وأخرجه الطبراني في "الكبير" (1156) من طريق قيس بن
الربيع، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه. وقيس - وإن كان ضعيفاً-
تابعه أبو حنيفة الإِمام كما في "أطراف الغرائب والأفراد" ثم بمتابعة
الباقين عن عبد الله بن بريدة يرتقي الحديث إلى رتبة الصحيح" انتهى كلامه.
قلت: لم يثبت الحديث عن سعد بن عبيدة! ولا عن الأعمش!! فقد تفرد به
شريك القاضي عنه وهو ضعيف!
ثم إن هذه الروايات التي ساقها في المتابعات منكرة! وقد سبق وبينت
ذلك لما تكلمت عن القصة الواردة في الحديث!! ولم يُشر الأرنؤوط لذلك!!!
والعجب كيف أتى برواية واحدة عن قيس بن الربيع ولم يتنبّه للأخرى
التي رواها عن الأعمش!!!
والأعجب من ذلك أنه جزم برواية أبي حنيفة وجعلها متابعة لرواية
قيس!! وتهوينه من حال قيس بوصفه بأنه "ضعيف"!! والصواب أنه ليس بشيء!!
ورواية أبي حنيفة قد أشار الدارقطني إلى أن حَفْص بن عبدالرَّحْمَن
البَلْخِي قد تفرد بها عَن أبي حنيفَة، عَن عَلْقَمَة بن مرثد، عن سليمان بن
بريدة، عن أبيه!
وحفص فيه كلام! ولا يُقبل تفرده!
قال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه؟
فقال: "هو صدوق، وهو مضطرب الحديث، وحفص بن عبدالله أحسن حالاً منه".
وقال الخليلي: "تَعْرِفُ، وَتُنْكِرُ".
وقال السليماني: "فيه نظر".
وَقَال النَّسَائي: "صدوق".
وقال العقيلي: "وحديثه غير محفوظ".
وذكره ابنُ حِبَّان في "الثقات".
وقال الدارقطني: "صالح".
وقال الحاكم: "هو أفقه أصحاب أبي
حنيفة الخراسانيين"، وساق لَهُ عدّة أحاديث غرائب وأفراد. [سير أعلام
النبلاء: (9/311)].
قلت: ولو صحّ أن أبا حنيفة رواه، فلا
يُحتج به لضعفه في الحديث.
·
هل تُوبع
الأعمش عليه؟!
روى الطبراني في «المعجم الأوسط» (7/39) (6786) قال: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ هَارُونَ بن محمد بن بكّار بن بلال الدمشقيّ، قال: أخبرنَا أَبِي،
عَنْ جَدِّي، قال: أخبرنَا يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ الحضرميّ، قال: حَدَّثَنِي
سَعْدُ بنُ عُبَيْدَةَ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «القُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: قَاضِيَانِ فِي
النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ، قَاضٍ تَرَكَ الْحَقَّ وَهُوَ يَعْلَمُ، وَقَاضٍ
قَضَى بِغَيْرِ الْحَقِّ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَأُهْلِكَ بِحُقُوقِ النَّاسِ،
فَهَذَانِ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ فَهَذَا فِي الْجَنَّةِ».
قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ سَعْدِ بنِ
عُبَيْدَةَ إِلَّا يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ، تَفَرَّدَ بِهِ: مُحَمَّدُ بنُ بَكَّارٍ"!
قلت: يشير الطبراني إلى تعليل هذا الحديث! وأنّ مثل هذا التفرد لا
يُقبل!
ومحمد بن بكار بن بلال أبو عبدالله العاملي قاضي دمشق (ت216هـ):
صدوق.
والحديث منقطع! يحيى بن حمزة الحضرمي قاضي دمشق لم يسمع من سعد بن
عُبيدة الكوفي! بل لم يدركه!
فيَحْيَى بنُ حَمْزَةَ وُلِدَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَةٍ - فِيْمَا
نَقَلَهُ أَبُو مُسْهِرٍ -، وقالَ المُفَضَّلُ الغَلاَبِيُّ: سَنَةَ ثَمَانٍ
وَمائَةٍ (108هـ)، وتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ ومائَةٍ (183هـ).
وسَعْد بن عُبَيدة السلمي الكُوفِيّ، مات فِي ولاية عُمَر بن هبيرة
على الكوفة، وعمر توفي سنة (107هـ)، وذكر الذهبي وفاته بين سنة (101 - 110هـ).
فيحيى ولد بعد وفاة سعد، فكيف يسمع منه؟!!!
·
تحريف عجيب!
وقد ذكر صاحب كتاب «أنيس الساري تخريج أحاديث فتح الباري» (5/3860)
متابعة لـ «يزيد بن عبيدة بن أبي المهاجر الدمشقي» وقال: ["أخرجه الطبراني في
«الأوسط» (6782) عن محمد بن هارون بن محمد بن بكار بن بلال الدمشقي: حدثنا أبي عن
جدي: ثنا يحيى بن حمزة ثني يزيد بن عبيدة عن ابن بريدة عن أبيه.
وقال: "لم يروه عن يزيد بن عبيدة إلا يحيى بن حمزة، تفرد به
محمد بن بكار".
قلت: ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أبو حاتم: صدوق،
وهارون بن محمد ويزيد بن عبيدة صدوقان، ويحيى وابن بريدة ثقتان، ومحمد بن هارون
ذكره ابن حبان في "الثقات"] انتهى كلامه.
قلت: رواية الطبراني في «المعجم الأوسط» عن «سعد بن عبيدة» - كما
تقدّم - لا «عن يزيد بن عبيدة»!!
والظاهر أنها تحرّفت على صاحب الكتاب، فجعلها متابعة! وليس كذلك!
فلا مدخل ليزيد بن عبيدة الدمشقي بهذا الحديث! ولا أدري كيف تحرفت عليه! وهي على
الصواب في كتاب الطبراني؟!!
·
تعقّب الحويني!
ذكر أبو إسحاق الحويني في كتابه «تنبيه الهاجد إلى ما وقع من النظر
في كتب الأماجد» (1/167) (124) هذا الحديث من معجم الطبراني، ثم قال: "قُلْتُ:
رضى الله عنك!
فلم يتفرَّد به يحيى بن حمزة، بل تابعه الأعمش، عن سعد بن عبيدة
بسنده سواء.
أخرجه الترمذىُّ (1322)، والحاكم (4/90)، وابن عدي في
"الكامل" (2/864 - 865)، (4/1332)، وابن عبدالبر في "الجامع"
(2/69)، والبيهقيّ (10/117)، ووكيع في "أخبار القضاة" (1/13 - 14)،
والطبرانيّ، وعنه الشجري في "الأمالي" (2/232) من طريق شريك النخعيّ، عن
الأعمش، به" انتهى.
قلت: في الظاهر هذا الاستدراك له وجه، لكن كأن الطبراني كلامه
متوجه إلى هذه الرواية الشامية عن سعد بن عبيدة الكوفي! ولهذا نصّ على التفرد
فيها.
على أن الرواية عن الأعمش لا تصح، فقد تفرد بها شريك عنه! وتفرده لا
يقبل عن مثل الأعمش! فأين أصحابه الثقات عن هذا الحديث.
وكذلك رواية يحيى بن حمزة مرسلة فهو لم يدرك سعد بن عبيدة، ولم
يتنبه الحويني لهذا!
·
رواية أبي هاشم الرُّمَّاني عن
عبدالله بن بُريدة:
وأما حديث أبي هاشم الرُّمَّاني:
فرواه أبو داود في «سننه» (5/426) (3573) عن محمد بن حسّان
السَّمتيّ.
والنسائي في «السنن الكبرى» (5/397) (5891) من طريق سَعِيد بن
سُلَيْمَان الواسطي سَعدويه.
وابن ماجه في «سننه» (2/776) (2315) عن إِسْمَاعِيل بن تَوْبَةَ
القزويني.
والبزار في «مسنده» (10/337) (4467) من طريق عِمْرَان بن أَبَان
الواسطي.
والطبراني في «المعجم الأوسط» (4/63) (3616) من طريق إِسْمَاعِيل
بن إِبْرَاهِيمَ أَبي مَعْمَرٍ القَطِيعِيّ.
ووكيع في «أخبار القضاة» (1/14) من طريق علي بن عَبْداللهِ.
والشجري [كما في «ترتيب الأمالي الخميسية» (2/324) (2620) من طريق يَحْيَى
بن عَبْدِالحَمِيدِ الحِمَّانِيّ.
والبيهقي في «السنن الكبرى» (10/199) (20354) من طريق سَعِيد بن
مَنْصُورٍ.
وابن عبدالبر في «جامع بيان العلم وفضله» (2/879) (1657) من طريق أَبِي
العَوَّامِ البَغْدَادِيّ.
كلهم عن خَلَف بن خَلِيفَةَ، قالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ،
قَالَ: لوْلَا حَدِيثُ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقُلْتُ: إِنَّ القَاضِيَ إِذَا اجْتَهَدَ فَلَيْسَ
عَلَيْهِ شَيْءٌ، ولكِنْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«القُضَاةُ ثَلَاثَةٌ اثْنَانِ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ رَجُلٌ
عَرَفَ الْحَقَّ، فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ،
فَلَمْ يَقْضِ بِهِ، وَجَارَ فِي الْحُكْمِ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ لَمْ
يَعْرِفِ الْحَقَّ، فَقَضَى لِلنَّاسِ عَنْ جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ».
قال أبو داود: "وهذا أصحُّ شيء فيه" - يعني حديث ابن
بُريدة: «القضاة ثلاثة».
وقال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هذا الحَدِيثَ عَنْ أَبِي
هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ، إِلَّا خَلَفُ بنُ خَلِيفَةَ".
قلت: هذا الحديث تفرد به خلف بن خليفة عن أبي هاشم الرماني! ولا
يُعرف لأبي هاشم رواية عن عبدالله بن بريدة إلا في هذا الحديث!!!
والظاهر أنه لم يسمعه منه، والرواية: "قال أَبُو هَاشِمٍ
الرُّمَّانِيُّ: لوْلَا حَدِيثُ ابنِ بُرَيْدَةَ لَقُلْتُ: إِنَّ القَاضِيَ إِذَا
اجْتَهَدَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ سَبِيلٌ وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ
أَبِيهِ...".
وخلف بن خليفة صدوق إلا أنه اختلط! فلا يُحتج بما انفرد به! ولهذا
تجنبه البخاري ولم يخرّج له في الصحيح، وأخرج له مسلم في الشواهد.
قال عَباس الدُّورِيُّ، وعبدالخالق بن منصور، وأبو بكر بن أبي خيثمة،
عَنْ يحيى بن مَعِين: "ليس به بأس".
وزاد عبدالخالق: "صدوق".
وقال النَّسَائي: "ليس به بأس".
وقال أحمد: "رأيت خلف بن خليفة وهو مفلوج سنة سبع وثمانين ومئة،
قد حُمِل، وكان لا يفهم، فمن كتب عنه قديماً فسماعه صحيح".
وقَال أَبُو بَكْر الأثرم، عَنْ أَحْمَد بن حنبل: "قد أتيته
فلم أفهم عنه".
قال: قلت له: فِي أي سنة مات؟ قال: "أظنه فِي سنة ثمانين أو
آخر سنة تسع وسبعين".
وقال عَبداللَّهِ بن أحمد بن حنبل، عَن أبيه: "رأيت خلف بن
خليفة وهو كبير فوضعه إنسان من يده، فلما وضعه صاح، يعني من الكِبَر - فقَالَ لَهُ
إنسان: يا أبا أَحْمَد، حدثكم محارب بن دثار، وقص الحديث، فتكلم بكلام خفي، وجعلت
لا أفهم، فتركته ولم أكتب عنه شيئاً".
وقال الترمذي: قالَ مُحَمَّدٌ - يعني: البخاري -: "خَلَفُ بنُ
خَلِيفَةَ صَدُوقٌ، ورُبَّمَا يَهِمُ فِي الشَّيْءِ".
وقال مُحَمَّد بن عَبداللَّهِ بن عمّار: "لا بأس بِهِ، ولم
يكن صاحب حديث".
وقال أَبُو حاتم: "صدوق".
وقال ابن سعد: "كان من أهل واسط فتحوّل إلى بغداد. وكان ثقة،
ثم أصابه الفالج قبل أن يموت حتى ضعف وتغير لونه، واختلط".
وقال أحمد بن صالح العِجلي: "ثقة".
وقال ابن عدي: "وأرجو أنه لا بأس به كما قال يَحْيى بن مَعِين".
ثم ذكر له بعض المنكرات، ثم قال: "ولا أبرئه من أن يخطىء في الأحايين في بعض
رواياته".
وقال مسلمة بن قاسم الأندلسي في كتاب «الصلة»: "ثقة مشهور،
وتغير بأخرة، فمن روى عنه قبل التغير فروايته صحيحة".
ولما ذكره ابن شاهين في «جملة الثقات» قال: "وقال عثمان بن
أبي شيبة: صدوق ثقة، لكن خرف فاضطرب عليه حديثه".
وقال الحاكم: "تكذيب ابن عيينة له في رؤيته عمرو بن حريث لا
في غيره، تعجب من أن يكون في وقته ذلك من رأى عَمراً، لا قصداً منه بذلك تجريح خلف
بنوع من أنواع الجرح، على أن خلفاً من الطبقة الثانية من أهل الصدق الذين يخرجهم
مسلم في الشواهد".
وقال الساجي: ضعيف. [إكمال تهذيب الكمال (4/201)].
فرواية خلف هذه عن أبي هاشم الرماني ضعيفة لا تُقبل، ولا تصلح لأن
تعضد غيرها من الروايات الضعيفة الأخرى!
·
رواية أبي إسحاق السَّبيعي عن
عبدالله بن بريدة:
وأما حديث أبي إسحاق السبيعيّ:
فرواه ابن عدي في «الكامل» (7/337) في ترجمة «محمد بن جابر الكوفي»
من طريق إِسْحَاق بن أَبِي إِسْرَائِيلَ: حَدَّثَنا مُحَمد بنُ جَابِرٍ، عَن أَبِي
إِسْحَاقَ عَنْ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه
وسَلَّم قَال: «القُضَاةُ ثَلاثَةٌ» فَذَكَرَهُ.
قال ابن عدي: "وهذا لا أعلم رواه عَن أَبِي إسحاق غير مُحَمد
بن جابر".
قلت: محمد بن جابر هذا ليس بشيء متروك.
·
رواية عُمَارَة بنِ عُمَيْرٍ الكوفي
عن عبدالله بن بريدة:
وأما حديث عمارة بن عمير التيمي الكوفي:
فرواه أبو الشيخ في «حديثه» (122) قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ
بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ أَيُّوبَ المُخَرِّمِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بنُ مُحَمَّدٍ
الجَرْمِيُّ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بنُ جَابِرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ
بنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ» فذكره.
قلت: أيوب بن جابر اليمامي ضعيف جداً.
قال ابن معين: "ليس بشيء".
·
تحريف:
وقد روى ابن العسكري هذا الحديث في «حديثه عن شيوخه» (97) بالإسناد
نفسه عن إِبْرَاهِيم بن عبدالله قَالَ: حدثَنَا سعيد، قَالَ: حدثَنَا أَيُّوب بن
جَابر، عَن الْأَعْمَش، عَن عمَارَة بن عُمَيْر، عَن أبي بَرزَة
الْأَسْلَمِيّ، عَن أَبِيه، به.
قلت: تحرّف «ابن بريدة» فصارت «أبي برزة»!! وأبو برزة صحابي لا يروي عن
أبيه!!!
·
رواية يُونُسَ بنِ خَبَّابٍ عن
عبدالله بن بريدة:
وأما حديث يُونُسَ بنِ خَبَّابٍ:
فرواه وكيع في «أخبار القضاة» (1/14) قال: أَخْبَرَنَا إسحاق بن
إبراهيم بن عَبْدالرحمن لؤلؤ، قالَ: أَخْبَرَنَا داود بن عَبْدالحميد، قال:
حَدَّثَنَا يونس بن خباب أَبُو حمزة، عَنْ عَبْدِاللهِ بن بريدة، عَن أبيه بريدة،
فذكره.
قلت: هذا إسناد منكر!!!
داود بن عبدالحميد الكوفي نزيل الموصل منكر الحديث.
قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/418): سألت أبي عنه،
وعرضت عليه حديثه؟ فقال: "لا أعرفه، وهو ضعيف الحديث، يدل حديثه على ضعفه".
وقال الحافظ الأزدي: "منكر الحديث".
وقال الذهبي: "ينفرد بغرائب، صويلح الحديث".
ويونس بن خباب ليس بشيء!
قال إسحاق بن منصور، عَن يحيى بن مَعِين: "يونس بن خباب لا شيء".
وقال عَباس الدُّورِيُّ، عَن يحيى بن مَعِين: "يونس بن خباب
رجل سوء، كَانَ يشتم عثمان".
وقال البُخارِيُّ: "منكر الحديث".
وقال إِبْرَاهِيم بن يعقوب الجوزجاني: "كذاب مفتري".
وقال أَبُو حاتم: "مضطرب الحديث، ليس بالقوي".
وقال النَّسَائي: "ليس بالقوي، مختلف فيه".
وقال في موضع آخر: "ليس بثقة".
·
رواية الحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ عن
عبدالله بن بريدة:
وأما حديث الحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ:
فرواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (7/30) (6757) قال: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ أَبِي زُرْعَةَ، قال: حدثَنَا هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، قال: أخبرنَا
مُحَمَّدُ بنُ مَسْرُوقٍ الكِنْدِيُّ، قال: حدثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِاللَّهِ
العَرْزَمِيُّ، عَنِ الحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ، ويُونُسَ بنِ خَبَّابٍ، عَنِ ابنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، به.
قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هذا الحَدِيثَ عَنِ الحَكَمِ بْنِ
عُتَيْبَةَ إِلَّا العَرْزَمِيُّ، ولا رَوَاهُ عَنِ العَرْزَمِيِّ إِلَّا
مُحَمَّدُ بنُ مَسْرُوقٍ، تَفَرَّدَ بِهِ: هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ".
قلت: هذا إسناد ضعيف جداً!
محمد بن مسروق الكندي ضعيف.
وقد ذكره ابن حبان في «الثقات» (9/68) قال: "مُحَمَّد بن مَسْرُوق
الكِنْدِيّ من أهل الكُوفَة كَانَ على قَضَاء مصر، يروي عَن أَبِيه والكوفيين. روى
عَنهُ: سعيد بن أبي مَرْيَم".
ثم أعاده بعد عدّة صفحات (9/77) وقال: "مُحَمَّد بن مَسْرُوق
الكِنْدِيّ قَاضِي مصر، يروي عَن جرير بن حَازِم، وَاللَّيْث بن سعد. روى عَنهُ:
سعيد بن كثير بن عفير، وقد قيل: مُحَمَّد بن مسرور. يُخطىء".
وقال وكيع في «أخبار القضاة» (3/238): "وقد حدث مُحَمَّد بن مسروق
الكندي، وعنده أحاديث فيها نكير".
ومُحَمَّد بن عُبَيْدِاللَّهِ العَرْزَمِيّ متروك الحديث.
قال مسلم والنسائي: "مَتْرُوك الحَدِيث".
وقال الجوزجاني: "محمد بن عبيدالله العرزمي ساقط".
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن محمد بن عبيدالله العرزمي؟ فقال: "ضعيف
الحديث جداً".
وقال: سألت أبا زرعة عن محمد بن عبيدالله العرزمي؟ فقال: "لا
يكتب حديثه"، وترك قراءة حديثه علينا.
وقال جَعْفَرَ بن أبان: قلت لِابنِ نُمير، مَا تَقول فِي مُحَمَّد
بن عبيدالله العَرْزَمِي؟ فقال: "رجل صَدُوق، ولَكِن ذهبت كتبه، وكَانَ
رَدِيء الحِفْظ، ومن ثمَّ أنْكرت أَحَادِيثه".
وقال ابن حبان: "كَانَ صَدُوقًا إِلَّا أَن كتبه ذهبت وكَانَ
رَدِيء الحِفْظ فَجعل يحدّث من حفظه ويَهم، فَكثر الْمَنَاكِير فِي رِوَايَته.
تَركه ابن المُبَارك، ويَحْيَى القَطَّان، وابن مهْدي، ويحيى بن معِين".
وعليه فكلّ طرق الحديث عن عبدالله بن بريدة معلولة، ولا تصلح لأن
تتقوى ببعضها.
·
تصحيح المتأخرين لهذا الحديث!
قال ابن عبدالهادي في «تنقيح التحقيق» (5/62): "حديثٌ حسنٌ أو
صحيحٌ".
وقال العراقي في «المغني عن حمل الأسفار» (ص: 78): "أخرجه
أَصْحَاب السّنَن من حَدِيث بُرَيْدَة، وهُوَ صَحِيح".
وقال الهيثمي في «مَجمع الزوائد» (4/196): "رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ".
وقال ابن الملقن في «البدر المنير» (9/552): "هذا الحَدِيث
صَحِيح رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من خلال سعد بن عُبَيْدَة السّلمِيّ، عَن عبدالله بن
بُرَيْدَة عَن أَبِيه بُرَيْدَة مَرْفُوعا. وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وابن
مَاجَه من حَدِيث أبي هَاشم الرماني الكَبِير - واسْمه يَحْيَى. وَقيل: نَافِع -
عَن عبدالله بن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه بُرَيْدَة مَرْفُوعا. وَفِي إِسْنَاد أبي
دَاوُد رجل فِيهِ لين. وَرَوَاهُ البَيْهَقِيّ من هذَيْن الطَّرِيقَيْنِ،
والحَاكِم من حَدِيث عبدالله بن بكير، عَن حَكِيم بن جُبَير، عَن عبدالله بن
بُرَيْدَة، عَن أَبِيه مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح. قَالَ: وَله
شَاهد بِإِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم... فَذكره بطرِيق التِّرْمِذِيّ الَّتِي
قدمناها".
وقال السخاوي في «المقاصد الحسنة» (ص: 489): "وصححه والحاكم
وغيره، وأفرد شيخنا طرقه، وهو عند الطبراني وغيره عن ابن عمر، وعند البيهقي عن علي
مرفوعا، وحكمه الرفع وهي مبيّنة عند شيخنا في الجزء المشار إليه".
وقال الألباني في «إرواء الغليل» (2614): "صحيح".
قلت: قد بينت حال طرق الحديث عن ابن بريدة، وهي واهية كلها، وكذلك
الشواهد من حديث ابن عمر وعليّ، ولا يصح في الباب شيء مرفوع عن النبي صلى الله
عليه وسلم.
·
أصل حديث ابن بريدة:
وأصل حديث ابن بريدة عن كعب الأحبار!
رواه محمد بن خلف بن حيّان المعروف بوكيع في «أخبار القضاة» (1/16)
قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن بشر بن مطر، قالَ: حَدَّثَنَا إسماعيل بن بهرام، قال:
حَدَّثَنَا الأشجعي، عَن سُفْيَان، عَن علقمة بن مرثد، عَن ابن بريدة، عَن كعب،
قال: «القضاة ثلاثة» فذكر نحوه.
وسفيان هو الثوري، وابن بريدة هو سليمان.
وهذا هو أصل الحديث الذي يُروى عن عبدالله بن بريدة، ظنّ هؤلاء
الضعفاء أن ابن بريدة هو عبدالله، فرووه عنه، وسلكوا فيه الجادة: عن أبيه، عن
النبي صلى الله عليه وسلم.
والصواب أن الحديث يرويه سليمان بن بريدة، عن كعب الأَحبار قوله.
وروى وكيع أيضاً عن عَبْداللهِ بن مُحَمَّد بن أيوب بن صبح، قَالَ:
حَدَّثَنَا روح بن عبادة، قالَ: حَدَّثَنَا الأخضر بن عجلان التيمي، قال:
حَدَّثَنَا عَبْدُالرحمن بن عتبة بن عَبْداللهِ بن مسعود، عَن أبيه، عَن كعب، قال:
«بعث عُمَر إِلَى كعب إني جاعلك قاضياً قال: لا تفعل يا أمير المؤمنين. قال: لم يا
كعب؟ قال: إن القضاة ثلاثة؛ فقاضيان في النار وقاض في الجنة؛ قاض علم وترك علمه
فقضى بجور، وقاض لم يعلم فقضى بجهالة فهو معه في النار، وقاض قضى بعلمه ومضى عليه
فهو من أهل الجنة. فقال: يا كعب فإنك قد علمت؛ تقضي بعلم وتمضى عليه؛ قال: يا أمير
المؤمنين أختار لنفسي أحب إليّ من أن أخاطر بها».
قلت: عبدالرحمن كأنه: ابن عبدالله بن عتبة بن عبدالله بن مسعود
المعروف بالمسعودي، وكان ثقة إلا أنه تغير في آخر عمره.
ومثل هذه الروايات مما تُحتمل لأنها ليست مرفوعة للنبي صلى الله
عليه وسلم، وهي تؤكد صحة هذا القول لكعب الأحبار، والله أعلم.
·
تعقّب بعض المعاصرين وبيان الخلل
في منهجه!
قال صلاح الدين بن أحمد الإدلبيّ بعد أن ذكر تخريج الحديث مختصراً
في موقعه على الشبكة العنكبوتية:
"فهذا الحديث له سبعة طرق عن عبدالله بن بريدة عن أبيه عن
النبي صلى الله عليه وسلم، ثلاثة منها لينة وبعضها ضعيف وبعضها شديد الضعف وبعضها
منقطع، وهو بمجموعها لا ينزل عن مرتبة الحسن، ويتقوى بالشاهد من رواية ابن عمر.
ـ قد يقال:
حديث "القضاة ثلاثة" رُوي عن كعب الأحبار من قوله، ورُوي
من طريق علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن كعب!، أفلا يكون طريق عبدالله بن بريدة عن
أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم معلولا بطريق علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن
كعب؟!.
فأقول:
الحديث عن كعب من قوله رواه وكيع في أخبار القضاة عن عبدالله بن
محمد بن أيوب بن صبح عن روح بن عبادة عن الأخضر بن عجلان التيمي عن عبدالرحمن بن
عتبة بن عبدالله بن مسعود عن أبيه عن كعب، قال: بعث عمر إلى كعب إني جاعلك قاضيا،
فقال: لا تفعل يا أمير المؤمنين. قال: لم يا كعب؟. قال: "إن القضاة ثلاثة
فقاضيان في النار وقاض في الجنة...". الحديث.
[عبدالله بن محمد بن أيوب بن صبح أو صبيح المخرمي صدوق مات سنة
265. روح بن عبادة بصري ثقة مات سنة 206. الأخضر بن عجلان بصري صدوق ثقة فيه لين.
عبدالرحمن بن عتبة بن عبدالله بن مسعود وأبوه عتبة لم أجد لهما ترجمة، ولعل المراد
عبدالرحمن بن عبدالله بن عتبة بن عبدالله بن مسعود، فإن يكن كذلك فهذا كوفي ثقة
مات سنة 160 واختلط قبل موته بسنتين اختلاطا شديدا، ولم أجد من ذكر رواية الأخضر
بن عجلان عنه، فضلا عن أن يذكروا سماعه منه قبل الاختلاط. عبدالله بن عتبة بن عبدالله
بن مسعود لم أجد له ترجمة]. فهذا الإسناد تالف.
ورواه كذلك وكيع في أخبار القضاة عن محمد بن بشر بن مطر عن إسماعيل
بن بهرام عن الأشجعي عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن كعب.
[محمد بن بشر بن مطر بغدادي صدوق ثقة مات سنة 285. إسماعيل بن
بهرام كوفي صدوق يغرب، ففيه لين، ومات سنة 241. الأشجعي عبيدالله بن عبيدالرحمن
كوفي ثقة مات سنة 182. سفيان بن سعيد الثوري ثقة إمام مات سنة 161. علقمة بن مرثد
كوفي ثقة مات سنة 120]. وهذا الإسناد من الأوهام، ففيه إسماعيل بن بهرام وهو صدوق
يغرب، وقد روى سفيان الثوري عدة روايات عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة، ولم
أجد له عن علقمة بن مرثد عن عبدالله بن بريدة رواية، سوى رواية واحدة وهي معلولة،
وهذا يدل على ضعف إسماعيل بن بهرام، وأن هذه الرواية من أوهامه.
وحيث إن هذا الحديث من طريق عبدالله بن بريدة عن كعب هو مجرد وهَم
من الأوهام فهو لا يصلح دليلا على إعلال الروايات التي يُروى فيها هذا الحديث من
طريق عبدالله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى كلامه.
قلت:
هذا منهج عجيب عند الرجل!! تجده يتعسّف أحياناً في تضعيف أحاديث
صحيحة لا علة فيها! وتجده هنا يقوي الحديث الضعيف بمتابعات واهية بأسلوب فيه نوع
من التدليس! من خلال تخفيف الكلام الذي يذكره كإطلاق مصطلح "الضعف"! مما
يعني أن هذا الضعف قد ينجبر! ويكون هذا الضعف وصل لدرجة النكارة بل وأشد!!
وكذلك من خلال إطلاقات "الضعف" و"اللين" على
بعض الرواة! مع أن الكلام فيهم يكون شديداً يصل لحد الترك أحياناً!!
وكذلك تعسّفه في رد الروايات غير المرفوعة بأدنى شيء!!
فقوله عن رواية كعب مع عمر: "[... الأخضر بن عجلان بصري صدوق
ثقة فيه لين. عبدالرحمن بن عتبة بن عبدالله بن مسعود وأبوه عتبة لم أجد لهما
ترجمة، ولعل المراد عبدالرحمن بن عبدالله بن عتبة بن عبدالله بن مسعود، فإن يكن
كذلك فهذا كوفي ثقة مات سنة 160 واختلط قبل موته بسنتين اختلاطا شديدا، ولم أجد من
ذكر رواية الأخضر بن عجلان عنه، فضلا عن أن يذكروا سماعه منه قبل الاختلاط. عبدالله
بن عتبة بن عبدالله بن مسعود لم أجد له ترجمة]. فهذا الإسناد تالف".
قول مردود!!
فكيف يجمع بين "صدوق ثقة فيه لين" في راو واحد؟!!
نعم، اختلف أهل النقد في حال الأخضر بن عجلان، فمنهم من وثقه، ومن
مشّى حاله، ومنهم من ضعفه!
قال إسحاق بن منصور، عَن يحيى بن مَعِين: "صالح".
وقَال عَباس الدُّورِيُّ، عَن يحيى: "ليس به بأس".
وقال أحمد: "ما أرى به بأساً".
وقَال أبو حاتم: "يكتب حديثه".
وقَال البخاري والنَّسَائي: "ثقة".
وقال الذهبي وابن حجر: "صدوق".
فالظاهر أنه صدوق وله أوهام وغرائب، لكن مثل هذه القصص لا يُتشدد
بها كما يُتشدد في الأحاديث المرفوعة، فتفرده بحديث مرفوع لا يُقبل منه حتى يُتابع
عليه.
وما ظنه أن "عبدالرحمن بن عتبة بن عبدالله بن مسعود" هو:
"عبدالرحمن بن عبدالله بن عتبة بن عبدالله بن مسعود" هو الصواب، وهو ثقة
كان قد اختلط قبل موته بسنة أو سنتين، لكن لم يصفه أحد من أهل العلم بأن اختلاطه
"كان شديدا"!! كما زعم الإدلبي!!
ثم ليس من الضرورة أن يذكروا في ترجمته في الرواة عنه كلّ أحد!
فهذه مسألة ترجع لمن يصنف، فبعضهم يحاول أن يستقصي الرواة عن الراوي كما يفعل
المزي مع التركيز على من روى المرفوعات لا مثل هذه القصص التي يندر تداولها بين
طلبة العلم؛ لأن التركيز في حديث الراوي يكون على مرفوعاته مع كتابة بعض الطلبة
مثل هذه القصص والفوائد.
والراوي عنه "الأخضر بن عجلان" بصري، والغالب أنه سمع منه
هناك، وقد قال أحمد: "سماع وكيع من المسعودي بالكوفة قديم، وأبو نعيم أيضًا،
وإنما اختلط المسعودي ببغداد. ومن سمع منه بالبصرة والكوفة فسماعه جيد".
ووالده لا رواية له، ولهذا لم يترجم له أهل العلم، وليس بعيداً أن
يروي بعض الفوائد عنه كهذه القصة، ومثله يكون صدوقاً.
ودعواه بأن هذا الإسناد تالف دعوى تالفة!! فسياق القصة يدلّ على
صحتها، والله أعلم.
وكلامه عن الإسناد الآخر من أعجب العجب!! حيث يتخيّل ويتوهم أشياء
بعيدة!!
فقد ضعف الإسناد بإسماعيل بن بهرام وجعلها من أوهامه دون دليل
علمي!!
قال عن إسماعيل: "صدوق يغرب"! نعم قال ابن حبان عنه هذا
لما ذكره في ثقاته "يغرب"! فكان ماذا؟!
هل وصفه بهذا يعني ضعفه؟! وترد روايته بذلك؟!!
ابن حبان يقول هذه العبارة: "يغرب" يعني يروي الغرائب
ويقصد بذلك الأحاديث المرفوعة لا مثل هذه الروايات الموقوفة!
قال أبو حاتم: "شيخ صدوق، أتيته غير مرة فلم يقض لي السماع
منه".
ووثقه الذهبي في «الكاشف»، وقال في «المغني في الضعفاء»: "يَأْتِي
بِغَرَائِب وَلم يُضعف"، وقال في «الميزان»: "ذو غرائب. وهو صدوق".
فالرجل صدوق، ويروي الغرائب، وليس كل غريب مردود.
ومما يدل على بُعد الرجل عن عمق منهج الأئمة النقاد أنه جزم بأن
"ابن بريدة" في حديث ابن بهرام هو: "عبدالله بن بريدة"! مع
أنه ذكر أن سفيان الثوري يروي عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة!!! وقال بأنه
لن يجد له عن علقمة بن مرثد عن عبدالله بن بريدة رواية!! فبنى على ذلك أن إسماعيل
بن بهرام وهم في روايته!! مع أن إسماعيل لم يصرّح باسم "ابن بريدة"!!
وكان ينبغي له بذكره لهاتين القرينتين - رواية الثوري عن علقمة عن
سفيان، وعدم وجود رواية لعلقمة عن عبدالله بن بريدة – أن ابن بريدة هنا هو:
"سليمان" لا "عبدالله"!!
فكيف يُوهم إسماعيل في شيء هو لم يذكره!!!
وعليه فقوله: "وحيث إن هذا الحديث من طريق عبد الله بن بريدة
عن كعب هو مجرد وهَم من الأوهام فهو لا يصلح دليلا على إعلال الروايات التي يُروى
فيها هذا الحديث من طريق عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم"!
مجازفة ووهم منه هو! وقول كعب هذا هو أصل الروايات الضعيفة التي تُروى عن عبدالله
بن بريدة.
والعجب من حال هذا الإدلبي كيف ضعف هذه الروايات الموقوفة التي هي
ليست ضعيفة أصلاً، وضعّف الروايات عن ابن عمر في هذا الباب ثم جعلها شاهداً
للروايات الضعيفة الواردة عن ابن بريدة!!!
·
ما يُروى عن عليّ قوله!
ويُروى هذا الحديث من قول عليّ رضي الله عنه:
رواه عليّ بن الجعد في «مسنده» (ص: 155) (989).
وابن أبي شيبة في «مصنفه» (4/540) (22963) عن شَبابة بن سوّار.
والبخاري في «التاريخ الأوسط» (1/225) عن آدم بن أبي إياس.
ووكيع في «أخبار القضاة» (1/18) من طريق رَوح بن عبادة.
وابن عدي في «الكامل» (4/97) من طريق أبي داود الطيالسي.
كلهم (ابن الجعد، وشبابة، وآدم، وروح، والطيالسي) عن شعبة، عن
قتادة، قال: سمعت رُفيعاً أبا العالية، قال: قال علي: "القضاة ثلاثة:
اثنان في النار، وواحد في الجنة "، فذكر اللذين في النار، قال: «رجل جار
متعمدا فهو في النار، ورجل أراد الحق فأخطأ فهو في النار، آخر أراد الحق فأصاب فهو
في الجنة». قال: فقلت لرفيع: أرأيت هذا الذي أراد الحق فأخطأ؟ قال: "كان حقه
إذا لم يعلم القضاء لا يكون قاضياً".
ورواه وكيع في «أخبار القضاة» من طريق
همام بن يحيى،
عَن قتادة، عَن أبي العالية؛ قال: قَالَ: علي: القضاة ثلاثة. فذكر مثله ولم يذكر
كلام أبي العالية.
ورواه معمر بن راشد في «جامعه» [المطبوع مع مصنف عبدالرزاق: (11/328)
(20675) عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ عَلِيًّا، قَالَ: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: قَاضٍ
اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ رَأَى الْحَقَّ فَقَضَى بِغَيْرِهِ
فِي النَّارِ، وَقَاضٍ اجْتَهَدَ فَأَصَابَ فِي الجَنَّةِ».
لم يذكر فيه: "أبا العالية"! ويحتمل أنه سقط من النسخ،
والله أعلم.
·
هل سمع أبو العالية من عليّ بن
أبي طالب؟!
فالحديث مشهور عن أبي العالية عن عليّ رضي الله عنه، وأبو العالية
أدرك علياً، واختلف العلماء في سماعه من عليّ.
فأثبته ابن المديني، ونفاه شعبة.
قال علي بن المديني: "أبو العالية سمع من عمر بن الخطاب، ومن
علي، ومن أبي موسى، وابن عمر".
قال عباس الدوري: سَمِعت يحيى يَقُول: قَالَ شُعْبَة: "قد
أدْرك رفيع أَبُو العَالِيَة عَليّ بن أبي طَالب، وَلم يسمع مِنْهُ شَيْئاً".
وقال حَجَّاج الأعور: قَالَ شُعْبَةُ: "قَدْ أَدْرَكَ
رُفَيْعٌ عَلِيًّا، ولَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ".
والذي أميل إليه أنه لم يسمع منه شيئاً!! ولا توجد له رواية عنه،
ولم يذكر سماعاً في هذا الحديث!
وكذا روى عنه أثراً آخر لا سماع فيه! وفيه نكارة!
وهو ما رواه هِشَام بن حسّان، عَنْ حَفْصَةَ بنت سيرين، عَنْ أَبِي
العَالِيَةِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «اسْتَكْثِرُوا مِنَ الطَّوَافِ بِهَذَا البَيْتِ،
فَكَأَنِّي بِرَجُلٍ من الحبش أَصْلَعَ أَصْمَعَ، حَمْشَ السَّاقَيْنِ، مَعَهُ
مِسْحَاةٌ يَهْدِمُهَا».
فقوله: "فكأني برجل.." منكر! وهذا لا يصدر إلا من
المعصوم صلى الله عليه وسلم.
والذي صحّ من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُخَرِّبُ الكَعْبَةَ ذُو
السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الحَبَشَةِ».
وإنما عِيب على أبي العالية أنه كان يروي عن كلّ أحد ويصدقه، فيروي
المراسيل المنكرة!!!
قال ابن عون عن محمد بن سيرين، قال: "كان أربعة يُصدّقون من حدثهم
ولا يبالون ممن سمعوا الحديث: الحسن وأبو العالية وحميد بن هلال"، ولم يذكر
الرابع.
وقال ابن عون: "كان الحسن وأبو العالية وحميد بن هلال يُصدّقون
من حدثهم، ولا يبالون ممن سمعوا".
وقال حماد بن سلمة عن علي بن يزيد، قال: "كان ثلاثة من
أصحابنا إذا سمعوا الحديث رفعوه: الحسن، والعالية وآخر"، والرجل الثالث الذي
لم يسمه هو: "حميد بن هلال".
وقال حرملة بن يحيى: سمعت الشافعي يقول: "حديث أبي العالية
الرياحي رياح"، قال: "أعني الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في
الضحك في الصلاة أن على الضاحك الوضوء".
قلت: فحديث أبي العالية مرسل؛ لأنه لم يسمع من عليّ رضي الله عنه.
·
رواية أخرى عن عليّ:
ورُوي عن عليّ من طريق آخر:
رواه وكيع في «أخبار القضاة» (1/16، 19) من طريق إبراهيم بن الحكم
بن ظهير، عَن أبيه، عَن السدي، عَنْ عَبْدِ خير، عَن عليّ رضي الله عنه، قال: «القضاة
ثلاثة» فذكر نحوه.
قلت: هذا إسناد باطل!
إبراهيم بن الحكم بن ظهير أبو إسحاق: شيعيّ جلد ضعيف!
كتب عنه أبو حاتم ولم يُحدّث عنه ترك حديثه، وكذّبه.
وأبوه: الحكم بن ظهير الفرازي، أَبُو مُحَمَّد بن أَبي ليلى الكوفي:
منكر الحديث متروك.
·
طريق أخرى عن عليّ:
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (7/21): "عياض بن عَبْدالرَّحْمَن
الحَجَبي: يُعدّ فِي أهل المدينة، عن أبيه، عَنْ عَلِيّ، قالَ: «القضاة
ثلاثة». قاله إِبرَاهِيم بن المنذر، عَنْ إِسْحَاق بن جَعْفَر: سَمِعَ عَبْداللَّه
بن جَعْفَر، عَنْ عياض".
وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (6/408): "عياض بن عبدالرحمن
الحجبي: روى عن ابن أبي ليلى عن أبيه عن علي رضي الله عنه: «القضاة
ثلاثة». روى عنه ...".
وقال ابن حبان في «الثقات» (7/283): "عِيَاض بن عبدالرَّحْمَن
الحَجبي: يرْوي عَن ابن أبي مليكَة. روى عَنهُ: عبداللَّهِ بن
جَعْفَر المدنِي".
وذكره السمعاني في «الأنساب» في نسبة «الحَجَبيّ» (4/65): "وعياض
بن عبدالرحمن الحجبي، يروي عن ابن أبي مليكة، روى عنه عبدالله ابن
جعفر المديني".
·
سقط في تاريخ البخاري، وإكمال
البياض في كتاب ابن أبي حاتم، وتصحيف في كتاب ابن حبان والسمعاني!!
قلت: الظاهر أنه حصل سقط في «تاريخ البخاري»، وعادة ما يتبع أبو
حاتم البخاري في تراجمه، والصواب أنه «عن ابن أبي ليلى عن أبيه» فسقط: «ابن أبي
ليلى» فصارت رواية عياض عن أبيه! وليس كذلك.
فتكون الترجمة الصحيحة عند البخاري: "عياض بن عَبْدالرَّحْمَن
الحَجَبي: يُعدّ فِي أهل المدينة. [ابن أبي ليلى] عن أبيه، عَنْ عَلِيّ، قالَ:
«القضاة ثلاثة». قاله إِبرَاهِيم بن المنذر، عَنْ إِسْحَاق بن جَعْفَر: سَمِعَ
عَبْداللَّه بن جَعْفَر، عَنْ عياض".
والبياض الذي عند ابن أبي حاتم: "عياض بن عبدالرحمن الحجبي:
روى عن ابن أبي ليلى عن أبيه عن علي رضي الله عنه: «القضاة ثلاثة». روى عنه [عبدالله
بن جعفر]".
وأما ما وقع عند ابن حبان والسمعاني فهو تصحيف شنيع!!! فابن أبي
مُليكة لا يروي عن أبيه، وإنما الذي يروي عن أبيه هو: ابن أبي ليلى. وهو: مُحَمَّد
بن عَبْدالرَّحْمَنِ بن أَبي ليلى الأَنْصارِيّ، أَبُو عبدالرحمن الكوفي الفقيه
قاضي الكوفة، وكان سيء الحفظ، مضطرب الحديث. وهذا الأثر يُضعّف به أو بعياض الراوي
عنه؛ لأنه مجهول الحال، والله أعلم.
والخلاصة أنه لا يصح عن عليّ بن أبي طالب شيء في هذا الباب،
والصواب في ما رُوي من كل ذلك أنه من قول كعب الأحبار.
ونعود إلى ترجمة البخاري لعبدالله بن بريدة:
·
حديث عبدالله بن بريدة عن عبدالله
بن مُغفّل:
ثم ساق البخاري لعبدالله بن بريدة حديثاً عن عبدالله المزني وهو
ابن مُغفل، وظاهر ذلك بحسب طريقة البخاري في كتابه من خلال الاستقراء تضعيفه لهذا
الحديث!! إلا أنه أخرجه في «الصحيح»!
قال البخاري في «صحيحه» (1/117) (563): حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ -
هُوَ عَبْدُاللَّهِ بنُ عَمْرٍو-، قالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُالوَارِثِ، عَنِ الحُسَيْنِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ بُرَيْدَةَ، قالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ
بنُ مُغَفَّلٍ المُزَنِيُّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «لاَ تَغْلِبَنَّكُمُ الأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلاَتِكُمُ المَغْرِبِ» قالَ
الأَعْرَابُ: وَتَقُولُ: هِيَ العِشَاءُ.
فقد يكون رأي البخاري قد تغيّر في ذلك، فلما ثبت الحديث عنده أخرجه
في «صحيحه»، لما ثبت سماع عبدالله لهذا الحديث من ابن مُغفل، والله أعلم.
فإذا كان عبدالله بن بريدة سمع من عبدالله ابن مُغفّل المزني، نزل
البصرة، مات سنة (57هـ)، فكيف لا يسمع من أبيه الذي توفي سنة (63هـ)! فروايته عنه
تؤكد أنه سمع من أبيه.
·
حديث آخر لعبدالله بن بُريدة عن
عبدالله بن مُغفل:
وقد رُوي عن عبدالله بن بريدة عن ابن مُغفل حديثاً آخر،
رواه عنه: كَهْمَسُ بنُ الحَسَنِ البصريّ (ت149هـ)، وسعيد بن إيّاس الجُرَيْرِيُّ
البصريّ (ت144هـ)، وعبدالمُؤمن بن خالد الحَنَفي أَبو خالد المَروَزي، قاضي مَرو
(توفي بعد سنة 160هـ).
أما حديث كَهمس:
فرواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (5/128) (7461) عن وَكِيع
بن الجرّاح. [ورواه مسلم في «صحيحه» (1/573) (838)، وابن ماجه في «سننه» (2/240)
(110) (1162) كلاهما عن أَبي بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ، عن أَبي أُسَامَةَ حماد
بن أسامة وَوَكِيع]، فزادا مع وكيع: "عن أبي أسامة".
وأحمد في «مسنده» (27/346) (16790) عن يَحْيَى بن
سَعِيدٍ القطّان. و(34/166) (20544) عن وَكِيع، وابن جَعْفَرٍ. و(34/175)
(20560) عن مُحَمَّد بن جَعْفَرٍ. و(34/183) (20574) عن يَزِيد بن هارون.
وابن المديني في «الأحاديث المعللات» (127) عن يزيد بن
زُريع.
والبخاري في «صحيحه» (1/128) (627) عن عَبْداللَّهِ بن
يَزِيدَ المُقرئ.
والترمذي في «جامعه» (1/256) (185) عن هَنَّاد، عن وَكِيع.
وقال: "حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".
والنسائي في «السنن الكبرى» (1/225) (374)، (2/253) (1657)
عن أَبي قُدَامَةَ عُبَيْداللهِ بن سَعِيدٍ السَّرَخْسِيّ، عَنْ يَحْيَى بن
سعيد.
وأبو عوانة في «مستخرجه» (1/373) (1351)، و(2/8) (2117) عن
يَزِيد بن سِنَانٍ، عن يَزِيد بن هَارُونَ. و(1/373) (1353)، و(2/8) (2116)
عن الصَّغَانِيّ، عن رَوْح بن عُبَادَةَ.
والسرّاج في «مسنده» (ص: 471) (1545) عن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيمَ ابن راهويه، عن النَّضْر بن شُمَيْلٍ.
والدارقطني في «سننه» (1/501) (1044) عن مُحَمَّد بن
أَحْمَدَ بنِ أَبِي الثَّلْجِ، عن الفَضْل بن مُوسَى، عن عَوْن بن كَهْمَسِ بنِ
الحَسَنِ. و(1045) عن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّدٍ الصَّفَّار، عن الحَسَن بن
عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ، عن أَبي أُسَامَةَ.
وابن حبان في «صحيحه» (4/426) (1559)، (13/120) (5804) عن الحَسَن
بن سُفْيَانَ، عن حبَّان بن مُوسَى، عن عَبْداللَّهِ بن المبارك. و(4/427)
(1561) عن ابن قتيبة، عن ابن أَبِي السَّرِيِّ، عن المُعْتَمِر بن سُلَيْمَانَ.
وابن خزيمة في «صحيحه» (1/635) (1287) عن مُحَمَّد بن
العَلَاءِ بنِ كُرَيْبٍ، عن ابن المُبَارَكٍ. وعن بُنْدَار محمد بن بشّار، عن
يَزِيد بن هَارُونَ. وعن أَحْمَد بن عَبْدَةَ، عن سُلَيْم بن أَخْضَرَ.
والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (14/113) (5493) عن يَزِيد
بن سِنَانٍ، عن يَزِيد بن هَارُونَ، وعُثْمَان بن عُمَرَ بنِ فَارِسٍ.
وأبو نُعيم الأصبهاني في «مستخرجه على مسلم» (2/429) (1887)
من طريق مُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ، عن خَالِد بن الحَارِثِ. ومن طريق أَبي
يَعْلَى، عن عُبَيْداللَّهِ بن عُمَرَ، عن يَزِيد بن زُرَيْع.
كلهم (وكيع، وأبو أسامة، ويحيى القطان، ومحمد بن جعفر،
ويزيد بن زُريع، والمقرئ، ويزيد بن هارون، ورَوح بن عُبادة، والنضر بن شُميل، وعون
بن كَهمس، وابن المبارك، والمُعتمر، وسُليم بن أخضر، وعثمان بن عمر، وخالد بن
الحارث) عن كَهْمَس بنِ الحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بنُ بُرَيْدَةَ،
عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ»، قَالَهَا
ثَلَاثًا، قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «لِمَنْ شَاءَ».
وزَادَ ابن المبارك، و سُلَيْم بن أَخْضَرَ: "فَكَانَ
ابنُ بُرَيْدَةَ يُصَلِّي قَبْلَ المَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ".
وأما حديث الجُرَيْرِيِّ:
فرواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (5/128) (7462) عن عَبْدالأَعْلَى
بن عبدالأَعلى. [ورواه مسلم في «صحيحه» (1/573) (838) عن أَبي بَكْرِ بن أَبِي
شَيْبَةَ].
وأحمد في «مسنده» (34/183) (20574)، والدارمي في «سننه»
(2/903) (1480) كلاهما عن يَزِيد بن هَارُونَ.
والبخاري في «صحيحه» (1/127) (624)، والروياني في «مسنده» (2/89)
(875) كلاهما عن إِسْحَاق بن شَاهين الوَاسِطِيّ، عن خَالِد بن عبدالله الطحان
الواسطيّ.
ومحمد بن نصر المروزي في «مختصر قيام الليل وقيام رمضان
وكتاب الوتر» (ص: 71) عن وَهْب بن بَقِيَّةَ، عن خَالِد بن عَبْدِاللَّهِ
الواسطيّ.
وابن المديني في «الأحاديث المعللات» (127) عن يزيد بن
زُريع.
وعَمْرو بن عَليّ الفلاس فِي «تَارِيخه» [كما ذكر ابن
القطان الفاسي في «بيان الوهم والإيهام» (4/345)، ورواه العقيلي في «الضعفاء»
(2/99) عن محمد بن عيسى، عن الفلاس] عن يَحْيَى بن سَعِيدٍ القطان.
[قَالَ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ الفلاس: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ
سَعِيدٍ، يَقُولُ: أَتَيْتُ الْجُرَيْرِيَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «بَيْنَ كُلِّ
أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ» فَلَمَّا خَرَجْتُ قَالَ لِي رَجُلٌ: إِنَّمَا هُوَ عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ].
والبخاري في «التَارِيخ الكبير» في ترجمة «الجُريري» (3/456)
عن عليّ بن المديني، قال: قَالَ لِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: الجَرِيرِيُّ بَعْدَ
مَا اخْتَلَطَ سَنَةَ إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ.
قال: قُلْتُ حَدَّثَكَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَ
كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاةٌ»؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَقِيتُ عَدِيَّ بنَ الفَضْلِ فَقال:
هُوَ: عَبْدُاللَّهِ بْنُ مغفل، فلقيته فقال: اجعله مرسلاً.
وأبو داود في «سننه» (2/458) (1283) عن عبدالله بن محمد
النُّفَيْلِيّ، عن إسماعيل بن عُلَيَّةَ. [ورواه أبو عوانة في «مستخرجه»
(1/373) (1352) عن أبي داود].
والسرّاج في «مسنده» (ص: 471) (1546) عن أَبي يَحْيَى
البَزَّاز، عن يَزِيد بن هَارُونَ.
والدارقطني في «سننه» (1/501) (1043) عن عَبْداللَّهِ بنُ
أَبِي دَاوُدَ، عن نَصْر بن عَلِيٍّ، عن يَزِيد بن زُرَيْعٍ. و(1045) عن إِسْمَاعِيل
بن مُحَمَّدٍ الصَّفَّار، عن الحَسَن بن عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ، عن أَبي
أُسَامَةَ.
وابن حبان في «صحيحه» (4/427) (1560) عن الحُسَيْن بن
عَبْدِاللَّهِ بنِ يَزِيدَ القَطَّان، عن أَيُّوب بن مُحَمَّدٍ الوَزَّان، عن إِسْمَاعِيل
بن عُلَيَّةَ.
وابن خزيمة في «صحيحه» (1/635) (1287) عن بُنْدَار، عن يَزِيد
بن هَارُونَ. وعن بُنْدَار، عن سَالِم بن نُوحٍ العَطَّار.
والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (14/113) (5493) عن يَزِيد
بن سِنَانٍ، عن يَزِيد بن هَارُونَ.
وأبو نُعيم في «مستخرجه على مسلم» (2/429) (1888) من طريق مُسَدَّد،
عن بِشْر بن المُفَضَّلِ.
كلهم (عبدالأعلى، ويزيد بن هارون، وخالد الواسطي، ويزيد بن
زُريع، والقطان، وابن عُليّة، وأبو أسامة، وسالم العطار، وبشر بن المفضل) عن الجُرَيْرِيّ،
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَ كُلِّ
أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ
صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ».
وأما حديث عبدالمؤمن المروزي:
فرواه الحاكم في «الجزء الذي جمعه في الكلام على الركعتين
قبل المغرب» - انتقاء ابن الشُّحنة الحنفي (ت890هـ)، تحقيق: محمد السريّع - (1)
قال: أخبرنا أبو أحمد: عليّ بن محمد بن عبدالله المروزي - بمرو-، قال: أخبرنا
العباس بن محمد بن حاتم الدوري، قال: أخبرنا زيد بن الحُباب، عن عبدالمؤمن - هو
مروزي، حنفيّ - ابن خالد، قال: أخبرنا عبدالله بن بُريدة، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ
مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، لِمَنْ
شَاءَ» - ولم يَعزِم.
قلت: كذا اتفق كهمس، والجُريري، وعبدالمؤمن في روايته عن
عبدالله بن بُريدة.
·
هل خالف الحُسَيْن المُعَلِّمَ غيره في
حديثه عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ؟
قال الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (14/115) بعد
أن ساق روايتي كهمس والجريري: "ثُمَّ قَدْ وَجَدْنَا الحُسَيْنَ المُعَلِّمَ
قَدْ رَوَى هَذَا الحَدِيثَ عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، بِخِلَافِ مَا رَوَاهُ عَلَيْهِ
عَنْهُ: كَهْمَسٌ والجُرَيْرِيُّ".
قلت: يعني الاختلاف في متنه!
وحديث الحُسَيْن المُعَلِّم:
رواه البخاري في «صحيحه» (2/59) (1183)،
(9/112) (7368) عن أَبي
مَعْمَرٍ عَبْداللهِ بن عَمْرِو بنِ أَبِي الحَجَّاجِ المَنْقَرِيّ.
وأبو داود في «سننه» (2/457)
(1281) عن عُبَيْداللهِ بن عُمَرَ القواريري.
والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (14/115) (5494) عن يَزِيد
بن سِنَانٍ، عن أَبي مَعْمَرٍ.
والدارقطني في «سننه» (1/499) (1042) عن عَبْدِاللَّهِ
بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِالعَزِيزِ، عن عُبَيْداللَّهِ بن عُمَرَ القَوَارِيرِيّ.
وابن خزيمة في «صحيحه» (1/635) (1289) عن مُحَمَّد بن
يَحْيَى، عن أَبي مَعْمَرٍ.
وابن حبان في «صحيحه» (4/457)
(1588) عن مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ، عن عَبْدالوَارِثِ بن عَبْدِالصَّمَدِ
بنِ عَبْدِالوَارِثِ، عن أَبِيه.
والحاكم في «الجزء الذي جمعه في الكلام على الركعتين قبل
المغرب» - انتقاء ابن الشُّحنة - (2) من طريق محمد بن أيوب الرازي، عن عبدالرحمن
بن المبارك العيشيّ.
و(3) من طريق الحسن بن المثنى، عن عفّان بن مُسلم الصفار.
كلهم (أَبو مَعْمَرٍ، والقواريري،
وعبدالصمد، والعيشي، والصفار) عن عَبْدالوَارِثِ بن سَعِيدٍ التَّنُّورِيّ، عَنْ
حُسَيْنٍ المُعَلِّم، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عن عَبْداللهِ بن مُغفل المُزَنِيّ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلُّوا قَبْلَ صَلاَةِ
المَغْرِبِ»، قَالَ: «فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ» - كَرَاهِيَةَ أَنْ
يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً-. وفي بعض الروايات: "خشية أن يتخذها الناس
سنة".
فجعل الطحاوي هذا المتن مخالف
لمتن حديث كهمس والجريري وعبدالمؤمن عن ابن بريدة!
وقد ذكر الدارقطني هذه الرواية مع
رواية كهمس والجريري في مقابل رواية حيّان بن عبدالله الآتية = يعني لا اختلاف
بينها!
وقال الحاكم: "قد ثبت هذا
الحديث بالأصول، والشواهد، عن عبدالله بن بريدة، عن عبدالله بن مُغفّل. وزاد
الحسين بن ذكوان بياناً بذكر صلاة المغرب فيه. فرواه حيّان بن عُبيدالله، عن
عبدالله بن بريدة فأخطأ في إسناده، وأتى في المتن بمُعضلة لم يُتابع عليها!".
·
هل خالفهم حَيَّان بن
عُبَيْدِاللهِ في روايته عن ابن بُريدة؟!
وقال الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (14/115):
"ثُمَّ قَدْ وَجَدْنَا حَيَّانَ بنَ عُبَيْدِاللهِ أَبَا زُهَيْرٍ - وَهُوَ
رَجُلٌ مَحْمُودٌ فِي رِوَايَتِهِ - قَدْ رَوَى هَذَا الحَدِيثَ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ،
فَخَالَفَ كَهْمَسًا، وَالجُرَيْرِيَّ، وَالحُسَيْنَ المُعَلِّمَ فِيمَا رَوَوْهُ
عَلَيْهِ عَنْهُ".
وحديث حيّان:
رواه البزار في «مسنده» (10/303)
(4422)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (8/179) (8328) عن مُوسَى بن زَكَرِيَّا. وابن الجوزي في «الموضوعات»
(2/92) من
طريق أبي القاسم البغوي. ثلاثتهم (البزار، وموسى، والبغوي) عن عَبْدالوَاحِدِ
بن غِيَاثٍ.
والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (14/116) (5495) عن الحَسَن بن
غُلَيْبِ بنِ سَعِيدٍ الْأَزْدِيّ، عن عَبْدالغَفَّارِ بن دَاوُدَ الحَرَّانِيّ
أَبي صَالِحٍ.
و والحاكم في «الجزء الذي جمعه في الكلام على الركعتين قبل
المغرب» - انتقاء ابن الشُّحنة - (4) من طريق عُثْمَان بن سَعِيدٍ الدَّارِمِيّ،
عن عَبْداللهِ بن صَالِحٍ كَاتِبَ اللَّيْثِ. [ورواه البيهقي في «السنن
الكبرى» (2/667)
(4172) عن الحاكم].
والدارقطني في «سننه» (1/497) (1040) عن عَلِيّ بن
مُحَمَّدٍ المِصْرِيّ، عن الحَسَن بن غُلَيْبٍ، عن عَبْدالغَفَّارِ بن دَاوُدَ.
والبيهقي في «معرفة السنن والآثار» (4/9) (5294) عن أَبي
عَبْدِاللَّهِ الحَافِظ، عن الحَسَن بن المُثَنَّى بن معاذ العَنْبَرِيّ، عن عَفَّان
بن مُسلم الصفّار.
كلهم (عبدالواحد بن غياث، وعبدالله بن صالح، وعبالغفار بن
داود، وعفان الصفار) عن حَيَّان بن عَبْيدِاللهِ، عن عَبْداللهِ بن
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عِنْدَ كُلِّ أَذَانَيْنِ رَكْعَتَيْنِ مَا خَلَا المَغْرِبَ».
قَالَ البَزَّارُ: "وَهَذَا الحَدِيثُ لا نعلَمُ
أحَدًا يَرْوِيهِ إلاَّ بُرَيدة، ولاَ نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ عَبداللَّهِ بنِ
بُرَيدة إلاَّ حَيَّانُ بنُ عُبَيداللَّهِ، وَحَيَّانُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ
مَشْهُورٌ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ".
وقال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ حَيَّانَ
إِلَّا عَبْدُالوَاحِدِ".
قلت: لم ينفرد به عبدالواحد عن حيان، فقد تابعه عليه:
عبدالله بن صالح، وعبدالغفار بن داود كما تقدم.
قال الطحاوي: "فَخَالَفَ حَيَّانُ كَهْمَسًا،
والجُرَيْرِيَّ، والحُسَيْنَ فِي إِسْنَادِ هَذَا الحَدِيثِ، فَذَكَرَهُ بِمَا
يَعُودُ بِهِ إِلَى بُرَيْدَةَ، وَخَالَفَهُمْ فِي مَتْنِهِ عَلَى مَا قَدْ
ذَكَرْنَاهُ مِنْ خِلَافِهِ إِيَّاهُمْ فِيهِمَا"!
قلت: وقد علّل كثير من الأئمة هذا الحديث بحيّان بن
عبدالله وأنه أخطأ في سنده ومتنه!
قال البيهقي في «السنن الصغير» (1/270) بعد أن ذكره: "وَلَمْ
يَذْكُرْ فِعْلَ ابنِ بُرَيْدَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ فِعْلِهِ دَلَالَةٌ عَلَى
بُطْلَانِ رِوَايَةِ مَنْ زَادَ فِي هَذَا الحَدِيثِ: «مَا خَلَا المَغْرِبَ»".
وقال في «معرفة السنن والآثار»
(4/9) (5292) بعد أن ساق روايتي كهمس والجريري: "ورَوَاهُ حَيَّانُ بنُ
عُبَيْدِاللَّهِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَادَ فِيهِ: «مَا خَلَا المَغْرِبَ».
وَهَذَا مِنْهُ خَطَأٌ فِي
الْإِسْنَادِ وَالمَتْنِ جَمِيعًا، وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ صَحِيحًا، وَفِي رِوَايَةِ
عَبْدِاللَّهِ بنِ المُبَارَكِ عَنْ كَهْمَسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: «فَكَانَ
ابْنُ بُرَيْدَةَ يُصَلِّي قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ»، وَفِي رِوَايَةِ حُسَيْنٍ
الْمُعَلِّمِ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ
الْمُزَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ
رَكْعَتَيْنِ، صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، لِمَنْ شَاءَ». - خَشْيَةَ
أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً".
وقال في «السنن الكبرى» (2/666): "وَرَوَاهُ
حَيَّانُ بنُ عُبَيْدِاللهِ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ بُرَيْدَةَ، وَأَخْطَأَ فِي
إِسْنَادِهِ، وَأَتَى بِزِيَادَةٍ لَمْ يُتَابَعَ عَلَيْهَا، وَفِي رِوَايَةِ
حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ مَا يُبْطِلُهَا وَيَشْهَدُ بِخَطَئِهِ فِيهَا".
ثم ساق رواية حسين المُعلِّم، ثم نقل عن الحاكم ما ذكره في
«الجزء الذي جمعه في الكلام على الركعتين قبل المغرب» قال: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ
بنُ إِسْمَاعِيلَ، قال: حدثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ - يَعْنِي: ابنَ
خُزَيْمَةَ -، عَلَى أَثَرِ هَذَا الحَدِيثِ قالَ: "حَيَّانُ بنُ عُبَيْدِاللهِ
هَذَا قَدْ أَخْطَأَ فِي الْإِسْنَادِ؛ لِأَنَّ كَهْمَسَ بنَ الحَسَنِ،
وسَعِيدَ بنَ إِيَاسٍ الجُرَيْرِيَّ، وعَبْدَالمُؤْمِنِ المروزيَّ رَوَوَا
الخَبَرَ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ لَا عَنْ أَبِيهِ،
وهَذَا عَلمٌ مِنَ الجِنْسِ الَّذِي كَانَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - يَقُولُ:
«أَخَذَ
طَرِيقَ المَجَرَّةِ»، فَهَذَا الشَّيْخُ لَمَّا رَأَى أَخْبَارَ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ
أَبِيهِ تَوَهَّمَ أَنَّ هَذَا الخَبَرَ هُوَ أَيْضًا عَنْ أَبِيهِ، وَلَعَلَّهُ
لَمَّا رَأَى العَامَّةَ لَا تُصَلِّي قَبْلَ المَغْرِبِ تَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا
يُصَلَّى قَبْلَ المَغْرِبِ، فَزَادَ هَذِهِ الكَلِمَةَ فِي الخَبَرِ، وَزَادَ
عِلْمًا بِأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ خَطَأٌ أَنَّ ابنَ المُبَارَكِ قَالَ فِي
حَدِيثِهِ عَنْ كَهْمَسٍ: «فَكَأَنَّ ابْنَ بُرَيْدَةَ
يُصَلِّي قَبْلَ المَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ»، فَلَوْ كَانَ ابْنُ بُرَيْدَةَ
قَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا
الِاسْتِثْنَاءَ الَّذِي زَادَ حَيَّانُ بْنُ عُبَيْدِاللهِ فِي الخَبَرِ «مَا خَلَا صَلَاةَ المَغْرِبِ» لَمْ يَكُنْ يُخَالِفُ خَبَرَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
قال الحاكم: "فقد شفى الإمام أبو بكر بن خزيمة في علة
حديث حيّان بن عُبيدالله ما لا مزيد عليه".
وقال ابن حزم في «المحلى» (2/22): "هَذِهِ اللَّفْظَةُ
انْفَرَدَ بِهَا حَيَّانُ بنُ عُبَيْدِاللَّهِ - وَهُوَ مَجْهُولٌ -، وَالصَّحِيحُ
هُوَ مَا رَوَاهُ الجُرَيْرِيُّ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ".
قلت: حيان ليس مجهولاً كما زعم ابن حزم، بل هو معروف
ومشهور، وهو صدوق، ولم يختلط كما ذهب بعضهم، وإنما الذي اختلط هو "حبان بن
يسار".
ونقل ابن رجب في «فتح الباري»
(5/346) كلام الدارقطني المتقدم، ثم قال: "يعني: أنهم رووه عن ابن بريدة، عن
ابن مغفل، بدون هذه الزيادة.
وقال الأثرم: ليس هذا بشيء؛ قد
رواه عن ابن بريدة ثلاثة ثقات على خلاف ما رواه هذا الشيخ الذي لا يعرف في الإسناد
والكلام جميعاً.
وكذلك ذكر ابن خزيمة نحوه، واستدل
على خطئه في استثنائه صلاة المغرب بأن ابن المبارك روى الحديث عن كهمس، عن ابن
بريدة، عن ابن مغفل، وزاد في آخره: «فكان ابن بريدة يصلي قبل المغرب ركعتين»"
انتهى.
والظاهر أن ابن رجب يُعلل حديث حيّان بهذا الذي نقله، وإلا
لاعترض عليه!
وقال ابن حجر في «فتح
الباري»
(2/108): "وَأَمَّا رِوَايَةُ حَيَّانَ - وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ
وَالتَّحْتَانِيَّةِ - فَشَاذَّةٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ صَدُوقًا عِنْدَ البَزَّارِ
وَغَيْرِهِ لَكِنَّهُ خَالَفَ الحُفَّاظَ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِاللَّهِ بنِ
بُرَيْدَةَ فِي إِسْنَادِ الْحَدِيثِ وَمَتْنِهِ وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ
طُرُقِهِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: «وَكَانَ بُرَيْدَةُ يُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ المَغْرِبِ»، فَلَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ
مَحْفُوظًا لَمْ يُخَالِفْ بُرَيْدَةُ رِوَايَتَهُ، وَقَدْ نقل ابن الجَوْزِيِّ
فِي «المَوْضُوعَاتِ» عَنِ الفَلَّاسِ أَنَّهُ كَذَّبَ
حيانًا المَذْكُورَ".
قلت: ذكره ابن الجوزي في «الموضوعات» (2/92) وقال: "هَذَا حَدِيث
لَا يَصح. قَالَ الفلاس: كَانَ حبَان كذابًا".
قلت: كذا نقل ابن الجوزي، ونقله عنه ابن حجر موافقاً له!
وليس كذلك! فالفلاس لم يقل هذا في «حيّان بن عبيدالله» صاحب هذا الحديث،
وإنما قاله في «حيّان بن عبدالله بن جبلة».
وأورد ابن الجوزي حديثاً لحيّان
البصري في موضع آخر من كتابه (3/150) ثم قال: "وحيان البَصْرِيّ هُوَ حيان بن
عبدالله بن جبلة. قالَ عَمْرو بن عَلِي الفلاس: كَانَ كذابًا".
وقال في «الضعفاء والمتروكين» (1/242)
(1045): "حَيَّان بن عبدالله بن جبلة أَبُو جبلة الرَّازِيّ العَدوي، بَصرِي.
قَالَ عَمْرو بن عَليّ: كَانَ كذابًا".
قلت: جمع ابن الجوزي بين «حيان بن
عبيدالله - بالتصغير - العدوي»، وبين «حيان بن عبدالله - بالتكبير - بن جبلة
الدارمي»!!
فخلط بينهما، والصواب أنهما
اثنان، والذي كذّبه الفلاس هو ابن جبلة.
ذكره ابن عدي في «الكامل» (4/155):
"حَيان بن عبدالله بن جبلة، أَبو جبلة الدارمي، بصري. قال عَمرو بن علي: كان
كذَّابًا وكان صائغا".
ثم ذكر: "حيان بن عُبيدالله
بن حيان، أَبو زهير: بصري".
فالذي كذّبه الفلاس هو: ابن جبلة
الدارمي، وليس صاحب حديث ابن بريدة، فهذا صدوق لا بأس به. ولم يختلط كما ذهب بعض
أهل العلم، والذي اختلط هو: «حبان بن يسار» كما أشار البخاري في ترجمته من «تاريخه
الكبير».
وقال رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ: حدثنا
حَيَّانُ بنُ عُبَيْدِاللَّهِ العَدَوِيُّ - وَكَانَ ثِقَةً". [السنة
للمروزي: ص55)].
وقال أيضاً: حدثنا حَيَّانُ بنُ
عُبَيْدِاللَّهِ العَدَوِيُّ - وَكَانَ رَجُلا صَدُوقًا". [أمالي ابن بشران -
الجزء الثاني، ص: 205)].
والذي أراه أن حيّان بن عبيدالله
لم يُخطئ في حديثه، ولم يَهم كما قال من تقدم ذكرهم من الأئمة، بل هو قد ضبط
حديثه.
فقد روى الدارقطني في «سننه» (1/499) (1041) قال: حَدَّثَنَا
عَبْدُاللَّهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِالعَزِيزِ - هو: البغوي -، قال: حدثنا
عَبْدُالوَاحِدِ بنُ غِيَاثٍ، قال: حدثنا حَيَّانُ بنُ عُبَيْدِاللَّهِ العَدَوِيُّ،
قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُ
صَلَاةِ الظُّهْرِ فَلَمَّا سَمِعَ الْأَذَانَ قَالَ: قُومُوا فَصَلُّوا
رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْإِقَامَةِ فَإِنَّ أَبِي قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عِنْدَ كُلِّ أَذَانَيْنِ
رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْإِقَامَةِ مَا خَلَا أَذَانَ المَغْرِبِ».
قَالَ ابنُ بُرَيْدَةَ: لَقَدْ أَدْرَكْتُ عَبْدَاللَّهِ
بنَ عُمَرَ يُصَلِّي تَيْنِكَ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ المَغْرِبِ لَا يَدَعُهُمَا
عَلَى حَالٍ، قَالَ: فَقُمْنَا فَصَلَّيْنَا الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْإِقَامَةِ، ثُمَّ انْتَظَرْنَا حَتَّى
خَرَجَ الْإِمَامُ فَصَلَّيْنَا مَعَهُ المَكْتُوبَةَ".
قال الدارقطني: "خَالَفَهُ حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ،
وَسَعِيدٌ الجُرَيْرِيُّ، وَكَهْمَسُ بنُ الحَسَنِ، وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ،
وَحَيَّانُ بنُ عُبَيْدِاللَّهِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".
ثم ساق حديث حُسَيْن المُعَلِّم، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ
بُرَيْدَةَ، ثم قال: "هَذَا أَصَحُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَاللَّهُ
أَعْلَمُ".
قلت: قد ضبط حيّان الحديث عن ابن بريدة، ولم يَهم فيه! فها
هو يذكر قصة الحديث، بل ويذكر أن ابن بريدة قال عن ابن عمر أنه أدركه وهو يصلي
تينك الركعتين، ولا يدعهما.
والحاصل أن هذه ثلاثة أحاديث مختلفة عن ابن بريدة، وليست
متعارضة، ولا أوهام فيها.
- فروى كهمس والجريري عنه عن ابن مغفل: «بَيْنَ كُلِّ
أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ
صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ».
وهذا حديث مطلق.
- وروى حُسَيْن المُعَلِّم عَنه عن ابن مُغفل: «صَلُّوا
قَبْلَ صَلاَةِ المَغْرِبِ»، قَالَ: «فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ».
وهذا نص في صلاة المغرب.
- وروى حَيَّان بن عَبْيدِاللهِ
العدوي عنه عَنْ أَبِيهِ: «إِنَّ عِنْدَ كُلِّ أَذَانَيْنِ رَكْعَتَيْنِ مَا خَلَا
المَغْرِبَ».
وهذا في استثناء الركعتين عند
المغرب.
فهذه ثلاثة أحاديث عن ابن بريدة،
وهي مختلفة، فإما أن نقول بأن ابن بريدة اضطرب في روايته، أو أنها كلها صحيحة عنه،
وعند الترجيح ترجح رواية كهمس والجريري، والحسين المعلم تفرد بروايته، وكذا حيان
بن عبيدالله!
فإن ثبت أن بريدة بن الحصيب روى
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستثناء في المغرب، فتكون الرواية عن ابن مغفل
بصلاة الركعتين قبل المغرب ناسخة لتلك الرواية.
نعم، يبدو لمن نظر في هذه
الأحاديث ذهب إلى التعارض بينها، ووهّم حيّانًا في روايته! لكن الأمر ليس كذلك.
فعبدالله بن بريدة روى عن أبيه: «إِنَّ
عِنْدَ كُلِّ أَذَانَيْنِ رَكْعَتَيْنِ مَا خَلَا المَغْرِبَ»، ثم نقل عن ابن عمر
أنه لم يكن يترك تلك الركعتين عند المغرب، فلما رأى فعل ابن عمر، وما سمعه من ابن
مغفل: «صَلُّوا قَبْلَ صَلاَةِ المَغْرِبِ»، وكذلك «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ
صَلَاةٌ» ويدخل في هذا العموم المغرب أيضاً، كان يصليهما.
فليس الأمر أن صلاته لهاتين الركعتين توهيم الرواية التي
رواها عن أبيه! بل هي رواية صحيحة، ورواية ابن مغفل، وفعل ابن عمر، والرواية
المطلقة كلها تناهض ما رواه عن أبيه في استثناء المغرب، ولهذا واظب عليهما، والله
أعلم.
والعجب من ابن خزيمة كيف علل وقوع
الوهم لحيان في هذا الحديث!! فتعليله عجيب غريب! سواء في السند أو المتن!
فأَخْبَار ابن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ
ليست كثيرة حتى يتَوَهَّمَ هَذا الخَبَرَ أَيْضًا عَنْ أَبِيهِ! ومن أين له أنه
"لَمَّا رَأَى العَامَّةَ لَا تُصَلِّي قَبْلَ المَغْرِبِ تَوَهَّمَ أَنَّهُ
لَا يُصَلَّى قَبْلَ المَغْرِبِ، فَزَادَ هَذِهِ الكَلِمَةَ فِي الخَبَرِ"؟!!
وهو في الخبر نفسه يذكر عن ابن بريدة أن ابن عمر كان يصليهما؟! والآثار عن الصحابة
والسلف في المواظبة عليهما كثيرة.
وأما ما جاء من الزيادة في رواية ابن المُبَارَكِ: «فَكَأَنَّ ابْنَ بُرَيْدَةَ
يُصَلِّي قَبْلَ المَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ» فهذا لا يعني وقوع الوهم في
رواية حيان، وابن بريدة عنده عن ابن مغفل، ومواظبة ابن عمر عليهما، ولهذا كان
يصليهما قبل المغرب، ولا ندري من حدّثه بهذا الخبر عن أبيه!
والخلاصة أن حيان بن عبيدالله ضبط روايته، ولا وهم فيها،
والله أعلم.
قال الحاكم في «جزئه» المذكور: "والركعتان
قبل المغرب سنة صحيحة من رواية أنس بن مالك، وعقبة بن عامر، وأبي هريرة،
وعائشة".
ثم نقل عن ابن خزيمة، قال:
"وممن كان يصلي الركعتين قبل المغرب من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم من
علماء المسلمين: أبو بكر الصديق، وأُبيّ بن كعب، وعبدالرحمن بن عوف، وعقبة بن
عامر، وأبو سعيد الخدري، وسعد بن مالك، وجابر بن عبدالله، وأبو أيوب، وابن عباس،
وأبو موسى، وابن عمر، وأنس، وجماعة من أصحاب الشجرة. ومن التابعين: عبدالرحمن بن
أبي ليلى، وسويد بن غَفلة، والحسن، والأعرج، وجابر بن زيد، وعامر بن عبدالله بن
الزبير، ومكحول، وعراك بن مالك، وعُبيدالله بن عبدالله بن عمر، وغيرهم".
·
حديث عبدالله بن بريدة عن سَمُرَة
بن جُندب:
وقد أثبت البخاري سماع عبدالله بن بريدة من سمرة وخرّج له في «الصحيح»
حديثاً واحداً فقط.
أخرجه في «صحيحه»، بَابُ الصَّلاَةِ عَلَى النُّفَسَاءِ
وَسُنَّتِهَا، (1/73) (332) من طريق شُعْبَةُ. وفي بَاب الصَّلاَةِ عَلَى
النُّفَسَاءِ إِذَا مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا، (2/88) (1331) من طريق يَزِيد بن
زُرَيْعٍ، كلاهما عَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ: «أَنَّ امْرَأَةً مَاتَتْ فِي بَطْنٍ،
فَصَلَّى عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ
وَسَطَهَا».
فإذا سمع عبدالله بن بريدة من سمرة الذي بالبصرة سنة (58هـ)، فكيف
لا يسمع من أبيه الذي مات سنة (63هـ)!!
·
شك ابن المديني بسماع ابن بريدة
من سمرة ثم إثباته ذلك.
وكان عليّ بن المديني يشك في سماع عبدالله من سمرة حتى وقف على
رواية فيها تصريحه بالسماع منه.
وقد روى أَبُو شُعَيْبٍ الحَرَّانِيُّ هذا الحديث عن عَلِيّ بن
المَدِينِيِّ عن يَزِيدُ بن زُرَيْعٍ ويَحْيَى بن سَعِيدٍ القطان ومُعَاذ بن
مُعَاذٍ وَبِشْر بن المُفَضَّلِ كُلُّهُمْ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ عَنْ سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ.
قال عَلِيُّ بنُ المَدِينِيِّ: فَكُنْتُ أَخَافُ أَنْ يَكُونَ ابنَ
بُرَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ سَمُرَةَ وَهُوَ أَصْلٌ مِنَ الْأُصُولِ!
قال أبو شُعَيْب: فَحَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قال: حدثَنَا
عَبْدُالصَّمَدِ بنُ عَبْدِالوَارِثِ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ حُسَيْنٍ
المُعَلِّمِ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ: سَمِعْتُ سَمُرَةَ بنَ جُنْدُبٍ
يَقُولُ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي
عَلَى أُمِّ كَعْبٍ وَمَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَقَامَ عَلَيْهَا وَسَطَهَا».
وذَكَرَ ابنُ أَبِي عَدِيٍّ فِي حَدِيثِهِ قَالَ: «لَقَدْ كُنْتُ
عَلَى عَهْدِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلامًا كُنْتُ
أَحْفَظُ عَنْهُ وَمَا يَمْنَعُنِي مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا أَنَّ هَاهُنَا رِجَالًا
هُمْ أَسَنُّ مِنِّي وَلَقَدْ صَلَّيْتُ وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... الحَدِيثُ» [المسند المستخرج على صحيح مسلم لأبي
نعيم: 3/46].
·
حديث عبدالله بن بريدة عن عمران
بن حُصين:
وأثبت البخاري سماع عبدالله بن بريدة من عمران بن حصين، وروى له في
«الصحيح» حديثاً واحداً فقط.
أخرج في «صحيحه»، بَابُ صَلاَةِ القَاعِدِ، (2/47) (1115) قال: حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، قال: أَخْبَرَنَا
حُسَيْنٌ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ سَأَلَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
قال: وأَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُالصَّمَدِ،
قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ، عَنْ ابنِ
بُرَيْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ - وَكَانَ مَبْسُورًا -
قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلاَةِ
الرَّجُلِ قَاعِدًا، فَقَالَ: «إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ وَمَنْ
صَلَّى قَاعِدًا، فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا، فَلَهُ
نِصْفُ أَجْرِ القَاعِدِ».
وأخرجه في بَاب إِذَا لَمْ يُطِقْ قَاعِدًا صَلَّى عَلَى جَنْبٍ، (2/48)
(1117) عن عَبْدَان، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بن المبارك، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بنِ
طَهْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الحُسَيْنُ المُكْتِبُ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ
عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ،
فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاَةِ، فَقَالَ:
«صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ
فَعَلَى جَنْبٍ».
وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» من طريق أَبي أُسَامَةَ، عَنْ حُسَيْنٍ
المُعَلِّمِ، به، نحوه.
ثم قال: "هذا إِسْنَادٌ قَدْ تَوَهَّمَ مَنْ لَمْ يُحْكِمْ
صِنَاعَةَ الْأَخْبَارِ، وَلَا تَفَقَّهَ فِي صَحِيحِ الْآثَارِ، أَنَّهُ
مُنْفَصِلٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
بُرَيْدَةَ وُلِدَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، هُوَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بُرَيْدَةَ أَخُوهُ
تَوْأَمٌ، فَلَمَّا وَقَعَتْ فِتْنَةُ عُثْمَانَ بِالْمَدِينَةِ خَرَجَ بُرَيْدَةُ
عَنْهَا بِابْنَيْهِ، وَسَكَنَ الْبَصْرَةَ، وَبِهَا إِذْ ذَاكَ عِمْرَانُ بنُ
حُصَيْنٍ، وَسَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ، فَسَمِعَ مِنْهُمَا، وَمَاتَ عِمْرَانُ
سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ فِي وِلَايَةِ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ خَرَجَ
بُرَيْدَةُ مِنْهَا بِابْنَيْهِ إِلَى سِجِسْتَانَ، فَأَقَامَ بِهَا غَازِيًا
مُدَّةً، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا إِلَى مَرْوَ عَلَى طَرِيقِ هَرَاةَ، فَلَمَّا
دَخَلَهَا قطنهَا، وَمَاتَ سُلَيْمَانُ بْنُ بُرَيْدَةَ بِمَرْوَ وَهُوَ عَلَى
الْقَضَاءِ بِهَا سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ، فَهَذَا يَدُلُّكُ عَلَى أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ بُرَيْدَةَ سَمِعَ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ".
قلت: فإذا كان عبدالله بن بريدة سمع من عمران بن حصين الذي مات
بالبصرة سنة (52هـ)، فكيف لا يسمع من أبيه الذي مات سنة (63هـ)!!
والملاحظ أن رواية عبدالله بن بريدة عن هؤلاء الصحابة (سَمُرة بن
جُندب، وعمران بن حصين، وعبدالله بن مغفل) قليلة جداً.
ولعبدالله بن بريدة عن عبدالله بن مُغفل ثلاثة أحاديث، روى كهمس
والجُريري عنه عن ابن مغفل واحداً، والآخران تفرد بهما عنه حسين المعلم.
وروى حيّان بن عُبيدالله العدوي عنه عن أبيه حديثاً آخر.
وقد روى حسين المعلم عن عبدالله بن بريدة عن أبيه حديثاً واحداً
أيضاً!
قال عَلِيٌّ بنُ المَدِينِيِّ فِي كتاب «الجرح والتعديل»: "لم
يحمل حسين المعلم عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَن أَبِيهِ، مرفوعا شيئاً إلا حرفاً
واحدًا وكلها عن رجال أخر".
وقال أَبُو داود: "لم يرو حسين المعلم عن عَبداللَّهِ بنِ
بُرَيْدَةَ عَن أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شيئاً".
قال المزي في «تهذيب الكمال» (6/374): "يعني: إنما يروي عن
عَبداللَّهِ بن بريدة عن غير أبيه. ولعله أراد أن غالب روايته عنه كذلك، لا أنه لم
يرو عنه عَن أبيه شيئاً البتة، فإنه قد روى في السنن حديثاً من روايته عن
عَبداللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَن أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: من
استعملناه على عمل فرزقناه رزقا... الحديث".
وقال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (2/338) بعد أن ذكر كلام أبي داود
وابن المديني: "قلت: هذا يوافق قول أبي داود المتقدم إلا في هذا الحرف
المستثنى، وكأنه الحديث الذي تعقب به المزي قول أبي داود بأن أبا داود روى في
السنن من حديث حسين عن عبدالله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: من
استعملناه على عمل فرزقناه رزقا... الحديث".
قلت: الحديث رواه أبو داود في «سننه»، باب في أرزاق العمال، (2943)،
وابن خزيمة في «صحيحه» (2369)، والبزار في «مسنده» (4427) قالوا: حَدَّثَنَا
زَيْدُ بنُ أَخْزَمَ الطَّائِيُّ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِالوَارِثِ
بنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنَ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا،
فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ».
ورواه البزار أيضاً عن بِشْر بن آدَمَ، عن أبي عاصم، به.
ورواه الحاكم في «المستدرك» (1/563) (1472) من طريق أَحْمَد بن
حَيَّانَ بنِ مُلَاعِبٍ، عن أَبي عَاصِمٍ، به.
وقد توبع أبو عاصم عليه:
رواه أبو الفضل الزهري في «حديثه» (ص: 487) (503) من طريق عَمْرو
بن النُّعْمَانِ، عَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، به.
قال البزار: "وهذَا الحَدِيثُ لا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَن
بُرَيدة إلاَّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، ولا نَعْلَمُ أَسْنَدَ الحُسَيْنُ المُعَلِّمُ
عَنْ عَبداللَّهِ بنِ بُرَيدة، عَن أَبيهِ، عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه
وَسَلَّم غَيْرَ هَذَا الحديث".
وقال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ
الشَّيْخَيْنِ، ولَمْ يُخَرِّجَاهُ".
قلت: حديث حسين هذا هو الذي عناه ابن المديني بأنه لم يرو عن
عبدالله بن بريدة عن أبيه مسنداً إلا هو.
وعليه فتبقى مسألة ثبوت سماع عبدالله لهذا الحديث من أبيه عند
البخاري، ولأنه لم يثبت عنده أنه سمعه لم يخرّجه مع أنه من رواية حسين المعلم، وهو
من أثبت الناس في عبدالله بن بريدة، وقد خرّج له عنه عن صحابة آخرين.
والحديث مشهور وصحيح بلفظ قريب منه من رواية إِسْمَاعِيل بن أَبِي
خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَدِيِّ بنِ عَمِيرَةَ الكِنْدِيِّ،
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنِ
اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا، فَمَا فَوْقَهُ
كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ»، قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ
أَسْوَدُ مِنَ الْأَنْصَارِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللهِ، اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ، قَالَ: «وَمَا لَكَ؟» قَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ:
كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «وَأَنَا أَقُولُهُ الْآنَ، مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ
عَلَى عَمَلٍ، فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ،
وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى».
رواه مسلم في «صحيحه» وغيره.
·
حكاية يرويها ابن خزيمة في ذكر
سماع عبدالله بن بريدة من أبيه!
ثم وقفت على حكاية ذكرها ابن خزيمة تدلّ على صحة سماع عبدالله بن
بريدة من أبيه.
قال ابن خزيمة - رحمه الله - في كتاب «التوحيد»: سَمِعْتُ
الدَّارِمِيَّ أَحْمَدَ بن سَعِيدٍ يَقُولُ: حدثنا عَبْدُالصَّمَدِ بنُ
عَبْدِالوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، قال:
لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ بُرَيْدَةَ، بَعَث إِليّ مَطَر
الوَرَّاق: احْمِلِ الصَّحِيفَةَ والدَّوَاةَ وتَعَال، فَحَمَلْتُ الصَّحِيفَةَ
والدَّاوَةَ فَأَتَيْنَاهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبِي، وحدثنا
عَبْدُاللَّهِ بنُ مُغَفَّلٍ.
فَلَمَّا قَدِمَ يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيرٍ بَعَث إِليَّ مَطَر
الوَرَّاق: احْمِلِ الصَّحِيفَةَ وَالدَّوَاةَ، وَتَعَالَ، فَأَتَيْنَاهُ
فَأَخْرَجَ إِلَيْنَا كِتَابَ أَبِي سَلَّامٍ، فَقُلْنَا: سَمِعْتُ هَذَا مِنْ
أَبِي سَلَّامٍ؟ قَالَ: لَا، قُلْنَا: فَمِنْ رَجُلٍ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي
سَلَّامٍ؟ قَالَ: لَا، فَقُلْنَا: تُحَدِّثُ بِأَحَادِيثَ مِثْلَ هَذِهِ لَمْ
تَسْمَعْهَا مِنَ الرَّجُلِ، وَلَا مِنْ رَجُلٍ سَمِعَهَا مِنْهُ، فَقَالَ:
«أَتَرَى رَجُلًا جَاءَ بِصَحِيفَةٍ وَدَوَاةٍ كَتَبَ أَحَادِيثَ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ هَذِهِ كَذِبًا؟».
هذَا مَعْنَى الحِكَايَةِ.
قالَ أَبُو بَكْرٍ ابن خزيمة: "كَتَبَ عَنِّي مُسْلِمُ بنُ
الحَجَّاجِ هَذِهِ الحِكَايَةَ".
قلت:
في هذه الحكاية التي يرويها حسين المعلم أنهم سمعوا من عبدالله بن
بريدة لما قَدِم عليهم البصرة، فحدّثهم أن أباه حدّثه، وأن عبدالله بن مُغفل حدّثه.
وكان الذي يكتب ما سمعوه منه حسين المعلم (ت145هـ) وكان الذي أرسل
إليه ليكتب لهم مطر الوراق (ت129هـ)، ومطر في عِداد شيوخ حسين المعلم، وهو في عداد
أقران عبدالله بن بريدة.
ولهذا نجد الأحاديث التي رواها عبدالله بن بريدة عن الصحابة هي من
رواية حسين المعلم عنه، وهي قليلة جداً.
والظاهر أن ما سمعه أهل البصرة من عبدالله بن بريدة لم يكن كثيراً،
فهو قد قدم إليهم، وليس بالضرورة أن يكون مجلسه أو مجالسه معهم كلها في رواية
الأحاديث، وإنما أحياناً تأتي الأحاديث عَرَضًا.
وتفرد حسين المعلم بهذه الأحاديث عنه يدلّ على أن تحديثه لهم
بالأحاديث كان قليلاً، ورواية حسين لها؛ لأنه هو من كان يكتب ما يسمع منه، والظاهر
أنهم كانوا في نقاش عن الركعتين قبل المغرب وما يتعلق بها، فحديث حسين عنه عن أبيه
في اسم صلاة المغرب، وحديث حسين عنه عن ابن مغفل في الحثّ على صلاة الركعتين قبل
المغرب، وكأنه حدثهم أيضاً بالحديث الذي رواه عنه كهمس والجريري في الركعتين بين
كل أذانين.
فعبارة حسين واضحة في ثبوت سماعه من أبيه: "فَجَعَلَ يَقُولُ:
حَدَّثَنِي أَبِي، وحدثنا عَبْدُاللَّهِ بنُ مُغَفَّلٍ".
فهو قد حدّثهم عن أبيه، وعن ابن مغفل، وهذا لا يمنع أن يكونوا سمعوا منه
أحاديث أخرى عن صحابة آخرين في المجلس نفسه، فقد روى حسين المعلم عنه عن سمرة
حديثاً، وآخر عنه عن عمران بن حصين.
والظاهر أن البخاري لم يكن يعلم بهذه الحكاية التي رواها ابن خزيمة
من طريق حسين المعلم، وكان عند ابن خزيمة نفائس روى عنه البخاري أحدها كما بينته
في مكان آخر.
وتصريح ابن خزيمة بأن مسلم بن الحجاج كتب عنه هذه الحكاية لا يعني
أن تخريج مسلم لحديث عبدالله بن بريدة عن أبيه في «صحيحه» تبعاً لهذه الحكاية! بل
هي حجة على الإمام مسلم إذ أنه أخرج ليحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلاّم عن أبي
سلاّم مع أن يحيى صرّح في الحكاية أنه لم يسمع من أبي سلام، ولا من زيد بن
سلاّم!!!
والذي ظهر لي أن هذه الحكاية كتبها مسلم عن ابن خزيمة بعد أن كان
قد انتهى من «صحيحه» وحدّث به كما بينته في موضع آخر، والله أعلم.
·
أحاديث حُسَيْن المُعَلِّمِ عن عَبْداللَّهِ
بن بُرَيْدَةَ:
ومما وجدته مما صحّ عن حُسين المعلم
عن عبدالله بن بريدة:
1- حُسَيْن المُعَلِّمِ، عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنَ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ
رِزْقًا، فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ». [صحيح].
2- حُسَيْن المعلّم، عن عَبْداللَّهِ بن برَيْدَةَ، قالَ: حَدَّثَنِي
عَبْدُاللَّهِ بنُ مُغَفَّلٍ المُزَنِيُّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ تَغْلِبَنَّكُمُ الأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ
صَلاَتِكُمُ المَغْرِبِ» قالَ الأَعْرَابُ: وَتَقُولُ: هِيَ العِشَاءُ. [صحيح].
3- حُسَيْن المُعَلِّم، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عن عَبْداللهِ بن
مُغفل المُزَنِيّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلُّوا قَبْلَ صَلاَةِ المَغْرِبِ»، قَالَ: «فِي الثَّالِثَةِ
لِمَنْ شَاءَ» - كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً-. [صحيح].
4- حُسَيْن المُعلّم، عَنْ عَبْدِاللهِ
بنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: قَالَ سَمُرَةُ بنُ جُنْدُبٍ: «صَلَّيْتُ وَرَاءَ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي
نِفَاسِهَا، فَقَامَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الصَّلَاةِ وَسَطَهَا». [صحيح].
5- حُسَيْنُ المُعلّم، عَنْ ابنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عِمْرَانُ
بنُ حُصَيْنٍ - وَكَانَ مَبْسُورًا - قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلاَةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا، فَقَالَ: «إِنْ صَلَّى
قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا، فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ
القَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا، فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَاعِدِ». [صحيح].
6- حُسَيْن المُعَلِّم، عَنِ عبدالله بنِ بُرَيْدَةَ، قال: حَدَّثَنِي
حَنْظَلَةُ بنُ عَلِيٍّ: أَنَّ مِحْجَنَ بنَ الْأَدْرَعِ، حَدَّثَهُ: «أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ
قَدْ قَضَى صَلَاتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ وَهُوَ يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ
بِاللهِ الوَاحِدِ الْأَحَدِ الصَّمَدِ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي، إِنَّكَ أَنْتَ
الغَفُورُ الرَّحِيمُ"، قَالَ: فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: قَدْ غُفِرَ لَهُ، قَدْ غُفِرَ لَهُ، قَدْ غُفِرَ لَهُ» ثَلَاثَ
مِرَارٍ. [صحيح].
7- حُسَيْن المُعَلِّم، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ
حَنْظَلَةَ بنِ عَلِيٍّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ آمِنْ رَوْعَتِي، وَاحْفَظْ أَمَانَتِي، وَاقْضِ
دَيْنِي» [مرسل].
حنظلة بن علي تابعيّ.
8- حُسَيْن المعلّم، عن عبدالله بن بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ
يَعْمَرَ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُولُ: «اللهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ
تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ
بِعِزَّتِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الحَيُّ الَّذِي
لَا يَمُوتُ، والجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ». [صحيح].
9- حُسَيْن المعلم، عن عَبْداللَّهِ بن بُرَيْدَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي بُشَير بنُ كَعْبٍ العَدَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَدَّادُ بْنُ
أَوْسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ
إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ
وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ
بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ. قَالَ: وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا
بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ
الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ
أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ». [صحيح].
10- حُسَيْن المُعَلِّمُ، عَنِ عبدالله بنِ بُرَيْدَةَ، أَنَّ
يَحْيَى بْنَ يَعْمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا الْأَسْوَدِ الدِّيلِيَّ حَدَّثَهُ
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ حَدَّثَهُ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ عَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ
فَإِذَا هُوَ نَائِمٌ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ،
فَقَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ
إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ
زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى
وَإِنْ سَرَقَ» ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ: «عَلَى رَغْمِ أَنْفِ
أَبِي ذَرٍّ» قَالَ: فَخَرَجَ أَبُو ذَرٍّ وَهُوَ يَقُولُ: وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ
أَبِي ذَرٍّ. [صحيح].
11- حُسَيْن المعلّم، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ، أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدِّيلِيَّ، حَدَّثَهُ
عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ
أَبِيهِ - وَهُوَ يَعْلَمُهُ - إِلَّا كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ
فِيهِمْ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، ولاَ يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا
بِالفُسُوقِ، وَلاَ يَرْمِيهِ بِالكُفْرِ، إِلَّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ، إِنْ لَمْ
يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ». [صحيح].
12- حُسَيْن المُعَلِّم، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي حَوْطُ بنُ عَبْدِ العُزَّى: أَنَّ رُفْقَةً أَقْبَلَتْ مِنْ مِصْرَ
فِيهَا جَرَسٌ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
يَقْطَعُوهُ فَمِنْ ثَمَّ كُرِهَ الْجَرَسُ وَقَالَ: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا
تَصْحَبُ رُفْقَةً فِيهَا جَرَسٌ». [مرسل ضعيف].
حوط هذا مجهول لا يُعرف، ولا صحبة له، وهو غير «حُوَيْطِبٍ بن عبد
العزى بن أَبي قس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب القرشي
العامري»، الصحابي المكي من مسلمة الفتح. فهذا روى له البُخَارِيّ، ومسلم،
والنَّسَائي حديثًا واحدًا عن عَبْداللَّهِ بن السعدي، عن عُمَر بن الخطاب حديث
العمالة الذي اجتمع في إسناده أربعة من الصحابة.
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (3/90) (314): "حَوْطُ بنُ
عَبْدِ الْعُزَّى، هُوَ غَيْرُ حُوَيْطِبٍ"، وساق له حديث ابن بريدة عنه.
وقال البغوي في «معجم الصحابة» (2/234): "حوط أو حويط بن عبد
العزى"، وساق له هذا الحديث، ثم قال: "وليس لحوط غير هذا ولا رواه غير
ابن بريدة".
ثم ترجم لحويطب الصحابي.
وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/288) (1284): "حوط
بن عبد العزى، ويقال: حويط بن عبد العزى، ليس له صحبة، ومن قال له صحبة فقد جازف. روى
عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه: ابن بريدة. سمعت أبي يقول ذلك".
وقال في «المراسيل» (ص: 30) (52): "حَوْطُ بنُ عَبْدِ
الْعُزَّى. سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: حَوْطُ بنُ عَبْدِ الْعُزَّي لَيْسَتْ لَهُ
صُحْبَةٌ، وَأْنَكَر عَلَى مُحَمَّدٍ بنِ إِسْمَاعِيلَ البُخَارِيِّ رَحْمَةُ
اللَّهِ عَلَيهِ فِي قَوْلِهِ: أَنَّ لَهُ صحبةُ! وَقَالَ: مَنْ قَالَ أَنَّ لَهُ
صُحْبَةٌ [فقد جازف]".
قلت: البخاري لم يقل إن له صحبة! فربما كان في بعض النسخ القديمة
للتاريخ، وأما التاريخ الأخير فليس فيه هذا، وقد فرّق البخاري بين هذا وبين حويطب
الصحابي.
وقد قال بصحبته ابن حبان، فقال في «الثقات» (3/96) (314): "حوط
بن عَبْد العُزَّى: لَهُ صُحْبَة".
ثم ذكر (316): "حويطب بْن عَبْد الْعُزَّى من بني عَامر...".
وساق البَزَّارُ الحديث في «مسنده» ثم قال: "وَقَدْ قَالَ
بَعْضُهُمْ: حُوَيْطٌ، وَالصَّحِيحُ حُوَيْطِبٌ"، ثم قال: "مَسْكَنُ
حُوَيْطِبٍ مَكَّةُ، وَلا نَعْلَمُ لَهُ إِلا هَذَا الْحَدِيث بِهَذَا الإِسْنَادِ".
قلت: خلط البزار بين حوط صاحب هذا الحديث، وحويطب الصحابي المكي.
وذكر أبو نُعيم هذا الحديث في ترجمة «حويطب»، ولم يترجم «حوط بن
عبد العزى»، فجعلهما واحدًا! وأخرجه أيضاً في ترجمة «خَوط» بالخاء المعجمة.
وفرّق بينهما ابن منده وابن عبدالبر فجعلاهما ترجمتين، وهو رأي
البخاري وأبو حاتم والبغوي، وغيرهم، وهو الصواب إن شاء الله.
13- حُسَيْن المُعَلِّم، عن عَبْداللَّهِ بن
بُرَيْدَةَ، قال: حَدَّثَنِي ابن عِمْرَانَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا تَبَوَّأَ مَضْجَعَهُ الحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي كَفَانِي وَآوَانِي وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي، وَمَنَّ عَلَيَّ وَأَفْضَلَ،
وَأَعْطَانِي فَأَجْزَلَ، الحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، اللَّهُمَّ رَبَّ
كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَ كُلِّ شَيْءٍ وَلَكَ كُلُّ شَيْءٍ، أَعُوذُ بِكَ مِنَ
النَّارِ». [ضعيف].
كذا رواه عَبْدُاللَّهِ بنُ عَمْرٍو أَبُو
مَعْمَرٍ المِنْقَرِيُّ عن عبدالوارث، وخالفه عبدالصمد بن عبدالوارث عن أبيه،
فقال: «عن ابن عمر» فأخطأ! والصواب «ابن عمران»، وجاء في بعض الأسانيد: «أبو عمران»،
وهو مجهول لا يُعرف.
وعبدالله بن بريدة أدرك ابن عمر لكن لم يسمع منه.
14- حسين المُعَلِّم، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ
قَالَ: حدثني نَضْلة بن مَاعِزٍ: «رَأَى أَبَا ذَرٍّ يُصَلِّي الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ
رَكْعَتَيْنِ».
[ضعيف].
وفي رواية عَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ
مَاعِزِ بنِ نَضْلَةَ قَالَ: «أَتَانَا أَبُو ذَرٍّ، فَدَخَلَ زِرْبَ غَنَمٍ لَنَا،
فَصَلَّى فِيهِ».
نضلة بن ماعز، وقيل: ماعز بن نضلة: مجهول، لا يُعرف إلا في هذا
الحديث!
15- حُسَيْن المُعَلِّم، عَنِ عبدالله بنِ بُرَيْدَةَ،
قَالَ: «لَمَّا
قَدِمَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ لَقِيَ أَبَا ذَرٍّ فَجَعَلَ أَبُو مُوسَى
يَلْزَمُهُ. وَكَانَ الأَشْعَرِيُّ رَجُلا خَفِيفَ اللَّحْمِ قَصِيرًا. وَكَانَ
أَبُو ذَرٍّ رَجُلا أَسْوَدَ كَثَّ الشَّعْرِ. فَجَعَلَ الأَشْعَرِيُّ يَلْزَمُهُ
وَيَقُولُ أَبُو ذَرٍّ: إِلَيْكَ عَنِّي. وَيَقُولُ الأَشْعَرِيُّ: مَرْحَبًا
بِأَخِي. وَيَدْفَعُهُ أَبُو ذَرٍّ وَيَقُولُ: لَسْتُ بِأَخِيكِ إِنَّمَا كُنْتُ
أَخَاكَ قَبْلَ أَنْ تُسْتَعْمَلَ.
قَالَ: ثُمَّ لَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ
فَالْتَزَمَهُ وَقَالَ: مَرْحَبًا بِأَخِي. فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: إِلَيْكَ عَنِّي.
هَلْ كُنْتَ عَمِلْتَ لِهَؤُلاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: هَلْ تَطَاوَلْتَ فِي
الْبِنَاءِ أَوِ اتَّخَذْتَ زَرْعًا أَوْ مَاشِيَةً؟ قَالَ: لا. قَالَ: أَنْتَ أخي
أنت أخي».
[مرسل].
16- حُسَيْن المُعَلِّم، عن عَبْداللَّهِ
بن بُرَيْدَةَ: أَنَّ سُلَيْمَانَ بنَ رَبِيعَةَ الغَنويّ، حَدَّثَهُ: «أَنَّهُ
حَجَّ مَرَّةً فِي إِمْرَةِ مُعَاوِيَةَ وَمَعَهُ المُنْتَصِرُ بنُ الحَارِثِ
الضَّبِّيُّ فِي عِصَابَةٍ مِنْ قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، قَالَ: فَلَمَّا
قَضَوْا نُسُكَهُمْ، قَالُوا: وَاللَّهِ لَا نَرْجِعُ إِلَى الْبَصْرَةِ حَتَّى
نَلْقَى رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَرْضِيًّا، يُحَدِّثُنَا بِحَدِيثٍ يُسْتَظْرَفُ نُحَدِّثُ بِهِ أَصْحَابَنَا
إِذَا رَجَعْنَا إِلَيْهِمْ، قَالَ: فَلَمْ نَزَلْ نَسْأَلُ حَتَّى حَدَّثَنَا
أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا نَازِلٌ
بِأَسْفَلِ مَكَّةَ، فَعَمَدْنَا إِلَيْهِ، فَإِذَا نَحْنُ بِثِقَلٍ عَظِيمٍ
يَرْتَحِلُونَ ثَلَاثَ مِائَةِ رَاحِلَةٍ، مِنْهَا مِائَةُ رَاحِلَةٍ وَمِائَتَا
زَامِلَةٍ، فَقُلْنَا: لِمَنْ هَذَا الثَّقَلُ؟ قَالُوا: لِعَبْدِاللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو، فَقُلْنَا: أَكُلُّ هَذَا لَهُ؟ وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ مِنْ أَشَدِّ
النَّاسِ تَوَاضُعًا، قَالَ: فَقَالُوا: مِمَّنْ أَنْتُمْ؟ فَقُلْنَا: مِنْ أَهْلِ
الْعِرَاقِ، قَالَ: فَقَالُوا: الْعَيْبُ مِنْكُمْ حَقٌّ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ،
أَمَّا هَذِهِ الْمِائَةُ رَاحِلَةٍ فَلِإِخْوَانِهِ يَحْمِلُهُمْ عَلَيْهَا،
وَأَمَّا الْمِائَتَا زَامِلَةٍ فَلِمَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ مِنَ النَّاسِ، قَالَ:
فَقُلْنَا: دُلُّونَا عَلَيْهِ، فَقَالُوا: إِنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ،
قَالَ: فَانْطَلَقْنَا نَطْلُبُهُ حَتَّى وَجَدْنَاهُ فِي دُبُرِ الْكَعْبَةِ
جَالِسًا فَإِذَا هُوَ قَصِيرٌ أَرْمَصُ أَصْلَعُ بَيْنَ بُرْدَيْنِ وَعِمَامَةٍ،
لَيْسَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ، قَدْ عَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي شِمَالِهِ، فَقُلْنَا: يَا
عَبْدَاللَّهِ إِنَّكَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَحَدِّثْنَا حَدِيثًا يَنْفَعُنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بَعْدَ
الْيَوْمِ، قَالَ: فَقَالَ لَنَا: وَمَنْ أَنْتُمْ؟ قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: لَا
تَسْأَلْ مَنْ نَحْنُ، حَدِّثْنَا غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، قَالَ: فَقَالَ: مَا أَنَا
بِمُحَدِّثُكُمْ شَيْئًا حَتَّى تُخْبِرُونِي مَنْ أَنْتُمْ، قُلْنَا: وَدِدْنَا
أَنَّكَ لَمْ تُنْقِذْنَا وَأَعْفَيْتَنَا وَحَدَّثْتَنَا بَعْضَ الَّذِي
نَسْأَلُكَ عَنْهُ، قَالَ: فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أُحَدِّثُكُمْ حَتَّى
تُخْبِرُونِي مِنْ أَيِّ الْأَمْصَارِ أَنْتُمْ؟ قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ
حَلَفَ وَلَجَّ قُلْنَا: فَإِنَّا نَاسٌ مِنَ الْعِرَاقِ، قَالَ: فَقَالَ: أُفٍّ
لَكُمْ كُلُّكُمْ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ، إِنَّكُمْ تَكْذِبُونَ وَتُكَذِّبُونَ
وَتَسْخَرُونَ، قَالَ: فَلَمَّا بَلَغَ إِلَى السُّخْرَى وَجَدْنَا مِنْ ذَلِكَ
وَجْدًا شَدِيدًا، قَالَ: فَقُلْنَا مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَسْخَرَ مِنْ مِثْلِكَ،
أَمَّا قَوْلُكَ الْكَذِبَ فَوَاللَّهِ لَقَدْ فَشَا فِي النَّاسِ الْكَذِبُ
وَفِينَا، وَأَمَّا التَّكْذِيبُ فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَسْمَعُ الْحَدِيثَ لَمْ
نَسْمَعْ بِهِ مِنْ أَحَدٍ نَثِقُ بِهِ فَإِذًا نَكَادُ نُكَذِّبُ بِهِ، وَأَمَّا
قَوْلُكَ السُّخْرَى فَإِنَّ أَحَدًا لَا يَسْخَرُ بِمِثْلِكَ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ، فَوَاللَّهِ إِنَّكَ الْيَوْمَ لِسَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا
نَعْلَمُ نَحْنُ، إِنَّكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، وَلَقَدْ بَلَغَنَا
أَنَّكَ قَرَأْتَ الْقُرْآنَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ قُرَشِيٌّ أَبَرُّ بِوَالِدَيْهِ مِنْكَ،
وَإِنَّكَ كُنْتَ أَحْسَنَ النَّاسِ عَيْنًا، فَأَفْسَدَ عَيْنَيْكَ الْبُكَاءُ،
ثُمَّ لَقَدْ قَرَأْتَ الْكُتُبَ كُلَّهَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا أَحَدٌ أَفْضَلُ مِنْكَ عِلْمًا فِي أَنْفُسِنَا، وَمَا
نَعْلَمُ بَقِيَ مِنَ الْعَرَبِ رَجُلٌ كَانَ يَرْغَبُ عَنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ
مِصْرِهِ حَتَّى يَدْخُلَ إِلَى مِصْرٍ آخَرَ يَبْتَغِي الْعِلْمَ عِنْدَ رَجُلٍ
مِنَ الْعَرَبِ غَيْرُكَ، فَحَدِّثْنَا غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، فَقَالَ: مَا أَنَا
بِمُحَدِّثُكُمْ حَتَّى تُعْطُونِي مَوْثِقًا أَلَّا تُكَذِّبُونِي وَلَا
تَكْذِبُونَ عَلَيَّ وَلَا تَسْخَرُونَ، قَالَ: فَقُلْنَا: خُذْ عَلَيْنَا مَا
شِئْتَ مِنْ مَوَاثِيقَ، فَقَالَ: عَلَيْكُمْ عَهْدُ اللَّهِ وَمَوَاثِيقُهُ أَنْ
لَا تُكَذِّبُونِي وَلَا تَكْذِبُونَ عَلَيَّ وَلَا تَسْخَرُونَ لِمَا
أُحَدِّثُكُمْ، قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ عَلَيْنَا ذَاكَ، قَالَ: فَقَالَ: إِنَّ
اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْكُمْ كَفِيلٌ وَوَكِيلٌ، فَقُلْنَا: نَعَمْ، فَقَالَ:
اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ عِنْدَ ذَاكَ: أَمَا وَرَبِّ هَذَا
الْمَسْجِدِ، وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ، وَالْيَوْمِ الْحَرَامِ، وَالشَّهْرِ الْحَرَامِ،
وَلَقَدْ اسَتْسَمَنْتُ اليَمِينَ أَلَيْسَ هَكَذَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ قَدِ
اجْتَهَدْتَ، قَالَ: لَيُوشِكَنَّ بَنُو قَنْطُورَاءَ بْنِ كَرْكَرَيِّ خُنْسُ الْأُنُوفِ
صِغَارُ الْأَعْيُنِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ فِي كِتَابِ
اللَّهِ الْمُنَزَّلِ، أَنْ يَسُوقُونَكُمْ مِنْ خُرَاسَانَ وَسِجِسْتَانَ
سِيَاقًا عَنِيفًا، قَوْمٌ يُوفُونَ اللِّمَمَ، وَيَنْتَعِلُونَ الشَّعْرَ،
وَيَحْتَجِزُونَ السُّيُوفَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ حَتَّى يَنْزِلُوا الَأَيْلَةَ،
ثُمَّ قَالَ: وَكَمِ الْأَيْلَةُ مِنَ الْبَصْرَةِ؟ قُلْنَا: أَرْبَعُ فَرَاسِخَ،
قَالَ: ثُمَّ يَعْقِدُونَ بِكُلِّ نَخْلَةٍ مِنْ نَخْلِ دِجْلَةَ رَأْسَ فَرَسٍ،
ثُمَّ يُرْسِلُونَ إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَنِ اخْرُجُوا مِنْهَا قَبْلَ أَنْ
نَنْزِلَ عَلَيْكُمْ، فَيَخْرُجُ أَهْلُ الْبَصْرَةِ مِنَ الْبَصْرَةِ، فَيَلْحَقُ
لَاحِقٌ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَيَلْحَقُ آخَرُونَ بِالْمَدِينَةِ، وَيُلْحَقُ
آخَرُونَ بِمَكَّةَ، وَيَلْحَقُ آخَرُونَ بِالْأَعْرَابِ، قَالَ: فَيَنْزِلُونَ
بِالْبَصْرَةِ سَنَةً، ثُمَّ يُرْسِلُونَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنِ اخْرُجُوا
مِنْهَا قَبْلَ أَنْ نَنْزِلَ عَلَيْكُمْ، فَيَخْرُجُ أَهْلُ الْكُوفَةِ مِنْهَا
فَيَلْحَقُ لَاحِقٌ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَلَاحِقٌ بِالْمَدِينَةِ، وَآخَرُونَ
بِمَكَّةَ، وَآخَرُونَ بِالْأَعْرَابِ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنَ الْمُصَلِّينَ
إِلَّا قَتِيلًا أَوْ أَسِيرًا يَحْكُمُونَ فِي دَمِهِ مَا شَاءُوا، قَالَ:
فَانْصَرَفْنَا عَنْهُ وَقَدْ سَاءَنَا الَّذِي حَدَّثَنَا، فَمَشَيْنَا مِنْ
عِنْدِهِ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ انْصَرَفَ المُنْتَصِرُ بْنُ الْحَارِثِ الضَّبِّيُّ،
فَقَالَ: يَا عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَدْ حَدَّثَتْنَا فَطَعَنْتَنَا،
فَإِنَّا لَا نَدْرِي مَنْ يُدْرِكُهُ مِنَّا، فَحَدَّثَنَا هَلْ بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ
عَلَامَةٌ، فَقَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: لَا تَعْدَمْ عَقْلَكَ، نَعَمْ بَيْنَ
يَدَيْ ذَلِكَ أَمَارَةٌ، قَالَ الْمُنْتَصِرُ بْنُ الْحَارِثِ: وَمَا
الْأَمَارَةُ؟ قَالَ: الْأَمَارَةُ الْعَلَامَةُ، قَالَ: وَمَا تِلْكَ
الْعَلَامَةُ؟ قَالَ: هِيَ إِمَارَةُ الصِّبْيَانِ، فَإِذَا رَأَيْتَ إِمَارَةَ
الصِّبْيَانِ قَدْ طَبَّقَتِ الْأَرْضَ اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي أُحَدِّثُكَ قَدْ
جَاءَ، قَالَ: فَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمُنْتَصِرُ فَمَشَى قَرِيبًا مِنْ غَلْوَةٍ
ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ، قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: عَلَامَ تُؤْذِي هَذَا الشَّيْخَ
مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
وَاللَّهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى يُبَيِّنَ لِي فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْهِ بَيَّنَهُ». [منكر].
قال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ
مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ".
قلت: سليمان بن ربيعة مجهول! ولم يخرّج له مسلم، فكيف يكون على
شرطه؟!
قال مسلم في «المنفردات والوحدان»: "وممن تفرد عنه عبدالله بن
بريدة الاسلمي بالرواية: أبو سبرة الهمداني، وسليمان بن ربيعة الغنوي، ونضلة بن
ماعز".
ورواه قتادة، عن ابن بريدة، عن سليمان بن الربيع العدوي،
قال: «خرجت من البصرة في رجال نسّاك، فقدمنا مكة فلقينا عبد اللّه بن عمرو فقال:
يوشك بنو قنطوراء أن يسوقوا أهل خراسان...».
وفيه: «فقدمنا على عمر فحدّثناه بما سمعنا من عبداللّه بن عمرو
فقال: عبداللّه بن عمرو أعلم بما يقول، ثم نودي في الناس أن الصلاة جامعة، فخطب
عمر الناس فقال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: لا تزال طائفة من أمتي
على الحق حتى يأتي أمر اللّه. فقلنا: هذا خلاف حديث عبداللّه بن عمرو، فلقينا عبداللّه
بن عمرو فحدّثناه بما قال عمر، فقال: نعم، إذا جاء أمر اللّه جاء ما حدّثتكم به،
قلنا: ما نراك إلا صدقت»!
خرّج الحاكم حديث الطائفة، ثم قال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ
الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ".
وأشار الإمام أحمد كما في «المنتخب من العلل للخلال» إلى أن سَعِيد
بن بَشِيرٍ، وَنَافِع بن عَامِرٍ، روياه عَنْ قَتَادَةَ، عن عَبْداللَّهِ بن
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وزُرْعَةُ
بْنُ ضَمْرَةَ، وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ قَيْسٍ، حَاجَّيْنِ، فَجَلَسْنَا إِلَى
عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، جَلَسَ زُرْعَةُ عَنْ يَمِينِهِ، وَجَلَسْتُ عَنْ
شِمَالِهِ.
فالحديث رَوَاهُ حُسَيْنُ المُعَلِّمُ عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ،
فَقَالَ: "عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ رَبِيعَةَ الغَنَوِيِّ".
[كذا في المطبوعات:
الغنوي! وكأن الصواب: العدوي].
وقَالَ قَتَادَةُ: عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ: "عَنْ سُلَيْمَانَ
بنِ الرَّبِيعِ العدوي".
وقيل: عن قتادة، عن ابن بُرَيْدَةَ: "عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ
الدِّيلِيِّ".
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (4/12) (1797): "سُلَيْمَان
بن ربيع العدوي: حدثنا عَمْرُو بنُ مَرْزُوقٍ: أخبرنا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ الرَّبِيعِ العَدَوِيِّ قَالَ:
سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ يَقُولُ: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي
عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ»... ولا يُعرف سماع قتادة من ابن
بريدة، ولا ابن بريدة من سُلَيْمَان".
وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/117) (507): "سليمان
بن الربيع العدوي: بصري، روى عن عمر بن الخطاب، روى عنه: عبدالله بن بريدة... سمعت
أبي يقول ذلك".
وقال ابن حبان في «الثقات» (4/309) (3048): "سُلَيْمَان بن
الرّبيع العَدْوي: يروي عَن عمر بن الخطاب، روى عَنهُ: عَبْداللَّه بن بُرَيْدَة".
قلت: سواءا كان هو «سليمان بن ربيعة» أم «سليمان بن الربيع» فهو
مجهول، ولا يعرف سماع ابن بريدة منه، وحديثه منكر!!
17- حُسَيْن المعلِّم، عن عبدالله بن
بُرَيْدَةَ، عن عَامِر بن شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيّ، أَنَّهُ سَأَلَ فَاطِمَةَ
بِنْتَ قَيْسٍ، أُخْتَ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ - وَكَانَتْ مِنَ المُهَاجِرَاتِ
الْأُوَلِ - فَقَالَ: حَدِّثِينِي حَدِيثًا سَمِعْتِيهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا تُسْنِدِيهِ إِلَى أَحَدٍ غَيْرِهِ، فَقَالَتْ:
لَئِنْ شِئْتَ لَأَفْعَلَنَّ، فَقَالَ لَهَا: أَجَلْ حَدِّثِينِي فَقَالَتْ:
نَكَحْتُ ابْنَ الْمُغِيرَةِ، وَهُوَ مِنْ خِيَارِ شَبَابِ قُرَيْشٍ يَوْمَئِذٍ،
فَأُصِيبَ فِي أَوَّلِ الْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَلَمَّا تَأَيَّمْتُ خَطَبَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي
نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَخَطَبَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَوْلَاهُ
أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَكُنْتُ قَدْ حُدِّثْتُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ أُسَامَةَ» فَلَمَّا
كَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: أَمْرِي
بِيَدِكَ، فَأَنْكِحْنِي مَنْ شِئْتَ، فَقَالَ: «انْتَقِلِي إِلَى أُمِّ شَرِيكٍ»
وَأُمُّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ غَنِيَّةٌ، مِنَ الْأَنْصَارِ، عَظِيمَةُ النَّفَقَةِ
فِي سَبِيلِ اللهِ، يَنْزِلُ عَلَيْهَا الضِّيفَانُ، فَقُلْتُ: سَأَفْعَلُ،
فَقَالَ: «لَا تَفْعَلِي، إِنَّ أُمَّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ كَثِيرَةُ الضِّيفَانِ،
فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْكِ خِمَارُكِ أَوْ يَنْكَشِفَ الثَّوْبُ عَنْ
سَاقَيْكِ، فَيَرَى الْقَوْمُ مِنْكِ بَعْضَ مَا تَكْرَهِينَ وَلَكِنِ انْتَقِلِي
إِلَى ابْنِ عَمِّكِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ» - وَهُوَ
رَجُلٌ مِنْ بَنِي فِهْرٍ، فِهْرِ قُرَيْشٍ وَهُوَ مِنَ الْبَطْنِ الَّذِي هِيَ
مِنْهُ - فَانْتَقَلْتُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتِي سَمِعْتُ نِدَاءَ
الْمُنَادِي، مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُنَادِي:
الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكُنْتُ فِي صَفِّ النِّسَاءِ الَّتِي
تَلِي ظُهُورَ الْقَوْمِ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ:
«لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلَّاهُ»، ثُمَّ قَالَ: «أَتَدْرُونَ لِمَ
جَمَعْتُكُمْ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: " إِنِّي
وَاللهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ،
لِأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا، فَجَاءَ فَبَايَعَ
وَأَسْلَمَ، وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ
الدَّجَّالِ، حَدَّثَنِي أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، مَعَ
ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ، فَلَعِبَ بِهِمِ الْمَوْجُ شَهْرًا فِي
الْبَحْرِ، ثُمَّ أَرْفَئُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ
الشَّمْسِ، فَجَلَسُوا فِي أَقْرُبِ السَّفِينَةِ فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ
فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ، لَا يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ
مِنْ دُبُرِهِ، مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقَالُوا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ؟
فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ، قَالُوا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ: أَيُّهَا
الْقَوْمُ انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ، فَإِنَّهُ إِلَى
خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ، قَالَ: لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلًا فَرِقْنَا
مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا، حَتَّى
دَخَلْنَا الدَّيْرَ، فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ
خَلْقًا، وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، مَا بَيْنَ
رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ، قُلْنَا: وَيْلَكَ مَا أَنْتَ؟
قَالَ: قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِي، فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا:
نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ رَكِبْنَا فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، فَصَادَفْنَا
الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْرًا، ثُمَّ أَرْفَأْنَا
إِلَى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ، فَجَلَسْنَا فِي أَقْرُبِهَا، فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ،
فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ، لَا يُدْرَى مَا قُبُلُهُ
مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقُلْنَا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ؟
فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ، قُلْنَا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ:
اعْمِدُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ، فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ
بِالْأَشْوَاقِ، فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعًا، وَفَزِعْنَا مِنْهَا، وَلَمْ
نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً، فَقَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ،
قُلْنَا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا،
هَلْ يُثْمِرُ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لَا
تُثْمِرَ، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ، قُلْنَا: عَنْ
أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِيهَا مَاءٌ؟ قَالُوا: هِيَ كَثِيرَةُ
الْمَاءِ، قَالَ: أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ، قَالَ:
أَخْبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَرَ، قَالُوا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟
قَالَ: هَلْ فِي الْعَيْنِ مَاءٌ؟ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ؟
قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ، هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ
مَائِهَا، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَبِيِّ الْأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ؟ قَالُوا:
قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ، قَالَ: أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ؟
قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ
ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ، قَالَ لَهُمْ: قَدْ كَانَ
ذَلِكَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ
يُطِيعُوهُ، وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي، إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ، وَإِنِّي
أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ، فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ
فَلَا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ
مَكَّةَ وَطَيْبَةَ، فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّمَا
أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً - أَوْ وَاحِدًا - مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي
مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا، يَصُدُّنِي عَنْهَا، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ
نَقْبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنْبَرِ: «هَذِهِ طَيْبَةُ،
هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ» - يَعْنِي الْمَدِينَةَ - «أَلَا هَلْ كُنْتُ
حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ؟» فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ، «فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ
تَمِيمٍ، أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ، وَعَنِ
الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، أَلَا إِنَّهُ فِي بَحْرِ الشَّأْمِ، أَوْ بَحْرِ
الْيَمَنِ، لَا بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ
مَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، مَا هُوَ» وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى
الْمَشْرِقِ، قَالَتْ: فَحَفِظْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. [صحيح مسلم].
هذا الحديث تفرد به الشعبيّ عن فاطمة بنت قيس، ولم يروه إلا فاطمة!
وقد رواه جمعٌ عن الشعبي، ونقل الترمذي عن البخاري أنه صححه، واستنكره بعضهم، ولي
مصنّف فيه لعل الله يُيسر إخراجه إن شاء الله.
وهذه الأحاديث كلها من رواية عبدالوارث بن سعيد العنبري البصريّ عن
حسين المعلّم، وكان عبدالوارث من أثبت شيوخ البَصْرِيّين، وأصح الناس حديثًا عن
حسين المعلم.
وقد شاركه بعض الرواة في رواية بعض هذه الأحاديث عن حسين المعلّم.
ووما رُوي عن حسين المعلم عن عبدالله بن بريدة من غير طريق
عبدالوارث:
18- حُسَيْن المُعَلِّمِ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ بُرَيْدَةَ،
قَالَ: قَالَ سَمُرَةُ بنُ جُنْدُبٍ: «لَقَدْ
كُنْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامًا،
فَكُنْتُ أَحْفَظُ عَنْهُ، فَمَا يَمْنَعُنِي مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا أَنَّ
هَاهُنَا رِجَالًا هُمْ أَسَنُّ مِنِّي». [صحيح].
رواه مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ
حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ.
19- حُسَيْن المُعَلِّم، عَنْ عَبْدِاللهِ
بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ سَمُرَةَ: «صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه
وسلم فَأَتَى عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ فَصَفَّهُمْ خَلْفَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ».
[صحيح].
رواه شعبة، عن حُسَيْن المُعَلِّمِ.
20- حُسَيْن المُعَلِّمِ، عَنِ عبدالله بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِي
الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «مَا الْخَاطُونَ؟ إِنَّمَا هُوَ الْخَاطِئُونَ، مَا
الصَّابُونَ؟ إِنَّمَا هُوَ الصَّابِئُونَ». [صحيح].
رواه مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ
حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ.
قال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ
وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
21- حُسَيْن المُعَلِّم، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ
أَبِي سَبْرَةَ الهَمْدَانِيِّ، قال: قَالَ عُبَيْدُاللَّهِ بن زِياد: مَا
أُصَدِّقُ بِالحَوْضِ حَوْضِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا
حَدَّثَهُ أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمَيُّ، وَالبَرَاءُ بنُ عَازِبٍ، وَعَائِذ بنُ
عَمْرٍو، فَقَالَ: مَا أُصَدِّقُهُمْ! قَالَ أَبُو سَبْرَةَ: أَلَا أُحَدِّثُكَ
مِنْ ذَلِكَ حَدِيثَ شِفَاءٍ؟ بَعَثَنِي أَبُوكَ فِي مَالٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ،
فَلَقِيتُ عَبْدَاللَّهِ بنَ عَمْرٍو، فَحَدَّثَنِي وَكَتَبْتُهُ بِيَدَيَّ مِنْ
فِيهِ مَا سَمِعَ مِنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ
أَزِدْ حَرْفًا، وَلَمْ أُنْقِصْ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الفَاحِشَ، وَلَا
الْمُتَفَحِّشَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ، حَتَّى يَظْهَرَ
الْفُحْشُ وَالتَّفَحُّشُ، وَقَطِيعَةُ الْأَرْحَامِ، وَسُوءُ الْجِوَارِ، وَحَتَّى
يُؤْتَمَنَ الخَائِنُ، وَيُخَوَّنَ الْأَمِينُ، وَمَثَلُ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ
كَمَثَلِ الْقِطْعَةِ الْجَيِّدَةِ مِنَ الذَّهَبِ تَنْفُخُ عَلَيْهَا فَخَرَجَتْ
طَيِّبَةً، وَوُزِنَتْ فَلَمْ تَنْقُصْ، قَالَ: وَمَثَلُ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ
كَمَثَلِ النَّخْلَةِ أَكَلَتْ طَيِّبًا وَوَضَعَتْ طَيِّبًا، وَوَقَعَتْ فَلَمْ تُكْسَرْ،
وَلَمْ تَفْسُدْ. قَالَ: وَقَالَ: مَوْعِدُكُمْ حَوْضِي، وَعَرْضُهُ مِثْلُ
طُولِهِ أَبْعَدُهُ مَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى مَكَّةَ، فِيهِ أَمْثَالُ
الْكَوَاكِبِ أَبَارِيقُ مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الْفِضَّةِ، مَنْ وَرَدَهُ
فَشَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أَبَدًا». قَالَ: فَقَالَ ابنُ زِيَادٍ: أَشْهَدُ
أَنَّ الْحَوْضَ حَقٌّ، وَأَخَذَ الصَّحِيفَةَ الَّتِي فِيهَا الْكِتَابُ. [ضعيف].
رواه يحيى القطّان، ورَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وأَبُو أُسَامَةَ حمّاد
بن أسامة، عن حُسَيْن المُعَلِّم.
وَرَوَاهُ ابنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ الحُسَيْنِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ
بنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: ذُكِرَ لِي أَنَّ أَبَا سَبْرَةَ بْنَ
سَلَمَةَ الهُذَلِيَّ سَمِعَ ابنَ زِيَادٍ، فذكره.
قال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ فَقَدِ اتَّفَقَ
الشَّيْخَانِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِجَمِيعِ رُوَاتِهِ غَيْرِ أَبِي سَبْرَةَ الهُذَلِيِّ
وَهُوَ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ مُبَيَّنٌ ذِكْرُهُ فِي المَسَانِيدِ وَالتَّوَارِيخِ
غَيْرُ مَطْعُونٍ فِيهِ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنِ ابنِ
بُرَيْدَةَ".
قلت: هذا ليس بشاهد، وإنما رواية قتادة متابعة لحسين المُعلّم.
رواه قَتَادَةَ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِي سَبْرَةَ
الهُذَلِيِّ، قَالَ: ذُكِرَ الحَوْضُ عِنْدَ ابْنِ زِيَادٍ، فَبَعَثَ إِلَى رِجَالٍ
فِيهِمُ ابْنُ عَمْرٍو المُزَنِيُّ - يَعْنِي عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو، وَبَعَثَ
إِلَى أَبِي بَرْزَةَ فَجَاءَهُ فِي بُرْدَيْنِ، فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ: إِنَّ
مُحَمَّدِيَّكُمْ هَذَا لَدَحْدَاحٌ فَسَمِعَهَا الشَّيْخُ، فَقَالَ: مَا ظَنَنْتُ
أَنِّي أَعِيشُ حَتَّى أُعَيَّرَ بِصُحْبَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: فَاسْتَلْقَى ابْنُ زِيَادٍ وَكَانَ إِذَا اسْتَحَى مِنَ
الشَّيْءِ اسْتَلْقَى، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّ الْأَمِيرَ دَعَاكَ يَسْأَلُكَ
عَنِ الْحَوْضِ، هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَذْكُرُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَدْ سَمِعْتُهُ فَمَنْ كَذَّبَ بِهِ فَلَا سَقَاهُ
اللَّهُ مِنْهُ، قَالَ أَبُو سَبْرَةَ الْهُذَلِيُّ: بَعَثَنِي أَبُوكَ إِلَى
مُعَاوِيَةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، فَحَدَّثَنِي حَدِيثًا عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِمْتُهُ وَكَتَبْتُهُ بِيَدِي،
فَقَالَ لَهُ ابْنُ زِيَادٍ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَتَرْكَبَنَّ الْبِرْذَوْنَ
وَلَتَعْرِقَنَّهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِالْكِتَابِ، قَالَ: فَرَكِبْتُهُ
فَاسْتَخْرَجْتُ الصَّحِيفَةَ فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ: عَرَقْتَ
الْبِرْذَوْنَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَرَأَ الصَّحِيفَةَ: بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا مَا حَدَّثَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «إَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
الْفَاحِشَ وَلَا الْمُتَفَحِّشَ»، فذكره بنحوه.
قال البزار: "وَلَا نَعْلَمُ رَوَى أَبُو سَبْرَةَ، عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي
سَبْرَةَ إِلَّا عَبْدُاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ".
ورواه مَطَر الورّاق، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ:
شَكَّ عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ زِيَادٍ فِي الْحَوْضِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو سَبْرَةَ -
رَجُلٌ مِنْ صَحَابَةِ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ زِيَادٍ: فَإِنَّ أَبَاكَ حِينَ
انْطَلَقَ وَافِدًا إِلَى مُعَاوِيَةَ انْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَلَقِيتُ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، فَحَدَّثَنِي مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ، حَدِيثًا سَمِعَهُ
مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمْلَاهُ عَلَيَّ،
وَكَتَبْتُهُ، قَالَ: فَإِنِّي أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَمَا أَعْرَقْتَ هَذَا
الْبِرْذَوْنَ حَتَّى تَأْتِيَنِي بِالْكِتَابِ، قَالَ: فَرَكِبْتُ الْبِرْذَوْنَ،
فَرَكَضْتُهُ حَتَّى عَرِقَ، فَأَتَيْتُهُ بِالْكِتَابِ، فَإِذَا فِيهِ - حَدَّثَنِي
عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْفُحْشَ وَالتَّفَحُّشَ،
وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُخَوَّنَ
الْأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنَ الْخَائِنُ، حَتَّى يَظْهَرَ الْفُحْشُ وَالتَّفَحُّشُ،
وَقَطِيعَةُ الْأَرْحَامِ، وَسُوءُ الْجِوَارِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ
بِيَدِهِ، إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ لَكَمَثَلِ الْقِطْعَةِ مِنَ الذَّهَبِ،
نَفَخَ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا فَلَمْ تَغَيَّرْ، وَلَمْ تَنْقُصْ، وَالَّذِي نَفْسُ
مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ لَكَمَثَلِ النَّحْلَةِ، أَكَلَتْ
طَيِّبًا، وَوَضَعَتْ طَيِّبًا، وَوَقَعَتْ فَلَمْ تُكْسَرْ وَلَمْ تَفْسُدْ،
قَالَ: وَقَالَ: أَلَا إِنَّ لِي حَوْضًا مَا بَيْنَ نَاحِيَتَيْهِ كَمَا بَيْنَ
أَيْلَةَ إِلَى مَكَّةَ - أَوْ قَالَ: صَنْعَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ - وَإِنَّ
فِيهِ مِنَ الْأَبَارِيقِ مِثْلَ الْكَوَاكِبِ، هُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ
اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا
أَبَدًا».
قَالَ أَبُو سَبْرَةَ: فَأَخَذَ عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ زِيَادٍ الْكِتَابَ،
فَجَزِعْتُ عَلَيْهِ، فَلَقِيَنِي يَحْيَى بنُ يَعْمَرَ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ
إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأَنَا أَحْفَظُ لَهُ مِنِّي لِسُورَةٍ مِنَ
الْقُرْآنِ، فَحَدَّثَنِي بِهِ كَمَا كَانَ فِي الكِتَابِ سَوَاء.
ورواه مَعْمَر عَنْ مَطَرٍ الوَرَّاقِ،
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ: قَالَ شَكَّ عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ زِيَادٍ فِي
الحَوْضِ، وَكَانَتْ فِيهِ حَرُورِيَّةٌ، فَقَالَ: أَرَأَيْتُمُ الحَوْضَ الَّذِي
تَذْكُرُونَ مَا أَرَاهُ شَيْئًا! فَقَالَ لَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: عِنْدَكَ
رَهْطٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ فَسَلْهُمْ، فَأَرْسَلَ عُبَيْدُاللَّهِ إِلَى زَيْدِ بْنِ
أَرْقَمَ فَسَأَلَهُ عَنِ الحَوْضِ فَحَدَّثَهُ حَدِيثًا مَوَثَّقًا أَعْجَبَهُ،
فَقَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا من رسول الله؟ قَالَ: لا، وَلَكِنْ حَدَّثَنِيهِ
أَخِي، قَالَ: لا حَاجَةَ لَنَا فِي حديث أخيك.
وفي رواية: فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي
بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ جُلَسَاءُ عُبَيْدِ اللَّهِ: إِنَّمَا
أَرْسَلَ إِلَيْكَ الْأَمِيرُ لِيَسْأَلَكَ عَنِ الحَوْضِ هَلْ سَمِعْتَ مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ.
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُهُ «فَمَنْ
كَذَّبَ بِهِ فَلَا سَقَاهُ اللَّهُ مِنْهُ».
ورواه المُنْذِرُ بنُ ثَعْلَبَةَ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ
زِيَادٍ: «مَنْ
يُخْبِرُنَا عَنِ الْحَوْضِ؟ فَقَالَ: هَاهُنَا أَبُو بَرْزَةَ صَاحِبُ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ أَبُو بَرْزَةَ رَجُلا
مُسْمِنًا فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدِيَّكُمْ هَذَا لَدَحْدَاحٌ. قَالَ
فَغَضِبَ أَبُو بَرْزَةَ وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ أَمُتْ حَتَّى
عُيِّرْتُ بِصُحْبَةِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ثُمَّ جَاءَ مُغْضَبًا حَتَّى قَعَدَ عَلَى سَرِيرِ عُبَيْدِاللَّهِ فَسَأَلَهُ
عَنِ الْحَوْضِ فَقَالَ: نَعَمْ فَمَنْ كَذَّبَ بِهِ فَلا أَوْرَدَهُ اللَّهُ
إِيَّاهُ وَلا سَقَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. ثُمَّ انْطَلَقَ مُغْضَبًا».
قلت: أبو سبرة الهذلي هذا لم يرو عنه إلا
عبدالله بن بريدة، وهو مجهول الحال!
قال مسلم في «الكنى والأسماء» (1/408)
(1533): "أبو سبرة سالم بن سبرة: سمع عبدالله بن عمرو، روى عنه: عبدالله بن
بريدة".
قلت: لا يثبت أنه سمع عبدالله بن عمرو!
ففي كلام مسلم نظر! وفي رواية أن ابن بريدة قال: "ذُكِر لي أن أبا سبرة بن
سلمة قال" = يعني أنه لم يسمع منه!
لكن ترجم له ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (20/41)
بناء على أنه وفد على معاوية كما جاء في الحديث، فقال: "سالم بن سلمة بن نوفل
بن عبد العزى ابن أبي نصر بن جهمة بن مطرود بن مازن بن عمرو ابن عميرة بن عمرو بن
الحارث بن تيم بن سعد بن هذيل بن مدركة، ويقال: ابن سلمة بن عمرو أبو سبرة الهذلي
البصري، من بني سعد بن هذيل، وهو والد الجارود بن أبي سبرة. روى عن علي بن أبي طالب،
وعبدالله بن عباس، وعبدالله بن عمرو بن العاص. روى عنه: عبدالله بن بريدة، ووفد
على معاوية رسولاً من زياد، وعنده سمع من ابن عمرو".
وهذا النسب الذي ساقه ابن عساكر هو قول خليفة
بن خياط في «الطبقة
الأولى من أهل البصرة ممن حفظ عنه الحديث بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم»، قال: "أبو
سبرة سالم بن سلمة بن نوفل بن عبد العزى بن أبي نصر بن جهمة بن مطرود بن مازن بن
عمرو بن عميرة بن عمرو بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة".
ثم ذكر ابنه في «الطبقة
الرابعة»، فقال:
"والجارود بن أبي سبرة. واسم أبي سبرة: سالم بن سلمة، من هذيل. يكنى أبا نوفل،
مات سنة عشرين ومائة أو إحدى وعشرين ومائة".
وذكره ابن سعد في «الطبقة
الثانية من تابعي أهل المدينة من الموالي«»، فقال: "سالم
بن سلمة أبو سبرة الهذلي".
وتعقّبه ابن عساكر، فقال: "هذا وهم،
ليس سالم من أهل المدينة ولا من الموالي".
وقال البُلاذري في «أنساب
الأشراف» (11/258):
"وقالوا: من بني سعد بن هذيل: أبو سبرة سالم بن سلمة بن عمرو، وكان أبو سبرة
من رجال أهل البصرة، وكان يروي عن ابن عباس أحاديث، واستعمله زياد بن أبي سفيان
على قطائع البصرة، وكان يهادي أبا الأسود الدؤلي، وفيه يقول أبو الأسود:
أبلغ أبا الجارود عني رسالة *** يخب بها
الواشي ليلقاك إذ تغدو
أإن نلت خيرًا سرني أن تناله *** تنكَّرت
حتى قلتُ ذو لِبدةٍ وَرْدُ
فعيناك عيناه وصوتك صوته *** تُمثِّله لي
غيرَ أنك لا تعدو
فولد أبو سبرة: الجارود بن أبي سبرة،
وعبدالله، وكان عبدالله من أفتى أهل البصرة وأسخاهم في زمانه وكان خيرًا، وكان
الجارود صاحب علم وقرآن، وكان يكنى أبا نوفل".
روى الأصفهاني في كتاب «الأغاني» (12/386)
من طريق بكر بن حبيب السهمي عن أبيه - وكان من جلساء أبي الأسود الدؤلي - قال: كان
أبو الجارود سالم بن سلمة بن نوفل الهذلي شاعرًا، وكان صديقًا لأبي الأسود الدؤلي،
فكان يهاديه الشعر، ثم تغير ما بينهما، فقال فيه أبو الأسود:
أبلغ أبا الجارود عني رسالةً *** يروح بها
الماشي ليلقاك أو يغدو
فيخبرَنا ما بالُ صَرمك بعد ما *** رضيت
وما غيّرت من خُلُق بعد
أَإن نلت خيراً سرني حين نلته *** تنكرت
حتى قلت ذو لِبدة وَرْدُ
فعيناك عيناه وصوتك صوته *** تُمثله لي
غيرَ أنك لا تَعْدو
فإن كنت قد أزمعت بالصَّرم بيننا *** وقد
جعلت أسباب أوّلِه تبدو
فإني إذا ما صاحب رَثَّ وصله *** وأعرض
عني قلت بالأبعدِ الفقدُ
وذكر ابن حبان في «الثقات» (4/114)
(2066): "جَارُودُ بنُ أَبِي سَبْرَةَ الهُذَلِيُّ البَصْرِيُّ، وَقَدْ
قِيلَ: البَهْدَلِيُّ".
وتبعه على هذه النسبة «البهدلي» مغلطاي
في «إكمال
تهذيب الكمال» (3/148)
فقال: "الجارود بن أبي سبرة سالم بن سلمة، الهذلي البصري، وقد قيل: البهدلي".
وقال السمعاني في «الأنساب» (2/372):
"البَهْدَلِيّ: بفتح الباء المنقوطة بواحدة وسكون الهاء وفتح الدال المهملة
وفي آخرها اللام، هذه النسبة إلى بهدلة، وهي قبيلة نزل أكثرهم البصرة، والمنتسب إليها:
الجارود بن أبي سبرة البهدلي من التابعين، يروي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -،
روى عنه ربعي بن عبدالله، وعَمرو [بن أَبي الحَجّاج]".
قال ابن الأثير في «اللباب
في تهذيب الأنساب» بعد أن
ذكر قول السمعاني: "لم يزدْ السَّمْعَانِيّ فِي نسب بَهْدَلَة على مَا ذكرنَا
وَهُوَ بطن من تَمِيم، وَهُوَ بَهْدَلَة بن عَوْف بن كَعْب بْن سعد بن زيد بن مَنَاة
بن تَمِيم، رَهْط الزبْرِقَان بن بدر، وَيُقَال لبهدلة وجشم وبرنيق بن عَوْف
الأجذاع. وَفَاته النِّسْبَة إِلَى بَهْدَلَة بن المثل بن مُعَاوِيَة الأكرمين بطن
من كِنْدَة، مِنْهُم زِيَاد بن يزِيد بن مهاصر بن النُّعْمَان بن سَلمَة بن شجار
بن بَهْدَلَة الْكِنْدِيّ البهدلي قتل مَعَ الحُسَيْن بن عَليّ - رَضِي الله
عَنْهُمَا -".
قلت: وهم السمعاني، ومن قبله ابن حبان،
وكذا مغلطاي في هذا! فالجارود هذلي، لا بهدليّ! وكأنه تحرّف عليهم، وقد بيّن ابن
الأثير أن هذه النسبة إلى بهدله، بطن من تميم من هذيل أيضاً، لكن الجارود يُنسب
هذلي لا من رهط بهدلة
بن عوف.
وأبو سبرة هذا ذكروه في البصريين، وترجم البخاري وغيره لأبي سبرة
في الكوفيين!!
قال البخاري في «التاريخ
الكبير» (4/113)
(2147): "سالم بن سَلَمَةَ أَبُو سبرة الهذلي: يذكر عَنْ عليّ".
وقال ابن أبي حاتم في «الجرح
والتعديل» (4/182):
"سالم بن سبرة أبو سبرة الهذلي. روى عن... روى عنه... سمعت أبي يقول ذلك، ويقول:
هو مجهول".
ثم قال: "سالم بن سلمة الهذلي أبو
سبرة. روى عن... روى عنه ...".
قلت: الترجمتان واحدة تحرّفت «سلمة» إلى «سبرة» فأفردهما، ولم يُبين عمن روى،
ولا من روى عنه.
وذكره ابن حبان في «الثقات» (4/308)
فقال: "سَالم بن سَلمَة أَبُو سُبْرَة الهُذلِيّ: يَرْوِي عَن علي، رَوَى
عَنْهُ أهل الكُوفَة".
قلت: فأبو سبرة الهذلي معروف في التابعين،
لكنه مجهول الحال، ولا يوجد له رواية إلا هذه، ولم يسمع منه عبدالله بن بريدة،
وإنما ذُكر له هذا الحديث عنه، وما جاء في الحديث لا يُعرف عن عبدالله بن عمرو بن
العاص!
وفي القصة أنه وفد على معاوية - وكان في
دمشق - مبعوثاً من زياد بن أبيه، وسمع هناك هذا الحديث من عبدالله بن عمرو بن
العاص، لكن جاء في «صحيح
مسلم» من حديث مَسْرُوقٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِاللهِ بنِ
عَمْرٍو حِينَ قَدِمَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الكُوفَةِ فَذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا».
وفي رواية: «حِينَ قَدِمَ
مَعَ مُعَاوِيَةَ إِلَى الكُوفَةِ».
فعبدالله بن عمرو دخل الكوفة مع معاوية، ولم يسمع منه أهلها هذا
الحديث الذي حدّث به أبو سبرة، ولا يعرفه أصحابه! والمعروف أن عبدالله بن عمرو ذكر
أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم «لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا
مُتَفَحِّشًا».
فأبو سبرة هذا مجهول الحال، وحديثه ضعيف!
ومسألة إنكار عبيدالله للحوض مسألة مشهورة
وصحيحة، وقد أنكر عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
22- حُسَيْن المُعَلِّم، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ
عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ
مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ». [مرسل ضعيف].
رَوَاهُ عَبْدُالوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ،
وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، عَنْ حُسَيْن المُعَلِّم.
وقد رواه بعضهم عن المُعَلِّم فجعلوه: «عَنْ
عِمْرَانَ»!
رواه جعفر الفريابي في «صفة
النفاق وذم المنافقين» (ص: 67)
(23). والطبراني في «المعجم
الكبير» (18/237)
(593) عن أَحْمَد بن دَاوُدَ المَكِّيّ، وَزَكَرِيَّا بن يَحْيَى السَّاجِيّ،
وإِبْرَاهِيمُ بن نَائِلَةَ الْأَصْبَهَانِيّ. والبيهقي في «شعب
الإيمان» (3/272)
(1639) من طريق عَبْدالكَرِيمِ بن الهَيْثَمِ. كلهم (الفريابي، وأحمد المكي،
والساجي، وابن نائلة، وعبدالكريم) عن عُبَيْداللهِ بن مُعَاذ بن مُعاذ، عن أَبِيه.
والبزار في «مسنده» (9/13) (3514)
عن مُحَمَّد بن عَبْدِالمَلِكِ. وابن حبان في «صحيحه» (1/281)
(80) عن أَبي يَعْلَى الموصلي، عن خَلِيفَة بن خَيَّاطٍ. كلاهما (محمد بن
عبدالملك، وخليفة) عن خَالِد بن الحَارِثِ الهجيميّ.
كلاهما (معاذ العنبري، وخالد بن الحارث)
عن حُسَيْن المُعَلِّمُ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ،
قَالَ: «حَذَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ مُنَافِقٍ
عَلِيمِ اللِّسَانِ».
قال البزار: "وهَذَا الْكَلَامُ لَا نَحْفَظُهُ
إِلَّا عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاخْتَلَفُوا فِي
رَفْعِهِ عَنْ عُمَرَ، فَذَكَرْنَاهُ عَنْ عِمْرَانَ إِذْ كَانَ يُخْتَلَفُ فِي
رَفْعِهِ عَنْ عُمَرَ، وَإِسْنَادُ عُمَرَ إِسْنَادٌ صَالِحٌ، فَأَخْرَجْنَاهُ
عَنْ عُمَرَ، وَأَعَدْنَاهُ عَنْ عِمْرَانَ لِحُسْنِ إِسْنَادِ عِمْرَانَ".
قلت: المشهور "عن ابن بريدة، عن
عمر" لا "عن عمران"! وقد وهم من رواه "عن عمران"!
سُئِلَ الدارقطني عن هذا الحديث في «العلل» (2/170) (196) فقال:
"هُوَ حَدِيثٌ رَوَاهُ حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ، وَاخْتُلِفَ
عَنْهُ:
فَرَوَاهُ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، عَنْ
حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَوَهِمَ فِيهِ.
وَرَوَاهُ عَبْدُالوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ،
وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وَغَيْرُهُمَا عَنْ حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ،
عَنْ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ، وَهُوَ الصَّوَابُ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ".
قلت: تابع معاذ بن معاذ عليه: خالد بن
الحارث وهو ثقة، والذي يظهر لي أنه ربما في بعض نسخ كتاب حسين: "عن عمر
ان" فظنوا أنه "عمران بن حصين"! والصواب أنه "عن عمر أنه
قال...".
وهذا مرسل، فعبدالله بن بريدة لم يسمع من
عمر.
قالَ أَبُو زُرْعَةَ: "عَبْدُاللَّهِ
بنُ بُرَيْدَةَ عَنْ عُمَرَ مُرْسَلٌ". [المراسيل لابن أبي حاتم: ص111].
والذي يظهر لي في نهاية هذا المطاف أن
عبدالله بن بريدة كان يروي عن أُناس مجاهيل، وكان يُرسل أيضاً!
·
أحاديث مَطَرٍ الوَرَّاقِ، عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ:
ومما وجدته مما صحّ عن مَطَرٍ
الْوَرَّاقِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ:
1- مَطَر الورّاق، عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: شَكَّ عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ
زِيَادٍ فِي الحَوْضِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو سَبْرَةَ - رَجُلٌ مِنْ صَحَابَةِ
عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ زِيَادٍ: فَإِنَّ أَبَاكَ حِينَ انْطَلَقَ وَافِدًا إِلَى
مُعَاوِيَةَ انْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو،
فَحَدَّثَنِي مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ، حَدِيثًا سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمْلَاهُ عَلَيَّ، وَكَتَبْتُهُ... الحديث.
وقد تقدّم ذكر الحديث.
2- مَطَر الوَرَّاقِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ
بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، قَالَ: لَمَّا تَكَلَّمَ مَعْبَدٌ
الْجُهَنِيُّ بِمَا تَكَلَّمَ فِيهِ بِالبَصْرَةِ مِنَ الْقَدَرِ حَجَجْتُ أَنَا
وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ فَلَمَّا قَضَيْنَا حَجَّنَا، قُلْتُ: لَوْ
مِلْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَقِيَنَا مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْنَاهُمْ عَمَّا جَاءَ بِهِ مَعْبَدٌ
الْجُهَنِيُّ، فَذَهَبْنَا وَنَحْنُ نَؤُمُّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَأَبَا
سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، فَلَمَّا دَخَلْنَا إِذَا نَحْنُ بِابْنِ عُمَرَ قَاعِدٌ
فَاكْتَنَفْنَاهُ فَقَدَّمَنِي حُمَيْدٌ لِلْمَنْطِقِ وَكُنْتُ أَجْرَأَ عَلَى
الْمَنْطِقِ مِنْهُ، فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ، إِنَّ قَوْمًا نَشَئُوا
قِبَلَنَا بِالْعِرَاقِ قَرَءُوا الْقُرْآنَ وَتَفَقَّهُوا فِي الْإِسْلَامِ
يَقُولُونَ: لَا قَدَرَ، قَالَ: فَأَبْلِغْهُمْ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ
بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ مِنْهُ بَرَاءٌ وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ
جِبَالُ الْأَرْضِ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَهُ اللَّهُ
مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، أَخْبَرَنِي عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ
آدَمَ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ اخْتَصَمَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَشْقَيْتَ النَّاسَ
وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي
اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَاتِهِ وَبِكَلَامِهِ وَأَنْزَلَ عَلَيْكَ
التَّوْرَاةَ فَهَلْ وَجَدْتَهُ قَدَّرَهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي؟،
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ».
قَالَ: وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ هَيْئَتُهُ هَيْئَةُ
مُسَافِرٍ وَثِيَابُهُ ثِيَابُ مُقِيمٍ أَوْ ثِيَابُهُ ثِيَابُ مُقِيمٍ
وَهَيْئَتُهُ هَيْئَةُ مُسَافِرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَدْنُو مِنْكَ؟،
فَقَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَأَقْبَلَ حَتَّى وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ،
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْإِسْلَامُ؟، قَالَ: «تَسْلِمُ وَجْهَكَ،
يَعْنِي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ،
وَتَصُومُ رَمَضَانَ» ، وَذَكَرَ عُرَى الْإِسْلَامِ، قَالَ: فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ
فَأَنَا مُسْلِمٌ؟، قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: قُلْنَا: انْظُرُوا
كَيْفَ يَسْأَلُهُ وَانْظُرُوا كَيْفَ يُصَدِّقُهُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
فَمَا الْإِحْسَانُ؟، قَالَ: «أَنْ تَخْشَى اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِلَّا
تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: قُلْنَا: انْظُرُوا
كَيْفَ يَسْأَلُهُ وَكَيْفَ يُصَدِّقُهُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا
الْإِيمَانُ؟، قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ
وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِالْقَدَرِ كُلِّهِ»، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ:
قُلْنَا: انْظُرُوا كَيْفَ يَسْأَلُهُ وَانْظُرُوا كَيْفَ يُصَدِّقُهُ، قَالَ:
وَحَدَّثَنِي شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ فَمَتَى السَّاعَةُ؟، قَالَ: «مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ
مِنَ السَّائِلِ»، قَالَ: صَدَقْتَ صَدَقْتَ صَدَقْتَ ثُمَّ ذَهَبَ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيَّ بِالرَّجُلِ»،
فَنَظَرَ فَلَمْ يُوجَدْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ».
رواه حماد بن زيد عن مطر، وَاخْتَلَفَ
أَصْحَابُ حَمَّادٍ عَلَيْهِ فِي اللَّفْظِ وَجَعَلَ آخِرَ الحَدِيثِ عَنْ شَهْرِ
بنِ حَوْشَبٍ.
وهذا حديث مشهور، رَوَاهُ عَبْداللهِ بن
بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ، ورواه عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ:
مَطَرُ بْنُ طَهْمَانَ الْوَرَّاقُ، وكَهْمَسُ بْنُ الحَسَن، وَعُثْمَانُ بْنُ
غِيَاثٍ الْبَصْرِيُّ، وَعَبْدُاللَّهِ بنُ عَطَاءٍ، وَعُبَيْدُاللَّهِ بْنُ
الْعَيْزَارِ.
وزَادَ فِيهِ مطر الوراق وَقَدَّمَ
وَأَخَّرَ بَعْضَ الحَدِيثِ.
3- مَطَر الوَرَّاقِ، عن عَبْداللَّهِ بن
بُرَيْدَةَ، قال: كَانَ الْوَهْطُ لِرَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ يُقَالُ لَهُ:
عَبْدُاللَّهِ بنُ خَبَّابٍ، وَكَانَ رَجُلًا رَقُوبًا لَا يُولَدُ لَهُ، فَبَاعَ
الْوَهْطَ مِنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، فَنَازَعَتْهُ ثَقِيفٌ أَنَّ
الْوَهْطَ لَهَا فَتَحَاكَمُوا وَتَشَاجَرُوا فِي بَيَانِ ذَلِكَ، قَالُوا:
بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ سَطِيحٌ الْكَاهِنُ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ.
رواه وَهْبُ بنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ الجَهْضَمِيُّ،
عن أَبِيه، عَنْ مَطَرٍ الوَرَّاقِ.
·
تخريج البخاري لعبدالله بن بريدة
عن أبيه في «صحيحه»:
ومع أن البخاري لم يُثبت سماع عبدالله بن بُريدة من أبيه في «التاريخ»
إلا أنه احتج به في «صحيحه» في موضع واحد من كتاب المغازي، في باب بعث النبي صلى
الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب، وخالد بن الوليد إلى اليمن، قبل حجة الوداع.
قال البخاري في «صحيحه» (5/163) (4350) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ
بَشَّارٍ، قال: حَدَّثَنَا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ
سُوَيْدِ بنِ مَنْجُوفٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلِيًّا إِلَى خَالِدٍ لِيَقْبِضَ الخُمُسَ - وَكُنْتُ أُبْغِضُ
عَلِيًّا وَقَدِ اغْتَسَلَ-، فَقُلْتُ لِخَالِدٍ: أَلاَ تَرَى إِلَى هَذَا،
فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرْتُ
ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «يَا بُرَيْدَةُ أَتُبْغِضُ عَلِيًّا؟» فَقُلْتُ: نَعَمْ،
قال: «لاَ تُبْغِضْهُ فَإِنَّ لَهُ فِي الخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذلك».
وأخرجه أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (1/432) (1257)، وأبو بكر
الإسماعيلي في «معجم شيوخه» (3/796) من طريق لُوَيْن، قال: حدثنا أَبُو مَعْشَرٍ
البَرَاءُ، عَنْ عَلِيِّ بنِ سُوَيْدِ بْنِ مَنْجُوفٍ. عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ،
عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ
عَلِيًّا. فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وأبو معشر البراء هو يوسف بن يزيد العطار البصري، وثقه بعضهم وضعفه
آخروه، وهو صدوق ربما أخطأ، وحديثه جيد في المتابعات.
وعَلِيّ بن سويد بن منجوف السدوسي البَصْرِيّ ثقة، قال البخاري في «التاريخ
الكبير» (6/277): "سَمِعَ أَبَا رافع وعبداللَّه بن بريدة".
وللحديث متابعة أخرى تُبين صحة سماع عبدالله بن بُريدة هذا الحديث
من أبيه.
أخرجها أحمد في «مسنده» (38/65) (22967) قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ
سَعِيدٍ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالجَلِيلِ، قالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى حَلْقَةٍ
فِيهَا أَبُو مِجْلَزٍ، وابن بُرَيْدَةَ [وفي بعض النسخ والكتب المطبوعة: "وابْنَا
بُرَيْدَةَ"] فَقَالَ: عَبْدُاللهِ بنُ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي
بُرَيْدَةُ قالَ: أَبْغَضْتُ عَلِيًّا بُغْضًا لَمْ أَبْغِضْهُ أَحَدًا قَطُّ.
قَالَ: وَأَحْبَبْتُ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ لَمْ أُحِبَّهُ إِلَّا عَلَى بُغْضِهِ
عَلِيًّا. قَالَ: فَبُعِثَ ذَاكَ الرَّجُلُ عَلَى خَيْلٍ فَصَحِبْتُهُ مَا أَصْحَبُهُ
إِلَّا عَلَى بُغْضِهِ عَلِيًّا. قَالَ: فَأَصَبْنَا سَبْيًا. قَالَ: فَكَتَبَ
إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْعَثْ إِلَيْنَا مَنْ
يُخَمِّسُهُ. قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيْنَا عَلِيًّا، وَفِي السَّبْيِ وَصِيفَةٌ هِيَ
مِنْ أَفْضَلِ السَّبْيِ فَخَمَّسَ، وَقَسَمَ فَخَرَجَ رَأْسُهُ يَقْطُرُ
فَقُلْنَا: يَا أَبَا الحَسَنِ مَا هَذَا؟ قَالَ: أَلَمْ تَرَوْا إِلَى
الْوَصِيفَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي السَّبْيِ، فَإِنِّي قَسَمْتُ وَخَمَّسْتُ
فَصَارَتْ فِي الْخُمُسِ، ثُمَّ صَارَتْ فِي أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَارَتْ فِي آلِ عَلِيٍّ وَوَقَعْتُ بِهَا.
قَالَ: فَكَتَبَ الرَّجُلُ إِلَى نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقُلْتُ: ابْعَثْنِي فَبَعَثَنِي مُصَدِّقًا. قَالَ: فَجَعَلْتُ أَقْرَأُ
الْكِتَابَ وَأَقُولُ: صَدَقَ. قَالَ: فَأَمْسَكَ يَدِي وَالْكِتَابَ وَقَالَ:
"أَتُبْغِضُ عَلِيًّا؟" قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "فَلَا
تَبْغَضْهُ، وَإِنْ كُنْتَ تُحِبُّهُ فَازْدَدْ لَهُ حُبًّا، فَوَالَّذِي نَفْسُ
مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَنَصِيبُ آلِ عَلِيٍّ فِي الخُمُسِ أَفْضَلُ مِنْ وَصِيفَةٍ"
قَالَ: فَمَا كَانَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ بَعْدَ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ عَلِيٍّ.
قال عَبْدُاللهِ: فَوَالَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا بَيْنِي
وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الحَدِيثِ غَيْرُ
أَبِي بُرَيْدَةَ.
فهذه متابعة جيدة لعليّ بن سويد من عبدالجليل بن عطية القيسي
البصري وهو صدوق ربما وهم، وقد ضبط هذا الحديث، وفيها النص القاطع على أن هذا
الحديث سمعه عبدالله بن بريدة من أبيه.
وأبو مِجلز لاحق بن حُميد البصري كان على بيت مال خراسان وتوفي سنة
(99هـ)، فهذه الحلقة يمكن أنها كانت في البصرة لأن الرواة عن أبي مجلز من أهل
البصرة وعبدالله بن بريدة كان فيها، ويُحتمل أنها كانت في مرو في مجلس أبي مجلز
وكان هؤلاء الرواة في ذلك المجلس إذ هناك علاقة وثيقة بين رواة أهل البصرة وأهل
خراسان، وتحديث عبدالله بن بريدة يدلّ على أنه كان أكبر من أخيه سليمان إذ يبدو
أنه كان يتصدر المجلس.
ويبدو أن قوله في آخر الحديث: "فَوَالَّذِي لا إِلَهَ
غَيْرُهُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
هَذَا الحَدِيثِ غَيْرُ أَبِي بُرَيْدَةَ" يدلّ على أنه لم يسمع كل الأحاديث
من أبيه، وكأنه كان معروفاً بينهم أن ما يُحدّث به عن أبيه لم يسمعه فأراد أن
يُبيّن لمن هم في تلك الحلقة أنه سمع هذا من أبيه، وليس بينه وبين رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلا والده.
وهذا النص هو الذي جعل الإمام البخاري يُخرج له هذا الحديث حيث
تبيّن له سماعه له من أبيه.
فكأنه على أصله في عدم ثبوت السماع في الغالب والعموم واستثنى هذا؛
لأنه ثبت سماعه له، وهذا لا يخرم قاعدة البخاري في نفيه السماع من أبيه.
وعليه فالأصل أن عبدالله بن بريدة عند البخاري لم يسمع من أبيه إلا
هذا الحديث الواحد.
والملاحظ أن البخاريّ خرّج حديث عبدالله بن بريدة من طريق البصريين
عنه فقط. وكأنه لا يعتبر حديثه من طريق الخراسانيين!!
وفي هذا رد على قول الحاكم المتقدّم في أن أثبت أسانيد
الخراسانيين: "الحسين بن واقد، عن عبدالله بن بُريدة، عن أبيه"!
والحسين بن واقد من أكثر الناس رواية عن عبدالله عن أبيه، ولم
يلتفت البخاري إليه أبداً.
وسبق قول الإمام أحمد: "عبدالله بن بُرَيْدَة الَّذِي روى
عَنهُ حُسَيْن بن وَاقد مَا أنكرها! وَأَبُو المُنِيب أَيْضاً، يَقُولُونَ:
كَأَنَّهَا من قبل هَؤُلَاءِ".
فالإمام أحمد يستنكر ما يرويه الحسين بن واقد وأبو المنيب عُبَيداللَّه
بن عَبدالله العتكي المروزي عن عبدالله بن بريدة، ويجعل العهدة عليهما!
·
أثر رواه البخاري في «صحيحه» عن
عبدالله بن بريدة عن أبيه:
قال البخاري في «صحيحه»، كتاب المغازي، باب: كم غزا النبيّ صلى
الله عليه وسلم، (6/16) (4473): حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ، قال: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلِ بنِ هِلاَلٍ، قال: حَدَّثَنَا
مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ كَهْمَسٍ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
قالَ: «غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّ
عَشْرَةَ غَزْوَةً».
وهو عند أحمد في «مسنده» (38/50) (22954).
وعن أحمد مباشرة أخرجه مسلم في «صحيحه» (3/1448) (1814).
وأخرجه أحمد أيضاً (22953) عن يَزِيد بن هارون، عن سعيد بن إياس الجُرَيْرِيّ
البصري، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ بُرَيْدَةَ: «أَنَّ أَبَاهُ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّ عَشْرَةَ غَزْوَةً».
وأخرجه أبو عوانة في «مستخرجه» (7402) من طريق عبدالوهاب بن عطاء
الخفاف البصري، قال: أخبرنا الجريري، عن عبدالله بن بريدة: «أنّ أباه غزا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم تسع عَشْرةَ غزوة». قلت: أكان من أصحاب
الشجرة؟ قال: "نعم".
قلت: الجريري كان قد اختلط في آخر عمره، فيُحتمل أنه اضطرب فيه!! فقال
مرة: "ست عشرة"، وقال مرة: "تسع عشرة"! والصواب "ست عشرة"
كما قال كهمس في روايته.
ويُحتمل أن ما جاء فيه: "تسع" محرفة والصواب:
"ست" أو هو خلل في النسخ، وهو الظاهر عندي، والله أعلم.
ورواية الجريري عندي أضبط من رواية كهمس! وكهمس ثقة ثبت إلا أن
الراوي عنه، وهو "معتمر بن سليمان" ليس بجيد الحفظ!
قال عبدالله بن أحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (3/266) (5175):
سَمِعت أبي يَقُول: "أول مَا جلسنا إِلَى المُعْتَمِر كَانَ يقْرَأ المَغَازِي
أَحَادِيث مَرَاسِيل عَن أَبِيه وَغَيره فَلم نفهم وَلم نكتب مِنْهَا شَيْئا،
وَقَرَأَ علينا أَحَادِيث عَن أَبِيه عَن مُغيرَة فعلقت مِنْهَا أَحَادِيث
صَالِحَة من كِتَابه كتاب خلق، وَأما أَحَادِيث كهمس فَكَتَبْنَاهُ فقرأه علينا ويرد
أَيْضا من كتاب لَيْسَ من كتاب نَفسه، وَكتاب فُضَيْل بن ميسرَة كتبنَا كل مُرْسل
وَتَركنَا كل مُسْند إِلَّا حَدِيث وَاحِد كتبناه وَسلم أَيْضا من كتاب، أما
حَدِيث مُغيرَة من كِتَابه وَحده".
قَالَ أبي: "ولم يكن مُعْتَمر بجيد الحِفْظ".
وأخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (7/351) (36646) عن زيد بن الحباب،
قال: حدثنا حسين بن واقد، قال: حدثنا عبدالله بن بريدة، عن أبيه: «أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة، قاتل في ثمان».
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (3/1448) (1814) عن أَبي بَكْرِ بن أَبِي
شَيْبَةَ، به.
وأخرجه أيضاً من طريق أَبي تُمَيْلَةَ، عن حُسَيْن بن وَاقِدٍ، به.
وأخرجه أبو عوانة في «مستخرجه» (15/46) (7403) من طريق علي بن
الحسن بن شقيق، عن الحسين بن واقد، به.
قلت: خالف الحسين بن واقد الثقات من البصريين في رواية هذا الحديث
عن عبدالله بن بريدة، فجعل الإخبار من بريدة نفسه أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا
تسع عشرة غزوة! والرواة البصريون جعلوا الإخبار من عبدالله بن بريدة أن أباه غزا
مع النبي صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة!
فأخطأ الحسين في موضعين: إسناده للحديث عن بريدة! ومخالفته في عدد
الغزوات!!
وهذا يؤيد قول الإمام أحمد أن ما يرويه الحسين بن واقد عن عبدالله
بن بريدة مناكير!!
وكأنه اختلط على الحسين في هذا الحديث؛ لأنه روي أن النبي صلى الله
عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة، فدخل له حديث في حديث!! والله أعلم.
وكان البخاري أخرج أولاً: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السبيعي، قَالَ:
سَأَلْتُ زَيْدَ بنَ أَرْقَمَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: كَمْ غَزَوْتَ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ،
قُلْتُ: كَمْ غَزَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: "تِسْعَ
عَشْرَةَ".
ثم ذكر ما رواه أَبو إِسْحَاقَ السبيعي، عن البَرَاء بن عازب - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خَمْسَ عَشْرَةَ».
ثم أتى برواية عبدالله بن بريدة عن أبيه.
وتخريج البخاري لهذا الأثر في «صحيحه» لا يؤثر على نفيه سماع
عبدالله من أبيه في العموم، فهذا أثر يرويه عن أبيه وليس مرفوعاً، ثم هو يُخبر
بأمر الظاهر أنه مشتهرٌ في بيتهم عن والده في عدد الغزوات التي غزاها مع النبي صلى
الله عليه وسلم، فكيف لا يعرف أهل بيت الرجل كم غزوة غزاها والدهم مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم! ويؤيده ما جاء في رواية الجريري: "أَنَّ أَبَاهُ غَزَا...".
فالبخاري نفى سماع عبدالله بن بريدة من أبيه في العموم لما صنّف «التاريخ
الكبير» الذي هو بمثابة توطئة للصحيح، لكن تبيّن له أنه سمع من أبيه حديثاً واحداً
فأخرجه في «صحيحه»، وكذلك لا يخفى على البخاري أن عبدالله رأى أباه يفعل أشياء
وأخبر عن أشياء.
فروى ابن أبي شيبة في «صحيحه» (1/253) (2912) عن أبي أسامة. وابن
أبي حاتم في «تفسيره» (8/2779) (15696) عن أَبِيه، عن بُنْدَار، عن يَحْيَى بن
سَعِيدٍ القطان. كلاهما (أبو أسامة، والقطان) عن كَهْمَس بن الحَسَنِ، عن عبدالله
بن بريدة، قال: رأى أبي ناساً يمرون بعضهم بين يدي بعض في الصلاة، فقال: «ترى
أبناء هؤلاء إذا أدركوا يقولون: إنا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون».
وروى ابن أبي شيبة (1/499) (5757) قال: حدثنا شَبابة بن سوار، قال:
حدثنا المغيرة بن مسلم، عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه: «أنه كان يصلي يوم العيد
قبل الصلاة أربعاً، وبعدها أربعاً».
فهذه التي أخبر بها عبدالله مما رآى من أبيه فيما يتعلق بالصلاة
مما يحرص حتى الصغار على ضبطه لأنه مشاهدة.
والظاهر أن بريدة لم يكن كثير التحديث عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وقضى وقتاً في المرابطة والسفر، وكان يُحدّث لسبب أو مناسبة، والله أعلم.
·
ذكر بعض أهل العلم عبدالله بن
بريدة في الرواة عن أبيه لا يعني أنه سمع منه كل ما يروى عنه!
بعض أهل العلم وطلبته إذا نظروا في كتب التراجم ووجدوا بعض الرواة
ذُكروا في بعض التراجم أنهم رووا عن المترجَم له ظنّوا ثبوت سماعه منه! وليس
كذلك!!
فغاية ما يفعله أصحاب كتب الرجال ذكر كلّ من روى عن صاحب الترجمة،
وهذا ليس إثباتاً أنه سمع منه، ولهذا عُرف البخاري بالعناية بذلك من خلال تراجم
كتابه حيث كان يتفنن في ذكر الرواة عن صاحب الترجمة بالعنعنة في بعضهم ليدلل على
عدم ثبوت السماع! وينص على السماع إذا ثبت عنده.
قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/13): "عبدالله بن
بريدة بن حصيب الأسلمي قاضي مرو: روى عن أبيه بريدة الأسلمي، وعبدالله بن مغفل،
وأبي موسى الأشعري، وعمران بن حصين، وابن عباس، والمغيرة بن شعبة، وأبي هريرة،
وسمرة بن جندب، ومعاوية، وعائشة. روى عنه: حسين المعلم، ومالك بن مغول، ومقاتل بن
حيان، وحسين بن واقد. سمعت أبي يقول ذلك".
قال ابن أبي حاتم: أخبرنا عبدالله ابن أحمد بن حنبل فيما كتب إليَّ
قال: قال أبي: "عبدالله بن بريدة الذي روى عنه حسين بن واقد، ما أنكرها - يعني
الأحاديث التي رواها حسين عنه".
وقال: ذكره أبي عن إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين قال: "عبدالله
بن بريدة: ثقة".
وقال: سئل أبي عن عبدالله بن بريدة؟ فقال: "ثقة، هو وأخوه
سليمان توأمان ولدا في بطن واحد".
وقال ابن حبان في «الثقات» (5/16): "عَبْداللَّه بن بريدة بن الحُصَيْب
الْأَسْلَمِيّ، ولد فِي عهد عمر لثلاث سِنِين خلون مِنْهُ، كَانَ هُوَ وَأَخُوهُ
سُلَيْمَان توأمين، كَانَ عَبْداللَّه قَاضِياً بمرو، وولاه يزِيد بن المُهلب،
يَرْوِي عَن سمرة وَعمْرَان بْن حُصَيْن وَأَبِيهِ. روى عَنهُ النَّاس. مَاتَ سنة
خمس عشره ومائه بجاورسة قَرْيَة من قرى مرو وَبهَا قَبره".
قلت: ذكر أبي حاتم لرواية عبدالله بن بريدة عن هؤلاء لا يعني أنه
سمع منهم كلهم! بل هو يسرد ما وقف عليه من رواية عبدالله عن الصحابة، وعادة ما
يتبع في ذلك الإمام البخاري، ويزيد عليه في بعض التراجم.
وكذا ابن حبان يتبع البخاري في تراجمه، ونرى هنا مدى التوافق فيما
ذكره الإمام البخاري.
وتبع أبو حاتم وابن حبان غيرهما في الاعتماد على القصة التي ذكرها
"رُميح بن هلال" في أنهما ولدا في بطن واحد!!! وقد بينت وهاء هذه القصة
فيما سبق.
والذي أراه أن عبدالله بن بُريدة أكبر من أخيه سليمان، ولم أستطع
معرفة ولادة سليمان، لكن عدم إيراده سماعه من أبيه يدلّ على أنه كان صغيراً جداً
لما توفي والده بُريدة! ولا يصح أن سليمان توفي قبل عبدالله.
وما بناه أهل العلم على أنّ سليمان أصح حديثاً من أخيه عبدالله ليس
بصحيح! بل عبدالله ثقة مطلقاً ولا مقارنة بين حديثه وبين حديث أخيه!!
ولهذا لا نكاد نجد لهما اشتراك لا في الشيوخ ولا في التلاميذ،
وسأزيد هذا بياناً إن شاء الله تعالى عند الحديث عن حديث سليمان.
·
الأحاديث التي أخرجها الإمام مسلم
لعبدالله بن بُريدة عن أبيه:
من المعلوم أن الإمام مسلماً - رحمه الله - يُخرّج أحاديث
المتعاصرين في عصر واحد، فكيف بمن عاش في بيت والده زمناً كعبدالله بن بريدة!
ولهذا احتج بعض المعاصرين في الخلاف بين الإمامين: البخاري ومسلم
في قضية اللقاء والسماع والمعاصرة بهذا الأمر! وهو تحقق سماع عبدالله من أبيه لأنه
عاش عنده في بيته زمناً، فكيف لم يتحقق سماعه منه؟!!
وسأعرض لهذه المسألة إن شاء الله بعد الحديث عن الأحاديث التي
أخرجها مسلم لعبدالله عن أبيه.
وتخريج مسلم لهذه الأحاديث يدلّ على إثباته لسماع عبدالله من أبيه
وأن هذه الأحاديث صحيحة عنده.
الحديث الأول: حديث عدد الغزوات التي غزاها النبيّ صلى الله عليه وسلم:
قال مسلم في «صحيحه»، كتاب المغازي، (3/1448) (1814): حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، قال: حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ الحُبَابِ [ح].
وحَدَّثَنَا سَعِيدُ بنُ مُحَمَّدٍ الجَرْمِيُّ، قال: حَدَّثَنَا
أَبُو تُمَيْلَةَ، قَالَا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ
بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قالَ: «غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، قَاتَلَ فِي ثَمَانٍ مِنْهُنَّ»، وَلَمْ
يَقُلْ أَبُو بَكْرٍ: مِنْهُنَّ، وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: حَدَّثَنِي عَبْدُاللهِ بنُ
بُرَيْدَةَ.
قلت: سبق الكلام عليه وبيان وَهم الحسين بن واقد فيه!
وقد صحح مسلم هذا الحديث ولم يعدّه وهماً؛ لأنه أخرجه ضمن الأحاديث
التي أخرجها في أنه صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة.
ساق أولاً حديث زيد بن أرقم، ثم حديث جابر، ثم ختم بحديث بريدة
هذا.
ثم ساق حديث بريدة أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ست عشرة
غزوة، ثم حديث سلمة بن الأكوع أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات.
الحديث الثاني: حديث عدد الغزوات التي غزاها بريدة مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم:
قال مسلم في «صحيحه»، كتاب المغازي، (3/1448) (1814) وحَدَّثَنِي
أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، قال: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ
كَهْمَسٍ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: «غَزَا مَعَ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّ عَشْرَةَ غَزْوَةً».
وقد سبق بيان أن البخاري أخرجه عن أحمد بن الحسن الترمذي، عن أحمد
بن محمد بن حنبل بن هلال.
ورواية مسلم أعلى من رواية البخاري؛ لأنه رواه عن أحمد مباشرة،
والبخاري رواه بواسطة أحمد بن الحسن الترمذي.
وقد سبق الكلام عن سبب تخريج البخاري لهذا الأثر.
الحديث الثالث: حديث أبي موسى الأشعري أنه أعطي مزماراً من مزامير آل
داود:
قال مسلم في «صحيحه»، كتاب الصلاة، (1/546) (793): حَدَّثَنَا أَبُو
بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بنُ نُمَيْرٍ [ح].
وحَدَّثَنَا ابنُ نُمَيْرٍ، قال: حَدَّثَنَا أَبِي، قال: حَدَّثَنَا
مَالِكٌ - وهُوَ ابنُ مِغْوَلٍ-، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عَبْدَاللهِ بنَ
قَيْسٍ أَو الْأَشْعَرِيَّ أُعْطِيَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ».
والحديث في «مصنف ابن أبي شيبة» (6/118) (29938).
والحديث مشهور عن مالك بن مِغول الكوفي، رواه عنه جماعة.
رواه عنه:
سفيان بن عُيينة كما عند عبدالرزاق في «مصنفه» (4178).
وعثمان بن عمر العبدي كما عند أحمد في «مسنده»
(22952).
وزيد بن الحُباب كما عند أحمد في «مسنده» (23033)، وأبي الشيخ في «ذكر
الأقران» (133)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (21053).
وشعيب بن حرب كما عند أبي عوانة في «مستخرجه» (3890).
وعَمْرُو بن مَرْزُوقٍ كما عند أبي نُعيم في «الحلية»
(1/257).
لكن رواية ابن عيينة وعثمان بن عمر مطولة: فروياه عَنْ مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ
قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَاللَّهِ بنَ بُرَيْدَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ قالَ:
سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَ الْأَشْعَرِيِّ
أَبِي مُوسَى وَهُوَ يَقْرَأُ، فَقَالَ: «لَقَدْ أُوتِيَ هَذَا مِزْمَارًا مِنْ
مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ» فَحَدَّثَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: الْآنَ أَنْتَ لِي صِدِّيقٌ
حِينَ أَخْبَرْتَنِي هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِي حَبَّرْتُهَا تَحْبِيرًا قَالَ: وَسَمِعَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتًا آخِرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَقُولُهُ مُرَائِيًا؟» فَلَمْ أُجِبِ النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ حَتَّى رَدَّدَهَا عَلِيَّ مَرَّةً أَوْ
مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقُلْتُ بَعْدَ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَتَقُولُهُ
مُرَائِيًا بَلْ هُوَ مُنِيبٌ قَالَ: وَسَمِعَ آخَرَ يَدْعُو: اللَّهُمَّ إِنِّي
أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ
غَيْرُكَ، الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ
لَكَ كُفُوًا أَحَدٌ، فَقَالَ: «لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الَّذِي إِذَا
دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى».
وكذا في رواية زيد بن الحباب التي أخرجها ابن حبان في «صحيحه»
(892) عن أَبي الحُسَيْنِ أَحْمَد بن سُلَيْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ
الرَّهَاوِيّ، والتي أخرجها البيهقي في «الدعوات الكبير» (226) من طريق يَحْيَى بن
أَبِي طَالِبٍ، كلاهما عن زَيْد بن الحُبَابِ، به، مطولاً.
وفي آخره:
"قالَ زَيْدُ بنُ الحُبَابِ: فَحَدَّثْتُ زُهَيْرَ بنَ
مُعَاوِيَةَ بِهَذَا الحَدِيثِ فقال: حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مَالِكِ
بْنِ مِغْوَلٍ بِهَذَا الحَدِيثِ بِعَيْنِهِ، وَأَخْبَرَنِي بِهِ سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ".
قلت: هذا الحديث مشهور عن مالك بن مغول، رواه عنه جماعة حتى رواه
عنه شيخه أبو إسحاق السبيعي، وكان يُحدّث به مطولاً، وكان يحدّث به مختصراً بقصة
الأشعري فقط ليس فيه قصة الدعاء.
ورواه وَكِيع بن الجراح، ويَحْيَى بنِ سَعِيدٍ القطان، وأَبو
إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، والنُّعْمَان بن عَبْدِالسَّلَامِ، كلهم عن مَالِك بن
مِغْوَلٍ، بهذا الإسناد بِقِصَّةِ الدُّعَاءِ فقط: أنه سَمِعَ رَجُلًا، يَقُولُ:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا
أَنْتَ، الْأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ
لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَقَدْ سَأَلْتَ اللَّهَ بِالِاسْمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا
دُعِيَ بِهِ أَجَابَ».
وفي رواية عثمان بن عمر عند الروياني في «مسنده» (1/71) (24):
"وَإِذَا الرَّجُلُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ".
وفي رواية زَيْد بن الحُبَابِ عند أحمد في «مسنده» (38/141)
(23033): "وَإِذَا هُوَ عَبْدُاللهِ بنُ قَيْسٍ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ".
وروى البزار في «مسنده» (10/325) (4451) قصة الدعاء من طريق سُفيان
الثَّوْرِيّ، عَن مَالِك بنِ مِغْوَل، ثم قال: "وهَذَا الحَدِيثُ لا نَعْلَمُ
رَوَاهُ عَنْ عَبداللَّهِ بنِ بُرَيدة إلاَّ مَالِك بنُ مِغْوَل".
وروى الترمذي أيضاً في «جامعه» (5/392) (3475) قصة الدعاء من طريق زَيْد
بن حُبَابٍ، عن مالك، ثم قال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَى
شَرِيكٌ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
وَإِنَّمَا أَخَذَهُ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ".
ورواه الحاكم أيضاً في «مستدركه» (1/683) (1858) بقصة الدعاء من
طريق مُحَمَّد بن سَابِقٍ، ووَكِيع بن الجَرَّاحِ، كلاهما عن مَالِك بن مِغْوَلٍ، ثم
قال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ
يُخَرِّجَاهُ، وَلَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ".
ثم أتبعه برواية شَرِيك، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ ابنِ
بُرَيْدَةَ، به!
ولم يعلّق عليها، وأبو إسحاق إنما سمعه من مالك بن مغول.
وقَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ عن حديث مالك بن مِغول: قَالَ
شَيْخُنَا الحَافِظُ أَبُو الحَسَنِ المْقُدْسِيُّ: "وَإِسْنَادُهُ لَا
مَطْعَنَ فِيهِ، وَلَمْ يَرِدْ فِي هَذَا البَابِ حَدِيثٌ أَجْوَدُ إِسْنَادًا منه".
·
الاختلاف في إسناد الحديث!
وقد تفرد به مالك بن مغول بهذه السياقة!!
وخالفه حسينُ بن ذَكْوان المُعلِّم البصري في إسناده وبعض متنه!
رواه عبدالوارث بن سعيد التميمي البصري، عن حُسَيْن المُعَلِّم
البصري، عَنِ عبدالله بنِ بُرَيْدَةَ، قال: حَدَّثَنِي حَنْظَلَةُ بنُ عَلِيٍّ:
أَنَّ مِحْجَنَ بنَ الْأَدْرَعِ، حَدَّثَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ قَضَى
صَلَاتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ وَهُوَ يَقُولُ: "اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ
بِاللهِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ الصَّمَدِ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي، إِنَّكَ أَنْتَ
الغَفُورُ الرَّحِيمُ"، قَالَ: فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «قَدْ غُفِرَ لَهُ، قَدْ غُفِرَ لَهُ، قَدْ غُفِرَ لَهُ» ثَلَاثَ
مِرَارٍ.
رواه أحمد في «مسنده» (31/310) (18974)، وابن خزيمة في «صحيحه» (1/358)
(724) عن عَبْدالصَّمَدِ بن عبدالوارث. وأبو داود في «سننه» (2/229) (985)
عن أبي مَعْمَر عَبداللَّهِ بن عَمْرو المُقْعَد، كلاهما عن عبدالوارث، به.
ورواه النسائي في «السنن الكبرى» (2/79) (1225)، (7/125) (7618) عن
عَمْرو بن يَزِيدَ البَصْرِيّ أَبي بُرَيْدٍ، عَنْ عَبْدِالصَّمَدِ بنِ عَبْدِالوَارِثِ،
به.
ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (20/296) (703) عن عَلِيّ بن
عَبْدِالعَزِيزِ. وأبو عبدالله ابن منده في «التوحيد» (2/61) عن أَبي مَسْعُودٍ
أَحْمَد بن الفُرَاتِ. والحاكم في «المستدرك» (1/400) (985) من طريق جَعْفَر بن
مُحَمَّدِ بنِ شَاكِرٍ، كلهم عن أَبي مَعْمَرٍ المُقْعَد، به.
قال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ،
وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
ولما ذكر النسائي هذا الحديث قال: "خَالَفَهُ مَالِكُ بنُ
مِغْوَلٍ".
·
ترجيح تعليل أبي حاتم الرازي،
والرد على شعيب ورفاقه!
وقال ابن أبي حاتم في «علل الحديث» (5/416) (2082): وسألتُ أَبِي
عَنْ حديثٍ رَوَاهُ مالكُ بنُ مِغْوَل، عن ابنِ بُرَيْدة، عَنْ أَبِيهِ: أنَّ
النبيَّ صلى الله عليه وسلم دخَلَ المَسجِدَ فَإِذَا رجلٌ يَقُولُ: يَا أللهُ
الواحدُ الصمدُ...، فذكَرَ الحديثَ؟
قال أبي: "رواه عبدُالوارثِ، عَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّم، عَنِ
ابنِ بُرَيْدة، عن حَنْظَلة ابن عليٍّ، عَنْ مِحْجَن بنِ الأَدْرَع، عن النبيِّ
صلى الله عليه وسلم.
وحديثُ عبدِالوارثِ أشْبهُ".
قلت: أبو حاتم تكلّم على هذا الجزء من الحديث، ولا يعني أن حسين
المعلم رواه بطوله كما رواه مالك بن مغول! فالظاهر أن مالك بن مغول قد دخل له حديث
في حديث أو أنه أخذه هكذا من غيره كما سأبينه إن شاء الله.
وما رجحه أبو حاتم هو الصواب؛ لأن حسين المعلم من أثبت الناس في
عبدالله بن بريدة، ومالك بن مغول ليس بكثير الرواية عن ابن بريدة وهو كوفي ولم
يضبط حديثه.
وعليه فلا قيمة لتعليق شعيب الأرنؤوط ورفاقه حول كلام أبي حاتم!
حيث قالوا في تحقيق مسند أحمد: "قلنا: كذا قال أبو حاتم، ولا وجه لترجيح إحدى
الروايتين على الأخرى، خاصة وأن ألفاظهما متباينة، فلا مانع أن يكونا قصتين، وأن
يكون ابن بريدة رواهما جميعاً، ثم إن مالك بن مغول لم ينفرد به عن عبدالله بن
بريدة، فقد تُوبع على بعضه كما سلف آنفاً".
قلت: يقصدون رواية الحسين بن واقد عن ابن بريدة! وهذا فيه نظر! لأن
رواية الحسين بن واقد في ذكر الأشعري فقط! وحديث حسين المعلم في قصة دعاء الرجل
فقط!!
وقال شعيب ورفيقه أيضاً في كلامهما على سنن أبي داود: "قلنا:
كذا قال أبو حاتم، ولا وجه لترجيح إحدى الروايتين على الأخرى، فإن ألفاظهما متباينة،
فلا مانع أن يكونا قصتين، وأن يكون ابن بريدة رواهما جميعاً".
قلت: القصة واحدة! ومخرجها واحد وهو "عبدالله بن بريدة".
وجاء في رواية مالك بن مغول: «لَقَدْ سَأَلْتَ اللَّهَ بِالِاسْمِ
الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ».
وفي رواية حسين: «قَدْ غُفِرَ لَهُ، قَدْ غُفِرَ لَهُ، قَدْ غُفِرَ
لَهُ».
وهذا يدلّ على عدم ضبط الرواية التي رواها مالك بن مغول.
·
وهم لابن منده! وبيان خطأ في
إسناد رواية أخرى!
وقال أبو عبدالله ابن منده في كتاب «التوحيد» (1/65): "ورَوَاهُ
إِسْمَاعِيلُ بنُ مُسْلِمٍ البَصْرِيُّ، وَعَبْدُالوَارِثِ بنِ سَعِيدٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ جُحَادَةَ، عَنْ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ. وقَالَ عَبْدُالوَارِثِ،
عَنْ حُسَيْنِ المُعَلِّمِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ حَنْظَلَةَ
بنِ عَلِيّ، عن مِحْجَنِ بنِ الْأَدْرَعِ".
قلت: وهم ابن منده في الجمع بين رواية إسماعيل بن مسلم
وعبدالوارث!!!
فقد قال المزي في «تحفة الأشراف» (2/90): "ورواه إسماعيل بن
مسلم، عن محمد بن جحادة، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه. ورواه عبدالوارث بن
سعيد، عن محمد بن جحادة، عن رجلٍ، عن سليمان بن بريدة، عن
أبيه".
قلت: فرواية إسماعيل تختلف عن رواية عبدالوارث، وزاد عبدالوارث في
الإسناد "عن رجل"! والاختلاف فيه على محمد بن جحادة.
ثم إن هذا الحديث "عن سليمان بن بريدة" لا عن أخيه
عبدالله!! وهذا خطأ!! ولم يتنبّه له ابن منده فجعله "عن ابن بريدة" دون
تحديد من هو؟ سليمان أم عبدالله!! والظاهر كما ذكره المزي أنه من رواية محمد بن
جحادة عن سليمان بن بريدة!!
وهذا الإسناد فيه وهم من وجهين! الأول في كلا الروايتين عن محمد بن
جحادة ذكر "سليمان بن بريدة"! وإنما هو "عبدالله بن بريدة"!
والثاني: إسقاط الرجل من رواية إسماعيل بن مسلم البصري! والخطأ منه وهو ضعيف جداً،
تركه بعضهم.
·
رواية مسندة عن عبدالوارث ليس
فيها: "عن رجل"!
ثم وجدت رواية مسندة عن عبدالوارث ليس فيها: "عن رجل"!
فقد ذكر المزي - كما سبق - أن عبدالوارث بن سعيد رواه، عن محمد بن
جحادة، عن رجلٍ، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، وخالف فيه إسماعيل بن مسلم.
لكن روى أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر بن حفص المُقرئ الحَمَّاميّ
كما في «الجزء التاسع مِن الفوائدِ المُنتقاةِ مِن حديثه عن شيوخِهِ - انتقاءُ أبي
الفتحِ ابنِ أبي الفَوارسِ الحافظِ» برقم: (6) قال: حدثنا أبو سهلٍ أحمدُ بنُ
محمدِ بنِ زيادٍ، قال: حدثنا صالحُ بنُ محمدٍ الرَّازيُّ، قال: حدثنا محمدُ بن
عمرَ القَصَبيُّ، قال: حدثنا عبدُالوارثِ، قال: حدثنا محمدُ بنُ جُحادةَ، عن سليمانَ
بنِ بُريدةَ، عن أَبيه قالَ: كنتُ معَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ليلةً
أَمشي، فسمعَ رجلاً يَقرأُ يَرفعُ صوتَهُ بالقراءةِ، فقالَ لي: «يا بريدةُ» قلتُ:
لبيَّكَ يا رسولَ اللهِ وسعدَيْكَ، قال: «أَتراهُ مُرائياً؟» قلتُ: اللهُ ورسولُهُ
أعلمُ، قالَها ثلاثاً، قالَ: «بلْ هو مؤمنٌ مُنيبٌ»، ثم أَتى على رجلٍ يقولُ:
اللهمَّ إنِّي أسألُكَ بأنَّك اللهُ لا إلَه إلا أنتَ الأحدُ الصمدُ الذي لم يلدْ
ولم يولدْ ولم يكنْ لكَ كُفواً أحدٌ، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لقدْ
دَعا اللهَ عزَّ وجلَّ باسمِهِ الذي إذا دُعيَ بِه استجابَ».
قالَ أبو الفتحِ الحافظ: "هذا حديثٌ غريبٌ مِن حديثِ محمدِ
بنِ جُحادةَ، عن سليمانَ بنِ بُريدةَ، لا أعلمُ حدَّثَ بِه إلا عبدُالوارثِ بنُ
سعيدٍ".
فهذه الرواية ليس فيها: "عن رجل"! وهي من رواية
عبدالوارث! وأغلب الظن أنه ربما سقطت من النسخ؛ لأن المزي جزم بأن في رواية
عبدالوارث: "عن رجل"!
والظاهر أن محمد بن جُحادةَ الكوفي
(ت131هـ) أخذ الحديث من مالك بن مغول، فلما رواه قال: "عن رجل"، ولم
يسمه، والله أعلم.
وعلى كل حال فحديث محمد بن جحادة لا يصح؛ ولهذا قال أبو الفتح
الحافظ بأنه غريب!!
·
ترجيح ابن منده لرواية مالك بن
مغول على رواية حسين المعلم! والرد عليه!
قال أبو عبدالله ابن منده في كتاب «التوحيد» (2/60): "هذا
حَدِيثٌ مَشْهُورٌ عَنْ مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ. رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ مَالِكٍ، ثُمَّ سَمِعَهُ مِنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بنُ
جُحَادَةَ، عَنِ ابنِ بريدة، عَنْ أَبِيهِ. وخَالَفَهُمَا حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ، وحَدِيثُ
مَالِكٍ أَشْبَهُ".
قلت: رجّح ابن منده حديث مالك بن مغول لأنه عدّ رواية محمد بن
جحادة متابعة له في مقابل رواية حسين المعلم! وليس كذلك!! فقد بيّنت أن رواية محمد
بن جحادة فيها اختلاف عليه، وهو يرويها عن رجل مجهول عن سليمان بن بريدة لا
عبدالله!! والحديث لا يُعرف عن سليمان وإنما لأخيه عبدالله.
فرواية محمد بن جحادة غير معتبرة! والمعوّل على رواية مالك بن مغول
مقابل رواية حسين المعلم، ورواية المعلم أرجح، وهي الصواب؛ لأن المُعلّم البصري أثبت
في عبدالله بن بريدة من غيره، فكيف إذا خالفه كوفي ليس من أصحاب عبدالله بن بريدة!
·
من أين جاءت رواية مالك بن مغول في
هذا الحديث؟!
تبيّن لنا أن حديث مالك بن مغول عن عبدالله بن بريدة عن أبيه فيه
ما يتعلق بأبي موسى الأشعري، وقصة الرجل الذي دعا.
وما يتعلق بأبي موسى معروف عن أبي بردة عن أبي موسى.
رواه البخاري في «صحيحه» (6/195) (5048) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بنُ خَلَفٍ أَبُو بَكْرٍ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الحِمَّانِيُّ، قال: حَدَّثَنَا
بُرَيْدُ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ،
عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «يَا أَبَا مُوسَى لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا
مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ».
·
الاختلاف على مالك بن مِغول!
وقد روى الطبراني في «المعجم الأوسط» (2/97) (1369) من طريق عَبْداللَّهِ
بن عُمَرَ بنِ أَبَانَ، عن مُحَمَّد بن فُضَيْلٍ الكوفي، عَنْ مَالِكِ بنِ
مِغْوَلٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ قِرَاءَةَ أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: «لَقَدْ أُعْطِيَ
هَذَا مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ».
قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هذا الحَدِيثَ عَنْ مَالِكِ بنِ
مِغْوَلٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ إِلَّا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ! وَرَوَاهُ
النَّاسُ: عَنْ مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، عَنْ ابن بريدة، عَنْ أَبِيهِ".
قلت: محمد بن فضيل الكوفي ثقة، وبحسب أصول الحديث فإن رواية
الجماعة ترجح على روايته، لكن لا أظنه أخطأ في هذه الرواية، وإنما الخطأ والاختلاف
من مالك بن مغول شيخه!
والذي أميل إليه أن رواية ابن فضيل عن مالك بن مغول هي الصواب،
وكأن مالكاً وهم فيها عندما حدث بها عن ابن بريدة عن أبيه! فكأنه لم يضبط الاسم
للتشابه بين: "أبي بُردة" و"ابن بُريدة"!! فظنّ أنه ابن بريدة
فسلك الجادة ورواه عنه عن أبيه؛ لأن أبا بردة يرويه أيضاً عن أبيه. وعندما حدّث
بالقصتين أدخلهما في بعضهما عن ابن بريدة عن أبيه!
·
رواية الحسين بن واقد المروزي
لهذا الحديث عن عبدالله بن بُريدة!
ويُحتمل أنه أخذ هذا الحديث من قرينه "الحسين بن واقد
المروزي"! فقد تفرد الحسين به عن عبدالله بن بريدة!! وتفرداته عنه منكرة!!!
رواه البخاري في «الأدب المفرد»، "بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ:
فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي"، (805)، وفي "بَاب مَنْ قَالَ: مَنْ ذَا؟
فَقَالَ: أَنَا"، (1087) قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ، قالَ:
أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ
أَبِيهِ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى المَسْجِدِ
وَأَبُو مُوسَى يَقْرَأُ، فَقَالَ: «مَنْ هَذَا؟» فَقُلْتُ: أَنَا بُرَيْدَةُ
جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَالَ: «قَدْ أُعْطِيَ هَذَا مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ
دَاوُدَ».
ورواه الحاكم في «المستدرك» (4/314) (7757) من طريق مُحَمَّد بن
مُوسَى بنِ حَاتِمٍ البَاشَانِيّ، عن عَلِيّ بن الحَسَنِ بنِ شَقِيقٍ، عن
الحُسَيْن بن وَاقِدٍ، به.
قال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ
وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَةِ".
فهذا الحديث بهذا الإسناد تفرد به الحسين بن واقد عن عبدالله، وهو
يتفرد عن عبدالله بن بريدة بأحاديث منكرة!
فيُحتمل أن مالك بن مغول الكوفي (ت159هـ) أخذه من قرينه الحسين بن
واقد (ت159هـ)، فدخل لمالك حديث في حديث، والله أعلم.
والحديث مشهور ومعروف عن أبي بردة عن أبيه كما سبق بيانه.
·
هل سمع مالك بن مِغول من عبدالله
بن بريدة؟!
مالك بن مِغْوَل كوفيّ (ت 159هـ)، ولا يُعرف أنه سمع من عبدالله بن
بريدة (ت115هـ) وهو في عداد البصريين والمروزيين، ولا يعرف أنه حدّث بالكوفة أو أن
مالكاً سمع منه في البصرة أو مرو.
وقول الذهبي في «تاريخ الإسلام» في ترجمته: "سَمِعَ: الشعبي،
وابن بريدة..." فيه نظر!
نعم، عبدالله بن بريدة يدخل في طبقة شيوخ مالك بن مغول، وطبقة
شيوخه على قسمين: قسم توفي بعد سنة (98هـ) إلى (116هـ)، وهم:
عبدالرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي الكوفي
(ت99هـ)، وطلحة بن مصرف الكوفي (ت112هـ)، وأبو السفر الهمداني الكوفي (ت113هـ)، والحكم
بن عتيبة الكوفي (ت115هـ)، وعون بن أَبي جحيفة الكوفي (ت116هـ).
والقسم الآخر ممن توفوا بعد سنة (120هـ)،
وهم:
قيس بن مسلم الكوفي (ت120هـ)، وزُبيد بن
الحارث اليامي الكوفي (ت122هـ)، وسِماك بن حرب الكوفي (ت123هـ)، وأَبو حصين الأسدي
الكوفي (ت127هـ)، وعَاصِم بن أَبي النجود الكوفي (ت128هـ)، وأَبو إسحاق السبيعي
الكوفي (ت129هـ)، والزبير بن عَدي الكوفي (ت131هـ)، ومنصور بن المعتمر الكوفي (ت132هـ)،
وحُصين بن عَبْدالرحمن الكوفي (ت136هـ).
وهؤلاء كلهم كوفيون وغالبهم ممن توفوا بعد
سنة (120هـ) وهذا الأصل بالنسبة لطبقة شيوخه، ومن توفوا قبل ذلك لا يُنكر سماعه
منهم لأنهم من بلده؛ إلا أن روايته عنهم قليلة جداً.
وأما روايته عن غير أهل بلده فنادرة، وقد
روى البخاري (7/105) حديثاً عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «لَقَدْ
حُرِّمَتِ الخَمْرُ وَمَا بِالمَدِينَةِ مِنْهَا شَيْءٌ»، وروى له مسلم حديثاً (3/1542)
عَن نافعٍ، عَن ابنِ عُمَر، عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم؛ أَنَّه
سُئل عَن الضَّبِّ فقال: «لا آكله، ولاَ أحرمه».
وكلاهما معروف عن نافع.
ونافع مدني (ت117هـ) فإن ثبت أنه سمع منه
فيحتمل أن يكون ذلك في عمرة أو حج، أو عندما دخل نافع العراق، والله أعلم.
ومالك بن مغول يروي عن نافع بواسطة محمد
بن سوقة الغنويّ الكوفيّ (توفي ما بين سنة 141 - 150هـ) وهذه قرينة على أنه ربما
لم يسمع من نافع، والله أعلم.
روى أصحاب السنن من طريق مَالِكِ بنِ
مِغْوَلٍ، عَنِ ابنِ سُوقَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: إِنْ كُنَّا
لَنَعُدُّ فِي المَجْلِسِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَبِّ
اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» مِائَةَ
مَرَّةٍ.
قال الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
صَحِيحٌ غَرِيبٌ".
ولا يعرف أن مالك بن مغول رحل إلى عبدالله
بن بريدة! ولو كان رحل إليه كيف لم يسمع منه إلا هذا الحديث؟! ويزيد ذلك بُعداً
على قول من قال بأن عبدالله بن بريدة توفي سنة (105هـ)!
فأين لقي مالك بن مغول عبدالله بن بريدة؟
ومتى سمع منه؟ وكيف ينفرد به عن عبدالله دون أهل الكوفة؟
فلا يثبت أنه لقيه أو سمع منه، والحديث لا
يُعرف في الكوفة إلا عن مالك بن مغول وهو مشهور عنه، ولهذا سمعه منه أهل الكوفة
ومنهم شيوخه كأبي إسحاق؛ لأن مثل هذه الأحاديث الغريبة مرغوبة عند المحدثين، فهي
من الفوائد التي يُحبها أهل الحديث، وغالبها تكون مرسلة ونحو ذلك.
وقد خالفه فيه من هو أعرف بعبدالله وسمع
منه، وهو الحسين المعلّم.
وما جاء في بعض الكتب: "عن مَالِكِ بنِ
مِغْوَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَاللهِ بنَ بُرَيْدَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ"
لا يُعتمد لما في كثير من الكتب من الأخطاء في هذا! وغالب طرق الحديث أنه يرويه عن
عبدالله بالعنعنة.
على أن الطرق التي جاء فيها لفظ السماع في
بعض الكتب عن شيخ ما جاء عنه بالعنعنة في كتاب آخر مما يدلّ على تصرف بعض أصحاب
المصنّفات في ذلك، أو من النسخ الموجودة.
فالحديث لم يسمعه مالك بن مغول من عبدالله
بن بريدة، والمحفوظ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ حَنْظَلَةَ بنِ
عَلِيٍّ، عن مِحْجَن بن الْأَدْرَعِ كما رواه عنه: الحُسَيْنُ المُعَلِّمُ، ولم
يذكر قصة أبي موسى فيه.
فتعيّن أن يكون حديث مالك بن مغول عن
عبدالله بن بريدة مرسلاً! ومما يدل على ذلك وأنه من المراسيل جمعه للقصتين في حديث
واحد! وعدم روايته على نسق واحد مع أن الذين رووه عنه كلهم من الثقات.
ففي بعض الروايات: «أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جَاءَ إِلَى المَسْجِدِ
فَوَجَدَنِي عَلَى بَابِ المَسْجِدِ فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَدْخَلَنِي المَسْجِدَ
فَإِذَا رَجُلٌ يُصَلِّي وَيَدَعُو وَهُوَ يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ...
قَالَ: وَإِذَا رَجُلٌ يَقْرَأُ فِي جَانِبِ المَسْجِدِ...».
وفي بعضها: «خَرَجَ
بُرَيْدَةُ عِشَاءً فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَهُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا صَوْتُ رَجُلٍ يَقْرَأُ،
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُرَاهُ مُرَائِيًا؟»
فَأَسْكَتَ بُرَيْدَةُ فَإِذَا رَجُلٌ يَدْعُو. فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ...
قَالَ: فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْقَابِلَةِ خَرَجَ بُرَيْدَةُ عِشَاءً، فَلَقِيَهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَهُ
الْمَسْجِدَ، فَإِذَا صَوْتُ الرَّجُلِ يَقْرَأُ...»!
وفي بعض الروايات أنه قال: «مَنْ
هَذَا؟ قِيلَ: عَبْدُاللهِ بنُ قَيْسٍ، فَقَالَ: "لَقَدْ أُوتِيَ هَذَا مِنْ
مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ»! فهل صوت أبي موسى لا يعرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
يسأل عنه؟!
فالظاهر أنه أخذ الحديث من رجل ما عن ابن بريدة، وقد يكون الحسين
بن واقد، أو أنها عنده مرسلة؛ لأن مُحَمَّد بن فُضَيْلٍ الكوفي رواه
عَنه، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيه، فجعل القصتين في حديث واحد: "عن ابن
بريدة عن أبيه"، والله أعلم.
·
قصة أخرى يرويها مالك بن مغول عن
عبدالله بن بريدة عن أبيه!
ومما يدل على أن مالك بن مغول لم يسمع من عبدالله بن بريدة أنه روى
قصة أخرى عنه، وخولف فيها أيضاً، والقصة فيها نكارة!
روى البيهقي في «دلائل النبوة» (7/110) من طريق عَمْرو بن
مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كَانَ لِي طَعَامٌ فَتَبَيَّنْتُ فِيهِ
النُّقْصَانَ فَكُنْتُ فِي اللَّيْلِ، فَإِذَا غُولٌ قَدْ سَقَطَتْ عَلَيْهِ،
فَقَبَضْتُ عَلَيْهَا. فَقُلْتُ: لَا أُفَارِقُكَ، حَتَّى أَذْهَبَ بِكِ إِلَى
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ
كَثِيرَةُ العِيَالِ لَا أَعُودُ فَحَلَفَتْ لِي فَخَلَّيْتُهَا فَجِئْتُ،
فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَذَبَتْ وَهِيَ كَذُوبٌ، وَتَبَيَّنَ لِي النُّقْصَانُ
قَالَ: فَإِذَا هِيَ قَدْ وَقَعَتْ عَلَى الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهَا، فَقَالَتْ لِي
كَمَا قَالَتْ لِي فِي الْأُولَى، وَحَلَفَتْ أَنْ لَا تَعُودَ، فَجِئْتُ
فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَذَبَتْ
وَهِيَ كَذُوبٌ. ثُمَّ تَبَيَّنَ لِي النُّقْصَانُ، فَكَمَنْتُ لَهَا،
فَأَخَذْتُهَا فَقُلْتُ: لَا أُفَارِقُكِ أَوْ أَذْهَبُ بِكِ إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ ذَرْنِي حَتَّى أُعَلِّمَكَ شَيْئًا
إِذَا قُلْتَهُ لَمْ يَقْرَبْ مَتَاعَكَ أَحَدٌ مِنَّا، إِذَا أَوَيْتَ إِلَى
فِرَاشِكَ فَاقْرَأَ عَلَى نَفْسِكَ وَمَالِكَ آيَةَ الكُرْسِيِّ فَخَلَّيْتُهَا،
فَجِئْتُ، فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: صَدَقَتْ
وَهِيَ كَذُوبٌ، صَدَقَتْ وَهِيَ كَذُوبٌ».
قال البيهقي: "كَذَا قَالَ عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ بُرَيْدَةَ،
عَنْ أَبِيهِ، وَهَذَا غَيْرُ قِصَّةِ مُعَاذٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا
مَحْفُوظَيْنِ. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ وَقَعَ
لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا، وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ أَنَّ زَيْدَ بْنَ
ثَابِتٍ خَرَجَ إِلَى حَائِطٍ بِالْمَدِينَةِ فَسَمِعَ جَلَبَةً فَقَالَ لَهُ
رَجُلٌ مِنَ الْجَانِّ: أَصَابَتْنَا سَنَةٌ، فَأَحْبَبْنَا أَنْ تُطَيِّبُوا
لَنَا مِنْ ثِمَارِكُمْ، فَنُصِيبُ مِنْهَا، ثُمَّ عَلَّمَهُ مَا يُعَوِّذُ
بَيْنَهُمْ، آيَةَ الْكُرْسِيِّ".
قلت: قصة معاذ التي أشار لها البيهقي رُويت
أيضاً
عن عبدالله بن بريدة بإسناد آخر:
رواه عَبْدُالمُؤْمِنِ بنُ خَالِدٍ الحَنَفِيُّ المروزي، قال: حدثنا
عَبْدُاللَّهِ بنُ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ
الدُّؤَلِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ: أَخْبِرْنِي عَنْ
قِصَّةِ الشَّيْطَانِ قَالَ: «جَعَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَكُنْتُ أَدْخُلُ الْغُرْفَةَ فَأَجِدُ فِي
التَّمْرِ نُقْصَانًا فَذَكَرْتُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْخُذُ قَالَ: وَدَخَلْتُ الْغُرْفَةَ وَأَغْلَقْتُ
الْبَابَ عَلَيَّ فَجَاءَ سَوَادٌ عَظِيمٌ فَغَشِيَ الْبَابَ ثُمَّ دَخَلَ مِنْ
شَقِّ الْبَابِ فَتَحَوَّلَ فِي صُورَةِ فِيلٍ فَجَعَلَ يَأْكُلُ فَشَدَدْتُ
ثَوْبِي عَلَى وَسَطِي فَأَخَذْتُهُ فَالْتَقَتْ يَدَايَ عَلَى وَسَطِهِ وَقُلْتُ:
يَا عَدُوَّ اللَّهِ مَا أَدْخَلَكَ بَيْتِي تَأْكُلُ التَّمْرَ؟ قَالَ: أَنَا
شَيْخٌ كَبِيرٌ فَقِيرٌ ذُو عِيَالٍ وَقَدْ كَانَتْ لَنَا هَذِهِ الْقَرْيَةُ
قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاحِبُكُمْ
فَلَمَّا بُعِثَ أُخْرِجْنَا مِنْهَا وَنَحْنُ مِنْ جِنِّ نَصِيبِينَ خَلِّ
عَنِّي؛ فَإِنِّي لَنْ أَعُودَ إِلَيْكَ، وَجَاءَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَبَرِهِ فَلَمَّا
صَلَّى الْغَدَاةَ نَادَى مُنَادِيهِ: أَيْنَ مُعَاذٌ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟
فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ سَيَعُودُ إِلَيْكَ. فَجِئْتُ الْغُرْفَةَ
لَيْلًا وَأَغْلَقْتُ الْبَابَ فَجَاءَ فَجَعَلَ يَأْكُلُ التَّمْرَ فَقَبَضْتُ
يَدَايَ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ قَالَ: إِنِّي لَنْ أَعُودَ
إِلَيْكَ بَعْدُ قَالَ: قَدْ قُلْتَ إِنَّكَ لَا تَعُودُ قَالَ: إِنِّي أُخْبِرُكَ
بشَيْءٍ إِذَا قُلْتَهُ لَمْ يَدْخُلِ الشَّيْطَانُ الْبَيْتَ: {لِلَّهِ مَا فِي
السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ».
أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب «الهواتف» (ص: 137) (175) عن أَبي
عُثْمَانَ سَعِيد بن عُثْمَانَ الجُرْجَانِيّ. وأبو نُعيم الأصبهاني في «دلائل
النبوة» (ص: 600) (547) من طريق أبي كُرَيْبٍ. كلاهما (أبو عثمان، وأبو كريب) عن زَيْد
بن الحُبَابِ العُكْلِيّ.
والطبراني في «المعجم الكبير» (20/161) (337) عن يَحْيَى بن
عُثْمَانَ بنِ صَالِحٍ، عن نُعَيْم بن حَمَّادٍ المروزي.
والحاكم في «المستدرك» (1/751) (2068) من طريق إِبْرَاهِيم بن
هِلَالٍ البُوزْنَجَرْدِيّ، عن عَلِيّ بن الحَسَنِ بنِ شَقِيقٍ المروزي.
كلهم (زيد بن الحباب، ونُعيم بن حماد، وعلي بن الحسن) عن عَبْدالمُؤْمِنِ
بن خَالِدٍ الحَنَفِيّ، به.
قال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ
يُخَرِّجَاهُ، وَعَبْدُالمُؤْمِنِ بنُ خَالِدٍ الحَنَفِيُّ مَرْوَزِيٌّ ثِقَةٌ
يُجْمَعُ حَدِيثُهُ، وَرَوَى عَنْهُ زَيْدُ بنُ الحُبَابِ هَذَا الحَدِيثَ
بِعَيْنِهِ".
ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (20/51) (89) في مسند «بُرَيْدَة
بن الحُصَيْبِ الْأَسْلَمِيّ، عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ» عن يَحْيَى بن عُثْمَانَ
بنِ صَالِحٍ، قال: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، قال: حَدَّثَنَا
عَبْدُالمُؤْمِنِ بنُ خَالِدٍ الحَنَفِيُّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بنُ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ، فذكره.
فجعله من «مسند بُريدة»، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6/321) (10875):
"وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: «بَلَغَنِي أَنَّ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ...»".
ثم قال: "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ شَيْخِهِ يَحْيَى بنِ
عُثْمَانَ بنِ صَالِحٍ وَهُوَ صَدُوقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ كَمَا قَالَ
الذَّهَبِيُّ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ
وُثِّقُوا".
وقد تقدم أن الطبراني رواه أيضاً في كتابه هذا (20/161) (337) عن
يَحْيَى بن عُثْمَانَ بنِ صَالِحٍ بنفس إسناد زيد بن الحباب وعلي بن الحسن بن
شقيق.
والظاهر أنه حصل خطأ للطبراني في إسناده أو تحرّف عليه "عن
أبي الأسود" إلى "بريدة"، ولم يتنبّه لهذا لما ساقه فيما بعد على
الصواب.
ثم تبيّن لي أن نعيم بن حماد ربما كان يرويه بكلا الإسنادين فكان
يُخطئ فيه!
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (1/28): "وقال لَنَا نُعَيْمٌ:
حَدَّثَنَا عَبْدُالمُؤْمِنِ بنُ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ،
عَنْ أَبِيهِ: سَمِعْتُ مُعَاذًا قَالَ: ضَمَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمْرَ الصَّدَقَةِ - فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وقَالَ غير نعيم عَنْ
أَبِي خَالِد الحنفِي، عَنِ ابْن بريدة: أتيت أبا الأسود فقَالَ: أتيت مُعَاذا،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهذا".
وَسُئِلَ الدارقطني في «العلل» (6/40) (964) عَنْ حَدِيثِ
بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ مُعَاذٍ فِي أَخْذِهِ الشَّيْطَانِ؟
فقَالَ: "يَرْوِيهِ عَبْدُالمُؤْمِنِ بنُ خَالِدٍ الحَنَفِيُّ
وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:
فَرَوَاهُ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ، عَنْ عَبْدِالمُؤْمِنِ بنِ
خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُعَاذٍ.
وَخَالَفَهُ زَيْدُ بنُ الحُبَابِ وَحَاتِمُ بنُ الْعَلَاءِ
فَرَوَيَاهُ عَنْ عَبْدِالمُؤْمِنِ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ
أَبِي الْأَسْوَدِ الدئلي عَنْ مُعَاذٍ.
وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ".
قلت: فمالك بن مغول رواه عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه، وجعل القصة
لبريدة.
وخالفه عبدالمؤمن بن خالد، فرواه عن عبدالله بن بريدة، عن أبي
الأسود الدؤلي، عن معاذ، فجعل القصة لمعاذ.
وحديث عبدالمؤمن أصح؛ لأنه من أصحاب عبدالله بن بريدة، وهو مروزي
ثقة، كان قاضياً على مرو، وقد سمع من عبدالله بن بريدة، بل وكان بين أبويهما صحبة.
ففي «تاريخ نيسابور» للحاكم: "قال عبدالمؤمن بن خالد الحنفي:
مات بريدة في دار أبي، وأوصى أن لا يدفن على الجادة، وأن يرش قبره ماء، ويشق كفنه
إلى رجليه يلي الجانب الأيمن، فحفر له على الجادة فسقط اللحد، قال: فنحوه عن
الجادة ودفنوه". [إكمال تهذيب الكمال: (2/373)].
فهذه الرواية التي رواها مالك بن مغول ويتفرد بها بهذا السياق يدل
على أنه لم يسمع من عبدالله بن بريدة! إذ كيف يسمع منه وينفرد عنه بها دون غيره من
أصحابه الثقات، وهذا يعني أنه كان يأخذ هذه الروايات عن عبدالله بن بريدة من آخر
لا يُعرف! ويدلّ على ذلك أن نحو هذه القصة يرويها أحد أصحاب عبدالله بن بريدة بإسناد
آخر.
والظاهر أن مالك بن مغول لم يكن يضبط هذا الحديث والحديث الذي تقدم
عن عبدالله بن بريدة فسلك فيهما الجادة: "ابن بريدة عن أبيه"، أو أنه
سمعها من بعضهم هكذا غير مضبوطة، والله أعلم.
ومع صحة إسناد حديث عبدالمؤمن إلا أنه مرسل، فأبو الأسود الديلي
وهو ظالم بن عمرو البصري (ت69هـ) لم يسمع من معاذ!
قال الدوري في «تاريخ ابن معين - روايته» (4/293) (4463): قلت
ليحيى، أَبُو الْأسود الدؤَلِي يرْوي عَن معَاذ بن جبل، لقِيه؟ قالَ: "لا".
والحديث فيه نكارة أيضاً!
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وأبي أيوب، وَأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ،
أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، كَانَ صَاحِبَ هَذِهِ الحَالَةِ! وكلّ ذلك فيه
نظر! ولهذا ذكر البخاري هذه القصة عن أبيّ، وأبي هريرة، ومعاذ في «التاريخ الكبير»
(1/28)، وظاهر تصرف البخاري عدم صحة هذه القصة من كل طرقها، وقد علّق حديث أبي
هريرة في «صحيحه»، والكلام على هذا يطول، وليس هذا محل ذلك.
·
حديث آخر لمالك بن مغول عن
عبدالله بن بريدة عن أبيه!
روى ابن الأعرابي في «معجمه» (1/122) (192) عن مُحَمَّد بن
عُبَيْدِ بنِ عُتْبَةَ، عن مُحْرِز بن هِشَامٍ الخُزَاعِيّ، عن الرَّبِيع بن
سَهْلٍ الفَزَارِيّ، عَنْ مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ،
عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ حَتَّى يُحَاذِيَ
أُذُنَيْهِ».
ثُمَّ حَدَّثَنَا بِهِ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ فَقَالَ: "لَيْسَ
فِيهِ عَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ".
قلت: يعني الإسناد: "عن مالك بن مِغول، عن ابن بريدة، عن
أبيه"، وليس في إسناده: "علقمة بن مرثد".
ورواه الدارقطني في «الغرائب والأفراد» [كما في «الأطراف» لابن
طاهر المقدسي (2/318) (1480) من طريق أَحْمد بن النُّعْمَان، عن مالك بن مِغول
وفطر بن خليفة، كلاهما عن عبدالله بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
قال الدارقطني: "تفرد بِهِ الرّبيع بن سهل الفزازي عَن مَالك
بن مغول وَفطر بن خَليفَة عَنهُ، وَتفرد بِهِ أَحْمد بن النُّعْمَان عَنهُ بِهَذَا
الْإِسْنَاد".
وَرَوَاهُ الدارقطني عن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّدٍ الصَّفَّار وَمُحَمّد
بن جَعْفَر المطيري، كلاهما عن مُحَمَّد بن عبيد، عَن مُحرز بن هِشَام، عن الرَّبِيع
بن سَهْلٍ الفَزَارِيّ، عَنْ مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ، عَنْ عبدالله بنِ بُرَيْدَةَ،
عَنْ أَبِيهِ.
والحديث تفرد به الربيع بن سهل عن مالك! وهو منكر الحديث ليس بشيء!
·
رواية أخرى لمالك بن مِغول، عن
عبدالله بن بريدة!
وروى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (5/139) (7511) عن وَكِيع، قَالَ:
حدَّثَنَا مَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنِ ابنِ
عُمَرَ، قَالَ: «مَا بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ قِبْلَةٌ».
قلت: لم يذكر مالك سماعاً من ابن بريدة! وعبدالله بن بريدة أدرك
ابن عمر، لكن لم يسمع منه، ولا يعرف هذا عن عبدالله بن بريدة إلا من حديث مالك بن
مِغول!!
الحديث الرابع: النهي عن زيارة القبور ثم نسخ ذلك:
قال مسلم في «صحيحه»، كتاب الجنائز، (2/672) (977): حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِاللهِ بْنِ نُمَيْرٍ،
وَمُحَمَّدُ بنُ الْمُثَنَّى، - وَاللَّفْظُ لِأَبِي بَكْرٍ وَابنِ نُمَيْرٍ -
قالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ - وهُوَ: ضِرَارُ
بنُ مُرَّةَ-، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ،
عَنْ أَبِيهِ، قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُورُوهَا، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ
الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ، وَنَهَيْتُكُمْ
عَنِ النَّبِيذِ إِلَّا فِي سِقَاءٍ، فَاشْرَبُوا فِي الْأَسْقِيَةِ كُلِّهَا،
وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا».
قَالَ ابنُ نُمَيْرٍ فِي رِوَايَتِهِ: "عَنْ عَبْدِاللهِ
بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ".
قال: وحَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ يَحْيَى، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو
خَيْثَمَةَ، عَنْ زُبَيْدٍ اليَامِيِّ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنِ ابنِ
بُرَيْدَةَ، أُرَاهُ عَنْ أَبِيهِ - الشَّكُّ مِنْ أَبِي خَيْثَمَةَ - عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ح].
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، قال: حَدَّثَنَا
قَبِيصَةُ بنُ عُقْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ
بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ [ح].
وحَدَّثَنَا ابنُ أَبِي عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ
بنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِالرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَطَاءٍ
الخُرَاسَانِيِّ، قالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُاللهِ بنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ بِمَعْنَى
حَدِيثِ أَبِي سِنَانٍ.
وقال في كتاب الأضاحي، (3/1563) (1977): حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ الْمُثَنَّى، قَالَا:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، - قالَ أَبُو بَكْرٍ: عَنْ أَبِي سِنَانٍ،
وَقَالَ ابنُ الْمُثَنَّى: عَنْ ضِرَارِ بنِ مُرَّةَ، عَنْ مُحَارِبٍ، عَنِ ابنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ [ح].
وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِاللهِ بنِ نُمَيْرٍ، قال: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، قال: حَدَّثَنَا ضِرَارُ بنُ مُرَّةَ أَبُو سِنَانٍ، عَنْ
مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ
زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَزُورُوهَا، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ
فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ
إِلَّا فِي سِقَاءٍ، فَاشْرَبُوا فِي الْأَسْقِيَةِ كُلِّهَا، وَلَا تَشْرَبُوا
مُسْكِرًا».
قال: وحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، قال: حَدَّثَنَا
الضَّحَّاكُ بنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنِ
ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ، فَذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي سِنَانٍ.
وقال مسلمٌ في كتاب الأشربة، (3/1584) (977): حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ الْمُثَنَّى، قَالَا:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَنْ أَبِي سِنَانٍ،
وقَالَ ابنُ الْمُثَنَّى: عَنْ ضِرَارِ بنِ مُرَّةَ، عَنْ مُحَارِبٍ، عَنِ ابْنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ [ح].
وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِاللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قال: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، قال: حَدَّثَنَا ضِرَارُ بنُ مُرَّةَ أَبُو سِنَانٍ، عَنْ
مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَهَيْتُكُمْ عَنِ
النَّبِيذِ إِلَّا فِي سِقَاءٍ، فَاشْرَبُوا فِي الْأَسْقِيَةِ كُلِّهَا، وَلَا
تَشْرَبُوا مُسْكِرًا».
قال: وحَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، قال: حَدَّثَنَا
ضَحَّاكُ بنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «نَهَيْتُكُمْ عَنِ الظُّرُوفِ، وَإِنَّ الظُّرُوفَ - أَوْ
ظَرْفًا - لَا يُحِلُّ شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمُهُ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ».
قال: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، قال: حَدَّثَنَا
وَكِيعٌ، عَنْ مُعَرِّفِ بنِ وَاصِلٍ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنِ ابنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الْأَشْرِبَةِ فِي ظُرُوفِ الْأَدَمِ،
فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ غَيْرَ أَنْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا».
·
كيفية تخريج مسلم للحديث والإشارة
إلى أن الحديث يرويه عبدالله وسليمان عن أبيهما!
قلت: خرّج مسلم الحديث في الموضع الأول من طريق مُحَارِبِ بنِ
دِثَارٍ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
والظاهر أنه أراد بيان أن ما جاء في بعض الروايات "عن ابن
بريدة" أنه: "عبدالله بن بريدة" كما في رواية ابن نمير!!
ثم أتى برواية عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ!
ثم ختم برواية عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، عن عَبْداللهِ بن
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ!
وكأن مسلماً - رحمه الله - أراد أن يُثبت أن عبدالله وسليمان كليهما
روى هذا الحديث عن أبيهما.
ولكنه في الموضع الثاني والثالث لم يُبيّن أنه عبدالله في رواية
سفيان، وتركه كما هو: "ابن بريدة"، والناظر في الإسناد الأول يظنّ أن
ابن بريدة في الإسناد الثاني - رواية سفيان-، هو: "عبدالله بن بريدة"!
وليس كذلك! وإنما هو: "سليمان بن بريدة".
وترتيب مسلم لأسانيد هذا الحديث غريبٌ جداً!! وهذا يرد على من توسع
في مسألة ترتيب مسلم للأحاديث في الباب الواحد، وأنه أراد بيان العلل في بعض
الأبواب!!
نعم، لا ننفي أنه أحياناً يقصد بيان علل بعض الأسانيد، لكن هذا
يحتاج لطول نظر!! والاعتماد على الترتيب دائماً فيه توسع غير محمود!! والله أعلم.
·
تخريج الحديث:
·
حديث مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ
الكوفيّ:
أما حديث مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ فهو في «مصنف ابن أبي شيبة» (3/29)
(11804)، و(5/67) (23748).
وأخرجه أحمد في «مسنده» (38/55) (22958) عن مُحَمَّد بن فُضَيْلٍ.
وعن أحمد أخرجه علي بن الجعد في «مسنده» (1992).
وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (2/464) (2170)، و(5/96) (5142) عن
مُحَمَّد بن آدَمَ بنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابنِ فُضَيْلٍ.
وأخرجه أبو عوانة في «مستخرجه» (5/84) (7883) عن عَلِيّ بن حَرْبٍ
الطَّائِيّ، عن مُحَمَّد بن فُضَيْلٍ.
وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (12/213) (5391) من طريق قُتَيْبَة بن
سَعِيدٍ، و(12/222) (5400) من طريق مُحَمَّد بن المُثَنَّى، كلاهما عن مُحَمَّد بن
فُضَيْلٍ، عَنْ ضِرَار بن مُرَّةَ أَبي سِنَانٍ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنِ
ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
وأخرجه أبو داود في «سننه» (5/138) (3235)، (5/538) (3698) عن أحمد
بن يونسَ، عن مُعَرِّف بن واصلٍ، عن مُحاربِ بن دِثارٍ، به، نحوه.
·
رأي عليّ بن الجعد بأن الحديث
محفوظ عن عبدالله وسليمان عن أبيهما!
وأخرجه عليّ بن الجعد في «مسنده» (ص: 293) (1989) عن معرف بن واصل،
عن محارب بن دثار، به.
ثم أخرجه (1991) عن أحمد بن حنبل، عن وكيع، عن معرف بن واصل،
عن محارب، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه.
قال علي بن الجعد: "في هذا الكتاب: عن معرف بن واصل، عن
محارب، عن ابن بريدة، عن أبيه، ولم يسمه.
وقال أحمد عن وكيع، عن معرف، عن محارب، عن سليمان بن بريدة، عن
أبيه.
وعن ابن فضيل، عن أبي سنان، عن محارب، عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه.
وقد رواه علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة".
ثم قال: "ولهذا الحديث طرق عن ابن بريدة، وأحسب الحديث
عنهما جميعاً" – أي عن عبدالله وأخيه سليمان.
·
بيان أن الحديث محفوظ عن
"سليمان بن بريدة" فقط!
قلت: كلّ الروايات لهذا الحديث فيها "عن ابن بريدة" غير
مسمّى!! وكذا الرواة عن محمد بن فضيل لم يسموه إلا في رواية مُحَمَّد بن
عَبْدِاللهِ بنِ نُمَيْرٍ عنه!! ونبّه الإمام مسلم لها. ورواية الإمام أحمد عن ابن
فضيل!
وفي رواية معرف بن واصل وزُبيد اليامي عن مُحارب لم يُسمّ.
ومحارب بن دِثار وهو تابعي سمع من جابر بن عبدالله وغيره، ورُوي
عنه عن "سليمان بن بريدة" لا "عبدالله بن بريدة"! وهو أكبر من
سليمان.
·
نصّ البزار على أن «ابن بريدة» في
الحديث هو «سليمان بن بريدة»، وقاعدة عامة في ذلك:
وقد نصّ على أنه «سليمان بن بريدة» الحافظ أبو بكر البزار لمّا
خرّج الحديث في «مسنده» (10/312) (4435) عن مُحَمَّد بنَ المُثَنَّى، عن مُحَمد بن
فُضَيْلٍ، عَنْ ضِرَارٍ أَبِي سِنَانٍ عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَن ابنِ
بُرَيدة، عَن أَبيهِ، وهُو سُلَيْمَانُ بنُ بُرَيدة، عَن أَبيهِ،
رَضِي اللَّهُ عَنْهُ.
وكذا نصّ على ذلك في حديث آخر خرّجه أيضاً في «مسنده» (10/334) (4464)
عن مُحَمد بن مسكين، قال: حَدَّثنا سَعِيد بن سليمان، قَال: حَدَّثنا مَنْصُورُ بنُ
أَبِي الأَسْوَدِ، عَن عَطاء بنِ السَّائِبِ عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَن ابْنِ
بُرَيدة، وهُو سُلَيْمَانُ، عَن أَبيهِ - رَضِي اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ
سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم جَعْفَرًا، رَضِي اللَّهُ
عَنْهُ، حِينَ قَدِمَ مِنَ الحَبَشَةِ مَا أَعْجَبُ شَيْءٍ رَأَيْتَهُ، الحديث.
وساق البزار قاعدة عامة في معرفة "ابن بريدة" الذي لا
يُسمى في الأسانيد.
قال في «مسنده» (9/311) و(10/376): "عَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ
إِنَّمَا يُحَدِّثُ عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ. وَمُحَارِبُ بنُ
دِثَارٍ إِنَّمَا يُحَدِّثُ عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ جُحَادَةَ
إِنَّمَا يُحَدِّثُ عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، وَسُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ إِنَّمَا
يُحَدِّثُ بِحَدِيثِ ابنِ بُرَيْدَةَ فَذَكَرَ غَيْرَ وَاحِدٍ فِيهِ عَنْ
سُلَيْمَانَ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ وَلَمْ يُسَمِّهِ وَهُوَ
عِنْدِي سُلَيْمَانُ، والبَاقِينَ مِنْ أَصْحَابِ ابنِ بُرَيْدَةَ إِنَّمَا
يُحَدِّثُونَ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ إِلَّا رَجُلٌ سمى سُلَيْمَانَ".
قلت: فكلّ حديث يرويه علقمة بن مرثد ومحارب بن دِثار ومحمد بن
جحادة والأعمش عن ابن بريدة فهو: "سليمان بن بريدة"، وأي راو آخر يروي
عن "ابن بريدة" فهو "عبدالله بن بريدة" ما لم يصرّح بأنه
سليمان بن بريدة.
·
اتباع البيهقي للإمام مسلم في أن «ابن
بريدة» في الحديث هو: «عبدالله»! وكذا المزي في «التحفة»!
وقد روى البيهقي الحديث في «السنن الكبرى» (9/491) (19214) من طريق
خَلَّاد بن يَحْيَى، عن مُعَرِّف، عن مُحَارِب بن دِثَارٍ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ،
عَنْ أَبِيهِ، مرفوعاً.
ثم قال: "أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ
آخَرَ عَنْ مُعَرِّفِ بنِ وَاصِلٍ، وَابنُ بُرَيْدَةَ هَذَا: عَبْدُاللهِ
بنُ بُرَيْدَةَ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سِنَانٍ
ضِرَارِ بنِ مُرَّةَ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ".
وذكر المزي الحديث في ترجمة «عبدالله بن بريدة» من «تحفة الأشراف»
(2/91).
·
متابعة الإمام أحمد لابن نُمير في
تسمية «ابن بريدة» في إسناده!
وجاء في «مسند أحمد» (38/55) (22958): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
فُضَيْلٍ، قال: حَدَّثَنَا ضِرَارٌ - يَعْنِي ابنَ مُرَّةَ أَبُو سِنَانٍ-، عَنْ
مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
كذا في المسند، وكذا رواه ابن الجعد عن أحمد كما مر سابقاً في
التخريج، وهذه متابعة لمحمد بن عبدالله بن نُمير في تسمية "ابن بريدة"
بأنه "عبدالله"!
فيحتمل أنّ ابن فضيل كان يسميه أحياناً ويهمله أحياناً! وقد وهم في
ذلك؛ لأن المحفوظ أن "ابن بريدة" هنا هو "سليمان" لا
"عبدالله".
ويُحتمل أن تكون التسمية من ابن نُمير ومن أحمد، والله أعلم.
·
هل اضطرب ابن حجر في تسمية «ابن
بريدة»!
وقد ساق ابن حجر طرق الحديث في «إتحاف المهرة» (2225) و(2229) في
ترجمة "سُلَيْمَان بن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ".
ثم ذكر الحديث أيضاً من طرق أخرى في ترجمة: "عبدالله بن بريدة
عن أبيه" (2314).
فابن حجر ذكر الحديث عن سليمان وعبدالله عن أبيهما! لكنه قال في «تقريب
التهذيب» "باب من نسب إلى أبيه" (ص: 687): "ابن بريدة: هو عبدالله
وأخوه سليمان. قال البزار حيث روى علقمة ابن مرثد ومحارب ومحمد ابن جحادة عن ابن
بريدة فهو سليمان، وكذا الأعمش عندي، وأما من عداهم فهو عبدالله".
فالظاهر أن ابن حجر ساق الحديث بحسب وقوعه له في الأسانيد، ولم
يُرجح الصواب في ذلك! وكأنه رأى أن الحديث محفوظ عن عبدالله وسليمان عن أبيهما!
فإن كان كذلك فقد ناقض نفسه بما أورده في تقريبه عن القاعدة التي
ذكرها عن البزار في معرفة من ابن بريدة إذا لم يُسمّ في الأسانيد! والله أعلم.
·
زيادة في متن حديث مُحارب بن
دِثار من رواية زُبيد اليامي!
وأما حديث زُبَيْد بن الحَارِثِ اليَامِيّ عَنْ مُحَارِبِ بنِ
دِثَار: ففيه
زيادة على حديث ضِرَار بن مُرَّةَ ومُعَرِّف بن واصلٍ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ!!
وقد سبق بيان أن مسلماً رواه مختصراً من حديث أَبي خَيْثَمَةَ زُهَيْر
بن مُعَاوِيَةَ، عَنْ زُبَيْدٍ اليَامِيِّ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنِ
ابنِ بُرَيْدَةَ.
وقد رواه جماعة عن زهير بزيادة: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَهُ قَرِيبٌ مِنْ أَلْفِ
رَاكِبٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ وَعَيْنَاهُ
تَذْرِفَانِ فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ فَفَدَاهُ بِالْأَبِ
وَالْأُمِّ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَكَ؟ قَالَ: إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي
فِي اسْتِغْفَارٍ لِأُمِّي، فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، فَدَمَعَتْ عَيْنَايَ رَحْمَةً
لَهَا مِنَ النَّارِ، وَإِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ
زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُورُوهَا لِتُذَكِّرَكُمْ زِيَارَتُهَا خَيْرًا،
وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَكُلُوا وَأَمْسِكُوا
مَا شِئْتُمْ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ الْأَشْرِبَةِ فِي الْأَوْعِيَةِ فَاشْرَبُوا فِي
أَيِّ وِعَاءٍ شِئْتُمْ، وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا».
أخرجه أحمد في «مسنده» (38/111) (23003) عن حَسَن بن مُوسَى
الأشيب، وأَحْمَد بن عَبْدِالمَلِكِ بن واقد الحرّاني.
وابن حبان في «صحيحه» (12/212) (5390) من طريق عَبْدالرَّحْمَنِ
بن عَمْرٍو البَجَلِيّ الحراني.
والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (12/180) (4743)، والحاكم في «المستدرك»
(1/532) (1391)، وأبو عوانة في «مستخرجه» (5/83) (7882)، جميعاً من طريق عَبْداللَّهِ
بن مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيّ.
والطبراني في «المعجم الأوسط» (6/274) (6398)، والبيهقي في «السنن
الكبرى» (4/128) (7193) من طريق عَمْرِو بنِ خَالِدٍ الحَرَّانِيّ.
كلهم عن زُهَيْر بن مُعَاوِيَةَ، عَنْ زُبَيْد بن الحَارِثِ
اليَامِيّ، به، مطولاً.
قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هذا الحَدِيثَ عَنْ زُبَيْدٍ
اليَامِيِّ إِلَّا زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ" - يقصد بهذا الطول وذكر قصة
أمه.
وقال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ،
وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
·
الحديث حديث سليمان لا عبدالله!
قلت: ابن بريدة هنا هو: سليمان، وقد رُوي من طريق آخر عنه.
أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (3/29) (11808) عن محمد بن عبدالله
الأسدي، عن سُفْيَان، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قال: «لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة
أتى حرم قبر فجلس إليه، فجعل كهيئة المخاطب، وجلس الناس حوله فقام، وهو يبكي
فتلقاه عمر، وكان من أجرأ الناس عليه فقال: بأبي أنت، وأمي يا رسول الله ما الذي
أبكاك؟ قال: «هذا قبر أمي سألت ربي الزيارة فأذن لي، وسألته الاستغفار فلم يأذن لي
فذكرتها فذرفت نفسي فبكيت» قال: فلم يُر يوماً كان أكثر باكياً منه يومئذ».
وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (2/661) (4192) من طريق يَحْيَى بن
يَمَانٍ، عن سُفْيَان، به، مختصراً بلفظ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ زَارَ قَبْرَ أُمِّهِ فِي أَلفِ مُقَنَّعٍ فَمَا رُئِيَ أَكْثَرُ
بَاكِيًا مِنْ ذَلِكَ اليَوْمِ».
قال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ
وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ! إِنَّمَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَحْدَهُ حَدِيثَ مُحَارِبِ
بنِ دِثَارٍ عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي
الِاسْتِغْفَارِ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي»".
·
وهمٌ للحاكم!
قلت: هذا وهم من الحاكم! فإن مسلماً لم يسق لفظ حديث مُحَارِبِ بنِ
دِثَارٍ عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي
الِاسْتِغْفَارِ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي»"! ولهذا قال البيهقي لما
خرّج الحديث في «السنن الكبرى» (4/128): "رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ
عَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى عَنْ زُهَيْرٍ دُونَ قِصَّةِ أُمِّهِ".
قلت: بل لم يسق مسلم إلا إسناد زهير عن اليامي، وأحال على ما قبله
من متن حديث النهي عن زيارة القبور، وعن لحوم الأضاحي، والنهي عن النبيذ!
·
عجب من تصرف الإمام مسلم!
والعجب من الإمام مسلم كيف احتاج لهذا المتن الذي يرويه زهير بن
معاوية عن اليامي في قصة زيارة قبر أمّه! ولم يذكره!!!
بل الأعجب من ذلك أنه ساق أسانيد حديث مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنِ
ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ في النهي عن زيارة القبور، وعن لحوم الأضاحي،
والنهي عن النبيذ! ومنها إسناد زهير عن اليامي! كشاهد لحديث زيارته لقبر أمه!! مع
أن الأسانيد التي ساقها لا يوجد فيها ذكر قصة زيارة أمّه!!! وإنما زيارة القبور
عموماً!!
وأعجب من هذا كلّه أنه لم يسق لفظ حديث سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ
بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ! وفيه ما يتعلق بزيارة قبر أمّه!
ذكر الإمام مسلم في «صحيحه» (2/671) (976) قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى
بنُ أَيُّوبَ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبَّادٍ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - قَالا:
حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ يَزِيدَ - يَعْنِي: ابنَ كَيْسَانَ-،
عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي
فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي».
قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ
حَرْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بنِ كَيْسَانَ،
عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ:
«اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي،
وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا القُبُورَ
فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ».
قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ
عَبْدِاللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، - وَاللَّفْظُ لِأَبِي
بَكْرٍ وَابنِ نُمَيْرٍ - قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي
سِنَانٍ – وَهُوَ: ضِرَارُ بنُ مُرَّةَ-، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنِ ابنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُورُوهَا، وَنَهَيْتُكُمْ
عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ،
وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلَّا فِي سِقَاءٍ، فَاشْرَبُوا فِي
الْأَسْقِيَةِ كُلِّهَا، وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا». قَالَ ابنُ نُمَيْرٍ فِي
رِوَايَتِهِ: "عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ".
قال: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ يَحْيَى، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو
خَيْثَمَةَ، عَنْ زُبَيْدٍ اليَامِيِّ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنِ
ابنِ بُرَيْدَةَ، أُرَاهُ عَنْ أَبِيهِ - الشَّكُّ مِنْ أَبِي خَيْثَمَةَ - عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ح].
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، قال: حَدَّثَنَا
قَبِيصَةُ بنُ عُقْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ [ح].
وحَدَّثَنَا ابنُ أَبِي عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ
بنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِالرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ،
قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُاللهِ بنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي سِنَانٍ.
قلت: حديث يزيد بن كيسان في زيارة قبر أمّه صلى الله عليه وسلم فيه
دليل على زيارة القبور عامة حتى قبور المشركين! والأحاديث الأخرى التي ساقها في
الشواهد الظاهر فيها التخصيص لزيارة قبور المسلمين فقط!
ولهذا أورد النسائي حديث محارب بن دثار وغيره في باب "زِيَارَة
القُبُورِ"، وحديث يزيد بن كيسان في باب "زِيَارَة قَبْرِ المُشْرِكِ".
وكلا الحديثين فيهما نظر! أما حديث يزيد بن كيسان فقد تكلمت عليه
في موضع آخر! وأما هذا الحديث - أعني حديث سليمان بن بريدة - فإنه منقطع! فسليمان
لم يسمع من أبيه كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
·
أحاديث أخرى وقع التصريح فيها بأن
ابن بريدة هو: عبدالله!!
·
وخلطٌ لأبي حاتم الرازي!
قال أبو حاتم الرازي كما في «علل الحديث» (4/439) بعد أن أجاب ابنه
عن علّة طريق لهذا الحديث: "وقَدْ رَوَى هَذَا الحَدِيثَ عَنِ ابنِ بُرَيْدة،
عَنْ أَبِيهِ: أَبُو سِنَان ضِرَارُ بنُ مُرَّة، وزُبَيدٌ اليَامِيُّ، عَنْ مُحَارِب
بنِ دِثَار، وسِماكُ بنِ حَرْبٍ، والمُغِيرةُ بنِ سُبَيْع، وعَلْقَمةُ بنِ
مَرْثَد، والزُّبَيرُ بنِ عَدِي، وعطاءٌ الخُرَاساني، وسَلَمَةُ بن كُهَيل، كلُّهم
عَنِ ابنِ بُرَيْدة، عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم".
قلت: الظاهر من قول أبي حاتم أن "ابن بريدة" هنا هو:
"عبدالله"! لأنه جاء به مصرحاً في بعض الطرق التي ذكرها! ولهذا قال لما
ذكر رواياتهم: "كلهم عن ابن بريدة"!! وكأنه لم ينظر إلى الروايات التي
رويت عن "سليمان بن بريدة" لهذا الحديث! مع أنه ذكر رواية "علقمة
بن مرثد"! وهذه الرواية عن سليمان بن بريدة عن أبيه، ولا اختلاف فيها!!!
وهذا تفصيل للروايات التي ذكرها:
أما رواية مُحَارِب بنِ دِثَار، فقد سبق الكلام عليها.
وأما رواية عَلْقَمةُ بنِ مَرْثَد:
فسبق أن مسلماً أخرجها عن أَبي بَكْر بن أَبِي شَيْبَةَ، عن قَبِيصَة
بن عُقْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ الثوريّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ
بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
وعن حَجَّاج بن الشَّاعِرِ، عن الضَحَّاك بن مَخْلَدٍ أبي عاصم
النبيل، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «نَهَيْتُكُمْ عَنِ الظُّرُوفِ، وَإِنَّ الظُّرُوفَ - أَوْ
ظَرْفًا - لَا يُحِلُّ شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمُهُ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ».
لكن هناك زيادة في متن الحديث لم يذكرها مسلم فيما يتعلق بزيارة
النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمّه!
أما حديث قبيصة عن سفيان:
·
نقد ابن سعد لهذا الحديث!
فأخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (1/94) قال: أَخْبَرَنَا
قَبِيصَةُ بنُ عُقْبَةَ أَبُو عَامِرٍ السُّوَائِيُّ، قال: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ
بنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ،
عَنْ أَبِيهِ قالَ: «لَمَّا فَتْحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَكَّةَ أَتَى جِذْمَ قَبْرٍ فَجَلَسَ إِلَيْهِ وَجَلَسَ
النَّاسُ حَوْلَهُ. فَجَعَلَ كَهَيْئَةِ المُخَاطِبِ. ثُمَّ قَامَ وَهُوَ يَبْكِي.
فَاسْتَقْبَلَهُ عُمَرُ. وَكَانَ مِنْ أَجْرَأِ النَّاسِ عَلَيْهِ. فَقَالَ:
بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا الَّذِي أَبْكَاكَ؟ فَقَالَ:
هَذَا قَبْرُ أُمِّي سَأَلْتُ رَبِّي الزِّيَارَةَ فَأَذِنَ لِي وَسَأَلْتُهُ الاسْتِغْفَارَ
فَلَمْ يَأْذَنْ لِي فَذَكَرْتُهَا فَرَقَقْتُ فَبَكَيْتُ. فَلَمْ يُرَ يَوْمًا
كَانَ أَكْثَرَ بَاكِيًا مِنْ يَوْمَئِذٍ».
قالَ ابنُ سَعْدٍ: "وهَذَا غَلَطٌ! وَلَيْسَ قَبْرُهَا
بِمَكَّةَ وَقَبْرُهَا بِالأَبْوَاءِ"!
قلت: لو صحّ هذا الحديث وأنه صلى الله عليه وسلم زار قبر أمّه لكان
ذاك المكان مشهوراً!
·
تصحيح
الترمذي للحديث!
وأما حديث أبي عاصم النبيل عن سفيان:
فأخرجه الترمذي في «جامعه» (2/361) (1054) قال: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَمَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، والحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ
الخَلاَّلُ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمِ النَّبِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ
كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ، فَقَدْ أُذِنَ لِمُحَمَّدٍ فِي
زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ، فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الآخِرَةَ» مختصراً.
قال الترمذي: "وفِي البَاب عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَابنِ
مَسْعُودٍ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ".
قال: "حَدِيثُ بُرَيْدَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ،
والعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: لا يَرَوْنَ بِزِيَارَةِ القُبُورِ
بَأْسًا، وَهُوَ قَوْلُ ابنِ المُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ،
وَإِسْحَاقَ".
وأخرجه ابن الجارود في «المنتقى» (863) عن مُحَمَّد بن يَحْيَى
الذهلي.
وأبو عوانة في «مستخرجه» (5/83) (7881) عن سُلَيْمَان بن سَيْفٍ
الحَرَّانِيّ.
كلاهما عن أَبي عَاصِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ
مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ
زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا أُذِنَ لَهُ فِي زِيَارَةِ
أُمِّهِ، وَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ أَنْ تُمْسِكُوا
عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِي فَوْقَ ثَلَاثٍ أَرَدْتُ بِذَلِكَ أَنْ يَتَّسِعَ أَهْلُ
السَّعَةِ عَلَى مَنْ لَا سَعَةَ لَهُ، فَكُلُوا وَادَّخِرُوا، وَنَهَيْتُكُمْ
عَنِ الظُّرُوفِ وَإِنَّ ظَرْفًا لَا يَحِلُّ شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمُهُ، وَكُلُّ
مُسْكِرٍ حَرَامٌ».
وأخرجه البزار في «مسنده» (10/327) (4454) عن أحمد بن الوزير
البصري، عن أبي عاصم، به، بلفظ: «أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم فَأَتَى جِذْمَ حَائِطٍ فَجَلَسَ إِلَى قَبْرٍ كَأَنَّهُ
مُخَاطِبٌ فَرَجَعَ فَقَالَ: هَذَا قَبْرُ أُمِّي اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي
زِيَارَتِهِ فَأَذِنَ لِي وَاسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي الاسْتِغْفَارِ فَلَمْ
يَأْذَنْ لِي، فَلَمْ نَرَ يَوْمًا أَكْثَرَ بَاكِيًا مِنْ ذَلِكَ اليَوْمِ».
·
متابعات لأبي عاصم النبيل:
وأخرجه البزار في «مسنده» (10/271) (4373) من طريق محمد بن يوسف الفِريابي.
والبيهقي في «السنن الكبرى» (8/540) (17486) من طريق مُحَمَّد بن
كَثِير العبدي.
كلاهما عن سُفيان الثوري، عَن عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، به.
·
متابعات لسفيان الثوري:
وأخرجه ابن الجعد في «مسنده» (2079) من طريق قيس بن الربيع، عن
علقمة بن مرثد، به، مطولاً.
وأخرجه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (2/152) (844) عن عبدالرحمن
بن عبدالله المَسْعُودِيّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
«رَخَّصَ فِي زِيَارَةِ القُبُورِ».
وأخرجه أبو يوسف القاضي في كتاب «الآثار» (996).
وأبو نُعيم الأصبهاني في «حلية الأولياء» (7/367) من طريق دَاوُدَ بن
نُصير الطَّائِيِّ. وفي «مسند أبي حنيفة» - من تخريجه - (ص149) من طريق مَكِّيّ بن
إِبْرَاهِيمَ البلخي، و(ص154) من طريق مُحَمَّد بن خَالِدٍ الوهبي.
كلهم (أبو يوسف، وداود، ومكيّ، ومحمد بن خالد) عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ ابن بريدة، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ
الْقُبُورِ، فَقَدْ أُذِنَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ» الحَدِيثَ بِطُولِهِ.
·
وهم للإمام الحاكم!
ذكر الحاكم في «المستدرك» (1/530) بعض روايات النهي عن زيارة
القبور، ثم قال: "والنَّاسِخُ لَهَا حَدِيثُ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «قَدْ كُنْتُ قَدْ نَهَيْتُكُمْ، عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا
فَزُورُوهَا»، فَقَدْ أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ، وهَذَا الحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي
الكِتَابَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ لِلشَّيْخَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا".
قلت: هذا من أوهام الحاكم - رحمه الله-! فإن قصد بالحديث المخرج في
الصحيحين حديث علقمة بن مرثد، فهو وهم لأن البخاري لم يخرج لسليمان بن بريدة عن
أبيه!
وإن قصد حديث إذنه في زيارة قبر أمه، فهو وهم كذلك؛ لأن البخاري لم
يُخرجه، وخرجه مسلم لكن ليس من طريق علقمة بن مرثد عن سليمان عن أبيه، وإنما ساق
مسلم الإسناد فقط، ولم يسق المتن.
·
محارب بن دثار وعلقمة بن مرثد:
فالحديث رُوي عن محارب بن دثار وعلقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة
عن أبيه.
ومحارب بن دثار من أقران علقمة كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
وأما رواية سِماك بنِ حَرْبٍ:
فأخرجها البزار في «مسنده» (10/326) (4453) عن سلمة بن شَبِيب،
قَال: حَدَّثنا عَبدالله بن الوزير الطائفي، قَال: حَدَّثنا مُحَمد بنُ جَابِرٍ،
عَنْ سِمَاك بنِ حَرْبٍ، عَنِ القَاسِمِ بنِ عَبدالرَّحْمَنِ، عَن ابنِ بُرَيدة،
عَن أَبيهِ، رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِوَدَّانَ، أَوْ بِالْقُبُورِ،
سَأَلَ الشَّفَاعَةَ لأُمِّه، أَحْسَبُهُ قَالَ: فَضَرَبَ جبريلُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيه وَسَلَّم صَدْرَهُ، وَقال: لا تَسْتَغْفِرْ لِمَنْ مَاتَ مُشْرِكًا،
فَرَجَعَ، وهُو حزينٌ».
قال البزار: "ولا نَعْلَمُ رَوَى هَذَا الحَدِيثَ بِهَذَا
الإِسْنَادِ إلاَّ مُحَمد بنُ جَابِرٍ".
ورواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (3/219) (2966) عن إِسْمَاعِيل
بن إِسْحَاقَ السَّرَّاج النَّيْسَابُورِيّ، قالَ: حدثنا يَحْيَى بنُ يَحْيَى
قَالَ: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ جَابِرٍ، عَنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عَنِ القَاسِمِ بنِ
عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ
الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا، وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا، وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ
الظُّرُوفِ فَاشْرَبُوا فِيمَا شِئْتُمْ، وَلَا تَسْكَرُوا، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ
لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا شِئْتُمْ».
قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِهِ عَنْ سِمَاكٍ إِلَّا مُحَمَّدٌ".
ورواه الدارقطني في «سننه» (5/466) (4677) من طريق محمد بن سليمان لُوَيْن،
عن مُحَمَّد بن جَابِرٍ، به، بلفظ: «نَهَيْتُكُمْ عَنِ الظُّرُوفِ فَاشْرَبُوا
فِيمَا شِئْتُمْ وَلَا تَسْكَرُوا».
قال الدارقطني: "رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ جَابِرٍ،
فَقَالَ: «وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا»، وقَالَ ذَلِكَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ
وَهُوَ إِمَامٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ".
ثم ساقه من حديث أَحْمَد بن إِبْرَاهِيمَ القُوهُسْتَانِيّ، عن
يَحْيَى بن يَحْيَى، عن مُحَمَّد بن جَابِرٍ، بإسناده، بلفظ: «كُنَّا
نَهَيْنَاكُمْ عَنِ الشُّرْبِ فِي الْأَوْعِيَةِ فَاشْرَبُوا فِي أَيِّ سِقَاءٍ
شِئْتُمْ وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا».
قال الدارقطني: "وهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".
قلت: مُحَمَّد بن جَابر بن سيّار بن طلق اليمامي الحنفي أَبُو عبدالله
السحيمي ضعيفٌ جداً، وليس بحجة!
·
متابعة أيوب بن جابر لأخيه محمد
بن جابر!
ورواه أحمد في «مسنده» (38/124) (23017) عن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن
بَهْرام المَرُّوذي، عن أَيُّوب بنُ جَابِرٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنِ القَاسِمِ بنِ
عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «خَرَجْتُ مَعَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِوَدَّانَ
قَالَ: مَكَانَكُمْ حَتَّى آتِيَكُمْ، فَانْطَلَقَ، ثُمَّ جَاءَنَا وَهُوَ ثَقِيلٌ،
فقال: إِنِّي أَتَيْتُ قَبْرَ أُمِّ مُحَمَّدٍ، فَسَأَلْتُ رَبِّي الشَّفَاعَةَ
فَمَنَعَنِيهَا، وَإِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ
فَزُورُوهَا، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثَةِ
أَيَّامٍ فَكُلُوا، وَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ هَذِهِ
الْأَشْرِبَةِ فِي هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ فَاشْرَبُوا فِيمَا بَدَا لَكُمْ».
قلت: أَيُّوب بن جَابِر بن سيار بْن طلق اليمامي السحيمي الحنفي
ليس بشيء!
قال ابن معين: "كَانَ أَيُّوبُ بنُ جَابِرٍ، ومُحَمَّدُ بنُ
جَابِرٍ لَيْسَا بِشَيْءٍ".
وقد أورد العقيلي هذا الحديث في منكرات «أيوب بن جابر» من ترجمته
في «الضعفاء» (1/114)، فرواه من طريق مُحَمَّد بن جَعْفَرٍ الوَرْكَانِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بنُ جَابِرٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنِ القَاسِمِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ،
عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصلاة السَّلَامُ:
«اشْرَبُوا فِيمَا بَدَا لَكُمْ وَلَا تَسْكَرُوا».
قال العقيلي: "لَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، ولَا أَصْلَ
لَهُ مِنْ حَدِيثِ سِمَاكٍ، وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا المَتْنِ شَيْءٌ".
·
وهم لأبي الأحوص سلاّم بن سُليم!
ورواه الطيالسي في «مسنده» (2/710) (1466) قالَ: حَدَّثَنَا
سَلَّامٌ، عَنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عَنِ القَاسِمِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ - وَلَيْسَ بِابْنِ أَبِي مُوسَى-:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اشْرَبُوا ولا
تَسْكَرُوا».
ورواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (5/85) (23940) قال: حدثنا أبو الأحوص،
عن سماك، عن القاسم بن عبدالرحمن، عن أبيه، عن أبي بردة – يعني: ابن نيار-،
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اشربوا في الظروف ولا تسكروا».
ورواه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (4/228) (6541) من طريق عَلِيّ
بن مَعْبَدٍ، وَيَحْيَى بن عَبْدِالحَمِيدِ قَالَا: حدثنا أَبُو الْأَحْوَصِ
سَلَّامُ بنُ سُلَيْمِ الحَنَفِيُّ، عَنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عَنِ القَاسِمِ بنِ
عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
بُرْدَةَ بنِ نِيَارٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الشُّرْبِ فِي
الْأَوْعِيَةِ، فَاشْرَبُوا فِيمَا بَدَا لَكُمْ، وَلَا تَسْكَرُوا».
ورواه النسائي في «السنن الكبرى» (5/105) (5167) عن هَنَّاد بن السَّرِيِّ،
عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنِ القَاسِمِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، به، مثله.
قال النسائي: "هذا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، غَلِطَ فِيهِ أَبُو
الْأَحْوَصِ سَلَّامُ بنُ سُلَيْمٍ لَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا تَابَعَهُ عَلَيْهِ
مِنْ أَصْحَابِ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، وَسِمَاكٌ لَيْسَ بِالقَوِيِّ وَكَانَ
يَقْبَلُ التَّلْقِينَ. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: كَانَ أَبُو الْأَحْوَصِ
يُخْطِئُ فِي هَذَا الحَدِيثِ. خَالَفَهُ شَرِيكٌ فِي إِسْنَادِهِ وَلَفْظِهِ".
ثم ساقه من طريق يزيد بن هارون، عن شَرِيك النخعي، عَنْ سِمَاكِ
بنِ حَرْبٍ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الدُّبَّاءِ، والحَنْتَمِ، والنَّقِيرِ، والمُزَفَّتِ،
ثُمَّ قَالَ: «إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الظُّرُوفِ فَانْتَبِذُوا فِيمَا
بَدَا لَكُمْ وَاجْتَنِبُوا كُلَّ مُسْكِرٍ».
قَال النسائي: "وخَالَفَهُ أَبُو عَوَانَةَ".
ثم ساقه من طريق أَبي عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ قِرْصَافَةَ
امْرَأَةٍ مِنْهُمْ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «اشْرَبُوا وَلَا تَسْكَرُوا».
قَال النسائي: "وهذَا أَيْضًا غَيْرُ ثَابِتٍ، وَقِرْصَافَةُ
هَذِهِ لَا نَدْرِي مَنْ هِيَ! والمَشْهُورُ عَنْ عَائِشَةَ خِلَافُ مَا رَوَتْ
عَنْهَا قِرْصَافَةُ".
قلت: رُوي عن شريك بهذا الإسناد ما يتعلق بزيارة النبي صلى الله
عليه وسلم قبر أمّه! مرسلاً!
رواه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (1/94) عن مَالِك بن
إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيّ أَبي غَسَّانَ، قال: أَخْبَرَنَا شَرِيكُ بنُ عَبْدِاللَّهِ،
عَنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عَنِ القَاسِمِ قَالَ: "اسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ فَأُذِنَ لَهُ، فَسَأَلَ
المَغْفِرَةَ لَهَا فَأُبِيَ عَلَيْهِ".
وهذا مرسل!
ورواه الدارقطني في «السنن» (5/466) (4676) من طريق أَبي غَسَّانَ،
قال: حدثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنِ القَاسِمِ بنِ
عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اشْرَبُوا فِي المُزَفَّتِ
وَلَا تَسْكَرُوا».
قال الدارقطني: "وَهِمَ فِيهِ أَبُو الْأَحْوَصِ فِي
إِسْنَادِهِ ومَتْنِهِ. وقال غَيْرُهُ: عَنْ سِمَاكٍ، عَنِ القَاسِمِ، عَنِ ابنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ: «وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا»".
قال ابنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُولُ: سَمِعْت
أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: "حَدِيثُ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ
عَنْ القَاسِمِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ خَطَأُ
الْإِسْنَادِ، وَالْكَلَامِ، أَمَّا الْإِسْنَادُ، فَإِنَّ شَرِيكًا، وَأَيُّوبَ،
وَمُحَمَّدًا ابْنَيْ جَابِرٍ رَوَوْهُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ القَاسِمِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ
عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، كَمَا رَوَاهُ النَّاسُ: "انْتَبِذُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ، وَلَا
تَشْرَبُوا مُسْكِرًا".
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: "وَكَذَلِكَ أَقُولُ: هَذَا خَطَأٌ،
وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ".
وقال أحمد مرة: "كان أبو الأحوص يخطئ في هذا الحديث، خالفه
شريك في إسناده ولفظه، يقول: عن أبي بردة. فقالوا له: ابن نيار؟ قال: نعم، ومرَّ
فيه، فاحتج به أصحاب الأشربة، إنما الحديث حديث ابن بريدة".
قال ابن أبي حاتم في «العلل» (4/438): وسألتُ أَبَا زُرْعَةَ عَنْ
حَدِيثٍ أَبِي الأَحْوَص، عَنْ سِماك، عَنْ القاسم بن عبدالرحمن، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ أَبِي بُرْدَة؛ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اشْرَبُوا فِي الظُّرُوفِ،
وَلا تَسْكَرُوا»؟
قالَ أَبُو زُرْعَةَ: "وَهِمَ أَبُو الأَحْوَص فقالَ: عَنْ
سِمَاك، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَة! قَلَبَ مِنَ الإِسْنَادِ
مَوْضِعًا، وصحَّف فِي مَوْضِعٍ؛ أمَّا القَلْبُ: فَقَوْلُهُ: «عَنْ أَبِي
بُرْدَة»، أَرَادَ: عَنِ ابنِ بُرَيْدة، ثُمَّ احْتَاجَ أَنْ يَقُولَ: «ابنُ
بُرَيْدة، عَنْ أَبِيهِ»، فقَلَبَ الإِسْنَادَ بِأَسْرِهِ، وأَفْحَشَ فِي الخَطَإِ.
وأَفْحَشُ مِنْ ذَلِكَ وأَشْنَعُ: تصحيفُهُ فِي مَتْنِه: اشْرَبُوا فِي
الظُّرُوفِ، ولا تَسْكَرُوا".
وسئل الدارقطني عن هذا الحديث في «العلل» (6/26) (955)، فقال:
"يَرْوِيهِ أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ أَبِي بُرْدَةَ.
وَاخْتُلِفَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، فَقَالَ عَنْهُ سَعِيدُ بنُ
سُلَيْمَانَ: عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
وَوَهِمَ فِيهِ عَلَى أَبِي الْأَحْوَصِ، وَوَهِمَ فِيهِ أَبُو
الْأَحْوَصِ عَلَى سِمَاكٍ أَيْضًا.
وَإِنَّمَا رَوَى هَذَا الحَدِيثَ سِمَاكٌ، عن القاسم، عن ابن
بريدة، عَنْ أَبِيهِ.
وَوَهِمَ أَيْضًا فِي مَتْنِهِ، فِي قَوْلِهِ: «ولا تَسْكَرُوا»،
والمَحْفُوظُ عَنْ سِمَاكٍ، أَنَّهُ قَالَ: «وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ».
وقال البيهقي في «السنن الصغير» (3/336): "أَجْمَعُوا عَلَى
أَنَّ أَبَا الْأَحْوَصِ وَهِمَ في إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ، وَإِنَّمَا
الرِّوَايَةُ عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ولا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا»".
وأما رواية المُغِيرة بنِ سُبَيْع:
فأخرجها ابن أبي شيبة في «المصنف» (3/30) (11813) عن عُبَيْدَة بن
حُمَيْدٍ.
والبزار في «مسنده» (10/335) (4465) من طريق أَبي يَحْيَى
التَّيْمِيّ.
والنسائي في «السنن الكبرى» (2/465) (2171) من طريق جرِير بن
عبدالحميد.
كلهم عَن أَبِي فَرْوَةَ الهمداني، عَنِ المُغِيرَةِ بنِ سُبَيْعٍ
البَجَلِيِّ، عَن ابنِ بُرَيدة، عَن أَبيهِ، رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ
سَمِعَهُ يَقُولُ: «جَالَسْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم فرأيته
كالحزين، فقال له رجل: مالي أَرَاكَ كَأَنَّكَ حَزِينٌ! قَالَ: ذَكَرْتُ أَنِّي
كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِي أَنْ تَأْكُلُوهَا إلاَّ ثَلاثَةَ
أَيَّامٍ فَكُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا مَا بَدَا لَكُمْ، وَنَهَيْتُكُمْ
عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يَزُورَ قَبْرًا
فَلْيَزُرْهُ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ الدُّبَّاء وَالحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالمُزَفَّتِ
فَاجْتَنِبُوا كُلَّ مُسْكِرٍ، وَاشْرَبُوا فِيمَا بَدَا لَكُمْ».
قلت: في رواية جرير سماه: "عبدالله بن بريدة"! والمحفوظ:
"عن ابن بريدة".
وأَبُو فَرْوَةَ الهَمْدَانِيُّ اسْمُهُ عُرْوَةُ بنُ الحَارِثِ
الكوفي وهو صدوق. وقد تفرد به عن المغيرة بن سبيع! والمغيرة تابعي مستور الحال.
وأما رواية الزُّبَير بنِ عَدِي:
فأخرجها النسائي في «السنن الكبرى» (4/361) (4504) عن العَبَّاس بن
عَبْدِالعَظِيمِ.
وأبو عوانة في «مستخرجه» (5/84) (7884) عن أَبي شَيْبَةَ بن أَبِي
بَكْرِ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَسَعِيد بن مَسْعُودٍ المَرْوَزِيّ.
والبزار في «مسنده» (10/325) (4452) عن إبراهيم بن سَعِيد الجوهري.
وأبو بكر الإسماعيلي في «معجم شيوخه» (2/556) (192) من طريق إِبْرَاهِيم
بن عَبْدِاللَّهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي شَيْبَةَ.
كلهم عَنِ أَبي الجَوَّابِ الْأَحْوَصِ بنِ جَوَابٍ، عَنْ عَمَّارِ
بنِ رُزَيْقٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّبَيْرِ بنِ عَدِيٍّ، عَنِ ابنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ، وَعَنِ
النَّبِيذِ إِلَّا فِي سِقَاءٍ، وَعَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ، فَكُلُوا مِنْ
لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ مَا بَدَا لَكُمْ وَتَزَوَّدُوا وَادَّخِرُوا، وَمَنْ
أَرَادَ زِيَارَةَ الْقُبُورِ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ، وَاشْرَبُوا
وَاتَّقُوا كُلَّ مُسْكِرٍ».
قال البزار: "وهذَا الحَدِيثُ لا نعلَمُ رَوَاهُ عَن أَبِي
إِسْحَاقَ إلاَّ عَمَّارُ بنُ رُزَيْقٍ، ولاَ نَعْلَمُ رَوَى الزُّبَيْرُ بنُ
عَدِيّ عَنْ عَبداللَّهِ بنِ بُرَيدة، عَن أَبيهِ غَيْرَ هَذَا الحَدِيثِ".
قلت: لا يُحتمل عن أبي إسحاق! تفرد به أبو الجواب بهذا الإسناد!
قال ابن معين: "ثقة"، وقال مرة: "ليس بذاك
القوي".
وقال أبو حاتم: "صدوق".
وقال ابن حبان في «الثقات»: "كان متقناً، ربما وهم".
قلت: إن صح فلا يصح أن ابن بريدة هو "عبدالله"! والمحفوظ
أنه "سليمان".
وأما رواية عطاء الخُرَاساني:
فأخرجها مسلم كما تقدّم من طريق عَبْدِالرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ،
عَنْ عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، قالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُاللهِ بنُ بُرَيْدَةَ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهو في «مصنف عبدالرزاق» (3/569) (6708).
ورواه أحمد في «مسنده» (38/113) (23005) عن عَبْدالرَّزَّاقِ.
قلت: كذا وقعت تسميته «عبدالله بن بريدة»! ووقع غير مسمى في رواية
أخرى من الطريق نفسها! فيشبه أن تكون تسميته من عبدالرزاق أو معمر! والله أعلم.
رواه عبدالرزاق أيضاً في «مصنفه» (9/208) (16957) عَنْ مَعْمَرٍ،
عَنْ عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابنِ بُرَيْدةَ، عَنْ أَبِيهِ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي كُنْتُ
نَهَيْتُكُمْ عَنْ نَبِيذِ الجَرِّ فَانْتَبَذُوا فِي كُلِّ وَعَاءٍ وَاجْتَنِبُوا
كُلَّ مُسْكِرٍ».
ورواه الروياني في «مسنده» (1/68) (17) عن سَلَمَة بن شَبِيبٍ، عن
عَبْدالرَّزَّاقِ، به.
ورواه الطبراني في «مسند الشاميين» (3/347) (2443) من طريق عُثْمَان
بنِ عَطَاء بن أبي مسلم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ
الأسلمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ «حَلَّ نَبِيذَ الجَرِّ بَعْدَ إِذْ حَرَّمَهُ».
قلت: عثمان بن عطاء ضعيف، ولعل تسمية ابن بريدة منه! وسياق متنه
مختلف عما سبقه من روايات.
وأما رواية سَلَمَة بن كُهَيل:
فأخرجها أحمد في «مسنده» (38/122) (23015) قال حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، قال: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
إِسْحَاقَ، عَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ أَنَّهُ حَدَّثَ، عَنْ عَبْدِاللهِ
بنِ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ بُرَيْدَةَ بنِ حُصَيْبٍ،
عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «كُنْتُ
نَهَيْتُكُمْ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُورُوهَا؛ فَإِنَّ فِي
زِيَارَتِهَا عِظَةً وَعِبْرَةً، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ
فَوْقَ ثَلَاثٍ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا، وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ فِي هَذِهِ
الْأَسْقِيَةِ فَاشْرَبُوا، وَلَا تَشْرَبُوا حَرَامًا».
ورواه البزار في «مسنده» (10/313) (4436) عن الفضل بن سَهْل، قَال:
حَدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ إِبْرَاهِيمَ بنِ سَعْد، عَن أَبيهِ، عَن مُحَمد بنِ
إِسْحَاقَ، عَن سَلَمة بنِ كُهَيل، عَن ابْنِ بُرَيدة، عَن أَبيهِ،
رَضِي اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم رَخَّصَ
فِي الظُّرُوفِ بَعْدَ مَا نَهَى عَنْهَا».
قال البزار: "ولا نَعْلَمُ رَوَى سَلَمة بنُ كُهَيل، عَن ابنِ
بُرَيدة، عَن أَبيهِ غَيْرَ هَذَا الحَدِيثِ، ولاَ رَواه عَنْ سَلَمَةَ إلاَّ
مُحَمد بن إسحاق".
قلت: إسناد أحمد والبزار نفسه! عُيّن ابن بريدة في رواية أحمد، ولم
يُعين في رواية البزار!
والحديث من رواية محمد بن إسحاق، وفيه كلام! وقد تفرد به عن سلمة
بن كهيل!
والخلاصة أنّ رواية هذا الحديث من كل طرقه إنما الصواب فيها «عن
سليمان بن بريدة» لا «عبدالله»!
وعليه فقد أخطأ من جعل سليمان بن بريدة متابعاً لأخيه عبدالله أو
العكس! كما فعل الألباني في «إرواء الغليل» (3/225) حيث قال: "وسليمان بن بريدة
قد تابعه أخوه عبدالله، وعنه سلمة بن كهيل بلفظ: كنت نهيتكم عن زيارة القبور
فزوروها، فإن في زيارتها عظة وعبرة"!!
·
روايات أخرى لهذا الحديث:
وقد رُوي هذا الحديث من طرق أخرى، منها:
·
رواية أبي جَنابٍ يحيى بن أبي
حَيَّة الكَلْبي:
أخرجها أحمد في «مسنده» (38/145) (23038) عن حُسَيْن بن مُحَمَّدٍ،
قال: حَدَّثَنَا خَلَفٌ - يَعْنِي: ابنَ خَلِيفَةَ-، عَنْ أَبِي جَنَابٍ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا غَزْوَةَ الْفَتْحِ، فَخَرَجَ يَمْشِي إِلَى القُبُورِ
حَتَّى إِذَا أَتَى أَدْنَاهَا جَلَسَ إِلَيْهِ كَأَنَّهُ يُكَلِّمُ إِنْسَانًا جَالِسًا
يَبْكِي قَالَ: فَاسْتَقْبَلَهُ عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ
جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يَأْذَنَ لِي فِي
زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّ مُحَمَّدٍ، فَأَذِنَ لِي فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَأْذَنَ لِي
فَأَسْتَغْفِرَ لَهَا فَأَبَى، إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ ثَلَاثَةِ
أَشْيَاءَ: عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ أَنْ تُمْسِكُوا بَعْدَ ثَلَاثَةِ
أَيَّامٍ، فَكُلُوا مَا بَدَا لَكُمْ، وَعَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَمَنْ شَاءَ
فَلْيَزُرْ؛ فَقَدْ أُذِنَ لِي فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّ مُحَمَّدٍ، وَمَنْ
شَاءَ فَلْيَدَعْ، وَعَنِ الظُّرُوفِ تَشْرَبُونَ فِيهَا الدُّبَّاءَ والْحَنْتَمَ
وَالْمُزَفَّتَ وَأَمَرْتُكُمْ بِظُرُوفٍ، وَإِنَّ الْوِعَاءَ لَا يُحِلُّ
شَيْئًا، وَلَا يُحَرِّمُهُ، فَاجْتَنِبُوا كُلَّ مُسْكِرٍ».
ورواه الخطيب البغدادي في «موضح أوهام الجمع والتفريق» (2/541) من
طريق شريك بن عبدالله النَّخَعي، عن أبي جناب يحيى بن أبي حية الكلبي، بهذا
الإسناد.
ورواه أحمد أيضاً في «مسنده» (38/156) (23052) عن وَكِيع، عن أَبي
جَنَابٍ، به، مختصراً: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُورُوهَا،
وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا».
وأبو جناب يحيى بن أبي حَيَّة الكَلْبي مشّاه بعض أهل العلم، وهو
ضعيف.
·
رواية حماد بن خُوَار الضبي
الكُوفِيّ:
أخرجها الدارقطني في «المؤتلف والمختلف» (2/925) من طريق هِشَام بن
عَمَّار، قال: حَدَّثَنا [حمّاد بن] عبدالرَّحْمن الكلبي، قال: حَدَّثَنا
حماد بن خُوَار الضَّبِيّ، عن عَبدالله بن بُرَيْدة الأَسْلَمِيّ، عن أبيه قال: «خطبنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة تصيب أغصانها وجهه فقال: ألا إنا كنا
نهيناكم عن ثلاث: عن زيارة القبور فزوروها فإنها عبرة، ونهيناكم عن لحمان الأضاحي
أن تأكلوها بعد ثلاث، فأصلحوها وكلوها، ونهيناكم عن الأنبذة إلا في الأسقية الأدم
التي يوكا عليها، فانتبذوا في ما شئتم، وكل مسكر حرام».
قلت: سقط من المطبوع "حماد بن" وهو ابن عبدالرحمن
الكلبي. وهو الذي يروي عنه هشام بن عمار.
قال ابن ماكولا في «الإكمال» (3/201): "حماد بن خوار الضبي
الكوفي، وقيل أنه تميمي، يروي عن عبدالله بن بريدة، روى عنه: حماد بن عبدالرحمن
الكلبي".
وحماد هذا شيخ مجهول الحال!
وحماد بن عبدالرحمن الكلبي، قال فيه أبو حاتم: "شيخ مجهول،
منكر الحديث، ضعيف الحديث".
وقال أبو زرعة الرازي: "يروي أحاديث مناكير".
·
هل روى عبدالله بن بريدة هذا
الحديث عن أبيه؟!
روى ابن عدي في «الكامل» (5/531) في ترجمة «عُبَيدالله بن عَبدالله
أبي المنيب الهروي» من طريق أَبي تُمَيْلَةَ يحيى بن واضح، عَن أَبِي المُنِيبِ،
عَنْ عَبداللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَلاثِ خِلالٍ ثُمَّ
رَخَّصَ فِيهِنَّ: عَنْ نَبِيذِ الجَرِّ، وَعَنْ لُحُومِ الأَضَاحِي، وَعَنْ
زِيَارَةِ القُبُورِ، ثُمَّ رَخَّصَ فِيهِنَّ، فَقَالَ: انْبُذُوا فِيهَا مَا
بَدَا لَكُمْ، وَاجْتَنِبُوا كُلَّ مُسْكِرٍ، وَكُلُوا وَادَّخِرُوا مِنْ لُحُومِ
الأَضَاحِي، وَزُورُوا الْقُبُورَ، ولاَ تَقُولُوا إِلا حَقًّا».
وأبو المنيب وثقه ابن معين.
وقال ابن معين: "روى عنه علي بن الحسين بن واقد، وأبو تميلة نسخة".
وقال أحمد: "ما أنكر حديث حسين بن واقد وأبي المنيب عن ابن
بريدة".
وقَال البُخارِيُّ: "عنده مناكير".
وقال عَبْدالرَّحْمَنِ بن أَبي حَاتِم: سمعت أَبِي يَقُول: "هُوَ
صَالِح"، وأنكر عَلَى الْبُخَارِي إدخاله فِي كتاب الضعفاء، وَقَال: "يحوّل
منه".
وقال النسائي: "ثقة"، وقال في موضع آخر: "ضعيف".
وقال الآجري عن أبي داود: "ليس به بأس".
وقال الحاكم أبو أحمد: "ليس بالقوي عندهم".
وقال الحاكم أبو عبدالله: "مروزي ثقة يجمع حديثه".
وقال أبو أحمد ابن عدي: "روى عنه النضر بن شميل أحاديث مستقيمة".
وقال أيضاً: "وهُوَ عندي لا بأس به".
وقال البيهقي: "لا يحتج بحديثه".
وقال الساجي: "عنده مناكير، امتنع ابن المبارك أن يأتيه".
وقال ابن حبان: "يروي عَن عبدالله بن بُرَيْدَة، روى عَنهُ
أهل بَلَده. ينْفَرد عَن الثِّقَات بالأشياء المقلوبات! يجب مجانبة مَا يتفرد بِهِ
وَالِاعْتِبَار بِمَا يُوَافق الثِّقَات دون الِاحْتِجَاج بِهِ".
وقال العقيلي: "لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ".
وقال ابن حجر: "صدوق يُخطئ".
قلت: هو ضعيف ولا يحتج به! وروايته عن عبدالله بن بريدة منكرة! وما
يرويه عنه أبو تميلة نسخة، وكأنها منكرة!
وعليه فلا يثبت أن عبدالله بن بريدة روى هذا الحديث عن أبيه! وإنما
رُوي عن سليمان بن بريدة عن أبيه!
·
حديث آخر يدلّ على اختلاط اسم
سليمان بن بريدة بأخيه عبدالله!!
روى أحمد في «مسنده» (38/161) (23061) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالصَّمَدِ،
قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بنُ مُسْلِمٍ، قال: حَدَّثَنَا ضِرَارٌ أَبُو
سِنَانٍ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ بُرَيْدَةَ،
عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَهْلُ
الجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ، هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنْ ذَلِكَ ثَمَانُونَ
صَفًّا».
كذا جاء في هذا الإسناد: «عبدالله بن بريدة»!
ورواه الإمام أحمد أيضاً (38/110) (23002) بالإسناد نفسه، ولم
يُسمّه!!!
قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالصَّمَدِ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ
بنُ مُسْلِمٍ، قال: حَدَّثَنَا ضِرَارٌ - يَعْنِي: ابنَ مُرَّةَ - أَبُو سِنَانٍ
الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ،
عن أبيه، به.
قلت: الحديث في غالب طرقه يُروى «عن ابن بريدة» لا يُسمى! وفي بعض
طرقه «عن سليمان بن بريدة»! والحديث حديثه، ويبدو أن التسمية التي جاء في رواية
أحمد من بعض الرواة أو النسّاخ! أو من أحمد نفسه، والله أعلم.
ورواه أحمد أيضاً في «مسنده» (38/23) (22940) عن عَفَّان بن مسلم
الصفّار، عن عَبْدالعَزِيزِ بن مُسْلِمٍ القسملي، عن أَبي سِنَانٍ، عَنْ مُحَارِبِ
بنِ دِثَارٍ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عن رَسُول اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ورواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (8/232) (8493) من طريق
إِسْحَاق بن عُمَرَ بن سليط الهذلي البصري، عن عَبْدالعَزِيزِ القسملي، عن ضِرَار
بن مُرَّةَ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، به.
قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ ضِرَارٍ
إِلَّا عَبْدُالعَزِيزِ"!
·
هل روى ضرار بن عمرو الملطي هذا
الحديث؟! ووهم لابن عدي!!
ورواه ابن عدي في «الكامل» (5/160) في ترجمة «ضرار بن عَمْرو الملطي»
عن القَاسِم بن اللَّيْثِ بنِ مَسْرُورٍ، عن عَبداللَّهِ بن مُعَاوِيَةَ، عن عَبدالعَزِيزِ
بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ ضِرَارِ بنِ عَمْرو، عَنْ مُحَارِبِ بنِ
دِثَارٍ، عنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، به.
فجعل هذا من مناكير ضرار بن عمرو!
قال يَحْيى بن مَعِين: "ضرار بن عَمْرو: ليس بشَيْءٍ، ولا
يكتب حديثه".
ولما ذكر الذهبي في «الميزان» هذا الحديث من منكرات «ضرار بن عمرو»
تعقبه الحافظ ابن حجر في «اللسان» وقال: "وحديث بريدة ليس هو من منكراته كما
هنا فقد رواه ضرار بن مرة الثقة الثبت عن محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة، عَن
أبيه، به. أخرجه الترمذي من طريقه وقال: حسن. وقد روي عن علقمة بن مرثد، عَنِ ابن
بريدة، عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يعني مرسلاً. قلت: ولكن اختلف
فيه على علقمة فوصله الحسين بن حفص عن الثوري عنه، والله أعلم".
قلت: وهم ابن عدي في وضع هذا الحديث في ترجمة «ضرار بن عمرو»!!
والصواب أنه من رواية «ضرار بن مرة».
فقد رواه أبو يعلى الموصلي كما في «معجمه» (211) قال: حَدَّثَنَا
عَبْدُاللَّهِ بنُ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيُّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بنُ
مُسْلِمٍ - يَعْنِي القَسْمَلِيَّ -: حَدَّثَنَا ضِرَارُ بنُ مُرَّةَ،
عَنْ مُحَارِبٍ، به.
قلت: فهذا الطريق نفسه الذي رواه منه ابن عدي! وكأنه تحرّف في
نسخته أو في النسخة التي اعتمد عليها، فتحرفت «مرة» إلى «عمرو»!!
فالحديث حديث «ضرار بن مرة» ولا علاقة لـ «ضرار بن عمرو» به! ولم
يروه ابن عمرو حتى يكون متابعاً لابن مرة كما قال ابن حجر!!!
وقد تابع ضرار بن مرة عليه: مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلِ بنِ غَزْوَانَ:
رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (6/315) (31713) عن مُحَمد بن
فُضَيْلٍ، عن أبي سنان ضِرَار بن مرة، عَن مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَن ابنِ
بُرَيدة، عَن أَبيهِ، عن رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم، به.
ورواه الترمذي في «جامعه» (4/264) (2546) عن حُسَيْن بن يَزِيدَ
الطَّحَّان الكُوفِيّ.
والبزار في «مسنده» (10/264) (4362) عن مُحَمَّد بن المُثَنَّى.
وابن حبان في «صحيحه» (16/498) (7459) عن مُحَمَّد بن زُهَيْرٍ أَبي
يَعْلَى، عن مُحَمَّد بن المُثَنَّى البصري.
والحاكم في «المستدرك» (1/155) (273) عن أَبي العَبَّاسِ مُحَمَّد
بن يَعْقُوبَ، عن أَحْمَد بن عَبْدِالجَبَّارِ العطارديّ.
كلهم عن محمد بن فُضيل، به.
·
تنبيه على خطأ في مطبوع مسند
البزار!
ووقع في مطبوع «مسند البزار»: "ضرار بن عمرو"! وهو خطأ!
والصواب: "ضرار بن مرة" كما في رواية ابن حبان من طريق محمد بن المثنى.
قال الترمذي: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا
الحَدِيثُ عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلاً، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ:
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ. وَحَدِيثُ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ
مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ حَسَنٌ".
وقال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ
عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ".
قلت: أما حديث علقمة بن مرثد، فروي متصلاً، ورُوي مرسلاً!
رواه ابن ماجه في «سننه» (2/1434) (4289) من طريق حُسَيْن بن
حَفْصٍ الْأَصْبَهَانِيّ.
والدارمي في «سننه» (3/1873) (2877)، والبزار في «مسنده» (10/263)
(4361) من طريق مُعَاوِيَة بن هِشَامٍ.
وابن حبان في «صحيحه» (16/499) (7460) من طريق مُؤَمَّل بن إِسْمَاعِيل.
والحاكم في «المستدرك» (1/155) (274) من طريق الحُسَيْن بن حَفْصٍ،
ومُؤَمَّل بن إِسْمَاعِيلَ: حدثنا سُفْيَانُ، وعَمْرُو بن مُحَمَّدٍ العَنْقَزِيّ.
كلهم عن سُفْيَان الثوري، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ
بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَهْلُ الجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ، ثَمَانُونَ
مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ».
وفي رواية الدارمي: "عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ -
قَالَ: أُرَاهُ - عَنْ أَبِيهِ".
قال الحاكم: "أَرْسَلَهُ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ
وَعَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ عَنِ الثَّوْرِيِّ".
وأخرجه الحسين المروزي في زياداته على كتاب «الزهد» لابن المبارك
(1572) عن مُؤَمَّل بن إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ
مَرْثَدٍ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، مرسلاً.
وأصل هذا الحديث من قول كعب الأحبار.
رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (6/315) (31716) من طريق عبدالله بن
شقيق، عن قيس بن عباد، عن كعب قال: «أهل الجنة عشرون ومائة صف، ثمانون من هذه
الأمة».
الحديث الخامس: في قضاء الصوم عن الميت:
قال مسلم في «صحيحه»، كتاب الصوم، (2/805) (1149): حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ أَبُو
الحَسَنِ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ بُرَيْدَةَ،
عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قال: بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ،
فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ،
قَالَ: فَقَالَ: «وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ المِيرَاثُ» قَالَتْ: يَا
رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟
قَالَ: «صُومِي عَنْهَا» قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أَفَأَحُجُّ
عَنْهَا؟ قَالَ: «حُجِّي عَنْهَا».
قال: وحَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، قال: حَدَّثَنَا
عَبْدُاللهِ بنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قالَ: كُنْتُ جَالِسًا
عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ ابنِ
مُسْهِرٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: صَوْمُ شَهْرَيْنِ.
قال: وحَدَّثَنَا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ،
أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عَطَاءٍ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ،
عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ، وَقَالَ: صَوْمُ شَهْرٍ.
وحَدَّثَنِيهِ إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُاللهِ
بنُ مُوسَى، عَنْ سُفْيَانَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَالَ: صَوْمُ شَهْرَيْنِ.
وحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي خَلَفٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ
يُوسُفَ، حَدَّثَنَا عَبْدُالمَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ
عَطَاءٍ المَكِّيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ، وَقَالَ: صَوْمُ شَهْرٍ.
قلت: خرّج مسلم هذا الحديث من طرق كثيرة عن عبدالله بن عطاء المكي.
فرواه عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، وعَبْدُاللهِ بنُ نُمَيْرٍ، والثَّوْرِيُّ،
كلهم عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ
أَبِيهِ.
ثم ختم برواية عَبْدالمَلِكِ بن أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ
عَبْدِاللهِ بنِ عَطَاءٍ المَكِّيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ
أَبِيهِ.
فختم برواية عبدالملك التي فيها أن "سليمان بن بريدة" قد
رواه أيضاً عن أبيه!
فهل أراد مسلم أن يُبيّن أن سليمان تابع عبدالله في روايته أم أراد
بيان وهم عبدالملك في تسمية ابن بريدة؟!! ولهذا أخّر هذه الرواية في آخر الباب على
قول من يقول بأن مسلماً إذا أراد بيان تعليل حديث أخّره في نهاية الباب!!
فالظاهر أن مسلماً أراد بيان وهم عبدالملك بن أبي سليمان في تسمية
ابن بريدة بأنه "سليمان"! لأن الرواة الثقات رووه عن عبدالله بن عطاء
وسموه "عبدالله".
·
تخريج الحديث:
أما حديث عَلِيّ بن مُسْهِرٍ:
فأخرجه الترمذي في «جامعه» (2/48) (667)، و(2/261) (929) عن عَلِيّ
بن حُجْرٍ، عن عَلِيّ بن مُسْهِرٍ، به.
وأما حديث عَبْداللهِ بن نُمَيْرٍ:
فأخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (3/59) (12087)، و(4/356) (20999)،
و(7/284) (36121) عن عبدالله بن نمير، به. مختصراً. وفيه: "عن ابن بريدة"!
لا كما نقله مسلم عنه: "عن عبدالله بن بريدة"!
وأخرجه أحمد في «مسنده» (38/140) (23032) عن ابن نُمَيْرٍ، به.
بطوله. وفيه "عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ".
وأما حديث الثوريّ:
فأخرجه عبدالرزاق في «مصنفه» (9/120) (16587) عن الثوري، به.
وأخرجه الترمذي في «جامعه» (2/261) (929) عن مُحَمَّد بن
عَبْدِالأَعْلَى الصنعاني البصري.
وابن ماجه في «سننه» (2/642) (1759) عن زُهَيْر بن مُحَمَّدٍ
المروزي.
وأبو عوانة في «مستخرجه» (2/217) (2905) عن إسحاق بن إبراهيم الدَّبَرِيّ.
كلهم عَنْ عَبْدِالرَّزَّاقِ، به.
وأخرجه أبو عوانة أيضاً (2906) عن أَبي أُمَيَّةُ، عن
عُبَيْداللَّهِ بن مُوسَى، عن الثَّوْرِيّ، به.
وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (4/386) (8018) من طريق سَعِيد بن
مَسْعُودٍ، عن عُبَيْداللَّهِ بن مُوسَى، عن ابن أَبِي لَيْلَى، والثَّوْرِيّ، به.
ورواه عن الثوري أيضاً: وكيع بن الجراح والقَاسِمُ بنُ يَزِيدَ
الجَرْمِيُّ:
أما حديث وكيع:
فأخرجه أحمد في «مسنده» (38/70) (22971)، (38/157) (23054) عن وَكِيع،
عن الثوري.
وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (6/101) (6281) عن مُحَمَّد بن
عَبْدِاللهِ بنِ المُبَارَكِ المُخَرِّمِيّ.
وابن ماجه في «سننه» (3/474) (2394) عن عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ
الطنافسي.
كلاهما عن وَكِيع، عَنْ سُفْيَانَ الثوري، به. واقتصر ابن ماجه على
قصة الجارية فقط.
وأما حديث القاسم بن يزيد الجرمي:
فأخرجه أبو عوانة في «مستخرجه» (2/217) (2904) عن عَلِيّ بن
حَرْبٍ، عن القَاسِم بن يَزِيدَ الجَرْمِيّ، عَنْ الثوري، به.
·
وهم لعبدالمجيد بن عبدالعزيز بن
أبي رَوّاد في رواية هذا الحديث عن سفيان!
وقد أخرج الطبراني في «مسند الشاميين» (3/349) (2446) قال:
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بنُ أَحْمَدَ، حدثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِاللَّهِ المَقْدِسِيُّ،
حدثَنَا عَبْدُالمَجِيدِ بنُ عَبْدِالعَزِيزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فذكر الحديث بطوله.
قلت: كذا قال عبدالمجيد بن عبدالعزيز ابن أبي رواد، عن سفيان
الثوري: «عن عطاء الخراساني»!! فوهم! والحديث يرويه أصحاب سفيان عنه عن «عبدالله
بن عطاء».
فكأنه سقط من الإسناد عنده أو من حفظه «عبدالله بن» فصار «عن عطاء»
فنسبه فقال: «عطاء الخراساني»! والله أعلم.
ورواه عن عبدالله بن عطاء أيضاً: زُهَيْر بنُ مُعَاوِيَةَ، وإِسْمَاعِيلُ
بنُ زَكَرِيَّا، وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير، ومحمد بن عبدالرحمن بنُ أَبِي
لَيْلَى، ومروان بن معاوية الفزاري، والحَسَن بن الحُرِّ، وحَبّانُ بنُ عَلِيٍّ
العنزي الكوفي، وأخوه مَنْدَلُ بنُ عَلِيٍّ.
أما حديث زهير بن معاوية:
فأخرجه أبو داود في «سننه» (3/91) (1656)، و(4/501) (2877)،
و(5/197) (3309)، و(5/404) (3545) عن أحمد بن عبدالله بن يونس.
وأخرجه النسائي في «سننه» (6/102) (6283) من طريق سُوَيْد بن
عَمْرٍو الكَلْبِيّ، وحُسَيْن بن عَيَّاشٍ البَاجَدَّائِيّ.
كلاهما عن زُهَيْر بن مُعَاوِيَةَ، عن عَبْداللهِ بن عَطَاءٍ، به.
وأما حديث إسماعيل بن زكريا:
فأخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (1/109)
(248) عن إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَطَاءٍ، به.
وأما حديث أبي معاوية الضرير:
فأخرجه الحاكم في «المستدرك» (4/386) (8017) من طريق أَحْمَد بن
عَبْدِالجَبَّارِ.
وأبو نُعيم في «المستخرج على صحيح مسلم» (3/225) من طريق أَبي
خَيْثَمَةَ زهير بن حرب.
كلاهما عن أَبي مُعَاوِيَةَ محمد بن خازم الضرير، عن عَبْداللَّهِ
بن عَطَاءٍ، به.
وأما حديث ابن أبي ليلى:
فأخرجه الروياني في «مسنده» (1/92) (63) عن أَبي عَلِيٍّ الحَسَن
بن الرُّزِّيِّ.
والنسائي في «السنن الكبرى» (6/102) (6282) من طريق أَبي مُوسَى مُحَمَّد
بن المُثَنَّى.
كلاهما عن عُبَيْداللهِ بن مُوسَى، عن ابن أَبِي لَيْلَى، عَنْ
عَبْدِاللهِ بنِ عَطَاءٍ، به.
وأما حديث مَرْوَان بن مُعَاوِيَةَ الفزاري:
فرواه الشافعي كما في «مسنده» (ص: 308) قال: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ،
أَوْ سَمِعْتُ مَرْوَانَ بنَ مُعَاوِيَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ
عَطَاءٍ المَدَنِيِّ، به.
وأخرجه أبو نُعيم في «المستخرج على صحيح مسلم» (3/225) من طريق مُحَمَّد
بن خَلادٍ.
والبيهقي في «السنن الكبرى» (4/255) (7635) من طريق
عَبْدالرَّحْمَنِ بن بِشْرٍ.
كلاهما عن مَرْوَان بن مُعَاوِيَةَ، به.
وأما حديث الحَسَنِ بنِ الحُرِّ:
فأخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» (1/111) (168) من طريق هِشَام
بن عَمَّارٍ، عن مُحَمَّد بن شُعَيْبٍ، عن ابن ثَوْبَانَ، عَنِ الحَسَنِ بنِ
الْحُرِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَطَاءٍ، به.
وأما حديث حبّان بن عليّ العنزي:
فأخرجه أبو نُعيم في «المستخرج على صحيح مسلم» (3/224) من طريق أَبي
الرَّبِيعِ سليمان بن داود الزهراني.
وابن عساكر في «معجمه» (1/397) من طريق محمد بن سليمان المصيصي
لُوين.
كلاهما عن حَبّان بن عَلِيٍّ، عن عَبْدِاللَّهِ بنِ عطاء، به.
وأما حديث مَندل بن عليّ:
فأخرجه أبو نُعيم في «المستخرج على صحيح مسلم» (3/225) من طريق يَحْيَى
بن عَبْدِالحَمِيدِ الحماني، عن مَنْدَل بن عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ
عَطَاءٍ، به.
·
حديث عَبْدِالمَلِكِ بنِ أَبِي
سُلَيْمَانَ العَرْزَمي، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عَطَاءٍ المَكِّيِّ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ! ووهمه في تسمية «ابن بريدة»!
وأما حديث عبدالملك بن أبي سليمان فأخرجه أحمد في «مسنده» (38/52)
(22956) عن إِسْحَاق بن يُوسُفَ الْأَزْرَق، عَنْ عَبْدِالمَلِكِ بنِ أَبِي
سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عَطَاءٍ المَكِّيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ، فذكره.
وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (6/101) (6280) عن عَبْداللهِ بن
مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ الأَذْرَمِيّ، وعَبْدالرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدِ بنِ
سَلَّامٍ الطَّرَسُوسِيّ، عن إِسْحَاق الأَزْرَق، به.
قال النسائي: "هذَا خَطَأٌ، وَالصَّوَابُ عَبْدُاللهِ بنُ بُرَيْدَةَ".
قلت: وهم عبدالملك في تسمية ابن بريدة! فقال: "عن سليمان بن
بريدة"! والصواب أنه "عن عبدالله بن بريدة".
·
الحكم على الحديث:
صححه مسلم بتخريجه له في «صحيحه».
وقال الترمذي: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، لاَ يُعْرَفُ
هَذَا مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ إِلاَّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَعَبْدُاللهِ بنُ
عَطَاءٍ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ".
قال: "والعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ
العِلْمِ: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ثُمَّ وَرِثَهَا حَلَّتْ
لَهُ. وقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا الصَّدَقَةُ شَيْءٌ جَعَلَهَا لِلَّهِ، فَإِذَا
وَرِثَهَا، فَيَجِبُ أَنْ يَصْرِفَهَا فِي مِثْلِهِ".
وقال الحاكم: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ
يُخَرِّجَاهُ".
قلت: الحديث تفرد به عبدالله بن عطاء! ولم يروه عن عبدالله بن
بريدة إلا هو!
وقد اختلف أهل العلم فيه! اختلفوا في شخصه، وفي حاله!
قال عبّاس الدوري: سَمِعت يحيى يَقُول: "عبدالله بن عَطاء:
كوفي ثِقَة".
وقال أيضاً: سَمِعت يحيى يَقُول: "قد سمع ابن نمير من عبدالله
بن عَطاء، سمع مِنْهُ أَبُو مُعَاوِيَة، وَسمع مِنْهُ مَرْوَان بن مُعَاوِيَة
الفَزارِيّ".
قَالَ يحيى: "وَقد روى أَبُو إِسْحَاق السبيعِي عَن عبدالله
بن عَطاء هَذَا، وَكَانَ عبدالله بن عَطاء هَذَا كوفياً، وَكَانَ ينزل مَكَّة،
وَقد روى عَنهُ حبَان - يَعْنِي ابن عَليّ – أَيْضاً".
وقال عباس: وَسُئِلَ يحيى عَن عبدالله بن عَطاء صَاحب ابن
بُرَيْدَة؟ فَقَالَ: "ثِقَة".
وقال أبو داود: قلت لأحمد: عبدالله بن عطاء، حدّث عنه سفيان، عن
أبي جعفر؟ قال: "هذا صاحب حديث عقبة بن عامر".
قال أبو داود: "هو صالح، يعني عبدالله بن عطاء".
وقال الترمذي في «العلل الكبير» (ص: 390): قالَ مُحَمَّدٌ - يعني
البخاري-: "عَبْدُاللَّهِ بنُ عَطَاءٍ ثِقَةٌ مَكِّيُّ".
وقال النسائي في «السنن الكبرى» (7/449) بعد أن روى له حديثاً:
"عَبْدُاللهِ بنُ عَطَاءٍ لَيْسَ بِالقَوِيِّ فِي الحَدِيثِ".
وقال في «الضعفاء» (ص: 61): "عبدالله بن عَطاء لَيْسَ بِالقَوِيّ".
وقال الدارقطني: "عبدالله بن عطاء: كوفي، كان بمكة، ليس به
بأس".
وقال الذهبي في «الكاشف» (1/574): "عبدالله بن عطاء الطائفي
أو المدني أو الواسطي أو المكي أو الكوفي: عن أبي الطفيل وابن بريدة، وعنه
شعبة وابن نمير وعدة: صدوق".
وقال في «تاريخ الإسلام» (3/681): "روى عَنْ عُقْبَةَ بنِ
عَامِرٍ وَلَمْ يُدْرِكْهُ، وَعَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، وَأَبِي
الطُّفَيْلِ، وعكرمة بن خَالِدٍ، وَغَيْرِهِمْ... وكَانَ ثِقَةً إِنْ شَاءَ
اللَّهُ".
وقال في «الميزان» (2/461): "صدوق إن شاء الله".
قلت: فرّق بعض أهل العلم بين "عبدالله بن عطاء" الذي
يروي عن عبدالله بن بريدة، وبين الذي يروي عن عقبة بن عامر!! ومنهم من جعلهما
واحدا! وذكروا آخرين فيمن اسمه "عبدالله بن عطاء"!
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (5/165):
"عَبْداللَّه بن عطاء بن إِبْرَاهِيم مولى الزُّبَيْر بن
العوام القُرَشِيّ، روى عَنْهُ مُحَمَّد بن إِسْحَاق، يُحدِّث عَنْ أَبِيه".
ثم ذكر: "عَبْداللَّه بن عطاء، سمع ابن عمر رضي الله عَنْهُمَا،
روى عَنْهُ الثوري ومروان بن مُعَاوِيَة".
ثم ذكر: "عَبْداللَّه بن عطاء، سَمِعَ ابن عُمَر رضي الله
عَنْهُمَا، روى عَنْهُ قاسم بن أَبِي بزة".
ثم قال: "عَبْداللَّه بن عطاء. قَالَ أَحْمَد بن سُلَيْمَان:
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد، عَنْ شُعْبَة، قَالَ: سألت أبا إِسْحَاق عَنْ عَبْدِاللَّهِ
بنِ عطاء الَّذِي روى عَنْ عقبة قَالَ: كنا نتناوب رعية الإبل؟ قَالَ: شيخ
من أهل الطائف حدثنيه. قَالَ شُعْبَة فلقيت عَبْداللَّه فقلت: سمعته من عقبة؟
قال: لا، حدثنيه سعد بن إِبْرَاهِيم، فلقيت سعدا فسألته فقَالَ: حَدَّثَنِي زياد بن
مخراق، فلقيت زياد بْن مخراق فسألته فقَالَ: حَدَّثَنِي رجل عَنْ شهر بن حوشب.
قَالَ دَاوُد بن رشيد: حَدَّثَنَا مروان: حَدَّثَنَا عَبْداللَّه بن
عطاء، أَبُو عطاء، يُقَالُ مولى المطلب".
وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/131):
"عبدالله بن عطاء: روى عن ابن عمر. روى عنه: القاسم بن أبي بزة.
سمعت أبي يقول ذلك".
ثم ذكر: "عبدالله بن عطاء بن إبراهيم مولى الزبير بن العوام
القرشي: روى عن أبيه وجدته أم عطاء، روى عنه: محمد بن إسحاق. سمعت أبي يقول ذلك".
ثم ذكر: "عبدالله بن عطاء: روى عن أبي جعفر محمد بن علي، وابن
بريدة، ومحمد بن سيرين. روى عنه: عبدالملك بن أبي سليمان، وابن أبي ليلى، والحسن بن
الحر، والثوري، ومروان بن معاوية. سمعت أبي يقول ذلك".
ثم ذكر: "عبدالله بن عطاء المكي مولى بني هاشم: روى عن محمد
بن علي، روى عنه أبو بشر المزلق. سمعت أبي يقول ذلك".
ثم ذكر: "عبدالله بن عطاء: روى عن زياد بن مخراق عن رجل من
بني ليث عن شهر بن حوشب. روى عنه أبو إسحاق السبيعي وشعبة. سمعت أبى يقول ذلك".
وقال ابن حبان في «الثقات» (5/33) في «طبقة التابعين»: "عَبْداللَّه
بن عَطاء: يَرْوِي عَن ابن عمر، عداده فِي أهل مَكَّة. رَوَى عَنْهُ القَاسِم بن
أبي بزَّة، وأَبُو إِسْحَاق السبيعِي، وَلم ير عقبَة بن عَامر".
ثم قال في «طبقة أتباع التابعين» (7/41): "عَبْداللَّهِ بن
عَطاء المَكِّيّ: يروي عَن عبدالله بن بُرَيْدَة، روى عَنهُ أَبُو إِسْحَاق
السبيعِي، وَهُوَ الَّذِي يروي عَن عقبَة بن عَامر وَلم يره".
وذكر (7/29): "عَبْداللَّهِ بن عَطاء بن إِبْرَاهِيم مولى
الزبير بن العَوام: يروي عَن أَبِيه، روى عَنهُ ابن إِسْحَاق".
ثم قال في طبقة «تبع الأتباع عَن أَتبَاع التَّابِعين» (8/331):
"عبدالله بن عَطاء أَبُو عَطاء مولى المطلب يروي المقاطيع، روى عَنهُ
مَرْوَان بن مُعَاوِيَة الفَزارِيّ".
قلت: الظاهر من كلام أهل العلم أن كثيراً
منهم جعلوا الراوي عن عبدالله بن بريدة وحديث عقبة بن عامر واحداً كابن معين وأحمد
والدارقطني والذهبي، وإلى هذا يومئ كلام الإمام البخاري من خلال ترجمته لمن اسمه
"عبدالله بن عطاء"، فهو - وإن كان - أفرد ترجمة لكل واحد منهما إلا أن
ذكره لمروان بن معاوية - وهو كوفي سكن مكة - في كلا الترجمتين يدل على أنهما
واحداً عنده، ولكن طريقته في الترجمة أنه يفرّد لكل واحد ترجمة ويشير في الأخرى
إلى أن التي سبق ذكرها له أيضاً. وهذا واضح في الترجمة الثانية. وهذه طريقته من
خلال سبر تراجمه.
وجعلهما أبو حاتم الرازي اثنين، وذكر
اثنين آخرين.
واضطرب ابن حبان فذكر أربع تراجم مختلطة
في ثلاث طبقات مختلفة!!
وجعلهما ابن عدي واحداً، فقال في «الكامل» (5/277): "عَبدالله
بن عطاء مكي، يُكَنَّى أبا عطاء.
حَدَّثَنَا الجنيدي، حَدَّثَنا البُخارِيّ، حَدَّثني أحمد بن
سليمان، حَدَّثَنا أَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَة، قالَ: سَألتُ أبا إسحاق عن عَبد
الله بن عطاء الذي روى عن عقبة كنا نتناوب رعية الإبل؟ قَال: شيخ من أهل الطائف
حدثنيه قال شُعْبَة فلقيت عَبد الله فقلت سمعته من عقبة فقال حدثنيه سعد بن
إبراهيم فلقيت سعدا فسألته، فقال: حَدَّثني زياد بن مخراق فلقيت زيادا، فقال:
حَدَّثني رجل عن شَهْر بن حَوْشَب.
قال: وهذا الحديث رواه نصر بن حماد عن شُعْبَة بقصته أطول من هذا.
حَدَّثَنَاهُ عَبد الكبير الخطابي عن مُحَمد بن سَعِيد القطان عن
نصر بن حماد.
حَدَّثَنَا الْجُنَيْدِيُّ، حَدَّثَنا البُخارِيّ: وَقَالَ مروان
بن معاوية، حَدَّثَنا عَبدالله بن عطاء أبو عطاء، عنِ ابن يزيد في الحج ويقال مولى
المطلب المكي.
وقال النَّسائِيُّ، فيما أخبرني مُحَمد بن العباس، عنه: عَبدالله
بن عطاء ليس بالقوي.
وعبدالله بن عطاء معروف بهذا الحديث في الذي ذكره شُعْبَة عنه، عَن
أبي إسحاق عن عَبدالله بن عطاء وقد ذكرت هذا الحديث في قصة شَهْر بن حَوْشَب".
وقال تقي الدين الفاسي في «العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين»
(4/386): "عبدالله بن عطاء الطائفي، أبو عطاء المكي، ويقال: المدني، ويقال:
الواسطي، ويقال: الكوفي، ومنهم من جعله ثلاثة أو اثنين:
روى عن عقبة بن عامر الجهني ولم يدركه، وسليمان بن بريدة، وأخيه
عبدالله، وأبي الطفيل، وعكرمة بن خالد المخزومي، وغيرهم.
روى عنه: أبو إسحاق السبيعي، مع تقدمه، وابن أبي ليلى القاضي،
وشعبة، والثوري، وعبدالله بن نمير، وجماعة.
روى له: مسلم، وأصحاب السنن، ووثقه الترمذي، وابن حبان، وضعفه
النسائي، وقال مرة: ليس بالقوي.
وقال الذهبي: الذي روى عنه أبو إسحاق السبيعي، عن عقبة بن عامر،
أعتقد أنه آخر تابعي كبير من طبقة الشعبي، والذي روى عنه ابن نمير وأقرانه، بقي
إلى زمن الأعمش، وجوّز الوهم على ابن معين، حيث يقول: إن عطاء كوفي" انتهى.
قلت:
تلاميذ عبدالله بن عطاء الراوي عن عبدالله بن بريدة الذين رووا هذا
الحديث:
علي بن مسهر الكوفي (189هـ)، وعبدالله بن نمير الكوفي (199هـ)، وسفيان
الثوري الكوفي (161هـ)، وزُهَيْر بنُ مُعَاوِيَةَ الكوفي (174هـ)، وإِسْمَاعِيلُ
بنُ زَكَرِيَّا الكوفي (194هـ)، وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي (195هـ)،
ومحمد بن عبدالرحمن بنُ أَبِي لَيْلَى الكوفي (148هـ)، ومروان بن معاوية الفزاري
الكوفي (193هـ)، والحَسَن بن الحُرِّ الكوفي (133هـ)، وحَبّانُ بنُ عَلِيٍّ العنزي
الكوفي (172هـ)، وأخوه مَنْدَلُ بنُ عَلِيٍّ الكوفي (168هـ).
فنلاحظ أن جميع من رووا هذا الحديث عن عبدالله بن عطاء من
الكوفيين، ومعظم وفياتهم متأخرة إلا الحسن بن الحر وابن أبي ليلى فمتقدمة جداً عن
هؤلاء!! وطبقة شيوخ الحسن بن الحر ممن مات بين (112 - 120هـ) ومن مات بعده يبدو
أنه كان من أقرانه، ويبدو أن عبدالله بن عطاء من أقرانه.
قال ابن عساكر: "عبدالله بن عطاء وهو كوفي روى عنه شَريك"،
وشريك القاضي مات سنة (140هـ).
والذي أراه أن من توفي قبل (140هـ) ممن رووا عن عبدالله بن عطاء
إنما هم من أقرانه، ومروان بن معاوية روى عنه، وطبقة شيوخ مروان ممن ماتوا بين سنة
(140 - 149هـ)، مثل: إسماعيل بن أَبي خالد (146)، وحميد الطويل (142)، وسُلَيْمان
الأعمش (148)، وعاصم الأحول (142)، ويحيى بْن سَعِيد الأَنْصارِيّ (143).
وعليه وبحسب الطبقات فعبدالله بن عطاء كوفي، ووفاته ما بين (140 -
149هـ).
ويؤيده ما نقله التقي الفاسي عن الذهبي: أن الذي روى عنه ابن نمير
وأقرانه، بقي إلى زمن الأعمش.
والأعمش توفي سنة (147 أو 148 هـ).
وهذا ظاهر فعل البخاري فإنه أورد في «التاريخ الأوسط» (2/57) في «عشر
مَا بَين الأَرْبَعين إِلَى الخمسين» قال: "حَدَّثَنِي أَحْمد بن سُلَيْمَان
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد، عَن شُعْبَة قَالَ: سَأَلت أَبَا إِسْحَاق عَن عبدالله
بن عَطاء الَّذِي روى عَن عقبَة كُنَّا نتناوب رعية الْإِبِل، قَالَ: شيخ من أهل
الطَّائِف حَدَّثَنِيهِ. قَالَ شُعْبَة: فَلَقِيت عبدالله فَقلت: سمعته من عقبَة،
فَقَالَ: لَا، حَدَّثَنِيهِ سعد بن إِبْرَاهِيم، فَلَقِيت سعد بن إِبْرَاهِيم
فَسَأَلته، فَقَالَ: حَدَّثَنِي زِيَاد بن مِخْرَاق، فَلَقِيت زيادا فَقَالَ:
حَدَّثَنِي رجل عَن شهر بن حَوْشَب.
وَقَالَ مَرْوَان بن مُعَاوِيَة: حَدَّثَنَا عبدالله بن عَطاء
أَبُو عَطاء عَن ابن بُرَيْدَة فِي الحَج، وَيُقَال مولى المطلب المَكِّيّ".
قلت: فهذا يدل على أن البخاري يرى أن راوي حديث عقبة وحديث ابن
بريدة واحد وتوفي بين سنة (140 - 150هـ).
ومن روى هذا الحديث عن عبدالله بن عطاء ممن توفي قبله إنما هو من
باب رواية الأقران للفوائد، فهو قد تفرد بهذا الحديث عن "عبدالله بن
بريدة"! ولم يروه أحد غيره! ولا يعرف أنه سمع منه! وعبدالله بن بريدة توفي
(105هـ) فإدراك عبدالله بن عطاء له متحقق، لكن لم يثبت سماعه منه.
وهو الذي يروي عن محمد بن علي بن الحسين أبي جعفر الباقر (118هـ).
فقد روى أَبُو مَالِكٍ الجَنْبِيُّ الكوفيّ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ
عَطَاءٍ قَالَ: «مَا رَأَيْتُ العُلَمَاءَ عِنْدَ أَحَدٍ أَصْغَرَ عِلْمًا
مِنْهُمْ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ، لَقَدْ رَأَيْتُ الحَكَمَ عِنْدَهُ كَأَنَّهُ
مُتَعَلِّمٌ».
والحكم بن عتيبة توفي سنة (113هـ).
وروى ابن أبي شيبة (6315) عن أبي مالك الجنبي عمرو بن هاشم، عن عبدالله
بن عطاء، قال: سألت أبا جعفر عن الثوب يحوكه اليهود والنصارى، يُصلى فيه؟ قال: "لا
بأس به".
وروى أيضاً (12088) عن الفضل بن دكين، عن الحسن بن صالح الكوفي، عن
عبدالله بن عطاء، عن أبي جعفر: «أن الحسن، والحسين كانا يعتقان عن عليّ بعد موته».
وروى حَبَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ المُزَلِّقُ، قَالَ
حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ عَطَاءٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَطَّرُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، بِذِكَارَةِ الْعِطْرِ -
المِسْكِ وَالعَنْبَرِ.
وروى حرمي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بشر صاحب البصري عن عبدالله
بن عطاء المَكِّيّ - وَلَيْسَ بابن أَبِي رباح - عَنْ مُحَمَّد بن علي: سألت
عَائِشَةَ - بهذا.
وبَكْرُ بنُ الحَكَمِ، أَبُو بِشْرٍ المُزَلِّقُ اليَرْبُوعِيُّ البَصْرِيُّ
توفي ما بين سنة (161 - 170هـ)، وطبقة شيوخه ممن توفوا في حدود (120هـ). فإما أن
يكون لم يسمع عبدالله بن عطاء أو يكون من أقرانه!
وهو ليس بالقوي! وقوله: "مولى بني هاشم" فيه نظر! فلعله
اشتبه عليه بمولى آل المطلب أو مولى بني هاشم الآتي.
وهو راوي حديث عقبة بن عامر في تناوب رعي الإبل.
فقد رواه شعبة (160هـ) عن أبي إسحاق السبيعي (129هـ)، فقال له إنه
سمعه من "عَبْدِاللَّهِ بنِ عَطَاءٍ البَجَلِيِّ"، وعبدالله سمعه من سعد
بن إبراهيم (128هـ)، وسعد سمعه من زياد بن مخراق عن رجل عن شهر بن حوشب (112هـ).
فعبدالله بن عطاء هذا من الطائف وهو بَجليّ كما جاء في بعض طرق
الحديث.
وجاء في رواية أنه كان بمكة، ورحل شعبة إليه هناك ليسمع منه هذا
الحديث.
قال مسعر بن كدام: "عَبدالله بن عطاء بمكة. قال شُعْبَة:
فرحلت إلى مكة فلقيت عَبدالله فسألته، فقال: سعد بن إبراهيم".
وجاء في بعض طرق القصة أنه بصري قدم الكوفة.
قال شعبة: فقلت لأبي إسحاق، من عبدالله بن عطاء؟ قال: شاب من أهل البصرة
قدم علينا، فقدمت البصرة فسألت عنه فإذا هو جليس فلان، وإذا هو غائب في موضع، فقدم
فسألته فحدثني به.
وقوله: "شاب من أهل البصرة" ينقد كلام الذهبي المتقدم
الذي نقله التقي الفاسي "أنه تابعي كبير من طبقة الشعبي"! فالشعبي مات
في حدود سنة (100هـ).
ولأن هذا الراوي لحديث عقبة هو نفسه الراوي عن ابن بريدة قالوا في
ترجمته: الكوفي أو المكي أو الطائفي أو المدني أو البصري!! بل وبعضهم زاد:
الواسطي! وكلهم واحد.
والخلاصة أن «عبدالله بن عطاء» كوفي، يروي عنه أهل الكوفة، وربما
نزل مكة، وكأنه كان يحدّث عمن لم يسمع منهم.
ويروي عن أبي الطفيل بواسطة عكرمة بن خالد المخزومي.
·
عبدالله بن عطاء آخر:
والذي يروي عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ هو عَبْداللَّهِ بن عَطَاءٍ
المَكِّيّ الآتي، ووفاته قبل وفاة الراوي عن ابن بريدة.
وهو عبداللَّه بن عَطَاء بن إبراهيم المكيّ مولى صَفِيَّةَ بِنْتِ
عبد المُطَّلب أو مَوْلَى الزُّبَيْرِ أو مولى بني هاشم، الذي يروي عَنْ أُمِّهِ –
وقيل: عن أبيه -، وَجَدَّتِهِ أُمِّ عَطَاءٍ، وعن عُرْوةَ بن الزُّبَيرِ. ويروي
عنه محمد بن إسحاق (150هـ).
وهو الذي يروي عن ابن عمر، ويروي عنه القَاسِمِ بنِ أَبِي بَزَّةَ المكي
(115 وقيل: 125 هـ).
روى هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ
أَبِي بَزَّةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَطَاءٍ: «أَنَّ ابنَ عُمَرَ كَانَ لَا
يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ، فَمَرَّ بِزِنْجِيٍّ، فَسَلَّمَ
عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ إِنَّهُ
زِنْجِيُّ طَمْطَمَانِيُّ! قَالَ: وَمَا طَمْطَمَانِيُّ؟ قَالُوا: أُخْرِجَ مِنَ
السُّفُنِ الْآنَ، قَالَ: إِنِّي أَخْرُجُ مِنْ بَيْتِي، مَا أَخْرُجُ إِلَّا
لَأُسَلِّمَ أَوْ لِيُسَلَّمَ عَلَيَّ».
·
الراجح في حال عبدالله بن عطاء
الراوي عن ابن بريدة:
وأما الكلام على "عبدالله بن عطاء" راوي الحديث عن
عبدالله بن بريدة، فالظاهر أن ابن معين وغيره وثقوه، وضعّفه النسائي، ونسبوه
للتدليس!
ويبدو أن روايته قليلة جداً، ولا ينزل عن مرتبة
"الصدوق"، إلا أننا في شك من سماعه من عبدالله بن بريدة! وتفرده عنه غير
محتمل!! والرواة البصريون من أوثق الناس في عبدالله بن بريدة ولا يوجد عندهم هذا
الحديث!! وهو معلول عندي بالانقطاع وعدم ثبوت السماع!
وحديث عقبة الذي رواه عنه، وقال أهل العلم بأنه دلّسه دليل على أنه
يروي عن أقوام لم يسمع منهم!
·
حديث آخر لعبدالله بن عطاء عند
مسلم:
وقد روى له مسلم (4/2038) حديثاً آخر، قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بنُ أَحْمَدَ بنِ أَبِي خَلَفٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ،
حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ أَبُو خَيْثَمَةَ، ، قال: حَدَّثَنِي
عَبْدُاللهِ بن عَطَاءٍ: أَنَّ عِكْرِمَةَ بنَ خَالِدٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا
الطُّفَيْلِ حَدَّثَهُ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي سَرِيحَةَ حُذَيْفَةَ بْنِ
أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِأُذُنَيَّ هَاتَيْنِ، يَقُولُ: «إِنَّ النُّطْفَةَ تَقَعُ فِي
الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَتَصَوَّرُ عَلَيْهَا الْمَلَكُ» - قَالَ
زُهَيْرٌ: حَسِبْتُهُ قَالَ الَّذِي يَخْلُقُهَا - فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ
أَوْ أُنْثَى، فَيَجْعَلُهُ اللهُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ
أَسَوِيٌّ أَوْ غَيْرُ سَوِيٍّ، فَيَجْعَلُهُ اللهُ سَوِيًّا أَوْ غَيْرَ سَوِيٍّ،
ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ مَا رِزْقُهُ مَا أَجَلُهُ مَا خُلُقُهُ، ثُمَّ
يَجْعَلُهُ اللهُ شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا».
و«زهير أبو خيثمة» هو «زهير بن معاوية» كما في كتاب «القضاء والقدر»
للبيهقي (ص: 150)، رواه من طريق أبي بَكْرٍ مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ الصَّغَانِيّ، عن
يَحْيَى بن أَبِي بُكَيْرٍ، عن زُهَيْر بن مُعَاوِيَةَ، عن عَبْداللَّهِ بن
عَطَاءٍ..
وكذا هو في «تحفة الأشراف» (3/20): "عن زهير بن معاوية عن عبدالله
بن عطاء".
وليس هو أبو خيثمة زُهَيْر بن حرب البغدادي توفي (234هـ).
وهذا الحديث يتفرد به عبدالله بن عطاء عن عِكْرِمَةَ بنَ خَالِدٍ
المخزومي المكيّ (ت116هـ).
وكان مسلم قد أخرج قبله حديث عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي
الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بنِ أَسِيدٍ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَدْخُلُ الْمَلَكُ عَلَى النُّطْفَةِ بَعْدَ مَا
تَسْتَقِرُّ فِي الرَّحِمِ بِأَرْبَعِينَ، أَوْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً،
فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ؟ فَيُكْتَبَانِ، فَيَقُولُ: أَيْ
رَبِّ أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى؟ فَيُكْتَبَانِ، وَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَثَرُهُ
وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ، ثُمَّ تُطْوَى الصُّحُفُ، فَلَا يُزَادُ فِيهَا وَلَا
يُنْقَصُ».
وأخرج أيضاً حديث رَبِيعَة بن كُلْثُومٍ، عن أَبِيه كُلْثُوم، عَنْ
أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بنِ أَسِيدٍ الغِفَارِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ مَلَكًا مُوَكَّلًا بِالرَّحِمِ، إِذَا أَرَادَ
اللهُ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا بِإِذْنِ اللهِ، لِبِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً»
ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ. وخرّج له بعض الشواهد.
·
اعتراض صاحبي «التحرير» على ابن
حجر في حكمه على «عبدالله بن عطاء»! ومناقشتهما.
قال ابن حجر: "عبدالله بن عطاء الطائفي، أصله من الكوفة: صدوق
يُخطئ ويُدلِّس".
فتعقبه شعيب الأرنؤوط وبشار عواد في «تحريرهما» (2/240) (3479)
فقالا: "لو قال: صدوق وسكت لكان أحسن وأصوب، إذ لم نقف على خطئه أو تدليسه.
ثم هو ممن وثقه البخاري، ويحيى بن معين، والترمذي، وابن حبان، وابن شاهين، وقال
الدارقطني: ليس به بأس. وما ضعّفه سوى النسائي، وقال الذهبي في الميزان: صدوق إن
شاء الله. وروى له مسلم في صحيحه" انتهى.
قلت: ابن حجر - رحمه الله- عادة ما يحاول الجمع بين أقوال أهل
العلم في الراوي إذا اختلفوا فيه بين موثق له ومضعّف! فيقول: "صدوق
يخطئ"! والخطأ إنما يتبين من خلال عرض رواية الراوي على غيره، وأما إذا لم
يكن كثير الرواية وينفرد بالأحاديث كحال عبدالله بن عطاء هذا فكأن خطأه يكون في
تلك التفردات التي لم يروها سواه.
وأما عدم وقوفهما على تدليسه فهذا عجيب!! وقصة شعبة واضحة في ذلك.
وأما توثيق من وثقه فهذا رأيهم فيه! وتوثيق ابن حبان وابن شاهين هو
تبع لمن وثقه قبلهما، وقول الدارقطني لا يعدو أن يكون صالحاً في حديثه ويحتاج
لمتابع في روايته، وقد رجحت أنه لا ينزل عن درجة الصدوق، والمشكلة فيه روايته عمن
لم يثبت سماعه منهم.
وأما رواية مسلم له فقد بينت أنه خرج له حديثين فيهما نظر! والله
أعلم.
·
تناقض الألباني في الحكم على
حديثين لعبدالله بن عطاء نفسه!
أخرج أبو داود حديث عبدالله بن عطاء عن عبدالله بن بريدة في «سننه»
كما سبق تخريجه.
وعلّق عليه الألباني في «صحيح أبي داود» (5/353): "قلت: وهذا
إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير عبدالله بن عطاء، فهو على شرط مسلم وحده،
وقد وثقه ابن معين وابن حبان. وقال النسائي: "ليس بالقوي"! وقال الذهبي
في "الميزان": "صدوق إن شاء الله". ثم ساق له قصة يؤخذ منها
أنه دلّس في حديث: "كنا نتناوب رِعْيَةَ الإبل". وكأنه من هنا قال
الحافظ: "صدوق يخطئ ويدلس"! ولعل تدليسه كان نادراً، وخطأه يسيراً؛ ومن
هنا احتج به مسلم، وصدقه الذهبي. والله أعلم. والحديث أخرجه مسلم وغيره من طرق عن
عبدالله بن عطاء ... أتم منه".
وأورد له حديثاً في «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة» (1124) «كان
أحبّ النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة، ومن الرجال علي».
قال الألباني: "باطل. أخرجه الترمذي (2/319) والحاكم (3/155)
من طريق جعفر بن زياد الأحمر عن عبدالله بن عطاء عن عبدالله بن بريدة عن أبيه قال:
فذكره. وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه". وقال
الحاكم: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي!!
قلت: عبدالله بن عطاء، قال الذهبي نفسه في "الضعفاء": "قال
النسائي: ليس بالقوي". وقال الحافظ في "التقريب": "صدوق يخطىء
ويدلس".
قلت: وقد عنعن إسناد هذا الحديث، فلا يحتج به لو كان ثقة، فكيف وهو
صدوق يخطىء؟! ثم إن الراوي عنه جعفر بن زياد الأحمر، مختلف فيه، وقد أورده الذهبي
أيضاً في "الضعفاء" وقال: "ثقة ينفرد، قال ابن حبان: في القلب
منه!!". وقال الحافظ في "التقريب": "صدوق يتشيع".
قلت: فمثله لا يطمئن القلب لحديثه، لا سيما وهو في فضل علي رضي
الله عنه! فإن من المعلوم غلو الشيعة فيه، وإكثارهم الحديث في مناقبه مما لم يثبت!
وإنما حكمت على الحديث بالبطلان من حيث المعنى لأنه مخالف لما ثبت عن النبي صلى
الله عليه وسلم في أحبّ النساء والرجال إليه كما يأتي" انتهى.
قلت: صحح الشيخ للراوي نفسه حديثاً وضعّف له آخر! وهو بالإسناد
نفسه! مستعيناً في كل حديث ببعض كلام أهل العلم في هذا الراوي!
وهذا الحديث الثاني رواه النسائي من طريق شَاذَان الْأَسْوَد بن
عَامِرٍ، عَنْ جَعْفَرٍ الْأَحْمَرِ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عَطَاءٍ، عَنِ ابنِ
بُرَيْدَةَ، به.
قال النسائي: "عَبْداللهِ بن عَطَاءٍ لَيْسَ بِالقَوِيِّ فِي
الحَدِيثِ".
وقال الطبراني في «المعجم الأوسط» (7/199): "لَمْ يَرْوِ
هَذَا الحَدِيثَ عَنْ جَعْفَرٍ الْأَحْمَرِ إِلَّا شَاذَانُ، وَلَا رَوَاهُ عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بنِ عَطَاءٍ إِلَّا جَعْفَرٌ الْأَحْمَرُ، ومَنْدَلُ بنُ عَلِيٍّ".
وقال الحاكم في «المستدرك» (3/168): "هذا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ،
وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
قلت: الحديث منكر! وقد تفرد به عبدالله بن عطاء! ورواه عنه اثنان:
جعفر الأحمر الكوفي (167 أو 175هـ) وهو صدوق، ومندل بن علي الكوفي (168هـ) وهو
ضعيف.
وخرّج ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2/268) (8854) عن حميد بن عبدالرحمن،
عن جعفر الأحمر، عن عبدالله بن عطاء، قال: «ما جرى على لسان الإنسان في الصلاة،
مما له أصل في القرآن، فليس بكلام».
·
حديث عن عبدالله بن عطاء وليس
له!!
جاء في كتاب «الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك» لابن شاهين من
طريق مُحَمَّد بن عَبْدِالوَهَّابِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ
عَطَاءٍ، عَنِ الطُّفَيْلِ بنِ أُبِيِّ بنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَجْعَلَ لَكَ مِنْ صَلَاتِي،
ذَكَرَ النِّصْفَ وَالثُّلُثَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَجْعَلُ لَكَ
صَلَاتِي كُلَّهَا. قَالَ: «إِذًا يَكْفِيكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ دَيْنَكَ
وَيَكْفِيكَ هَمَّكَ».
كذا في تحقيق صالح الوعيل بإشراف د. أكرم ضياء العمري/ رسالة
ماجستير/ الجامعة الإسلامية (1/92) (21)، 1415هـ - 1995م.
وكذا هو في مطبوعة دار الكتب العلمية ببيروت، تحقيق: محمد حسن محمد
حسن إسماعيل، 1424هـ - 2004م! (ص14) (21).
قال صالح الوعيل في تحقيقه: "إسناده حسن، فيه عبدالله بن عطاء
المكي وثقه يحيى بن معين والترمذي وابن حبان، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال
الذهبي: صدوق. وبقية رجاله ثقات، وللحديث متابعات وشواهد يرتقي بها إلى درجة
الصحيح". وذكر منها حديث سفيان عن عبدالله بن محمد بن عقيل عن الطفيل!!
قلت: هذا الإسناد وقع فيه تحريف! ولا بدّ!! وليس لذكر
"عبدالله بن عطاء" فيه أي معنى!!
فالحديث معروف عن سُفْيَان الثوري، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مُحَمَّدِ
بنِ عَقِيلٍ، عَنِ الطُّفَيْلِ بنِ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ.
فالحديث حديث "عبدالله بن عقيل" لا "عبدالله بن
عطاء"!! وقد تحرّف في النسخة المخطوطة من كتاب ابن شاهين.
وانظر كيف جعل المحقق هذا الإسناد المحرّف متابعة لحديث ابن عقيل
الذي تفرد به!!!
الحديث السادس: حديث رجم ماعز:
قال مسلم في «صحيحه»، كتاب الحدود، (3/1323) (1695): وحَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ العَلَاءِ الهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ يَعْلَى - وهُوَ
ابنُ الحَارِثِ المُحَارِبِيُّ -، عَنْ غَيْلَانَ - وهُوَ ابنُ جَامِعٍ المُحَارِبِيُّ
-، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ مَاعِزُ بنُ مَالِكٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقَالَ: «وَيْحَكَ،
ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللهَ وَتُبْ إِلَيْهِ»، قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ،
ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْحَكَ، ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللهَ وَتُبْ
إِلَيْهِ»، قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِثْلَ
ذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَتِ الرَّابِعَةُ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ: «فِيمَ
أُطَهِّرُكَ؟» فَقَالَ: مِنَ الزِّنَى، فَسَأَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبِهِ جُنُونٌ؟» فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ،
فَقَالَ: «أَشَرِبَ خَمْرًا؟» فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ، فَلَمْ يَجِدْ
مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ، قَالَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أَزَنَيْتَ؟» فَقَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَكَانَ
النَّاسُ فِيهِ فِرْقَتَيْنِ، قَائِلٌ يَقُولُ: لَقَدْ هَلَكَ، لَقَدْ أَحَاطَتْ
بِهِ خَطِيئَتُهُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: مَا تَوْبَةٌ أَفْضَلَ مِنْ تَوْبَةِ
مَاعِزٍ، أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: اقْتُلْنِي بِالْحِجَارَةِ، قَالَ:
فَلَبِثُوا بِذَلِكَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ جُلُوسٌ، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ:
«اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بنِ مَالِكٍ»، قَالَ: فَقَالُوا: غَفَرَ اللهُ لِمَاعِزِ
بنِ مَالِكٍ، قَالَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ».
قَالَ: ثُمَّ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ مِنَ الْأَزْدِ،
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقَالَ: «وَيْحَكِ ارْجِعِي
فَاسْتَغْفِرِي اللهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ» فَقَالَتْ: أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ
تُرَدِّدَنِي كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: «وَمَا ذَاكِ؟»
قَالَتْ: إِنَّهَا حُبْلَى مِنَ الزِّنَى، فَقَالَ: «آنْتِ؟» قَالَتْ: نَعَمْ،
فَقَالَ لَهَا: «حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ»، قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ
مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ، قَالَ: فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «قَدْ وَضَعَتِ الغَامِدِيَّةُ»، فَقَالَ: «إِذًا
لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ»،
فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: إِلَيَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللهِ،
قَالَ: فَرَجَمَهَا.
قال مسلم: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ،
حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بنُ نُمَيْرٍ [ح].
وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِاللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَتَقَارَبَا
فِي لَفْظِ الحَدِيثِ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا بَشِيرُ بنُ
الْمُهَاجِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ مَاعِزَ بنَ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيَّ، أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي،
وَزَنَيْتُ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي، فَرَدَّهُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ
الغَدِ أَتَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ، فَرَدَّهُ
الثَّانِيَةَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
قَوْمِهِ، فَقَالَ: «أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا، تُنْكِرُونَ مِنْهُ
شَيْئًا؟» فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ إِلَّا وَفِيَّ العَقْلِ مِنْ صَالِحِينَا
فِيمَا نُرَى، فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا فَسَأَلَ
عَنْهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا بِعَقْلِهِ، فَلَمَّا كَانَ
الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ.
قَالَ، فَجَاءَتِ الغَامِدِيَّةُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ،
إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي، وَإِنَّهُ رَدَّهَا، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ،
قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ تَرُدُّنِي؟ لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا
رَدَدْتَ مَاعِزًا، فَوَاللهِ إِنِّي لَحُبْلَى، قَالَ: «إِمَّا لَا فَاذْهَبِي
حَتَّى تَلِدِي»، فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ، قَالَتْ:
هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ، قَالَ: «اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ»،
فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ،
فَقَالَتْ: هَذَا يَا نَبِيَّ اللهِ قَدْ فَطَمْتُهُ، وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ،
فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا
فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا، فَيُقْبِلُ
خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ، فَرَمَى رَأْسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى
وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سَبَّهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ: «مَهْلًا يَا خَالِدُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ»،
ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا، وَدُفِنَتْ.
أخرج مسلم حديث علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه، فذكر
حديث الرجم، وقصة الغامدية.
ثم أتبعه بحديث بشير بن المهاجر عن عبدالله عن بريدة عن أبيه!
والناظر إلى هذا يظنّ أن عبدالله قد تابع أخاه على رواية هذا
الحديث عن أبيهما! فهل أراد مسلم ذلك، أم أراد شيئاً آخر؟!!
·
سقط في إسناد الحديث!
قال النووي في «شرحه على مسلم» (11/200): "قَوْلُهُ فِي
إِسْنَادِ هَذَا الحَدِيثِ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَلَاءِ الهَمْدَانِيُّ
قال: حدثنا يحيى بن يعلى، وهو ابن الحارث المحاربي، عن غيلان، وهو بن جَامِعٍ المُحَارِبِيُّ
عَنْ عَلْقَمَةَ) هَكَذَا فِي النُّسَخِ عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْلَى عَنْ غَيْلَانَ.
قَالَ القَاضِي: وَالصَّوَابُ مَا وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ
يَحْيَى بنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ غَيْلَانَ، فَزَادَ فِي الْإِسْنَادِ (عَنْ
أَبِيهِ) وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ السُّنَنِ، وَالنَّسَائِيُّ
مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ عن غيلان، وهو الصواب. وَقَدْ
نَبَّهَ عَبْدُالغَنِيِّ عَلَى السَّاقِطِ مِنْ هَذَا الْإِسْنَادِ فِي نُسْخَةِ
أَبِي العَلَاءِ بنِ مَاهَانَ، وَوَقَعَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنَ السُّنَنِ
لِأَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ أبي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ
يَعْلَى: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا غَيْلَانُ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ
عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ
والفضة} الْآيَةُ، فَهَذَا السَّنَدُ يَشْهَدُ بِصِحَّةِ مَا تَقَدَّمَ. قالَ
الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ: يَحْيَى بنُ يَعْلَى: سَمِعَ أَبَاهُ وَزَائِدَةَ بنَ
قُدَامَةَ. هَذَا آخِرُ كَلَامِ القَاضِي وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا قَالَ، وَلَمْ
يَذْكُرْ أَحَدٌ سَمَاعًا لِيَحْيَى بنِ يَعْلَى هَذَا مِنْ غَيْلَانَ، بَلْ
قَالُوا سَمِعَ أَبَاهُ وَزَائِدَة".
قلت: وكذا قال المزي في «تحفة الأشراف» (2/73): "حديث: جاء
ماعز إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكر حديث الرجم وقصة
الغامدية. م في الحدود عن أبي كريب، عن يحيى بن يعلى بن الحارث، عن
أبيه، عن غيلان بن جامع، عن علقمة بن مرثد، عنه، به".
·
حديث عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ،
عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ:
أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (5/117) (4843) عن
عَبْدالوَهَّابِ بن رَوَاحَةَ الرَّامَهُرْمُزِيّ، عن أَبي كُرَيْبٍ محمد بن
العلاء، بإسناد مسلم.
وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (6/141) (7125)، و(6/426) (7148)
عن إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوبَ الجَوْزَجَانِيّ.
وأخرجه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (12/241) (4779) عن النسائي.
وأخرجه أبو عوانة في «مستخرجه» (4/134) (6292) عن العَبَّاس بن
عَبْدِاللَّهِ التَّرْقُفِيّ، وعَبَّاس بن مُحَمَّدٍ الدُّورِيّ، ومُحَمَّد بن
مُسْلِمٍ الرَّازِيّ، ومُحَمَّد بن نَصْرِ بنِ الحَجَّاجِ المَرْوَزِيّ.
وأخرجه الدارقطني في «سننه» (4/77) (3129) من طريق عَبَّاس
الدُّورِيّ، وجَعْفَر بن مُحَمَّدِ بنِ شَاكِرٍ الصَّائِغ.
وأخرجه البيهقي في «سننه الكبرى» (6/137) (11449) من طريق عَبَّاس
بن عَبْدِاللهِ التَّرْقُفِيّ. و(8/372) (16928) من طريق جَعْفَر بن مُحَمَّدٍ
الصَّائِغ. و(8/394) (16993) من طريق العَبَّاس بن مُحَمَّدٍ الدُّورِيّ.
كلهم عن يحيى بن يعلى بن الحارث المحاربي، عن أبيه، عن غيلان بن
جَامِعٍ المُحَارِبِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه،
به.
·
حكم أهل العلم على الحديث:
لا شك أن مسلماً صححه بتخريجه له في الصحيح.
وقال النسائي بعد أن خرّجه: "هذا صَالِحُ الْإِسْنَادِ".
وقال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هذَا الحَدِيثَ عَنْ غَيْلَانَ
بنِ جَامِعٍ إِلَّا يَعْلَى بنُ الحَارِثِ، تَفَرَّدَ بِهِ: ابنُهُ يَحْيَى".
قلت: إشارة الطبراني إشارة نفيسة عميقة تدلّ على إعلاله لهذا
الحديث بهذا التفرد الغريب في طبقة متأخرة!!!
فالحديث لا يُعرف عن غَيلان
بن جامَع المُحارِبِيّ، قاضي الكُوفة (132هـ)، ومَاتَ كَهْلا، لَهُ نَحْوٌ مِنْ
عِشْرِينَ حَدِيثًا، ورَوَى عَنه: الثَّوريُّ، وشُعبة، وغيرهما.
وقد تفرد بهذا الإسناد: يحيى بن يعلى بن الحَارِث أَبُو زَكَرِيَّا
المحَاربي الكوفي (216هـ) عن أبيه!!
ويحيى وثقه أبو حاتم الرازي، وذكره ابنُ حِبَّان في كتاب «الثقات» (9/261)
وقال: "مَاتَ قبل الثَّلَاثِينَ والمائتين".
وقال العجلي: "ضعيف، عبدالرحمن أرفع منه".
وقال أبو بكر البزار في كتاب «السنن»: "يغلط في الأسانيد".
[إكمال تهذيب الكمال: 12/387].
قلت: هو صدوق يغلط في الأسانيد! وتفرده في طبقته المتأخرة لا
يُحتمل! وعليه فلا بدّ أن يكون وهم على أبيه! فسلك الجادة!
والحديث يُروى عن علقمة بن مرثد (120هـ) من طرق أخرى ضعيفة! فكأنها
هي أصل حديث يحيى هذا.
رواه البزار في «مسنده» (10/331) (4461) عن مُحَمَّد بن المُثَنَّى،
قَال: حَدَّثنا هشام بن عَبدالملك، قَال: حَدَّثنا مُحَمد بنُ أَبَان،
عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَن سُلَيمان بنِ بُرَيدة، عَن أَبيهِ - رَضِي
اللَّهُ عَنْهُ - قالَ: «جَاءَتِ الغَامِدِيَّةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم فَقَالَتْ: أَنَّهَا زَنَتْ فَأَعْرَضَ النَّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم عَنْهَا فَقَالَتْ يَا رَسولَ اللهِ تُرِيدُ أَنْ ترددني
كما رددت ماعزا إنها حُبْلَى مِنَ الزِّنَا فَقَالَ: مَتَى تَضَعِي فَذَهَبَتْ
فَلَمَّا وَضَعَتْ جَاءَتْ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه
وَسَلَّم تَحْمِلُهُ فَقَالَتْ قَدْ وَلِدْتُ قَالَ: اذْهَبِي حَتَّى تَفْطِمِيهِ
فَذَهَبَتْ، ثُمَّ جَاءَتْ بِهِ وَفِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ فَقَالَتْ إِنِّي
قَدْ فَطَمْتُهُ فَقَالَ: ائْتِنِي بِمَنْ يَكْفُلُهُ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ:
أَنَا أَكْفُلُهُ فَجَعَلَ أَصْحَابُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم
يَتَعَجَّبُونَ مِنَ الرَّجُلِ وَيَقُولُونَ مَا كَانَ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ
يَكْفُلْهُ فَأَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّي عَلَيْهَا فَقَالَ رَجُلٌ
كَيْفَ تُصَلِّي عَلَيْهَا وَهِيَ كَذَا فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه
وَسَلَّم: لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
لَوَسِعَتْهُمْ، أَوْ نَحْوَ هَذَا».
قلت: مُحَمَّد بن أبان هو ابن صالح الجعْفِيّ الكوفي.
قال ابن معين: "ضَعِيف"، وقال مرة: "لَيْسَ حَدِيثه
بِشَيْء".
وقال أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأثرم: ذُكِرَ لِأَبِي
عَبْدِاللَّهِ، عَنْ أَبِي الوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبَانَ، فقالَ: "مُحَمَّدُ
بنُ أَبَانَ مَا أَعَجَبَ حَدِيثَهُ"، فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ هُوَ؟ قالَ: "أَما
إِنَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَكْذِبُ"، فَقَالَ رَجُلٌ
عِنْدَ أَبِي عَبْدِاللَّهِ: كَانَ زَعَمُوا رَجُلًا صَالِحًا! فَقَالَ أَبُو
عَبْدِاللَّهِ: "كَيْفَ وَهُوَ مِنْ دُعَاةِ المُرْجِئَةِ!". [الضعفاء الكبير
للعقيلي (4/21)].
وقال البُخَارِيَّ: "مُحَمَّدُ بنُ أَبَانَ بنِ صَالِحِ بنِ
عُمَيْرٍ القُرَشِيُّ: كُوفِيٌّ، يَتَكَلَّمُونَ فِي حِفْظِهِ. لا يُعتمد
عليه". وقال في موضع آخر: "لَيْسَ بِالقَوِيِّ".
وقال أبو حاتم الرازي: "ليس هو بقوي الحديث، يُكتب حديثه على
المجاز ولا يُحتج به، بابة حماد بن شعيب الحماني".
وقال النسائي: "ضَعِيف كُوفِي".
وقال ابن حبان في «المجروحين» (2/260): "روى عَنهُ العِرَاقِيُّونَ.
كَانَ مِمَّن يقلب الْأَخْبَار وَله الوَهم الْكثير فِي الْآثَار".
وقال ابن عدي في «الكامل» (7/298) بعد أن روى له بعض المنكرات:
"ومُحمد بن أَبَان له غير ما ذكرت من الحديث، وفي بعض ما يرويه نُكرة، لا
يُتَابَعُ عَليه، ومع ضعفه يكتب حديثه".
وكان قد أَكْثَرَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الشيباني الفَقِيهُ
صاحب أبي حنيفة.
قال أبو طالب: سألت أحمد بن حنبل عن محمد بن أبان؛ فقال: "كان
يقول بالإرجاء، وكان رئيسًا من رؤسائهم، فترك الناس حديثه من أجل ذلك، وكان من
أصحاب محمد بن الحسن يكثرون عنه، وكان كوفيًّا جعفيًّا".
قلت: هو من أقران أبي حنيفة (150هـ)، وقد رُوي حديث ماعز عن أبي
حنيفة!!
روى أبو يوسف القاضي في كتاب «الآثار» (ص: 157) (719) عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ أَتَاهُ مَاعِزُ بنُ
مَالِكٍ، فَقَالَ: إِنَّ الْآخَرَ قَدْ زَنَى، فَرَدَّهُ، ثُمَّ أَتَاهُ
فَرَدَّهُ، ثُمَّ أَتَاهُ، فَرَدَّهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الرَّابِعَةَ فَسَأَلَ عَنْهُ
قَوْمَهُ: هَلْ تُنْكِرُونَ مِنْ عَقْلِهِ شَيْئًا؟ قَالُوا: لا، قَالَ: فَأَمَرَ
بِهِ فَرُجِمَ، فَأُتِيَ بِهِ أَرْضًا قَلِيلَةَ الْحِجَارَةِ، فَلَمَّا أَبْطَأَ
عَلَيْهِ الْمَوْتُ انْطَلَقَ يَسْعَى إِلَى أَرْضٍ كَثِيرَةِ الْحِجَارَةِ،
وَتَبِعَهُ النَّاسُ حَتَّى قَتَلُوهُ، فَلَمَّا أُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ قَالَ: فَهَلَّا خَلَّيْتُمْ سَبِيلَهُ. قَالَ:
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: هَلَكَ مَاعِزٌ وَأَهْلَكَ، وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: إِنَّا لَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ تَوْبَتَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ
تَابَهَا فِئَامُ النَّاسِ لَقُبِلَ مِنْهُمْ» فَطَمِعَ قَوْمُهُ فِي جَسَدِهِ،
فَكَلَّمُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ، فَقَالَ:
«افْعَلُوا بِهِ كَمَا تَفْعَلُونَ بِمَوْتَاكُمْ مِنَ الْكَفَنِ وَالصَّلَاةِ
عَلَيْهِ».
ورواه أبو طاهر المُخلِّص في «المخلصيات» (4/15) (2919) عن أبي حامدٍ
محمد بن هارونَ الحضرميّ، عن إسحاق بن أبي إسرائيلَ، عن أبي يوسفَ القاضي، به،
مثله.
ورواه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (1/379) (432) من طريق إسْمَاعِيل
بن سَالِمٍ الصَّائِغ، عن أَبي مُعَاوِيَةَ، عن النُّعْمَان بن ثَابِتٍ أبي حنيفة،
به، مختصراً.
وروى أبو نُعيم في «مسند أبي حنيفة» (ص: 149) من طريق مُحَمَّد بن
عَبْدِاللَّهِ الحَضْرَمِيّ، قال: حدثَنَا مَالِكُ بنُ الْهُذَيْلِ، قال: حدثَنَا
أَبُو حَنِيفَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ قَوْمٌ: هَلَكَ وَأَهْلَكَ، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا
بَرِحُوا أَنْ يَكُونَ تَوْبَتَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا أَهْلُ
الْمَدِينَةِ لَقُبِلَ مِنْهُمْ».
قال أبو نعيم: "مَالِكُ بنُ الهُذَيْلِ، يُكْنَى: أَبَا
السَّرِيِّ. رَوَاهُ حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ، وَأَبُو يُوسُفَ، والمُقْرِئُ،
وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ، والحَسَنُ بنُ زِيَادٍ، والحَسَنُ بنُ الفُرَاتِ،
وسَعِيدٌ، وَأَيُّوبُ وابنُ هَانِئٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَسْرُوقٍ".
قلت: فالحديث مشهور عن أبي حنيفة عند أهل الكوفة يرويه عن علقمة بن
مرثد عن ابن بريدة عن أبيه!! وأبو حنيفة لا يُحتج به في الحديث.
وأكبر ظنّي أن حديث أبي حنيفة هو أصل حديث يحيى المحاربي، ولعل
محمد بن أبان أخذه من محمد بن الحسن! وقد رواه محمد بن الحسن عن أبي حنيفة! وقد
أكثر محمد بن الحسن عن محمد بن أبان.
·
حديث بشِير بن المُهَاجِرِ عن
عَبْداللهِ بن بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ:
وأما حديث بَشِير بن المُهَاجِرِ، عن عَبْداللهِ بن بُرَيْدَةَ،
عَنْ أَبِيهِ:
فأخرجه ابن أبي شيبة في «مسنده» (5/538) (28772)، و(5/543) (28809)
عن عبدالله بن نمير الكوفي.
والدارمي في «مسنده» (3/1497) (2369)، وأحمد في «مسنده» (38/26)
(22942)، و(38/37) (22949) عن أَبي نُعَيْمٍ الفضل بن دُكين.
والنسائي في «السنن الكبرى» (6/432) (7159) عن أَحْمَد بن يَحْيَى
الصُّوفِيّ الكُوفِيّ، عن أَبي نُعَيْمٍ.
وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (6/418) (7129) عن وَاصِل بن
عَبْدِالأَعْلَى، عن محمد بن فُضَيْلٍ بن غزوان الكوفي.
وأبو داود في «سننه» (6/488) (4442) عن إبراهيم بنُ موسى الرازيّ،
عن عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي.
والحاكم في «المستدرك» (4/402) (8078) من طريق مُعَاذ بن نَجْدَةَ
القُرَشِيّ، عن خَلَّاد بن يَحْيَى بن صفوان الكوفي.
كلهم عن بَشِير بن المُهَاجِرِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، به. مطولاً، وبعضهم رواه مختصراً.
·
الحكم على الحديث:
قال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ
مُسْلِمٍ، فَقَدِ احْتَجَّ بِبَشِيرِ بنِ مُهَاجِرٍ".
وأما تخريج الإمام مسلم لهذا الحديث فإنه يدلّ على صحته، وقد ذكره
في الشواهد على اعتبار أنه بدأ بروايات أخرى.
وقد يُسلّم بعض طلبة العلم بتعليل هذا الحديث ويقول بأنه طالما
أخرجه في الشواهد فيُتساهل في ذلك، وقد يقول بعضهم: تخريجه له هكذا لأنه أراد
تعليله!!
وبعض ذلك من باب الاحتمال والظنّ! والأصل أنه خرّجه لثبوت تصحيحه
عنده وخاصة رواية سليمان بن بريدة عن أبيه، وقد يُسلّم أنه أراد تعليل رواية بشير
بن المهاجر! على أنه قد ينازع بعضهم أن حديث بشير عن عبدالله بن بريدة متابعة
لرواية سليمان بن بريدة!!
·
كيفية ترتيب مسلم لأحاديث الباب:
وقد بدأ مسلم في الباب بتخريج حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، ثم حديث جَابِرِ
بنِ سَمُرَةَ، ثم حديث ابنِ عَبَّاسٍ، ثم حديث أَبِي سَعِيدٍ الخدري، ثم حديث
بريدة بن الحُصَيْب، ثم ختم الباب بحديث عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ في أن امْرَأَةً
مِنْ جُهَيْنَةَ زنت.
والملاحظ أن هذه الأحاديث كلها مختصرة إلا ما رُوي عن بريدة بن الحُصَيْب!!
فروى مسلم حديث ابنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ
عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وَسَعِيدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
أَنَّهُ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَنَادَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللهِ، إِنِّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَتَنَحَّى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَقَالَ
لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، حَتَّى ثَنَى
ذَلِكَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ
شَهَادَاتٍ دَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
«أَبِكَ جُنُونٌ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَهَلْ أَحْصَنْتَ؟» قَالَ: نَعَمْ،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اذْهَبُوا بِهِ
فَارْجُمُوهُ»، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ
عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: فَكُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ، فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى،
فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ، فَأَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ،
فَرَجَمْنَاهُ.
وهذا أصح حديث في الباب، وقد أخرجه كذلك البخاري في «صحيحه» في
مواضع.
ثم روى مسلم حديث سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ،
قَالَ: رَأَيْتُ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ جِيءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ قَصِيرٌ، أَعْضَلُ، لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ،
فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَنَّهُ زَنَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَعَلَّكَ؟» قَالَ: لَا، وَاللهِ إِنَّهُ
قَدْ زَنَى الْأَخِرُ، قَالَ: فَرَجَمَهُ، ثُمَّ خَطَبَ، فَقَالَ: «أَلَا كُلَّمَا
نَفَرْنَا غَازِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ، خَلَفَ أَحَدُهُمْ لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ
التَّيْسِ، يَمْنَحُ أَحَدُهُمُ الكُثْبَةَ، أَمَا وَاللهِ، إِنْ يُمْكِنِّي مِنْ
أَحَدِهِمْ لَأُنَكِّلَنَّهُ عَنْهُ».
وسماك بن حرب ليس على شرط البخاري، وخرّج له تعليقاً. والحديث فيه
نكارة شديدة!! لأنه يُفهم منه أن ماعزا قد زنى بامرأة رجل كان في الغزو في سبيل
الله!!!
ثم روى مسلم حديث سِماك بن حرب، عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابنِ
عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمَاعِزِ بْنِ
مَالِكٍ: «أَحَقٌّ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ؟» قَالَ: وَمَا بَلَغَكَ عَنِّي؟ قَالَ:
«بَلَغَنِي أَنَّكَ وَقَعْتَ بِجَارِيَةِ آلِ فُلَانٍ؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:
فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ.
ولم يروه عن سعيد بن جبير إلا سماك بن حرب!! ولفظه غريب!!! إذ أن
ماعز بن مالك هو من جاء إليه صلى الله عليه وسلم لا أنه هو من سأله!!
ثم روى مسلم حديث داود بن أبي هند، عن أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ، يُقَالُ لَهُ مَاعِزُ بنُ مَالِكٍ، أَتَى
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ
فَاحِشَةً، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَرَدَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِرَارًا، قَالَ: ثُمَّ سَأَلَ قَوْمَهُ، فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُ بِهِ
بَأْسًا إِلَّا أَنَّهُ أَصَابَ شَيْئًا يَرَى أَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْهُ
إِلَّا أَنْ يُقَامَ فِيهِ الحَدُّ، قَالَ: فَرَجَعَ إِلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَنَا أَنْ نَرْجُمَهُ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا بِهِ
إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، قَالَ: فَمَا أَوْثَقْنَاهُ، وَلَا حَفَرْنَا لَهُ،
قَالَ: فَرَمَيْنَاهُ بِالعَظْمِ، والمَدَرِ، والخَزَفِ، قَالَ: فَاشْتَدَّ،
وَاشْتَدَدْنَا خَلْفَهُ حَتَّى أَتَى عُرْضَ الْحَرَّةِ، فَانْتَصَبَ لَنَا
فَرَمَيْنَاهُ بِجَلَامِيدِ الْحَرَّةِ - يَعْنِي الْحِجَارَةَ - حَتَّى سَكَتَ،
قَالَ: ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا مِنَ
الْعَشِيِّ، فَقَالَ: «أَوَ كُلَّمَا انْطَلَقْنَا غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ
تَخَلَّفَ رَجُلٌ فِي عِيَالِنَا، لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التَّيْسِ، عَلَيَّ أَنْ
لَا أُوتَى بِرَجُلٍ فَعَلَ ذَلِكَ إِلَّا نَكَّلْتُ بِهِ»، قَالَ: فَمَا
اسْتَغْفَرَ لَهُ وَلَا سَبَّهُ.
وهذا تفرد به داود بن أبي هند عن أبي نضرة!!! وداود له أخطاء!
وتفرده لا يُحتمل!! بل أصل هذا الحديث هو حديث سماك السابق.
وقد رُوي عنه بإسناد آخر قصة أخرى! فلعله اشتبه عليه سيما والقصة
يرويها سماك بن حرب، وحديثنا هذا يرويه أيضاً سماك بن حرب!
روى البيهقي في «سننه الكبرى» (8/377) من طريق عَبْدالوَهَّابِ
الثَّقَفِيّ، عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عَنْ
رَجُلٍ، مِنْ بَنِي عِجْلٍ قَالَ: «جِئْتُ مَعَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -
بِصِفِّينَ، فَإِذَا رَجُلٌ فِي زَرْعٍ يُنَادِي: إِنِّي قَدْ أَصَبْتُ فَاحِشَةً،
فَأَقِيمُوا عَلَيَّ الحَدَّ، فَرَفَعْتُهُ إِلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-،
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: هَلْ تَزَوَّجْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَخَلْتَ بِهَا؟
قال: لا، قال: فَجَلَدَهُ مِائَةً، وَأَغْرَمَهُ نِصْفَ الصَّدَاقِ، وَفَرَّقَ
بَيْنَهُمَا».
وحديث المرأة أيضاً يرويه سماك كذلك!
روى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (5/542) (28808) عن أبي الأحوص، عن
سماك، عن الحسن، قال: جاءت امرأة من بارق إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فقالت: إني قد زنيت فأقم في حد الله، قال: فردها النبي عليه السلام حتى
شهدت على نفسها شهادات، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «ارجعي» فلما وضعت
حملها أمرها النبي صلى الله عليه وسلم فتطهرت، ولبست أكفانها، ثم أمر بها فرجمت، فأصاب
خالد بن الوليد من دمها فسبها، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «لقد
تابت توبة لو تابها صاحب مكس لقبل منه».
ولعل هذه الرواية المرسلة هي أصل حديث الغامدية!!
ثم روى مسلم حديث يَحْيَى بن يَعْلَى بن الحَارِثِ المُحَارِبِيّ، عن
أبيه، عَنْ غَيْلَانَ بن جَامِعٍ المُحَارِبِيُّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ،
عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، بطوله.
ثم روى حديث بَشِير بن المُهَاجِرِ، عن عَبْداللهِ بن بُرَيْدَةَ،
عَنْ أَبِيهِ، بطوله أيضاً.
وختم بحديث يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ
الجرمي، عَنْ أَبي المُهَلَّبِ الجرمي - عمّ أبي قلابة -، عَنْ عِمْرَانَ بنِ
حُصَيْنٍ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَى، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ
اللهِ، أَصَبْتُ حَدًّا، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَدَعَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيَّهَا، فَقَالَ: «أَحْسِنْ إِلَيْهَا، فَإِذَا وَضَعَتْ
فَأْتِنِي بِهَا»، فَفَعَلَ، فَأَمَرَ بِهَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمَّ
صَلَّى عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا نَبِيَّ اللهِ
وَقَدْ زَنَتْ؟ فَقَالَ: «لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ
سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً
أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى؟».
قال عنه الترمذي: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ".
وهو مشهور عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن
عمران، رواه عن يحيى جماعة.
لكن خالفه أيوب السختياني، فلم يذكر "أبا المهلب"!
رواه عبدالرزاق في «مصنفه» (7/325) (13347) عَنْ مَعْمَرٍ، والثَّوْرِيِّ،
عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ عِمْرَانَ، قَالَ: اعْتَرَفَتِ
امْرَأَةٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالزِّنَا،
فَأَمَرَ بِهَا، فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ رَجَمَهَا، ثُمَّ صَلَّى
عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجَمْتَهَا، ثُمَّ تُصَلِّي
عَلَيْهَا؟ فَقَالَ: «لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ
مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ شَيْئًا أَفْضَلَ بِأَنْ
جَادَتْ بِنَفْسِهَا للَّهِ».
وقد تكلّم بعض النقاد في رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة! لكن
ثبتها الإمام أحمد.
سئل أَحْمَد بن حَنْبَلٍ: يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيرٍ سَمِعَ مِنْ
أَبِي قِلَابَةَ؟ فَقَالَ: "لا أَدْرِي بِأَيِّ شَيْءٍ يَدْفَعُ!"، قيل:
زَعَمُوا أَنَّ كُتُبَ أَبِي قِلَابَةَ وَقَعَتْ إِلَيْهِ! قالَ: "لا"
[المراسيل: ص240].
وعندي أن رواية أيوب أثبت من رواية يحيى بن أبي كثير! وهي منقطعة!
ولعل يحيى سلك فيها الجادة؛ لأنه يروي كثيراً عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن
عمران. والله أعلم.
ورُوي عن عمران بإسناد آخر منكر!!
رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (18/228) (569) من طريق عُبيداللهِ
بن أَبِي حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ قَالَ:
أَتَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا
رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا زَنَتْ، فَقَالَتْ ذَلِكَ مِرَارًا، فَقَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّكُمْ يَأْوِي هَذِهِ؟» قَالَ رَجُلٌ
مِنَ القَوْمِ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «فَانْطَلِقْ بِهَا فَلْتَكُنْ
تُمْهِلْ، فَإِذَا وَضَعَتْ فَائْتِنِي بِهَا» فَأَتَى بِهَا إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا وَضَعَتْ، فَأَمَرَ بِهَا، فَرُجِمَتْ
ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «تَقَدَّمُوا فَصَلُّوا عَلَيْهَا» قَالَ
عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنصَلِّي عَلَيْهَا؟ قَالَ: «لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً
لَوْ تَابَهَا سَبْعُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَة لَقُبِلَ مِنْهُمْ».
وهذا إسناد منكر! عبيدالله بن أبي حميد منكر الحديث متروك.
قال أحمد: "ترك الناس حديثه".
قال البخاري في «التاريخ الأوسط» (2/44): "عبيدالله بن أبي
حميد أَبُو الخطاب البَصْرِيّ يروي عَن أبي المليح عجائب".
وقال في «التاريخ الكبير» (5/377): "منكر الحديث".
وقال النسائي في «الضعفاء» (ص: 66): "عبيدالله بن أبي حميد
يروي عَن أبي الْمليح: مَتْرُوك الحَدِيث، كُوفِي".
وقال أبو حاتم الرازي: "منكر الحديث، ضعيف الحديث".
وقال ابن حبان في «المجروحين» (2/65): "وكَانَ مِمَّن يقلب
الْأَسَانِيد وَيَأْتِي بالأشياء الَّتِي لَا يشك مَنِ الْحَدِيثُ صِنَاعَتُهُ أَنَّهَا
مَقْلُوبَةٌ فَاسْتحقَّ التّرْك لما كثر فِي رِوَايَته، وَهُوَ الَّذِي يروي عَنهُ
البصريون وَيَقُولُونَ: عبيدالله بن غَالب حَتَّى لا يُعرف".
فهذه الأحاديث التي رتبها الإمام مسلم في هذا الباب، فهل يُعقل أن
يكون صحح الرواية الأولى والبقية أراد تعليلها؟!! هذا فيه بُعد شديد!
وهل يمكن أن يكون أخرجها كشواهد، والشواهد يُتساهل فيها؟ أم أنه
يصححها جميعها؟!
فإن كان كذلك فهذه الروايات كلها معلولة باستثناء الرواية الأولى
التي اتفق مع البخاري في تخريجها.
وحديث الغامدية لا يوجد مسنداً بهذا التفصيل إلا في الحديث الذي
رُوي عن ابني بريدة!! وفيهما بعض النكارة!! فروي فِي رَجْمِ مَاعِزٍ أَنَّهُ
حُفِرَ لَهُ حُفْرَةٌ!! وقد رُوِيَ فِي رَجْمه أَنَّهُ هَرَبَ، وَلَوْ كَانَ
مَشْدُودًا أَوْ فِي حُفْرَةٍ لَمْ يُمْكِنْهُ الهَرَبَ! وفِي الغَامِدِيَّةِ
فَحَفَرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ
الحَفْرِ!!
وكذا ما ذكر من سبّ خالد لها! وقوله صلى الله عليه وسلم له: «لقد
تابت توبة لو تابها صاحب مكس لقبل منه»!!!
فأصل حديث الغامدية مرسل كما سبق بيانه من مراسيل الحسن (110هـ)،
وكذا رُوي من مراسيل عطاء بن أبي رباح (114هـ).
روى عبدالرزاق الصنعاني في «مصنفه» (7/324) (13345) عَنْ مَعْمَرٍ،
عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ: «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَرَفَتْ عَلَى نَفْسِهَا
بِالزِّنَا، فَرَدَّهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَقَالَتْ لَهُ فِي الرَّابِعَةِ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَتُرِيدُ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزَ بنَ مَالِكٍ؟
قَالَ: فَأَخَرَّهَا حَتَّى وَضَعَتْ، ثُمَّ قَالَ: أَرْضِعِيهِ، فَقَالَ رَجُلٌ
إِلَيَّ رَضَاعُهُ، فَأَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ».
وهذه المراسيل تقضي على ما رُوي عن ابني بريدة عن أبيهما.
·
حال بَشِيرِ بنِ المُهَاجِرِ الغَنَوِيّ
الكوفي:
وحديث عبدالله بن بريدة عن أبيه تفرد به بشير بن المهاجر!! وهو
ضعيف لا يُحتج به.
قال إِسْحَاق بن منصور، عَنْ يحيى بن مَعِين: "ثقة".
وقال حرب: قال أحمد: "بشير بن مهاجر يقولون كان مرجئًا، ولكنه
صالح الحديث".
وقال حَمْدَانُ بنُ عَلِيٍّ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ:
بَشِيرُ بنُ المُهَاجِرِ يَرْوِي عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ؟ قال: "كُوفِيٌّ
مُرْجِيءٌ مُتَّهَمٌ يَتَكَلَّمُ".
وقال أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ أبو بكر الأثرم: سَمِعْتُ أَبَا
عَبْدِاللَّهِ - وذَكَرَ بَشِيرَ بنَ المُهَاجِرِ - فَقَالَ: "مُنْكَرُ الحَدِيثِ،
قَدِ اعْتَبَرْتُ أَحَادِيثَهُ فَإِذَا هُوَ يَجِيءُ بِالعَجَبِ".
وقَالَ الأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِاللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ
الزَّانِي، يُرَدَّدُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ، عَلَى حَدِيثِ
مَاعِزٍ، هُوَ أَحْوَطُ". قُلْت لَهُ: فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، أَوْ فِي
مَجَالِسَ شَتَّى؟ قالَ: "أَمَّا الْأَحَادِيثُ، فَلَيْسَتْ تَدُلُّ إلَّا
عَلَى مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، إلَّا ذَاكَ الشَّيْخَ بَشِيرَ بنَ مُهَاجِرٍ، عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَذَاكَ عِنْدِي مُنْكَرُ الحَدِيثِ".
[المغني لابن قدامة (9/65)].
• قول البخاري ونقل المزي له،
وتعقّب مغلطاي للمزي! وأخذ بشار كلام مغلطاي! وبيان زيادة كلمة في الترجمة!!!
وقَال البُخارِيُّ: "يُخالف فِي بعض حديثه".
كذا نقله المزي في «تهذيبه» (4/177)، فتعقّبه محقق الكتاب د. بشار
عواد، فقال في الحاشية: "كذا نقل المزي عن البخاري، لكن الذي يمعن النظر في
تاريخ البخاري يجد أن الإمام البخاري لم يطلق عليه هذه العبارة إلا مقيدة بحديث
معين. قال: حَدَّثَنَا خلاد، قال: حدينا بشير بن المهاجر، قال: سَمِعْتُ
عَبْدَاللَّهِ بنَ بريدة عَن أبيه، قال: سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسَلَّمَ يقول: رأس مئة سنة يبعث الله ريحا باردة يقبض فيها روح كل مسلم. قال أبو
عبدالله: يخالف في بعض حديثه هذا".
قلت: ما ذكره د. بشار عواد هو كلام مغلطاي في «إكماله» (2/424)
أخذه منه وغيّر في بعض كلماته! ولم ينسبه له! مع أنه وقف على كتاب مغلطاي وأحال
عليه في حواشيه في مواضع كثيرة!
قال مغلطاي: "وفي قول المزي: قال البخاري: يخالف في بعض
حديثه. نظر! من حيث إن البخاري قال هذا مقيداً بحديث لا مطلقاً، يبين لك ذلك
بسياقة كلامه، وهو: بشير بن مهاجر الغنوي الكوفي رأى أنساً. ثنا خلاد، ثنا بشير بن
المهاجر قال: سمعت عبدالله بن بريدة عن أبيه قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: «رأس مائة سنة يبعث الله تعالى ريحاً باردة تقبض فيها روح كل مسلم».
قال أبو عبدالله: يخالف في بعض حديثه هذا".
قلت: ما نقله المزي عن البخاري هو الصواب، وكأنه في بعض نسخ
التاريخ زيادة كلمة "هذا"!!
ولما نقل ابن عدي كلام البخاري في كتابه في ترجمة بشير بن المهاجر
لم يذكر هذه الكلمة.
قال في «الكامل» (2/181): "حَدَّثَنَا ابن حَمَّاد: وحدثنا
البُخارِيّ قَالَ: بشير بن مهاجر الغنوي رأى أنس، يخالف في بعض حديثه".
فتبيّن أن كلمة "هذا" زائدة في بعض النسخ، ولا معنى لها
أصلاً!! فلو ثبتت أنها في عبارة البخاري فكيف يكون قد خالف في حديثه هذا؟!! هو
تفرد به عن عبدالله بن بريدة بهذا الإسناد! ولم يُتابع عليه! فكيف خالف في بعض
حديثه هذا؟!! وكلمة "بعض" لا تجيء في المخالفة في حديث واحد! وإنما
يُعبّر بها أهل النقد للكلام على مخالفة الراوي في بعض حديثه أي مجموع حديثه،
والله أعلم.
وقَال أبو حاتم: "يُكتب حديثه، ولا يُحتج بِهِ".
وقال النسائي في «الضعفاء» (ص: 23): "بشير بن مهَاجر لَيْسَ
بِالقَوِيّ".
ونقل المزي في «تهذيب الكمال» (4/177) عن النسائي أنه قال فيه:
"ليس به بأس"!!!
فلا أدري هل أصاب المزي في نقله من كتاب آخر للنسائي أم لا!!!
والذي يُعتمد عنه ما في كتابه في الضعفاء ولو ثبت عنه ما نقله المزي.
وذكر ابن عدي حديثه هذا في منكراته، ثم قال: "ولِبَشِيرِ بنِ
مُهَاجِرٍ أحاديث غير ما ذكرت عنِ ابنِ بُرَيْدَةَ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ رَوَى مَا
لا يُتَابَعُ عَليه، وَهو مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَعْضُ
الضَّعْفِ".
وقال العقيلي: "مرجئ متهم، يتكلم فيه منكر الحديث، قاله
الإمام أحمد بن حنبل".
وقال ابن حبان في «الثقات» (6/98): "بشير بن المُهَاجر الغنوي
من أهل الكُوفَة، يَرْوِي عَن عَبْدالله بن بُرَيْدَة، وَقد روى عَن أنس وَلم يره،
دلّس عَنهُ. روى عَنهُ ابن نمير وخلاد بن يحيى. يُخطئ كثيراً".
وقال الساجي: "منكر الحديث، عنده مناكير عن عبدالله بن
بريدة أحاديث عدد يطول ذكرها". وفي كتاب ابن الجارود: "يخالف في
بعض حديثه". [إكمال تهذيب الكمال (2/423)].
وقال العجلي: "ثقة".
ولما خرج الحاكم حديثه في «مستدركه» قال: "احتج به مسلم في
صحيحه".
·
قول ابن حجر، وتعقّب صاحبي
التحرير له!! والرد عليهما!
وقال ابن حجر: "صدوق لين الحديث رُمِيَ بالإرجاء".
فتعقبه صاحبا التحرير (1/178) فقالا: "بل: ضعيفٌ يُعتبر به،
فقد قال أحمد بن حنبل: منكر الحديث، قد اعتبرت أحاديثه فإذا هو يجيء بالعجب. وقال
ابن عدي - بعد أن خَبَر حديثه أيضاً -: روى ما لا يتابع عليه، وهو ممن يكتب حديثه
وإن كان فيه بعض الضعف، وقال العقيلي: منكر الحديث. ولا نعلم وثقه كبير أحد سوى
ابن معين. وكلام أحمد فيه من الجرح المفسر".
قلت: صاحبا التحرير يبدو أنهما لا يفهمان قول ابن حجر "صدوق
لين الحديث"!! فلين الحديث يعني أنه فيه ضعفاً = يعني يكتب حديثه للاعتبار.
وهذا يوافق أقوال الأئمة فيه كما قال ابن عدي.
وكأنهما تعقباه بقولهما: "يعتبر به"! لوجود كلمة
"الاعتبار" في كلام الإمام أحمد!! وهذا من العجب العجاب! فأحمد لا يقصد
الاعتبار كحكم كلي على الراوي، وإنما هو قد اعتبر حديثه فوجده يأتي بالعجب.
وما نقلاه عن العقيلي من قوله فيه: "منكر الحديث"! لا
يصح! فالعقيلي نقل هذا عن أحمد، ولا شك أنه يوافقه في هذا.
وأما من وثقه، فنعم وثقه ابن معين وهو من الكبار، وكذا وثقه العجلي
وابن حبان وهما من الكبار كذلك، مع نص ابن حبان على أنه يخطئ كثيراً، وهذا يوافق
قول الحافظ ابن حجر بأنه صدوق ليّن الحديث.
وأما أن كلام الإمام أحمد من الجرح المفسر فلا اعتراض عليه، وإن
كان الإتيان به للرد على توثيق ابن معين له مطلقاً، لكن قول الإمام أحمد لا يدل
على الاعتبار الذي ذهبا إليه! بل هو عنده منكر الحديث ولا يُعتبر بحديثه عنجه.
·
متابعة منكرة لبشير بن المهاجر!
روى الخطيب البغدادي في «تاريخه» (3/16) في ترجمة «محمد بن الحسين
يعرف بحمدي» من طريق مُحَمَّد بن مَخْلَدٍ الدوري العطّار، قالَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ يُعْرَفُ بِحَمْدِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا بِشْرُ بنُ الوَلِيدِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الخُلْقَانِيُّ، عَنْ يُوسُفَ بنِ صُهَيْبٍ، عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ الغَامِدِيَّةَ أَرْبَعَ مِرَارٍ نَحْوًا مِنْ ثَلاثِ
سِنِينَ، كُلُّ ذَلِكَ تُقِرُّ بِالزِّنَا، ثُمَّ رَجَمَهَا بَعْد سِنِينَ».
قلت: هذا إسناد منكر! تفرد به حمدي هذا! وهو مجهول الحال!! ذكره
الخطيب في كتابه وترجم له من خلال هذا الحديث فقط.
·
من أوهام بشير بن المهاجر على ابن
بريدة!
ومن أوهام بشير بن المهاجر التي أخطأ فيها على عبدالله بن بريدة:
·
تعليل أبي حاتم رواية لضعيف
برواية أخرى منكرة!
- قال ابن أبي حاتم في «العلل» (2/603): وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ
رَوَاهُ عُبَيدالله بنُ مُوسَى، عَنْ بَشِير بنِ مُهاجِر، عَنِ ابنِ بُرَيْدة،
عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مَنَعَ قَوْمٌ
الزَّكَاةَ إِلاَّ حُبِسَ عَنْهُمُ القَطْرُ، ولاَ نَقَصَ قَوْمٌ المِكْيَالَ...،
الحديثَ»؟
قال أَبِي: "رَوَاهُ حُسَين بنُ واقِد، عَنِ ابنِ بُرَيْدة،
عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، موقوفً؛ وهو أشبَهُ".
وقال أيضاً (6/577): وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ عليُّ بنُ
الحَسَنِ بنِ شَقِيق، عَنِ الحُسَيْنِ بنِ واقِد، عَنِ عبدالله بنِ بُرَيدة، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: «مَا نقَضَ قومٌ العَهدَ إِلا أَظْهَرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
عدوَّهم، وَمَا جارَ قومٌ فِي الحُكْمِ إِلا كَانَ القتلُ بَيْنَهُمْ، وَمَا
فَشَتِ الفاحشةُ فِي قومٍ إِلا أخذَهُمُ اللَّهُ بِالْمَوْتِ، وَمَا طَفَّفَ قومٌ
فِي المِيزَانِ إِلا أخذَهُمُ اللَّهُ بالسِّنين، وَمَا مَنَعَ قومٌ الزَّكَاةَ
إِلا مَنعَهُم اللَّهُ القَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ»؟
قالَ أَبِي: "حدَّثنا به عُبَيدالله بنُ مُوسَى، عَنْ بَشير
بنِ مُهَاجِر، عَنِ ابنِ بُرَيدة، عَنْ أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم،
وَهُوَ وَهَمٌ! عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ أشبهُ".
وذكره البزار الرواية المرفوعة في «مسنده» [كما في «كشف الأستار عن
زوائد البزار» (4/104) ثم قال: "لا نَعْلَمُ رَوَاهُ إِلا بُرَيْدَةُ، وَلا
نَعْلَمُ لَهُ عَنْهُ إِلا هَذَا الطَّرِيقَ".
·
تصحيح وتحسين المتأخرين للروايات
الضعيفة بمجموع الطرق!
حديث «مَا مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكَاةَ إِلاَّ حُبِسَ عَنْهُمُ
القَطْرُ، ولاَ نَقَصَ قَوْمٌ المِكْيَالَ...»!
وخرّج الحاكم الرواية المرفوعة أيضاً في «المستدرك» (2/136) (2577)
ثم قال: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
وقال ابن حجر في «فتح الباري» (10/193): "وفِي حَدِيثِ
بُرَيْدَةَ عِنْدَ الحَاكِمِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ بِلَفْظِ: وَلَا
ظَهَرَتِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمَوْتَ".
وقال في «المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية» (5/633) (950)
بعد أن ذكر رواية البزار: "هذا إِسْنَادٌ حَسَنٌ".
وقال في «بذل الماعون» (ص212) بعد أن ذكر الرواية المرفوعة: "وله
علة غير قادحة؛ أخرجه البيهقي في «الكبرى» من طريق عبدالله بن المبارك، عَنْ حُسَيْنِ
بنِ وَاقِدٍ، عَنْ عبدالله بنِ بُرَيْدَةَ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، ويَحْتمل أن يكونا
محفوظين، وإلا فهذه الطريق أرجح؛ لاحتمال أن يكون بشير بن المهاجر سلك الجادَّة".
وقال السخاوي في «الأجوبة المرضية» (3/1169): "وأورده في
«المختارة»، فأدنى مراتبه أن يكون عنده حسنًا، وكذا حسَّن شيخنا في تصانيفه
إسناده، وكأنه إنما لم يطلق الحكم لكون بشير خولف فيه".
وذكره الألباني في «سلسلة الأحاديث الصحيحة» (107) وقال عن الرواية
الموقوفة: "وإسناده صحيح، وهو موقوف في حكم المرفوع، لأنه لا يُقال من قبل
الرأي".
ثم أورد للحديث بعض المتابعات الواهية! ثم قال: "وبالجملة
فالحديث بهذه الطرق والشواهد صحيح بلا ريب".
قلت: بعض أهل العلم صحح الحديث المرفوع مطلقاً! وهذا خطأ بيّن؛ لأن
تفرد بشير بن المهاجر لا يُحتمل!
·
عبدالله بن بريدة لم يسمع من ابن
عباس!
ومنهم من أعلّ رواية بشير المرفوعة برواية حسين بن واقد المروزي
الموقوفة على ابن عباس! وهذا خطأ أيضاً! لأن رواية حسين بن واقد عن عبدالله بن
بريدة منكرة كما قال أحمد. ولا يُعرف لعبدالله بن بريدة سماعاً من ابن عباس!! بل
في كثير من الآثار وجود واسطة بين عبدالله بن بريدة وابن عباس وهو «يحيى بن يعمر»،
كما في «مصنف ابن أبي شيبة».
بل إن مسلماً روى في «صحيحه» (4/2086) من طريق الحُسَيْن المعلّم،
قال: حَدَّثَنِي ابنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ،
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُولُ: «اللهُمَّ
لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ،
وَبِكَ خَاصَمْتُ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا
أَنْتَ، أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، والجِنُّ
وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ».
فالحديث الموقوف منقطع بين ابن بريدة وابن عباس!
والحديث ليس بحسن ولا يُصحح بهذه الشواهد والمتابعات الواهية!! ولا
يصح لا عن بريدة مرفوعاً، ولا عن ابن عباس موقوفاً.
ولا أستبعد أن يكون بشير بن المهاجر أخذ الحديث من حسين بن واقد أو
العكس فأخطأ أحدهما في روايته!
·
سلوك الجادة!
- قال ابن أبي حاتم في «العلل» (6/524) (2721): وسألتُ أَبِي وَأَبَا
زُرْعَةَ عَنْ حديثِ بَشير بنِ المُهاجِر، عَنِ ابنِ بُرَيدة، عَنْ أَبِيهِ؛ فِي
قصَّة الجَسَّاسَة: مَا عِلَّته؟
فقالا: "لَهُ عَوْرة".
قلتُ: ومَا هي؟
قالا: "روى عبدالوارث، عن حُسين بن ذَكْوان المعلِّم، عَنِ ابنِ
بُرَيدة، عَنِ الشَّعبي، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْس، عن النبيِّ صلى الله عليه
وسلم فِي ذَلِكَ".
قالا: "فَأَفْسَدَ هَذَا الحديثُ حديثَ بشير".
وسئل الدارقطني في «العلل» (15/375) (4082) عن حديث فاطمة بنت قيس،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ تميم الداري، حديث
الجساسة؟.
فقال: "يرويه [عَوْنُ بنُ كَهْمَسٍ، عن أَبِيه، عن] عَبْداللَّهِ
بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ يعمر، عن فاطمة.
وخالفه بشير بن المهاجر؛ فرواه عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وخَالَفَهُ حسين المعلم؛ فرواه عن ابن بريدة، عن الشعبي، عن فاطمة".
قلت: سلك بشير بن المهاجر الجادة، فرواه عن عبدالله بن بريدة عن
أبيه، فوهم!!
وضبطه حسين المعلّم - وهو من أوثق الناس في عبدالله بن بريدة -
فرواه عن ابن بريدة، عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس.
·
سقط في مطبوع «علل الدارقطني»!
وما بين المعكوفتين [عَوْنُ بنُ كَهْمَسٍ، عن أَبِيه، عن]
ليست في كتاب الدارقطني، وإنما هي زيادة مني؛ لأن الكلام لا يستقيم إلا بها،
وكأنها سقطت من بعض النسخ!
ورواية عون بن كهمس عن أبيه أخرجها ابن حبان في «صحيحه» (15/193) (6787)
عن هَارُون بن عِيسَى بنِ السُّكَيْنِ، عن الفَضْلِ بن مُوسَى مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْنُ بنُ كَهْمَسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ أَنَّهُ قَالَ
لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ.
وفي «معجم ابن المقرئ» (ص: 295) (953) عن أَبي عَبْدِالرَّحْمَنِ
عَبْداللَّهِ بن عَلِيِّ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِالعَزِيزِ بنِ
عَبْدِاللَّهِ بنِ عَبْدِاللَّهِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ المَوْصِلِيّ، عن
الفَضْل بن مُوسَى البَصْرِيّ: حدثنا عَوْنُ بنُ كَهْمَسِ بنِ الحَسَنِ، قال: حَدَّثَنِي
أَبِي، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: أَرَى حَدَّثَهُ عَنْ
يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ، أَنَّهُ قَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا، فذكر الحديث بطوله.
قلت: ففي رواية ابن المقرئ: "أرى حدثه عن يحيى بن يعمر"!
فكأن بعضهم لم يضبط الرواية، فذكر يحيى بن يعمر؛ لأن عبدالله بن بريدة يروي عن
يحيى بن يعمر عن ابن عمر الحديث المشهور في القدر.
وربما يكون الوهم فيه من عون بن كهمس، وهو صدوق قليل الرواية،
وكأنه بسبب قلّة روايته قال فيه أحمد: "لا أعرفه".
·
إلزام مسلم بتخريج بعض الأحاديث
في بعض الأبواب!
خرّج الإمام مسلم في باب رجم الزاني
المحصن حديث بشير بن المهاجر عن عبدالله بن بريدة عن أبيه، كما سبق بيان ذلك.
فإن كان خرّجه تصحيحاً له أو تعليلاً فكان
لزاماً عليه أن يخرّج له بهذا الإسناد في باب آخر!
فقد أخرج في «صحيحه» (1/553) (804) قال: حَدَّثَنِي الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ
الحُلْوَانِيُّ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ - وهُوَ الرَّبِيعُ بنُ نَافِعٍ -،
قال: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ - يَعْنِي: ابنَ سَلَّامٍ، عَنْ زَيْدٍ، أَنَّهُ
سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «اقْرَءُوا
الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ،
اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ البَقَرَةَ، وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا
تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا
غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ
عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ،
وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ». قَالَ مُعَاوِيَةُ:
بَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَةَ: السَّحَرَةُ.
قال: وحَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ
الدَّارِمِيُّ، قال: أَخْبَرَنَا يَحْيَى – يَعْنِي: ابْنَ حَسَّانَ -، قال: حَدَّثَنَا
مُعَاوِيَةُ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ:
وَكَأَنَّهُمَا فِي كِلَيْهِمَا، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ مُعَاوِيَةَ بَلَغَنِي.
وقال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ
بنُ عَبْدِ رَبِّهِ: حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
مُهَاجِرٍ، عَنِ الوَلِيدِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ الجُرَشِيِّ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ
نُفَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّوَّاسَ بنَ سَمْعَانَ الكِلَابِيَّ، يَقُولُ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يُؤْتَى
بِالقُرْآنِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ
تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، وَآلُ عِمْرَانَ»، وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ
بَعْدُ، قَالَ: «كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ
بَيْنَهُمَا شَرْقٌ، أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ،
تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا».
وهذا الحديث رواه بشير بن المهاجر عن عبدالله بن بريدة عن أبيه.
فكان لزاماً على مسلم إخراجه هنا تصحيحاً لهما إن كان يرى ذلك أو إخراجه في
الشواهد بعد حديثي أبي أمامة والنواس بن سمعان، أو تخريجه لبيان علته إن كان قصد
في تخريج حديث بشير بن المهاجر السابق بيان علته!!
رواه أحمد في «مسنده» (38/41) (22950)، والدارمي في «مسنده»
(4/2135) (3434) عن أَبي نُعَيْمٍ الفضل بن دُكين.
والحاكم في «المستدرك» (1/747) (2057) من طريق أَحْمَد بن مُحَمَّدِ
بنِ نَصْرٍ، عن أَبي نُعَيْمٍ.
وأحمد أيضاً (38/155) (23049) عن وكيع بن الجرّاح.
والبزار في «مسنده» (10/302) (4421) من طريق أَبي أَحْمَد
مُحَمَّد بن عبداللَّهِ بن الزبير الزبيري.
وابن عدي في «الكامل» (2/182) من طريق سفيان الثوري.
والعقيلي في «الضعفاء» (1/143) من طريق خَلَّاد بن يَحْيَى.
كلهم عن بَشِير بن المُهَاجِرِ، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُاللهِ بنُ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «تَعَلَّمُوا سُورَةَ البَقَرَةِ؛ فَإِنَّ
أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا يَسْتَطِيعُهَا البَطَلَةُ.
قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: تَعَلَّمُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، وَآلِ
عِمْرَانَ؛ فَإِنَّهُمَا الزَّهْرَاوَانِ يُظِلَّانِ صَاحِبَهُمَا يَوْمَ القِيَامَةِ
كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَايَتَانِ أَوْ فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ
صَوَافَّ، وَإِنَّ القُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ
يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ. فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ
تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ
الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ
تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ
تِجَارَةٍ فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ، وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ
عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ
لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا؟ فَيُقَالُ:
بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي
دَرَجِ الجَنَّةِ وَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ، هَذًّا
كَانَ، أَوْ تَرْتِيلًا».
بعضهم رواه مطولاً، وبعضهم رواه مختصراً.
قال الحاكم: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ،
وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
وقد أورده ابن عدي والعقيلي في منكرات «بشير بن المهاجر».
·
تضعيف العقيلي للأحاديث الواردة
في باب أن سورة البقرة وآل عمران تسمى بالزهراوين وأنهما تأتيا يوم القيامة كأنهما
غمامتان...!!!
وقال العقيلي: "ولا يَصِحُّ فِي هَذَا البَابِ عَنِ
النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَدِيثٌ. أَسَانِيدُهَا كُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ".
قلت: في كلام العقيلي عدّة فوائد: منها: عدم اعتداده بتقوية
الأحاديث الضعيفة بعضها ببعض.
ومنها تضعيفه لما صححه مسلم من طرق هذا الحديث!!
·
حديث أَبي أُمَامَةَ البَاهِلِيّ:
أما الحديث الأول الذي خرّج مسلم من حديث مُعَاوِيَة بن
سَلَّامٍ، عَنْ أخيه زَيْدٍ، عن جدّه أَبي سَلَّامٍ ممطور الحبشي، عن أَبي
أُمَامَةَ البَاهِلِيّ، فرُوي من طرق في أسانيدها اختلاف!
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (8/118) (7544)، و«المعجم
الأوسط» (1/150) (468)، و«مسند الشاميين» (4/105) (2862) عن أَحْمَد بن
خُلَيْدٍ الحَلَبِيّ.
وأبو نُعيم الأصبهاني في «المستخرج» (2/401) (1825) عن الطبراني.
وأخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (19/426) من طريق أبي نُعيم.
وأبو عوانة في «المستخرج» (2/485) (3933) عن يُوسُف بن مُسْلِمٍ
المصيصي، ومُحَمَّد بن عَامِرٍ المِصِّيصِيّ، وَأَبي بَكْرٍ مُحَمَّد بن عِيسَى
الطَّرَسُوسِيّ.
وأبو نُعيم الأصبهاني في «المستخرج» (2/401) من طريق أبي الليث
يَزِيد بن جمهْوَرٍ الطرسوسيّ.
والبيهقي في «الأسماء والصفات» (2/399) (975)، و«السنن الكبرى» (2/554)
(4056)، و«شعب الإيمان» (4/44) (2156) من طريق أَبي حَاتِمٍ مُحَمَّد بن
إِدْرِيسَ الرَّازِيّ.
كلهم عن أَبي تَوْبَةَ الرَّبِيع بن نَافِعٍ الحلبيّ، عن معاوية،
به. كما رواه مسلم.
وتابع الربيع عليه:
يحيى بن حسّان التنّيسيّ - كما روى مسلم -.
وعُثْمَان بن سَعِيدِ بنِ كَثِيرِ بنِ دِينَارٍ الحِمْصِيّ - كما رواه أبو عوانة في «المستخرج»
(2/485) (3932) عن أَبي حُمَيْدٍ الحِمْصِيّ عنه -.
ومُحَمَّد بن شعيب بن شابور الدمشقيّ - كما رواه عبدالغني المقدسي في «المصباح
في عيون الصحاح - أفراد مسلم بن الحجاج» (ص17) (16) من طريق أَبي عُبَيْدٍ القَاسِم
بن سَلامٍ، عن هِشَام بن إِسْمَاعِيلَ العطّار عنه -.
فهذا الحديث رواه جماعة عن معاوية بن سلام، عن زيد، عن أبي سلام.
قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هذا الحَدِيثَ عَنْ زَيْدٍ
إِلَّا مُعَاوِيَةُ [و] يَحْيَى".
يعني: يحيى بن أبي كثير.
وفي كلا المطبوعين للكتاب - تحقيق د. الطحان، وتحقيق طارق عوض الله
-: "إلا مُعَاوِيَةُ بنُ يَحْيَى"! وهو خطأ! فمعاوية هو
ابن سلام لا ابن يحيى، ويحيى قد روى هذا الحديث عن زيد.
·
رواية يَحْيَى بن أَبِي كَثِيرٍ:
ورواه يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيرٍ اليماميّ، واختلف عليه:
فروي عنه عَنْ زَيْد بن سلاّم، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي
أُمَامَةَ. لم يذكر فيه "معاوية"!
أخرجه أحمد في «مسنده» (36/464) (22146) عن أبي عامر العقدي، عن هِشَام
الدستوائي.
وفيه أيضاً (22147)، (36/531) (22193) عن عَفَّان الصفار، عن أَبَان
بن يزيد العطّار البصري.
والطبراني في «المعجم الكبير» (8/118) (7542) من طريق مُسْلِم بن
إِبْرَاهِيمَ الأزدي البصري، عن عَلِيّ بن المُبَارَكِ الهنائي البصري، وأَبَانَ
بن يَزِيدَ.
وابن حبان في «صحيحه» (1/322) (116) من طريق مُسْلِم بنِ
إِبْرَاهِيمَ، عَلِيِّ بن المُبَارَكِ.
والحاكم في «المستدرك» (2/315) (3135) من طريق مُسْلِم بن
إِبْرَاهِيمَ، عن أَبَان العَطَّار.
وفيه أيضاً (1/752) (2071) من طريق عَمْرو بن الحَارِثِ، عن سَعِيد
بن أَبِي هِلَالٍ. [سقط من المطبوع: عن أبي سلام].
كلهم (هشام، وأبان، وعلي، وسعيد) عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي
كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ سَلَّامٍ، عَنْ جَدِّهِ أبي سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي
أُمَامَةَ، به.
قال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ
ولَمْ يُخَرِّجَاهُ".
·
يحيى بن أبي كثير لم يسمع من زيد
بن سلام!
قلت: اختلف في سماع يحيى بن أبي كثير من زيد بن سلام! فأثبته أحمد
وأبو حاتم الرازي ونفاه غيرهما من الأئمة النقاد.
قال العباس بن محمد الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: "لم يلق
يحيى بن أبي كثير زيد بن سلام، وقدم معاوية بن سلام عليهم فلم يسمع يحيى بن أبي
كثير منه شيئاً، أخذ كتابه عن أخيه، ولم يسمعه فدلّسه عنه".
وقال يحيى بن حسان عن معاوية بن سلام قال: "أخذ مني يحيى بن
أبي كثير كتب أخي زيد بن سلام".
وقال حُسَيْن المُعَلِّمِ: لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا يَحْيَى بنُ
أَبِي كَثِيرٍ وَجَّهَ إِلَيَّ مَطَرٌ أَنِ احْمِلِ الدَوَاةَ والقِرْطَاسَ
وَتَعَالَ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَأَخْرَجَ إِلَيْنَا صَحِيفَةَ أَبِي سَلَامٍ،
فَقُلْنَا لَهُ: سَمِعْتَ مِنْ أَبِي سَلَامٍ؟ قالَ: لا. قُلْتُ: فَمِنْ رَجُلٍ
سَمِعَهُ مِنْ أَبِي سَلَامٍ؟ قال: لا.
وقال أحمد بن محمد بن هانئ: قلت لأبي عبدالله أحمد بن حنبل: يحيى
بن أبي كثير سمع من زيد بن سلام؟ فقال: "ما أشبهه". قلت له: إنهم يقولون
سمعها من معاوية بن سلام! فقال: "لو سمعها من معاوية لذكر معاوية، هو يتبين
في أبي سلام، يقول: حدّث أبو سلام، ويقول: عن زيد، أما أبو سلام فلم يسمع منه"،
ثم أثنى أبو عبدالله على يحيى بن أبي كثير.
وقال ابن أبي حاتم: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ
مَعِينٍ يَقُولُ: يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيرٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ زَيْدِ بنِ
سَلَامٍ شَيْئًا. قَالَ أَبِي: "وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ".
قلت: الراجح أن يحيى بن أبي كثير لم يسمع من زيد بن سلام، وإنما
أخذ كتبه من أخيه معاوية كما صرّح هو نفسه فيما رواه عنه يحيى بن حسان.
وكذلك سؤال حسين المعلم ليحيى إن كان سمع من رجل عن أبي سلام
صحيفته، فنفى ذلك! وحديث أبي سلام يرويه زيد بن سلام عنه، فلو كان سمع يحيى من زيد
لصرّح بذلك ولم ينفيه.
وبهذا يتبيّن لنا أن يحيى بن أبي كثير دلّس في هذه الرواية، فرواها
عن زيد بن سلام، ولم يسمع منه، وإنما أخذ حديثه من أخيه معاوية، فدلسه!
والحديث حديث معاوية عن أخيه زيد عن جدّه أبي سلام عن أبي أمامة،
فرجع الحديث إلى الرواية الأولى.
·
هل اضطرب يحيى بن أبي كثير في
رواية هذا الحديث؟!
ويُحتمل أن يحيى بن أبي كثير كان يضطرب في إسنادة، فرواه على هذا
الوجه مسقطاً ذكر "معاوية" وهماً لا أنه قصد تدليسه! ويدلّ على هذا
الاضطراب أنه رواه أيضاً عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي أمامة!
رواه عبدالرزاق في «مصنفه» (3/365) (5991) عن مَعْمَر، عَنْ
يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ
أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ شَافِعٌ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، وَتَعَلَّمُوا الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، تَعَلَّمُوا
الزَّهْرَاوَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا
غَمَامَتَانِ - أَوْ غَيَايَتَانِ - أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ
صَوَافٍ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا، وَتَعَلَّمُوا الْبَقَرَةَ فَإِنَّ
تَعَلُّمَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكُهَا حَسْرَةٌ: وَلَا يُطِيقُهَا الْبَطَلَةُ - يَعْنِي
الْبَطَلَةَ السَّحَرَةَ».
وهذا الإسناد أستنكره الإمام أحمد!
قال عبدالله بن أحمد كما في «المسند» (36/481): "وجَدْتُ
هَذَا الحَدِيثَ فِي كِتَابِ أَبِي بِخَطِّ يَدِهِ وَقَدْ ضَرَبَ عَلَيْهِ،
فَظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ ضَرَبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ إِنَّمَا هُوَ عَنْ
زَيْدٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ،
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ
أَبِي أُمَامَةَ قال.. فذكره".
وخالفه معمراً فيه: هشام الدستوائي! وبيّن أن يحيى لم يسمعه من أبي
سلمة!
رواه الروياني في «مسنده» (2/315) (1275) من طريق مُعَاذ بن
هِشَامٍ، عن أَبِيه، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حُدِّثْتُ
أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ، فذكره.
وروُي عن يحيى عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة!
رواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (8/344) (8823)، والدارقطني في «العلل»
(9/278) من طريق أَسَد بن مُوسَى المصري، عن الضَّحَّاك بن نبراس الأزدي الجهضمي البَصْرِيّ،
عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، لَا تَأْكُلُوا بِهِ، وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ، وَلَا
تَغْلُوا فِيهِ، وَلَا تَجْفُوا عَنْهُ، تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ
شَافِعٌ لِصَاحِبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تَعَلَّمُوا الزَّهْرَاوَيْنِ: سُورَةَ
الْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا يَجِيئَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَايَتَانِ أَوْ كَفِرْقَيْنِ مِنْ طَيْرٍ
صَوَافَّ، يَشْفَعَانِ لِصَاحِبِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تَعَلَّمُوا
الْبَقَرَةَ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا
تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ».
وفي رواية الدارقطني: عن الضَحَّاك بن نِبْرَاسٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ
أَبِي كَثِيرٍ، أَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عن أبي هريرة،
قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ.
قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ يَحْيَى بنِ
أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا الضَّحَّاكُ،
تَفَرَّدَ بِهِ: أَسَدُ بنُ مُوسَى. وَرَوَاهُ هِشَامٌ، وَأَبَانُ، وَعَلِيُّ بنُ
المُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ سَلَّامٍ، عَنْ
أَبِي سَلام [في المطبوع: سلمة! وهو خطأ]،
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ. وَعَنْ أَبِي رَاشِدٍ الحُبْرَانِيِّ، عَنْ
عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ شِبْلٍ".
قلت: لم ينفرد به الضحاك! بل تابعه: مُحَمَّدُ بنُ جَابِرٍ الحنفي
اليمامي، وعبدالله بن عيسى الكوفي.
وكل هذه الطرق ضعيفة! الضحاك في عِداد المتروكين، ومحمد بن جابر متروك،
وحديث عبدالله بن عيسى رواه عنه شريك القاضي وهو ضعيف!
أما حديث محمد بن جابر فأشار إليه ابن أبي حاتم في «العلل».
وأما حديث عَبْدِاللَّهِ بنِ عِيسَى بن عبدالرحمن بن أبي ليلى
الكوفي:
فأخرجه الدينوري في «المجالسة وجواهر العلم» (5/314) (2189)، وابن
الأعرابي في «معجمه» (1/224) (399) من طريق يَزِيد بن هَارُونَ.
والطبراني في «المعجم الأوسط» (6/51) (5764) من طريق يَحْيَى بن
عَبْدِالحَمِيدِ الحِمَّانِيّ.
كلاهما عن شَرِيك بن عبدالله القاضي، عَن عَبْدِاللَّهِ بنِ عِيسَى
بن عبدالرحمن بن أبي ليلى الكوفي، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بنحوه.
قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بنِ عِيسَى إِلَّا شَرِيكٌ، وَلَا رَوَاهُ عَنْ شَرِيكٍ إِلَّا يَزِيدُ
بنُ هَارُونَ، ويَحْيَى الحِمَّانِيُّ".
·
بعض الطرق المعلولة!
قال ابن أبي حاتم في «العلل» (5/40) (1790): وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ
رَوَاهُ مُحَمَّدُ بنُ جَابِرٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثير، عَنْ أَبِي سَلَمةَ،
عَن أَبِي هريرةَ. وَرَوَاهُ أَيْضًا شَريكٌ، عن عبدالله بنِ عِيسَى، عَنْ يَحْيَى
بنِ أبي كَثيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمةَ، عَن أَبِي هريرةَ؛ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى
الله عليه وسلم: «تَعَلَّمُوا سُورَةَ البَقَرَةِ؛ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ،
وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ...»، الحديثَ؟
قَالَ أَبِي: "هَذَا خطأٌ؛ إِنَّمَا هُوَ: يَحْيَى بنُ أَبِي
كَثيرٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ سَلاَّمٍ، عَنْ أَبِي سَلاَّمٍ، عَنْ أبي أُمامةَ، عن
النبيِّ صلى الله عليه وسلم".
وسئل الدارقطني في «العلل» (9/278) (1760) عَنْ حَدِيثِ أَبِي
سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرؤوا
الْقُرْآنَ لَا تَأْكُلُوا بِهِ وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ وَلَا تَغْلُوا فِيهِ
وَلَا تَجْفُوا عَنْهُ»؟.
فَقَالَ: "يَرْوِيهِ يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيرٍ وَاخْتُلِفَ
عَنْهُ: فَرَوَاهُ الضَّحَّاكُ بنُ نِبْرَاسٍ البَصْرِيُّ - وَهُوَ ضَعِيفٌ -،
عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
وَوَهِمَ فِيهِ.
والصَّحِيحُ: عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي رَاشِدٍ،
عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ شِبْلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. قِيلَ: صَحَابِيٌّ؟ قال: بلى".
وروى البزار في «مسنده» (3/253) (1044) من طريق حَمَّاد بن
يَحْيَى، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ،
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«اقْرَءُوا الْقُرْآنَ لَا تَأْكُلُوا بِهِ وَلَا تَسْتَأْثِرُوا بِهِ وَلَا
تَحْفُوا عَنْهُ وَلَا تَغْلُوا فِيهِ».
قال البزار: "وهَذَا الحَدِيثُ خَطَأٌ، إِنَّمَا خَطَأَهُ
مِنْ حَمَّادِ بنِ يَحْيَى، لِأَنَّهُ لَيِّنُ الحَدِيثِ، والحَدِيثُ الصَّحِيحُ
إِنَّمَا رَوَاهُ يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ سَلَّامٍ، [عن أبي
سلام]، عَنْ أَبِي رَاشِدٍ الحُبْرَانِيِّ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ شِبْلٍ".
وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (4/610) (1674): وسألتُ أَبِي عَنْ
حديثٍ رَوَاهُ وُهَيْب، عَنْ أيُّوب، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِير، عَنْ أَبِي
راشد، عن عبدالرحمن بن شبْل، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «اقْرَؤُوا
القُرْآنَ...»؟.
قَالَ أَبِي: "رَوَاهُ بعضُهم فَقَالَ: عَنْ يَحْيَى، عَنْ
زَيْدِ بنِ سلاَّم، عَنْ أَبِي سلاَّم، عَنْ أبي راشد الحُبْراني، عن عبدالرحمن بن
شِبْل، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
كِلاهُمَا صحيحٌ، غيرَ أنَّ أيُّوبَ تَرَكَ مِنَ الإِسْنَادِ
رَجُلَيْنِ".
قلت: صحح الدارقطني طريق: يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي
رَاشِدٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ شِبْلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وصحح أبو حاتم والبزار طريق: يَحْيَى، عَنْ زَيْدِ بنِ سلاَّم،
عَنْ أَبِي سلاَّم، عَنْ أبي راشد الحُبْراني، عن عبدالرحمن بن شِبْل، عن النبيِّ
صلى الله عليه وسلم.
ومتن هذه الطرق: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، لَا تَأْكُلُوا بِهِ،
وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ، وَلَا تَغْلُوا فِيهِ، وَلَا تَجْفُوا عَنْهُ».
والمتن الآخر: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ شَافِعٌ
لِصَاحِبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تَعَلَّمُوا الزَّهْرَاوَيْنِ: سُورَةَ
الْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا يَجِيئَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَايَتَانِ أَوْ كَفِرْقَيْنِ مِنْ طَيْرٍ
صَوَافَّ، يَشْفَعَانِ لِصَاحِبِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تَعَلَّمُوا
الْبَقَرَةَ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا
تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ». قد تقدّم بكافة طرقه، وكلام أهل العلم يوحي بأنهما
حديث واحد!
·
تعقب على أبي حاتم!
وكلام أبي حاتم المتقدم حول رواية أيوب وأنه ترك رجلين من الإسناد
فيه نظر!! فالحديث هكذا وقع لأيوب ولم يترك أحداً.
رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2/168) (7742)، وأحمد في «مسنده» (24/295)
(15535) عن وَكِيع.
وأحمد أيضاً في «مسنده» (24/288) (15529) عن إِسْمَاعِيل بن
إِبْرَاهِيمَ.
كلاهما (وكيع وإسماعيل) عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيَّ.
والطبراني في «المعجم الأوسط» (3/86) (2574) من طريق وُهَيْب بن
خَالِدٍ، عن أَيُّوب السختياني.
وأبو يعلى في «مسنده» (3/88) (1518) عن هُدْبَة بن خَالِدٍ، عن
أَبَان العطار.
كلهم (هشام، وأيوب، وأبان) عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ
أَبِي رَاشِدٍ الحُبْرَانِيِّ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ شِبْلٍ، أَنَّهُ سَمِعَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ،
فَإِذَا قَرَأْتُمُوهُ فَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ، وَلَا تَغْلُوا فِيهِ، وَلَا
تَجْفُوا عَنْهُ، وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ».
هكذا كان يُحدِّث به يحيى بن أبي كثير، وكان يحدّث به أحياناً
ويزيد في إسناده: «عَنْ زَيْدِ بنِ سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ».
رواه أحمد في «مسنده» (24/439) (15668) عن عَبْدالصَّمَدِ بن
عبدالوارث، عن هَمَّام بن يحيى العوذي.
وأحمد أيضاً (24/441) (15670) عن عفّان، عن أبان بن يزيد العطار.
والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (3/18) (4297) من طريق مُسْلِم بن
إِبْرَاهِيمَ، وأَبي سَلَمَةَ مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، كلاهما عن أَبَان بن
يَزِيدَ.
والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (11/109) (4332) من طريق أَبي
عَامِرٍ العَقَدِيّ، عن عَلِيّ بن المُبَارَكِ.
والبيهقي في «شعب الإيمان» (4/194) (2383) من طريق سَهْل بن بَكَّارٍ،
عن أَبَان بن يَزِيدَ.
كلهم عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ سَلَّامٍ، عَنْ
أَبِي سَلَامٍ، عَنْ أَبِي رَاشِدٍ الحُبْرَانِيِّ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ
شِبْلٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «اقْرَءُوا
القُرْآنَ وَلَا تَغْلُوا فِيهِ، وَلَا تَجْفُوا عَنْهُ، وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ،
وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ».
ورواه عبد بن حميد في «مسنده» [كما في «المنتخب» (1/260) (314) عن عَبْدالرَّزَّاقِ.
وابن عساكر في «تاريخه» (34/425) من طريق ابن المبارك.
كلاهما عن مَعْمَر بن راشد، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ
بنِ سَلَّامٍ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ
شِبْلٍ أَنْ علِّم النَّاسَ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَجَمَعَهُمْ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ؛ فَإِذَا
تَعَلَّمْتُمُوهُ فَلَا تغلُوا فِيهِ، وَلَا تَجْفُوا عَنْهُ، وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ،
وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ». ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ التُّجَّارُ هُمُ الْفُجَّارُ».
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسَ قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ
الرِّبَا؟ قَالَ: «بَلَى، وَلَكِنَّهُمْ يَحْلِفُونَ وَيَأْثَمُونَ». ثُمَّ قَالَ:
«إِنَّ الفُسَّاقَ هُمْ أَهْلُ النَّارِ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنِ
الفُسَّاقُ؟ قَالَ: «النِّسَاءُ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْنَ
أُمَّهَاتِنَا وبناتنا وَأَخَوَاتِنَا؟ قَالَ: «بَلَى، وَلَكِنَّهُنَّ إِذَا
أُعْطِينَ لَمْ يَشْكُرْنَ، وَإِذَا ابْتُلِينَ لَمْ يَصْبِرْنَ». قَالَ: ثُمَّ
قَالَ: «لِيُسَلِّمَ الرَّاكِبُ عَلَى الرَّاجِلِ، وَالرَّاجِلُ عَلَى الْجَالِسِ،
وَالْأَقَلُّ عَلَى الْأَكْثَرِ؛ فَمَنْ أَجَابَ السَّلَامَ كَانَ لَهُ، ومن لم
يجب فلا شيء عليه».
لم يذكر معمر "عن أبي راشد"! وزاد معه أحاديث أخرى، وكذا
زاد هشام الدستوائي كما سيأتي.
ورَوَى الْبُخَارِيُّ في «الأدب المفرد» (992) قصة السلام منه، دون
ما قبلها، عَنْ سَعِيد بن الربيع، عَنْ عَلِي بن المبارك، عَنْ يحيى بن أَبي كثير،
عن زَيْدِ بْنِ سَلامٍ، عَنْ جَدِّهِ، عَن أَبِي راشد الحبراني، عَنْ عَبْد
الرَّحْمَن بْن شبل، ولم يذكر قصة معاوية.
ورواه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (4/135) (2116) عن
عَبْدالرَّحْمَنِ بن إِبْرَاهِيمَ دُحَيْمٌ، عن مُحَمَّد بن شُعَيْبِ بنِ
شَابُورٍ، عن مُعَاوِيَة بن سَلَامٍ، عَنْ أَخِيهِ زَيْدٍ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي
سَلَامٍ، عَنْ أَبِي رَاشِدٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ مُعَاوِيَةَ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَنْزِلٍ يُقَالُ لَهُ: مَسْكَنٌ، فَلَمَّا أَذَّنَ
المُؤَذِّنُ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ أَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَبْدِالرَّحْمَنِ
بْنِ شِبْلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَالَ: أَمَّا إِنَّكَ مِنْ قُدَمَاءِ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفُقَهَائِهِمْ
فَإِذَا صَلَّيْتُ وَدَخَلْتُ فُسْطَاطِي فَقُمْ فِي النَّاسِ وَحَدِّثْهُمْ بِمَا
سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عَبْدُالرَّحْمَنِ
فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَاعْمَلُوا بِهِ، وَلَا تَجْفُوا عَنْهُ، وَلَا
تَغْلُوا فِيهِ، وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ، وَلَا تَسْتَكْبِرُوا».
قلت: زاد في إسناده: "عن معاوية بن سلام"!!
قلت: من خلال هذا العرض يتبين لنا أن الحديث المتعلق بالزهراوين
يرويه معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، عن أبي سلام، عن أبي أمامة.
وقد اضطرب يحيى بن أبي كثير في إسناده، والحديث حديث معاوية.
وأما الحديث الآخر المتعلق بقراءة القرآن والعمل به، فليس فيه متن
الحديث الأول إلا ما جاء في رواية الضحاك بن نبراس وشريك القاضي جمعوا بينهما،
والضحاك وشريك ضعيفان!!
والصواب في إسناده: عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، عن جده
أبي سلام، عن أبي راشد الحُبراني، عن عبدالرحمن بن شبل.
وكلا المتنين يرويهما زيد بن سلام عن جدّه، فيحتمل أنهما حديث
واحد، واضطرب زيد في إسناده!!
ثم تبيّن لي أن كلا المتنين واحد، فإن أبا توبة الربيع بن نافع
الذي روى المتن الأول قد روى عن معاوية بن سلام، عن أخيه زيد بن سلام، عن جده أبي
سلام، عن أبي راشد الحبراني قال: قال معاوية لعبدالرحمن بن شبل: إنك من قدماء
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفقهائهم فإذا صليت ودخلت فسطاطي فقم في الناس
بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (34/427).
فالظاهر أن الحديث الأول يرجع لهذا الإسناد، كان معاوية بن سلام
يحدث به مرة هكذا يسلك فيها الجادة: "عن زيد بن سلام عن جده عن أبي
أمامة"!! ومرة هكذا! والله أعلم.
·
حكم حديث أبي راشد الحبراني عن
عبدالرحمن بن شبل:
قال ابن حجر في «الفتح» (9/101) عن حديث عبدالرحمن بن شبل: "سَنَدُهُ
قَوِيٌّ".
·
استدراك على الحاكم!
وذكر الحاكم في «المستدرك» (2/8) (2145) حديث «التجار هم الفجار»
وهو جزء من الحديث من طريق هِشَامٍ الدستوائي، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عن
أَبي رَاشِدٍ الحُبْرَانِيّ، عن عَبْدَالرَّحْمَنِ بن شِبْلٍ.
ثم قال: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ
يُخَرِّجَاهُ. وَقَدْ ذَكَرَ هِشَامُ بنُ أَبِي عَبْدِاللَّهِ سَمَاعَ يَحْيَى
بْنِ أَبِي كَثِيرٍ مِنْ أَبِي رَاشِدٍ، وَهِشَامٌ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ، وَأَدْخَلَ
أَبَانُ بنُ يَزِيدَ العَطَّارِ بَيْنَهُمَا زَيْدَ بنَ سَلَّامٍ".
ثم ساق رواية أبان بزيادة "زيد بن سلام".
قلت: قد سبق بيان أن يحيى كان يضطرب فيه! وأبان أدخل بينهما
"زيد بن سلام" و"جده" أيضاً.
وكأنه هكذا وقعت الرواية للحاكم بزيادة "زيد بن سلام"
فقط في حديث أبان!
وكذا وقعت في رواية ابن قانع في «معجم الصحابة» (2/175) فرواه عن عَفَّان،
عن أَبَان، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدٍ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ
أَبِي رَاشِدٍ الحُبْرَانِيِّ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ شِبْلٍ.
وقد تقدمت رواية عفّان عن أبان وفيه زيادة: "عن زيد بن سلام
عن أبي سلام"، وكذا رواه جماعة عن أبان - كما تقدم -.
وأورد الحاكم كذلك جزءاً آخر من الحديث فيما يتعلق بالنساء (4/647)
(8787) «إِنَّ الفُسَّاقَ هُمْ أَهْلُ النَّارِ» من طريق هشام أيضاً، ثم قال:
"هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ".
·
استدراك على البيهقي!
وساق البيهقي في كتاب «الآداب» (ص: 318) حديث هشام عن شيخه الحاكم،
ثم قال: "خَالَفَهُ عَلِيُّ بنُ المُبَارَكِ، وَأَبَانُ العَطَّارُ،
فَرَوَيَاهُ عَنْ يَحْيَى، عَنْ زَيْدِ بنِ سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ
أَبِي رَاشِدٍ، وَقَدْ ذَكَرَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ فِيهِ سَمَاعَ يَحْيَى بنِ
أَبِي رَاشِدٍ، وَهِشَامٌ أَحْفَظُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".
وذكر في «شعب الإيمان» (6/483) حديث علي بن المبارك وأبان العطار،
ثم قال: "خَالَفَهُمَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، فَرَوَاهُ عَنْ يَحْيَى،
عَنْ أَبِي رَاشِدٍ وَذَكَرَ فِيهِ سَمَاعَهُ مِنْ أَبِي رَاشِدٍ".
قلت: هذا سماع لا يصح! وكان يحيى بن أبي كثير يضطرب فيه كما بينت
سابقاً.
والحديث أورده الألباني في «سلسلة الأحاديث الصحيحة» (260).
وأورد فيها كذلك الجزء الذي يتعلق بموضوع السلام (1147)، و(2199).
·
علة الحديث: الإرسال!
والحديث عندي مرسل! فلا نعرف لأبي راشد الحبراني سماعاً من
عبدالرحمن بن شبل!!
وعَبدالرَّحْمَنِ بن شبل لَهُ صحبة من النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيهِ وَسلَّمَ، وله حديثان أو ثلاثة كما قال ابن عدي في «الكامل» (2/282).
وقيل إنه كان من النقباء وأنه توفي في زمن معاوية، أي وفاته كانت
بين سنة (40 - 60هـ)!!
وطبقة سماع أبي راشد الحبراني ليست هذه!
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (9/30): "أَبُو راشد
الحبراني: عَنْ عَبْدالرَّحْمَن بن شبل، وعمرو بن أسود. روى عَنْهُ:
أَبُو سلام، وحبيب بن عُبَيْد، ومُحَمَّد بن زياد. وسَمِعَ أبا أمامة".
فقول البخاري: "عن عبدالرحمن بن شبل" يعني أنه لم يسمع
منه، وكذا ذكر "عن عمرو بن أسود"، أي لم يسمع منه.
وكلاهما من البلد نفسه، وتوفيا في خلافة معاوية. وعمرو بن الأسود
العنسي يكنى أبا عياض، حمصي سكن داريا، وهو مخضرم ثقة عابد، من كبار التابعين.
وإنما أثبت البخاري سماعه سماعه من أبي أمامة (86هـ).
·
طبقة سماع أبي راشد الحبراني،
ووفاته:
فهو قد سمع من الصحابة الذي توفوا بعد سنة (80هـ)، وعبدالرحمن بن
شبل توفي قبل ذلك بسنوات كثيرة.
فما يرويه أبو راشد الحبراني عن عبدالرحمن بن شبل مرسل على عادة
الشاميين في رواية المراسيل.
وأما ما قاله ابن عساكر في ترجمته من كتابه «تاريخ دمشق» (66/225): "أبو راشد الحبراني... من أهل
حمص، ويقال: إنه دمشقي. سمع أبا الوليد عبادة بن الصامت (34هـ)، وأبا أمامة
(86هـ)، وعبدالله بن عمرو بن العاص (63هـ)، وكعب الأحبار (35هـ)، وبُسر بن أبي
أرطأة العامري (86هـ)". ففيه نظر!!!
فلم يدرك إلا أبا أمامة وبسر، وبسر ليس بصحابي على الراجح.
وكأن مستند ابن عساكر ما ذكره في كتابه: "ذكر محمد بن عمر
الواقدي قال: حُدثت عن أبي راشد الحبراني من حمير قال: ركبت البحر عام قبرس مع
ثلاثة عشر من رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم: عبادة بن الصامت،
وأبو أيوب الأنصاري، وأبو ذر الغفاري، وأبو الدرداء، وفضالة بن عبيد، وعمير بن سعد،
ومعاوية وهو الأمير".
قلت: وهذا مرسل، بل معضل! لا يصح!! الواقدي لم يذكر إسناده، وإنما
قال: "حدّثت"!! وهؤلاء الصحابة وفاتهم قديمة لم يدركهم الحبراني.
فأبو راشد الحبراني تابعي ثقة يرسل. وقد ذكره الذهبي في كتابه «تاريخ
الإسلام» (2/903) في «الطَّبَقَة التَّاسِعَة» ممن توفوا بين (81 - 90هـ)! وبعد أن
أورد قول صَفْوَان بن عَمْرٍو السكسكي (155هـ): "رَأَيْتُ أَبَا رَاشِدٍ الحُبْرَانِيَّ
يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ". قال: "قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَقِيَ
بَعْدَ هَذِهِ الطَّبَقَةِ". - أي في الطَّبَقَة العَاشِرَة (91 - 100هـ).
قلت: وهذا هو الأقرب، والله أعلم.
وأهل الشام كانوا يتأخرون في الطلب! وكانوا لا يحرصون على السماع
كثيراً، بل كان الإرسال منتشراً بينهم فتجد طبقات السماع عندهم ضيقة جداً مع طول
إدراك الراوي لكثير من المشايخ، وكانوا ينشغلون بالعبادة كما اشتهر عن كثير من
مُحدّثيهم.
·
هل لعبدالرحمن بن شبل أخ اسمه:
عبدالله بن شبل؟!
جاء في مطبوع «مصنف ابن أبي شيبة» (2/168) (7742) قال: حدثنا وكيع،
قال: حثنا هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي راشد، عن عبدالله بن
شبل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرءوا القرآن ولا تأكلوا
به، ولا تستكبروا به، ولا تجفوا عنه، ولا تغلوا فيه».
وهذا أخرجه أحمد في «مسنده» (24/295) (15535) - كما سبق تخريجه - عن
وَكِيع، عَنِ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي
رَاشِدٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ شِبْلٍ.
والصواب أنه «عبدالرحمن بن شبل»، وكأن هذه الرواية وغيرها جعل بعض
أهل العلم يثبتون وجود أخ لعبدالرحمن اسمه عبدالله!
قال البغوي في «معجم الصحابة» (4/272): "عبدالله بن شبل
الأنصاري أخو عبد الرحمن بن شبل".
·
عبدالرحمن بن شبل هو نفسه عبدالله
بن شبل.
وذكر ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/79): "عبدالله بن
شبل: وكان أحد النقباء، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه: أبو راشد
الحبراني، ويزيد بن خُمَير اليَزني".
ثم ذكر (5/243): "عبدالرحمن بن شبل الأنصاري: له صحبة. روى
عنه: تميم بن محمود، وأبو راشد الحبراني".
قلت: الذي قيل فيه أنه أحد النقباء هو "عبدالرحمن بن
شبل"، وهو الذي يروي عنه أبو راشد الحبراني ويزيد بن خمير اليزني.
فإما أن يكون تحرّف في إسناد إلى عبدالله أو أن عبدالرحمن كان يسمى
أيضاً: "عبدالله".
وذكره ابن قانع في «معجم الصحابة» (2/133) وساق له حديث يَحْيَى
الحِمَّانِيّ، حدثنا ابنُ المُبَارَكِ، حدثنا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ زَيْدِ
بنِ سَلَّامٍ، عَنْ جَدِّهِ مَمْطُورٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ شِبْلٍ - كَذَا
قَالَ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«الرَّاكِبُ يُسَلِّمُ عَلَى الرَّاجِلِ، وَالرَّاجِلُ عَلَى الجَالِسِ،
وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ، وَمَنْ أَجَابَ السَّلَامَ كَانَ لَهُ، وَمَنْ
لَمْ يُجِبْ فَلَا شَيْءَ لَهُ».
قلت: هذا الحديث لعبدالرحمن بن شبل لا لعبدالله! ولعل عبدالرحمن
كان يسمى عبدالله كما أشرت آنفاً.
وقال الدارقطني في «المؤتلف والمختلف» (3/1393): "عَبْدالرَّحْمن
بن شِبْل، له صُحْبة ورواية عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، رَوَى عَنْه
أبو راشد الحبراني.
وأخوه عَبدالله بن شبل له صُحْبة" انتهى.
وذكره أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (3/1686): "عَبْدُاللهِ بنُ
شِبْلٍ الْأَنْصَارِيُّ: ذَكَرَهُ ابنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي الآحَادِ، وَقِيلَ:
إِنَّهُ أَخُو عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ شِبْلٍ".
وذكر ابن عبدالبر في «الاستيعاب» (2/836): "عبدالرحمن بن شبل
الأنصاري: له صحبة. روى عنه تميم بن محمود، وأبو راشد الحبراني. وأخوه عبدالله بن
شبل له أيضاً صحبة".
ثم ذكر (3/926): "عبدالله بن شبل الأَنْصَارِيّ: رَوَى عَنْهُ
أبو راشد الحبراني. هو أخو عَبْدالرَّحْمَنِ بن شبل، لَهَا جميعاً صحبة
ورواية، مذكور فيمن نزل حمص من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن عِيسَى: عَبْداللَّهِ
بن شبل الأَنْصَارِيّ كَانَ أحد النقباء، بلغني أَنَّهُ مات فِي إمارة
مُعَاوِيَة".
قلت: الذي كان أحد التقباء وتوفي في إمارة معاوية هو عبدالرحمن بن
شبل.
·
تعقّب ابن عبدالبر بتجهيله
لعبدالرحمن بن شبل!
والعجب من ابن عبدالبر أثبت صحبة عبدالرحمن بن شبل هنا وقال عنه
مجهول في ترجمة والده!!
قال في «الاستيعاب» (2/694): "شبل والد عبدالرحمن بن شبل. روى
عنه ابنه عبدالرحمن، لم يرو عنه غيره، وليس بمعروف هو ولا ابنه، ولا يصح،
والله أعلم.
فمن حديثه عن النّبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه نهى عن نقرة الغراب
في الصلاة، وأنّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: «لا تقوم السّاعة حتى يؤخذ نعل
قرشيّ في القمامة، فيقال: هذه نعل قرشيّ». وهو حديث منكر لا أصل له. وشبل مجهول"
انتهى.
فتعقبّه ابن حجر في «الإصابة» (3/315) فقال: "فأما قوله: (ليس
بمعروف ولا ابنه) فمردود؛ لأن عبدالرّحمن بن شبل صحابيّ معروف، مخرج له في السنن،
وصحّح حديثه في نقرة الغراب ابن خزيمة وغيره. وأخرجه أيضاً أحمد وأصحاب السّنن
والحاكم والبغويّ وابن شاهين، عن عبدالرّحمن بن شبل، ليس فيه عن أبيه. وحديث نعل القرشي
أخرجه البغوي في ترجمة عبدالرّحمن بن شبل من طريق عبدالحميد بن جعفر، عن عمه، عن
ابن عبدالرّحمن بن شبل عن أبيه، فلعل هذا مستند أبي عمر سقط من نسخته لفظ (ابن)،
فصارت (عن عبدالرّحمن بن شبل عن أبيه)، فظنّ الصّحبة لشبل، فتركّب من هذا هذه
الأوهام ثم وقفت على علته، فأخرج ابن قانع الحديث المذكور في ترجمة شبل هذا من هذا
الوجه الّذي أخرجه البغويّ، لكن قال: عن عبدالرّحمن بن شبل عن أبيه، قال: وقال مرة:
عن ابن لعبدالرّحمن بن شبل عن أبيه. قال ابن قانع: وهو الصّواب".
·
لا صحبة لشبل والد عبدالرحمن!
قلت: فلا صحبة لشبل والد عبدالرحمن، والحديث حديث ابن عبدالرحمن بن
شبل عن أبيه عبدالرحمن.
وقال ابن حجر في «الإصابة» (4/109): "عبداللَّه بن شبل بن
عمرو الأنصاري: ذكره ابن أبي حاتم في الوحدان، وذكره البغويّ وابن السّكن أنه أخو
عبدالرحمن بن شبل، ومخرج حديثه عن الشاميين.
وروى أبو عروبة، وابن أبي عاصم، والبغوي، من طريق شريح بن عبيد،
قال: قال يزيد بن حمير، عن عبداللَّه بن شبل، عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله
وسلّم، قال: «اللَّهمّ العن فلانا، واجعل قلبه قلب سوء، واملأ جوفه من رضف جهنّم».
وقال ابن عيسى فيمن نزل حمص من الصحابة: وكان أحد النقباء.
وقال ابن أبي حاتم: عبداللَّه بن شبل، وكان أحد النقباء. روى عنه
أبو راشد الحبراني، ويزيد بن حمير".
قلت: لا وجود لعبدالله بن شبل هذا! وإنما وقع في بعض الروايات مكان
«عبدالرحمن»: «عبدالله» فظنّه أهل العلم أنه أخوه!!
·
الاعتماد على كلام أحمد بن عيسى البغدادي
في إثبات وجود «عبدالله بن شبل» ووهمه في ذلك!
واعتمدوا أيضاً على ما قاله أحمد بن محمد بن عيسى البغدادي في
تسمية من نزل حمص من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار: "عبدالله
بن شبل الأنصاري، كان أحد النقباء. حدّث عنه من أهل حمص: أبو راشد الحبراني، ويزيد
بن خمير اليزني. بلغني انه مات في إمارة معاوية".
قال ابن عساكر في «تاريخه» (34/430): "كذا قال! والصواب: عبدالرحمن".
ثم نقل عن عبدالصمد بن سعيد القاضي قال في تسمية من نزل حمص من
الصحابة: "عبدالرحمن بن شبل الأنصاري"، كذلك قال محمد بن عوف، فقال: "ما
أعرف له عقباً بحمص، ويُقال: عبدالله بن شبل، وقد عرفه أبو زرعة وهو
فيمن نزل الشام ومات في إمارة معاوية بن أبي سفيان".
قلت: فهذا يؤكد أن عبدالرحمن كان يُقال له: عبدالله. فعبدالرحمن لا
يوجد له أخ اسمه عبدالله.
·
حديث آخر معضل عن يحيى بن أبي
كثير في هذا الباب!
روى عبدالرزاق الصنعاني في «مصنفه» (3/374) (6014) عَنْ مَعْمَرٍ،
عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ قالَ: بَلَغَنَا: «أَنَّ القُرْآنَ
يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ فِي صُورَةِ الشَّاحِبِ المُنَافِرِ فَيَقُولُ
لِصَاحِبِهِ: تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا خَلِيلُكَ،
وَأَنَا ضَجِيعُكَ، وَأَنَا شَفِيقُكَ، وَأَنَا الَّذِي كُنْتُ أُسْهِرُ لَيْلَكَ
وَأُنْصِبُ نَهَارَكَ، وَأَزُولُ مَعَكَ حَيْثُمَا زُلْتَ، كَانَ كُلُّ تَاجِرٍ
قَدْ أَصَابَ مِنْ تِجَارَتِهِ وَأَنَا اليَوْمَ لَكَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تَاجِرٍ،
فَيُعْطَى المُلْكَ بِيَمِينِهِ، والخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ تَاجُ الوَقَارِ
عَلَى رَأْسِهِ، وَيُقَالَ لَهُ: اذْهَبْ فِي نَعِيمٍ مُقِيمٍ، وَيُكْسَى
أَبَوَاهُ حُلَّتَيْنِ لَمْ تَقُمْ بِهِمَا الدُّنْيَا، فَيَقُولَانِ: أَيُّ هَذَا
وَلَمْ نَعْمَلْ لَهُ؟ فَيَقُولُ: بِأَخْذِ ابْنِكُمَا القُرْآنَ، ثُمَّ يُقَالُ:
اقْرَأْ وَارْقَ، فَمَنْ كَانَ يُرَتِّلُهُ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، وَمَنْ كان
يَهُذُّهُ فَبِحَسَابِ ذَلِكَ».
قلت: هذا حديث معضل ضعيف!
وروى ابن وهب في «الجامع»، كتاب التفسير، (3/12) (12) عن السَّرِيّ
بن يَحْيَى: أَنَّ يَحْيَى بنَ أَبِي كَثِيرٍ اليَمَامِيَّ حَدَّثَهُ: أَنَّ
رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقرؤوا القُرْآنَ وَلا تَأْكُلُوا بِهِ
وَلا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ، ولا تجفو عنه، ولا تغلوا فيه، واقرؤوا الزهراوين، سورة
البقرة وسورة آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ مَعَ صَاحِبِهِمَا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ
كأنهم فرقان من طيرٍ صواف ثم قال: اقرؤوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا
بركةٌ وَتَرْكَهَا حسرةٌ، وَلا يَسْتَطِيعُهَا البَطَلَةُ».
وهذا معضل أيضاً.
·
أصل الحديث!
روى سعيد بن منصور في «سننه»، كتاب تفسير القرآن، (3/1022) (484)
عن عَوْن بن مُوسَى، قال: سَمِعْتُ المُغِيرَةَ بنَ عَبْدِالمَلِكِ القُرشي،
يَقُولُ: «كَانَ يُقَالُ: تَعَلَّموا سُورَةَ البَقَرَةِ، فَإِنَّ
أَخْذَهَا حَسَنة، وَتَرْكَهَا حَسْرة، وَلَا تُطِيقُها البَطَلة، تَعَلَّمُوا
الزَّهْرَاوين: البقرة، وآل عمران».
قلت: كأن هذا هو أصل الحديث عند الشاميين!
والمغيرة بن عبدالملك دمشقي مولى لقريش، مستور الحال، ليس له
رواية. ذكره ابن عساكر في «تاريخه» (60/79) فقال: "المغيرة بن عبدالملك
الأموي مولى الوليد بن عبدالملك من أنبل مواليه، أشار إليه بمحاسبة النصارى حين
عزم على أخذ ما في الكنيسة وجعلها مسجداً حكى عنه ابنه عبدالملك بن المغيرة بن عبدالملك
حكاية تقدمت في ذكر بناء الجامع".
والوليد بن عبدالملك الدمشقي الخليفة توفي سنة (96هـ)، ومولاه كان
رجلاً في زمانه وكان يحترم رأيه، وقوله في الخبر "كان يقال" يدلّ على أن
هذا الحديث لم يكن منتشراً بالإسناد، وإنما يتناقلوا هذا بينهم.
وهذا الأثر الذي رواه هو الذي اعتمد عليه البخاري في الترجمة له،
وجعله قولاً له! وتبعه على ذلك أبو حاتم وابن حبان.
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (7/325): "مغيرة بن عَبْدالملك
مولى لقريش. روى عنه عون بن مُوسَى قولَهُ".
وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/226): "مغيرة بن
عبدالملك مولى لقريش قوله. روى عنه عون بن موسى الليثي. سمعت أبي يقول ذلك".
·
تعقب على ابن حبان! وخطأ في مطبوع
«الثقات»!
وذكره ابن حبان في الطبقة الرابعة ممن روى عن أتباع التابعين من
كتابه «الثقات» (9/168) فقال: "مُغيرَة بن عبدالملك مولى قُرَيْش: يروي
المقاطيع. روى عَنهُ إِسْحَاق بن مُوسَى".
قلت: هذه طريقة ابن حبان في من يذكر البخاري أنه روى قولاً، فيقول
فيه: "يروي المقاطيع"! ولا يُعرف عنه إلا هذا القول فقط.
وأخطأ ابن حبان في إيراده في هذه الطبقة! بل هو في طبقة التابعين،
لكن ليس له رواية.
وفي المطبوع: "إسحاق بن موسى"!! وهو خطأ! وإنما هو:
"عون بن موسى".
·
إشارة إلى فعل ابن عساكر في «تاريخه»!
لما ذكر ابن عساكر «زيد بن سلام» في «تاريخه» (19/426) ساق له هذا
الحديث الواحد من طريق أحمد بن خليد الحلبي، عن أبي توبة الربيع بن نافع، عن
معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، عن أبي سلام، عن أبي أمامة.
ولا أدري لم اقتصر على ذكر هذا الحديث فقط! ولعله ذكره لاستغرابه،
والله أعلم.
·
حديث النَّوَّاس بن سَمْعَانَ
الكِلَابِيّ:
وأما حديث النَّوَّاس بن سَمْعَانَ الذي أخرجه مسلم عن إِسْحَاق بن
مَنْصُورٍ الكوسج المروزي، عن يَزِيد بن عَبْدِ رَبِّهِ الجُرجُسيّ، عن الوَلِيد
بن مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مُهَاجِرٍ، عَنِ الوَلِيدِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ
الجُرَشِيِّ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عن النَّوَّاس:
فرواه البيهقي في «شعب الإيمان» (4/45) (2157) عن أَبي عَبْدِاللهِ
الحَافِظ - الإمام الحاكم -، عن محمد بن أحمد بن حمدان أَبي عَمْرِو بن أَبِي
جَعْفَرٍ، عن عَبْداللهِ بن مُحَمَّدٍ، عن إِسْحَاق بن مَنْصُورٍ الكوسج، به.
ورواه أحمد في «مسنده» (29/185) (17637) عن يَزِيد بن عَبْدِ
رَبِّهِ، به.
ورواه الطبراني في «مسند
الشاميين» (2/320) (1418) عن إِبْرَاهِيم بن دُحَيْمٍ. والبيهقي في «شعب الإيمان» (4/45)
(2157) من طريق أَحْمَد بن مَنْصُورٍ الرَّمَادِيّ. وأبو نُعيم في «مستخرجه»
(2/402) (1826) من طريق أَبي بَكْرِ بن أَبِي عَاصِم.
ثلاثتهم عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن إِبْرَاهِيمَ دُحَيْم
الدِّمَشْقِيّ، عن الوَلِيد بن مُسْلِمٍ، به.
ورواه الترمذي في «جامعه» (5/10) (2883) من طريق هِشَام بن
إِسْمَاعِيلَ أَبي عَبْدِالمَلِكِ العَطَّار.
وأبو عوانة في «مستخرجه» (2/485) (3935)، (3936) عن العَبَّاس بن
الوَلِيدِ بنِ مَزِيدٍ البيروتي. ومن طريق هِشَامِ بنِ عَمَّارٍ، كلاهما عن
مُحَمَّد بن شُعَيْب بن شابور، عن إِبْرَاهِيم بن سُلَيْمَانَ الْأَفْطَسُ، عَنِ
الوَلِيدِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ الجُرَشِيِّ، به.
فالحديث رواه مُحَمَّدُ بن مُهَاجِرٍ وإِبْرَاهِيم بن سُلَيْمَانَ
الْأَفْطَسُ، كلاهما عَنِ الوَلِيدِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ الجُرَشِيِّ، عَنْ
جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عن النَّوَّاس بن سمعان.
قال الترمذي: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هذا الوَجْهِ".
قال: "وفِي البَابِ عَنْ بُرَيْدَةَ، وَأَبِي أُمَامَةَ".
·
تفرد الوليد الجرشي بالحديث!
قلت: هذا الحديث تفرد به الوليد بن عبدالرحمن عن جبير عن النواس!
وقد أورده البخاري في ترجمة «الوليد بن عبدالرحمن الجرشي» على
عادته في إيراد حديث للراوي يستنكره عليه كما دلّ عليه الاستقراء.
قال في «التاريخ الكبير» (8/147) (2512): "الوَلِيدُ بنُ
عَبْدِالرَّحْمَنِ الجَرَشِيُّ مَوْلَى آلِ أَبِي سُفْيَانَ الأَنْصَارِيُّ، قاله
شُعيب. سَمِعَ جُبَيْر بن نفير. أراه الوليد بن أَبِي مالك.
وقالَ هِشام بنُ إِسماعِيل أَبو عَبد الملك العَطّار: حدَّثنا
مُحَمد بن شُعَيب، قال: حدَّثنا إِبْرَاهِيمُ بنُ سُلَيمان، عَنِ الوَلِيد بنِ عَبدالرَّحمَن،
أَنه حدَّثهم، عَنْ جُبَير بنِ نُفَير، عنِ النَّوّاس بنِ سَمعان، عَنِ النَّبيِّ
صَلى اللَّهُ عَلَيه وسَلم، قَالَ: يَأتِي القُرآنُ، وأَهلُهُ الَّذِينَ كانُوا
يَعمَلُونَ به فِي الدُّنيا، تَقدُمُهُ البَقَرَةُ، وآلُ عِمرانَ، قَالَ نَوّاسٌ:
وضَرَبَ لَهُما رَسُولُ اللهِ صَلى اللَّهُ عَلَيه وسَلم مَثَلاً، ثَلاَثَةَ
أَمثالٍ، مَا نَسِيتُهُنَّ بَعدُ، قَالَ: تَأتِيانِ كَأَنَّهُما غَيايَتانِ،
وبَينَهُما شَرقٌ، أَو كَأَنَّهُما غَمامَتانِ سَوداوانِ، أَو كَأَنَّهُما ظُلَّةٌ
مِن طَيرٍ صَوافَّ، تُجادِلاَنِ عَن صاحِبِهِما".
·
تنبيه:
وقع في هذه الترجمة في المطبوع: «قال شعبة»! ونبّه الإمام المعلمي
على أنه كذلك في النسخ الخطية! لكن نقل المزي في «تهذيبه»: "قاله شعيب"،
وكذا ابن حجر.
·
رواية الترمذي لهذا الحديث عن
البخاري:
والترمذي أخرج هذا الحديث في «جامعه» عن البخاري من كتابه هذا،
فقال: "حدثنا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بنُ
إِسْمَاعِيلَ أَبُو عَبْدِالمَلِكِ العَطَّارِ...".
·
الوليد الجرشي هو الوليد بن أبي
مالك عند البخاري، واعتراض ابن عساكر عليه!
فالبخاري يرى أن «الوليد بن عبدالرحمن الجرشي» هو «الوليد بن أبي
مالك».
وقد اعترض عليه ابن عساكر في «تاريخه» (63/160) فقال: "(وقوله:
أراه ابن أبي مالك) وهم! وقوله (مولى آل أبي سفيان) غير صحيح؛ فإنه عربي من جُرَش".
·
متابعة أبي حاتم الرازي وأبي حاتم
ابن حبان للبخاري!
وقد تبع البخاري على ذلك: أبو حاتم الرازي، وابن حبان.
قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/9): "الوليد بن عبدالرحمن
الجرشي: حمصي، مولى لأبي سفيان الأنصاري. روى عن جبير بن نفير. روى عنه: إبراهيم
بن أبي عبلة، وابراهيم بن سليمان الأفطس. سمعت أبي يقول ذلك".
وقال ابن حبان في «الثقات» (7/552): "الوَلِيد
بن عَبْدالرَّحْمَنِ الجرشِي مولى لآل أبي سُفْيَان. يروي عَنْ جُبَير بن نفير.
روى عَنهُ الشاميون، وَقد قيل إِنَّه أدْرك أَبَا أُمَامَة الباهلي".
·
اعتراض مغلطاي على المزي!
وقد نقل المزي قول ابن عساكر في «تهذيبه» ولم يعترض عليه! فتعقبه
مغلطاي في «الإكمال» (12/241) فقال: "ذكر المزي أن ابن عساكر عاب على البخاري
كونه قال فيه: (مولى لآل أبي سفيان الأنصاري)، ورضي بقوله، ولم يتتبعه عليه! وما
أعلم أن أبا حاتم الرازي، وابن حبان، ويعقوب الفسوي قالوا ذلك، فلم ينفرد البخاري
دون هؤلاء بالوهم، ويقال لمن وهم هؤلاء: أنت الواهم، إلا أن تأتي بحجة ظاهرة،
وأيضاً وإن كان عربياً كما قلت، فيحتمل أنه مولى حلف، أو ما أشبهه، فدفع قول هؤلاء
الأئمة بالتصدر غير صواب، والله تعالى أعلم".
قلت: كل هؤلاء الذين ذكرهم مغلطاي إنما تبعوا البخاري في قوله!
قال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (11/140) متعقبّاً ابن عساكر في
اعتراضه على البخاري: "قلت: ويجوز أن يكون مولى بالحلف وإن كان عربي الأصل،
فقد تابع البخاري على ما قال أبو حاتم ويعقوب بن سفيان وابن حبان، ووقع عند
الطحاوي في روايته لحديثه عن الحارث بن عبدالله بن أوس عن الوليد بن عبدالرحمن بن
الزجاج".
قلت: اعترض هؤلاء الأئمة على مسأله الحلف، ولم يعترضوا على جعل
البخاري للجرشي وابن أبي مالك واحداً!
وقد تبع أبو حاتم الرازي وابن حبان البخاري في ذلك أيضاً، ولهذا لم
يذكر البخاري «الوليد ابن أبي مالك» ولم يذكره أبو حاتم ولا ابن حبان. فهما واحد
عندهما.
ولهذا
فإن قول ابن عساكر في ترجمة «الوليد بن أبي مالك» (63/156): "ولم يذكره
البخاري في تاريخه"! فيها إيهام بأن البخاري غفل عنه!! والصحيح أنه لم يذكره؛
لأنه يراهما واحداً.
وقد
فرّق ابن عساكر بينهما، فذكر «الجرشي»، وذكر «الوليد بن عبدالرحمن ابن أبي مالك» (63/153)
فقال: "الوليد بن عبدالرحمن بن هانئ، وهو أبو مالك أبو العباس الهمداني أخو
يزيد بن عبدالرحمن بن أبي مالك قاضي عمر بن عبدالعزيز على نواحي دمشق. روى عن أبي
إدريس الخولاني، والقاسم بن عبدالرحمن، وأبي عبدالله مسلم بن مشكم. روى عنه:
الحجاج بن أرطاة، ومحمد بن الوليد الزبيدي، وثور بن يزيد الرحبي، ومِسعر بن كِدام،
وكان يكون بالكوفة، وبها مات".
ونقل
عن أهل العلم أنه توفي سنة خمس وعشرين ومائة، ويقال سنة سبع وعشرين ومائة، وهو ابن
اثنتين وسبعين سنة.
قلت: من خلال النظر في شيوخ الوليد الجرشي وتلامذته أرى أن وفاته
قريبة من سنة (130هـ)، فهو يروي عن جبير بن نفير (ت80هـ)، وأبي أمامة الباهلي
(ت86هـ).
فهذه
إشارة إلى أنهما واحد.
وقد
فرّق بينهما المزي والذهبي ومغلطاي وابن حجر وغيرهم.
وذكرهما
الذهبي في «تاريخه» في طبقتين متتاليتين، فذكر «الوليد بن عَبْدالرَّحْمَن
الجُرَشي الحِمْصيّ» في طبقة من توفوا بين سنة «111-120هـ». [تاريخ الإسلام:
(3/333)].
وذكر
«الوَلِيد بن عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ أَبِي مَالِكٍ الهَمْدَانِيّ الدِّمَشْقِيّ»
في طبقة من توفوا بين سنة «121-130هـ». [تاريخ الإسلام: (3/547)].
قلت:
هما من الطبقة نفسها، والقلب أميل إلى أنهما واحد كما ذهب إليه البخاري وغيره،
والله أعلم.
والوليد
بن عبدالرحمن الجرشي ينفرد عن جُبير بن نُفير (80هـ) بأحاديث لا يرويها سواه!!
وقد
أثبت البخاري سماعه من جبير! ولا شك أنه أدركه لكن لا يثبت سماعه منه!! والبخاري
يقع له الوهم في إثبات السماع عند الشاميين - كما بينته في غير هذا الموضع -، ولم
تصح رواية الوليد عن جبير، والعلة فيما رُوي عنه عن جبير إما من الراوي عنه كما
بينته في بحثي «الإِلْمَام بعلل حديث صلاة القيام حتى يَنصرف الإِمام»، أو منه هو
لم يسمع تلك الأحاديث من جبير ورواها عنه إما تدليساً أو وهماً!
وهذا
الحديث لا يُعرف أن أحداً رواه عن جبير غيره، ولا يُعرف أن أحداً رواه عن النوّاس
بن سمعان (توفي بين 41 - 50هـ) إلا ما رواه الوليد عن جبير عنه!!
وأين
أَبو إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيّ عن هذا الحديث! فهو من أصحاب النواس بن سمعان.
وأين
عَبْدالرَّحْمَنِ بن جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ عن هذا الحديث! فهو مُكثرٌ عن أبيه
جبير!
·
حديث آخر للوَلِيدِ بنِ
عَبْدِالرَّحْمَنِ الجُرَشِيِّ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنِ النَّوَّاسِ
بنِ سَمْعَانَ:
وقد
رُوي عن الوليد عن جبير عن النواس حديث آخر:
رواه
أَبُو يَعْلَى الموصلي في «مسنده الكبير» [كما في «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد
المسانيد العشرة» للبوصيري (5/164) (4449)، و«المطالب العالية بزوائد المسانيد
الثمانية» لابن حجر (18/308) (4474) قال: حدثنا دَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ، قال: حَدَّثَنَا
الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مُهَاجِرٍ، عَنِ الوَلِيدِ بنِ
عَبْدِالرَّحْمَنِ الجُرَشِيِّ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنِ النَّوَّاسِ بنِ
سَمْعَانَ، قال: فُتِحَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَتْحٌ فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سُيِّبَتِ الخَيْلُ،
وَوَضَعُوا السِّلَاحَ، فَقَدْ وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، وقَالُوا: لا
قِتَالَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبُوا،
الْآنَ جَاءَ القِتَالُ، الْآنَ جَاءَ القِتَالُ، إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا
يُزِيغُ قُلُوبَ أَقْوَامٍ يُقَاتِلُونَهُمْ، وَيَرْزُقُهُمُ اللَّهُ مِنْهُمْ
حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ، وَعُقْرُ دَارِ المُؤْمِنِينَ
الشَّامُ».
ورواه
ابن حبان في «صحيحه» (16/296) (7307) عن أَبي يَعْلَى الموصلي، به.
ورواه
ابن عساكر في «تاريخه» (1/116) من طريق أبي بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ، عن أبي
يعلى، به.
وهكذا
رواه البغوي عن داود.
أخرجه
ابن عساكر في «تاريخه» (1/117) من طريق محمد بن عبدالله بن الحسين بن هارون، عن أبي
القاسم البغوي، عن داود بن رشيد، به.
·
وهم داود بن رُشيد في جعل الحديث
من «مسند نواس بن سمعان»!
قلت:
هكذا رواه داود بن رُشيد الهاشمي عن الوليد بن مسلم، فجعله من «مسند نواس بن سمعان»!
وخالفه: سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ
الدِّمَشْقِيُّ، وصَفْوَانُ بنُ صَالِحٍ المؤذن، وهشامُ بن عمّار، وأبو الوليد
القرشي أَحْمَد بن عَبْدالرَّحْمَنِ بن بكار البُسْرِيّ، وعَمْرو بن عُثْمَان بن
سَعِيد بن كثير بن دينار الحمصي، ودُحيم عبدالرحمن بن إبراهيم الدمشقي، فرووه عن الوليد
بن مسلم، عن محمد بن المهاجر، عن الوليد بن عبدالرحمن الجرشي، عن جبير بن نفير عن
سلمة بن نفيل.
فجعلوه
من «مسند سَلَمَة بن نُفَيْلٍ الحَضْرَمِيِّ» وهو الصواب.
أما
حديث سليمان بن عبدالرحمن فرواه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (7/298) (3770) عنه
عن الوليد بن مسلم، به.
وأما
حديث صفوان بن صالح فرواه فرواه يعقوب بن سفيان الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/298)
عنه، مختصراً.
ورواه
الطبراني في «مسند الشاميين» (2/320) (1419) عن هَاشِم بن مَرْثَدٍ الطَّبَرَانِيّ.
وفي «المعجم الكبير» (7/53) (6359) عن وَرْد بن أَحْمَدَ بنِ لَبِيدٍ
البَيْرُوتِيّ. كلاهما عن صَفْوَان بن صَالِحٍ، عن الوليد، به.
وأما
حديث هشام وأحمد بن عبدالرحمن فرواهما ابن عساكر في «تاريخه» (1/116).
وأما
حديث عمرو بن عثمان فرواه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (5/83) (2625) عنه،
عن الوليد، به.
وأما
حديث دُحيم فرواه إبراهيم الحربي في «غريب الحديث» (3/991) عن الوَلِيد، به، مختصراً.
·
كلام بعض المعاصرين حول الرواية
التي فيها وهم!
علّق
محققا كتاب «موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان» (5/205) حسين سليم أسد الدّاراني وعبده
علي الكوشك على رواية داود بن رشيد فقالا: "إسناده ضعيف، الوليد بن مسلم كثير
التدليس وقد عنعن. والحديث في الإحسان 9/207 برقم (7263)... وأورده صاحب الكنز فيه
4/453 برقم (11349) ونسبه إلى أبي يعلى، وابن عساكر.
نقول:
يشهد له حديث سلمة بن نفيل عند أحمد 4/104، والنسائي في الخيل 6/ 214 - 215 في فاتحته،
من طريق ... الوليد بن عبدالرحمن الجرشى، عن جبير بن نفير، عن سلمة بن نفيل ...
وهذا إسناد صحيح. وانظر جامع الأصول 2/ 570".
قلت:
لم يتنبها أن هذه الرواية فيها وهم! وهي ليست من مسند نواس بن سمعان!! ولا يجوز أن
نقويها بشاهد حديث سلمة! لأن حديث سلمة أصلاً هو نفس الحديث الذي وقع فيه الوهم!
والوليد بن مسلم رواه عن محمد بن مهاجر وقد توبع ابن مهاجر عليه، فتضعيف الرواية
بعنعنة الوليد لا يصح!!
·
الحديث من «مسند سلمة بن نفيل»:
فالحديث
محفوظ من طريق محمد بن المهاجر، عن الوليد بن عبدالرحمن الجرشي، عن جبير بن نفير
عن سلمة بن نفيل.
وتابع
محمد بن المهاجر عليه: إِبْرَاهِيمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ، وإِبْرَاهِيمُ بنُ
سُلَيْمَانَ الْأَفْطَسُ، وإِسْمَاعِيلُ بنُ عَيَّاشٍ.
أما
حديث إِبْرَاهِيم بن أَبِي عَبْلَةَ:
فرواه
النسائي في «السنن الكبرى» (4/311) (4386) من طريق خَالِد بن يَزِيدَ بنِ صَالِحِ
بنِ صُبَيْحٍ المُرِّيِّ.
وأبو
عوانة في «مستخرجه» (4/447) (7280) – مقنصراً على لفظ: الخيل معقود.. -. والطبراني
في «المعجم الكبير» (7/52) (6357)، وفي «مسند الشاميين» (1/56) (57) من طريق هَانِئ
بن عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَبْلَةَ.
كلاهما
(خالد وهانئ) عن إِبْرَاهِيمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنِ الوَلِيدِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ
الجُرَشِيِّ، به، بنحوه.
ورواه
البغوي في «معجم الصحابة» (3/128) (1034) عن أبي طالب عبدالجبار بن عاصم، عن هانئ
بن عبدالرحمن بن أبي عبلة، عن عمّه إبراهيم بن أبي عبلة، عن جبير بن نفير، عن سلمة
بن نفيل الكندي.
ورواه
أبو طاهر المخلّص في «المخلصيات» (1/112) (14) عن أبي القاسم عبدالله بن محمد
البغوي. وابن عساكر في «تاريخه» (1/114) من طريق أبي طاهر المخلص.
ورواه
ابن عساكر أيضاً من طريق عيسى بن علي الوزير، عن عبدالله بن محمد البغوي، به.
لم
يذكروا فيه: "الوليد بن عبدالرحمن الجرشي"! وكأنها سقطت من الإسناد. فقد
رواه العباس بن إسماعيل عن هانئ فزاد في إسناده "الوليد بن عبدالرحمن" بين
إبراهيم وجبير، كما رواه الطبراني فيما سبق.
·
استدراك مغلطاي على المزي!
ولما
ذكر المزي ترجمة «سلمة بن نفيل» في «تهذيبه» (11/323) قال: "رَوَى عَنه: جبير
بن نفير الحضرمي، وضمرة بْن حبيب بْن صهيب الزبيدي، والوليد بن عَبْدالرَّحْمَنِ الجرشي،
والصحيح إن بينهما جبير بن نفير. رَوَى لَهُ النَّسَائي حَدِيثًا واحِدًا، وقد وقع
لنا بعلو عنه". ثم ساق الحديث ثم قال: "هكذا وقع في هذه عَن إِبْرَاهِيم
بن أَبي عبلة، عَنْ جبير بْن نفير، والصحيح عَن إِبْرَاهِيم بن أَبي عبلة، عن
الوليد بن عبدالرحمن الجرشي، عَنْ جبير بن نفير".
فتعقّبه
مغلطاي في «إكماله» (6/25): "وفي قول المزي حين ذكر رواية الوليد بن عبدالرحمن
الجرشي عنه: والصحيح أن بينهما جبير بن نفير، نظر؛ لأن هذا الكلام لم ينص عليه أحد
فيما رأيت، ولكن المزي لما رأى في «معجم الطبراني» رواية الوليد عنه من غير طريق
ثم رأى جبيراً أيضاً بينهما اعتمده وقضى به، ولا قضاء حتى يحكم به إمام معتمد؛ لأن
الوليد لم أر من حكى عنه تدليساً اللهم ولو كان مدلساً لما أقدمنا على القضاء
بالانقطاع لاحتمال أن يكون روى عنه شيئاً وروى شيئا آخر بواسطة، وهذا دليل الإتقان
والضبط".
قلت:
لا يحتاج ليحكم به إمام معتمد!! وكثير من تعقبات مغلطاي على المزي من باب
المناكفة! غفر الله له!!!
قد
أصاب المزي في قوله وقد تبيّن في رواية العباس بن إسماعيل عن هانئ أن بينهما
"الوليد" والحديث حديث الوليد الجرشي كما يتبين لنا من التخريج.
ثم
عرضه للحديث عن تدليس الوليد لا محلّ له هنا!! لأن اسمه سقط من هذه الرواية التي
رواها البغوي! فكيف يتعرض للكلام عن مسألة التدليس وهو ليس مذكوراً في هذه
الرواية!! هذا عجيب!!!
وأما
حديث إبراهيم الأفطس:
فرواه
البخاري في «التاريخ الكبير» (4/70).
ويعقوب
الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/336).
والبزار
في «مسنده» (9/150) (3702) عن مُحَمَّد بن مِسْكِينٍ.
والطبراني
في «المعجم الكبير» (7/52) (6358) عن بَكْر بن سَهْلٍ.
والطحاوي
في «شرح مشكل الآثار» (1/210) (228)، وفي «شرح معاني الآثار» (3/275) (5352) عن
مُحَمَّد بن حُمَيْدِ بنِ هِشَامٍ الرُّعَيْنِيّ أَبي قُرَّةَ.
وابن
منده في كتاب «التوحيد» (ص: 273) (120) من طريق أَبي حَاتِمٍ الرَّازِيّ. مختصراً.
والبيهقي
في «الأسماء والصفات» (2/391) (968) من طريق مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيّ.
كلهم
(البخاري، والفسوي، وابن مسكين، وبكر، وأبو قرة، وأبو حاتم الرازي، والصاغاني) عن عَبْداللهِ
بن يُوسُفَ الدمشقيّ، عن عَبْداللهِ بن سَالِمٍ الحِمْصِيّ، عن إِبْرَاهِيم بن
سُلَيْمَانَ الْأَفْطَس، قَالَ: حَدَّثَنِي الوَلِيدُ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ
جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنْ سَلَمَةَ بنِ نُفَيْلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -،
قَالَ، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بُوهِيَ بِالخَيْلِ وَأُلْقِيَ
السِّلَاحُ وَزَعَمُوا أَنْ لَا قِتَالَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبُوا الْآنَ حَانَ الْقِتَالُ لَا تَزَالُ مِنْ أُمَّتِي
أُمَّةٌ قَائِمَةٌ عَلَى الحَقِّ ظَاهِرَةٌ» وَقَالَ وَهُوَ مُوَلِّي ظَهْرِهِ
إِلَى اليَمَنِ: «إِنِّي أَجِدُ نَفَسَ الرَّحْمَنِ مِنْ هَا هُنَا، وَلَقَدْ
أُوحِيَ إِلَيَّ أَنِّي كَفُوفٌ غَيْرُ مُلَبَّثٍ، وَلْيَتْبَعْنِي أَفْنَادًا
وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَأَهْلُهَا
مُعَانُونَ عَلَيْهَا».
قال
البزار: "وهذَا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَرْوِيهِ بِهَذِهِ
الْأَلْفَاظِ إِلَّا سَلَمَةُ بنُ نُفَيْلٍ، وهَذَا أَحْسَنُ طَرِيقًا يُرْوَى فِي
ذَلِكَ عَنْ سَلَمَةَ. وَرِجَالُهُ رِجَالٌ مَعْرُوفُونَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ مَشْهُورُونَ
إِلَّا إِبْرَاهِيمَ بنَ سُلَيْمَانَ الْأَفْطَسَ".
قلت:
وثقه دُحيم، ومشّاه أبو حاتم الرازي فقال: "لا بأس به"، وذكره ابن حبان
في ثقاته.
وروايته
قليلة، وينفرد عن الوليد الجرشي بأحاديث قد توبع على أصلها! لكن في حديثه زيادات
في الألفاظ لم يروها غيره!!
ووفاته
ما بين سنة (141 - 150هـ)، والوليد توفي قريب من سنة (130هـ)، فهو معدود من
أقرانه!
قال
البيهقي بعد أن رواه: "قُلْتُ: قَوْلُهُ: «إِنِّي أَجِدُ نَفَسَ الرَّحْمَنِ
مِنْ هَهُنَا» - إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا - فَإِنَّمَا أَرَادَ: إِنِّي أَجِدُ
الفَرَجَ مِنْ قِبَلِ اليَمَنِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا
نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، وَإِنَّمَا
أَرَادَ: مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً".
وأما
حديث إسماعيل بن عياش:
فرواه
أحمد في «مسنده» (28/164) (16965) عن أَبي اليَمَانِ الحَكَمِ بنِ نَافِعٍ
البهراني الحمصيّ.
والطبراني
في «المعجم الكبير» (7/52) (6358) عن أَبي زُرْعَةَ عبدالرحمن بن عمرو الدمشقي، عن
أَبي اليَمَانِ الحكم بن نافع البهراني.
وابن
أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (4/411) (2460) عن عبدالوهاب بن نجدة الحوطي.
كلاهما
(الحكم، والحوطي) عن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاشٍ، عَنِ الوَلِيدِ بنِ
عَبْدِالرَّحْمَنِ، به. بنحو رواية الأفطس.
وقد
قرن الطبراني هذه الرواية برواية إبراهيم الأفطس السابقة.
·
هل تابع نَصْر بن عَلْقَمَةَ الحمصيّ
الوليد الجرشي في روايته عن جبير بن نُفير؟!
وقد
رُوي عن نصر بن علقمة عن جبير بن نفير!
رواه
النسائي في «السنن الكبرى» (8/68) (8659) عن هِشَام بن عَمَّارٍ.
والطبراني
في «مسند الشاميين» (3/387) (2524)، وفي «المعجم الكبير» (7/53) (6360) من طريق مُحَمَّدِ
بنِ يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ.
كلاهما
عن يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ الدِّمَشْقِيّ، عن أَبي عَلْقَمَةَ نَصْر بن
عَلْقَمَةَ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ الحَضْرَمِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ بنِ
نُفَيْلٍ التَّرَاغِمِيّ، بنحوه، وزاد: «ولا تَضَعُ الحَرْبُ أَوْزَارَهَا، حَتَّى
يَخْرُجَ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ».
قلت:
هذه الرواية لم يذكر فيها واسطة بين نصر وجبير، فصارت متابعة لرواية الوليد الجرشي
عن جبير!
قال
ابن كثير في «جامع المسانيد والسنن» (3/619): "رواه النسائي، والطبراني من
حديث الوليد بن عبدالرحمن، وأبي علقمة نصر بن علقمة كلاهما عن جبير بن نفير".
وكذا
فعل أصحاب «المسند الجامع» (7/146) (4938).
قلت:
هذه الرواية منقطعة.
قال
ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص: 226): قال أَبِي: "نَصْرِ بنِ عَلْقَمَةَ
عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ مُرْسَلٌ".
وفِي
مَوْضِعٍ آخَرٍ: "نَصْرُ بنُ عَلْقَمَةَ لَمْ يُدْرِكْ جُبَيْرَ بنَ نُفَيْرٍ".
قلت:
الظاهر أنه سقط من إسناد الحديث «الوليد بن عبدالرحمن الجرشي»! فهناك واسطة بين
نصر وجبير، والحديث حديث الوليد الجرشي، فلا ينفع أن تكون رواية «نصر بن علقمة عن
جبير» متابعة لرواية «الوليد عن جبير»!
والخلاصة
أن هذا الحديث تفرد به: الوَلِيدُ بنُ عَبْدالرَّحْمَنِ الجُرَشِيُّ، عَنْ
جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنِ سَلَمَةَ بنِ نُفَيْلٍ السكوني الشاميّ.
ولم
يروه عن جبير إلا الوليد! ولا يُعرف عن سلمة بن نفيل إلا من هذا الطريق!!
وقد
أورده البخاري في ترجمة «سلمة بن نُفيل السكوني الشامي» من «تاريخه الكبير» (4/70)،
وهو استنكار منه له بحسب ما عرفت من استقرائه في إيراد الحديث المستنكر في ترجمة
الراوي!
وهناك
حديث آخر يُروى عن سلمة بن نفيل وفيه جزء من هذا الحديث! ولا يُروى عنه سواهما!
وقد ذكرهما أحمد في «مسنده».
فقد
مرّ في رواية إبراهيم الأفطس: «إِنَّهُ يُوحَى إِلَيَّ أَنِّي مَكْفُوتٌ ثُمَّ
سَتَخْلُفُونِي أَفْنَادًا...».
وفي
رواية إبراهيم بن أبي عبلة: «كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يُوحَى إِلَيَّ أَنِّي مَقْبُوضٌ غَيْرُ
مُلَبَّثٍ، وَأَنَّكُمْ مُتَّبِعِيَّ أَفْنَادًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ
رِقَابَ بَعْضٍ، وَلَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي نَاسٌ يُقَاتِلُونَ عَلَى
الْحَقِّ، وَيُزِيغُ اللهُ بِهِمْ قُلُوبَ أَقْوَامٍ، وَيَرْزُقُهُمُ اللهُ
مِنْهُمْ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، وَحَتَّى يَأْتِيَ وَعَدُ اللهِ».
وهذا
جزء من حديث آخر يُروى عن سلمة بن نفيل!
رواه
أحمد في «مسنده» (28/163) (16964)، ونُعيم بن حماد في «الفتن» (41) و(1704)، عن أَبي
المُغِيرَةِ عبدالقدوس بن الحجاج الخولاني.
والبزار
في «مسنده» (9/149) (3701) عن سَلَمَة بن شَبِيبٍ، وإِبْرَاهِيم بن هَانِئٍ، عن
أَبي المُغِيرَةِ.
وابن
حبان في «صحيحه» (15/180) (6777) من طريق مُحَمَّد بن عَوْفٍ، عن أَبي المُغِيرَةِ.
والدارمي
في «سننه» (1/200) (56) من طريق مُعَاوِيَة بن يَحْيَى الأطرابلسيّ.
وابن
سعد في «الطبقات الكبرى» (7/298) من طريق أَشْعَثَ بنِ شُعْبَةَ المصيصيّ.
وابن
أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (4/412) (2461) و(2462) من طريق يَحْيَى بن
سَعِيدٍ العَطَّار، وأحمد بن عليّ النميريّ السلميّ.
وأبو
يعلى في «مسنده» (12/270) (6861)، والحاكم في «مستدركه» (4/494) (8383) من طريق مُبَشِّر
بن إِسْمَاعِيلَ الحَلَبِيّ.
والطبراني
في «المعجم الكبير» (7/51) (6356) من طريق أَبي اليَمَانِ الحَكَم بن نَافِعٍ.
وفي
«مسند الشاميين» (1/397) (688) من طريق أَبي حَيْوَةَ شُرَيْح بن يَزِيدَ
الحمصيّ.
كلهم
عن أَرْطَأَة بن المُنْذِرِ السكونيّ الحمصيّ، قال: سَمِعْتُ ضَمْرَةَ بنَ حَبِيبٍ،
يَقُولُ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بنَ نُفَيْلٍ السَّكُونِيَّ، يَقُولُ - وَكَانَ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ
عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا
نَبِيَّ اللَّهِ، هَلْ أُتِيتَ بِطَعَامٍ مِنَ السَّمَاءِ؟ فَقَالَ: «أُتِيتُ
بِطَعَامٍ مُسْخِنَةٍ»، قَالَ: فَهَلْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَنْكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»،
قَالَ: فَمَا فُعِلَ بِهِ؟ قَالَ: «رُفِعَ حَتَّى إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ يُوحِي
إِلَيَّ أَنَّنِي غَيْرُ لَابِثٍ فِيكُمْ إِلَّا قَلِيلًا، وَلَسْتُمْ لَابِثِينَ
بَعْدِي إِلَّا قَلِيلًا، بَلْ تَلْبَثُونَ حَتَّى تَقُولُوا حَتَّى مَتَى،
ثُمَّ تَأْتُونَ أَفْنَادًا، وَيُفْنِي بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَبَيْنَ
يَدَيِ السَّاعَةِ مَوْتَانٌ شَدِيدٌ وَبَعْدَهُ سَنَوَاتُ الزَّلَازِلِ».
وهذا
الحديث تفرد به أَرْطَأَة بن المُنْذِرِ، عن ضَمْرَة بن حَبِيبٍ، عن سَلَمَة بن
نُفَيْلٍ السَّكُونِيّ.
قال
أبو نُعيم الأصبهاني في «معرفة الصحابة» (3/1352): "رَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بنُ
يَحْيَى أَبُو مُطِيعٍ، وَبَقِيَّةُ، وَمُبَشِّرُ بنُ إِسْمَاعِيلَ، وَأَبُو
المُغِيرَةَ، وَمِسْكِينُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَرْطَاةَ".
قال
البزار: "وهَذَا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ،
وَأَرْطَاةُ بنُ المُنْذِرِ، وضَمْرَةُ بنُ حَبِيبٍ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ
الشَّامِ مَعْرُوفَانِ".
وقال
الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، ولَمْ يُخْرِجَاهُ".
وتعقبه
الذهبي فقال: "قلت: لم يخرجا لأرطاة، وهو ثبت، والخبر من غرائب الصحاح".
قلت:
أرطأة بن المنذر (163هـ) شامي مشهور ثقة، والعجب أن ابن المديني لم يعرفه!
قال
محمد بن أحمد بن البراء: قال علي بن المديني - وسئل عن أرطأة روى عنه عبدالقدوس،
روى عن ضمرة بن حبيب حديث سلمة بن نفيل عن النبي صلى الله عليه وسلم: هل أتيت
بطعام -؟ فقال: "لا أعرفه، مجهول" [تاريخ دمشق: (8/13)].
وضمرة
بْن حبيب بن صهيب الزبيدي، أبو عتبة الشامي الحمصي ذكر الذهبي وفاته في «تاريخه» (3/250)
بين سنة (111 - 120هـ).
والأقرب
أنه في الطبقة التي تليها بين (121 - 130هـ) من خلال النظر في طبقة شيوخه، وهو من
أقران الإمام الزهري (124هـ).
وقد
رَوَى عَن: سلمة بن نفيل التراغمي، وشداد بن أوس الأَنْصارِيّ (نحو 60هـ)، وأبي
أمامة صُدَي بن عجلان الباهلي (86هـ)، وعبدالله بن زُغْب الإيادي (مختلف في صحبته،
والصواب أنه تابعي، يروي عن عبدالله بن حوالة، ت 58هـ)، وعبدالرحمن بن عَمْرو
السلمي (110هـ)، وعنبسة بن سَعِيد بن العاص الأُمَوِي (100هـ)، وعوف بن مالك
الأشجعي (73هـ)، ومحمد بن أَبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي (بين 91 - 100هـ)،
وأبي مسلم الخولاني (بعد 60هـ).
نلاحظ
التفاوت بين طبقات هؤلاء الذين روى عنهم ضمرة! ونظراً لتقارب طبقات الشيوخ
والتلاميذ الشاميين وتأخر سماعهم وشيوع الإرسال عندهم يبعد أن يكون سمع من هؤلاء
كلهم!! فلا بدّ أن يكون أرسل عمن مات قبل سنة (80هـ).
ولا
ندري متى مات سلمة بن نُفيل! ولم يذكره أحد من أهل العلم في أي طبقة هو!! بل لا
يكاد يوجد عنه أي خبر يصح!! ولا أي معلومة عنه!
وقد
أثبت أهل العلم صحبته من خلال ما رُوي عنه من الحديثين السابقين! ومن صحح حديثه
هذا نظر لما جاء من ذكر سماع ضمرة منه! وهذا لا يعتمد في حديث الشاميين إلا من
خلال القرائن؛ لأن كثيراً من السماعات التي تُذكر في أسانيدهم فيها أخطاء!
ومما
أُخذ على الإمام البخاري أنه كان يعتمد على السماعات التي في أحاديث الشاميين وهي
لا تصح! ويكون الخطأ في أصولهم التي اعتمد عليها.
وعليه
فلا نعرف شيئاً عن سلمة بن نفيل! ولا نعرف متى توفي! ولا نعرف متى سمع منه ضمرة بن
حبيب! بل لا نعرف له سماعاً منه!!
فالحديث
مرسل ضعيف، وبعض ألفاظه غريبة منكرة!!!
·
إيراد الألباني لأجزاء من هذين
الحديثين في «صحيحته»!
جاءت
بعض الروايات للحديثين السابقين مختصرة مفرقة فذكرها الألباني في «سلسلته الصحيحة»،
ومنها:
ذكر
في «سلسلة الأحاديث الصحيحة» (1935): «عقر دار المؤمنين بالشام».
وذكر
أيضاً (1961): «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الناس يرفع الله قلوب أقوام
يقاتلونهم، ويرزقهم الله منهم حتى يأتي أمر الله عز وجل وهم على ذلك، ألا إن عقر
دار المؤمنين الشام، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة».
وذكر
كذلك (3367): «إني أجد نفس الرحمن من هنا - يشير إلى اليمن».
وقال:
واعلم أن هذا الحديث قد جاء في بعض طرقه زيادة أخرى بلفظ: «عقر دار المؤمنين
بالشام» وكنت خرجته في المجلد الرابع (1935)، فأعدت تخريجه هنا لحديث الترجمة، مستدركاً
به على تخريجي إياه في «الضعيفة» في المجلد الثالث (1097)، لكن من حديث أبي هريرة،
فهذا شاهد قوي له من حديث سلمة بن نفيل، أوجب علي تخريجه هنا، والتنبيه على أن
الحديث صار به صحيحاً، والحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله. هذا؛ ويبدو
أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يذهب إلى ثبوت الحديث، فقد رأيته سئل عن حديث:
«الحجر الأسود يمين الله في الأرض»، وعن هذا الحديث في "مجموع الفتاوى"
(6/397 ـ 398)؟ فضعف الأول، دون هذا، وقال مبيناً معناه، وأنه ظاهر فيه؛ فقال: "فقوله
في: "اليمن" يبين مقصود الحديث؛ فإنه ليس لليمن اختصاص بصفات الله تعالى
حتى يظن ذلك، ولكن منها جاء الذين يحبهم ويحبونه، الذين قال فيهم: (من يرتد منكم
عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه)؛ وقد روي أنه لما نزلت هذه الآية؛ سئل
عن هؤلاء؛ فذكر أنهم قوم أبي موسى الأشعري. وجاءت الأحاديث الصحيحة، مثل قوله:
"أتاكم أهل اليمن، أرق قلوباً، وألين أفئدة، الإيمان يمان، والحكمة
يمانية". وهؤلاء هم الذين قاتلوا أهل الردة، وفتحوا الأمصار، فبهم نفس الرحمن
عن المؤمنين الكربات، ومن خصص ذلك بأويس؛ فقد أبعد". قلت: وعلى هذا المعنى
فليس الحديث من أحاديث الصفات، ولذلك لم يورده الحافظ الذهبي في جملة أحاديثها في
كتابه "العلو" الذي كنت اختصرته، وهو مطبوع، خلافاً للشيخ زاهد الكوثري
الذي غمز من صحته كما تقدم مع الرد عليه، ولذلك كذب ابن تيمية رحمه الله ما حكاه
الغزالي عن بعض الحنابلة أن الإمام أحمد لم يتأول إلا ثلاثة أشياء؛ منها هذا الحديث،
فقال (5/398): "فهذه الحكاية كذب على أحمد، لم ينقلها أحد عنه بإسناد، ولا
يعرف أحد من أصحابه نقل ذلك عنه، وهذا الحنبلي مجهول لا يعرف ". ثم رأيت ابن
الأثير قد أورد الحديث في مادة (نفس) من "النهاية"، وقال: "قيل:
عنى به الأنصار؛ لأن الله نفس بهم الكرب عن المؤمنين، وهم يمانون؛ لأنهم من الأزد،
قال الأزهري: (النفس) في الحديث اسم وضع موضع المصدر الحقيقي من: (نفس ينفس
تنفيساً ونفساً)، كما يقال: (فرج يفرج تفريجاً وفرجاً)؛ كأنه قال: أجد تنفيس ربكم
من قبل اليمن" انتهى.
وذكر
أيضاً في «سلسلة الأحاديث الصحيحة» (851): «أتزعمون أني من آخركم وفاة ألا إني
من أولكم وفاة وتتبعوني أفنادا يهلك بعضكم بعضاً».
قلت:
هذه الأحاديث المفرقة ترجع للحديثين السابقين، وكلاهما ضعيف.
·
روايات أخرى فيها تصريح عبدالله
بن بريدة من أبيه!
يروي الحسين بن واقد المروزي الكثير من الأحاديث عن عبدالله بن
بُريدة، ويذكر في بعض منها سماع عبدالله من أبيه!!
وهذه السماعات لا تُعتمد! بل رواية الحسين بن واقد عن عبدالله بن
بريدة كلها منكرة كما قال الإمام أحمد!! فهو ينفرد عنه بأحاديث لا يرويها سواه!
وكثير من هذه الأحاديث محفوظة من طرق أخرى عن صحابة آخرين! وفي حديث حسين بن واقد
مخالفات لما هو محفوظ مما يدلّ على نكارة حديثه عن عبدالله بن بريدة.
قال عبدالله بن أحمد: قال أبي: "عبدالله بن بُرَيْدَة الَّذِي
روى عَنهُ حُسَيْن بن وَاقد مَا أنكرها! وَأَبُو المُنِيب أَيْضاً، يَقُولُونَ:
كَأَنَّهَا من قبل هَؤُلَاءِ".
قلت: يعني أن هذه المناكير التي تُروى عن عبدالله بن بريدة من حسين
بن واقد وأبي المنيب.
ومن هذه الأحاديث ما رواه أحمد في «فضائل الصحابة» (2/907) (1731)،
وفي «مسنده» (38/100) (22996) عن زَيْد بن الحُبَابِ قالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ
بنُ وَاقِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بنُ بُرَيْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ
أَبِي بُرَيْدَةَ يَقُولُ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا بِلاَلاً فَقَالَ: يَا بِلاَلُ بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى
الجَنَّةِ؟ مَا دَخَلْتُ الجَنَّةَ قَطُّ إِلاَّ سَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي،
دَخَلْتُ البَارِحَةَ الجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي، فَأَتَيْتُ عَلَى
قَصْرٍ مُرَبَّعٍ مُشْرِفٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟
فَقَالُوا: لِرَجُلٍ مِنَ العَرَبِ، فَقُلْتُ: أَنَا عَرَبِيٌّ، لِمَنْ هَذَا
القَصْرُ؟ قَالُوا لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقُلْتُ: أَنَا قُرَشِيٌّ، لِمَنْ
هَذَا القَصْرُ؟ قَالُوا: لِرَجُلٍ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدٌ لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ قَالُوا:
لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ. فَقَالَ بِلاَلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَذَّنْتُ
قَطُّ إِلاَّ صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، وَمَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ إِلاَّ
تَوَضَّأْتُ عِنْدَهَا وَرَأَيْتُ أَنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ رَكْعَتَيْنِ. فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِهِمَا.
ورواه الترمذي في «جامعه» (6/61) (3689) عن الحُسَيْن بن حُرَيْثٍ
أَبي عَمَّارٍ المَرْوَزِيّ، عن عَلِيّ بن الحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ، عن أَبِيه، به.
وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ".
وخرجه الحاكم في «المستدرك» (1/457) (1179) من طريق عَلِيّ بن
الحَسَنِ بنِ شَقِيقٍ، عن الحُسَيْن بن وَاقِدٍ، به.
وقال: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، ولَمْ
يُخَرِّجَاهُ".
قلت: هذا الحديث بهذا اللفظ منكر! لم يروه عن عبدالله بن بريدة إلا
حسين بن واقد.
والثابت في ذلك ما رواه البخاري في «صحيحه» (2/53) (1149) من حديث أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلاَلٍ عِنْدَ صَلاَةِ الفَجْرِ: «يَا بِلاَلُ، حَدِّثْنِي
بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ
بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ» قَالَ: "مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى
عِنْدِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ،
إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ".
قالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ البخاري: "دَفَّ نَعْلَيْكَ يَعْنِي
تَحْرِيكَ".
ومنها ما رواه أحمد في «مسنده» (38/115) (23008) عن زَيْد بن الحُبَابِ،
قال: حَدَّثَنِي حُسَيْنٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بنُ بُرَيْدَةَ قَالَ:
سَمِعْتُ أَبِي بُرَيْدَةَ يَقُولُ: إِنَّ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ صلى بأصحابه
صَلَاةَ العِشَاءِ، فَقَرَأَ فِيهَا {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}، فَقَامَ رَجُلٌ
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَفْرُغَ، فَصَلَّى وَذَهَبَ فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ قَوْلًا
شَدِيدًا، فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ. فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَعْمَلُ فِي نَخْلٍ وَخِفْتُ عَلَى
المَاءِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلِّ بِـ
{الشَّمْسِ وَضُحَاهَا} وَنَحْوِهَا مِنَ السُّوَرِ».
وروى أيضاً في «مسنده» (38/99) (22994) زَيْد بن الحُبَابِ،
حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُاللهِ بنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ
أَبِيهِ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي
صَلَاةِ العِشَاءِ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَأَشْبَاهِهَا مِنَ السُّوَرِ».
قلت: خالف الحسين بن واقد الرواية المشهورة في هذا الحديث، وهو:
أنّ معاذاً قرأ بالبقرة أو النساء، وفي بعض الروايات: قرأ بسورة طويلة.
ففي الصحيح من حديث جَابِر بن عَبْدِاللَّهِ الأَنْصَارِيَّ،
قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ بِنَاضِحَيْنِ وَقَدْ جَنَحَ اللَّيْلُ، فَوَافَقَ
مُعَاذًا يُصَلِّي، فَتَرَكَ نَاضِحَهُ وَأَقْبَلَ إِلَى مُعَاذٍ، فَقَرَأَ
بِسُورَةِ البَقَرَةِ - أَوِ النِّسَاءِ - فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ وَبَلَغَهُ أَنَّ
مُعَاذًا نَالَ مِنْهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَشَكَا إِلَيْهِ مُعَاذًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ» - أَوْ «أَفَاتِنٌ» - ثَلاَثَ مِرَارٍ:
«فَلَوْلاَ صَلَّيْتَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا،
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ
وَذُو الحَاجَةِ».
ثم اختصر الحسين بن واقد روايته الطويلة فجعل النبي صلى الله عليه
وسلم هو من كان يقرأ في العِشَاءِ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَأَشْبَاهِهَا مِنَ السُّوَرِ!!
وهذا منكر!! وإنما كان ذلك وصية لمعاذ أن يقرأ بمثل هذه السور القصيرة.
واستقصاء حديث الحسين بن واقد عن عبدالله بن بريدة عن أبيه يطول،
وسيأتي بعضها عند الرد على الألباني في اعتماده لأحاديثه في إثبات سماع عبدالله بن
بريدة من أبيه!! - إن شاء الله تعالى.
·
ترجمة
سليمان بن بريدة، وهل سمع من أبيه؟!
وأما سليمان بن بُريدة فأكثر أهل العلم
أنه ولد مع أخيه عبدالله في بطن واحد! وقد بيّنت نكارة الرواية التي جاء فيها ذُكر
ذلك!
والذي أراه أنه وُلد بعد أخيه، ولم يسمع
من أبيه!
·
نفي
البخاري سماع سليمان من أبيه!
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (4/4): "سُلَيْمَان
بن بريدة بن حصيب الأسلمي، عَنْ أَبِيه وعمران بن حصين، روى عَنْهُ
علقمة بن مرثد.
قال نعيم بن حماد: حدثنا أَبُو مُحَمَّد المَرْوَزِيّ، عَنْ
عَبْداللَّه بن بريدة عَنْ أخيه سُلَيْمَان بن بريدة وكَانَا ولدا فِي بطن واحد
على عهد عُمَر، ولم يذكر سُلَيْمَان سماعاً من أَبِيه.
وروى محارب بن دثار - مرسل - وروى مُحَمَّد بن جحادة عَنْ رجل عَنْ
سُلَيْمَان فِي العشر، لا أصل لَهُ".
قلت: ذكر البخاري رواية سليمان عن أبيه، وعن عمران بن حصين، ولم
يثبت سماعه منهما، ثم نفى ذلك بقوله: "ولم يذكر سليمان سماعاً من أبيه".
قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/102): "سليمان بن
بريدة بن حصيب الأسلمي، روى عن أبيه، وعمران بن حصين. روى عنه: علقمة بن مرثد،
ومحمد بن جحادة، وأخوه عبدالله بن بريدة. سمعت أبي يقول ذلك".
وساق بإسناده إلى ابن عيينة قال: "حديث سليمان بن بريدة أحبّ
إليهم من حديث عبدالله بن بريدة".
وساق عن أحمد بن حنبل عن وكيع قال: "يقولون: إن سليمان - يعني
ابن بريدة - كان أصح حديثاً وأوثق من عبدالله بن بريدة".
وساق أيضاً عن أحمد بن حنبل، قال: "سليمان بن بريدة أوثق من عبدالله
بن بريدة".
وقال ابن حبان في «الثقات» (4/303): "سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة
بن الحُصَيْب الْأَسْلَمِيّ: يرْوي عَن أَبِيه، وَعمْرَان بن حُصَيْن. روى عَنهُ:
عَلْقَمَة بن مرْثَد. ولد هُوَ وَأَخُوهُ عبدالله بن بُرَيْدَة فِي بطن وَاحِد على
عهد عمر لثلاث خلون من خِلَافَته، وَمَات سُلَيْمَان سنة خمس وَمِائَة بفَنِين - قَرْيَة
من قرى مرو، وَبهَا قَبره، وَكَانَ على قَضَاء مرو فِيمَا قيل".
وقال مغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (6/44): "وفي «تاريخ نيسابور»
للحاكم: روى عنه أخوه عبدالله. وخرّج ابن حبان حديثه في «صحيحه»، وكذلك أبو عوانة،
والترمذي، والطوسي، والحاكم، والدارمي. وقال ابن قانع: ولد سنة خمس عشرة من
الهجرة. وفي كتاب «المنتجالي» - وذكر عبدالله وسليمان -: سليمان أوثقهما وأصحهما
حديثا. وقال: رميح بن هلال الطائي: سمعت عبدالله بن بريدة يقول: ولدت في أول خلافة
عمر. ولما ذكر ابن شاهين وابن خلفون سليمان في الثقات قالا: قال أحمد بن حنبل:
سليمان أفضل من عبدالله، وأوثق".
وقال العلائي في «تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل» (ص: 133):
"سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة بن الحُصَيْب الْأَسْلَمِيّ رِوَايَته عَن أَبِيه
فِي صَحِيح مُسلم والسّنَن الْأَرْبَعَة. وقال البُخَارِيّ: لم يذكر سَمَاعاً من
أَبِيه".
ويكأن العلائي يرد على البخاري بذكره أن روايته عن أبيه في صحيح
مسلم!
وفي «العلل» للحربي: "عبدالله أشهر من سليمان، ولم
يسمعا من أبيهما. وفيما روى عبدالله عن أبيه أحاديث منكرة، وسليمان أصح
حديثاً منه، وأكثر أصحابه من أهل الكوفة". [إكمال تهذيب الكمال: (7/257)
وتحرّف "للحربي" إلى "للحازمي"!].
وهذا تصريح من الحربي أن عبدالله وسليمان لم يسمعا من أبيهما!
وكأنه ذهب مذهب البخاري في ذلك.
·
الأحاديث التي أخرجها مسلم
لسليمان بن بُريدة عن أبيه:
وقد أخرج الإمام مسلم عدّة أحاديث لسليمان بن بريدة عن أبيه وهذا
يدلّ على إثباته لسماع سليمان من أبيه.
وسنعرض لهذه الأحاديث إن شاء الله تعالى.
الحديث الأول: حديث الصلاة يوم الفتح بوضوء واحد:
قال مسلم في «صحيحه»، كتاب الطهارة، (1/232) (277) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بنُ عَبْدِاللهِ بنِ نُمَيْرٍ، قال: حَدَّثَنَا أَبِي، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،
عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ [ح].
وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ حَاتِمٍ - واللَّفْظُ لَهُ - قال: حَدَّثَنَا
يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بنُ
مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَّى الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الفَتْحِ
بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ». فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: "لقَدْ
صَنَعْتَ اليَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ"، قال: «عَمْدًا
صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ».
·
رواية سفيان الثوري، عن عَلْقَمَةَ
بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عن النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهذا الحديث رواه جماعة كبيرة عن سفيان الثوري الكوفي بهذا
الإسناد:
رواه عبدالرزاق الصنعاني في «مصنفه» (1/54) (158).
وأحمد في «مسنده» (38/65) (22966) عن يَحْيَى بن سَعِيدٍ القطان
البصري. و(38/134) (23029) عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن مهدي البصري.
وأبو عُبيد القاسم بن سلّام في كتاب «الطهور» (ص: 132) (40) عن عَبْدالرَّحْمَنِ
بن مهدي.
والترمذي في «جامعه» (1/116) (61)، وابن خزيمة في «صحيحه» (1/9) (12)
كلاهما عن مُحَمَّد بن بَشَّارٍ، عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن مَهْدِيٍّ.
والطبري في «تفسيره» (8/159) عن ابن بَشَّارٍ، عن يَحْيَى القطان
وعَبْدالرَّحْمَنِ بن مهدي.
وابن خزيمة في «صحيحه» (1/9) (12) عن أَبي مُوسَى محمد بن المثنى، عن
عَبْدالرَّحْمَنِ بن مَهْدِيٍّ.
والنسائي في «السنن الكبرى» (1/125) (133) عن عُبَيْداللهِ بن
سَعِيدٍ، عن يَحْيَى القطان.
وأبو داود في «سننه» (1/125) (172) عن مُسدَّد، عن يحيى القطان.
وابن الجارود كما في «المنتقى» (ص: 13) (1) عن عَبْداللَّهِ بن
هَاشِمٍ، عن يَحْيَى بن سَعِيدٍ. وعن إِسْحَاق بن مَنْصُورٍ، عن عَبْدالرَّحْمَنِ
بن مَهْدِيٍّ.
والدارمي في «سننه» (1/522) (685) عن عُبَيْداللَّهِ بن مُوسَى
الكوفي.
والبزار في «مسنده» (10/265) (4364) عن سلمة بن شَبِيب، عن عُبَيدالله
بن موسى.
والسراج في «حديثه» (3/202) (2488) عن أَبي قُدَامَةَ، عن إِسْحَاق
بن يوسف الأَزْرَق.
والطبري في «تفسيره» (8/160) عن أَبي كُرَيْبٍ، عن مُعَاوِيَة بن
هِشَامٍ القصار الكوفي.
وأبو عوانة في «مستخرجه» (1/200) (646) عن عَلِيّ بن حَرْبٍ
الطَّائِيّ، عن أَبي عَامِرٍ العَقَدِيّ، والقَاسِم بن يَزِيدَ الجَرْمِيّ، وأَبي
دَاوُدَ الطيالسي.
و(647) عن أَبي العَبَّاسِ الغَزِّيّ، عن محمد بن يوسف الفِرْيَابِيّ.
و(648) عن الأَحْمَسِيّ، عن وَكِيع بن الجراح.
و(649) عن أَبي عُبَيْدِاللَّهِ العَسْكَرِيّ، عن عبدالكبير بن
عبدالمجيد أَبي بَكْرٍ الحَنَفِيّ البصري.
والطحاوي في «شرح معني الآثار» (1/41) (222) عن ابن مَرْزُوقٍ، عن
أَبي عَاصِمٍ الضحاك بن مخلد البصري، وأَبي حُذَيْفَةَ موسى بن مسعود النهدي
البصري.
وابن حبان في «صحيحه» (4/606) (1706) من طريق مُجَاهِد بن مُوسَى،
عن يَحْيَى بن آدَمَ الكوفي.
و(1708) من طريق أَبي قُدَيْدٍ عُبَيْداللَّهِ بن فَضَالَةَ، عن
مُحَمَّد بن يُوسُفَ الفريابي وقَبِيصَةُ بن عُقْبَةَ الكوفي.
والبيهقي في «السنن الكبرى» (1/251) (759) من طريق مُحَمَّد بن
عَبْدِاللهِ بنِ عَبْدِالحَكَمِ، وبَحْر بن نَصْرٍ، كلاهما عن عبدالله بنِ وَهْبٍ
المصري.
و(760) من طريق يَحْيَى بن جَعْفَرٍ، عن أبي عاصم الضَّحَّاك بن
مَخْلَدٍ.
و(1284) من طريق أَحْمَد بن مِهْرَانَ الأَصْبَهَانِيّ، عن عَلِيّ
بن قَادِمٍ الكوفي.
كلهم (عبدالرزاق، والقطان، وابن مهدي، وعبيدالله، والأزرق،
ومعاوية بن هشام، وأَبو عَامِرٍ العَقَدِيّ، والقَاسِم بن يَزِيد، والطيالسي،
والفريابي، ووكيع، وأبو بكر الحنفي، وأبو عاصم، وأبو حذيفة، ويحيى بن آدم، ومُحَمَّد
بن يُوسُفَ، وقَبِيصَة، وابن وهب، وعليّ بن قادم) عن سُفْيَان الثوريّ، عَنْ
عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ
صَلَاةٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ «تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ،
وَصَلَّى الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ». فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنَّكَ فَعَلْتَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ قَالَ: «إِنِّي عَمْدًا
فَعَلْتُهُ يَا عُمَرُ». بألفاظ متقاربة، إلا في حديث ابن قادم قال: «مرة مرة».
·
طريق أخرى عن علقمة بن مرثد:
وهذا الحديث بهذا الطريق مشهور عن الثوري عن علقمة بن مرثد.
ورُوي من طريق آخر عن علقمة بن مرثد. رواه عنه: قيس بن الربيع
الكوفيّ!
أخرجه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (2/151) (842).
وعليّ بن الجعد في «مسنده» (ص:308) (2081) عن يَحْيَى بن
عَبْدِالحَمِيدِ الحِمَّانِيّ.
وابن شاهين في «الناسخ والمنسوخ» (89) عن عَبْداللَّهِ بن
مُحَمَّدٍ البغوي، عن يَحْيَى بن عَبْدِالحَمِيدِ.
كلاهما (الطيالسي والحماني) عن قَيْس بن الرَّبِيعِ، عَنْ
عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيه: «أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يوم فتح مكة الصَّلَوَاتِ
بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ».
قيس بن الربيع مُتكلّمٌ فيه! لكن روايته لا بأس بها في المتابعات.
·
طريق ثالث عن علقمة بن مرثد:
ورُوي عن علقمة بإسناد آخر:
رواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (4/221) (4032) قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ
بنُ سَعِيدِ بنِ بَشِيرٍ الرَّازِيُّ، قال: حدثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ بَهْرَامَ
بِالرِّيِّ قالَ: وجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي، عَنْ عَمْرِو بنِ قَيْسٍ الملائي،
عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ:
«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ
عَلَى الخُفَّيْنِ، وَصَلَّى الصَّلَوَاتِ بِوَضُوءٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ لَهُ
عُمَرُ: لَقَدْ صَنَعَتْ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ؟ قَالَ: عَمْدًا
صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ».
قال الطبراني: "لا يُرْوَى هذا الحَدِيث عَنْ عَمْرٍو إِلَّا
بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِه: إِسْمَاعِيلُ بنُ بَهْرَامَ".
إسماعيل بن بهرام صدوق يُغرب. ووالده مجهول الحال!
ذكره ابن حجر في «اللسان» (2/367)
وقال: "ذَكَره الطوسِي في رجال الشيعة من الرواة عن جعفر الصادق".
·
رواية سُفْيَان الثوري، عَنْ
مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عن
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ورُوي من طريق آخر عن سليمان بن بريدة:
رواه سفيان الثوري أيضاً عنه، ورواه عن سفيان جماعة، واختلفوا عليه
فيه!
رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1/34) (298).
وابن ماجه في «سننه» (1/320) (510) عن أَبي بَكْرِ بن أَبِي
شَيْبَةَ.
وابن حبان في «صحيحه» (4/607) (1707) عن الحَسَن بن سُفْيَانَ، عن أَبي
بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَة.
وابن ماجه في «سننه» (1/320) (510) عن عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ
الطنافسيّ.
وابن خزيمة في «صحيحه» (1/10) (14) عن أَبي عَمَّارٍ الحسين بن
حُريث المروزي.
والطبري في «تفسيره» (8/160) عن أَبي كُرَيْبٍ محمد بن العلاء
الكوفيّ.
كلهم (ابن أبي شيبة، والطنافسي، وأبو عمار، وأبو كُريب) عن وَكِيع
بن الجَرَّاحِ، عَنْ سُفْيَانَ الثوري، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ
فَتْحِ مَكَّةَ صَلَّى الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا بِوَضُوءٍ وَاحِدٍ».
ورواه الطبري في «تفسيره» (8/161)
عن أَبي كُرَيْبٍ، عن مُعَاوِيَة بن هشام، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، بهذا الإسناد،
بلفظ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ
لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى كَانَ يَوْمُ الفَتْحِ فَصَلَّى الظُّهْرَ والعَصْرَ والمَغْرِبَ
بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ».
ورواه البزار في «مسنده» (10/265) (4365)، وابن خزيمة في «صحيحه»
(1/10) (13) كلاهما عن عَلِيّ بن الحُسَيْنِ الدِّرْهَمِيّ.
والروياني في «مسنده» (1/96) (68) عن عَمْرو بن عَلِيٍّ
الصيرفيّ.
كلاهما (عليّ، وعمرو) عن مُعْتَمِر بن سُلَيْمَان البصري، عن
سُفْيَان الثَّوْرِيّ، بهذا الإسناد، بلفظ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، إِلَّا أَنَّهُ يَوْمَ الفَتْحِ
شُغِلَ فَجَمَعَ بَيْنَ الْأُولَى، وَالْعَصْرِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ».
ورواه سلام بن سليم الحنفي مولاهم أبو الأحوص الكوفي، عن سفيان
بهذا الإسناد. [كما أشار إليه الدارقطني في «العلل» (12/427)].
كذا رواه (وكيع، ومعاوية بن هشام، ومعتمر بن سليمان، وأبو الأحوص)
عن الثوري، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، متصلاً.
وخالفهم غيرهم، فرووه عن سفيان، عن محارب، عن سليمان، مرسلاً.
·
رواية سُفْيَان الثوري، عَنْ
مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عن النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مرسلاً.
رواه عبدالرزاق الصنعاني في «مصنفه» (1/54) (157).
وأبو عُبيد القاسم بن سلام في كتاب «الطهور» (41) عن عَبْدالرَّحْمَنِ
بن مهدي.
والطبري في «تفسيره» (8/160) عن ابن بَشَّارٍ، عن عَبْدالرَّحْمَنِ.
كلاهما (عبدالرزاق وابن مهدي) عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ
دِثَارٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ
الفَتْحِ صَلَّى الظُّهْرَ والعَصْرَ بِوُضُوءٍ واحِدٍ».
·
تنبيه:
في مطبوع كتاب عبدالرزاق زاد المحقق حبيب الرحمن الأعظمي [عن أبيه]
بين معقوفتين ظناً منه أنها سقطت من النسخ الأصلية! والصواب بدونها هنا.
ورواه أحمد في «العلل» (3/64) (4188) عن يحيى بن سعيد القطان، عن سُفْيَان،
به، مرسلاً.
ورواه أَبُو نُعَيم الفضل بن دُكين، عن سفيان، به، مرسلاً، بلفظ: «أَنَّهُ
صلَّى خمسَ صَلَواتٍ بِوُضُوء واحِد». [كما أشار ابن أبي حاتم في «العلل» (1/623)
(152)].
·
ترجيح أهل العلم للرواية المرسلة!
وقد رجّح أهل العلم الرواية المرسلة على الرواية المتصلة.
قال أحمد في «العلل» (3/64): حَدثنَا يحيى بن سعيد قال: حَدثنَا
سُفْيَان فِي حَدِيثِ مُحَارِبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي فِي يَوْمِ فَتْحِ مَكَّةَ أَنَّهُ
صَلَّى الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ وَكِيعٌ عَنْ أَبِيهِ، فَقَالَ
يَحْيَى: "هُوَ مُرْسَلٌ".
وقال الترمذي بعد أن روى حديث سفيان عن علقمة المتقدّم: "هذا
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ورَوَى هَذَا الحَدِيثَ عَلِيُّ بنُ قَادِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ، وَزَادَ فِيهِ: تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً.
ورَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ هَذَا الحَدِيثَ أَيْضًا، عَنْ
مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاَةٍ.
ورَوَاهُ وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَارِبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ
بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
وَرَوَاهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَغَيْرُهُ، عَنْ
سُفْيَانَ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلاً، وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ
حَدِيثِ وَكِيعٍ".
قلت: لم يتعرض الترمذي إلا لرواية وكيع! وكأنه هو المتفرد بها!
وليس كذلك! بل توبع على وصله كما بيّنت في التخريج.
وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (1/623): وسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ
عَنْ حديثٍ رَوَاهُ أَبُو نُعَيم، عَنْ سُفْيان، عَنْ مُحارِب بنِ دِثار، عَنْ
سُلَيمان بنِ بُرَيْدَة، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّهُ صلَّى خمسَ
صَلَواتٍ بِوُضُوء واحِد».
ورَوَاهُ وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيان، عن مُحارِب بن دِثار، عَنِ ابنِ
بُرَيدَة، عَنْ أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟
فقال أَبُو زُرْعَةَ: "حديثُ أَبِي نُعَيم أصَحُّ".
وقال ابن خزيمة: "لمْ يُسْنِدْ هذا الخَبَرَ عَنِ الثَّوْرِيِّ
أَحَدٌ نَعْلَمُهُ غَيْرُ المُعْتَمِرِ، وَوَكِيعٍ، ورَوَاهُ أَصْحَابُ
الثَّوْرِيِّ وغَيْرُهُمَا، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَارِبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ
بُرَيْدَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ كَانَ
المُعْتَمِرُ، وَوَكِيعٌ مَعَ جَلَالَتِهِمَا حَفِظَا هَذَا الْإِسْنَادَ
وَاتِّصَالَهُ، فَهُوَ خَبَرٌ غَرِيبٌ غَرِيبٌ".
قلت: لم يتفرد المعتمر ووكيع بروايته هكذا، بل تابعهما: معاوية بن
هشام، وأبو الأحوص.
وسئل الدارقطني في «العلل» (12/427) (2861) عن حديث روي عَنْ
مُحَارِبِ بنِ دَثَّارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء بوضوء واحد»؟.
فقال: "يرويه مِسعر، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دَثَّارٍ، عَنِ ابنِ
عُمَرَ. قاله الحكم بن ظهير عنه.
وخالفه الثوري، فرواه عن محارب بن دثار، عن ابن بريدة، عن أبيه.
قال ذلك معتمر، ووكيع، وأبو الأحوص، عن الثوري.
وغيرهم يرويه، عن الثوري، عن محارب بن دثار، عن ابن بريدة مرسلاً.
وهو الصواب".
قلت: الحكم بن ظهير الكوفي ليس بثقة! وقد أورد ابن عدي هذا الحديث
في منكراته في ترجمته في «الكامل» (2/492).
·
هل وهم سفيان الثوري في هذا
الحديث؟!
والخلاصة:
روى هذا الحديث جماعة كبيرة عن سفيان الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن
سليمان بن بُريدة، عن أبيه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وتابعه عليه قيس بن الربيع، وعَمْرِو بنِ قَيْسٍ الملائي، عَنْ
عَلْقَمَة.
ورواه سفيان أيضاً عن مُحارِب بن دِثار، واختلف عليه:
فرواه وكيع، ومعاوية بن هشام، ومعتمر بن سليمان، وأبو الأحوص، عنه،
عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عن
النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ورواه عبدالرزاق، وعبدالرحمن بن مهدي، ويحيى القطان، وأبو نُعيم،
عنه، عن مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عن النبيّ صلى
الله عليه وسلم، مرسلاً.
وقد رجّح أهل العلم الرواية المرسلة على الرواية المتصلة مع أن
الذين رووا الأخيرة من الثقات أيضاً، ويبعد أن يهم فيها أربعة منهم!!
والذي يظهر لي أن سفيان الثوري - وهو من جبال الحفظ - وهم في هذا
الحديث!!
فكان يرويه متصلاً، وكان يرويه مرسلاً.
والذي يظهر لي أن الصواب: الرواية المرسلة للاختلاف في متن الحديث
أيضاً بين الرواة! وكل هذا من الثوري!
فالثوري روى الحديث عن علقمة بن مرثد موصولاً، وعن محارب بن دثار
مرسلاً!
فالاختلاف بين علقمة بن مرثد ومحارب بن دثار!
وكلاهما ثقة إلا أن محارب بن دثار يُقدّم على علقمة بن مرثد
لمنزلته وروايته عن بعض الصحابة؛ فروايته ترجح عندي.
والحديث لا يصح؛ لاضطراب سنده ومتنه! وكذا النكارة في متنه بذكر
الصلوات الخمس!! وهو أشبه بالمراسيل، والله أعلم.
والحديث من كلا الطريقين تفرد به سفيان الثوري عنهما، فيحتمل أن
رواية محارب بن دثار لا تصح أصلاً، والحديث حديث علقمة، وكان سفيان يهم فيه! أو أن
أصل حديث علقمة عن محارب أو العكس! ورواية محارب عن سليمان إن صحت فهي مرسلة كما
أشار البخاري.
·
هل سمع
علقمة بن مرثد من سليمان بن بُريدة؟
لكن هل سمع علقمة بن مرثد من سليمان بن بريدة؟
فغالب الأحاديث التي تُروى عن سليمان بن بريدة عن أبيه من رواية
علقمة بن مرثد الكوفي عنه!
والإمام مسلم خرّج حديثه عن سليمان للمعاصرة بينهما! لكن سليمان
مروزي، وعلقمة كوفي، فأين لقيه؟ وكيف سمع منه؟
عَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ أَبُو الحَارِثِ
الحَضْرَمِيُّ الكُوْفِيُّ، ثقة.
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: "هُوَ ثَبْتٌ
فِي الحَدِيْثِ".
وقال أبو حاتم: "صالح الحديث".
حَدَّثَ
عَنْ: أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ الكوفيّ المقرئ (ت بعد 70هـ)، وَطَارِقِ
بنِ شِهَابٍ الكوفي (ت83هـ)، وَعَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى الكوفي
(ت83هـ)، وَسَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ الكوفي زَوْج ابْنَةِ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ
السُّلَمِيِّ (توفي ما بين سنة 101 - 110هـ)، والقَاسِمِ بنِ مُخَيْمِرَةَ
الكوفي (ت 111هـ)، والمُغِيرَةِ بنِ عَبْدِاللَّهِ اليَشْكُرِيّ الكُوفِيّ (توفي
ما بين سنة 91 - 100هـ).
وعِدَادُهُ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ،
وَلَكِنَّهُ قَدِيْمُ المَوْتِ، مات سنة (120هـ).
وسليمان بن بريدة (توفي ما بين سنة 101 -
110هـ) من طبقة شيوخ علقمة، لكن لم يثبت أنه سمع منه! فشيوخه كلهم كوفيون إلا
سليمان بن بريدة!
والذي أراه أنه سمع من الكوفيين الذين
توفوا بعد سنة (100هـ)، ويبدو لي أنه أرسل عمن توفوا قبل ذلك، فها هو يروي عن المَعْرُور
بن سُوَيْدٍ الكُوفِيّ (توفي ما بين سنة 81 - 90هـ) بواسطة المغيرة اليشكري!
فالمعرور كوفي ولم يسمع منه، وإنما روى
عنه بواسطة، فالأرجح أنه كان يرسل عن بعض الشيوخ، ولم يسمع منهم، فكيف سمع من سليمان
بن بريدة؟
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (7/41)
(180): "علقمة بن مرثد الكوفِي عَنْ عطاء، وسُلَيْمَان بن
بريدة، ومقاتل بن حيان، روى عنه الثوري وشعبة".
قلت: لم يثبت البخاري سماعه من سليمان بن بريدة، وأشار إلى روايته
عنه بالعنعنة!
وكذلك أشار إلى أنه روى عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ (ت115هـ)
بالعنعنة أيضاً، وقد خرّج له في «الأدب المفرد» عن عطاء، قَالَ: «كَانُوا يَكْرَهُونَ
التَّسْلِيمَ بِالْيَدِ، أَوْ قَالَ: كَانَ يَكْرَهُ التَّسْلِيمَ بِاليَدِ».
وقد روى محمد بن الحسن الشيباني في كتاب «الآثار» (374) قال:
أخبرنا أبو حنيفة قال: «بينا أنا عند عطاء بن أبي رباح فسأله علقمة بن مرثد
الحضرمي قال: إن بمصرنا قومًا صالحين يقولون: إن شهدنا أنا مؤمنون شهدنا أنا من
أهل الجنة؟ قال: فقولوا: إنكم مؤمنون ولا تقولوا: إنا من أهل الجنة، فوالله ما في
السماء ملك مقرب، ولا من نبي مرسل، ولا عبد صالح إلا لله عليه السبيل والحجة، أما
ملك أطاع الله طاعة حسنة، فالله من عليه بتلك الطاعة، فهو مقصر على شكرها، وأما
نبي مرسل أو عبد صالح أذنب فلله عليه السبيل والحجة».
قلت: لا يستبعد أنه لقي عطاء بن أبي رباح بالعراق، لكن لم يثبت أنه
سمع منه، والله أعلم.
والذي أراه أنه لم يثبت لعلقمة بن مرثد سماعاً من سليمان بن بريدة.
وقد روى يزيد النحوي المروزي (ت131هـ) عن سليمان بن بريدة، وهو
من بلده، ولا توجد عنده هذه الأحاديث التي عند علقمة والكوفيين.
والملاحظ أن من روى عن سليمان بن بريدة من
خلال الأسانيد هم من طبقة علقمة بن مرثد إلا أن علقمة مات قبلهم، والملاحظ أيضاً
أن بعضهم يروي عن علقمة أيضاً، وهذا يدلّ على أن روايتهم عن سليمان إنما هي بواسطة
علقمة، ولم يسمعوا من سليمان! ولم يلقوه!
فقد روى عن سليمان: أَبُو سنان ضرار بن مرة الشيباني
الكوفي (ت132هـ)، وهو من أقران علقمة، وروى عنه الثوري وشعبة.
وغيلان بن جامع الكوفي (ت132هـ) ويروي عن
علقمة بن مرثد، وروى عنه الثوري وشعبة.
والقاسم بن مخيمرة الكوفي (ت100هـ) يروي
عنه علقمة بن مرثد.
ومحمد بن جحادة الكوفيّ (ت131هـ)، روى عنه
شعبة.
ومحمد بْن شَيْبَة بن نعامة الكوفي (توفي
ما بين سنة 131 - 140هـ)، روى عن سليمان، وعن علقمة بن مرثد.
وقُعنب التميمي الكوفي روى عن سليمان، وعن
علقمة بن مرثد.
ومحارب بن دثار الكوفي (ت116هـ)، وكان ولي
قضاء الكوفة لخالد القسري، وروى عنه الثوري وشعبة.
روى عَبْدُاللَّهِ بن أحمد في «العلل» (3004) قَالَ: حَدَّثَنِي
أَبُو مَعْمَرٍ الهُذَلِيُّ إِسْمَاعِيلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ بنِ مَعْمَرٍ، عن ابن
عُيينة، عن مِسعَر، قال: قال مُحارِب بن دِثَار لعَلقَمَة بن مَرثَد: على ما تردد الناس؟
قال: "يغدون يسئلوني وأطرق".
ورُوي ذلك بالعكس = الذي قال ذلك علقمة لمحارب.
قال محمد بن خلف الملقّب بوكيع في «أخبار القضاة» (3/33): وذكر
مُحَمَّد بن عِمْرَان بن زِيَاد قَالَ: سمعت أبي يقول: قيل لمحارب بن دثار: كيف
أصبحت يا أبا كردوس؟ قَالَ: أصبحت كما قَالَ: شاعركم:
ولكن أراني لا أزال بحادث *** أعادي بما لم يمس عندي وأطرق
ورأيت هذَا الحديث في كتاب بعض من حدّث به عَن قبيصة وأبي نعيم عَن
الثوري، عَن علقمة بن مرثد أنه لقي محارب بن دثار، فقَالَ لَهُ: أيا محارب كم تردد
الخصوم؟ فقَالَ لَهُ محارب: إني والخصوم كما قَالَ الأعشى:
أرقت وما هَذَا السهاد المؤرق *** وما بي من سقم وما بي معشق
ولكن أراني لا أزال بحادث *** أعادي بما لم يمس عندي وأطرق
فحَدَّثَنِي عَبْدُاللهِ بن مُحَمَّد بن سنان قَالَ: حَدَّثَنَا
سُفْيَان، عَن مسعر، عَن علقمة بن مرثد قَالَ: قلت لمحارب بن دثار: إِلَى كم تردد
الناس؟ فقال: "أعادي بما لم يمس عندي وأطرق".
قلت: وهذا أصوب مما رواه عبدالله بن أحمد عن أبي معمر الهذلي القطيعي.
وقد أشار البخاري إلى أن رواية محارب بن دثار عن سليمان بن بلال
مرسلة، فقال في ترجمة سليمان من «التاريخ الكبير» (4/4): "وروى محارب بن دثار
مرسل".
والخلاصة أنه لم يثبت عن أحد من هؤلاء أنه سمع من سليمان بن بريدة،
وأكثر من روى عنه الحديث هو علقمة بن مرثد، وكأن الأحاديث الأخرى التي رواها
أصحابه عن سليمان إما مرجعها له، أو أنها كانت مرسلة عندهم في الكوفة، ولم يثبت أن
سليمان بن بريدة نزل الكوفة. والله أعلم.
وعندما ترجم البخاري لسُلَيْمَان في «التاريخ الكبير» (4/4) قال: "روى
عَنْهُ: علقمة بن مرثد"، فكأنه يشير إلى أن حديثه يرويه عنه علقمة فقط، والله
أعلم.
فحديث علقمة بن مَرثد عن سليمان بن بريدة مرسل.
الحديث الثاني: حديث الوصية لأمراء الجيوش:
قال مسلم في «صحيحه»، كتاب المغازي، (3/1356) (1731) حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، قال: حَدَّثَنَا وَكِيعُ بنُ الجَرَّاحِ، عَنْ
سُفْيَانَ [ح].
وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، قال: أَخْبَرَنَا يَحْيَى
بنُ آدَمَ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ - قَالَ: أَمْلَاهُ عَلَيْنَا إِمْلَاءً- [ح].
وحَدَّثَنِي عَبْدُاللهِ بنُ هَاشِمٍ - واللَّفْظُ لَهُ-، قال: حَدَّثَنِي
عَبْدُالرَّحْمَنِ - يَعْنِي ابنَ مَهْدِيٍّ -، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَلْقَمَةَ
بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا
عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ، وَمَنْ
مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: «اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي
سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا ولا تَغُلُّوا، وَلَا
تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ
عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ - أَوْ خِلَالٍ
- فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ
ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ
عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ
المُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا
لِلْمُهَاجِرِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ
يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ
الْمُسْلِمِينَ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلَّا
أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ
الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ،
فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَقَاتِلْهُمْ، وإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ
حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ، وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ،
فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ، وَلَا ذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنِ اجْعَلْ
لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ، فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ
وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ
رَسُولِهِ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى
حُكْمِ اللهِ، فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ
عَلَى حُكْمِكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللهِ فِيهِمْ أَمْ لا».
قَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ هَذَا أَوْ نَحْوَهُ، وَزَادَ إِسْحَاقُ
فِي آخِرِ حَدِيثِهِ، عَنْ يَحْيَى بنِ آدَمَ، قَالَ: فَذَكَرْتُ هَذَا الحَدِيثَ
لِمُقَاتِلِ بنِ حَيَّانَ - قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي أَنَّ عَلْقَمَةَ يَقُولُهُ
لِابنِ حَيَّانَ - فَقَالَ: حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بنُ هَيْصَمٍ، عَنِ
النُّعْمَانِ بنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نَحْوَهُ.
قال مسلم: وحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، قال: حَدَّثَنِي
عَبْدُالصَّمَدِ بنُ عَبْدِالوَارِثِ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي
عَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ: أَنَّ سُلَيْمَانَ بنَ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَهُ عَنْ
أَبِيهِ، قالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ
أَمِيرًا، أَوْ سَرِيَّةً دَعَاهُ فَأَوْصَاهُ، وَسَاقَ الحَدِيثَ بِمَعْنَى
حَدِيثِ سُفْيَانَ.
قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
عَبْدِالوَهَّابِ الفَرَّاءُ، عَنِ الحُسَيْنِ بنِ الْوَلِيدِ، عَنْ شُعْبَةَ،
بِهَذَا.
روى مسلم هذا الحديث من طريق وكيع، ويحيى بن آدم، وابن مهدي،
ثلاثتهم عن سفيان الثوري، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
ثم أتى بمتابعة شعبة لسفيان.
وفي رواية يحيى شاهد للحديث رواه علقمة بن مرثد، عن مُقَاتِلِ بنِ
حَيَّانَ، عن مُسْلِم بن هَيْصَمٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعلقمة شيخ مقاتل بن حيّان.
·
تخريج الحديث:
أما حديث الثوري:
فرواه عبدالرزاق في «مصنفه» (5/218) (9428).
وابن أبي شيبة في «مصنفه» (6/461) (32923)، و(6/475) (33054)،
وأحمد في «مسنده» (38/77) (22978) عن وَكِيع.
ورواه أبو داود في «سننه» (4/253) (2612) عن محمد بن سُليمانَ
الأنباريّ، عن وكيع.
والترمذي في «جامعه» (3/75) (1408)، و(3/214) (1617)، والبزار في «مسنده»
(10/259) (4355) من طريق عَبْدالرَّحْمَنِ بن مَهْدِيٍّ.
والترمذي (3/214) (1617)، والبزار (10/260) (4356) من طريق أَبي
أَحْمَدَ الزبيريّ.
والنسائي في «السنن الكبرى» (8/87) (8712) من طريق إِسْحَاق
الأَزْرَق.
وأبو داود في «سننه» (4/255) (2613) من طريق أبي إسحاقَ الفَزَاريّ.
والدارمي في «سننه» (3/1584) (2483)، وابن زنجويه في «الأموال»
(1/119) (102) عن مُحَمَّد بن يُوسُفَ الفِرْيَابِيّ.
وابن ماجه في «سننه» (4/118) (2858) عن مُحَمَّد بن يَحْيَى، عن الفِرْيَابِيّ.
وابن زنجويه في «الأموال» (1/123) (103)، و(2/478) (758) عن عُبَيْداللَّهِ
بن مُوسَى.
وأبو عوانة في «مستخرجه» (4/201) (6492) من طريق القَاسِم بن
يَزِيدَ الجَرْمِيّ، وأَبي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيّ. و(6493) من طريق عَبْدالرَّزَّاقِ،
وعُبَيْداللَّهِ بن مُوسَى.
وابن حبان في «صحيحه» (11/42) (4739) من طريق يَحْيَى بن آدَمَ.
والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (3/221) (5163) من طريق أبي حذيفة.
كلهم عن سفيان الثوري، عن عَلْقَمَة بن مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ
بنِ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمَيِّ، عَنْ أَبِيهِ، به، نحوه. وبعضهم رواه مختصراً.
وأما حديث شعبة:
فرواه ابن الجارود [كما في «المنتقى» (1042)]، والنسائي في «السنن
الكبرى» (8/55) (8627)، وأبو عوانة في «مستخرجه» (4/203) (6496) من طريق عَبْدالصَّمَدِ
بن عَبْدِالوَارِثِ.
والنسائي في «السنن الكبرى» (8/97) (8731) من طريق إِبْرَاهِيم بن
طَهْمَانَ.
وأبو عوانة في «مستخرجه» (4/203) (6497)، والطحاوي في «شرح معاني
الآثار» (3/221) (5167) من طريق جَرِير بن حَازِمٍ.
وأبو عوانة في «مستخرجه» (4/203) (6495) من طريق الحُسَيْن بن
الوَلِيدِ.
كلهم عَنْ شُعْبَةَ بنِ الحَجَّاجِ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ،
عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوُهُ.
·
طرق أخرى للحديث عن علقمة بن
مَرثد:
وقد رواه جماعة عن علقمة كذلك، منهم:
مَعمر بن راشد، كما عند عبدالرزاق في «مصنفه» (5/218) (9428).
وإِدْرِيسُ بن يزيد الْأَوْدِيُّ، كما عند ابن زنجويه في «الأموال»
(2/478) (758)، والنسائي في «السنن الكبرى» (8/8) (8532)، وأبي عوانة في «مستخرجه»
(4/203) (6498).
وعبدالرحمن بن عبدالله المَسْعُودِيُّ، كما عند أبي عوانة في «مستخرجه»
(4/204) (6499).
وعَمْرُو بنُ قَيْسٍ المُلَائِيُّ، كما عند أبي عوانة في «مستخرجه»
(4/204) (64500)، (6501)، (6502).
وأَبَان بن تَغْلِبٍ، كما عند أبي عوانة في «مستخرجه» (4/205) (6503)،
والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (3/221) (5162).
وزَيْد بن أَبِي أُنَيْسَةَ، كما عند أبي عوانة في «مستخرجه»
(4/205) (6503).
وأبو حنيفة النعمان بن ثابت الإمام، كما عند أبي يوسف في «الآثار»
(873).
قال أبو نُعيم الأصبهاني في «مسند أبي حنيفة» (ص: 147) في بيان من
رواه عن أبي حنيفة: "رَوَاهُ زُفَرُ، وأَبُو يُوسُفَ، وَأَسَدٌ، والحَسَنُ بنُ
زِيَادٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَسْرُوقٍ، وَحَمَّادُ بنُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالقَاسِمُ
بنُ مَعْنٍ، وَخَارِجَةُ بنُ مُصْعَبٍ، وَحَمْزَةُ".
وعَمَّارُ بنُ رُزَيْقٍ، كما عند الطبراني في «المعجم
الأوسط» (2/115) (1431).
قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هذا الحَديثَ عَنْ عَمَّارٍ
إِلَّا الأَحْوَصُ".
فالحديث مشهور من طريق علقمة بن مرثد رواه عنه جماعة كبيرة، منهم:
الثوري، وشعبة، ومعمر، وإدريس الأودي، والمسعودي، وعمرو الملائي، وأبان بن تغلب،
وزيد بن أبي أنيسة، وأبو حنيفة، وعمّار بن رُزيق.
·
تصحيح أهل العلم له:
صححه الإمام مسلم.
وقال الترمذي: "حَدِيثُ بُرَيْدَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".
قال: "وفِي البَابِ عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ، وَشَدَّادِ بنِ أَوْسٍ،
وعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، وَأَنَسٍ، وَسَمُرَةَ، والمُغِيرَةِ، وَيَعْلَى بنِ
مُرَّةَ، وأَبِي أَيُّوبَ".
وقال في الموضع الآخر: "وفِي البَاب عَنِ النُّعْمَانِ بنِ
مُقَرِّنٍ، وحَدِيثُ بُرَيْدَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".
وجاء في بعض طرق حديث شعبة عنه مرسلاً، والصواب عنه الوصل.
وقال البزار: "وهَذَا الحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ شُعبة، عَن
عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَن ابنِ بُرَيدة مُرْسَلا، هَكَذَا رَوَاهُ ابنُ أبي
عَدِيّ، ورَوَاهُ عَبدالصَّمَدِ عَنْ شُعبة، عَن عَلْقَمَةَ، عَن ابنِ بُرَيدة،
عَن أَبيهِ، عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم، ورَوَاهُ اللَّيْثُ
بنُ سَعْد عَنْ جَرِيرِ بنِ حَازِمٍ عَنْ شُعبة، عَن عَلْقَمَةَ، عَن ابنِ
بُرَيدة، عَن أَبيهِ، عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم نَحْوَ
حَدِيثِ عَبدالرَّحْمَنِ".
وقال ابن عدي في «الكامل» (3/62) - بعد أن خرّج حديث الليث عن جرير
-: "وهذا الحديث لا يرويه موصولاً عن شعبة بهذا الإسناد عن الليث غير جرير بن
حازم، ورواه عبدالصمد بن عبدالوارث موصولاً بالشك، ورواه الحسين بن الوليد
النيسابوري موصولاً وغير هؤلاء الذين ذكرتهم رووه مرسلاً".
قلت: هذا الحديث رواه علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الكَلامُ لا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيه وَسَلَّم إلاَّ مِنْ رِوَايَةِ بُرَيدة، ولا نَعْلَمُ لَهُ عَنْ بُرَيدة
طَرِيقًا إلاَّ هَذَا الطَّرِيقَ.
وقد تفرّد علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة، عن أبيه بأحاديث لم
يروها غيره!!
ولم يثبت أن علقمة سمع من سليمان، ولا سليمان من أبيه!
وهذا الحديث مشهور في كتب المغازي والسيّر وغيرها عن أبي بكر
الصديق في وصاياه للجيوش التي كانت تخرج للفتوحات.
روى ابن زنجويه في كتاب «الأموال» (2/478) (759) عن نُعَيْم بن
حَمَّادٍ، قال: حدثنا ابنُ المُبَارَكِ، قال: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، قال: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بنُ المُسَيِّبِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ
الصِّدِّيقَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ - لَمَّا بَعَثَ الجُيُوشَ نَحْوَ
الشَّامِ، يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَعَمْرَو بنَ العَاصِ وشُرَحْبِيلَ بنَ
حَسَنَةَ، فَلَمَّا رَكِبُوا مَشَى أَبُو بَكْرٍ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ
مَعَهُمْ يُوَدِّعُهُمْ، حَتَّى بَلَغَ ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ، ثُمَّ جَعَلَ
يُوصِيهِمْ يَقُولُ: «عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، اغْزُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ،
قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرٌ دِينَهُ، وَلَا
تَغُلُّوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَجْبُنُوا وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ
وَلَا تَعْصُوا مَا تُؤْمَرُونَ بِهِ، فَإِذَا لَقِيتُمُ الْعَدُوَّ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ - إِنَّ شَاءَ اللَّهُ - فَادْعُوهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ،
فَإِنْ أَجَابُوكُمْ فَاقْبَلُوا مِنْهُمْ وَكُفُّوا عَنْهُمُ ادْعُوهُمْ إِلَى
الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوكُمْ فَاقْبَلُوا مِنْهُمْ وَكُفُّوا عَنْهُمْ، ثُمَّ
ادْعُوهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ،
فَإِنْ فَعَلُوا فَاخْبِرُوهُمْ أَنَّ لَهُمْ مِثْلَ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ،
وَعَلَيْهِمْ مِثْلَ مَا عَلَيْهِمْ، فَإِنِ اخْتَارُوا دَارَهُمْ عَلَى دَارِ
الْمُهَاجِرِينَ فَأَخْبِرُوهُمْ أَنَّهُمْ كَأَعْرَابِ المُسْلِمِينَ، يَجْرِي
عَلَيْهِمُ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي عَلَى المُؤْمِنِينَ، وَلَيْسَ لَهُمْ فِي
الْفَيْءِ وَلَا فِي الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ، حَتَّى يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ،
وَإِنْ هُمْ أَبَوْا أَنْ يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ، فَادْعُوهُمْ إِلَى الجِزْيَةِ،
فَإِنْ فَعَلُوا فَاقْبَلُوا مِنْهُمْ، وَكُفُّوا عَنْهُمْ، وَإِنْ هُمْ أَبَوْا
فَاسْتَعِينُوا بِاللَّهِ عَلَيْهِمْ وَقَاتِلُوهُمْ».
وهذا مرسل، وأكثر ما يُروى في السيّر مراسيل.
قال عَلِيُّ بن المديني: قُلْتُ لِيَحْيَى بنَ سَعِيدٍ: وسَعِيدِ
بنُ المُسَيِّبِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ؟ قالَ: "ذَاكَ شِبْهُ الرِّيِحِ".
ورواه مالك في «الموطأ» (2/447) (10) مختصراً مرسلاً، عَنْ يَحْيَى
بنِ سَعِيدٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعَثَ جُيُوشًا إِلَى الشَّامِ. فَخَرَجَ
يَمْشِي مَعَ يَزِيدَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ وَكَانَ أَمِيرَ رُبْعٍ مِنْ تِلْكَ
الْأَرْبَاعِ. فَزَعَمُوا أَنَّ يَزِيدَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: إِمَّا أَنْ
تَرْكَبَ، وَإِمَّا أَنْ أَنْزِلَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ «مَا أَنْتَ بِنَازِلٍ،
وَمَا أَنَا بِرَاكِبٍ. إِنِّي أَحْتَسِبُ خُطَايَ هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
ثُمَّ قَالَ لَهُ: «إِنَّكَ سَتَجِدُ قَوْمًا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَّسُوا
أَنْفُسَهُمْ لِلَّهِ. فَذَرْهُمْ وَمَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَّسُوا
أَنْفُسَهُمْ لَهُ. وَسَتَجِدُ قَوْمًا فَحَصُوا عَنْ أَوْسَاطِ رُءُوسِهِمْ مِنَ
الشَّعَرِ. فَاضْرِبْ مَا فَحَصُوا عَنْهُ بِالسَّيْفِ». وَإِنِّي مُوصِيكَ
بِعَشْرٍ: «لَا تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً، وَلَا صَبِيًّا، وَلَا كَبِيرًا هَرِمًا،
وَلَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا، وَلَا تُخَرِّبَنَّ عَامِرًا، وَلَا
تَعْقِرَنَّ شَاةً، وَلَا بَعِيرًا، إِلَّا لِمَأْكَلَةٍ. وَلَا تَحْرِقَنَّ
نَحْلًا، وَلَا تُغَرِّقَنَّهُ، وَلَا تَغْلُلْ وَلَا تَجْبُنْ».
ولا يوجد فيه ما في حديث ابن بريدة عن أبيه: «وإِذَا حَاصَرْتَ
أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ، وَذِمَّةَ
نَبِيِّهِ، فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ، وَلَا ذِمَّةَ نَبِيِّهِ،
وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ، فَإِنَّكُمْ أَنْ
تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا
ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ
أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ، فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ،
وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ
اللهِ فِيهِمْ أَمْ لا»!!
وأرى في هذه بعض النُّكرة!! وإن صحت فقد تكون موقوفة على بعض
الصحابة أو مرسلة! والله أعلم.
وروى مالك أيضاً في «الموطأ» (2/448) (11): أَنَّهُ بَلَغَهُ،
أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِالعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى عَامِلٍ مِنْ عُمَّالِهِ أَنَّهُ
بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا
بَعَثَ سَرِيَّةً يَقُولُ لَهُمُ: «اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ. فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
تُقَاتِلُونَ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ. لَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا. وَلَا
تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَقُلْ ذَلِكَ لِجُيُوشِكَ وَسَرَايَاكَ
إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ».
قلت: فما يُروى في هذا الباب إنما هو من المراسيل.
·
حديث مُسْلِمِ بنِ هَيْصَمٍ، عَنِ
النُّعْمَانِ بنِ مُقَرَّن المُزَنِيِّ:
وأما رواية علقمة بن مرثد، عن مُقاتِل بن حَيَّان، مُسْلِمِ بنِ
هَيْصَمٍ، عن النعمان بن مقرن المزني، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فقد أشار
إليها علقمة في الحديث السابق.
ورواه أبو يوسف القاضي في كتاب «الآثار» (875) عَنْ رَوْحِ بنِ
مُسَافِرٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بنِ حَيَّانَ، عَنْ مُسْلِمِ بنِ هَيْصَمٍ، عَنِ
النُّعْمَانِ بنِ المُقَرَّنِ الْمُزَنِيِّ، به، نحوه.
وفي آخره: "قال مُقَاتِلٌ: فَنَظَرْتُ فِيمَا فُتِحَ مِنْ
أَرْضِ خُرَاسَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فلَمْ
أَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِمَّةَ اللَّهِ ولا ذِمَّةَ رَسُولِهِ، إِلَّا ذِمَّةَ
الْإِمَامِ وَأَصْحَابِهِ مِمَّنْ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ".
وقال الدارقطني في «الغرائب والأفراد» [كما في الأطراف: (4/331)]:
"غَرِيب من حَدِيث غيلَان بن جَامع عَن عَلْقَمَة بن مرْثَد، تفرد بِهِ يعلى بن
الحَارِث المحَاربي، عَن أَبِيه عَن غيلَان، وَلَا أعلم حدث بِهِ غير أبي بجير
مُحَمَّد بن جَابر المحَاربي. وَرَوَاهُ شُعَيْب بن رَاشد، عَن حَمْزَة الزيات،
عَن عَلْقَمَة بن مرْثَد، عَن مُسلم بن هَيْصَم العَبْدي، عَن النُّعْمَان، ولم
يذكر فِي الْإِسْنَاد «مقَاتل بن حيان»! وَهُوَ غَرِيب من حَدِيث حَمْزَة الزيات،
تفرد بِهِ سعيد بن رَاشد بِهَذَا الإِسْنَاد! وَرَوَاهُ جرير بن عبدالحميد عَن
حَمْزَة الزيات بِإِسْنَاد آخر".
وقال الترمذي في «العلل الكبير» (ص: 267) وساق حديث علقمة عن
سليمان بن بريدة، ثم حديث علقمة عن مسلم بن هيصم: "سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ
هَذَا الْحَدِيثِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَنْ مُسْلِمٌ؟ ابنُ مَنْ؟ قالَ: مُسْلِمُ بنُ
هَيْصَمٍ. قُلْتُ لَهُ: أَيُّ شَيْءٍ رَوَى النُّعْمَانُ بنُ مُقَرِّنٍ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالَ: إِنَّمَا رَوَى هَذَا
الحَدِيثَ، وحَدِيثًا آخَرَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِذَا هَبَّتِ الرِّيحُ». حَدِيثُ القِتَالِ".
قلت: هذا الحديث تفرد به مسلم بن هيصم عن النعمان بن مقرن!! وهو
مجهول الحال!
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (7/274): "مُسْلِم بن هيصم:
عن النعمان بن مقرن، وأشعث بن قَيْسٍ. رَوَى عنه: مُقَاتِلُ بنُ حَيَّانَ".
وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/198): "مسلم بن
هيصم: روى عن النعمان بن مقرن، والأشعث بن قيس. روى عنه: عقيل بن طلحة، ومقاتل بن
حيان. سمعت أبي يقول ذلك".
وقال ابن حبان في «الثقات» (5/399): "مُسلم بن هَيْصَم: يروي
عَن النُّعْمَان بن مقرن، والأشعث بن قيس. روى عَنهُ مقَاتل بن حَيَّان".
قلت: لا يُعرف أنه لقي النعمان بن مقرن أو سمع منه! والنعمان قديم
الموت، اسْتشْهد بنهاوند وهُوَ أَمِير الجَيْش سنة إِحْدَى وعشْرين (21هـ)، فنعاه
عمر بن الخطاب على المِنْبَر.
ومسلم بن هيصم هذا يروي أيضاً عن الأشعث بن قيس الكندي الذي مات
سنة (40 هـ)!! فإن كان سمع من الأشعث فيبعد أن يكون سمع من النعمان الذي وفاته قبل
الأشعث بعشرين سنة!!
فمسلم بن هيصم العبدي مجهول الحال، ولا يُعرف أنه سمع من النعمان
بن مُقرن!
·
وهم لسعيد بن بشير في هذا الحديث!
قال ابن أبي حاتم في «العلل» (3/423) (979): وسألتُ أَبِي عَنْ
حديثٍ رَوَاهُ الوليدُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بنِ بَشير، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ
مَرْثَد، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النُّعْمان بن مُقَرِّن، عن النبيِّ صلى الله عليه
وسلم: أَنَّهُ كَانَ إِذَا بَعَثَ جُيوشَهُ...؟
قال أَبِي: "قَدْ دخلَ لَهُ إسنادٌ فِي إِسْنَادٍ؛ إِنَّمَا هُوَ:
عَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَد، عَنِ ابنِ بُرَيدة، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النبيِّ صلى الله
عليه وسلم: أَنَّهُ كَانَ إِذَا بَعَثَ جُيوشَهُ...
قال عَلْقَمَة: فحدَّثتُ بِهِ مُقاتِلَ بنَ حَيَّان، فحدَّثني عَنْ
مُسْلِمِ بن هَيْصَم، عن النُّعْمان بن مُقَرِّن، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:
أَنَّهُ كَانَ إِذَا بعثَ جُيوشَهُ... الحديثَ".
قلت: قد يفهم القارئ من كلام أبي حاتم أن الذي وهم فيه هو الوليد
بن مسلم! لكن الوهم فيه من سعيد بن بشير لا من الوليد!
قال ابن عدي في ترجمة «سعيد بن بشير»: "لهُ عند أهل دمشق
تصانيف، لأنه سكنها وهُوَ بصري، ورأيت لَهُ تفسيراً مصنفاً من رواية الوَلِيد عنه،
ولا أرى بما يروي عَنْ سَعِيد بن بشير بأساً، ولعله يهم في الشيء بعد الشيء ويغلط،
والغالب على حديثه الاستقامة، والغالب عليه الصدق".
الحديث الثالث: حديث الدعاء عند دخول المقابر أو المرور بها:
قال مسلم في «صحيحه»، كتاب الجنائز، (2/671) (975): حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، وزُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِاللهِ الأَسَدِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ
بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قال: «كَانَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا
إِلَى المَقَابِرِ، فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ - فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ -:
السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ، - وَفِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ -: السَّلَامُ
عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ
شَاءَ اللهُ لَلَاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللهَ لَنَا ولَكُمُ العَافِيَةَ».
قلت: روى مسلم هذا الحديث من طريق محمد بن عبدالله أبي أحمد
الزبيري، عن سفيان الثوري، وهو مشهور عن سفيان، رواه عنه جماعة.
ورواه أيضاً غير الثوري. رواه شعبة، ومِسعر، وإدريس الأودي عن
علقمة بهذا الإسناد.
أما حديث الثوري:
فرواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (3/27) (11787) عن معاوية بن هشام
القصّار الكوفي.
وأحمد في «مسنده» (38/89) (22985) عن مُعَاوِيَة بن هِشَامٍ، وأَبي
أَحْمَدَ الزبيري محمد بن عبدالله الأسدي.
وأبو داود في «سننه» [رواية أبي الحسن ابن العبد] كما في «تحفة
الأشراف» (2/71) عن أحمد بن حنبل، عن معاوية بن هشام وحده.
وأبو بكر الخلال في كتاب «السنّة» (3/606) (1080) من طريق حَنْبل
بن إسحاق بن حنبل، و(4/63) (1173) من طريق أَبي بَكْرٍ المَرُّوذِيّ، كلاهما عن
أحمد.
وأحمد أيضاً في «مسنده» (38/147) (23039) عن مُحَمَّد بن حُمَيْدٍ
أَبي سُفْيَانَ المعمري البصري.
وابن ماجه في «سننه» (1/494) (1547) عن مُحَمَّد بن عَبَّادِ بنِ
آدَمَ، عن أَبي أَحْمَدَ.
والروياني في «مسنده» (1/62) (2) عن مُحَمَّد بن بَشَّارٍ، عن أَبي
أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيّ.
والبزار في «مسنده» (10/267) (4369) عن عَبدة الصفار، عن
مُعَاوِيَة بن هِشَامٍ.
وأبو نُعيم الأصبهاني في «المسند المستخرج على صحيح مسلم» (3/53) (2186)
من طريق أَبي بَكْرِ بن أَبِي عَاصِمٍ، عن أَبي بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ، عن أَبي
أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيّ ومُعَاوِيَة بن هِشَامٍ.
وابن السُّنّي في «عمل اليوم والليلة» (589) من طريق عَبْدَة بن
عَبْدِاللَّهِ الصَّفَّار، عن مُعَاوِيَة بن هِشَامٍ.
وابن حبان في «صحيحه» (7/445) (3173) من طريق عُثْمَان بن أَبِي
شَيْبَةَ، عن مُعَاوِيَة بن هِشَامٍ.
والبيهقي في «الدعوات الكبير» (2/301) (641)، و«السنن الكبرى»
(4/133) (7213) من طريق أَحْمَد بن يُوسُفَ السُّلَمِيّ وابن أَبِي مَرْيم، كلاهما
عن مُحَمَّد بن يُوسُفَ الفِريابي.
واللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (5/1040) (1755)،
و(1756) من طريق مُحَمَّد بن بَشَّارٍ، وأَحْمَد بن سِنَانٍ، كلاهما عن أَبي
أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيّ.
أربعتهم (أبو أحمد الزبيري، ومعاوية بن هشام، ومحمد بن حُميد،
والفريابي) عن سفيان الثوري، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، به.
وأما حديث شعبة:
فرواه الروياني في «مسنده» (1/67) (15) عن محمد بن بَشَّار
بُنْدار.
والبزار في «مسنده» (10/267) (4368) عن مُحَمد بن بَشَّار بُندَار،
وبِشْر بن آدم.
والنسائي في «السنن الكبرى» (2/468) (2178) عن عُبَيْداللهِ بن
سَعِيدٍ السرخسي أبي قُدامة.
واللالكائي في «اعتقاد أهل السنة والجماعة» (5/1040) (1758) من
طريق عُمَر بن شَبَّةَ النُّميريّ.
كلهم عن حَرَمِيّ بن عُمَارَةَ البصري، عن شُعْبَةُ، عَنْ
عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، عن النبيّ صلى الله عليه
وسلم، به.
قال البزار: "وحَدِيثُ شُعبة، عَن عَلْقَمَةَ لا نَعْلَمُ
رَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ إلاَّ حَرَمِيُّ بنُ عُمَارَةَ".
وأما حديث مِسعر بن كِدام:
فرواه البزار في «مسنده» (10/267) (4367) عن عَبدة بن عبدالله
الصفار، عن يَحْيَى بن آدم الأموي الكوفي، عن مِسْعَر، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ
مَرْثَدٍ، به، نحوه.
وأما حديث إدريس بن يزيد الأودي:
فرواه ابن المقرئ في «معجمه» (420) قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ
أَحْمَدُ بنُ يُوسُفَ بنِ يَعْقُوبَ أَبُو إِسْحَاقَ المَنْبِجِيُّ - بِمَنْبِجَ
-، قال: حدثنا سَهْلُ بنُ صَالِحٍ الأنطاكيّ، قال: حدثنا شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ
المدائنيّ، عَنْ يَحْيَى التَّيْمِيِّ، عَنْ إِدْرِيسَ الأَوْدِيِّ، عَنْ
عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قال: كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا انْتَهَى إِلَى القُبُورِ قال:
«السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّا إِنْ شَاءَ
اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَأَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ
وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى لَنَا وَلَكُمُ الْعَاقِبَةَ».
قَال ابنُ الْمُقْرِئِ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: "قَطَعُوا الوَرَقَةَ
الَّتِي فِيهَا هَذَا الحَدِيثُ مِنْ كِتَابِي".
قلت: هذا الحديث لا يُعرف عن بُريدة بن الحُصَيْب إلا من هذا الوجه!
تفرد به علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة!!
الحديث الرابع: حديث المواقيت:
قال مسلم في «صحيحه»، كتاب الصلاة، (1/428) (613): حَدَّثَنِي
زُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ، وعُبَيْدُاللهِ بْنُ سَعِيدٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الْأَزْرَقِ، -
قالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ، قال: حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ
رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ لَهُ: «صَلِّ مَعَنَا هَذَيْنِ
- يَعْنِي اليَوْمَيْنِ - فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ،
ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَقَامَ الظُّهْرَ، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَقَامَ العَصْرَ والشَّمْسُ
مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ المَغْرِبَ حِينَ
غَابَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ العِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ،
ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الفَجْرَ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ اليَوْمُ
الثَّانِي أَمَرَهُ فَأَبْرَدَ بِالظُّهْرِ، فَأَبْرَدَ بِهَا، فَأَنْعَمَ أَنْ
يُبْرِدَ بِهَا، وصَلَّى العَصْرَ والشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ أَخَّرَهَا فَوْقَ
الَّذِي كَانَ، وصَلَّى المَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، وَصَلَّى العِشَاءَ
بَعْدَمَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، وصَلَّى الفَجْرَ فَأَسْفَرَ بِهَا»، ثُمَّ
قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟» فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا،
يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «وَقْتُ صَلَاتِكُمْ بَيْنَ مَا رَأَيْتُمْ».
قال: وحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ
السَّامِيُّ، قال: حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ
رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ عَنْ
مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: «اشْهَدْ مَعَنَا الصَّلَاةَ، فَأَمَرَ بِلَالًا
فَأَذَّنَ بِغَلَسٍ، فَصَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، ثُمَّ أَمَرَهُ
بِالظُّهْرِ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالعَصْرِ
وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالمَغْرِبِ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ،
ثُمَّ أَمَرَهُ بِالعِشَاءِ حِينَ وَقَعَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَمَرَهُ الغَدَ
فَنَوَّرَ بِالصُّبْحِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالظُّهْرِ فَأَبْرَدَ، ثُمَّ أَمَرَهُ
بِالعَصْرِ والشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ لَمْ تُخَالِطْهَا صُفْرَةٌ، ثُمَّ
أَمَرَهُ بِالمَغْرِبِ قَبْلَ أَنَّ يَقَعَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالعِشَاءِ
عِنْدَ ذَهَابِ ثُلُثِ اللَّيْلِ، أَوْ بَعْضِهِ - شَكَّ حَرَمِيٌّ» فَلَمَّا
أَصْبَحَ، قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ؟ مَا بَيْنَ مَا رَأَيْتَ وَقْتٌ».
قلت: روى مسلم هذا الحديث من طريق الثوري وشعبة، كلاهما عن علقمة
بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه.
أما حديث الثوري:
فرواه أحمد في «مسنده» (38/50) (22955).
والترمذي في «جامعه» (1/221) (152) عن أَحْمَد بن مَنِيعٍ البغويّ،
والحَسَن بن الصَّبَّاحِ البَزَّار، وأَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ مُوسَى المروزي.
وابن الجارود في «المنتقى» (151) عن مُحَمَّد بن بَزِيعٍ
النَّيْسَابُورِيّ.
والروياني في «مسنده» (1/66) (14) عن مُحَمَّد بن حَرْبٍ النشائيّ.
والبزار في «مسنده» (10/268) (4370) عن الحسن بن خلف.
والدارقطني في «سننه» (1/493) (1033) من طريق يَعْقُوب بن
إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيّ، وعَلِيّ بن شُعَيْبٍ البغدادي، ومُحَمَّد بن أَبِي عَوْنٍ،
وعَلِيّ بن أَشْكَابٍ، وأَحْمَد بن سِنَانٍ القطان الواسطي.
وابن ماجه في «سننه» (1/425) (667) عن مُحَمَّد بن الصَّبَّاحِ،
وأَحْمَد بن سِنَانٍ.
وابن خزيمة في «صحيحه» (1/166) (323) عن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيمَ،
والحَسَن بن مُحَمَّدٍ، وعَلِيّ بن الحُسَيْنِ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ الحُسَيْنِ، وأَحْمَد
بن سِنَانٍ الوَاسِطِيّ، ومُوسَى بن خَاقَانَ البَغْدَادِيّ.
وابن حبان في «صحيحه» (4/359) (1492)، و(4/391) (1025) عن أَحْمَد
بن يَحْيَى بنِ زُهَيْرٍ الحافظ، عن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيّ.
وأبو عوانة في «مستخرجه» (1/312) (1109) عن ابن ابْنَةِ مَطَرٍ
مُحَمَّد بن سُلَيْمَانَ الأنباري، وسريج بن يُونُسَ.
والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/148) (906) من طريق إِسْمَاعِيل
بن سَالِمٍ.
وأبو نُعيم الأصبهاني في «المسند المستخرج على صحيح مسلم» (2/210)
(1369) من طريق أَبي خَيْثَمَةَ زهير بن حرب، ومُحَمَّد بن الصَّبَّاحِ، وأحمد بن
حنبل.
كلهم عن إِسْحَاق بن يُوسُفَ الأَزْرَقَ.
ورواه النسائي في «سننه» (2/202) (1527) عن عَمْرو بن هِشَامٍ
الحرّاني.
وابن ماجه في «سننه» (1/425) (667) عن عَلِيّ بن مَيْمُونٍ
الرَّقِّيّ.
وأبو عوانة في «مستخرجه» (1/312) (1108) عن عَبْدالحَمِيدِ بن
مُحَمَّدِ بنِ المُسْتَامِ الحَرَّانِيّ.
كلهم عن مَخْلَد بن يَزِيدَ الحَرَّانِيّ.
ورواه أبو عوانة في «مستخرجه» (1/312) (1109) عن محمد بن إسحاق
الصاغاني، عن عَبْدالعَزِيزِ بن أبان أَبي خَالِدٍ القرشي.
ثلاثتهم (الأزرق، ومخلد، وعبدالعزيز أبو خالد) عَنْ سُفْيَانَ
الثوريّ، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، عن النبيّ صلى الله عليه
وسلم، به.
تنبيه:
أبو خالد القرشي الذي يروي هذا الحديث عن سفيان ليس بشيء، وقد
كذبوه! وتركه أحمد بسبب روايته لهذا الحديث عن الثوري.
قال عَبداللَّهِ بن أَحْمَد: قِيل لأبي: حديث جرير نقبا مدينة؟ قال:
"مَا حدث به إنسان ثقة"، فذكر لَهُ أن عَبدالعزيز بن أَبَان رواه عن
الثَّوْريّ! فقال: "إِنِّي تركته لما حدّث بحديث المواقيت".
وفي موضعٍ آخر قال: سألت أبي عَن عَبدالعزيز بن أَبَان؟ فقال: "لم
أخرج عَنْهُ شيئاً فِي المسند، وقد خرجت عَنْهُ فِي غيره عَلَى غير وجه الحديث منذ
حدّث بحديث المواقيت: حديث سفيان عَن علقمة بن مرثد".
وأما حديث شعبة:
فرواه ابن خزيمة في «صحيحه» (1/166) (324)، والبزار في «مسنده»
(10/269) (4371) كلاهما عن مُحَمد بن بَشَّار بُنْدَار.
والدارقطني في «سننه» (1/495) (1036)، والبيهقي في «السنن الكبرى»
(1/549) (1751)، وأبو عوانة في «مستخرجه» (1/313) (1110)، وأبو نُعيم الأصبهاني في
«مستخرجه» (2/210) (1370) من طريق عَلِيّ بن المدينيّ.
وأبو نُعيم الأصبهاني في «مستخرجه» (1370) من طريق إِبْرَاهِيمُ بن
عرْعرة، ومُحَمَّد بن بَشَّارٍ بُنْدَار.
كلهم (بُندار، وابن المديني، وإبراهيم بن عرعرة) عن حَرَمِيّ بن
عُمَارَةَ بنِ أَبِي حَفْصَةَ البصري، عن شُعْبَة بن الحجاج، عن علقمة بن مرثد، عن
سليمان بن بريدة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، به.
ورواه عن علقمة أيضاً: الجَرَّاح بنِ الضَّحَّاكِ بنِ
قَيْسٍ الكِنْدِيّ.
أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (2/216) (1777) من طريق نُوح بن
أَنَسٍ المُقْرِئ، عن عَلِيّ بن أَبِي بَكْرٍ الإِسْفَذَنِيّ الرَّازِيّ، عَنِ
الجَرَّاحِ بنِ الضَّحَّاكِ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، به، بنحوه.
قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هذا الحَدِيثَ عَنِ الجَرَّاحِ
إِلَّا عَلِيٌّ، تَفَرَّدَ بِهِ: نُوحٌ".
·
حكم أهل العلم على الحديث:
بدأ مسلم بتخريجه في الباب، ثم أتبعه
بحديث بَدْر بن عُثْمَانَ، عن أَبي بَكْرِ بن أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نحوه.
وقال الترمذي: "هذا حَدِيثٌ
حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ".
ومقتضى كلام أبي داود أنه يصححه؛ فإنه لما أخرج حديث بدر بن عثمان
عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه (1/298) قال جازماً: "وكذلك روى ابنُ
بُرَيدة، عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم".
وقال أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (1/434): "هذا حَدِيثٌ
صَحِيحٌ عَزِيزٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِهِ مِنْ حَدِيثِ حَرَمِيٍّ، عَنْ
شُعْبَةَ. حَدَّثَ بِهِ الأَعْلَامُ الكِبَارُ عَنْ حَرَمِيٍّ. حَدَّثَ بِهِ أَبُو
مَسْعُودٍ أَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ الرَّازِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ المَدِينِيِّ،
عَنْ حَرَمِيٍّ".
لكن لما خرّج في «مستخرجه» (2/210) حديث حرمي عن شعبة من طريق مُحَمَّد
بن بَشَّارٍ بُنْدَار، قال بُنْدَارٌ: "فَذَكَرْتُ هذا الحَدِيثَ لِأَبِي
دَاوُدَ فقالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُكَبِّرَ عَلَى صَاحِبِ هذا! فَمَحَوْتُهُ".
قلت: ظاهر كلام أبي داود وهو الطيالسي أنه يستنكر هذا الحديث!!
وقال البزار بعد أن خرّج رواية الأزرق، ثم رواية شعبة من طريق
حرمي: "ولَمْ يَكُنْ عِنْدَ بُندَار مِنْ كَلامِهِ إلاَّ هَذَا، ولاَ
نَعْلَمُ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ شُعْبَةَ إلاَّ حَرَمِيٌّ، ولاَ رَواه عَنِ
الثَّوْرِيّ إلاَّ إِسْحَاقُ بنُ يُوسُفَ".
قلت: بل تابعه مَخْلَد بن يَزِيدَ الحَرَّانِيّ، ورواية عبدالعزيز
عن الثوري فيها نظر!
والرواية في هذا الباب في المواقيت ليّنة!
وحَدِيثُ أَبِي مُوسَى لم يروه عَنْ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا بَدْرُ بنُ
عُثْمَانَ! وقد أشار البخاري إلى تضعيفه في ترجمته من «التاريخ الكبير».
ونقل الترمذي في «العلل الكبير» (ص: 62) عن البخاري أنه قال:
"أَصَحُّ الأَحَادِيثِ عِنْدِي فِي المَوَاقِيتِ حَدِيثُ جَابِرِ بنِ
عَبْدِاللَّهِ. وحَدِيثُ أَبِي مُوسَى. وحَدِيثُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ
عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، فِي المَوَاقِيتِ
هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، ولَمْ نعْرِفْهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ. وحَدِيثُ
مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي المَوَاقِيتِ
هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ".
قلت: قوله: "أصح حديث" لا يعني أنه يصححه، وقوله
"حديث حسن" يعني به أنه غريب، وهذا المصطلح عند المتقدمين يعني التضعيف
كما قال شعبة عن حديث عَبدالملك بن أبي سليمان العرزمي: "من حسنها فررت"،
لما قال له أمية بن خالد: إنك تحدث عَن مُحَمد بنُ عُبَيداللَّهِ العَرْزَمِيُّ
وتدع عَبدالملك بن أبي سليمان العرزمي، وهو حسن الحديث!!
·
المواقيت مرسلة رواية، ومتواترة
عملاً:
والمواقيت في هذا الباب متواترة عملاً، لكن في الرواية لا تصح
ولهذا وصفها البخاري كما سبق بأنها حسنة = أي غريبة! والمحفوظ أنها مرسلة!
وقد روى مالك في «الموطأ» (1/4) (3) عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ،
عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ.
قَالَ: فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى
إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ، صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، ثُمَّ صَلَّى
الصُّبْحَ مِنَ الْغَدِ بَعْدَ أَنْ أَسْفَرَ. ثُمَّ قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ
عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟» قَالَ: هَأَنَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: «مَا
بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ».
وروى محمد بن الحسن الشيباني في «الآثار» (1/109) (65) عن أَبي
حَنِيفَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْأَلُهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ، فَأَمَرَهُ
أَنْ يَحْضُرَ الصَّلَوَاتِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُبَكِّرَ بِالصَّلَوَاتِ،
ثُمَّ أَمَرَهُ فِي اليَوْمِ الثَّانِي، فَأَخَّرَ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا، ثُمَّ
قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ».
وروى عبدالرزاق الصنعاني في «المصنف» (1/533) (2031) عَنِ ابنِ
جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مَوَاقِيتُ الصَّلَاةِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَوَاقِيتُ الصَّلَاةِ
قَالَ: «احْضَرْ مَعِيَ الصَّلَاةَ اليَوْمَ وَغَدًا»، فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ
زَاغَتِ الشَّمْسُ قَالَ: ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ، فَعَجَّلَهَا، ثُمَّ صَلَّى
الْمَغْرِبَ حِينَ دَخَلَ اللَّيْلُ، حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وَأَمَّا
الْعَتَمَةُ فَلَا أَدْرِي مَتَى صَلَّاهَا، - قَالَ غَيْرُ عَطَاءٍ: حَتَّى غَابَ
الشَّفَقُ -، قَالَ عَطَاءٌ: ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الفَجْرُ، ثُمَّ
صَلَّى الظُّهْرَ مِنَ الغَدِ، فَلَمْ يُصَلِّهَا حَتَّى أَبْرَدَ، قُلْتُ:
الْإِبْرَادُ الْأَوَّلُ؟ قالَ: بَعْدُ وَبَعْدُ مُمْسِيًا قَالَ: ثُمَّ صَلَّى
الْعَصْرَ بَعْدَ ذَلِكَ يُؤَخِّرُهَا، قُلْتُ: أَيَّ تَأْخِيرٍ؟ قَالَ: مُمْسِيًا
قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ الشَّمْسَ صُفْرَةٌ قَالَ: ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ
غَابَ الشَّفَقُ قَالَ: قَالَ: وَلَا أَدْرِي أَيَّ وَقْتٍ صَلَّى الْعَتَمَةَ، قَالَ
غَيْرُهُ: صَلَّى لِثُلُثِ اللَّيْلِ، قَالَ عَطَاءٌ: ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ
حِينَ أَسْفَرَ فَأَسْفَرَهَا جِدًّا، قُلْتُ: أَيَّ حِينٍ؟ قَالَ: قَبْلَ حِينِ
تَفْرِيطِهَا قَبْلَ أَنْ يَحِينَ طُلُوعُ الشَّمْسِ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيْنَ الَّذِي سَأَلَنِي، عَنْ وَقْتِ
الصَّلَاةِ يَنْبَغِي؟» فَأُتِيَ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أَحَضَرْتَ مَعِيَ الصَّلَاةَ الْيَوْمَ وَأَمْسِ؟» قَالَ: فَصَلِّهَا
مَا بَيْنَ ذَلِكَ. قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلِيٌّ فَقَالَ: «إِنِّي لَأَظُنُّهُ
كَانَ يُصَلِّيهَا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ» - يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وروى أيضاً (1/567) (2157) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ
رَجُلًا قَامَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ
وَقْتِ الصُّبْحِ، فَأَمَرَ مُنَادِيَهُ، فَأَقَامَ عِنْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ،
ثُمَّ أَمَرَهُ بَعْدُ أَنْ لَا يُقِيمَ حَتَّى يَأْمُرَهُ، فَخَلَّى عَنْهُ،
حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَقَامَ فَصَلَّى بِهِ، ثُمَّ قَالَ:
«أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟» فَقَامَ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَشَهِدْتَ مَعَنَا
الصَّلَاتَيْنِ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «مَا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَقْتٌ».
وغيرها من الأحاديث المرسلة في هذا الباب.
الحديث الخامس: حديث النهي عن زيارة القبور ثم نسخ ذلك:
قال مسلم في «صحيحه»، كتاب الجنائز، (2/672) (977): حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، ومُحَمَّدُ بنُ عَبْدِاللهِ بنِ نُمَيْرٍ،
وَمُحَمَّدُ بنُ الْمُثَنَّى، - واللَّفْظُ لِأَبِي بَكْرٍ وابنِ نُمَيْرٍ - قَالُوا:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ - وَهُوَ ضِرَارُ بنُ
مُرَّةَ -، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ
زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُورُوهَا، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ
فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ
إِلَّا فِي سِقَاءٍ، فَاشْرَبُوا فِي الْأَسْقِيَةِ كُلِّهَا، وَلَا تَشْرَبُوا
مُسْكِرًا». قَالَ ابنُ نُمَيْرٍ فِي رِوَايَتِهِ: عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
قال: وحَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو
خَيْثَمَةَ، عَنْ زُبَيْدٍ اليَامِيِّ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنِ ابنِ
بُرَيْدَةَ، أُرَاهُ عَنْ أَبِيهِ - الشَّكُّ مِنْ أَبِي خَيْثَمَةَ - عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ح].
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا
قَبِيصَةُ بنُ عُقْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ،
عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ح].
وحَدَّثَنَا ابنُ أَبِي عُمَرَ ومُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، وعَبْدُ بنُ
حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِالرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ،
قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُاللهِ بنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي سِنَانٍ.
وقال مسلم في كتاب الأضاحي (3/1563) (1977): حَدَّثَنَا أَبُو
بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، ومُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، قَالَا: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَنْ أَبِي سِنَانٍ، وَقَالَ ابنُ
الْمُثَنَّى: عَنْ ضِرَارِ بنِ مُرَّةَ، عَنْ مُحَارِبٍ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ،
عَنْ أَبِيهِ [ح].
وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِاللهِ بنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا ضِرَارُ بنُ مُرَّةَ أَبُو سِنَانٍ، عَنْ
مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ
زِيَارَةِ القُبُورِ، فَزُورُوهَا، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ
فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ
إِلَّا فِي سِقَاءٍ، فَاشْرَبُوا فِي الْأَسْقِيَةِ كُلِّهَا، وَلَا تَشْرَبُوا
مُسْكِرًا».
قال: وحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ
بنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ، فَذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي سِنَانٍ.
قلت: سبق الكلام على هذه الروايات عند الحديث الرابع من أحاديث «عبدالله
بن بريدة»، وبينت هناك أن رواية مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ إنما هي عَنِ سليمان بنِ
بُرَيْدَةَ، وتابعه على ذلك علقمة بن مرثد.
والحديث معروف عن سليمان بن بريدة عن أبيه!
الحديث السادس: حديث حرمة نساء المجاهدين:
قال مسلم في «صحيحه»، كتاب الجهاد، (3/1508) (1897): حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ
بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قال: قَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُرْمَةُ نِسَاءِ المُجَاهِدِينَ
عَلَى القَاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ، ومَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ القَاعِدِينَ
يَخْلُفُ رَجُلًا مِنَ المُجَاهِدِينَ فِي أَهْلِهِ فَيَخُونُهُ فِيهِمْ، إِلَّا
وُقِفَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَأْخُذُ مِنْ عَمَلِهِ مَا شَاءَ، فَمَا
ظَنُّكُمْ؟».
قال: وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى
بنُ آدَمَ، قال: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قال: - يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَعْنَى حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ.
قال: وحَدَّثَنَاهُ سَعِيدُ بنُ مَنْصُورٍ، قال: حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ قَعْنَبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، فقالَ:
«فَخُذْ مِنْ حَسَنَاتِهِ مَا شِئْتَ»، فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «فَمَا ظَنُّكُمْ؟».
قلت: رواه مسلم من حديث سفيان الثوري، ومِسعر بن كِدام، وقَعنب
التميمي، ثلاثتهم عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، عن النبي صلى
الله عليه وسلم.
أما حديث الثوري:
فرواه أحمد في «مسنده» (38/76) (22977) عن وَكِيع.
والنسائي في «السنن الكبرى» (4/309) (4383) عن الحُسَيْن بن
حُرَيْثٍ، ومَحْمُود بن غَيْلَانَ، كلاهما عن وَكِيع.
وابن أبي عاصم في «الجهاد» (1/314) (100) عن أَبي بَكْرِ بن أَبِي
شَيْبَةَ، عن وَكِيع.
و(101) عن أَبي مُوسَى محمد بن المثنى، عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن
مَهْدِيٍّ.
وأبو عوانة في «مستخرجه» (4/481) (7415) عن أَحْمَد بن أَبِي
رَجَاءٍ، والأَحْمَسِيّ، كلاهما عن وَكِيع.
وعن عَلِيّ بن حَرْبٍ، عن أَبي دَاوُدَ عُمَر بن سَعْدٍ الحفري.
وعن عليّ بن حرب، عن أبيه حرب بن محمد الطائي.
و(7416) عن أَبي العَبَّاسِ الغَزِّيّ عَبْداللَّهِ بن مُحَمَّدِ بنِ
عَمْرِو بنِ الجَرَّاحِ الأَزْدِيّ، ومُحَمَّد بن عَوْفٍ الطائي، كلاهما عن الفِرْيَابِيّ.
و(7417) عن الحسن بن يحيى ابن أَبِي الرَّبِيعِ الجُرْجَانِيّ، عن عَبْدالرَّزَّاقِ.
وابن بُشران في «أماليه» (647) من طريق مُحَمَّد بن سُلَيْمَانَ
بنِ الحَارِثِ البَاغِنْدِيّ، عن قَبِيصَة بن عُقبة.
والبيهقي في «شعب الإيمان» (6/135) (3976) من طريق مُحَمَّد بن
منْدَه الْأَصْفَهَانِيّ، عن الحُسَيْن بن حَفْصٍ الأصبهاني.
كلهم (وكيع، وابن مهدي، وأبو داود الحفري، وحرب الطائي، والفريابي،
وعبدالرزاق، وقبيصة، والحسين بن حفص) عن سفيان الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن
سليمان بن بريدة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفِي رِوَايَةِ قَبِيصَةَ: «وَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ
الْقَاعِدِينَ يُخَالِفُ إِلَى امْرَأَةِ أَحَدٍ مِنَ المُجَاهِدِينَ، إِلَّا
دَفَعَ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ. فَقِيلَ لَهُ: هَذَا خَانَكَ فِي أَهْلِكَ،
فَخِذْ مِنْ عَمَلِهِ مَا شِئْتَ، فَمَا ظَنُّكُمْ؟».
·
تنبيه على وهم في رواية الحفري!
وقع في رواية أبي داود الحفري عند أبي عوانة في «مستخرجه»: "عَنْ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ
بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ".
وهذا وهم!
قال المزي في «التحفة»: "ورواه - أبو عوانة - من رواية وكيع
وأبي دواد الحفري عن سفيان الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن عبدالله بن بريدة،
عن أبيه، ومن رواية محمد بن يوسف الفريابي وعبدالرزاق عن سفيان بإسناده مثله -
وهذا قول شاذ لا نعلم أحداً غيره ذكر أن علقمة بن مرثد يروي عن عبدالله بن بريدة
شيئاً لا هذا الحديث ولا غيره، والله أعلم".
قلت: القول الشاذ هو ذكر «عبدالله بن بريدة» في رواية الحفري!
والصواب كما في رواية الآخرين: «سليمان بن بريدة».
وأما حديث مِسعر:
فرواه ابن أبي عاصم في كتاب «الجهاد» (1/314) (102) عن أَحْمَد بن
الفُرَاتِ.
وأبو عوانة في «مستخرجه» (4/482) (7419) عن عَمَّار بن رَجَاءٍ.
وأبو نُعيم الأصبهاني في «حلية الأولياء» (7/257) من طريق مَكِّيّ
بن عَبْدَانَ، عن عَمَّار بن رَجَاءٍ.
كلاهما (أحمد بن الفرات، وعمار بن رجاء) عن يَحْيَى بن آدَمَ
الأموي الكوفيّ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ
بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
نَحْوَهُ.
قال أبو نُعيم: "غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ مِسْعَرٍ! تَفَرَّدَ
بِهِ يَحْيَى بنُ آدَمَ! وهُوَ ثَابِتٌ صَحِيحٌ مِنْ حَدِيثِ عَلْقَمَةَ، رَوَاهُ
عَنْهُ النَّاسُ".
وأما حديث قَعْنَبٍ التميميّ:
فرواه الحميدي في «مسنده» (2/153) (931)، وسعيد بن منصور في «سننه»
(2/162) (2331).
وأبو عوانة في «مستخرجه» (4/482) (7418) عن الصَّاغَانِيّ، عن
الحُمَيْدِيّ.
وأبو داود في «سننه» (4/151) (2496) عن سعيد بن منصور.
وأبو عوانة في «مستخرجه» (4/482) (7418) عن عَلِيّ بن حَرْبٍ، وأَبي
دَاوُدَ السِّجْزِيّ، كلاهما عن سَعِيد بن مَنْصُورٍ.
والنسائي في «السنن الكبرى» (4/310) (4385) عن عَبداللَّهِ بن
مُحَمَّد بن عَبْدالرَّحْمَنِ بن المسور بن مخرمة البَصْرِيّ.
وابن أبي عاصم في «الجهاد» (1/314) (103) عن يعقوب بن حُميد بن
كَاسِبٍ.
وابن حبان في «صحيحه» (10/491) (4634) عن أبي يعلى الموصلي أَحْمَد
بن عَلِيِّ بنِ المُثَنَّى، عن مُحَمَّد بن قُدَامَةَ المِصِّيصِيّ.
كلهم (الحميدي، وسعيد بن منصور، وعبدالله بن محمد، وابن كاسب،
ومحمد بن قدامة) عَنْ سُفْيَانَ بن عُيَيْنَةَ، عن قَعْنَب التميميّ، عَنْ
عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنِ سليمان بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُرْمَةُ نِسَاءِ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ
فِي الحُرْمَةِ كَأُمَّهَاتِهِمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ القَاعِدِينَ يَخْلُفُ
رَجُلًا مِنَ المُهَاجِرِينَ المُجَاهِدِينَ فِي أَهْلِهِ، فَيْخَبِّبُ فِي
أَهْلِهِ إِلَّا نُصِبَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا فُلَانُ
هَذَا فُلَانُ بنُ فُلَانٍ خَانَكَ، فَخُذْ مِنْ حَسَنَاتِهِ مَا شِئْتَ»، ثُمَّ
الْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
«فَمَا ظَنُّكُمْ؟».
وقد رواه عن علقمة أيضاً: شعبة، وعمرو بن قيس الملائي.
أما حديث شعبة:
فرواه النسائي في «السنن الكبرى» (4/310) (4384) عن هَارُون بن
عَبْدِاللهِ الحمّال.
والبزار في «مسنده» (10/266) (4366) عن مُحَمد بن بَشَّار، وبِشْر
بن آدَمَ.
وابن حبان في «صحيحه» (10/492) (4635) عن عُمَر بن مُحَمَّدٍ الهَمْدَانِيّ،
عن بُنْدَار محمد بن بشّار.
وأبو عوانة في «مستخرجه» (4/483) (7420) عن أَبي حَاتِمٍ
الرَّازِيّ، عن عَبْداللَّهِ بن مُحَمَّدٍ المُسْنَدِيّ.
وذكر أنه رواه أيضاً عُمَر بن شَبَّةَ النميري.
كلهم (هارون الحمّال، وابن بشار، وبشر، والمسندي، وابن شبة) عن حَرَمِيّ
بن عُمَارَةَ بنِ أَبِي حَفْصَةَ، عن شُعْبَة، عَن عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَن
سُلَيمان بنِ بُرَيدة، عَن أَبيهِ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم،
نحوه.
قال البزار: "وهذَا الحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ الثَّوْرِيّ وغَيْرُهُ
عَنْ عَلْقَمَةَ، ولاَ نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ إلاَّ حَرَمِيٌّ".
وأما حديث عمرو بن قيس الملائي:
فرواه الروياني في «مسنده» (1/64) (8) عن أَبي كُرَيْبٍ محمد بن
العلاء.
وأبو عوانة في «مستخرجه» (4/483) (7421)، و(7422) من طريق عَلِيّ
بن الحَسَنِ بنِ سُلَيْمَانَ الحضرمي الكوفي، وطَاهِر بن أَبِي أَحْمَدَ
الزُّبَيْرِيّ.
كلهم عن أَبي خَالِدٍ سُلَيْمَان بن حَيَّانَ الأَحمر، عن عَمْرُو
بنُ قَيْسٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عن
النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نحوه.
فهذا الحديث يرويه: سفيان الثوري، ومِسعر بن كِدام، وقَعنب التميمي
الكوفي، وشعبة بن الحجاج، وعمرو بن قيس الملائي، كلهم عن علقمة بن مرثد، عن سليمان
بن بريدة، عن أبيه.
·
رواية
ليث بن أبي سُليم لهذا الحديث، وهل وهم في متنه؟! واستدراك على شعيب ورفاقه.
ويرويه عن علقمة أيضاً ليث بن أبي سُليم:
رواه أحمد في «مسنده» (38/112) (23004) عن أَبي
مُعَاوِيَةَ محمد بن خازم الضرير.
وعمر بن محمد النّسَفيّ في «القند في ذكر علماء سمرقند» (ص: 124)
من طريق محمد بن مروان.
كلاهما عن عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابْنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عن النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولفظ حديث أبي معاوية: «فَضْلُ نِسَاءِ المُجَاهِدِينَ
عَلَى القَاعِدِينَ فِي الحُرْمَةِ كَفَضْلِ أُمَّهَاتِهِمْ...».
قال شعيب ورفاقه بعد تخريجهم لهذا الحديث في «مسند أحمد» والإشارة
لرواية محمد بن مروان: ["وقوله: "فضل نساء المجاهدين.. كفضل
أمهاتهم" هذا اللفظ تفرد به ليث ابن أبي سليم، والمحفوظ: "حرمة نساء
المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم"] انتهى.
قلت: هذا اللفظ هو لفظ أبي معاوية الضرير عن ليث! ولفظ رواية محمد
بن مروان عن ليث كلفظ الجماعة الذين رووه عن علقمة بن مرثد: «إن حرمة نساء
المجاهدين في سبيل الله على القاعدين كحرمة أمهاتهم...».
فأوهموا أن رواية محمد بن مروان مثل رواية أبي معاوية!!!
وعلى كل الأحوال، فهذه الرواية ليست مروية بالمعنى ولا غرابة فيها،
فقد جعل الفضل في "الحرمة" كما في الحديث.
وقد ترجم أبو عوانة في «مستخرجه» على لفظ الجماعة، بقوله: "بَيَانُ
فَضْلِ نِسَاءِ المُجَاهِدِينَ، وعِظَمِ وُجُوبِ حَقِّهِنَّ عَلَى القَاعِدِينَ".
وجاء في رواية يزيد ابن أبي سعيد النَّحْوي ما يعضد ذلك باللفظ
نفسه: «فَضْلُ نِسَاءِ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ فِي
الحُرْمَةِ كَأُمَّهَاتِهِمْ..".
والعجيب أن الأرنؤوط
ورفاقه لما خرّجوا حديث الثوري عن علقمة أشاروا إلى رواية النحوي وليث، ولم ينبها
على لفظهما كما نبهوا عليه في رواية ليث هنا!!
قالوا في هامش (38/77): "وأخرجه أبو عوانة (7423)، والطبراني
في "الكبير" (1164) من طريق يزيد ابن أبي سعيد النَّحْوي، عن سليمان بن
بريدة، عن أبيه.
وسيأتي من طريق الليث بن أبي سُليم، عن علقمة بن مرثد برقم (23004)".
قلت: فمن يقرأ هذا التخريج يظن أن لفظهما مثل لفظ من تقدم تخريج
حديثه! لكنهم عند حديث الليث قالوا بأنه تفرد بقوله: "فضل نساء المجاهدين.."!
وهذا فيه نظر! لأنه قد توبع عليه كما في رواية يزيد النحوي، وهو في المحصلة بنفس
معنى اللفظ المشهور.
·
حديث يزيد النحوي:
وأما حديث يزيد النحوي:
فرواه الطبراني في «المعجم الكبير» (2/23) (1164) عن عَلِيّ بن
سَعِيدٍ الرَّازِيّ.
وأبو عوانة في «مستخرجه» (4/483) (7423) عن أَبي زُرْعَةَ، وأَبي
حَاتِمٍ الرَّازِيَّينِ.
ثلاثتهم عن عَمْرو بن رَافِع بنِ الفُرَاتِ البَجَلِيّ أَبي حُجْرٍ
القَزْوِينِيّ، عن عَبْداللهِ بن سَعْدٍ الدَّشْتَكِيّ، عَنْ يَزِيدَ
النَّحْوِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَضْلُ نِسَاءِ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ
فِي الحُرْمَةِ كَأُمَّهَاتِهِمْ..». وهذا لفظ حديث علي بن سعيد.
ولفظ أبي زرعة وأبي حاتم: «إِنَّ نِسَاءَ المُجَاهِدِينَ عَلَى
القَاعِدِينَ فِي الحُرْمَةِ كَأُمَّهَاتِهِمْ...».
وفي آخر الحديث: "لَيْسَ فِيهِ عَلْقَمَةُ".
وكأن هذا من كلام أبي عوانة؛ فإنه خرّج هذا الحديث من طرق كثيرة عن
علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة، وهنا يُنبّه أن يزيد النحوي يرويه عن سليمان بن
بريدة دون واسطة "علقمة"!
فكأنه يشير إلى أن هذا الحديث محفوظ عن سليمان بن بريدة من حديث
علقمة بن مرثد، ورواية يزيد النحوي ليس فيه "علقمة"!
فيحتمل أن يزيد النحوي سمعه من علقمة لكنه أسقطه لعدم حفظه له أو
غيره، ويُحتمل أنه سمعه من سليمان، فتكون روايته متابعة لرواية علقمة، والله أعلم.
والحديث تفرد به عمرو بن رافع البجلي القزويني عن عَبْداللهِ بن
سَعْدٍ الدَّشْتَكِيّ!
وعمرو قال فيه أبو حاتم الرازي: "قلَّ من كتبنا عنه أصدق لهجة
وأصح حديثاً من عمرو بن رافع".
وذكره ابن حبان في «الثقات» وقال: "مُسْتَقِيم الحَدِيث جداً".
والدستكي صدوق ذكره ابنُ حِبَّان أيضاً في كتاب «الثقات».
والأظهر عندي أنه لم يتقن حديث يزيد النحوي فأسقط منه
"علقمة"؛ لأن الحديث محفوظ عنه، ولم يروه عن سليمان إلا هو.
فإن ثبتت رواية يزيد النحوي فيكون الحديث محفوظا عن سليمان بن
بريدة عن أبيه، ولا علة له إلا عدم سماع سليمان من أبيه.
وإن لم تثبت رواية يزيد - وهو الأرجح عندي - فيكون علقمة قد تفرد
به عن سليمان بن بريدة! وفي تفرداته عنه نظر!!! والله أعلم.
الحديث السابع: حديث رجم الغامدية:
قال مسلم في «صحيحه»، كتاب الحدود، (3/1323) (1695): حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ العَلَاءِ الهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ يَعْلَى - وهُوَ
ابنُ الحَارِثِ المُحَارِبِيُّ -، عَنْ غَيْلَانَ - وهُوَ ابنُ جَامِعٍ
المُحَارِبِيُّ -، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قال: جاء ماعز إلى النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكر حديث الرجم وقصة الغامدية.
قلت: سبق الكلام على هذه الروايات عند الحديث السادس من أحاديث «عبدالله
بن بريدة».
وبيّنت أن يحيى بن يعلى بن الحارث المحاربي تفرد به عن أبيه، عن
غيلان بن جَامِعٍ المُحَارِبِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن
أبيه، به.
وأنه قد وهم فيه!! ويُروى عن علقمة بن مرثد من طرق أخرى ضعيفة! وهي
أصل حديث يحيى بن يعلى.
الحديث الثامن: حديث النهي عن اللعب بالنردشير:
قال مسلم في «صحيحه»، كتاب الشِّعْرِ، (4/1770) (2260): حَدَّثَنِي
زُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ
سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ،
عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال:
«مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ، فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ
وَدَمِهِ».
أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (5/286) (26142) عن عَبْداللَّهِ بن
نُمَيْرٍ، وأَبي أُسَامَةَ.
وعن ابن أبي شيبة رواه ابن ماجه في «سننه» (2/1238) (3763).
وأحمد في «مسنده» (38/81) (22979) عن وكيع.
وفيه أيضاً (38/131) (23025) عن عبدالرزاق.
وفيه (38/159) (23056) عن وكيع، وعبدالرحمن بن مهدي.
وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (1271) عن مُحَمَّد بن يُوسُفَ،
وقَبِيصَة.
وأبو داود في «سننه» (7/296) (4939) عن مُسدَّد، عن يحيى القطان.
وأبو عوانة في «مستخرجه» (17/621) (9953) عن بكار بن قتيبة، عن أَبي
عامر العقدي.
وابن حبان في «صحيحه» (13/182) (5873) عن عُمَر بن مُحَمَّدٍ
الهَمَذَانِيّ، عن أَبي الطاهر، عن ابن وَهْبٍ.
كلهم (ابن نُمير، وأبو أسامة، ووكيع، وعبدالرحمن بن مهدي،
وعبدالرزاق، ومحمد بن يوسف، وقَبيصة، ويحيى القطان، وأبو عامر العقدي، وعبدالله بن
وهب) عَنْ سُفْيَانَ الثوري.
وأخرجه البزار في «مسنده» (10/262) (4357) عن عَبدالرَّحْمَنِ بن
عِيسَى، عن عَبداللَّهِ بن صَالِحٍ، عَن اللَّيْثِ بنِ سَعْد، عَنْ جَرِيرِ بنِ
حَازِمٍ، عَنْ شُعبة.
كلاهما (الثوري، وشعبة) عَن عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَن ابنِ
بُرَيدة، عَن أَبيهِ، عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم، به.
·
تنبيه:
رواه وكيع مرة مرسلاً.
رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (26143) عن وكيع، عن سفيان، عن علقمة
بن مرثد، عن ابن بريدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله.
وقال أحمد في «مسنده» (38/81) بعد أن رواه عن وكيع: "ولَمْ
يُسْنِدْهُ وَكِيعٌ مَرَّةً".
قال البزار عن الحديث: "وهذا الكَلامُ لا نَعْلَمُهُ يُرْوَى
عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم إلاَّ مِنْ رِوَايَةِ بُرَيدة، ولا
نَعْلَمُ لَهُ عَنْ بُرَيدة طَرِيقًا إلاَّ هَذَا الطَّرِيقَ".
قلت: تفرد به علقمة عن سليمان بن بريدة!! وتفرداته عنه فيها نظر!! فلم
يثبت سماعه من سليمان، ولا سليمان من أبيه!
·
رواية هذا الحديث من أقوال بعض
الصحابة والتابعين!
لكن الحديث فيه غرابة! وهو يُشبه الموقوفات، ولا يُشبه المرفوعات!!
وقد رُوي عن بعض الصحابة والتابعين، وكأنها هي أصل الحديث المرفوع!
·
قول عبدالله بن عمرو بن العاص:
روى ابن الجعد في «مسنده» (3097) عن سلام بن أبي مُطيع، عن قتادة،
عن أبي أيوب المراغي، عن عبدالله بن عمرو قال: «اللاعب بالنرد قمارا كالآكل للحم الخنزير،
واللاعب بها من غير قمار كالمدهن بودك الخنزير».
ورواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (5/286) (26146) عن ابن علية، عن
سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عبدالله بن عمرو، قال: «مثل الذي
يلعب بالكعبين ولا يقامر كمثل المدهن بشحمه ولا يأكل لحمه».
وهذا إسناد صحيح إلى عبدالله بن عمرو بن العاص.
·
قول ابن عباس:
وروى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (5/287) (26149) عن علي بن مسهر، عن
إسماعيل بن سُميع الحنفي الكوفي، قال: حدثنا أبو الأشعث النخعي، قال: سمعت ابن
عباس، يقول: «لأن يتلطخ الرجل بدم خنزير حتى يستوسخ خير له من أن يلعب بالكعاب».
قلت: كذا في مطبوع كتاب ابن أبي شيبة، وكذا في نسخة عوّامة: «أبو
الأشعث»!! وهو خطأ! والصواب: «أبو الأشهب».
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (9/7): "أَبُو الأشهب:
سَمِعَ ابن عَبَّاس: لأن يلطخ رجل بدم خنزير فتستوسع ثم يغسلها خيرا له من أن يلعب
بالكعبين. قَالَهُ قتيبة عَنْ عبدالواحد بن زياد، عن إسماعيل بن سميع: سَمِعَ أبا
الأشهب".
وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/335): "أبو الاشهب
سمع ابن عباس. روى عنه إسماعيل بن سميع. سمعت أبى يقول ذلك".
وقال ابن حبان في «الثقات» (5/563): "أَبُو الْأَشْهب يروي
عَن ابن عَبَّاس. رَوَى عَنْهُ إِسْمَاعِيل بن سميع".
قلت: هو مجهول لا يُعرف إلا في هذه الرواية، ولا يُعرف هذا عن ابن
عباس إلا من هذا الطريق!
·
قول ابن عمر:
وروى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (5/286) (26147) عن عبدالرحيم بن
سليمان.
والخرائطي في «مساوىء الأخلاق» (712) عن أَبي زَيْدٍ عُمَر بن
شَبَّةَ بنِ عُبَيْدَةَ النُّمَيْرِيّ، عن يَحْيَى بن سَعِيدٍ القَطَّان.
كلاهما عن حَبِيب بن أَبِي العَالِيَةِ، عن مُجَاهِد، عَنِ ابنِ
عُمَرَ قَالَ: «لَأَنْ أَضَعَ يَدِي فِي دَمِ الخِنْزِيرِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ
أَنْ أَلْعَبَ بِالنَّرْدَشِيرِ».
قلت: فيه ضعف، فحبيب بن أبي العالية وثَّقَهُ ابنُ مَعِينٍ وغَيْرُهُ.
وقَالَ عَبْدُاللَّهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيهِ: "مَا
أَدْرِي أَحَادِيثَهُ" - كَأَنَّهُ ضَعَّفَهُ.
وقَالَ النَّسَائِيُّ: "لَيْسَ بِالقَوِيِّ".
ولا يُعرف هذا عن ابن عمر، ولا عن مجاهد إلا من حديث حبيب هذا!!
·
قول الربيع بن خُثّيم الكوفي:
وروى ابن سعد في «الطبقات» (6/226) عن عَبْداللَّهِ بن جَعْفَرٍ
الرّقيّ، عن أَبي المَلِيحِ الرقيّ، عَنْ يُوسُفَ بنِ الحَجَّاجِ الْأَنْمَاطِيِّ،
عن الرَّبِيع بن خُثَيْمٍ، قال: «لَأَنْ أُقَلِّبَ بِيَدِي شَحْمَ خِنْزِيرٍ
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُقَلِّبِ كَعْبَتَيِ النَّرْدَشِيرِ».
·
قول تُبَيع الحميري ابن امرأة كعب
الأحبار:
وروى البيهقي في «شعب الإيمان» (8/466) (6094) من طريق ابن وهْبٍ، عن
يَحْيَى بن أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ، عَنْ تَبِيعٍ أَنَّهُ قالَ: «مَثَلُ
الَّذِي يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ مِثْلُ الَّذِي يَتَلَطَّخُ بِدَمِ خِنْزِيرٍ، ثُمَّ
يَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ هَلْ تُقْبَلُ مِنْهُ أَمْ لا».
وأخشى أن يكون ما ورد في هذا كله يرجع للروايات الإسرائيلية كما في
رواية تُبيع هذا! وعبدالله بن عمرو كان يُحدّث من الكتب الإسرائيلية، والله أعلم.
·
حديث أبي موسى في النهي عن اللعب
بالنرد!
وقد رُوي مرفوعاً من حديث أبي موسى الأشعري بلفظ: «مَنْ لَعِبَ
بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ»! ولا يصح!!
وصححه ابن حبان، وقال الحاكم في «المستدرك»: "هذَا حَدِيثٌ
صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ لِوَهْمٍ وَقَعَ
لِعَبْدِاللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ لِسُوءِ حِفْظِهِ فِيهِ".
رواه مُوسَى بن مَيْسَرَةَ، ونافع، ويزيد بن الهاد، وأسامةَ بنِ
زيد الليثي، عَنْ سَعِيدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ،
به.
قلت: بل إسناده منقطع! فسعيد لم يلق أبا موسى.
قال ابن أبي حاتم: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: "لَمْ يَلْقَ
سَعِيدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ".
ثم إن هناك اختلاف في إسناد الحديث:
فرواه عبدُالله بن سعيد بن أبي هند، عن أبيه، عن رجل، عن أبي موسى.
ورواه ابنُ المبارك، عن أسامة بن زيد، عن سعيد بن أبي هند، عن أبي
مرّة مولى عقيل، عن أبي موسى.
قال البيهقي: "ورَوَاهُ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، مِنْ قَوْلِهِ غَيْرَ مَرْفُوعٍ.
وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عَبْدِاللهِ بنِ سَعِيدِ بنِ أَبِي هِنْدَ، فَقِيلَ:
عَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الكِعَابِ، وَقِيلَ: عَنْهُ، عَنْ أَبِي مُوسَى نَحْوَ
رِوَايَةِ الجَمَاعَةِ، وَهُوَ أَوْلَى".
وقال الدارقطني في «العلل»: "يَرْوِيهِ نَافِعٌ مَوْلَى ابنِ
عُمَرَ، وعَبْدُاللَّهِ بنُ سَعِيدِ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَمُوسَى بنُ عَبْدِاللَّهِ
بنِ سُوَيْدٍ، وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بنِ أَبِي
هِنْدٍ، فَاتَّفَقَ نَافِعٌ، وعَبْدُاللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، وَمُوسَى بنُ عَبْدِاللَّهِ
بْنِ سُوَيْدٍ، فَرَوَوْهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى.
وَاخْتُلِفَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ،
عَنْ أُسَامَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى.
وَخَالَفَهُ ابْنُ المُبَارَكِ، فَرَوَاهُ عَنْ أُسَامَةَ، عَنْ
سعيد بن أبي هند، عن أبي مرة مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، وَهُوَ
أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".
ولما سئل أيضاً في «العلل» (7/241) عَنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بنِ أَبِي
هِنْدٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِإِنَاثِ أُمَّتِي، وَحُرِّمَ ... الحَدِيثَ»؟
ذكر الاختلاف فيه، ثم قال: "ورَوَاهُ عَبْدُالله بن عمر العمري، عن نافع، عن
سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى.
وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ سَعِيدَ بنَ أَبِي هِنْدٍ
لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي مُوسَى شَيْئًا، وَقَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ
سعيد بن أبي هند، عن أبي مرة مَوْلَى عُقَيْلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى فِي حَدِيثِ
النَّهْيِ، عَنِ اللَّعِبِ بِالنَّرْدِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ".
قلت: فترجيح وجود الرجل بين سعيد وأبي موسى هو الصواب؛ لأنه لم
يسمع من أبي موسى، وعليه فالحديث ضعيف لجهالة هذا الرجل!
الحديث التاسع: حديث إنشاد الضالة في المساجد:
قال مسلم في «صحيحه»، كتاب الصلاة، (1/397) (569): حَدَّثَنِي
حَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ، قال: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ،
عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا نَشَدَ فِي المَسْجِدِ فَقَالَ: مَنْ دَعَا إِلَى
الجَمَلِ الْأَحْمَرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا
وَجَدْتَ، إِنَّمَا بُنِيَتِ المَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ».
وقال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، قال: حَدَّثَنَا
وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَمَّا صَلَّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ،
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا وَجَدْتَ، إِنَّمَا
بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لَمَّا بُنِيَتْ لَهُ».
وقال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، قال: حَدَّثَنَا
جَرِيرٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ شَيْبَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ بَعْدَ مَا صَلَّى
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَأَدْخَلَ
رَأْسَهُ مِنْ بَابِ المَسْجِدِ، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا.
قَالَ مُسْلِمٌ: "هُوَ شَيْبَةُ بنُ نَعَامَةَ، أَبُو
نَعَامَةَ رَوَى عَنْهُ مِسْعَرٌ، وَهُشَيْمٌ، وَجَرِيرٌ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ
الْكُوفِيِّينَ".
قلت: هذا الحديث أخرجه مسلم من طريق الثوري، وأبي سنان، ومحمد بن
شيبة، ثلاثتهم عن علقمة بن مرثد، عن سليمان، عن أبيه.
وأخرجه في الشواهد؛ لأنه أخرج أولاً حديث أبي
هريرة، عن رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: «مَنْ سَمِعَ رَجُلًا
يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي المَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لَا رَدَّهَا اللهُ عَلَيْكَ؛
فَإِنَّ المَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا».
أما حديث الثوري:
فهو في «مصنف عبدالرزاق» (1/440) (1721).
وأخرجه أحمد في «مسنده» (38/151) (23044) عن عَبْداللهِ بن
الوَلِيدِ العدني، ومُؤَمَّل بن إسماعيل.
وابن شَبّة في «تاريخ المدينة» (1/30) عن مُؤَمَّل بن إِسْمَاعِيل.
وابن خزيمة في «صحيحه» (2/272) (1301) عن بُنْدَار، وأَبي مُوسَى،
كلاهما عن مُؤَمَّل.
وأبو نُعيم في «المسند المستخرج» (2/164) (1241) من طريق عَبْدالعَزِيزِ
بن أَبَانَ الكوفي، ومؤمل، ويَحْيَى بن سَعِيدٍ القطان.
وابن حبان في «صحيحه» (4/530) (1652) عن عُمَر بن مُحَمَّدٍ
الهَمْدَانِيّ، عن مُحَمَّد بن بَشَّارٍ، عن مُؤَمَّل بن إِسْمَاعِيلَ.
كلهم (عبدالله بن الوليد، ومؤمّل، وعبدالعزيز بن أبان، ويحيى
القطان) عن سُفْيَان الثَّوْرِيّ، به.
قال أبو نُعيم: "ورَوَاهُ عَنِ الثَّوْرِيِّ: مُؤَمَّلُ بنُ
إِسْمَاعِيلَ، وأَبُو شِهَابٍ الحَنَّاطُ، وغَيْرُهُمْ".
وأما حديث أبي سنان:
فأخرجه أحمد في «مسنده» (38/156) (23051).
والفاكهي في «أخبار مكة» (2/116) (1269) عن محمد بن يحيى ابن أبي
عمر العدني.
وابن ماجه في «سننه» (1/490) (765) عن عليّ بن محمد الطنافسيّ.
وابن خزيمة في «صحيحه» (2/272) (1301) عن أَبي عَمَّارٍ الحسين بن
حُريث المروزي، وسَلْم بن جُنَادَةَ السوائي.
وأبو نُعيم في «المسند المستخرج على صحيح مسلم» (2/164) (1242) من
طريق أَبي خَيْثَمَةَ زهير بن حرب، ومحمد بن إسماعيل الأَحْمَسِيّ.
كلهم (أحمد، وابن أبي عمر، وعلي بن محمد، وأبوعمار، وسلم بن جنادة،
وأبو خيثمة، والأحمسي) عن وَكِيع.
وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (9/76) (9931) عن سُوَيْد بن
نَصْرِ بنِ سُوَيْدٍ، عن عَبْداللهِ بن المبارك.
كلاهما (وكيع، وابن المبارك) عن أبي سِنانٍ سَعِيد بن سِنَانٍ، به.
وقد رواه عن علقمة أيضاً: قيس بن الربيع:
أخرجه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (2/150) (841).
وابن الجعد في «مسنده» (ص: 308) (2080) عن يحيى الحماني.
وابن السني في «عمل اليوم والليلة» (ص: 130) (150) عن أَبي
القَاسِمِ بن مَنِيعٍ، عن يَحْيَى بن عَبْدِالرَّحْمَنِ الحِمَّانِيّ.
والدينوري في «المجالسة وجواهر العلم» (6/28) (2340) عن عَبَّاس بن
مُحَمَّدٍ الدُّورِيّ، عن أَبي نُعَيْمٍ الفضل بن دُكين.
كلهم (أبو داود الطيالسي، ويحيى الحماني، وأبو نُعيم) عن قَيْس بن
الرَّبِيعِ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، نحوه.
فهؤلاء الأربعة (الثوري، وأبو سنان، ومحمد بن شيبة، وقيس) رووه عن
علقمة بن مرثد، عن سليمان، عن أبيه، مرفوعاً.
وخَالَفَهُم مِسْعَرُ بنُ كِدَامٍ، فرَوَاهُ عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ
مَرْثَدٍ، عَنْ سَلْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ مُرْسَلًا.
أخرجه النسائي في «مسنده» (9/77) (9932) عن أَحْمَد بن عَبْدِاللهِ
بنِ الحَكَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
مِسْعَرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ: «أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يُنْشِدُ ضَالَّةً فِي
الْمَسْجِدِ فَقَالَ: لا وَجَدْتَهَا».
قلت: يُحتمل أن علقمة بن مرثد كان يضطرب فيه! فيسنده أحياناً،
ويرسله أحياناً أخرى.
والأشبه هو الإرسال!
ولو صح إسناده تبقى المشكلة في تفرد علقمة به، وعدم سماعه من
سليمان، ولا سليمان من أبيه، والله أعلم.
الحديث العاشر: حديث قضاء الصوم عن الميت:
قال مسلم في «صحيحه»، كتاب الصوم: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي خَلَفٍ -
هو: محمد بن أحمد-، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ يُوسُفَ الأزرق، حَدَّثَنَا
عَبْدُالمَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عَطَاءٍ المَكِّيِّ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ:
أَتَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ
حَدِيثِهِمْ، وَقَالَ: صَوْمُ شَهْرٍ.
قلت: سبق الكلام على هذه الروايات عند الحديث الخامس من أحاديث «عبدالله
بن بريدة»، وبينت أن راويه هو عبدالله بن بريدة لا سليمان بن بريدة.
وقد رواه جماعة، عن عبدالله بن عطاء، عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه.
·
خلاصة مهمة:
ومن خلال هذه الأحاديث يتبيّن لنا أن أكثرها تفرد بها علقمة بن
مرثد عن سليمان عن أبيه! وهو كوفي صدوق في الحديث، ولا توجد له رواية عن عبدالله
بن بريدة أخي سليمان الذي قيل إنه ولد معه في بطن واحد!
قال عبدالله بن أحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (2/320): قَالَ أبي:
"عَلْقَمَة بْن مرْثَد إِنَّمَا يُحدِّث عَن سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة، لم يُحدّث
عَن عبدالله بن بُرَيْدَة شَيْئا، وَأنكر أَن يكون عَلْقَمَة سمع شَيْئا من عَبْداللَّه
بن بُرَيْدَة، إِنَّمَا روى عَن سُلَيْمَان بْن بُرَيْدَة".
والغريب تفرد علقمة بهذه الأحاديث عن سليمان!!! فأين لقيه؟ وأين
سمع منه؟ فإن كان سليمان نزل الكوفة، فكيف ينفرد عنه بهذه الأحاديث دون غيره؟! وإن
كان فعلاً سمع منه، فهل ضبط حديثه؟!
والراجح أن علقمة بن مرثد لم يسمع من سليمان بن بريدة، وغالب حديث
سليمان عن أبيه من روايته، والأحاديث التي رُويت عن سليمان عن أبيه ترجع لحديث
علقمة عند الكوفيين!
وقد ذكروا أن لسليمان رواية عن عمران بن حصين وعائشة! وروايته عن
عمران بن حصين لأثر من قوله يرويه عنه علقمة: «مَنْ بَالَ فِي مُغْتَسَلِهِ لَمْ
يَتَطَهَّرْ»، ولا يثبت سماع سليمان من عمران بن حُصين، وقد أشار البخاري في
ترجمته أنه لم يسمع منه فقال: "عن عمران بن حصين"، وسماع علقمة عن
سليمان لا يصح.
وأما حديثه عن عائشة فقد وقع وهماً في حديث ليلة القدر، والحديث
حديث عبدالله أخيه!
ولم يثبت أن سليمان سمع من أيّ صحابي!! والغريب أنه لا رواية له عن
الصحابة الذين تأخرت وفاتهم! وكأنه لم يرحل لطلب الحديث في الأمصار! ولم يسمع من
أبيه شيئاً.
وكذلك فهو لا يشترك مع أخيه عبدالله في الشيوخ أو التلاميذ إلا في
روايته حديثاً واحداً عن يحيى بن يعمر وهو حديث الإيمان والإسلام والإحسان، يرويه
عنه علقمة بن مرثد، وفيه مخالفات! والحديث مشهور عن أخيه عبدالله عن يحيى بن يعمر،
فهل سمع سليمان من يحيى بن يعمر؟
وهذا يؤكد لنا أنه لم يولد في بطن واحد مع أخيه عبدالله! وأنه أكبر
من أخيه! بل هو أصغر من أخيه، ولم يسمع من أبيه شيئاً!!
والعجيب أن سليمان لا توجد له رواية عن أخيه عبدالله! مع أن
عبدالله سمع من أبيه، ومن آحاد الصحابة أحاديث قليلة!
والغريب أنه أيضاً لا توجد رواية لعبدالله بن بريدة عن أخيه! فإذا
كانت هذه الأحاديث عند سليمان فلم لم يروها عنه أخوه عبدالله؟!
·
رواية حديث الإيمان والإحسان عن
سليمان بن بُريدة!
روى عَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: بَصَرَ يَحْيَى بنُ يَعْمَرَ وَحُمَيْدُ بْنُ
عَبْدِالرَّحْمَنِ بِعَبْدِاللهِ بنِ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا
لِصَاحِبِهِ: لَوْ كُنَّا فِي قُطْرٍ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ لَكَانَ يَنْبَغِي
لَنَا أَنْ نَأْتِيَ هَذَا نَسْأَلُهُ، فَأَتَيَاهُ فَقَالَا لَهُ: إِنَّا قَوْمٌ
نَطُوفُ الْأَرْضَ وَنَلْقَى أَقْوَامًا يَخْتَصِمُونَ فِي الدِّينِ وَنَلْقَى أَقْوَامًا
يَقُولُونَ لَا قَدَرَ قَالَ: «إِذَا لَقِيتُمْ هَؤُلَاءِ فَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّ
عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَهُمْ بُرَآءُ مِنْهُ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
يُعِيدُهَا ثُمَّ قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَإِذَا شَابٌّ حَسَنُ الوَجْهِ حَسَنُ الهَيْئَةِ حَسَنُ الثِّيَابِ فَقَالَ:
أَدْنُو يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ادْنُ، فَدَنَا حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ
رُكْبَتَيْهِ قَدْ مَسَّتَا رُكْبَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمَنَ
بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.
قَالَ: صَدَقْتَ قَالَ: فَعَجِبْنَا مِنْ قَوْلِهِ صَدَقْتَ كَأَنَّهُ أَعْلَمُ
مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: فَمَا شَرَائِعُ الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: تُقِيمُ
الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَالِاغْتِسَالُ
مِنَ الجَنَابَةِ، قَالَ: صَدَقْتَ قَالَ: فَعَجِبْنَا مِنْ قَوْلِهِ
صَدَقْتَ كَأَنَّهُ يَعْلَمُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ:
فَأَعْظَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْرَهَا فَطَأْطَأَ
رَأْسَهُ يُفَكِرُ فِيهَا ثُمَّ قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ
السَّائِلِ، قَالَ: فَعَجِبْنَا مِنْ قَوْلِهِ كَأَنَّهُ يَعْلَمُهُ ثُمَّ
انْطَلَقَ وَنَحْنُ نَنْظُرُ إِلَيْهِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: عَلَى الرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ فَطَلَبْنَاهُ فَمَا يَدْرِي فِي الْأَرْضِ
ذَهَبَ أَوْ فِي السَّمَاءِ قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ
دِينَكُمْ مَا أَتَانِي فِي صُورَةٍ إِلَّا عَرَفْتُهُ إِلَّا هَذِهِ الصُّورَةَ».
رواه أحمد في «مسنده» (1/439)
(374) عن أَبي نُعَيْمٍ الفضل بن دُكين. و(1/441) (375) عن أَبي أَحْمَدَ الزبيري.
وأبو داود في «سننه» (7/83)
(4697) عن محمود بن خالدٍ، عن محمد بن يوسف الفريابيّ.
ثلاثتهم (أبو نُعيم، وأبو أحمد، والفريابي)
عن سُفْيَان الثوري.
ورواه العقيلي في «الضعفاء» (3/8)، وأبو نُعيم الأصبهاني في «الحلية»
(8/202) كلاهما من طريق خَلَّاد بن يَحْيَى، عن عَبْدالعَزِيزِ بن
أَبِي رَوَّادٍ.
ورواه أبو نُعيم الأصبهاني في الجزء الذي
جمعه من «مسند
أبي حنيفة» (ص: 152) من طريق أَبي حَنِيفَةَ.
ثلاثتهم (الثوري، وابن أبي روّاد، وأبو حنيفة) عَنْ
عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عن يَحْيَى بن
يَعْمَرَ، عن ابن عمر.
قال أبو نُعيم: "روَى هَذَا الحَدِيثَ جَمَاعَةٌ،
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَعْمَرٍ، كُلُّهُمْ
قَالُوا: عَنِ ابنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، كَذَا
رَوَاهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَاهُ عُمَرَ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ، وَتَابَعَ أَبَا حَنِيفَةَ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ: سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ".
وقال في «الحلية»: "صَحِيحٌ
ثَابِتٌ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ بُرَيْدَةَ، أَخْرَجَهُ
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحَهِ مِنْ حَدِيثِ عَلْقَمَةَ وَسُلَيْمَانَ".
وأورده العقيلي في ترجمة «ابن أبي رواد»، ثم قال: "هَكَذا
قال: «شَرائِع
الإِسلام»،
وتابَعَه على هَذه اللَّفظَة: أَبو حَنيفَةَ، وجَراح بن الضَّحاك، وهَؤُلاء
مُرجِئَةٌ".
قلت: وعلقمة بن مرثد كان مرجئاً أيضاً.
قال عبدالله بن أحمد: سمعتُ أَبي يقول: "قيس
بن مسلم، وعلقمة بن مرثد، مرجئين".
وقال الميموني: قال أبو عبدالله - يعني:
أحمد -: "علقمة بن مرثد، كان يُتّهم بالإرجاء، وكان ثقة في حديثه، ضابطًا".
وقال أبو داود: سمعت أحمد، ذكر المرجئة،
فقال: "قيس بن مسلم، وعلقمة بن مرثد، وعمرو بن مرة، ومسعر".
وقال أبو داود بعد أن ساق هذه الرواية في «سننه»: "علقمةُ
مُرجىءٌ".
ونقل الكعبي في «قبول
الأخبار ومعرفة الرجال» (2/392) عن صدقة بن الفضل، قال: "علقمة بن مرثد
ثقة، لولا شيء من الإرجاء".
قلت: فالحديث تفرد به علقمة بن مرثد،
وخالف في إسناده ومتنه، وهو مما يقوي بدعته في الإرجاء، وهذا فيه دلالة على أنه لم
يسمعه من سليمان، ولم يُحدّث به سليمان، والحديث معروف ومشهور عن عَبدالله بن
بُرَيدَة، عن يَحيَى بن يَعمَر، عن ابن عُمر، عن عُمر، الحَديث بِطُوله، وليس فيه
ما زاده علقمة بن مرثد وأهل الإرجاء فيه: «شرائع الإسلام»، وكذلك زيادة: «والاغتسال
من الجنابة»!
وهذا فيه دلالة على أن هناك أحاديث مرسلة عند علقمة عن سليمان فكان
يُحدِّث بها عنه، والناس يروونها عن علقمة.
قال الإمام مسلم في «التمييز»: "ومن
الخَبَر الَّذِي لم ينْقل على الصِّحَّة وأخطأه ناقله فِي الاسناد والمتن: أَبُو
سِنَان عَن عَلْقَمَة بن مرْثَد عَن ابن بُرَيْدَة قَالَ: جِئْت أَنا وَيحيى بن
يعمر، وَأَبُو عوَانَة عَن عَطاء بن السَّائِب: حدثَنَا محَارب بن دثار وعلقمة
وحسين بن الحسن: أَن ابْن بُرَيْدَة، وسُفْيَان عَن عَلْقَمَة، وَشريك عَن
الحُسَيْن بن الحسن الْكِنْدِيّ عَن ابن بُرَيْدَة وَسَاقه، وَقد ذكرنَا رِوَايَة
الكُوفِيّين حَدِيث ابن عمر فِي سُؤال جِبْرِيل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عَن الإيمان والإسلام وَقد أوهموا جَمِيعًا فِي إسناده اذ انْتَهوا بِالحَدِيثِ إلى
ابن عمر حُكيَ ذَلِك من حُضُور رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين سَأَلَهُ
جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام! وإنما روى ابْن عمر، عَن عمر بن الْخطاب أَنه هُوَ
الَّذِي حضر ذَلِك دون أَن يحضرهُ ابْن عمر، وَلَو كَانَ ابْن عمر عاين ذَلِك
وَشَاهده لم يجز أَن يحكيه عَن عمر، وَسَنذكر إن شَاءَ الله رِوَايَة من أسْند
هَذَا الحَدِيث الى ابن عمر يرويهِ عَن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وسؤال جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام إياه، ثمَّ نذْكر مَوَاضِع العِلَل فِي مَتنه
ونُبيّنها إن شَاءَ الله، وَذكر حَدِيث كهمس ومطر الوراق وَعُثْمَان بن غياث
وَسليمَان التَّيْمِيّ عَن يحيى عَن ابن عمر عَن عمر عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَهَذِهِ رِوَايَة البَصرِيين لهَذَا الحَدِيث وهم فِي رِوَايَته
أثبت وَله أحفظ من أهل الكُوفَة إِذْ هم الزائدون فِي الإسناد عمر بن الخطاب،
وَلم يحفظ الْكُوفِيُّونَ فِيهِ عمر، والحَدِيث للزائد والحافظ لأنه فِي معنى
الشَّاهِد الَّذِي قد حفظ فِي شَهَادَته مَا لم يحفظ صَاحبه وَالْحِفْظ غَالب على
النسْيَان وقاض عَلَيْهِ لَا محَالة.
فَأَما رِوَايَة أبي سِنَان عَن عَلْقَمَة
فِي متن هَذَا الحَدِيث إذ قَالَ فِيهِ: إن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام حَيْثُ قَالَ
جِئْت أَسأَلك عَن شرائع الإسلام فَهَذِهِ زِيَادَة مُخْتَلفَة لَيست من الْحُرُوف
بسبيل وإنما أَدخل هَذَا الحَرْف فِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث شرذمة زِيَادَة فِي
الحَرْف مثل ضرب النُّعْمَان بن ثَابت، وَسَعِيد بن سِنَان، وَمن يجاري الإرجاء
نَحْوهمَا وإنما أَرَادوا بذلك تصويبًا فِي قَوْله فِي الإيمان وتعقيد الإرجاء
ذَلِك مَا لم يزدْ قَوْلهم إلا وَهنًا وَعَن الحق إلا بُعدًا إذ زادوا فِي
رِوَايَة الأخبار مَا كفى بِأَهْل العلم وَالدَّلِيل على مَا قُلْنَا من إدخالهم
الزِّيَادَة فِي هَذَا الخَبَر أَن عَطاء بن السَّائِب وسُفْيَان روياه عَن
عَلْقَمَة فَقَالَا: قَالَ يَا رَسُول الله، مَا الإسلام، وعَلى ذَلِك رِوَايَة
النَّاس بعد مثل: سُلَيْمَان، ومطر، وكهمس، ومحارب، وَعُثْمَان، وحسين بن حسن،
وَغَيرهم من الحفاظ كلهم يَحْكِي فِي رِوَايَته أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام
قَالَ: يَا مُحَمَّد مَا الإسلام، وَلم يقل: مَا شرائع الإسلام كَمَا رَوَت
المرجئة".
قلت: الذي زادها هو علقمة بن مرثد وكان
مرجئاً أيضاً، ومقارنة الإمام مسلم رواية الكوفيين برواية البصريين له جيد إلا أن
رواية الكوفيين له من تفرد علقمة، فالكوفيون لا يعرفون الحديث إلا من رواية علقمة،
والثابت رواية البصريين له عن عبدالله بن بريدة.
وقال ابن حجر في «فتح الباري» (1/116):
"وَقَدْ خَالَفَهُمْ سُلَيْمَانُ بنُ بُرَيْدَةَ أَخُو عَبْدِاللَّهِ
فَرَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ:
بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَجَعَلَهُ مِنْ مُسْند ابن عُمَرَ لَا مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِيهِ، أَخْرَجَهُ
أَحْمَدُ أَيْضًا، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي «الحِلْية» من
طَرِيق عَطاء الخرساني عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَر".
وأخذ كلامه هذا بحروفه العيني فقال في «عمدة
القاري» (1/283):
"وَقد خالفهم سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة أَخُو عبدالله، فَرَوَاهُ عَن يحيى بن
يعمر عَن عبدالله بن عمر قَالَ: بَيْنَمَا نَحن عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فَجعله من مُسْند ابن عمر لا من رِوَايَته عَن أَبِيه، وأخرجه أَحْمد
أَيْضاً وَكَذَا أَبُو نعيم فِي «الحِلْية» من طَرِيق عَطاء الخُرَاسَانِي عن يحيى بن يعمر".
قلت: لم يخالف سليمان؛ لأنه لم يثبت أنه
رواه أصلاً! والعهدة فيه على علقمة بن مرثد.
ولم يثبت سماع سليمان بن بريدة من يحيى بن
يَعمر البصري قاضي مرو (توفي ما بين سنة 91 - 100هـ)!
·
رواية عبدالله بن بريدة عن أخيه
سليمان!
لكن أشار البخاري في «التاريخ الكبير» (4/4) في ترجمة «سليمان» أن
عبدالله روى عن أخيه سليمان.
قال البخاري: "قَالَ نُعيم بن حَمَّاد: حدثنا أَبُو مُحَمَّد
المَرْوَزِيّ، عَنْ عَبْداللَّه بن بريدة، عَنْ أخيه سُلَيْمَان بن بريدة
- وكَانَا ولدا فِي بطن واحد على عهد عُمَر..."!
وهذه الرواية التي أشار إليها البخاري أخرجها قاسم بن ثابت
السرقسطي في «الدلائل في غريب الحديث» (1/419) من طريق نُعَيْم بن حَمَّادٍ المَرْوَزِيّ،
قَالَ: حدثنا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ الخُرَاسَانِيُّ، قَالَ: حدثنا
عَبْدُاللَّهِ بنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَخِيهِ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ - وكَانَا
تَوْءَمَيْنِ وُلِدَا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ أَكْبَرَهُمَا
- قَالَ: حَدَّثَنِي وَافِدٌ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ: فَقَالَ لِي
عُمَرُ: "مَا أَقْدَمَكَ؟ قُلْتُ: وَافِدًا لِقَوْمِي، قَالَ: فَإِذَا
أَصْبَحْتَ فَآذِنِ الْمُهَاجِرِينَ، ثُمَّ الْوَفْدَ، ثُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ
احْضُرِ الْبَابَ، قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَذَنْتُ الْمُهَاجِرِينَ ثُمَّ
الْوَفْدَ ثُمَّ النَّاسَ، قَالَ: فَحَضَرُوا الْبَابَ، فَجَلَسَ عُمَرُ
وَصَفَّهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ صُفُوفًا، فَقَالَ: وَجَعَلَ يَتَصَفَّحُهُمْ
بِعَيْنِهِ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُحْبَنْطِئٍ عَلَيْهِ مُقَطَّعَاتُ بُرُودٍ،
فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ أَنْ تَعَالَى، فَأَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ:
هِيهْ، وَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُشَارَ عَلَيْهِ بِالْأَمْرِ، قَالَ: هِيه،
فَقَالَ الرَّجُلُ: هِيه، فَقَالَ عُمَرُ: هِيه، فَقَالَ الرَّجُلُ: هِيه، فَقَالَ
عُمَرُ: قُمْ، فَأَخَذَ مَقَامَهُ مِنَ الصَّفِّ، ثُمَّ جَعَلَ يَتَصَفَّحُهُمْ
بِعَيْنِهِ، فَإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ صَغِيرُ الْقِمَّةِ ثَطٌّ، قَالَ: فَأَتَاهُ،
فَإِذَا هُوَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، فَقَالَ عُمَرُ: هِيه، فَقَالَ: هِيه
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سَلْ، فَلَنُخْبِرَنَّكَ، قَالَ: هِيه، قَالَ: هِيه،
قَالَ: قُمْ فَمَا نَفَعَكَ صَبَّاغٌ وَلَا رَاعِي ضَأْنٍ، فَقَامَ، فَأَخَذَ
مَقَامَهُ مِنَ الصَّفِّ، ثُمَّ جَعَلَ يَتَصَفَّحُهُمْ بَعَيْنَيْهِ، قَالَ:
فَإِذَا شَابٌّ طُوَالٌ، مَعْرُوقٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، فتفَّرَسَ فِيهِ الْخَيْرَ،
قَالَ: فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ أَنْ تَعَالَى، قَالَ: فَأَتَاهُ فَجَثَا
وَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هِيه، فَقَالَ: هِيه، وَاللَّهِ
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا وُلِّيتَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ لِسَبْقٍ كَانَ
مِنْكَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَكِنَّهَا بَلِيَّةٌ ابْتُلِيتَ بِهَا، وَلَوْ أَنَّ
شَاةً ضَلَّتْ بِشَطِّ الْفُرَاتِ لِسُئِلْتَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ:
فَانْكَبَّ عُمَرُ لِوَجْهِهِ، فَمَا زَالَ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ مَا حَوْلَهُ،
ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ أَعِدْ عَلَيَّ فَمَا صَدَقَنِي أَحَدٌ
مُنْذُ وُلِّيتُ هَذَا الْأَمْرَ غَيْرُكَ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَبَكَى
عُمَرُ أَشَدَّ مِنْ بُكَائِهِ الْأَوَّلِ حَتَّى سُرِّيَ عَنْهُ، ثُمَّ رَفَعَ
رَأْسَهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ أَنْتَ تَأْكُلُ لَحْمَهَا، وَأَنَا أُسْأَلُ عَنْهَا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّكَ رَاعٍ
وَكُلُّ رَاعٍ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالشَّاةُ فِي رَعِيَّتِكَ، قَالَ:
فَكَانَتْ عَلَيْهِ أَشَدَّ مِنَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، فَانْكَبَّ يَبْكِي
حَتَّى ظَنَنَّا نَفْسَهُ سَتَخْرُجُ، حَتَّى قَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: لَيْتَ
أَنَّ هَذَا الشَّابَّ لَمْ يَدْخُلِ الْيَوْمَ هَذِهِ الدَّارَ، مَا دَخَلَهَا
إِلَّا لِشَرٍّ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمُكَ؟
قَالَ: فُلَانُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: أَخُو الْمُهَاجِرِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ:
نَعَمْ، قَالَ: فَدَعَا عُمَرُ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، فَاسْتَعَمَلَهُ، ثُمَّ
ضَمَّ إِلَيْهِ الْفَتَى، وَقَالَ لَهُ: تَفَقَّدْ سَرِيرَتَهُ مِنْ
عَلَانِيَتِهِ، فَإِنَّ وَجَدْتَهُمَا وَاحِدَةً، فَاكْتُبْ إِلَيَّ، فَإِنَّ
عِنْدَهُ غِنًى، قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ إِذَا ذَكَرَ الْغِنَى عَنَى بِهِ
الدِّينَ، وَلَمْ يَعْنِ بِهِ الْمَالَ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو مُوسَى
الْبِلَادَ أَجْبَرَهُ عَلَى الْعَمَلِ، ثُمَّ ضَمَّ إِلَيْهِ رَجُلًا يَتَفَقَّدُ
سَرِيرَتَهُ مِنْ عَلَانِيَتِهِ، فَوَجَدَهُمَا وَاحِدَةً، فَكَتَبَ بِذَلِكَ
إِلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: إِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا
فَاسْتِخْلِفْهُ عَلَى الْجُنْدِ، وَأَقْبِلْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
بُرَيْدَةَ: كَرِهَ وَاللَّهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَكُونَ عَلَى النَّاسِ
رَجُلٌ، وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ".
قلت: رواية السرقسطي بيّنت أن أبا محمد المروزي الذي أشار إليه
البخاري في الترجمة هو: "الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ الخُرَاسَانِيُّ".
ونُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ يروي عنه، ونعيم كَانَ مِنْ أَهْلِ
خُرَاسَانَ، مِنْ أَهْلِ مَرْوَ، وهو يروي عن أبي محمد المروزي عن عبدالله بن
بريدة، وهو الذي ترجم له البخاري في «التاريخ الكبير» (2/306): "الحَسَن بن مُحَمَّد
المَرْوَزِيّ عَنْ عَبْداللَّه بن بريدة. سَمِعَ منه نعيم بن حماد".
وتبعه على ذلك أبو حاتم وابنه وابن حبان.
فأبو محمد المروزي هو: الحسن بن محمد الصائغ الخراساني، وهو مجهول
لا يُعرف!
وما ذكر في إسناد هذه الرواية أن عبدالله يروي عن أخيه سليمان لا
يُعتد به لجهالة راويه!
وكذا ما جاء في الإسناد "وكَانَا تَوْءَمَيْنِ وُلِدَا
عَلَى عَهْدِ عُمَرَ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ أَكْبَرَهُمَا"، يُحتمل أنه من
كلام نعيم نفسه أو شيخه الحسن بن محمد، والأظهر أنه من كلام الحسن هذا!
وكأن هذا مأخوذ مما رواه رُمَيْح بنُ هِلالٍ الطَّائِيّ عن عبدالله
بن بريدة في أنهما ولدا في بطن واحد! فكلاهما مجهول، ورميح أيضاً منكر الحديث!
فإن كان ما جاء في الإسناد من نُعيم بن حماد فقد أخذه من رواية
رُميح، وإن كان من كلام الحسن بن محمد، فكذلك يكون أخذه من رُميح وهو قرينه في
الظاهر، وكلاهما مجهول! والله أعلم.
والحديث يرويه سليمان عن رجل مجهول أيضاً: "حَدَّثَنِي
وَافِدٌ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ"!
ولم يثبت أن سليمان بن بريدة ولي قضاء مرو كما قال بعض أهل العلم!
ولهذا قال ابن حبان لما ذكره في «الثقات» (4/303): "وكَانَ على قَضَاء مرو فِيمَا
قيل".
فمرّض ابن حبان القول في هذا وأصاب - رحمه الله -.
·
شبهة بعض المعاصرين حول من نفى
سماع عبدالله وسليمان ابني بريدة من أبيهما!
اختلف المعاصرون من المشتغلين بعلم الحديث في مسألة سماع ابني
بُريدة من أبيهما!
واحتج كثير ممن يؤيد مذهب الإمام مسلم في المعاصرة بمعاصرة ابني
بريدة لأبيهما أكثر من ثلاثين سنة! لأنهما ولدا في بطن واحد لثلاث سنين خلون من
خلافة عمر بحسب ما رُوي! فكيف ينفي البخاري سماعهما منه؟!!
وقد اضطرب بعضهم لما حاول دحض هذه الحجة لإثبات مذهب البخاري في
ثبوت السماع!
وصار بعضهم يؤول الكلام من أجل حلّ هذه المعضلة! إذ كيف ينفي
البخاري سماع عبدالله من أبيه، ثم يُخرّج له حديثين؟!!!
قال بعضهم: "والعجيب في هذا الكلام أن البخاريّ احتج برواية
عبدالله بن بريدة عن أبيه، وترك التخريج لسليمان بدعوى أن سليمان لم يذكر سماعًا
من أبيه، كيف هذا وقد ولدا في بطنٍ واحدٍ، وعاشا معًا مع أبيهما بريدة، وقصد
البخاريّ أنه لم يقف في إسناد من الأسانيد على تصريح سليمان بالسماع من أبيه، ومثل
هذه الحالة لا تحتاج إلى التصريح بعد ثبوت الملازمة".
وقال: "يبقى قول البخاري في الكبير: سليمان بن بريدة لم يذكر
سماعًا من أبيه. فالجواب: أن البخاري رحمه الله كما نسب إليه إذا لم يقف على سند
فيه سماع الراوي من شيخه، فإنه يحكم بالانقطاع، أو يتوقف في الحكم بالاتصال. ولكن
هناك صورًا لا يسعنا إلا قبولها، وإن لم نقف في مسند من الأسانيد، على سماع الراوي
من شيخه، لوجود القرينة القوية، التي تدل على السماع. مثل رواية أصحاب البلد
الواحد، عن بعضهم، مع الضبط والعدالة والبراءة من التدليس، ومثل رواية الولد، عن
أبيه إذا عاشره طويلًا. وقد احتج البخاريُّ في صحيحه برواية عبدالله بن بريدة عن
أبيه في موضعين من كتاب المغازي... ومن المعلوم أن عبدالله بن بريدة، وسليمان ولدا
في بطن واحد، لثلاث سنين خلون من خلافة عمر. وأكثر العلماء على أن سليمان أوثقُ من
عبدالله، وأصحُّ حديثًا، وقد صاحب سليمانُ أباه أكثر من أربعين سنةً، فكيف يقال:
لم يسمع منه؟! وقد أكثر مسلمٌ في صحيحه من التخريج لسليمان بن بريدة عن أبيه
والحمدُ لله".
قلت: هذا القول وغيره إنما هو مبنيٌّ على أن عبدالله وسليمان ولد
في بطن واحد في خلافة عمر، وقد عاشا في كنف والدهما أكثر من ثلاثين سنة، فهذه
قرينة تدلّ على السماع وإن لم يأت إسناد ذكر فيه السماع!!!
لكن كلّ هذا يذهب أدراج الرياح؛ لأن الرواية التي فيها أنهما ولدا
في بطن واحد منكرة ولا تصح كما أسلفت تحقيقها، وأن عبدالله أكبر من أخيه سليمان،
وإنما سمع من والده حديثاً أخرجه له البخاري، ورأى منه أشياء، وأما سليمان فلم
يسمع من أبيه، وليس هو أوثق من أخيه، بل ربما عبدالله أوثق منه.
فالأصل كما قال البخاري أن عبدالله لم يسمع من أبيه عموماً، لكن
تبيّن أنه سمع منه أحاديث قليلة جداً فأخرج له حديثاً عنه، وثبت أنه رأى منه بعض
الأشياء.
وبهذا يظهر شفوف نظر الإمام البخاري في هذه المسألة المهمة التي
صحح فيها كثير من المتأخرين والمعاصرين بل وبعض المتقدمين كالإمام مسلم أحاديث
لهما عن أبيهما!!
ولا زالت هذه المسألة موضع جدل بين أهل العلم!
·
كلام د. العوني!
قال د. حاتم العوني في كتابه «إجماع المحدثين» (ص65) عند كلامه حول
«معاني نفي العلم بالسماع»: "وآخر ما أريد ذكره من معاني نفي العلم
بالسماع: هو الخبر المُجرّد عن أن الراوي لم يذكر ما يدل على السماع ممّن روى عنه،
دون إعلالٍ للحديث بذلك، بل مع الحكم بالاتّصال والقبول! وبذلك يظهر لك
الفرق بين زعم أن نفي العلم بالسماع إعلالٌ بمجرّد عدم العلم وبين ما ذكرناه نحن
هنا، فالفرق كبيرٌ جدًّا، يبلغُ حدَّ الفرق بين الضّدَّين!! إذ من خلال هذا المعنى
يصبح الحكمُ بنفي العلم بالسماع دليلاً على عدم اشتراط العلم بالسماع، وهو دليلٌ
قاطعٌ لا محيد عنه على ذلك، بخلاف ذلك المعنى الذي يصبح معه نفي العلم بالسماع
دليلاً على اشتراط العلم به!!!
وهناك مثالان قاطعان على هذا المعنى، صادران ممن نُسب إليه اشتراط
العلم بالسماع، ألا وهو البخاري!!!
وهذان المثالان يتعلقان برواية أخوين توأمين عن أبيهما، هما
سليمان، وعبدالله: ابنا بُريدة بن الحُصَيْب رضي الله عنه.
قال البخاري: «كانا وُلدا في بطن واحد على عهد عمر».
وثبت عن عبدالله بن بريدة أنه ذكر ما يدل على أنه كان يوم مقتل
عثمان رضي الله عنه غلامًا يافعًا.
فإن كان عبدالله بن بريدة وأخوه سليمان وُلدا في آخر خلافة عمر، فمعنى
ذلك أنّهما وُلدا سنة (23هـ)، وربما وُلدا قبل ذلك، بل ذُكر أنهما وُلدا سنة
(15هـ).
أمّا أبوهما بريدة بن الحُصَيْب رضي الله عنه، فذكره البخاري في
«التاريخ الأوسط» فيمن مات بين ستين إلى السبعين، وقال: «يقال مات في خلافة يزيد
بن معاوية». وهذا هو المستقرُّ الذي لا أعلم فيه خلافًا، وهو أنه توفي بمرور سنة
اثنتين وستين أو ثلاث وستين.
وعلى ذلك يكون ابناه سليمان وعبد الله قد أدركا من أبيهما ثلاثين
سنة أو أكثر.
فهل يُتَصَوَّر أنهما لم يسمعا منه؟! وقد كانا معه بالمدينة، إلى
أن ذهب إلى البصرة، إلى أن استقرّ أخيرًا بمرو في خراسان، وهما معه في جميع
تنقّلاته هذه، كما نصّ على ذلك ابن حبان في «صحيحه». ولو لم ينصّ ابن حبان على
ذلك، فابنان لرجل، عاصراه ثلاثين سنة، هل يُتَصَوَّر أنه اختفى عنهما، وما سمعا
منه شيئًا حتى مات؟!! كيف وينضاف إلى ذلك أنّ من المتفق عليه أنهما كانا قد نزلا
مع أبيهما مرو إلى أن توفي أبوهما!!!
وقبل أن أدخل في صُلب المسألة، فإني أسأل: أي الدليلين أقوى على
السماع واللقاء؟ دليلٌ مثلُ هاتيك البُنُوَّة مع المعاصرة الطويلة والمعاشرة
الأكيدة بين الأب وأبنائه؟ أم تصريحُ راوٍ بالسماع مرّةً واحدةً عن راوٍ أخى لا
علاقة بينهما، لا قرابة ولا بلد، بل ربما كان بلداهما متباعدين: كشامي عن عراقي،
أو يماني عن حجازي، ونحوها؟ أي الدليلين أقوى على السماع يا معشر العقلاء؟!!!
هل يمكن أن يقول عاقل إن مجرّدَ ذلك التصريح هو الذي يدل السماع،
وأن ذلك الابن - مع كل تلك الملاصقة والمعايشة - لم يسمع من أبيه شيئًا؟!! ثم هل
يجرؤ أحدٌ أن ينسب إلى الإمام البخاري تلك العقلية المتحجّرة على ذلك الشرط
المزعوم؟!!!
وعلى كل حال، لنبدأ الآن الدخول في ذكر المثالين:
المثال الأول: سليمان بن بريدة، قال عنه البخاري في «التاريخ
الكبير»: «لم يذكر سليمان سماعًا من أبيه».
فهل يتجرّأ أحدٌ، بعد ادلّة السماع التي ذكرناها آنفًا من كلام
البخاري نفسه، الذي أثبت تلك المعاصرة الطويلة بين سليمان وأبيه= أن يزعمَ أن
البخاري يردّ حديث سليمان عن أبيه لعدم علمه بالسماع؟!! وأن البخاري لم يكن
ملتفتًا إلى كل تلك الأدلّة، مع أنه لم يكن بينه وبين أن يقبل حديثه إلا أن يصرّح
بالسماع في حديث واحد؟!! وأنه لم يكن بينه وبين أن يقبل حديث شامي عن يمني إلا أن
يصرّح بالسماع في حديث واحد، وإن لم يكن بينهما داعٍ من دواعي اللقاء ولا قرينة
إلا ذلك الحديث الواحد؟!!!
إن تجرّا أحدٌ على ذلك، فإني -والله- لأجْبَنُ الناس عنه!!!
فإن كنت لا أجرؤ على ذلك، وأربأ بأخي القارىء إلا أن لا يَجْرُؤَ أيضًا،
فما هو معنى قول البخاري «لم يذكر سليمان سماعًا من أبيه»؟
المعنى: هو ظاهر العبارة، وهو الخبر المجرّد عن أنه لم يذكر سماعًا
من أبيه، وليس في ذلك إعلالٌ بذلك ولا حكمٌ بعدم الاتّصال ولا بالتوقّف فيه.
فإن بقي هناك من يجرؤ على القول بأن البخاري أعلّ أحاديث سليمان عن
أبيه لعدم علمه بالسماع، فعليه أن يعلم قبل ذلك أن البخاري حَسَّن حديثًا
لسليمان عن أبيه!!!
فقد قال الترمذي في «العلل»: «قال محمد (يعني البخاري): أصحّ
الأحاديث عندي في المواقيت: حديث جابر بن عبدالله، وحديث أبي موسى. قال: وحديث
سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن ابن بُريدة عن أبيه في المواقيت، وهو حديث حسن.
ولم يعرفه إلا من حديث الثوري».
وحديث سليمان بن بريدة هذا الذي هو من أصح أحاديث المواقيت عند
البخاري: أخرجه مسلم (رقم 613)، وابن خزيمة في صحيحه (ناصًّا على صحته بصريح مقاله
فيه) (رقم 323، 324)، وابن الجارود في المنتقى (رقم 151)، وابن حبان في صحيحه (رقم
1492).
فهل تجد حُجةً أنصع من هذه: على أن نفي البخاري لعلمه بسماع سليمان
من أبيه ما هو إلا خبر مجرّد عن ذلك، من غير قَصْدِ إعلالٍ أو توقُفٍ عن الحكم
بالاتصال؟!
المثال الثاني: عبدالله بن بريدة عن أبيه.
قال البخاري في ترجمته: «عبدالله بن بريدة بن الحُصَيْب الأسلمي:
قاضي مرو، عن أبيه، سمع سمرة، ومن عمران بن الحصين».
وهُنَا أنقل ما ذكره خالد الدريس في كتابه الذي ينصر فيه الشرط
المنسوب إلى البخاري «موقف الإمامين...»، حيث قال: «ذكرتُ فيما سبق: أن قول
البخاري (عن) بدل (سمع) فيما يرويه صاحب الترجمة عن شيوخه تدل على أن البخاري لم
يثبت عنده سماع صاحب الترجمة ممن روى عنه، وإلا لقال: (سمع) بدل (عن).
وهنا أشار الإمام البخاري أن عبدالله بن بريدة روى عن أبيه
بالعنعنة، مما يدل على أن البخاري لم يقف على ما يُثبت سماع عبدالله من أبيه.
ورُغم ذلك فقد أخرج البخاري في صحيحه لعبدالله بن بريدة حديثين، ليس فيهما ما يثبت
السماع أو اللقاء بينهما»! ثم ذكر الحديثين، وهما في صحيح البخاري فعلاً بغير
تصريح بالسماع. ثم عاد خالد الدريس ليقول: «فعلى أي شيءٍ اعتمد البخاري في تصحيحه
لهذين الحديثين؟ يبدو أن البخاري أخرج هذين الحديثين لعبدالله بن بريدة عن أبيه مع
عدم ثبوت سماع من أبيه لأمرين..»، ثم ذكرهما، وهما حسب رأيه: أن احتمال سماع عبدالله
من أبيه أقوى بكثير من احتمال عدم السماع، وأن البخاري لم يعتمد على الحديث الأول
أو الثاني في بابهما. كذا قال!!
وكان يكفيه الاحتمال الأول، فإنا نقول: ألم يصححه البخاري بإخراجه
في صحيحه؟ ومن قال بأنه لم يعتمد عليه؟ لمَ لا أقول إنه لم يعتمد على الأحاديث
الأخرى واعتمد على هذا؟
ثم هذا الحاكم يقول: «قد احتجّا جميعًا بعبدالله بن بريدة عن أبيه».
ولمّا ذكر الدارقطني من أخرج له البخاري اعتبارًا أو مقرونًا لم يذكر عبدالله بن
بريدة، بل ذكره في مسرده ممن أخرج لهم البخاري احتجاجًا.
وهذا الحافظ لما أراد الاعتذار للبخاري لم يزعم أنه أخرج له في المتابعات
أو الشواهد، وإنما قال: «ليس له في البخاري من روايته عن أبيه سوى حديث واحد». ومع
ما في قوله من أنه لم يخرج له إلا حديثًا وحدًا من نظر، حيث أخرج له حديثين كما
سبق، إلا أن هذا اعترافٌ من الحافظ (الذي تبنّى أنه لم يسمع من أبيه) بأنه لا
عُذْرَ للبخاري في إخراجه، وكأنه يقول: إنما هو حديثٌ واحد أخطأ فيه البخاري!!!
وبذلك يتّضح أن البخاري قد يقول: «لا أعلم لفلان سماعًا من فلان»،
وهو لا يريد الإعلال بذلك، وإنما يريد إخبارَنا بذلك فقط!
فأين هذا ممن جعل كل خبرٍ بعدم العلم بالسماع إعلالاً بعدم العلم
به، وبالتالي فهو دليل على اشتراط العلم به؟!!" انتهى كلامه.
قلت: على كلامه ملحوظات:
أولاً: قوله: "أن نفي البخاري لعلمه بسماع سليمان من أبيه ما هو
إلا خبر مجرّد عن ذلك، من غير قَصْدِ إعلالٍ أو توقُفٍ عن الحكم بالاتصال"
قول ليس بصحيح!!
فإذا لم يقصد البخاري الإعلال أو التوقف عن الحكم بالاتصال فلم
يورد هذا اللفظ في بعض التراجم؟! ولم لا يُخرّج حديثهم في صحيحه؟!!
وكذا قوله في قول البخاري: "لا أعلم لفلان سماعا من
فلان" بأنه لا يريد الإعلال بذلك، وإنما يريد إخبارنا بذلك فقط!!
فهذا أيضاً قول ليس بصحيح! وقائله لم يخبر مصطلحات البخاري وطريقته
في كتبه!!
وهذه المصطلحات تدل على عدم ثبوت السماع، وتعليل البخاري للأحاديث
بذلك، والبخاري متفنن في التعبير عن اصطلاحاته في مسألة السماع - رحمه الله رحمة
واسعة-.
فإن كان الراوي اشتهر أنه لم يسمع من شيخ ما فإنه يقول في ذلك:
"لم يسمع فلان من فلان".
وإن كان لم يثبت سماعه وليس له إلا حديثا واحدا عن ذلك الشيخ، فإنه
يقول في ذلك: "لا أعلم لفلان سماعا من فلان" أو: "لا يُعرف لفلان
سماعا من فلان".
وإن كان لم يثبت سماعه لكن هناك شبهة قد يعتقدها بعضهم بثبوت
السماع للتقارب بين الراويين، فإنه يقول في ذلك: "لم يذكر
سماعا من فلان"، وهذا صريح في تطلبه للسماع.
وكل هذه الصيغ تدل على عدم السماع عنده، وليس مقصوده الإخبار
المجرد كما توهم العوني وغيره! وإنما هو تنوع في نفي السماع.
ثانياً: لو ثبت أن عبدالله وسليمان ولدا في سنة (15هـ) فلا شك أن هذه حجة
قوية على من يقول بأن وجودهما مع أبيهما لأكثر من ثلاثين سنة تدل على سماعهما منه،
ولا بدّ!
لكن البخاري على مذهبه وشرطه في عدم ورود هذا السماع في حديثهما مع
قوة قرينة البنوة والمعاصرة الطويلة في بيت واحد! ثم استثناؤه حديثا واحدا لما ثبت
عنده أنه سمعه من أبيه فخرجه في صحيحه كما سبق توضيحه وهذا لا يخرم شرطه أبداً،
والأثر الآخر يتعلق بعدد الغزوات التي غزاها بريدة مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهذا لا يحتاج لسماع من آل بيت الرجل، فهو مشهور ومعروف عندهم، ولهذا خرّجه
البخاري مع الآثار التي تتحدث عن عدد غزوات بعض الصحابة مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وقد جليت ذلك أيضاً في موضعه.
فالبخاري على أصله في نفي سماع عبدالله من أبيه كما في تاريخه
الكبير، إلا أنه لما صنّف الصحيح وتبيّن له أنه سمع من أبيه حديثاً واحدا خرّجه
فيه. - وإن كنا نخالفه في ذلك، ونرى أنه سمع من أبيه بعض الأحاديث -.
ومع ما بينته من عدم ثبوت أنهما ولدا في بطن واحد في سنة (15هـ)
وأن عبدالله أكبر من أخيه سليمان، وعدم إكثار عبدالله من الرواية عن أبيه وعمران
بن حصين وغيرهما، وروايته عن بعض التابعين، كل ذلك يدل على أنه سمع أفراداً فقط من
هؤلاء الصحابة.
وأما سليمان فأصغر منه، وهو قطعاً لم يسمع من أبيه.
ثالثاً: احتجاج العوني بأن البخاري حسّن حديثا لسليمان بن بريدة عن أبيه
لدفع قول من يقول بأن البخاري أعلّ أحاديث سليمان عن أبيه لعدم علمه بالسماع، فيه
نظر شديد!!
والمسيكين العوني الذي يظن نفسه إمام المحدثين يرى أن قول البخاري
عن هذا الحديث: "حسن" أي الحسن المقبول قسيم الصحيح!! وهذا يدل على
بضاعته المزجاة في علم الحديث أو أنه دلّس في ذلك لنصرة مذهبه!!
فقول البخاري فيما يسأله عنه الترمذي عن بعض الأحاديث: "حديث
حسن" = يعني: غريب! فأئمة النقد كانوا يعبرون عن الغريب بالحسن! ومنها قول
بعضهم: "من حسنها فررت"، وعليه فهذه ليست بحجة ناصعة كما زعم العوني!
فلو كان البخاري يرى صحة سماع سليمان من أبيه وأنه حسّن هذا الحديث بمعنى= قبوله،
فلم لم يخرجه في كتابه وهو بحاجة له!! وقد تقدّم الكلام على الحديث عند الكلام على
تخريج مسلم له.
وعليه فدعوى العوني أن البخاري في نفيه لعلمه بالسماع ما هو إلا
خبر مجرد من غير قصد إعلال أو توقف عن الحكم بالاتصال ما هي إلا دعوى فارغة
متوهمة، وتصرف البخاري على خلافها!
رابعاً: في رده على كلام الدريس المتقدم: "فإنا نقول: ألم يصححه
البخاري بإخراجه في صحيحه؟ ومن قال بأنه لم يعتمد عليه؟ لم لا أقول إنه لم يعتمد
على الأحاديث الأخرى واعتمد على هذا؟" فهذا القول منه فيه فذلكة وفلسفة!!
نعم، البخاري صحح هذا الحديث، لكن مسألة الاعتماد عليه في المسألة
المتنازع عليها في سماعه من أبيه غير متوجه هنا؛ لأن تصحيحه لهذا الحديث لقرينة
دلت على أنه سمع هذا الحديث الواحد من أبيه، ولذا صححه، وليست المسألة في إثبات
اللقاء الذي إذا ثبت وثبت سماع راو ما من شيخ الاعتماد على ذلك في إثبات السماع
عموما! فهذه مسألة خاصة أخرى: فيها أن الأصل أنه لم يسمع من أبيه مع تحقق المعاصرة
وقوة قرينة الأبوة، لكن استثنى البخاري هذا الحديث لثبوت سماعه له من أبيه، وعليه
لا نستطيع تعميم ذلك بحيث أننا نصحح كل حديث يُروى عنه عن أبيه بتصحيح البخاري هذا
الحديث له عن أبيه، فالقضية ليست قضية اللقاء والسماع الذي يكون بين الرواة
عموماً.
خامساً: قوله بأن الحاكم والدارقطني ذكرا أن البخاري "احتج بروايته
عن أبيه" فهذا بالنظر إلى تخريجه لهذا الحديث الواحد عن أبيه، نعم قد احتج به
عن أبيه، لكن لا نلزمه بأن كل حديث له عن أبيه نصححه؛ لأنه أخرج له هذا عن أبيه!!
وعدم ذكره فيمن أخرج لهم البخاري اعتبارا أو مقرونا كلام ساقط! لأن
من يذكرهم أهل العلم فيمن خرج لهم البخاري ومسلم اعتبارا أو مقرونا إنما هو فيمن
تكّلم فيهم النقاد أو ضعفوهم! وعبدالله بن بريدة ثقة لا جدال في ذلك.
فمسألة الاحتجاج مسألة، ومسألة الرواية للاعتبار أو قرن الراوي
بآخر مسألة أخرى، فلا يخلّط بينهما!!
سادساً: قوله: "وهذا الحافظ لما أراد الاعتذار للبخاري لم يزعم أنه
أخرج له في المتابعات أو الشواهد، وإنما قال: «ليس له في البخاري من روايته عن
أبيه سوى حديث واحد». ومع ما في قوله من أنه لم يخرج له إلا حديثًا وحدًا من نظر،
حيث أخرج له حديثين كما سبق، إلا أن هذا اعترافٌ من الحافظ (الذي تبنّى أنه لم
يسمع من أبيه) بأنه لا عُذْرَ للبخاري في إخراجه، وكأنه يقول: إنما هو حديثٌ واحد
أخطأ فيه البخاري!!!" هذا كلام مردود جملة وتفصيلا!!
فابن حجر يٌبيّن أن البخاري لم يخرج له عن أبيه إلا هذا الحديث
الواحد فقط، ولا علاقة له بمسألة المتابعات والشواهد التي في ذهن العوني!! فلا
نُحمّل قول ابن حجر ما لا يحتمله!
وهذا ليس اعترافاً من ابن حجر بأنه لا عذر للبخاري في إخراجه!! فلا
أدري كيف فهم العوني ذلك!! وبنى على هذه المقدمة الموهومة نتيجة خطيرة!! بأن ابن
حجر يذهب إلى أن البخاري أخطأ في تخريجه لهذا الحديث في صحيحه!!!
فابن حجر لم يقل هذا! وكلامه ليس فيه أي إيماء لذلك، وأقصى ما فيه
أنه أخبر أن البخاري أخرج له عن أبيه حديثا واحدا مع ما هو معروف عنه نفيه لسماعه
من أبيه! ولم يخض ابن حجر في ذلك كعادته إذا لم يكن عنده ما يُفند بعض الأمور
المشكلة التي تتعلق بصحيح البخاري.
فهو لا شك لا يذهب إلى أن البخاري أخطأ فيه، وإنما ذكر تخريج
البخاري لهذا الحديث الواحد لعبدالله بن بريدة عن أبيه وتوقف. لكن أن أُحمّله ما
لم يقله فلا!
وأما استدراك العوني على ابن حجر في قوله: "إن البخاري أخرج
له حديثا واحدا عن أبيه" بأنه أخرج له حديثين = يعني هذا الحديث وحديث آخر،
وهو ما ذكرته آنفا في عدد الغزوات التي غزاها بريدة مع النبي صلى الله عليه وسلم،
فهذا استدراك مردود، وأصاب ابن حجر في قوله؛ لأن هذا الحديث الآخر لا يحتاج لذكر
السماع، فهو في أمر معروف ومشهور في آل بيت الرجل، فلا يدخل في المسألة المتنازع
عليها في سماع عبدالله بن بريدة من أبيه، والله أعلم.
·
كلام د. اللاحم!
وقد صنّف د. عبدالله اللاحم كتاباً سماه «الاتصال والانقطاع» في
الرد على حاتم العوني في كتابه «إجماع المحدثين»، وكان مما كتب حول مسألة سماع
ابني بريدة من أبيهما (ص379) تحت عنوان: «شرط الاتصال والحديث الصحيح»، قال:
"ذكر عدد من الباحثين أسانيد من صحيح البخاري أخرجها مع أن السماع بين بعض رواتها
لم يعلم، أي لم يرد السماع، أو ورد لكنه لا يثبت، ورأيت بعضهم يستدل بها على أن
البخاري لا يشترط العلم بالسماع، وإنما يكتفي بالقرائن، ويستدل بها بعضهم على أن
البخاري وإن كان يشترط العلم بالسماع، إلا أنه ربما اكتفى بالقرائن في بعض
الأحوال، وذلك حين تقوى القرائن جداً على إثبات السماع. ولا أتردد لحظة واحدة في
القول بأن هذا الاستدلال غير صحيح، وأن هؤلاء الباحثين - ومثلهم كثير - لم يتضح في
أذهانهم أن شروط الحديث الصحيح بابها واحد، فالناقد ربما نزل عن شرط من شروط
الصحيح لسبب يراه مع علمه بتخلف هذا الشرط....".
ثم تكلم على استدلال أؤلئك الباحثين على أن البخاري لا يشترط العلم
بالسماع إما مطلقا أو في بعض الأحوال ومنها: "رواية عبدالله بن بريدة عن
أبيه".
قال: "وقد أخرج البخاري بهذا الإسناد حديثين، أحدهما: (بعث
النبي صلى الله عليه وسلم علياً إلى خالد ليقبض الخمس...) الحديث، والثاني: (غزا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة).
والبخاري ذكر في ترجمة عبدالله بن بريدة أنه روى عن أبيه بالعنعنة،
وسمى البخاري من سمع منه عبدالله بن بريدة، فهذا يدلّ على أن البخاري لم يقف على
تصريح له بالسماع من أبيه، ومع هذا أخرج له في صحيحه عن أبيه هذين الحديثين، فدل
على أنه لا يشترط العلم بالسماع، هذا تقرير الاستدلال بهذا الإسناد.
والجواب: أن سماع عبدالله بن بريدة من أبيه معلوم، فقد جاءت عدة
أحاديث فيها التصريح بالسماع، وهي من طريق علي بن الحسين بن واقد، عن أبيه، عن
عبدالله بن بريدة، عن أبيه.
وهذا التصريح وإن كان محل نظر من جهة ثبوته، فلا يبعد أن يكون
البخاري اطلع عليه فيما بعد واعتمده، فعلي بن الحسين بن واقد قد رآه البخاري في
حياة شيخه إسحاق بن راهويه، ولم يكتب عنه؛ لأن إسحاق كان سيء الرأي فيه بسبب
الإرجاء، ثم كتب عن إسحاق عنه.
وعلى افتراض أن البخاري لم يقف على هذا التصريح، أو لم يره صحيحاً
فلا دلالة في تخريجه للحديثين على حكمه باتصال الإسناد، ويكون السؤال هو: كيف أخرج
هذين الحديثين بهذا الإسناد وهو منقطع؟".
ثم كرر الدكتور هذا السؤال في بقية الأسانيد الأخرى، ثم قال:
"وأبدأ الآن بالجواب عن هذا السؤال الذي تكرر مع الأسانيد
الأربعة كلها، وهو: لم أخرجها البخاري وهي أسانيد منقطعة؟
والجواب عن هذا السؤال يتعلق بالقضية التي أشرت إليها في أول هذا
المبحث، وهي قضية الشرط، والنزول عن الشرط، فإذا عرفنا أن شروط الحديث الصحيح هي
ثقة الرواة، واتصال الإسناد، وخلوه عن الشذوذ، والعلل، لا بدّ أن نضم إلى هذا
إدراك أن الالنزام الدقيق بهذه الشروط بالقدر الذي يصلح لشرط الصحيح أمر غير
موجود، فما من شرط من هذه الشروط إلا وقد نزل فيه صاحبا الصحيح عن الشرط.
والذي يهمنا هنا في النظر إلى هذه الأسانيد الأربعة هو شرط الاتصال،
والإرسال منه على وجه الخصوص، وسأحاول تلخيص الكلام فيه بحيث يدرك القارئ بسهولة
انتظامه مع القضية العامة، وهي النزول عن الشروط كلها.
وخلاصة الكلام أن إخراج البخاري لأسانيد قليلة لم يعلم فيها سماع
الراوي ممن روى عنه إنما هي نزول عن شرطه وهو العلم بالسماع، ولا دلالة فيه مطلقا
على أنه لا يشترطه، فمن الجناية على هذا الإمام أن تذهب جهوده العظيمة التي تمثلت
في الحرص على تتبع السماع، وفي التزامه بذلك في صحيحه، حتى أنه ربما ذكر أسانيد
الغرض منها إثبات السماع، وفي إعراضه عن عشرات الأسانيد التي هي على شرط الصحيح
لولا عدم العلم بالسمع، من الجناية عليه أن تذهب هذه الجهود بمجرد وقوفنا في أثناء
مئات الأسانيد على بضعة أسانيد لم يعلم فيها السماع، مع وجود مخارج صحيحة لها غير
كونه لا يشترط العلم به.
وعندما أقول بأنه أخرج هذه الأسانيد القليلة نازلاً بها عن شرطه فإني لا
أقول ذلك جزافاً، بغرض التخلص منها، وإنما أقوله اعتماداً على دليل ظاهر جداً،
وخلاصته أننا نجد أسانيد في صحيح البخاري ظاهرة الانقطاع بالاتفاق، ويلزم على صنيع
هؤلاء الباحثين في استدلالهم بإخراج البخاري للأربعة الأسانيد السابقة على أن
البخاري لا يشترط العلم بالسماع - أن يكون البخاري لا يشترط الاتصال أصلاً، وقد
وقع إلزام البخاري بهذا فعلاً، كما سأوضحه، وأوضح أنه غير لازم له، فالنزول عن
الشرط مختلف تماماً عن التخلي عن الشرط".
ثم ساق بعض الأمثلة من صحيح البخاري وقعت
مرسلة، وجواب ابن حجر عنها وأغراض البخاري في تخريجها مع علمه بانقطاعها لوجود هدف
عند البخاري من ذلك.
ثم قال: "وهكذا يقال في حديثي
عبدالله بن بريدة، عن أبيه، فحديث بعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً إلى خالد
باليمن قصته مشهورة، ساق البخاري في بابها مع حديث بريدة أربعة أحاديث أخر، وحديث
عدد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم أخرج البخاري مع حديث بريدة حديثين آخرين.
ومما يؤكد انتقاء البخاري لهما وإخراجه
لهما في الشواهد أن رواية عبدالله بن بريدة، عن أبيه نسخة، لم يخرج
منها سوى هذين الحديثين، وأخرج منها مسلم خمسة أحاديث، بعضها في الأصول وبعضها في
الشواهد، ورواية سليمان بن بريدة عن أبيه نسخة أيضاً، ولم يخرج منها
البخاري شيئاً، مع أنه أقوى من أخيه عبدالله، وأصح حديثاً عند الأئمة، وأخرج منها
مسلم عشرة أحاديث بعضها في الأصول، وبعضها في الشواهد، ومن الأصول ما هو من أحاديث
الأحكام".
ثم قال: "فتلخص مما تقدم أن نزول البخاري
عن شرط الاتصال، سواء في الإرسال الظاهر، أو في الإرسال الخفي، أو في التدليس عمن
سمع منه - في مواضع من صحيحه أمر مشهور معروف... والبخاري إنما يفعل ذلك لسبب،
فليس فيها دلالة على نزول البخاري عن شرط الاتصال" انتهى كلامه.
قلت:
هذا الذي ذهب إليه الدكتور اللاحم فيه
نظر! فإذا فتحنا باب نزول البخاري عن شرطه أو أنه أحياناً يتسمح في ذلك فقد فتحنا
بابا عظيماً لإثارة الشبهات حول صحيحه!
وهذا يدندن حوله كثير من طلبة العلم!
واتخذوا ذلك منهجاً في الجواب عما يخرجه البخاري في «صحيحه» من أحاديث ليست على
شرطه!!
ثم من أين له أن رواية عبدالله وسليمان
ابني بريدة عن أبيهما نسخة!!! هذا ضرب من الخيال ونسج من الأوهام والإيهام! ولا
دليل على هذا الزعم، ولا حظ له من الفهم!
وكذا ما بناه على ذلك من مسألة الانتقاء
من هذه النسخ! فكله أوهام وخيالات!
وأما ما وقع مرسلاً في صحيح البخاري فهذا
ليس مكان الكلام عليه.
·
ترجيح:
والذي ظهر لي أن البخاري على شرطه في «عبدالله وسليمان ابني بريدة»
نفي السماع من أبيهما، وكلامه أوضح في سليمان حيث قال: "ولم يذكر
سُلَيْمَان سماعاً من أَبِيه"، فلم يخرّج له مُطلقاً، وتخريجه
لحديثين في «صحيحه» عن «عبدالله بن بريدة» لا يتعارض مع ما ذكره في «التاريخ
الكبير» إذ أصّل لهذا في «التاريخ» الذي صنّفه لخدمة «صحيحه»، ولما صنّف «الصحيح»
وجد أن هناك حديثا سمعه «عبدالله» من أبيه - كما بينت سابقاً - فأخرجه لهذا السبب
لا أنه أخرجه لقرينة أنه عاش في كنف والده أكثر من ثلاثين سنة!! فإن كان كذلك، فلم
لم يخرّج لأخيه سليمان، وهو إنما ولد معه في بطن واحد بحسب تلك الرواية التي
اعتمدها أهل العلم؟!! فهو كذلك عاش في كنف والده أكثر من ثلاثين سنة! ولهذا أخرج
له مسلم في «صحيحه» عشرة أحاديث!
والحقيقة أن تلك الرواية التي جاء فيها أنهما ولدا في بطن واحد
منكرة لا تصح!! وعليه فتسقط هذه الشبهة التي يذكرها من يشتغل بالحديث في إلزام
البخاري بمخالفته شرطه! أو أنه يرى المعاصرة مثل الإمام مسلم كما ذهب بعض
المعاصرين!!
ثم ما المانع أن يكون البخاري نفى سماع عبدالله بن بريدة من أبيه
في تاريخه، ثم تغيّر رأيه بثبوت سماعه منه فأخرج له حديثا، وأثراً.
وكأن مسألة سماع عبدالله من أبيه شغلت أهل العلم ما بين مثبت وناف
بسبب قلة ما روى عن أبيه، والله أعلم.
·
زعم لخالد الدريس في أنّ البخاري
قوّى حديثاً لسليمان بن بُريدة عن أبيه! والرد عليه!
وزعم د. خالد الدريس في كتابه «موقف الإمامين البخاري ومسلم من
اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين» (ص: 142) أن البخاري قوّى
حديث سليمان بن بريدة عن أبيه في المواقيت لأنه حكم عليه بأنه "حسن"، مع
أنه قال في ترجمة سليمان بن بريدة: (ولم يذكر سليمان سماعًا من أبيه)!
ثم قال: "ومع ذلك فإن البخاري قال: (وحديث سفيان الثوري عن
علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه في المواقيت هو حديث حسن.
فالبخاري ينص على أن سليمان بن بريدة لم يذكر في شيء من أحاديثه عن
أبيه أنه قال: سمعت أبي، أو حدثني أبي، أو قال لي، ونحو ذلك من عبارات الاتصال وثبوت
اللقاء، ولكنه حكم على حديث يرويه سليمان بن بريدة عن أبيه بأنه حسن، فلماذا صنع
ذلك؟
يظهر من الحديث السابق أن البخاري يناقض نفسه، وقد يقول البعض: إن
هذا ما يؤيد رأي ابن كثير ومن تبعه بأن البخاري ثبوت اللقاء في أعلى الصحة وليس في
أصل الصحة، ولكن أقول: ظهر لي أن البخاري قوّى حديث سليمان عن أبيه، مع كلامه
الدال على أن سليمان بن بريدة لم يذكر سماعًا من أبيه لقرائن من أهمها:
1- إن السماع بين سليمان ووالده أقوى بكثير من عدم السماع لما يلي:
أ - أن بريدة بن الحُصَيْب - رضي الله عنه - هو والد سليمان.
ب - أن سليمان أدرك من حياة أبيه أكثر من أربعين سنة، فقد ولد سنة
15 للهجرة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومات سنة 105هـ وله من العمر
تسعون سنة.
وأما بريدة بن الحُصَيْب رضي الله عنه والد سليمان فقد مات سنة
63هـ، فيكون سليمان أدرك من حياة والده ثماني وأربعين سنة.
فالظن الغالب أن يكون سليمان قد سمع من أبيه لا سيما وقد أدرك من
حياته عمرًا طويلاً، ويبعد جدًا أن يكون الابن يمكث في الحياة أكثر من أربعين سنة
ولا يرى أباه ويجتمع به هذا بعيد الحدوث جدًا، ولو وقع ذلك أو حدث لبين علماء
الحديث ورواته هذا الأمر ولاشتهر لا سيما وأن أحاديث سليمان عن أبيه ليست قليلة
وهي مشهورة ومتداولة بكثرة بين رواة الحديث ونقاده" انتهى كلامه.
ثم ذكر الدكتور أن تقوية البخاري للحديث لأن له شواهد قوية!
وأعاد ذلك في موضع آخر من كتابه (ص414).
قلت:
أولاً: أخطأ الدكتور في تحميل كلام البخاري ما لم يحتمل! وإظهاره
بموقف التناقض!!
فقول البخاري "حديث حسن" يعني به أنه غريب، وهذا المصطلح
عند المتقدمين يعني التضعيف كما قال شعبة عن حديث عَبدالملك بن أبي سليمان العَرزمي:
"من حسنها فررت"، لما قال له أمية بن خالد: إنك تحدث عَن مُحَمد بنُ
عُبَيداللَّهِ العَرْزَمِيُّ وتدع عَبدالملك بن أبي سليمان العرزمي، وهو حسن
الحديث!!
والدكتور وكثير من المعاصرين يحملون "حسن" على المعنى
الاصطلاحي عند أهل المصطلح! وليس كذلك.
ثانياً: القرائن التي ذكرها لتقوية السماع لا تلزم البخاري! فهو لم
يثبت عنده أن سليمان سمع من أبيه وإن مكث في بيته هذا العدد الكبير من السنوات!!
فكيف إذا تبين لنا أن تقدير ولادة سليمان ليست بصحيحة! والرواية
التي اعتمدوا عليها في ذلك منكرة كما بينته سابقاً، وحينها فتلاشى قرائن الدكتور.
ثالثاً: قوله إن "أحاديث سليمان عن أبيه ليست قليلة وهي
مشهورة ومتداولة بكثرة بين رواة الحديث ونقاده" فيه نظر!! فأحاديثه قليلة
جداً! وما هو مشهور ومتداول يرويه عن علقمة بن مرثد كما بينت ويتفرد بها!
رابعاً: وأما زعمه بأن البخاري قوّى الحديث لوجود شواهد قوية تدل على
أن أصل الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم! فهذا ضربٌ من الخيال والأوهام!!
فالبخاري لم يقوه أصلاً! وشواهده واهية كما بينته سابقاً!
·
كلام الألباني حول رواية عبدالله
بن بريدة عن أبيه!
وعرض الألباني في بعض كتبه لرواية عبدالله وسليمان ابني بريدة عن
أبيهما، وصححها!
ذكر الألباني في «سلسلته الصحيحة» (6/978) (2914) حديث: «خمس لا
يعلمهن إلا الله: إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما
تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير».
ثم قال: "أخرجه أحمد (5/353) والبزار (3/65/2249) عن زيد بن
الحباب: حدثنا حسين بن واقد: حدثني عبدالله قال: سمعت أبي بريدة يقول: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، مسلسل بالتحديث
والسماع، ولذلك قال الحافظ ابن كثير في «التفسير» (3/453 - 454) بعد أن ذكره
بإسناد أحمد هذا: "صحيح إسناده، ولم يخرجوه". وعزاه السيوطي في «الدر
المنثور» (5/169) لابن مردويه أيضا والروياني والضياء، قال السيوطي: "بسند
صحيح".
وأما عزو الحافظ إياه في «الفتح» (8/514) لابن حبان والحاكم، فما
أظنه إلا وهما. وقال الهيثمي في «المجمع» (7/89): "رواه أحمد والبزار، ورجال
أحمد رجال الصحيح".
وللحديث شاهد صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه في قصة مجيء
جبريل عليه السلام وسؤاله عن الإيمان والإسلام والإحسان والساعة. رواه الشيخان،
وابن حبان (1/188/ 159) وغيرهم، وهو مخرج في «الإرواء» (1/32/3). وشاهد آخر من
حديث عبدالله بن عمر بلفظ: «مفاتيح الغيب خمس..» الحديث. أخرجه البخاري (1039)
وابن حبان (1/144/70 و 7/647/6101) وأحمد (2/24 و 52 و 58) من طريق عبدالله بن
دينار عنه. وتابعه سالم بن عبدالله عن عبدالله به. أخرجه أحمد (2/122). وسنده صحيح
على شرط الشيخين. وهذا الحديث عن ابن عمر، أورده الهيثمي في «موارد الظمآن إلى
زوائد ابن حبان» (434/1754 و 1755)، وليس من شرطه كما ترى.
(تنبيه): في إسناد حديث الترجمة الصحيح بشهادة أولئك الحفاظ:
الضياء المقدسي والسيوطي وكذا ابن كثير:
- رد صريح قوي على ذاك المتعالم الذي عاث في كتاب «رياض الصالحين»
للنووي فسادا، فغيّر فيه وبدَّل، وأخرج منه عشرات الأحاديث الصحيحة زاعما أنها ضعيفة جعلها
ذيلا لـ «رياضه» متشبثا بتعليلات هي أوهى من بيت العنكبوت، ومن ذلك أنه ضعف (ص
560) حديثين صحيحين من رواية أحمد أيضا عن عبدالله بن بريدة عن أبيه، بدعوى أنها
منقطعة وأن عبدالله لم يسمع من أبيه شيئا! ودعم ذلك - بزعمه - بقول أحمد: "لا
أدري أسمع من أبيه أم لا؟"، وبكلمة نقلها عن البخاري في «تاريخه» (3/1/51)
ليست صريحة في نفي السماع، ولذلك لم نر أحدا من الحفاظ المتأخرين، عرج على هذا
النفي كالذهبي في «السير» (5/50) وقال: "الحافظ الإمام.. حدث عن أبيه
فأكثر..". وفي «الكاشف» جزم بروايته عن أبيه وغيره، وقال: "ثقة".
وكذلك قال الحافظ في «التقريب». والحافظ العلائي لما أورده في كتابه «المراسيل» (252/338)
لم يزد على قوله: "عن عمر رضي الله عنه. قال أبو زرعة: مرسل".
لقد ثبت لديّ يقينا أن هذا الرجل من أهل الأهواء في تضعيفه
الأحاديث الصحيحة، خلافا للعلماء المتخصصين في هذا المجال، هذا إذا كان على علم
بأن ما تمسك به في نفي السماع لا ينهض في إثبات الانقطاع الذي ادعاه، وبموقف
الحفاظ المذكور منه، وبحقائق أخرى تؤيدهم، وإلا فهو جاهل متعالم! وإليك الآن ما
تيسر لدي من الحقائق:
الأولى: أن إمام المحدثين البخاري الذي نسب إليه المتعالم نفيه لسماع
عبدالله من أبيه قد أخرج له في «صحيحه» محتجا به، وقد وقفت له فيه على حديثين
أخرجهما في «المغازي»: الأول: (8/66/4350) من طريق علي بن سويد عن عبدالله بن بريدة
عن أبيه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى خالد ليقبض الخمس.. الحديث.
وأخرجه أحمد (5/350) من طريق أخرى عن عبدالله بن بريدة: حدثني أبي بريدة. فصرح
بسماعه من أبيه، وهذا منه كثير كما يأتي، وإسناد هذا حسن. والآخر: (8/153/4473) من
طريق كهمس عن ابن بريدة عن أبيه قال: غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة
غزوة.
وشاركه في هذا مسلم (5/200) من هذا الوجه. ثم رواه من طريق حسين بن
واقد عن عبدالله بن بريدة نحوه. ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي في «دلائل النبوة»
(5/459) مصرحا بتحديث ابن بريدة عن أبيه. إذا عرفت هذا فقول الحافظ في «مقدمة
الفتح» (413) أن عبدالله بن بريدة ليس له في البخاري من روايته عن أبيه سوى حديث
واحد، ووافقه مسلم على إخراجه! فهو سهو عن الحديث الأول، وقد عزوته آنفا إلى الجزء
والصفحة والرقم من شرحه - الطبعة السلفية.
الحقيقة الثانية: أن الإمام مسلما قد صحح جملة من أحاديث عبدالله
بن بريدة عن أبيه في مختلف أنواع أبواب الفقه، أخرجها في «صحيحه»، فمن شاء راجعها
مستعينا على ذلك بكتاب المزي: «تحفة الأشراف»، وهذه أرقامها: (1947 و 1963 و 1980 و1989
و 1999 و 2001).
والرقم الأول يشير إلى قصة ماعز ورجمه، وهو مخرج في «إرواء الغليل»
(7/356 - 357) وصححه الدارقطني أيضا. والرقم الثاني يشير إلى غزو بريدة معه صلى
الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة أخرجها بإسناد حديث الترجمة، وصرح عبدالله بسماعه من
أبيه في «الدلائل» كما تقدم. والرقم الثالث يشير إلى حديث المرأة التي تصدقت على
أمها بجارية، وهو مخرج في «الإرواء» (3/262) و «صحيح أبي داود» (1460) واستدركه
الحاكم كما يأتي، فوهم. والرقم الرابع في النهي عن زيارة القبور، ولحوم الأضاحي
وغيرها. وهو مخرج في «أحكام الجنائز» (ص 178 - 179)، و«الصحيحة» (2048 - المجلد
الخامس)، وصححه الترمذي وابن حبان. والرقم الخامس في قوله صلى الله عليه وسلم:
أوتي مزمارا من مزامير آل داود. وهو مخرج في «صحيح أبي داود» (1341)، وصححه ابن
حبان أيضا.
الثالثة: أن أحاديث مسلم التي أخرجها من طريق سليمان بن بريدة عن
أبيه أكثر وأطيب، وهذه أرقامها في «التحفة» تيسيرا لمن أراد استخراجها منه: (1928
و 1929 و 1930 و 1931 - 1937). والأول منها مخرج في «صحيح أبي داود» (164) وصححه
أيضا أبو عوانة والترمذي وابن حبان. والحديث الثاني مخرج في «الإرواء» (5/86/1247)
وصححه أيضا أبو عوانة وابن حبان وابن الجارود. والثالث مخرج في «أحكام الجنائز» (ص
189 - 190)، وصححه ابن حبان أيضا. والرابع في «صحيح أبي داود» (423)، وصححه أيضا
أبو عوانة وابن حبان والترمذي. والخامس في «أحكام الجنائز» (ص 178)، وصححه الترمذي
أيضا وابن حبان. والسادس: «حرمة نساء المجاهدين..»، مخرج في «صحيح أبي داود» (2255)
وصححه أيضا أبو عوانة وابن حبان. والسابع: في قصة ماعز المتقدمة، فقد رواها مسلم وغيره
من حديث سليمان بن بريدة أيضا. والثامن: «من لعب بالنردشير..»، وهو مخرج في «الإرواء»
(8/286 - 287)، وصححه ابن حبان أيضا والبغوي. والتاسع: «من دعا إلى الجمل الأحمر..»،
وصححه أيضا أبو عوانة وابن حبان وكذا ابن خزيمة (1301). والعاشر: حديث المرأة التي
تصدقت على أمها بجارية المتقدم في ترجمة عبدالله بن بريدة، فقد رواه بعضهم عن أخيه
سليمان. وتقدم تخريجه.
قلت: هذه الأحاديث الصحيحة كلها وغيرها كثير وكثير جدا، مما يعنيه الرجل
المتعالم بالإعلال الذي نقله عن الإمام البخاري وغيره بعدم سماع عبدالله بن بريدة
وأخيه سليمان من أبيهما! ولم يتنبه الرجل لجهله بهذا العلم، وبالغ غفلته بعواقب ما
ينقله عن بعض الأئمة من تضعيف لأحاديثهم التي صححها الأئمة أنفسهم، ووافقهم جماهير
العلماء والحفاظ الذين جاؤوا من بعدهم. ومن تلك الغفلة أنه أورد في «رياضه» أربعة
أحاديث رقم (434 و 436 و 1250 و 1296) من تلك الأحاديث الصحيحة المتقدمة من رواية
مسلم، مشيرا إلى أرقامها في «مسلم»، وذلك يعني - إن كان واعيا لما يشير -
أنها من رواية سليمان بن بريدة عن أبيه، والأولى من الأربعة في الإذن
بزيارة القبور، والثاني في السلام عليها، والثالث في حرمة نساء المجاهدين،
والرابع: «من دعا إلى الجمل الأحمر». وقد يقال: لعله أوردها مع تسليمه بضعف
إسنادها في قرارة نفسه، لشواهد لها عنده تقويها! فأقول: هذا أولا غير معروف
عنه، فكم من أحاديث صحيحة بمجموع طرقها أوردها في «ضعيفته» متباهيا!
وثانيا: لا يعرف لكثير من تلك الأحاديث ما يقويها، مثل حديث: «حرمة نساء
المجاهدين». وثالثا: كان عليه أن ينبه القراء على أنه لا تلازم بين إعلال
الحديث بالانقطاع - لو صح - وبين ضعفه، لما ذكرته، لكي لا يدعهم في حيرة من
أحاديث الابنين عن أبيهما بريدة رضي الله عنه، وليقطع بذلك دابر سوء ظنهم
به، ولو بكلمة قصيرة عندما ضعف الحديثين الصحيحين المشار إليهما فيما سبق
بعلة الانقطاع، وإذ لم يفعل فهو متهم بتضعيفه لكل الأحاديث الواردة من
طريقهما عن أبيهما حتى يعلن رأيه الصريح في كل الأحاديث التي صح السند بها
إليهما عن أبيهما. فإن كان الجواب: إنها صحيحة، فقد اهتدى وبطلت العلة
المذكورة، وهذا هو المراد، وإن ظل متشبثا بها، لزمه ما ألزمناه من تضعيفه
لعشرات الأحاديث الصحيحة، مخالفا بذلك (سبيل المؤمنين). ولتزداد يقينا -
أيها القارىء الكريم - ببالغ خطورة التشبث المذكور، ينبغي أن تعلم أن
إعلاله المذكور يشمل عشرات الأحاديث الأخرى المبثوثة في مختلف كتب السنن
والمسانيد والمعاجم والفوائد وغيرها مما يصعب إحصاؤه وحصره، ولذلك فإني
سأكتفي بذكر مواضع أحاديثهما عن أبيهما في كتابين فقط من تلك الكتب
التي التزم مؤلفوها الصحة، وهما «صحيح ابن حبان» و «مستدرك الحاكم».
أولا: أحاديث بريدة من رواية ابنيه عنه بأرقامها في «الإحسان
بترتيب صحيح ابن حبان» طبع دار الكتب العلمية، ذات السبعة مجلدات:
1- «ليلة أسري بي..» (1/1/12/ 47) وهو مخرج في «المشكاة» (5921/
التحقيق الثاني) وهو مما حسنه الترمذي، وصححه الحاكم والذهبي.
2- «أحساب أهل الدنيا..» (2/42/697 و 698) وهو مخرج في «الإرواء»
(6/271 - 272) وصححه الحاكم والذهبي، وصرح عبدالله بن بريدة بالسماع من
أبيه!
3- «لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى..» (2/125/ 888 و
889) وهو مخرج في «صفة الصلاة»، و «صحيح أبي داود» (1341)، وصححه الحاكم
والذهبي، وحسنه الترمذي.
4- حديث السؤال عن المواقيت (3/24/1490 و 35/1523) وهو مخرج في الحديث
الرابع المشار إليه (ص 983) من أحاديث مسلم المتقدمة.
5- «في الإنسان ستون وثلاثمائة مفصل..» (3/79/1640 و 3/106) وهو
مخرج في «الإرواء» (2/213) من رواية جمع منهم أحمد والطحاوي وصرحا فيه بسماع
عبدالله من أبيه بريدة وهي رواية ابن خزيمة في «صحيحه» (1226).
6- صلى الصلوات كلها بوضوء واحد (3/105/1703 و 1704 و 1705) رواه
مسلم أيضا، وصححه جمع، وهو الحديث الأول المشار إليه (ص 982).
7- كان لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم (4/206/2801) وهو مخرج في «المشكاة»
(1440) وصححه الحاكم أيضا وابن القطان والذهبي، وكذا ابن خزيمة (1426).
8- «المؤمن يموت بعرق جبينه» (5/6/ 3000)، وهو مخرج في «أحكام الجنائز»
(35) وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم والذهبي.
9- النهي عن زيارة القبور (5/67/ 3158/7/385/5376) وتقدم من رواية مسلم،
وهو الحديث الثالث.
10- السلام على أهل القبور (4/69/ 3163) وهو الخامس عند مسلم.
11- «من خبب زوجته..» (6 / 279 / 4348) وهو مخرج في «الصحيحة» (94 و325)،
وصححه جمع منهم المنذري.
12- حديث ضرب الجارية على الدف.. (6 / 286 - 287) وهو مخرج في «الصحيحة»
(2261)، وصححه الترمذي أيضا.
13- «حرمة نساء المجاهدين..» (7 / 72 / 4615) وصححه جمع تقدم ذكرهم
في حديث مسلم السادس.
14- «صاحب الدابة أحق..» (7 / 114 / 4715) وهو مخرج في «صحيح أبي
داود» (2318)، وحسنه الترمذي، وصححه أيضا الحاكم والذهبي، وصرح عبدالله بن بريدة
بسماعه من أبيه عند أحمد وغيره.
15- «اغزوا بسم الله..» (7 / 116 / 4719) وصححه جمع منهم مسلم،
ذكروا في حديثه الثاني.
16- «مالي أجد منك ريح الأصنام..» (7 / 411 / 5464) وهو مخرج في «المشكاة»
(4396) و «آداب الزفاف» (128) وسنده إلى عبدالله بن بريدة ضعيف.
17- كان لا يتطير من شيء.. (7 / 530 / 5797) وهو مخرج في «الصحيحة»
(762)، وصححه ابن القطان.
18- إقبال الحسن والحسين عليه وهو يخطب (7 / 612 و 613)، وهو مخرج في
«صحيح أبي داود» (1016)، وحسنه الترمذي، وصححه ابن خزيمة أيضا والحاكم والذهبي،
وصرح عبدالله بالسماع من أبيه عنده، أعني ابن حبان في روايته، وكذا أحمد.
19- تفله في رجل عمرو بن معاذ فبرأ (8 / 151 / 6475) وفيه تصريح
عبدالله بالسماع، ومضى تخريجه برقم (2904).
20- «من كنت وليه فعلي وليه» (9 / 42 / 6891) وهو مخرج في «الصحيحة»
(1750) و«الروض النضير» (171)، وقواه الحافظ في «الفتح» (8 / 67)، وصححه الحاكم
والذهبي، وصرح عنده عبدالله بلقائه لأبيه!
21- «إنها صغيرة..» - يعني فاطمة (9 / 51 / 6909) وصححه الحاكم
أيضا، ووافقه الذهبي.
22- في فضل بلال وعمر رضي الله عنهما (9 / 108 / 7044 و 7045) وهو
مخرج في «التعليق الرغيب» (1/ 99) وصححه أيضا الترمذي والحاكم والذهبي، وصرح عبدالله
بسماعه من أبيه عند أحمد (5 / 354).
23- «أهل الجنة عشرون ومائة صف..» (9 / 274 - 275) وهو مخرج في «المشكاة»
(5644) وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم (1 / 82).
ثانيا: أحاديث بريدة من رواية ابنيه عنه في «مستدرك الحاكم» مشيرا إلى أرقام صفحاتها فيه
ومجلداتها من الطبعة الهندية التي لم يصدر غيرها حتى الآن فيما علمت، وسأخرج ما
تيسر لي منها.
1- «أهل الجنة..» الحديث المذكور آنفا (1 / 82) وأقره الذهبي.
2- «كنا لا نرفع رؤوسنا إعظاما له» (1 / 120 - 121) وصححه وأقره
الذهبي.
3- إقبال الحسن والحسين.. المتقدم آنفا برقم (18) (1 / 287 / 4 /
189)، وأقره الذهبي.
4- الخروج يوم الفطر المتقدم برقم (7) (1 / 294) وصححه هو والذهبي.
5- «الوتر حق..» (1/ 305) وصححه، وتعقبه الذهبي بمن دون عبدالله، وهو
مخرج في «الإرواء» (417) وغيره.
6- لما أخذوا في غسله صلى الله عليه وسلم (1 / 354) وصححه ووافقه
الذهبي.
7- «المؤمن يموت بعرق الجبين» (1 / 361) وصححه هو والذهبي، وتقدم.
8- زيارته صلى الله عليه وسلم لقبر أمه (1 / 375 و2 / 605) وصححاه.
9- «إني استأذنت ربي في الاستغفار لأمي..» (1 / 376) وصححاه.
10- «كان يتعهد الأنصار ويعودهم..» (1 / 384) وصححاه، وهو مخرج في
«أحكام الجنائز» (164 - 165).
11- «من استعملناه على عمل..» (1 / 406) وصححاه، وهو مخرج في «غاية
المرام» (460).
12- حديث التوسل باسم الله الأعظم (1 / 504) وقد تقدم، وصححاه.
13- «اللهم أنت ربي..» (1 / 564 - 565) وصححاه، ورواه ابن حبان
أيضا (1032) وهو مما فاتنا ذكره في أحاديثه المتقدمة، وهو مخرج في «الصحيحة» (4 /
328).
14- «بسم الله، اللهم إني أسألك خير هذه السوق..» (1 / 539)، وضعفه
الذهبي بمن دون سليمان بن بريدة. وهو مخرج في «الكلم الطيب» (حديث رقم 231).
15- «يجيء يوم القيامة القرآن كالرجل..» (1/556) وصححه، وسكت عنه الذهبي،
وفي الطريق إلى عبدالله بن بريدة كلام، لكن له شاهد تقدم تخريجه برقم (2829).
16- «تعلموا سورة البقرة وآل عمران..» (1/560) وصححاه، وهو مخرج في
«التعليق الرغيب» (2/219).
17- «من قرأ القرآن وتعلمه..» (1/567 - 568) وصححاه، وهو مخرج في
«التعليق الرغيب» (2/210) وانظر الحديث المتقدم (2829).
18- مجيء سلمان إليه صلى الله عليه وسلم بصدقة ثم بهدية.. (2/16)
وصححاه، وهو مخرج في «مختصر الشمائل» (رقم 18) وصرح عبدالله بسماعه من أبيه عند
أحمد (5/354).
19- «من أنظر معسرا..» (2/29) وصححاه، وهو مخرج في «الصحيحة» (86)
و «الإرواء» (5/ 263 / 1438).
20- «صاحب الدابة أحق..» (2/64) وتقدم، وصححاه.
21- «من كنت وليه..» (2/129 - 130) وتقدم، وفيه أن عبدالله بن بريدة
كان يمشي مع أبيه، وصححاه.
22- «أحساب أهل الدنيا..» (2/163) وتقدم، وصححاه.
23- «.. إنها صغيرة..» (2/167 - 168) وتقدم، وصححاه.
24- «يا علي لا تتبع النظرة..» (2/194) وصححاه وفيه نظر، وهو مخرج
في «الجلباب» (ص 77 / الطبعة الجديدة).
25- «لما انتهينا إلى بيت المقدس..» (رقم 1) (2/360) وتقدم، وصححاه.
26- قول عمر: «لا تباع أم حر»، وفيه قصة (2/458) وصححاه.
27- بعثه صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في غزوة السلاسل (3/42
- 43) وصححاه.
28- في إسلام أبي ذر وابن عمر.. (3/112) وصححاه.
29- في فضل بلال وعمر.. (3/285) وتقدم (22) وصححاه.
30- «القضاة ثلاثة..» (4/90) وهو مخرج في «الإرواء» (8/235/2614)
وصححاه، وفيه نظر بينته هناك.
31- «ادع تلك الشجرة..» (4/172). صححه الحاكم، ووهاه الذهبي بمن
دون عبدالله بن بريدة. لكن القصة لها شواهد.
32- «كنا في الجاهلية إذا ولد لنا غلام..» (4/238) وصححاه. وهو
مخرج في «الإرواء» (4/388 - 389) وصرح عبدالله بن بريدة بسماعه من أبيه عند البيهقي.
33- «نهى عن مجلسين وملبسين..» (4 / 272) وسكت عنه، وقواه الذهبي
كما تقدم بيانه برقم (2905).
34- «ليس منا من حلف بالأمانة..» (4 / 298) وصححاه، وهو مخرج في «الصحيحة»
(94) وصححه ابن حبان أيضا، وهو في الحديث المتقدم برقم (11)، وهو أحد الحديثين
اللذين جنى عليهما المردود عليه، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في أول هذا البحث.
35- «من قال: أنا بريء من الإسلام..» (4/298 أيضا) وصححه هو
والذهبي، وهو مخرج في «الإرواء» (2576) وهو الحديث الآخر من الحديثين اللذين ضعفهما
المومئ إليه، ولم يعزه في «ضعيفته» (560/120) لأحمد لأنه صرح في روايته بسماع عبدالله
بن بريدة من أبيه!
36- «إذا قال الرجل للمنافق..» (4/311) وصححه الحاكم، وضعفه الذهبي
بمن دون عبدالله، ولكنه متابع، وهو مخرج في «الصحيحة» (371 و 1389).
37- حديث المرأة التي تصدقت على أمها بجارية (4/347) وقال: "
صحيح الإسناد ولم يخرجاه "! وقد وهم في استدراكه إياه على مسلم كما تقدم
التنبيه عليه (ص 982).
38- قصة ماعز والغامدية (4/363) وسكت عنه هو والذهبي، وهو المتقدم عند
مسلم (ص 982).
39- «إن لله ريحا يبعثها على رأس مائة سنة..» (4/457) وصححاه وفيه ضعف
ومخالفة ممن دون عبدالله بن بريدة. وقد بينت ذلك في «الضعيفة» (2576).
40- «يجيء قوم صغار العيون..» الحديث (4/474) وصححاه، ودون عبدالله
ممن تكلم فيه.
هذا ما تيسر لي ذكره من أحاديث عبدالله وسليمان ابني بريدة بن الحُصَيْب
رضي الله عنه من صحيح البخاري ومسلم وابن حبان والحاكم، ولا بدّ أنه قد ذهب عني
بعض أحاديث الأخيرين، ولكن فيما ذكر كفاية للدلالة على ما قصدت إليه من بيان جهل
هذا الرجل أو تجاهله، لاتفاق العلماء على تصحيح أحاديث الابنين الكريمين، فصدق فيه
قول ربنا تبارك وتعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل
المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}، لأنه إن كان جاهلا فقد خالف نصوصا
كثيرة تأمره وأمثاله بسؤال العلماء، وإن كان جاهلا فقد خالف نصوصا كثيرة تأمره
وأمثاله بسؤال العلماء، وإن كان متجاهلا فالأمر أوضح من أن يحتاج إلى بيان بعد هذه
العشرات من الأحاديث التي صححها الشيخان وغيرهما، وفي بعضها تصريح عبدالله بسماعه
من أبيه وبلقائه إياه كما تقدم، مع تصحيح أولئك الأئمة لأحاديثهما، وما أحسن ما
قيل: وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل" انتهى كلامه.
قلت:
في هذا الكلام الطويل للألباني تصحيحه لسماع عبدالله وسليمان ابني
بريدة من أبيهما واحتج بتخريج البخاري لحديث عبدالله بن أبيه، وردّ على "حسان
عبدالمنان" في تضعيفه لأحاديث عبدالله بن بريدة عن أبيه أثناء تعليقه على
كتاب النووي «رياض الصالحين» بعدم ثبوت سماع عبدالله من أبيه! وأن أهل العلم قد
صححوا روايته عن أبيه!
فسّفهه وأنه جاهل وأنه تعدى على كتب أهل العلم! وساق الأحاديث
العشرة التي أخرجها مسلم لسليمان عن أبيه في «صحيحه»، ثم ساق ما أودعه ابن حبان
والحاكم في «صحيحيهما» من أحاديث لابني بريدة عن أبيهما بلغت (63) حديثاً من ضمنها
بعض ما أخرجه مسلم في «صحيحه».
والرد على الألباني في نقاط:
1- الحديث
الأول الذي ذكره في «سلسلته الصحيحة» (2914): «خمس لا يعلمهن إلا الله: إن الله
عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما
تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير». وقال بأنه جيد الإسناد ورجاله ثقات! هو
من رواية حسين بن واقد عن عبدالله بن بريدة!
ورواية حسين بن واقد عن عبدالله بن واقد لا تعتمد كما يرى أحمد
نفسه! فإنه أشار إلى أن ما يرويه عن عبدالله بن بريدة مناكير - كما سبق بيانه -
وضعّف حديثه، فلا يعتمد ما جاء فيها من ذكر السماع! وعليه فقول الألباني: "مسلسل
بالتحديث والسماع" فيه نظر!!
وقد يعترض معترض على ذلك بتصحيح ابن معين لأحاديثه عن ابن بريدة!
قال ابن الجُنيد في «سؤالاته لابن معين» (ص: 383): قلت ليحيى بن
معين: "الأحاديث التي رواها الحسين بن واقد، عن ابن بريدة، عن أبيه، هي صحاح؟
قال: "ليس به بأس ثقة"، يعني: الحسين بن واقد".
قلت: فابن معين قال عنه أنه لا بأس به ثقة، ولم يقول: "نعم،
هي صحاح"! فلو كانت صحاحا، لكان جوابه: "نعم"! لكنه اكتفى بتمشية
حاله، فهو لا بأس به في الرواية، وقوله "ثقة" = يعني في نفسه أي غير
متهم.
ونقل ابن أبي خيثمة عن ابن معين أنه قال: "الحسين بن واقد
ثقة". فالظاهر أنه وثقه ثم نزل من مرتبته إلى تمشية حاله بأنه لا بأس به.
وكذا قال أبو زرعة فيه: "لا بأس به".
وقال أبو بكر الأثرم: قلت لأبي عبدالله، ما تقول في الحسين بن
واقد؟ فقال: "لا بأس به"، وأثنى عليه خيرا.
وقال المروذي: وَذكر - أي أحمد - حُسَيْن بن وَاقد، فقالَ: "لَيْسَ
بِذَاكَ".
وفي رواية قال: ذَكَرَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ حُسَيْنَ بْنَ وَاقِدٍ
فَقَالَ: "وأَحَادِيثُ حُسَيْنٍ مَا أَرَى أَيَّ شَيْءٍ هِيَ! - وَنَفَضَ
يَدَهُ".
وقال المَيْمُونِيّ: قَالَ أَبُو عبدالله: "حُسَيْن بن وَاقد
لَهُ أَشْيَاء مَنَاكِير".
وقال أَحْمَدُ بنُ أَصْرَمَ بْنِ خُزَيْمَةَ المُزَنِيُّ قَالَ:
سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَقِيلَ لَهُ: فِي حَدِيثِ أَيُّوبَ بْنِ
نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي
الْمُلَبَّقَةِ، فَأَنْكَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ: مَنْ رَوَى هَذَا؟
قِيلَ لَهُ: الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، فَقَالَ بِيَدِهِ وَحَرَّكَ رَأْسَهُ
كَأَنَّهُ لَمْ يَرْضَهُ.
وقال عبدالله بن المبارك: "حسين بن واقد ليس بحافظ، ولا يترك
حديثه". وكان ابن المبارك جالسه وسمع منه وأثنى على عقيدته وخلقه.
وقال ابن سعد: "روى عن عبدالله بن بريدة. وكان حسن الحديث".
وقال الساجي: "فيه نظر، وهو صدوق يهم. قال أحمد بن حنبل: أحاديثه
ما أدرى أيش هي؟!".
ولما ذكره ابن خلفون في جملة «الثقات» قال: "قال أبو الفتح
الأزدي: حسين ابن واقد أبو علي، فيه نظر، وهو صدوق".
وذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال: "وَرُبمَا أَخطَأ فِي
الرِّوَايَات".
قلت: قد سمع من عبدالله بن بريدة، وهو صدوق، لكنه لم يكن بالحافظ،
فكان يهم حتى كثر في حديثه المناكير، وكأنه بسبب توليه القضاء لم يعتن بحديثه،
فكثرت الأوهام عنده!! فلا يٌحتج بما انفرد به من أحاديث مسندة، ويُقبل منه ما رواه
من أمور وقصص ومشاهدات عن عبدالله بن بريدة ما لم يكن في ذلك شيء منكر!!
والذي أراه أن حسين بن واقد وهم في إسناد هذا الحديث!
فالحديث جزء من حديث جبريل الطويل في سؤاله النبي صلى الله عليه
وسلم عن الإيمان، والإسلام، والإحسان، وقد رُوي عن عبدالله بن بريدة، عن يحيى بن
يعمر، عن ابن عمر.
رواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (1/24) (21) قَالَ: حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ مَطَرٍ الوَرَّاقِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ
بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ كَانَ
عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ
عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَبْيَضَانِ مُقَوَّمٌ حَسَنُ النَّحْوِ والنَّاحِيَةِ
فَقَالَ: أَدْنُو مِنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «ادْنُ» ثُمَّ قَالَ:
أَدْنُو مِنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «ادْنُ» فَلَمْ يَزَلْ يَدْنُو
حَتَّى كَانَتْ رُكْبَتُهُ عِنْدَ رُكْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: أَسْأَلُكَ؟ قَالَ: «سَلْ» قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ
الْإِسْلَامِ قَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ
اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَحَجُّ الْبَيْتِ وَصَوْمُ
رَمَضَانَ» قَالَ: فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَنَا مُسْلِمٌ؟ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» قَالَ لَهُ الرَّجُلُ:
صَدَقْتَ، فَجَعَلْنَا نَعْجَبُ مِنْ قَوْلِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقْتَ كَأَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ قَالَ: «الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ
بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ
وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»، قَالَ:
فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَنَا مُؤْمِنٌ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» قَالَ: صَدَقْتَ، فَجَعَلْنَا نَعْجَبُ مِنْ
قَوْلِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقْتَ ثُمَّ
قَالَ: أَخْبِرْنِي مَا الْإِحْسَانُ قَالَ: «أَنْ تَخْشَى اللَّهَ كَأَنَّكَ
تَرَاهُ فَإِنْ كُنْتَ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» قَالَ: صَدَقْتَ ثُمَّ
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ هُنَّ خَمْسٌ
لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمٌ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ
الغَيْثَ} [لقمان: 34] الْآيَةَ»، فَقَالَ الرَّجُلُ: صَدَقْتَ.
فالظاهر أن الحسين بن واقد سلك فيه الجادة! فرواه عن عبدالله بن
بريدة عن أبيه! والظاهر أن معظم حديثه عن ابن بريدة عن أبيه من هذه البابة! والله
أعلم.
·
تنبيه على خطأ في بعض الكتب
المطبوعة! وكأنه من مغلطاي!
جاء في ترجمة «الحسين بن واقد» من «التراجم الساقطة من كتاب إكمال
تهذيب الكمال لمغلطاي» (ص: 178): "وقال الإمام أبو عبدالله أحمد: أحاديث حسين
بن واقد ما أدري ما هي، وأبو حمزة السكري أحبّ إلي منه، وأنكر حديثه عن أبي
المنيب عن ابن بريدة عن أبيه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أعطى السدس للجدة. وقال عبدالله بن أحمد: قال أبي: ما أنكر حديث حسين بن
واقد عن أبي المنيب عن ابن بريدة".
ووقع في المطبوع من «تهذيب التهذيب» لابن حجر (2/374): "وقال
عبدالله بن أحمد عن أبيه: ما أنكر حديث حسين بن واقد عن أبي المنيب".
قلت: ما جاء عند مغلطاي: "وأنكر حديثه.." أي أنكر أحمد
حديث "حسين بن واقد" عن أبي المنيب عن ابن بريدة! وأتبعه بقوله:
"ما أنكر حديث حسين بن واقد عن أبي المنيب عن ابن بريدة"!!
وهذا خطأ!! والظاهر أن هذا الخطأ من مغلطاي نفسه! لأنه أورد هذا في
ترجمة «عبدالله بن بريدة»! وكذا جاء في كتاب ابن حجر، وعادة ما زاده ابن حجر على
المزي إنما هو من كتاب مغلطاي!
فالحديث الذي أنكره أحمد عن أبي المنيب عن ابن بريدة في الميراث لا
يرويه حسين بن واقد عنه!! فوهم مغلطاي إذ أورده في ترجمته!! فلا علاقة لهذا الحديث
بحسين بن واقد!
وقد وهم أيضاً في نقله عن أحمد: "ما أنكر حديث حسين بن واقد
عن أبي المنيب عن ابن بريدة"!! والصواب بواو الجمع لا "عن"!! كما
جاء في «علل أحمد» (1/301) قال عبدالله: قَالَ أبي: "مَا أنكر حَدِيث حُسَيْن
بن وَاقد وَأبي الْمُنِيب عَن بن بُرَيْدَة".
وقال في موضع آخر (2/22): قَالَ أبي: "عبدالله بن بُرَيْدَة
الَّذِي روى عَنهُ حُسَيْن بن وَاقد مَا أنكرها، وأَبُو المُنِيب
أَيْضا يَقُولُونَ كَأَنَّهَا من قبل هَؤُلَاءِ".
2- يعتمد الألباني على تصحيح المتأخرين كثيراً في كتبه! فهنا اعتمد
على تصحيح ابن كثير للإسناد! وكذا الهيثمي والسيوطي!! وغالب المتأخرين لا ينظرون
إلى العلل ودقائقها، ويمشون على ظواهر الأسانيد والأقوال المجملة في الرواة على
تفاوت فيما بينهم! فابن كثير أعلم من الهيثمي والسيوطي في الحديث عموماً.
3- الشواهد التي ذكرها الألباني لحديث حسين بن واقد عن ابن بريدة عن
أبيه، ومنها حديث ابن عمر لا يجعل حديثه صحيحاً!! إذ تبين لنا أن حسين بن واقد وهم
في إسناده، وهو أصلا من حديث ابن بريدة عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر، فرجع الحديث
لابن عمر.
4- رد الألباني على حسان عبدالمنان في تضعيفه لأحاديث عبدالله بن
بريدة عن أبيه بعدم السماع وغلظته في ذلك! مردود!!
فالأمر لا يعدو مسألة اجتهادية لا تحتاج إلى كل هذه الغلظة
والاتهام!!!
فحسان - وإن كنت لا أحب منهجه في الحديث عموماً - إلا أنه اعتمد
على غيره في ذلك، وهو ما نقله الألباني عنه من قول أحمد، وطريقة البخاري في
الترجمة له!
وإذ تبين لنا أن هذا الحديث ليس بصحيح أصلا، فتسقط شهادة من صححه
ممن أشار إليهم الألباني كالضياء المقدسي وابن كثير والسيوطي!!
5- قول أحمد الذي نقله حسان عبدالمنان وضعف به بعض الأحاديث
بالانقطاع قد تكلمت عليه سابقاً، وبينت أن أحمد يميل إلى عدم ثبوت سماع عبدالله بن
بريدة من أبيه، وكذا غيره، فمن ضعّف حديثه بالانقطاع فلا حرج عليه!
6- قول الألباني أن الكلمة التي ذكرها البخاري في «تاريخه» ليست
صريحة في نفي السماع فيه نظر!
فقد ثبت من خلال السبر أن البخاري لا يحيد عن ذكر السماع إلى ذكر
العنعنة إلا إذا كان ينفي ذلك السماع وإلا لذكره! فقوله: "عن أبيه" ثم
قوله: "سمع فلانا وفلانا.." يعني أنه لا يثبت سماعه من أبيه، إذ لو ثبت
عنده لقال: "سمع أباه وفلانا وفلانا..."، وقد وضحت ذلك فيما مضى.
7- كوننا لم نجد أحداً من الحفاظ المتأخرين عرج على نفي البخاري هذا
الذي قال فيه "عن أبيه" كالذهبي وغيره لا يعني نفي صحة ذلك عن البخاري!
وأقصى ما يُقال إنهم خالفوا البخاري في إثبات السماع، فلم يعرجوا عليه!
ثم الجزم بقولهم في ترجمته إنه حدّث عن أبيه، أو روى عن أبيه لا
يعني ثبوت السماع، فقد رُويت أحاديث عنه عن أبيه، وهو فعلاً قد حدّث عن أبيه، لكن
النزاع في أنه هل سمع منه هذه الأحاديث أم لا؟!!
وأما مسألة توثيقه فليس هذا هو محل النزاع، وهو ثقة باتفاق، فإيراد
ذلك هنا عبثي!
8- احتجاج الألباني بتخريج البخاري لحديثين لعبدالله بن بريدة عن
أبيه هو سبب كتابة هذا البحث، وقد بينت أن هذا لا يخالف الأصل الذي ذهب إليه
البخاري في نفي السماع عموماً، وأنه سمع منه حديثاً واحداً فأخرجه له، وأما الآخر
فلا علاقة له بالسماع وغيره كما بينته فيما سبق، وهذه وجهة نظر البخاري، ونحن
نخالفه في إثبات سماعه من أبيه لأكثر من هذا.
9- استشهد الألباني برواية حسين بن واقد عن عبدالله بن بريدة في عدد
الغزوات التي غزاها النبي صلى الله عليه وسلم! مع أنه وهم فيها! كما بينت ذلك
سابقاً.
ورواية حسين بن واقد، عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه: «أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة، قاتل في ثمان».
فخالف الحسين بن واقد الثقات من البصريين في رواية هذا الحديث عن
عبدالله بن بريدة، فجعل الإخبار من بريدة نفسه أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا
تسع عشرة غزوة! والرواة البصريون جعلوا الإخبار من عبدالله بن بريدة أن أباه غزا
مع النبي صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة! فأخطأ الحسين في موضعين: إسناده للحديث
عن بريدة! ومخالفته في عدد الغزوات!! وهذا يؤكد أوهام حسين بن واقد في حديث عن
عبدالله بن بريده والمناكير التي يرويها عنه!
والتصريح بالسماع الذي ذكره الألباني عند البيهقي في «دلائل النبوة»
إن صح عن الحسين بن واقد فقد علمت أنه لا يعتمد عليه في ذلك لأوهامه في حديثه عن
عبدالله بن بريدة!
على أن أكثر الرواة عنه: زيد بن الحباب، وأبو تميلة، وعَلِيُّ بن
الحُسَيْنِ بنِ شَقِيقٍ، رووه عنه دون ذكر تصريح عبدالله بسماعه ذلك من أبيه.
وفي رواية عَبْدالرَّحِيمِ بن مُنِيبٍ، عن الفَضْل بن مُوسَى، عن
الحُسَيْن بن واقد، عن ابن بُرَيْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي: «أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا سَبْعَ عَشْرَةَ
غَزْوَةً، وَقَاتَلَ فِي ثَمَانٍ، وَبَعَثَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَرِيَّةً،
قَاتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَيَوْمَ أُحُدٍ، وَيَوْمَ الْأَحْزَابِ،
وَالْمُرَيْسِيعِ، وَقُدَيْدٍ، وَخَيْبَرَ، وَمَكَّةَ، وَحُنَيْنٍ».
كذا جاء هنا: "سبع عشرة"! وهو تصحيف، والصواب: "تسع
عشرة".
ولو صح سماع عبدالله هذا من أبيه فلا يُعكر على رأي البخاري في نفي
السماع الذي أورده في تاريخه، فهو على الأصل، وخرّج هذا الحديث والآخر لما تبين أن
عبدالله سمعهما من أبيه.
10- نسبة السهو لابن حجر بأن البخاري أخرج لعبدالله بن بريدة حديثاً
واحدا، والاستدراك عليه بتخريجه هذا الحديث أيضاً! فيه نظر! فحقيقة البخاري خرج له
حديثا مسندا واحدا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما حديثه في عدد الغزوات
التي شارك فيها والده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل في الأحاديث
المسندة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هو عن مشاركة بريدة في الغزوات.
11- احتجاج الألباني بتصحيح مسلم جملة من أحاديث عبدالله بن بريدة عن
أبيه بتخريجها في كتابه لا يدلّ على سماع عبدالله لها من أبيه! فمسلم على أصله في
المعاصرة المتحققة بلا منازع، لكن المسألة في عدد الأحاديث التي سمعها عبدالله من
أبيه! فلو ثبت عند البخاري غير ذلك الحديث لأخرج له.
ثم إن الأحاديث التي خرجها مسلم لعبدالله عن أبيه فيها علل، وبعضها
إنما هو من رواية سليمان عن أبيه لا عن عبدالله كما فصلته فيما مضى.
12- وكذا احتجاج الألباني بالأحاديث التي أخرجها مسلم لسليمان بن
بريدة عن أبيه! فهذا يُنازع فيه لأن البخاري نفى السماع، ولم يُخرّج له شيئا عن
أبيه في صحيحه.
وقد تكلمت عليها بإسهاب فيما سبق.
13- ما ذكره الألباني من افتراضات حول ما يراه حسان عبدالمنان حول هذه
الروايات لا داعي له! فالأمر واضح أنه يُضعّف هذه الروايات بالانقطاع بين عبدالله
بن بريدة وأبيه!
وإلزامه برأيه هذا "أنه يلزمه تضعيفه لعشرات الأحاديث
الصحيحة، مخالفا بذلك (سبيل المؤمنين)" وأن ذلك "بالغ الخطورة"،
"وأن إعلاله المذكور يشمل عشرات الأحاديث الأخرى المبثوثة في
مختلف كتب السنن والمسانيد والمعاجم والفوائد وغيرها مما يصعب إحصاؤه وحصره"!
هذا الكلام فيه إرهاب فكري وتهويل!!!
فمن رأى أن عبدالله وسليمان ابنا بريدة لم يسمعا من أبيهما، فلا
ضير عليه في تعليله لما رُوي من حديثهما بالانقطاع!
وأما أن يسمى ذلك أنه مخالفة لسبيل المؤمنين فهذا لا يليق هنا في
هذا المقام!! فالمسألة اجتهادية تخضع للأدلة والقرائن، وهذا الاختلاف كثير بين أهل
العلم.
14- ذكره مواضع أحاديثهما عن أبيهما في كتابين من الكتب
التي التزم مؤلفوها الصحة: «صحيح ابن حبان» و«مستدرك الحاكم» يعني تصحيحه لها! وفي
ذلك نظر لما عُرف من منهج ابن حبان والحاكم من التساهل في تصحيح الأحاديث في
كتابيهما!! وكذا إلزام الشيخين بأحاديث بالنسق نفسه في تراجم أخرى! وسأناقش كل هذه
الأحاديث التي ذكرها إن شاء الله تعالى بنفس ترقيمه باستثناء ما مر الكلام عليه
سابقاً أو الأحاديث التي أشار إلى أن الذهبي ضعفها.
أولا: أحاديث عبدالله وسليمان ابني بريدة عن أبيهما في «صحيح ابن
حبان»:
1- «ليلة أسري بي..» (1/1/12/47) وهو مخرج في «المشكاة»
(5921/التحقيق الثاني) وهو مما حسنه الترمذي، وصححه الحاكم والذهبي.
وقد ذكره الألباني أيضاً في «سلسلته الصحيحة» (7/1425) (3487): «لما
انتهيْنا إلى بيْتِ المقْدِس؛ قال جبريلُ بإصبعهِ فخرجَ به الحَجَر، وشدّ به
البُراق».
قال: "أخرجه الترمذي (3132)، وابن حبان (34- موارد)، والحاكم
(2/360) من طريق أبي تُمَيْلة عن الزبير بن جنادة عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:... فذكره.
وقال الحاكم: "صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وأبو تميلة،
والزبير؛ مروزيان ثقتان". ووافقه الذهبي.
وأما الترمذي؛ فقال: "حسن غريب". ولم ترد كلمة: "حسن"
في بعض النسخ منه، ولا ذكرها المزي في «التحفة»".
ونبّه الألباني إلى أنه "ضعّف الحديث في بعض التعليقات
القديمة، ولما قسمت السنن الأربعة إلى قسمين «الصحيح» و«الضعيف»، ومنها «سنن
الترمذي»؛ اقتضاني إعادة النظر في بعض أحاديثه ومنها هذا، فثبتت لي صحته".
وكان ضعّفه أيضاً في «الإسراء والمعراج وذكر أحاديثهما وتخريجها
وبيان صحيحها» (ص: 58) فقال: "قلت: وقال الترمذي: "حديث غريب" أي:
ضعيف ولعل ذلك من أجل الزبير بن جنادة فإنه لم يوثقه أحد غير ابن حبان وتساهله في
التوثيق معروف وقال أبو حاتم: شيخ ليس بالمشهور. وكأنه لذلك قال الحافظ في
"التقريب": "مقبول". وأما الذهبي فإنه قال في
"الميزان": "ذكره ابن حبان في الثقات وأخطأ من قال: فيه جهالة ولولا
أن ابن الجوزي ذكره لما ذكرته". وكأنه لذلك وافق الحاكم على قوله عقب الحديث:
"صحيح الإسناد وأبو تميلة والزبير مروزيان ثقتان"!.
ولم تطمئن النفس لصحة هذا الحديث لعدم شهرة الزبير هذا ولأنه خلاف
ما تقدم في حديث ثابت عن أنس الصحيح بلفظ: "فربطه بالحلقة التي يربط بها
الأنبياء". وله بعض الشواهد كما سيأتي إن شاء الله تعالى" انتهى كلامه.
قلت:
المعتمد في قول الترمذي هو: "غريب" حسب ما نقله المزي في
«التحفة»؛ لأنه هو من استوعب نسخ كتاب الترمذي.
ونقل ابن كثير عن الترمذي في «جامع المسانيد والسنن» (1/500):
"غريبٌ لا نعرِفهُ إلا من هذا الطريق".
وهذا الحديث لم يروه عن ابن بريدة إلا الزبير بن جنادة الهًجَري!
تفرد به عنه: أبو تميلة يحيى بن واضح!
قال البزار في «مسنده» (10/287) بعد أن خرّجه: "ولا نَعْلَمُ
رَوَاهُ عَنِ الزُّبَيْرِ بنِ جُنَادَةَ إلاَّ أَبُو تُمَيْلَةَ، ولاَ نَعْلَمُ
هَذَا الْحَدِيثَ يُرْوَى إلاَّ عن بريدة".
وقال ابن شاهين في «الخامس من الأفراد» (ص: 228): "وهَذَا
حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا أَعْلَمُ رَوَاهُ إِلا أَبُو تُمَيْلَةَ عَنِ الزُّبَيْرِ بنِ
جُنَادَةَ، وهُوَ عَزِيزُ الحَدِيثِ، وهُوَ الزُّبَيْرُ بنُ جُنَادَةَ الهَجَرِيُّ
مِنْ أَهْلِ مَرْوَ، رَوَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ
وَابْنِ بُرَيْدَةَ. وَحَدَّثَ عَنْهُ أَبُو تُمَيْلَةَ وَزَيْدُ بْنُ الحُبَابِ"..
وقال الخليلي في «الإرشاد في معرفة علماء الحديث» (3/899): "لَمْ
يَرْوِهِ غَيْرُ أَبِي تُمَيْلَةَ عَنْهُ" - أي عن الزبير بن جنادة.
وأبو تُميلة صدوق لا بأس به، لكنه يروي عن كلّ أحد!
قال الأثرم في «سؤالاته لأحمد» (ص: 33): سمعت أبا عبدالله يُسأل عن
أبي تميلة: يحيى بن واضح، كيف هو، ثقة؟ فقال: ليس به بأس؟ ثم قال: أرجو إن شاء
الله أن لا يكون به بأس. ثم قال: كتبنا عنه على باب هُشيم، ثم بقي بعد ذلك زمانا،
وكان يختلف يكتب الحديث، قيل له: كان يكتب عن كل ضرب؟ فقال: نعم، كان يكتب عن
كِلٍّ. قيل له: خراساني هو؟ فقال: نعم، من أهل مرو، جارنا.
وقَال إِبْرَاهِيم بن عَبداللَّهِ بن الجنيد، وأبُو بُكر بن أَبي
خيثمة، وابن مُحرز، عَنْ يحيى بن مَعِين: "أبو تميلة يحيى بن واضح: ثقة".
وقَال عثمان بن سَعِيد الدارمي، عَن يحيى بن مَعِين: "ليس به
بأس".
وقَال أبو داود، عَن يحيى بن مَعِين: "قد رأيته ما كان يُحسن
شيئا".
قلت: يبدو أن اجتهاد ابن معين تغير فيه بعد أن رآه، فكان وثقه
أولا، ثم نزل به درجة وسطى، ثم ضعّفه!
وقال الخليلي: "صَدُوقٌ مَشْهُورٌ".
وقال ابن شاهين: قالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ المَرْوَزِيُّ: "أَبُو
تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ كَانَ ثَبْتًا فِي الحَدِيثِ وَقَدْ رَحَلَ
وَجَالَسَ النَّاسَ، وَرَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ بَعْضَ المَغَازِي".
وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: "هو ثقة في الحديث، أدخله
البخاري في كتاب الضعفاء، فسمعت أبي يقول يُحوّل من هناك".
فتعقّبه الذهبي في «السيّر» (9/211) فقال: "وَوَهِمَ أَبُو
حَاتِمٍ حَيْثُ حَكَى أَنَّ البُخَارِيَّ تَكَلَّمَ فِي أَبِي تُمَيْلَةَ. ومَشَى
عَلَى ذَلِكَ أَبُو الفَرَجِ ابنُ الجَوْزِيِّ. ولَمْ أَرَ ذِكْراً لأَبِي
تُمَيْلَةَ فِي كِتَابِ (الضُّعَفَاءِ) لِلْبُخَارِيِّ، لاَ فِي الكَبِيْرِ وَلاَ
الصَّغِيْرِ. ثُمَّ إِنَّ البُخَارِيَّ قَدِ احْتَجَّ بِأَبِي تُمَيْلَةَ، وَقَدْ
كَانَ مُحَدِّثَ مَرْوَ مَعَ الفَضْلِ بنِ مُوْسَى السِّيْنَانِيِّ".
وقال في «تاريخ الإسلام» (4/1264): "وقال ابن الجوزيّ في
«الضُّعفاء» لَهُ: قد أدخله البخاري في كتاب الضعفاء. قلت: لا، ما هُوَ في
الضعفاء، فعندي كتابا البُخَارِيّ في الضعفاء، وما هُوَ فيهما. وأيضًا فقد احتجّ
بِهِ البُخَارِيّ في صحيحه. وقيل: كان أديبا شاعرا أيضًا، نعمْ، وكذا وهم أبو حاتم
حيث حكى أنّ البُخَارِيّ تكلّم في أَبِي تُمَيلة".
قلت: أخرج له البُخَارِيّ حديثاً واحداً في العِيدَيْنِ عَن فليح
بن سلمَان، عَن سعيد بن الحَارِث، عَن جَابر: «كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِذا كَانَ يَوْم عيد يُخَالف الطَّرِيق»، وقالَ بإثره: "وتَابعه
يُونُس بن مُحَمَّد عَن فليح عَن أبي هُرَيْرَة، وحَدِيث جَابر أصح".
والحديث فيه اختلاف في نسخ البخاري، وفي إسناده، بيّنه بوضوح
الحافظ ابن رجب في «فتح الباري» (9/69 - 70)، فانظره.
وأما الزبير بن جُنَادَة وهو أَبُو عبدالله الهَجَري المعلم
الكوفي، سكن مرو: ليس بالمشهور!
قال ابن الجنيد في «سؤالاته لابن معين» (ص: 279): سألت يحيى بن
معين عن الزبير بن جنادة؟ فقال: "شيخ خراساني ثقة، يحدث عنه أبو تميلة وأبو
الحسين العكلي".
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: "شيخ ليس بالمشهور".
وذكره ابن حبان في «الثقات» (6/333).
وقال الذهبي في «الميزان» (2/66): "ذكره ابن حبان في الثقات،
وأخطأ من قال: فيه جهالة".
قلت: هو نفسه قال إن فيه جهالة في «ديوان الضعفاء» (ص: 142).
وقال ابن حجر في «التقريب»: "مقبول".
فتعقبه صاحبا «التحرير» (1/411)، فقالا: "بل: صدوقٌ، وثَّقه
يحيى بن معين - وكأنَّ المصنِّف ما وَقَفَ على هذا التوثيق - وابنُ حبان، والحاكم.
وقال أبو حاتم: شيخ ليس بالمشهور. وما عَلِمْنا فيه جرحًا سوى أن ابن الجوزي ذكره
في الضعفاء من غير مستند، وابن الجوزي تقع له الأوهام".
قلت: نظر ابن حجر إلى روايته، فلا تكاد توجد له رواية مرفوعة إلا
هذه!! وروى أنه سأل سالماً، وعطاء بن أبي رباح.
فمن هنا قال ابن حجر فيه: "مقبول" أي إذا تُوبع، ولم
يُتابع على روايته هذه! وهي رواية غريبة فيها نكارة، فلا تُقبل!!!
2- «أحساب أهل الدنيا..» (2/42/697 و698) وهو مخرج في «الإرواء» (6/271
- 272) وصححه الحاكم والذهبي، وصرح عبدالله بن بريدة بالسماع من أبيه!
الحديث تفرد به الحسين بن واقد، عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه، عن
النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إِنَّ أَحْسَابَ أَهْلِ الدُّنْيَا الَّذِي
يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ هَذَا المَالُ».
وقال الألباني في «الإرواء»: "الحسين هذا إنما أخرج له
البخارى تعليقا، ثم إن فيه ضعفا يسيرا، وقد قال الذهبي نفسه في الضعفاء:
"استنكر له أحمد أحاديث". وقال الحافظ في التقريب: "ثقة له أوهام".
قلت: فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى" انتهى كلامه.
قلت: قد تقدم أن حسين بن واقد يروي عن عبدالله بن بريدة مناكير،
فلا يقبل تفرده! ودعوى أنه جاء تصريح عبدالله بالسماع من أبيه في بعض الروايات لا
تقدّم ولا تؤخر! لأن النسخ وخاصة المتأخرة يقع فيها خطأ كثير في التصريح بالتحديث
والسماع!
3- «لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى..» (2/125/888 و889)
وهو مخرج في «صفة الصلاة»، و«صحيح أبي داود» (1341)، وصححه الحاكم والذهبي، وحسنه
الترمذي.
الحديث رواه جماعة عن مَالِك بن مِغْوَلٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
وقد سبق الكلام عليه في الحديث الثالث من أحاديث «عبدالله بن بردة
عن أبيه» عند مسلم، وبينت مخالفة حسينُ بن ذَكْوان المُعلِّم البصري له في إسناده
وبعض متنه!
رواه حُسَيْن المُعَلِّم البصري، عَنِ عبدالله بنِ بُرَيْدَةَ، قال:
حَدَّثَنِي حَنْظَلَةُ بنُ عَلِيٍّ: أَنَّ مِحْجَنَ بنَ الْأَدْرَعِ،
حَدَّثَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ المَسْجِدَ،
فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ قَضَى صَلَاتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ وَهُوَ يَقُولُ: "اللهُمَّ
إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاللهِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ الصَّمَدِ الَّذِي لَمْ يَلِدْ
وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي،
إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"، قَالَ: فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ غُفِرَ لَهُ، قَدْ غُفِرَ لَهُ، قَدْ غُفِرَ لَهُ»
ثَلَاثَ مِرَارٍ.
5- «في الإنسان ستون وثلاثمائة مفصل..» (3/79/1640 و 3/106) وهو مخرج
في «الإرواء» (2/213) من رواية جمع منهم أحمد والطحاوي وصرحا فيه بسماع عبدالله من
أبيه بريدة وهي رواية ابن خزيمة في «صحيحه» (1226).
الحديث رواه الحُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ، قال: حَدَّثَنِي ابْنُ
بُرَيْدَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «فِي الْإِنْسَانِ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةِ
مَفْصِلٍ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ كُلِّ مَفْصِلٍ بِصَدَقَةٍ».
قَالُوا: فَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟، قَالَ: «النُّخَاعَةُ فِي
المَسْجِدِ تَدْفِنُهَا، وَالشَّيْءُ تُنَحِّيهِ عَنِ الطَّرِيقِ، فَإِنْ
لَمْ تَقْدِرْ فَرَكْعَتَا الضُّحَى تُجْزِيكَ».
وفي هذه الأحاديث يعتمد الألباني على ما جاء في أسانيدها من سماع
عبدالله من أبيه! لكن المشكلة في تفرد حسين بن واقد بها!! فلا يقبل ما تفرد عنه،
فكيف نعتمد على ما ورد من سماع فيه!!!
قال ابن حبان بعد أن خرّج الحديث في «صحيحه»: "هَذِهِ سُنَّةٌ
تَفَرَّدَ بِهَا أَهْلُ مَرْوَ والبصرة".
قلت: لا يُعرف هذا الحديث بهذا اللفظ إلا من حديث حسين بن واقد!
وأحاديثه عن عبدالله بن بريدة مناكير! ويقصد بأهل البصرة الشاهد الآتي
ذكره من حديث أبي ذر.
وذكر بعض من صحح هذا الحديث شاهداً له، ولم يلتفتوا إلى ما يتفرد
به حسين بن واقد عن ابن بريدة!!
·
رواية مسلم لثلاثة متون بإسناد
واحد!!
وهو ما رواه مسلم في «صحيحه» (1/498) (720) قال: حَدَّثَنَا
عَبْدُاللهِ بنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ، قال: حَدَّثَنَا
مَهْدِيٌّ - وَهُوَ ابْنُ مَيْمُونٍ -، قال: حَدَّثَنَا وَاصِلٌ مَوْلَى أَبِي
عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ، عَنْ
أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى
مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ
صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ
بِالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ
مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى».
ورواه أيضاً بالإسناد نفسه لكن دون ذكر «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ
سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ... وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا
مِنَ الضُّحَى».
قال مسلم (2/697)
(1006): حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ، قال:
حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، قال: حَدَّثَنَا وَاصِلٌ، مَوْلَى أَبِي
عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِي
الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ: «أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ،
يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ
أَمْوَالِهِمْ، قَالَ: أَو لَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟
إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ
تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ
صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ،
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا
أَجْرٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا
وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ».
قلت: الحديث نفسه؛ لأنه ذكر ما يتعلق بالتسبيح والتكبير والتهليل
وغيرها وأنها من الصدقات، لكن في الأول ذكر أنه "يصبح على كل سُلامى
صدقة"، ويجزئ عن ذلك ركعتان من الضحى!
والثاني أن هذه متعلقة بما يزيده المسلم على أصحاب الأموال!
وما يتعلق بأهل الدثور معروف مشهور من حديث أبي هريرة.
رواه البخاري في «صحيحه» وغيره من حديث سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ الفُقَرَاءُ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ
الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلاَ، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ
يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ
أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ،
قَالَ: «أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ
يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ
ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ
وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ»، فَاخْتَلَفْنَا
بَيْنَنَا، فَقَالَ بَعْضُنَا: نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنَحْمَدُ
ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ،
فَقَالَ: تَقُولُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ،
حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ».
ويُروى من حديث أبي ذر أيضاً بنحوه.
رواه ابن ماجه في «سننه» من حديث سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ، عَنْ
بِشْرِ بنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ - ذَهَبَ أَهْلُ الْأَمْوَالِ وَالدُّثُورِ بِالْأَجْرِ،
يَقُولُونَ كَمَا نَقُولُ، وَيُنْفِقُونَ وَلَا نُنْفِقُ، قَالَ لِي «أَلَا
أُخْبِرُكُمْ بِأَمْرٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ أَدْرَكْتُمْ مَنْ قَبْلَكُمْ،
وَفُتُّمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، تَحْمَدُونَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ،
وَتُسَبِّحُونَهُ، وَتُكَبِّرُونَهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَثَلَاثًا
وَثَلَاثِينَ، وَأَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ». قالَ سُفْيَانُ: «لَا أَدْرِي
أَيَّتُهُنَّ أَرْبَعٌ».
والذي يظهر لي أن واصلاً كان يدخل له حديث في حديث! والله أعلم.
وكلا الحديثين اختلف فيهما على واصل مولى أبي عيينة:
فرواه مهدي بن ميمون، عن واصل - مولى أبي عيينة -، عن يحيى بن
عقيل، عن يحيى بن يعمر، عن أبي الأسود، عن أبي ذر.
وخالفه حماد بن زيد، وهشام بن حسان، وعباد بن عباد، فرووه عن
واصلٍ، عن يحيي بن عُقيل، عن يحيى بن يَعمَر، عن أبي ذر، عن النبي صلَّى الله عليه
وسلم، ولم يذكروا: "أبا الأسود"!!
·
حديث: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ
سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ... وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ
يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى».
أما الحديث الأول:
فرواه أحمد في «مسنده» (35/377) (21475) عن محمد بن الفضل عَارِم، وعَفَّان
بن مسلم.
وابن أبي شيبة في «مصنفه» (6/54) (29420) عن الحسن بن موسى.
وابن خزيمة في «صحيحه» (2/228) (1225) عن عَبْدالوَارِثِ بن عَبْدِالصَّمَدِ،
عن أَبِيه.
وقوام السنة الأصبهاني في «الترغيب والترهيب» (3/13) (1973) من
طريق عمر بن حفص السدوسي، عن علي بن عاصم.
كلهم (عارم، وعفان، والحسن بن موسى، وعبدالصمد، وعلي بن عاصم) عن مَهْدِيّ
بن مَيْمُونٍ، به.
·
مخالفة أبي النضر لهم!
ورواه أحمد في «مسنده» (35/377) (21474) عن أَبي النَّضْرِ، عن
مَهْدِيّ، به، ولَمْ يَذْكُرْ أَبَا الْأَسْوَدِ.
·
متابعة لمهدي بن ميمون:
ورواه أبو داود في «سننه» (2/460) (1286).
وابن عساكر في «معجمه» (2/856) من طريق عبدالله بن محمد البغوي.
كلاهما (أبو داود، والبغوي) عن وهب بن بقية الواسطي، عن خالد بن
عبدالله الواسطي، عن واصل، عن يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر، عن أبي الأسود
الدؤلي، قال: بينما نحن عند أبي ذر، فذكره.
فخالد تابع مهدي بن ميمون عليه.
·
مخالفة جماعة لمهدي وخالد!
وخالفهما: حماد بن زيد، وعباد بن عباد، وهشام بن حسان، ولم يذكروا
فيه: "عن أبي الأسود"!
رواه أبو داود في «سننه» (2/460) (1285) عن أحمد بن مَنيعِ، عن
عبّاد بن عبّاد.
وعن مُسدَد، عن حماد بن زيد.
ورواه أحمد في «مسنده» (35/434) (21548).
والنسائي في «السنن الكبرى» (8/205) (8979) عن أَحْمَد بن
سُلَيْمَانَ.
كلاهما عن يَزِيد بن هارون، عن هِشَام بن حسان.
ثلاثتهم (عباد، وحماد بن زيد، وهشام بن حسان) عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ
يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وزاد في رواية هشام: قَالَ: «وَمُبَاضَعَتُكَ أَهْلَكَ صَدَقَةٌ»
قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَقْضِي الرَّجُلُ شَهْوَتَهُ، وَتَكُونُ
لَهُ صَدَقَةٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، أَرَأَيْتَ لَوْ جَعَلَ تِلْكَ الشَّهْوَةَ فِيمَا
حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، أَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟» قُلْنَا: بَلَى.
قَالَ: «فَإِنَّهُ إِذَا جَعَلَهَا فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ فَهِيَ صَدَقَةٌ» قَالَ:
وَذَكَرَ أَشْيَاءَ صَدَقَةً صَدَقَةً.
وهذه الزيادة ستأتي في الحديث الآخر: «ذَهَبَ أَصْحَابُ الدُّثُورِ
بِالْأُجُورِ».
·
زيادة "أبي الأسود" في
رواية المقدمي عن حماد بن زيد!
وقد روى أبو نُعيم الأصبهاني في «المسند المستخرج على صحيح مسلم» (2/315)
عن حَبِيب بن الحَسَنِ بنِ دَاوُدَ القَزَّاز، عن يُوسُف القَاضِي، عن محمد بن
أَبِي بَكْرٍ المقدميّ، قال: حدثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ وَاصِلٍ مَوْلَى
أَبِي عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بن عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْمُرَ، عَنْ
أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كذا في رواية ابن أبي بكر عن حماد بزيادة: "عن أبي
الأسود"!!
لكن سبقت رواية مُسدد عن حماد بن زيد وليس فيها: "عن أبي
الأسود"!!
وابن أبي بكر ثقة، ويوسف راويته، وهو: يُوسُف بن يعقوب بن إسماعيل
بن حماد بن زيد القَاضِي.
وحبيب ضعفه البرقاني، ووثقه الخطيب وأبو نُعيم الأصبهاني.
ورواية مسدد في الظاهر هي الصواب عن حماد بن زيد، والله أعلم.
·
المزيد في متصل الأسانيد عند
الألباني!
وقد علّق الألباني على هذه الرواية في «صحيح سنن أبي داود» (5/31)
قال: "قلت: وأخرجه مسلم (2/158)، وأبو عوانة (2/266)، وأحمد (5/167) من طريق
مهدي بن ميمون: حدثنا واصل مولى أبي عيينة... به؛ إلا أنه قال: عن يحيى بن يعمر عن
أبي الأسود الدِّيليِّ عن أبي ذر... به نحوه، فأدخل بينهما: أبا الأسود الديلي.
وهو الجادة؛ فإنهم وإن ذكروا له رواية عن بعض الصحابة منهم أبو ذر؛
فقد قالوا: وأكثر روايته عن التابعين.
ويحتمل أن تكون هذه الرواية من المزيد فيما اتصل من المسانيد. والله أعلم.
وقد توبع ابن ميمون على هذه الزيادة عند المصنف في الرواية الآتية"
انتهى.
قلت: ظاهر الكلام أن الألباني يصحح الرواية عن يحيى بن يعمر عن أبي
ذر، وأن زيادة "أبي الأسود" بينهما يُحتمل أن تكون من المزيد في متصل
الأسانيد!! وهذا فهم خطأ منه للمزيد في متصل الأسانيد!!
فالمزيد هو زيادة رجل في الإسناد على سبيل الوهم والخطأ! أي يكون
الإسناد أصلا متصلا، فيُزاد في هذا المتصل رجلا على سبيل الوهم!
وفي حديثنا هذا، فإن حديث يحيى بن يعمر عن أبي ذر ليس متصلاً!
وإنما هو منقطع! وزيادة "أبي الأسود" فيه جعلته متصلا، فهو ليس من
المزيد في متصل الأسانيد!
·
حديث: «ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ
بِالْأُجُورِ...».
وأما الحديث الثاني:
فرواه أحمد في «مسنده» (35/376) (21473) عن عَارِم أبي النعمان،
وعَفَّان.
و(35/381) (21482) عن وَهْب بن جَرِيرٍ.
والبخاري في «الأدب المفرد» (227) عن أَبي النُّعْمَانِ.
والسرّاج في «مسنده» (868) عن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيمَ، عن أَبي
عَامرٍ العَقَدِيّ، والمُغِيرَة بن سَلَمَةَ المَخْزُومِيّ.
وابن حبان في «صحيحه» (3/119) (838) عن أَحْمَد بن عَلِيِّ بنِ المُثَنَّى
أبي يعلى الموصلي، عن عَبْداللَّهِ بن مُحَمَّدِ بنِ أَسْمَاءَ.
والطبراني في «الدعاء» (1728) عن عَلِيّ بن عَبْدِالعَزِيزِ، عن
عَارِم أَبي النُّعْمَانِ.
وعن مُعَاذ بن المُثَنَّى، ويُوسُف القَاضِي، كلاهما عن عَبْداللَّهِ
بن مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاء.
كلهم (عارم، وعفّان، ووهب بن جرير، وأبو عامر العقدي، والمغيرة بن
سلمة، وعبدالله بن محمد بن أسماء) عن مَهْدِيّ بن مَيْمُونٍ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ
يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ
الدِّيلِيِّ، عن أبي ذر، به.
ورواه البزار في «مسنده» (9/352) (3917) عن يَحْيَى بن حَبِيبِ بنِ
عَرَبِيٍّ، عن حَمَّاد بن زَيْدٍ، عن واصِل، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ
يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، به.
قال البزار: "وهذا الكَلَامُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ بِهَذَا
الْإِسْنَادِ. وهَذَا الْحَدِيثُ رِوَايَتُهُ عِنْدِي فِي مَوْضِعَيْنِ، عَنْ
أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَفِي مَوْضِعٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ،
عَنْ أَبِي ذَرٍّ لَيْسَ بَيْنَهُمَا أَبُو الْأَسْوَدِ".
وسُئِلَ الدارقطني في «العلل» (6/282) (1139) عَنْ حَدِيثِ أَبِي
الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ... الحَدِيثَ؟!
فقالَ: "يَرْوِيهِ وَاصِلٌ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ،
وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:
فَرَوَاهُ مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ يَحْيَى
بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي
ذَرٍّ.
ورَوَاهُ هِشَامُ بنُ حَسَّانَ، وَحَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ، وَعَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ يَحْيَى
بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ.
وقَوْلُ مَهْدِيٍّ هُوَ الصَّحِيحُ، وَأَبُو
الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ اسْمُهُ ظَالِمُ بْنُ عَمْرٍو".
قلت: بيّن الدارقطني الاختلاف فيه على واصل، فخالف ثلاثة مهدي فيه،
ومع ذلك رجّح الدارقطني روايته!
وقد مر بنا أيضا الاختلاف فيه على حماد بن زيد كما في رواية البزار
الآنفة كما في رواية مهدي!
وحقيقة هذا الاختلاف في هذا الحديث والذي قبله مشكل جداً، مع أننا
لا نشكك في رواية يحيى بن يعمر، عن أبي الأسود، عن أبي ذر.
فقد ثبت سماع أبي الأسود من أبي ذر.
وقد روى عبدالله بن أحمد في «زياداته على المسند» (35/453) (21575)
قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَهْدِيٍّ الْأَيْلِيُّ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو
دَاوُدَ، قال: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُونٍ، عَنْ وَاصِلٍ، مَوْلَى أَبِي
عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِي
الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ، قال: «قَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رَأَيْتُ بِأَبِي ذَرٍّ شَبِيهًا».
وروى البخاري في «صحيحه» وغيره من حديث حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، عَنِ
ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْمُرَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي
ذَرٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«لَا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالْكُفْرِ إِلَّا ارْتَدَّتْ إِنْ لَمْ يَكُنْ
صَاحِبُهُ كَذَلِكَ».
وعليه فيُحتمل أن حديث الحُسَيْن بن وَاقِدٍ، عن ابن بُرَيْدَةَ،
عن أَبِيه، عن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «فِي
الْإِنْسَانِ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةِ مَفْصِلٍ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ
عَنْ كُلِّ مَفْصِلٍ بِصَدَقَةٍ». قَالُوا: فَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ يَا نَبِيَّ
اللَّهِ؟، قَالَ: «النُّخَاعَةُ فِي المَسْجِدِ تَدْفِنُهَا، وَالشَّيْءُ
تُنَحِّيهِ عَنِ الطَّرِيقِ، فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ فَرَكْعَتَا الضُّحَى
تُجْزِيكَ» يُحتمل أن بعض أصله من حديث يحيى بن يعمر عن أبي الأسود عن أبي ذر!
فعبدالله بن بريدة يروي عن يحيى بن يعمر، ويُحتمل أن حديث واصل مولى أبي عُيينة
أصله حديث الحسين بن واقد هذا، والله أعلم!
لكن هناك خلط في متون الأحاديث التي أخرجها الإمام مسلم في «صحيحه»!!
فكأنه كان يدخل لواصل متن في آخر، والله أعلم.
وقد مر معنا ما يتعلق بالصدقة، وكذا ركعتي الضحى! وأما ما يتعلق
بدفن النخاعة في المسجد فهو حديث آخر يُروى عن أبي ذر بنفس إسناد الحديثين
السابقين!! واختلف في إسناده أيضاً كما اختلف في الحديثين الآخرين!
رواه مسلم في «صحيحه» (1/390) (553) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ، وَشَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، قَالَا:
حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُونٍ، قال: حَدَّثَنَا وَاصِلٌ مَوْلَى أَبِي
عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِي
الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا
وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنِ
الطَّرِيقِ، وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي
المَسْجِدِ لا تُدْفَنُ».
ورواه أبو داود الطيالسي (485).
وأحمد في «مسنده» (35/434) (21549) عن عَفَّان.
كلاهما (الطيالسي، وعفان) عن مَهْدِيّ بن ميمون، عن وَاصِل، عَنْ
يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ - وَكَانَ وَاصِلٌ
رُبَّمَا ذَكَرَ أَبَا الْأَسْوَدِ الدِّيلِيَّ-، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مثله.
ورواه أحمد في «مسنده» (35/447) (21567) عن وَهْب بن جَرِيرٍ،
وعَارِم، ويُونُس.
والبخاري في «الأدب المفرد» (230) عن مُوسَى بن إسماعيل.
أربعتهم عن مَهْدِيّ بن مَيْمُونٍ، عَنْ وَاصِلٍ، مَوْلَى أَبِي
عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِي
الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، مثله.
ورواه ابن شبّة في «تاريخ المدينة» (1/25) عن إِسْحَاق بن
إِدْرِيسَ، عن مَهْدِيّ بن مَيْمُونٍ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَقِيلٍ،
عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ.
ولم يذكر "أبا الأسود"!
ورواه بَحشل في «تاريخ واسط» (ص: 115) عن وهب بن بقية، عن خَالِد
بن عبدالله الواسطي.
ورواه البزار في «مسنده» (9/352) (3916) عن يَحْيَى بن حَبِيبِ بنِ
عَرَبِيٍّ، عن حَمَّاد بن زَيْدٍ.
كلاهما (خالد، وحماد) عَنْ وَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، عَنْ
يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ عَنْ أَبِي
ذَرٍّ، مثله.
ورواه ابن عساكر في «معجمه» (1/194) (222)، و(2/1112) (1443) من
طريق يحيى بن بحر الكرماني، عن حماد بن زيد، عن واصل، عن يحيى بن عقيل، عن يحيى بن
يعمر ردّه إلى أبي ذر، مثله.
ورواه أحمد في «مسنده» (21550)، وابن أبي شيبة في «الأدب» (114)،
كلاهما عن يَزِيد بن هارون، عن هِشَام بن حسّان، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ
عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، به.
قال البزار: "وهَذَا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ
أَبِي ذَرٍّ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ".
وسُئِلَ الدارقطني في «العلل» (6/280) (1137) عَنْ حَدِيثِ أَبِي
الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي، فَرَأَيْتُ
فِي حَسَنِهَا الْأَذَى يُنَحَّى عَنِ الطَّرِيقِ، وَرَأَيْتُ فِي مَسَاوِيهَا
النُّخَاعَةَ فِي الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ»؟
فقالَ: "يَرْوِيهِ وَاصِلٌ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ،
وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:
فَرَوَاهُ مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُونٍ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ
عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْمُرَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ
أَبِي ذَرٍّ.
وَخَالَفَهُ هِشَامُ بنُ حَسَّانَ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ،
فَرَوَيَاهُ عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ
يَعْمُرَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، لَمْ يَذْكُرَا فِيهِ أبَا الْأَسْوَدِ.
وقَوْلُ مَهْدِيِّ بنِ مَيْمُونٍ أَصَحُّ، لِأَنَّهُ زَادَ
عَلَيْهِمَا، وهو ثقة حافظ".
قلت: وهشام وحماد ثقتان، وسبق في رواية البزار عن حماد بن زيد مثل
حديث مهدي بن ميمون! وأظنها خطأ! لأن المحفوظ عن حماد بن زيد دون ذكر "أبي
الأسود".
وقد قال ابن عساكر بعد أن روى حديث حماد بن زيد: "هكذا يقول
حماد بن زيد، ورواه مهدي بن ميمون عن واصل فزاد في إسناده بعد يحيى بن يعمر أبا
الأسود الديلي، وكذلك أخرجه مسلم في صحيحه، والاضطراب فيه من واصل".
والحاصل أن هذه الأحاديث الثلاثة اختلف فيها أصحاب واصل! والاختلاف
منه كما نصّ ابن عساكر، فكان يذكر "أبا الأسود" أحياناً، ولا يذكره
أحياناً!
والإشكال عندي ليس في إسناده فقط! بل بالخلط في هذه المتون
الثلاثة!! فحديث «كل سلامى» المحفوظ من حديث أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ
سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ
الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى
دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ،
وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى
الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ».
وحديث «أهل الدثور» سبق ذكر المحفوظ فيه.
وحديث «النخاعة في المسجد لا تدفن» لم أجده من حديث أبي ذر إلا من
هذه الطريق!
وله أصل من حديث الحُسَيْن بن وَاقِدٍ، عن ابن بُرَيْدَةَ، عن
أَبِيه، عن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «فِي
الْإِنْسَانِ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةِ مَفْصِلٍ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ
عَنْ كُلِّ مَفْصِلٍ بِصَدَقَةٍ». قَالُوا: فَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ يَا نَبِيَّ
اللَّهِ؟، قَالَ: «النُّخَاعَةُ فِي المَسْجِدِ تَدْفِنُهَا، وَالشَّيْءُ
تُنَحِّيهِ عَنِ الطَّرِيقِ، فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ فَرَكْعَتَا الضُّحَى
تُجْزِيكَ».
فيُحتمل أن هذا أصل حديث واصل، والله أعلم!
7- كان لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم (4/206/2801) وهو مخرج في
«المشكاة» (1440) وصححه الحاكم أيضا وابن القطان والذهبي، وكذا ابن خزيمة (1426).
هذا الحديث رواه ثَوَّابُ بنُ عُتْبَةَ المَهْرِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ
حَتَّى يَطْعَمَ، وَلَا يَأْكُلُ يَوْمَ النَّحْرِ حَتَّى يَذْبَحَ».
وفي رواية: «حَتَّى يَرْجِعَ فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ».
أخرجه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (2/155) (849).
وأحمد في «مسنده» (38/87) (22983) عن أَبي عُبَيْدَةَ الحَدَّاد.
و(38/149) (23042) عن حَرَمِيّ بن عُمَارَةَ.
والترمذي في «جامعه» (1/678) (542) عن الحَسَن بن الصَّبَّاحِ
البَزَّار، عن عَبْدالصَّمَدِ بن عَبْدِالوَارِثِ.
وابن ماجه في «سننه» (2/638) (1756) عن مُحَمَّد بن يَحْيَى، عن
أَبي عَاصِمٍ النبيل.
وابن خزيمة في «صحيحه» (2/341) (1426) عن مُحَمَّد بن الوَلِيدِ،
عن أَبي عَاصِمٍ.
وابن حبان في «صحيحه» (7/52) (2812) عن الفَضْل بن الحُبَابِ، عن
أَبي الوَلِيدِ الطَّيَالِسِيّ.
والدارقطني في «سننه» (2/380) (1715) عن الحُسَيْن بن إِسْمَاعِيلَ،
عن أَحْمَد بن مَنْصُورٍ، عن عَبْدالصَّمَدِ بن عَبْدِالوَارِثِ، وأَبي عَاصِمٍ.
وعن عُثْمَان بن أَحْمَدَ بنِ السَّمَّاكِ، عن مُحَمَّد بن
سُلَيْمَانَ الوَاسِطِيّ، عن مُسْلِم بن إِبْرَاهِيمَ.
والحاكم في «المستدرك» (1/433) (1088) عن أَبي العَبَّاسِ مُحَمَّد
بن يَعْقُوبَ، عن العَبَّاس بن مُحَمَّدٍ الدُّورِيّ.
وعن بَكْر بن مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيّ، وأَبي قِلَابَةَ
الرَّقَاشِيّ، وأَبي بَكْرِ بن إِسْحَاقَ، وعَلِيّ بن حَمْشَاذٍ، وعَبْداللَّهِ بن
الحُسَيْنِ القَاضِي، كلهم عن الحَارِث بن أَبِي أُسَامَةَ.
كلاهما (الدوري، والحارث) عن أَبي عَاصِمٍ.
والبيهقي في «السنن الكبرى» (3/401) (6159) عن الحاكم.
و(6160) عن عَلِيّ بن أَحْمَدَ بنِ عَبْدَانَ، عن أَحْمَد بن
عُبَيْدٍ، عن أَبي مُسْلِمٍ، عن مُسْلِم بن إِبْرَاهِيمَ.
كلهم (أبو داود الطيالسي، وأبو عبيدة الحداد، وحرمي بن عمارة، وعبدالصمد
بن عبدالوارث، وأبو عاصم النبيل، وأبو الوليد الطيالسي، ومسلم بن إبراهيم) عن ثَوَاب
بن عُتْبَةَ المَهْرِيّ، به.
·
حكم العلماء على الحديث:
قال الترمذي: "حَدِيثُ بُرَيْدَةَ بنِ حُصَيْبٍ الأَسْلَمِيِّ
حَدِيثٌ غَرِيبٌ".
قال: وقال مُحَمَّدٌ - يعني البخاري-: "لا أَعْرِفُ لِثَوَابِ
بنِ عُتْبَةَ غَيْرَ هذا الحَدِيثِ".
وقال الحاكم: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ
يُخَرِّجَاهُ. وَثَوَابُ بنُ عُتْبَةَ المَهْرِيُّ قَلِيلُ الحَدِيثِ، وَلَمْ
يُجْرَحْ بِنَوْعٍ يَسْقُطُ بِهِ حَدِيثُهُ، وَهَذِهِ سُنَّةٌ عَزِيزَةٌ مِنْ
طَرِيقِ الرِّوَايَةِ مُسْتَفِيضَةٌ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ".
وقال ابن القطان الفاسي في «بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام»
(5/356): "وعِنْدِي أَنه صَحِيح؛ لِأَن ثَوَاب بن عتبَة المهرِي، ثِقَة، وثقة
ابن معِين، رَوَاهُ عَنهُ عَبَّاس، وَإِسْحَاق بن مَنْصُور، وَزِيَادَة
الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا صَحِيحَة إِلَى ثَوَاب المَذْكُور، من رِوَايَة عبدالصَّمد،
وَمُسلم بن إِبْرَاهِيم، وَأبي عَاصِم عَنهُ، وثواب يرويهِ عَن عبدالله بن
بُرَيْدَة، عَن أَبِيه، فَاعْلَم ذَلِك".
قلت:
هذا حديث ضعيف!! واستغراب الترمذي له = يعني تضعيفه.
وثوَّاب هذا لا يُعرف إلا في هذا الحديث! وهو شبه مجهول الحال!
وقد وثقه ابن معين وأُنكر ذلك عليه!
قال إسحاق بن منصور، وعباس الدوري عن يحيى بن معين قال: "ثوّاب
بن عتبة: ثقة.
قال عباس الدوري [كما في تاريخ يحيى (4/272) (4333)]: سَمِعت يحيى
يَقُول: "ثَواب بن عتبَة شيخ صدوق، حدث عَنهُ أَبُو عُبَيْدَة الحداد وَغَيره".
قَالَ أَبُو الفضل عباس الدوري: "فَإِني كنت كتبت عَن أبي
زَكَرِيَّا فِيهِ شَيء به أَنه ضَعِيف، فقد رَجَعَ أَبُو زَكَرِيَّا، وهَذَا هُوَ
القَوْل الْأَخير من قَوْله".
قلت: رجع ابن معين عن تضعيفه، ووثقه كما نقل الدوري عنه، ولم
يُبيّن سبب ذلك الرجوع؛ لأن العادة أنه لا يرجع عن تضعيفه للراوي!!
·
تنبيه على قاعدة إذا ذكر التوثيق
والتضعيف في الراوي نفسه عن الناقد الواحد!
وكنت أشير دائما في كتاباتي إلى أنه إذا وجدنا تضعيف يحيى وتوثيقه
لراو فإن القول الأخير له يكون التضعيف لا التوثيق؛ لأنه لا يضعّف راويا ثم يوثقه!
وما نقله الدوري هنا ينقض ما أصّلته! فأقول:
نعم، هذا هو الأصل ونبقى عليه إذا وجدناه ضعّف راويا ثم وثقه، وما
ذكره الدوري هنا حالة خاصة حيث أنه هو نفسه نقل أن رأي يحيى قد تغيّر فيه من
التضعيف إلى التوثيق، فإن وجدنا أصحابه ينقلون مثل هذا فيُصار إليه، وإلا نبقى على
الأصل في أنه لا يكون التوثيق بعد التضعيف، إلا في حالات خاصة ولا بدّ فيها من النقل
عن الإمام كما نقل الدوري عنه هنا.
ثم إنّ الذي يظهر لي أن ابن معين قال فيه "ثقة" كما نقل
إسحاق بن منصور وعباس الدوري، وضعفه كما نقل الدوري، ثم كان قوله الأخير فيه كما
نقل الدوري: "صدوق".
و"صدوق" لا تعني = ثقة عند ابن معين، فكأن ابن معين كان مترددا
فيه!!
وقد أنكر أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان على ابن معين توثيقه له!
قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/471): سمعت أبي وأبا زرعة
ورأيا في كتاب رواه عباس الدوري عن يحيى بن معين أنه قال: "ثواب بن عتبة ثقة"،
فأنكرا جميعا ذلك!
قلت: أنكر أبو حاتم وأبو زرعة توثيق يحيى له.
·
إثبات البخاري لسماع ثوّاب من
عبدالله بن بريدة! وتوضيح ذلك!
وقال البخاري في «التاريخ الكبير» (2/184): "ثواب بن عتبة
المهري البصري: سمع عبدالله ابن بريدة، سَمِعَ منه أَبُو عاصم، ومُسْلِم، وأَبُو
الوليد".
قلت: ذكر البخاري هنا أنه سمع من عبدالله بن بريدة! فقد يحتج بعضهم
بأن إثبات البخاري السماع له من ابن بريدة يعني صحة الحديث! وليس كذلك! فالبخاري
أثبت السماع كما جاء في الحديث أنه سمع من ابن بريدة! وليس في ذلك احتجاج به! فهو
قد نصّ على أنه لا يعرف له إلا هذا الحديث، وعادة البخاري في الترجمة لأمثال هؤلاء
أنه إذا ذُكر في حديثهم التحديث أو السماع فإنه يذكره؛ لأنهم لا يعرفون إلا في هذا
الحديث الواحد، وهذا ليس منه الاحتجاج بهذا السماع أو التحديث، فتنبّه.
وقال العجلي في «الثقات» (ص: 91): "ثواب بن عتبة المهري: بصري،
يُكتب حديثه، وليس بالقوي".
وقال الآجري عن أبي داود: "هو خير من أيوب بن عتبة، وثواب ليس
به بأس".
وذكره ابن حبان في «الثقات» (6/130) (7034)، قال: "ثَواب بن
عتبَة المهرِي، من أهل البَصْرَة، يروي عَن عَبْدالله بن بُرَيْدَة. روى عَنهُ:
شُعْبَة، وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل، وأهل البَصْرَة".
وذكره ابن عدي في «الكامل في ضعفاء الرجال» (2/308) ونقل قول
الدوري فيه عن يحيى، ثم ذكر له هذا الحديث، ثم قال: "وثواب بن عتبة يعرف بهذا
الحَدِيث، وحديث آخر. وهذا الحَدِيث قد رواه غيره عَن عَبداللَّهِ بْن بريدة منهم
عقبة بن عَبداللَّهِ الأصم، ففي الحديثين اللذين يرويهما ثواب لا يلحقه ضعف".
قلت: سيأتي الكلام على متابعة عقبة له! والحديث الآخر الذي أشار له
ابن عدي هو نفسه لم يذكره، ولم أجده! ويبقى قول البخاري هو الأصل بأنه لا يعرف له
إلا هذا الحديث.
وقد ذكر المزي في ترجمته من «تهذيب الكمال» (4/412) أنه "رَوَى
عَن: الحَسَن البَصْرِيّ، وأبي حمزة نصر بن عِمْران الضبعي".
ولم أقف على هذه الروايات، ولو وُجدت ينبغي التأكد من صحتها إليه!
قال مغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (3/109): "وخرج أبو حاتم ابن
حبان البستي حديثه في «صحيحه»، وذكره في «جملة الثقات»، وكذلك ابن شاهين. وقال أبو
علي الطوسي وابن خلفون لما ذكره في الموالي في «الثقات»: أرجو أن يكون صالح الحديث".
وقال ابن حجر في «التقريب»: "مقبول".
فتعقبه صاحبا «التحرير» (1/202) فقالا: "• بل: صدوقٌ حسن الحديث،
فقد وَثَّقَه ابن معين، وقال أبو داود: ليس به بأس. وأنكر أبو زُرْعة وأبو حاتم
الرازيان على ابن معين توثيقه مطلقًا. له حديث واحد رواه ابن ماجه (1756)،
والترمذي (542)، واستغرَبه، وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" (2812). وقال
البخاريُّ: لا أعرفُ لثواب غير هذا الحديث. وقد ساق له ابن عدي هذا الحديث، ثم
قال: وهذا الحديثُ قد رواه غيره عن ابن بريدة، منهم: عُقْبة بن عبدالله الأصم، ولا
يلحقه بهذين ضعف. وقال الحاكم بعد أن صحح حديثه: "وهذه سُنَّة عزيزة من طريق
الرواية مستفيضة في بلاد المسلمين".
قلت: هذا تعقب فاشل منهما!! فابن معين قوله الأخير فيه أنه
"صدوق" وهو بمعنى قول أبي داود "لا بأس به" = يعني يُكتب
حديثه للاعتبار!
وتفرده من بين أهل البصرة الثقات من أصحاب عبدالله بن بريدة لا
يُقبل! وهو مجهول الحال، ولا يُعرف إلا بهذا الحديث!! فقد يكون سمعه من بعض
الضعفاء كعقبة هذا الذي تابعه عليه!!
·
متابعة للحديث:
وقد رواه عُقْبَةُ بنُ عَبْدِاللهِ الرفاعي الأصمّ، قال: حَدَّثَنِي
عَبْدُاللهِ بنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَغْدُو يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ، وَلَا يَأْكُلُ
يَوْمَ الْأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ».
أخرجه أحمد في «مسنده» (38/88) (22984) عن يُونُس بن محمد المؤدب.
والطبراني في «المعجم الأوسط» (3/253) (3065) عن بِشْر بن مُوسَى،
عن مُوسَى بن دَاوُدَ الضَّبِّيّ.
وابن عدي في «الكامل» (6/490) عن عِمْرَان بن مُوسَى بن مجاشع، عن
مُحَمد بن أَبَان الواسطي.
كلهم (يونس، وموسى الضبي، ومحمد بن أبان) عن عقبة بن عبدالله، به.
قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هذا الحَدِيثَ عَنْ عَبْدِاللَّهِ
بنِ بُرَيْدَةَ إِلَّا عُقْبَةُ بنُ عَبْدِاللَّهِ، وثَوَابُ بنُ عُتْبَةَ المَهْرِيُّ".
وقول الطبراني هذا فيه رد على ابن عدي في قوله: "وروى هذا عنِ
ابن بريدة مع عقبة: ثواب بن عتبة وغيره"!
فظاهر كلام ابن عدي أن هناك من رواه عن عبدالله بن بريدة غيرهما!
وليس كذلك! وقد تجاوز ابن عدي في عبارته! ولو كان رواه غيرهما لأتى به! والله
أعلم.
وعقبة هذا ليس بشيء! وروايته لا تصلح للمتابعة والاستشهاد!
قال عباس الدوري، عَن يَحْيى، قال: "عقبة الأصم: ليس بثقة".
وفي موضع آخر: "عقبة: ليس بشَيْءٍ".
وقَالَ عَمرو بن علي الفلّاس: "عقبة بن عَبداللَّهِ الرفاعي:
روى عَن الحَسَن وعطاء، كان ضعيفا واهي الحديث، ليس بالحافظ، وما سمعت أحداً يُحدّث
عَن عقبة بن عَبداللَّهِ الرفاعي إلاَّ أَبُو قتيبة، سمعته مرة يَقُولُ: حَدَّثَنا
عقبة الرفاعي".
وقال أبو حاتم: "عقبة الأصم: لين الحديث ليس بقوي، وأبو هلال أحبّ
إلينا منه".
وقَال أبو داود: "ضعيف".
وقَال النَّسَائي: "ليس بثقة".
وذكره ابن عدي في «الكامل»، وذكر له هذا الحديث، وحديثين آخرين عن
ابن بريدة عن أبيه، ثم قال: "ولعقبة غير ما ذكرت، وبعض أحاديثه مستقيمة،
وبعضها مما لا يُتَابَعُ عَليه".
قلت: الأحاديث التي ذكرها له عن ابن بريدة عن أبيه منكرة!! استنكرها
أبو حاتم وغيره.
وغالب حديثه منكر لا يُتابع عليه! وما ذكره أن بعض أحاديثه مستقيمة
أي مروية من طرق أخرى، واستقامتها من غيره لا بحديثه هو، ولعله من هنا قال فيه ابن
حجر بأنه "ربما دلّس"! أي ربما أخذ الحديث عن غيره ودلسه، والله أعلم.
وقال ابن حبان في «المجروحين» (2/199): "كانَ مِمَّن ينْفَرد
بِالْمَنَاكِيرِ عَن الثِّقَات المَشَاهِير حَتَّى إِذا سَمعهَا من الحَدِيث
صناعته شهد لَهَا بِالوَضْعِ".
·
تنبيه:
عقبة بن عبدالله هذا هو الرفاعي الأصم، وقد فرّق البخاري بين
"عقبة بن عبدالله الأصم"، وبين "عقبة بن عبدالله الرفاعي"،
وتبعه على ذلك أبو حاتم، وابن حبان، وغيرهما، وهما واحد.
قال الذهبي في «تاريخ الإسلام» (4/461): "وَقَدْ فَرَّقَ ابنُ
أَبِي حَاتِمٍ بَيْنَ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الرِّفَاعِيِّ، وَبَيْنَ
عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِالله الأصم، وقال: قال أبي: عقبة ابن الأَصَمِّ لَيِّنُ
الْحَدِيثِ.
قُلْتُ: هُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ".
وقال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (7/244): "وفرّق البخاري بين
عقبة بن عبدالله الأصم وبين عقبة الرفاعي، وجمعهما ابن عدي وغيره، وهو الصواب. قلت:
وممن فرق بينهما ابن حبان فذكر الرفاعي في الثقات وذكر الأصم في الضعفاء، وقال: ينفرد
عن المشاهير بالمناكير حتى يشهد لها بالوضع، وهذا من سوء تصرف ابن حبان، فقد روى
أبو يعلى وعبدالله بن أحمد جميعا عن شيبان بن فروخ عن عقبة بن عبدالله حديثه عن
الجعد أبي عثمان عن أنس في الدعاء بعد صلاة الصبح، فقال عبدالله في روايته:
الرفاعي، وقال أبو يعلى في روايته: الأصم".
8- «المؤمن يموت بعرق جبينه» (5/6/3000)، وهو مخرج في «أحكام الجنائز»
(35) وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم والذهبي.
هذا الحديث رواه المُثَنَّى بنُ سَعِيدٍ الضّبعيّ، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: دَخَلَ بُرَيْدَةُ الْأَسْلَمِيُّ
عَلَى رَجُلٍ بِخُرَاسَانَ، وهُوَ فِي المَوْتِ، فَإِذَا جَبِينُهُ يَرْشَحُ
فَقَالَ بُرَيْدَةُ: اللَّهُ أَكْبَرُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ المُؤْمِنَ يَمُوتُ بِعَرَقِ الجَبِينِ».
أخرجه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (2/153) (846).
وأحمد في «مسنده» (38/62) (22964)، و(38/154) (23047) عن يَحْيَى
بن سَعِيدٍ القطان.
وفي (38/129) (23022) عن بَهْز بن أسد العَمي.
والترمذي في «جامعه» (2/301) (982)، والنسائي في «السنن الكبرى» (2/381)
(1967) كلاهما عن مُحَمَّد بن بَشَّارٍ، عن يَحْيَى بن سَعِيدٍ.
وابن ماجه في «سننه» (2/442) (1452) عن بَكْر بن خَلَفٍ أَبي
بِشْرٍ، عن يحيى القطان.
والبزار في «مسنده» (10/278) (4384) عن عمرو بن علي، عن يَحْيَى بن
سعيد.
وابن حبان في «صحيحه» (7/281) (3011) عن أَبي خَلِيفَةَ، عن
مُسَدَّد بن مُسَرْهَدٍ، عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ.
والحاكم في «المستدرك» (1/513) (1333) عن أَبي بَكْرٍ أَحْمَد بن
إِسْحَاقَ، عن أَبي المُثَنَّى، عن مُسَدَّد. وعن أَبي زَكَرِيَّا يَحْيَى بن
مُحَمَّدٍ العَنْبَرِيُّ، عن إِبْرَاهِيم بن أَبِي طَالِبٍ، عن مُحَمَّد بن
المُثَنَّى، ومُحَمَّد بن بَشَّارٍ، وعُبَيْد اللَّهِ بن سَعِيدٍ، كلهم عن يَحْيَى
بن سَعِيدٍ.
والبيهقي في «شعب الإيمان» (12/454) (9735) من طريق عَلِيّ بن عَبْدِالعَزِيزِ،
عن مُسْلِم بن إِبْرَاهِيمَ.
كلهم (أبو داود الطيالسي، ويحيى القطان، وبهز، ومسلم بن إبراهيم) عن
المُثَنَّى بن سَعِيدٍ البصري، به.
قال الترمذي: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ
أَهْلِ الحَدِيثِ: لاَ نَعْرِفُ لِقَتَادَةَ سَمَاعًا مِنْ عَبْدِاللهِ بنِ
بُرَيْدَةَ".
وقال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ،
وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
وقال أبو نُعيم في «الحلية» (9/223): "غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ
قَتَادَةَ لَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ إِلَّا المُثَنَّى بنُ سَعِيدٍ الضُّبَعِيُّ".
قلت: هذا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَن قَتادة، عَن عبدالله
بن بريدة إلاَّ المُثَنَّى بنُ سَعِيد!!
والمثنى ثقة، لكن تفرده بهذا الحديث غريب كما قال أبو نُعيم!! فكيف
يتفرد به عن مثل قتادة دون سائر أصحابه؟!
على أن للحديث علّة، وهي الانقطاع! فقتادة لم يسمع من عبدالله بن
بريدة! وما نقله الترمذي بقوله: "وقد قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الحَدِيثِ: لاَ
نَعْرِفُ لِقَتَادَةَ سَمَاعًا مِنْ عَبْدِاللهِ بنِ بُرَيْدَةَ"، إنما هو
قول البخاري، فلا ندري لم لمْ يذكر اسمه!
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (4/12): "ولا يعرف سماع
قتادة من ابن بريدة".
·
متابعة للحديث:
وقد تُوبع قتادة عليه، تابعه: كهمس بن الحسن البصري.
أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (2/381) (1968)، والبزار في «مسنده»
(10/279) (4385) كلاهما عن مُحَمَّد بن مَعْمَرٍ القيسي البصري، عن يُوسُف بن
يَعْقُوبَ الضبعي، عَنْ كَهْمَس بن الحَسَنِ، عَنْ عَبداللَّهِ بنِ بُرَيدة، عَن
أَبيهِ، عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم، بِنَحْوِهِ.
·
توضيح كلام البزار:
قال البزار: "ولا نَعْلَمُ أَسْنَدَ كَهْمَسٌ عَنْ
عَبداللَّهِ بنِ بُرَيدة عَن أَبيهِ غَيْرَ هذَا الحَدِيثِ، ولاَ نَعْلَمُ رَوَاهُ
عَنْ كَهْمَسٍ إلاَّ يُوسُفُ بنُ يَعْقُوبَ".
قلت: كأن البزار يقصد بهذا أن كهمساً لم يرو عن عبدالله بن بريدة عن
أبيه حديثاً مسنداً مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو صحيح.
وإن قصد الإطلاق فليس بصحيح؛ لأنه سبق وذكرنا أن كهمساً روى عن عبدالله
بن بريدة، قال: رأى أبي ناسًا يمرون بعضهم بين يدي بعض في الصلاة، فقال: "ترى
أبناء هؤلاء إذا أدركوا يقولون: إنا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون".
وروى أيضاً عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "غَزَا
مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّ عَشْرَةَ غَزْوَةً".
·
هل سمع يوسف الحديث من المثنى
وأخطأ فيه؟!
وهذا الحديث لا يُعرف عن كهمس!! وقد تفرد به يوسف بن يعقوب! وهو أَبُو
يعقوب السلعي البَصْرِيّ المعروف بالضبعي، كَانَ ينزل فِي بني ضبيعة، وهو صدوق.
فربما سمعه من المثنى بن سعيد البصري، وهو أكبر منه، وكان ينزل أيضاً
في بني ضبيعة!
فالحديث حديث المثنى، وأغلب الظن أن يوسف بن يعقوب سمعه منه، ثم
أخطأ في إسناده لما رواه، والله أعلم.
11- «من خبب زوجته..» (6/279/4348) وهو مخرج في «الصحيحة» (94 و325)،
وصححه جمع منهم المنذري.
ذكر الألباني في «صحيحته» (94) "من حلف بالأمانة فليس
منا"، ثم قال: "رواه أبو داود (3253): حدثنا أحمد بن يونس: حدثنا زهير:
حدثنا الوليد بن ثعلبة الطائي، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات. وابن بريدة اثنان: عبدالله
وسليمان، والأول أوثق وقد احتج به الشيخان... والوليد بن ثعلبة وثقه ابن معين وابن
حبان، وقد أخرج حديثه هذا في "صحيحه" (1318)".
وذكر أيضاً (325): "ليس منا من حلف بالأمانة، ومن خبب على
امرئ زوجته أو مملوكه فليس منا"، ثم قال: "أخرجه أحمد (5/352): حدثنا
وكيع: حدثنا الوليد بن ثعلبة، عن عبدالله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره. وأخرجه ابن حبان (1318) من طريق وكيع به نحوه.
قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير الوليد هذا
وقد وثقه ابن معين وابن حبان، وقد صحح إسناده المنذري في "الترغيب"
(3/93)".
قلت:
ورواه البزار في «مسنده» (10/306) (4425)، والحاكم في «المستدرك»
(4/331) (7816) من طريق عَبدالله بن داود، قَال: حَدَّثنا الوَلِيدُ بنُ
ثَعْلَبَةَ، عَنْ عَبداللَّهِ بنِ بُرَيدة، عَن أَبيهِ، رَضِي اللَّهُ عَنْهُ،
قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ
حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ زَوْجَةَ امْرِئٍ وَلَا
مَمْلُوكِهِ».
وهذا الحديث تفرد به الوَلِيدُ بنُ ثَعْلَبَةَ الطَّائِيُّ
البصريُّ، ورواه عنه جماعة، منهم: زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، ومندلُ بنُ عليٍّ، وإبراهيم
بن عيينة، ومُحَمَّد بن ربيعَة الكلابِي.
وصححه الحاكم.
قال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ولمْ
يُخَرِّجَاهُ".
قلت: تفرد الوليد بهذا الحديث عن عبدالله بن بريدة من بين أصحابه!
ولم يروه أحد من أصحاب ابن بريدة الثقات عنه كحسين المعلم الذي يُعد من أوثق
أصحابه وأتقنهم لحديثه، وسيأتي فيما بعد مخالفة الوليد لحسين في حديث ووهمه فيه!
والوليد هذا وثقه ابن معين في رواية إسحاق بن منصور.
ولم يذكره أحد بجرح ولا تعديل غير ابن معين فيما نقله عنه إسحاق!
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (8/142): "الوليد بن ثعلبة
الطائي عَنِ ابن بريدة، روى عَنْهُ: زهير بن معاوية ووكيع".
وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/2): "الوليد بن
ثعلبة الطائي: روى عن عبدالله بن بريدة. روى عنه: زهير ابن معاوية، ووكيع، وعلي بن
هاشم بن البريد. سمعت أبي يقول ذلك".
وذكره ابن حبان في «طبقة التابعين» من «الثقات» (5/494) (5899): "الوَلِيد
بن ثَعْلَبَة الطَّائِي: يرْوي عَن ابنِ بُرَيْدَة. روى عَنْهُ: زُهَيْر بن
مُعَاوِيَة، ووكيع بن الجراح".
ثم أعاده في «طبقة أتباع التابعين» (7/549) (11412): "الوَلِيد
بن ثَعْلَبَة الطَّائِي: يروي عَن عبدالله بن بُرَيْدَة. رَوَى عَنْهُ: زُهَيْر بن
مُعَاوِيَة، ووكيع".
وذكره الذهبي في «تاريخه» (3/1006) (467) فيمن توفي بين [141-150هـ]،
وقال: "بَصْرِيٌّ صدوق".
قلت: هو صدوق لكن لا يُقبل تفرده عن المشهورين الذين لهم أصحاب هم
أعرف بحديث شيوخهم كعبدالله بن بريدة، فكيف إذا وجدناه يخالف أصحاب عبدالله بن
بريدة في أحاديث أخرى!!
وقد روى الدولابي هذا الحديث في «الكنى والأسماء» (2/757) (1309)
فقال: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: أَنْبَأَنا القَاسِمُ بنُ
زَكَرِيَّا، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، عَنْ جَعْفَرٍ
الْأَحْمَرِ، عَنِ الوَلِيدِ أَبِي عُمَارَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَوْ مَمْلُوكَهُ
فَلَيْسَ مِنَّا».
قلت: فالظاهر أن الوليد أبا عمارة هذا هو: الوليد بن ثعلبة؛ لأنه
هو صاحب هذا الحديث. لكن ذكر هنا: "سليمان بن بريدة"! فلعله كان غير
منسوبا في الرواية "عن ابن بريدة" فنسبه بعضهم خطأ فقال: "سليمان
بن بريدة"! والله أعلم.
وجعفر بن زياد الأحمر يروي أيضاً عن المنذر بن ثعلبة الطائي - أخي
الوليد بن ثعلبة -، عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه.
وجعفر ليس بذاك القوي!
·
حديث أبي هريرة في هذا الباب!
ولما أخرج البزار في «مسنده» (17/48) (9564) حديث عبدة بن عبدالله،
يحيى بن آدم، عن عَمَّارِ بنِ رُزَيْقٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عيسى، عن عكرمة
بن خالد، عن يحيى بن يعمر، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ
خبب امرأة على زوجها ولا مملوكا على سيده».
قال البزار: "وهَذَا الحديثُ لاَ نَعْلَمْهُ يُرْوَى عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، إلا بهذا الإِسْنَاد، وقد رُوِيَ عَنْ
بُرَيْدَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهَذَا الإِسْنَاد
أحسن من إسناد بريدة".
قلت: إسناد حديث أبي هريرة لا يصح! وهو معلول كما سيأتي بيانه = فإسناد
حديث بريدة أضعف منه!
وحديث أبي هريرة رواه أبو الجوّاب الأحوص بن جَوَّاب، وزيد بن
الحُبَاب، ومعاوية بن هشام القصّار، ويحيى بن آدم) أربعتهم عن عمار بن رُزيق، عن
عبدالله بن عيسى بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن عكرمة، عن يحيى بن يعمر، فذكره.
وصححه الحاكم في «مستدركه» (2/214) فقال: "هذَا حَدِيثٌ
صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (12/370).
وقال الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (1890): "إسناده صحيح
على شرط مسلم، وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي".
قلت: ليس على شرط البخاري! فالبخاري لم يُخرّج لعمّار بن رُزَيْق!
وقد تفرد به عمار بن رزيق بهذا الإسناد، وهو صدوق لا بأس به، إلا
أن تفرده لا يُحتمل هنا!
وقد أعلّ أبو حاتم الرازي حديثاً لتفرده به وعدم متابعته عليه كما
في «العلل» (4/140).
على أنه لا يُعرف ليحيى بن يعمر سماعاً من أبي هريرة! ولا يُعرف
لعكرمة مولى ابن عباس رواية عن يحيى بن يعمر!
والحديث روي بإسناد آخر عن عكرمة مرسلاً، وهو يُعلّ هذا المتصل!
أخرجه مَعْمَر بن راشد في «جامعه» [كما رواه عَبْدالرَّزَّاق عنه (20994)]،
قال: أخبرني من سَمع عكرمة يقول: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ
مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ
عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ».
وهذه الرواية أصح من رواية عمار بن رزيق.
فحديث أبي هريرة هذا معلول بأربع علل.
·
الاختلاف
في «عكرمة»
الوارد في الحديث!
جاء في كل روايات الحديث «عكرمة» مهملاً دون نسبة، إلا في رواية
البزار كما سبق جاء منسوبا: «عكرمة بن خالد»!
والأصل أنه إذا أطلق «عكرمة» فهو مولى ابن عباس المشهور.
وقد جاء منسوباً في رواية البخاري في «التاريخ الكبير» (1/396)
قال: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ الحُباب، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَمَّارُ بنُ رُزَيْقٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بن عِيسَى، عَنْ
عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابنِ عَبَّاسٍ، عَنْ يحيى بن يعمر، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَهُ.
فالصواب أنه «عكرمة مولى ابن عباس» لا «ابن خالد»، وكأن بعض الرواة
نسبه فأخطأ فيه.
وكان البخاري قد ذكر هذا الحديث في ترجمة «إسحاق بن عبدالله العدني»
(1/395) لبيان الاختلاف في أسانيده! فقال: "إِسْحَاق بنُ عَبْدِاللَّهِ العَدَنِيُّ
عَنْ عكرمة عن ابن عباس: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ
أَفْسَدَ امْرَأَةَ عَلَى زَوْجِهَا». عَبْدالعزيز: سَمِعَ حسين بن حريث:
حَدَّثَنَا عَبْدالعزيز بن مُحَمَّد، عَنْ ثور.
وقَالَ لي أَبُو ثابت: حَدَّثَنَا الدراوردي، عَنْ ثور بن زيد،
عَنْ إِسْحَاق بن جَابِر العدوي، عَنْ عكرمة، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا".
ثم ساق حديث عمار بن رزيق!
وكأنه أراد بهذا بيان أن هذا الحديث من طريق عكرمة هو حديث «إسحاق
العدني» هذا.
فذكر رواية عبدالعزيز بن محمد الدراوردي والاختلاف عليه في اسم والد
إسحاق: «إسحاق بن عبدالله العدني»، أو: «إسحاق بن جابر العدوي»! كذا في المطبوع «العدوي»!
وأظنها محرفة عن «العدني».
ويؤيده ما ذكره الضياء المقدسي في «المختارة» (11/276) قال: "إِسْحَاقُ
بنُ جَابِرٍ العَدَنِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ".
ثم ساق حديثه من «مسند أبي يعلى الموضلي» (4/303) (2413) عن
مُصْعَب بن عَبْدِاللَّهِ بنِ مُصْعَبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ
ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ
مِنَّا مَنْ خَبَّبَ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ أَفْسَدَ
امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ أَجْلَبَ عَلَى الْخَيْلِ يَوْمَ
الرِّهَانِ».
ثم قال الضياء: "إِسْحَاقُ بنُ جَابِرٍ: لَمْ يَذْكُرْهُ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِه"!
قلت: بل ذكره؛ لأنه منسوب إلى جده.
قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/227): "إسحاق بن عبدالله
العدني، هو الذي يقال له: إسحاق بن جابر. روى عن عكرمة، روى عنه ثور بن زيد. سمعت
أبي وأبا زرعة يقولان ذلك. زاد أبي: وهو إسحاق بن عبدالله بن جابر".
وقال ابن حبان في «الثقات» (6/47): "إِسْحَاق بن عبدالله بن
جَابر العَدنِي يروي عَن عِكْرِمَة. روى عَنهُ: ثَوْر بن زيد الديلِي، ومن زعم
أَنه إِسْحَاق بن جَابر فقد نسبه إِلَى جده".
فكأن البخاري أراد بيان أنه نُسب إلى جدّه في هذه الرواية، ومنه
استفاد أبو حاتم وابن حبان.
ثم بيّن البخاري الاختلاف على الدراوردي في إسناده: متصلا ومرسلا!
- حسين بن حريث، عن عَبْدالعزيز بن مُحَمَّد الدراوردي، عَنْ ثور
بن زيد، عن إِسْحَاق بن عَبْدِاللَّهِ العَدَنِيّ، عَنْ عكرمة، عن ابن عباس، عن
النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
- أَبُو ثابت، عن الدراوردي، عَنْ ثور بن زيد، عَنْ إِسْحَاق بن
جَابِر العدوي، عَنْ عكرمة، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
مرسلاً.
ثم أتى برواية عَمَّار بن رُزَيْقٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بن عِيسَى،
عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابنِ عَبَّاسٍ، عَنْ يحيى بن يعمر، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!
فأصل الحديث حديث إسحاق العدني، وهو رجل مجهول الحال! وكعادته
أورده ابن حبان في «ثقاته» لعدم وجود جرح أو تعديل فيه!
·
حديث آخر عن يحيى بن يعمر عن أبي
هريرة:
وقد رُوي عن يحيى بن يعمر عن أبي هريرة حديثا آخر:
رواه إسحاق بن راهويه في «مسنده» (1/436) (506) قالَ: حَدَّثَنَا
النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنِ
الْأَزْرَقِ بنِ قَيْسٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْمُرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا
يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ صَلَاتُهُ، فَإِنْ كَانَ أَكْمَلَهَا وَإِلَّا قَالَ
اللهُ: انْظُرُوا أَلِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ، فَإِنْ وُجِدَ لَهُ تَطَوُّعٌ،
قَالَ: أَكْمِلُوا بِهِ الْفَرِيضَةَ».
وقد صححه جماعة من المتأخرين والمعاصرين!
قال ابن القطان الفاسي في «بيان الوهم والإيهام» (5/229): "سَنَده
صَحِيح".
وقال ابن الملقن في «تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج» (1/333):
"رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من طَرِيق
أُخْرَى إِلَى أبي هُرَيْرَة ثمَّ قَالَ: حسن، والحَاكِم وَقَالَ: صَحِيح
الْإِسْنَاد، قَالَ: وَله شَاهد عَلَى شَرط مُسلم فَذكره من حَدِيث تَمِيم
الدَّارِيّ".
قلت: بل هو معلول، وكذا الطرق التي أشار إليها ابن الملقن!!
وهذا الحديث رواه حماد بن سلمة، واضطرب فيه!!
رواه النسائي في «السنن الكبرى» (1/205) (321) عن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيمَ ابن راهويه.
ورواه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (6/388) (2554) عن النسائي.
ورواه البزار في «مسنده» (17/49) (9566) عن عبدالله ختن شيبان بن
فروخ، عن عبدالملك الجدي قال: حَدَّثَنا حمَّاد بن سَلَمة، قال: حَدَّثَنا الأزرق
بن قيس، عن يحيى بن يعمر، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أول ما يحسب به العبد الصلاة فإن
كانت تامة وإلا قيل هل له من تطوع فتكمل الفريضة من تطوعه».
قال البزار: "وهذا الحديثُ رواه حمَّاد بن سَلَمة، عن الأزرق
بن قيس، عن يحيى بن يعمر، عن بعض أصحاب النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ولا نَعْلَمُ أحدا قال: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،
إلا عبدالملك الجدي".
قلت: بل قال ذلك أيضا: النضر بن شميل كما تقدم في رواية النسائي.
والحاصل أن الاختلاف في ذكر اسم الصحابي وعدمه من حماد بن سلمة!
فقد اختلف عليه فيه:
فرواه عفان بن مسلم البصري [كما عند ابن أبي شيبة في «المصنف»
(7/272) (36008)، وأحمد في «مسنده» (34/293) (20692)].
وحسن بن موسى الأشيب [كما عند أحمد في «مسنده» (27/160) (16614)، و(28/149) (16949)،
و(38/252) (23203)].
وأبو الوليد هشام بن عبدالملك الطيالسي [كما عند محمد بن نصر المروزي في
«تعظيم قدر الصلاة» (1/214) (186)].
وعُبيدالله بن محمد التيمي [كما عند الطحاوي في «شرح مشكل
الآثار» (6/385) (2552)].
وسليمان بن حرب البصري، وإبراهيم بن الحجاج السامي البصري، والربيع
بن يحيى بن مِقْسم البصري [كما عند الحاكم في «مستدركه» (1/394) (967)]، كلهم عن حماد، عن
الأزرق بن قيس، عن يحيى بن يعمر، عن رجل من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم،
ولم يسموه.
قال ابن رجب في «فتح الباري» (5/142) لما ذكر الاختلاف في إسناد
الحديث: "وقيل - بهذا الإسناد -: عن يحيى بن يعمر، عن رجل من أصحاب النبي -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. خرجه الإمام أحمد. وهذا إسناد جيد".
قلت: ليس بجيد! لأن حماداً اضطرب فيه!! والرجل مبهم ولا نعرف هل
صحت له صحبة أم لا إن صح هذا الإسناد؟!!
وقد تفرد به حماد بن سلمة! ورُوي عنه بإسنادين آخرين!
رواه عن حُميد، عن الحسن، عن رجل، عن أبي هريرة!
ورواه عن داود بن أبي هند، عن زُرارة، عن تميم الداري، عن النبي
صلى الله عليه وسلم!
رواه أحمد في «مسنده» (28/152) (16954) عن عَفَّان، عن حَمَّاد بن
سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَدَاوُدَ،
عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، نحوه.
وأشار العقيلي إلى اضطراب حماد فيه! فقال في «الضعفاء» (3/132):
"وقَالَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ
رَجُلٍ، مِنْ بَنِي سُلَيْطٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قالَ حَمَّادٌ: وَعَنْ ثَابِتٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الجُدِّيُّ وَحْدَهُ: عَنْ حَمَّادٍ، عَنِ الْأَزْرَقِ بْنِ
قَيْسٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
قلت: قد ذكرت فيما سبق أن الجدي لم يتفرد بذلك، بل تابعه عليه
النضر بن شميل كما في رواية ابن راهويه! والله أعلم.
أما حديثه عن حميد عن الحسن فهو مضطرب!
وقد ساق شيئا من الكلام على اضطرابه العقيلي في الموضع السابق،
فقال: "ورَوَاهُ أَبُو الْأَشْهَبِ جَعْفَرُ بْنُ حَيَّانَ الْعُطَارِدِيُّ عَنِ
الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ عَلِيٍّ الرِّفَاعِيُّ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، مَوْقُوفًا. وَرَوَاهُ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنِ
الْحَسَنِ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا.
وَرَوَاهُ أَبَانُ الْعَطَّارُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حُرَيْثِ
بْنِ قَبِيصَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَحْوَهُ. قُلْتُ: وَقَالَ مُوسَى بْنُ خَلَفٍ، عَنْ قَتَادَةَ عَنِ
الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَمْ يُدْخِلْ بَيْنَهُمَا أَحَدًا. وَرَوَاهُ
ابْنُ عُلَيَّةَ وَعَبْدُالْوَارِثِ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ،
عَنْ أَنَسِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَوْقُوفًا. وَقَالَ ابْنُ
الْمُبَارَكِ وَشَرِيكٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ عَنْ
صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ. وَقَالَ جَرِيرٌ: عَنْ لَيْثٍ، عَنْ سَالِمٍ،
عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَوْ مُعَاوِيَةَ بْنِ
صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَحْوَهُ".
وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (2/352): قالَ أَبِي: "يَرْوِي
هَذَا الحديثَ أَبَانُ العَطَّارُ، عَنْ قَتَادَةَ، عن الحَسَن، عن أَنَسِ ابْنِ
حَكِيمٍ؛ قَالَ: قَدِمْتُ المدينةَ، فَذَكَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النبيِّ
صلى الله عليه وسلم".
قَال ابن أبي حاتم: "وَرَوَاهُ حُمَيد، عَنِ الحَسَن، عَن
رَجُل مِنْ بَنِي سَلِيطٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَرَوَاهُ شَرِيكٌ، عَن إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الحَسَن، عَنْ
صَعْصَعةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه
وسلم".
قال: وسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَن ذَلِكَ؟ فقالَ: "الصَّحيحُ:
عَنِ الحَسَن، عَنْ أَنَسِ بنِ حَكِيم، عَنْ أَبِي هريرة، عن النبيِّ صلى الله
عليه وسلم".
وقد بيّن الدارقطني الاختلاف في هذا الحديث أيضاً في «العلل» (8/244)
(1551) قال - وقد سُئل عنه -: "يَرْوِيهِ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ
حُمَيْدٍ، وَيُونُسُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلِيطٍ، عَنْ أَبِي
هريرة.
وخَالَفَهُ إِسْمَاعِيلُ بنُ مُسْلِمٍ المَكِّيُّ، رَوَفاهُ عَنِ
الحَسَنِ، عَنْ صَعْصَعَةَ بنِ مُعَاوِيَةَ، عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
ورَوَاهُ قَتَادَةُ، عَنِ الحَسَنِ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:
فَرَوَاهُ هَمَّامُ بنُ يَحْيَى، وَسَعِيدُ بنِ بَشِيرٍ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ حُرَيْثِ بنِ قَبِيصَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وقَالَ عِمْرَانُ القَطَّانُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ
أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وقَالَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَأَبَانُ الْعَطَّارُ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ حَكِيمٍ الضَّبِّيِّ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ.
وكَذَلِكَ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ
أَنَسِ بنِ حَكِيمٍ الضَّبِّيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، إِلَّا أَنَّهُ
لَمْ يَرْفَعْهُ.
قَالَ ذَلِكَ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، وَابْنُ عُلَيَّةَ،
وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ يُونُسَ، إِلَّا أَنَّ يُونُسَ شَكَّ فِي
رَفْعِهِ.
وَرَوَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الحَسَنِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ بَيْنَ الحَسَنِ وَبَيْنَ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَحَدًا، أَسْنَدَهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي
جَعْفَرٍ، وَوَقَفَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ سَابِقٍ، عَنْهُ.
ورَوَاهُ أَبُو الْأَشْهَبِ العُطَارِدِيُّ، وَخَالِدُ بْنُ
رَبَاحٍ، وَعَلِيُّ بْنُ عَلِيٍّ الرِّفَاعِيُّ، وَعَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ،
وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَاخْتُلِفَ عَنْ أَشْعَثَ بنِ عَبْدِالمَلِكِ:
فَرَوَاهُ رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الحَسَنِ،
عَنْ أَبِي هريرة.
وَخَالَفَهُ خَالِدُ بنُ سُلَيْمَانَ فَرَوَاهُ عَنْ أَشْعَثَ،
عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ.
وَاخْتُلِفَ عَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانَ:
فَرَوَاهُ ثَابِتٌ أَبُو زَيْدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الحَسَنِ
مُرْسَلًا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وخَالَفَهُ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ فَرَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الحَسَنِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا.
وَقِيلَ: عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ، عَنِ الحَسَنِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وكَذَلِكَ قَالَ عُثْمَانُ السُّرِّيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ
الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَوَهِمَ.
والصَّحِيحُ عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ.
ورَوَاهُ عَلِيُّ بنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:
فرواه يزيد بن هارون عن سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَلِيِّ
بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَقِيلَ: عَنْ يَزِيدِ بْنِ هَارُونَ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَلِيِّ
بْنِ زَيْدٍ، وَذِكْرُ مِسْعَرٍ فِيهِ وَهْمٌ.
وقَالَ ابْنِ عُيَيْنَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ الحَسَنِ
مُرْسَلًا.
وَأَشْبَهُهَا بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنِ الحَسَنِ،
عَنْ أَنَسِ بنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ".
قلت: بيّن الدارقطني الاضطراب في أسانيد هذا الحديث، ثم مال إلى
تصويب من رواه عن الحسن، عن أنس بن حكيم، عن أبي هريرة.
وهو الصواب من قول أبي هريرة - رضي الله عنه -.
وقد علل البخاري طريق من رواه عن الحسن عن أبي هريرة، فقال في «التاريخ
الكبير» (2/33) (1593): "أنس بن حكيم الضبي البَصْرِيّ.
قَالَ لَنَا مُوسَى بنُ إِسْمَاعِيلَ: حدثنا أَبَانُ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ
الْعَبْدُ صَلاتُهُ.
وقَالَ لَنَا أَبُو مَعْمَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُالوَارِثِ: سَمِعَ
يونس، عن الحسن: سمع أنس بن حَكِيمٍ الضَّبِّيَّ: سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قولَهُ.
وقَالَ لِي عَبْدُاللَّهِ الجُعْفِيُّ: حَدَّثَنَا ابنُ عُلَيَّةَ:
أَخْبَرَنَا يُونُسُ - نَحْوَهُ، قَالَ يُونُسُ: وَأَحْسَبُهُ ذَكَرَ النَّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَلِيٍّ:
سَمِعَ الحَسَن قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قولَهُ.
وقَالَ لِي الحَسَن: عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ سَلْمِ بْنِ
عَطِيَّةَ، عَنْ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ التَّمِيمِيِّ - أَوْ مُعَاوِيَةَ
بْنِ صَعْصَعَةَ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قولَهُ.
وقَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا مُوسَى بن خَلَفٍ: حدثنا أَبِي:
حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ الحَسَن، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقَالَ لِي عَمْرُو بنُ مَنْصُورٍ القَيْسِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو
الأَشْهَبِ: حدثنا الحَسَنُ: لَقِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَجُلا بِالْمَدِينَةِ
فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حدثنا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الحَسَنِ،
عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْطٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلم، وعن ثَابِتٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وحَدَّثَنَا مُوسَى: حَدَّثَنَا مبارك قَالَ: وَحَدَّثَنَا الحَسَن:
حَدَّثَنَا رجل من أهل البصرة: كنت أجالس أبا هُرَيْرَةَ بالمدينة قولَهُ.
وقال عباد بن ميسرة: حَدَّثَنَا الحَسَن قَالَ: حدثنا أَبُو
هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
قَالَ البخاري: "ولا يصح سماع الحَسَن من أَبِي هُرَيْرَةَ
فِي هذا".
وقد أخرج الترمذي في «جامعه» (1/535) (413) حديث هَمَّام، قَالَ:
حَدَّثَنِي قَتَادَةُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ حُرَيْثِ بنِ قَبِيصَةَ، قَالَ:
قَدِمْتُ المَدِينَةَ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، قَالَ
فَجَلَسْتُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقُلْتُ: إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ
يَرْزُقَنِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَحَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ،
فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ
صَلاَتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ
خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ
وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا
انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ.
قال الترمذي: "وَفِي البَابِ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ".
وقال: "حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ
هَذَا الوَجْهِ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَدْ رَوَى بَعْضُ أَصْحَابِ الحَسَنِ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ
قَبِيصَةَ بْنِ حُرَيْثٍ، غَيْرَ هَذَا الحَدِيثِ، وَالمَشْهُورُ هُوَ قَبِيصَةُ بنُ
حُرَيْثٍ.
وَرُوِي عَنْ أَنَسِ بنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُ هَذَا".
قلت: أما حديث تميم فسيأتي الكلام عليه. والذي حسّنه الترمذي ليس
بحسن!!
وقد رجّح البزار في «مسنده» (16/270) طريقاً آخر عن قتادة، فساقه
من حديث أَبَان بن يَزِيدَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ الحَسَن، عن أنس بن حكيم، عن أبي
هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أول ما يحاسب به العبد صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن أساء فقد
خاب وخسر».
قال البزار: "وهَذَا الحديثُ لا نَعْلَمُ لَهُ طَرِيقًا عَنْ
أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أحسن من هذا الطريق".
قلت: وهذا قريب من ترجيح الدارقطني المتقدم، إلا أن الوقف هو
الأرجح فيه.
وقال المزي في «تهذيب الكمال» (3/346) في ترجمة «أنس بن حكيم»:
"وهُوَ حديث مضطرب، منهم من رفعه، ومنهم من شك فِي رفعه، ومنهم من وقفه،
ومنهم من قال: عن الحسن، عن رجل من بني سليط، عَن أبي هُرَيْرة، ومنهم من قال: عن
الحسن، عَن أبي هُرَيْرة.
وهُوَ أحد المجهولين الذين ذكر علي بن المديني: أن الحسن روى عنهم.
روى له أبو داود، وابن مَاجَهْ هَذَا الحَدِيث الواحد".
·
حديث حَمَّاد بن سَلَمَةَ، عن
دَاوُد بن أَبِي هِنْدٍ، عَنْ زُرَارَةَ بنِ أَوْفَى، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ:
قال البزار في «مسنده» (17/50): "ولا نعلم يُروى هذا الخبر
إلاَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وتميم الداري رضي الله عنهما".
قلت: أما حديث أبي هريرة، فقد تكلّم أهل العلم عن اضطرابه!! ورجّح
بعضهم أن أصح الروايات فيه ما ورد عن الحسن، عن أنس بن حكيم، عن أبي هريرة، من
قوله!
وأنس هذا مجهول!!
وبعضهم جعل له شاهداً من حديث تميم الداري!
وحديث تميم:
رواه حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، واختلف عليه فيه:
فرواه عفّان بن مسلم البصري [كما عند أحمد في «مسنده» (28/152)
(16954)، وابن ماجه في «سننه» (2/425) (1426)].
وموسى بن إسماعيل البصري [كما عند أبي داود في «سننه» (2/150)
(866)، والحاكم في «مستدركه» (1/394) (966)، والبيهقي في «سننه» عن الحاكم (2/540)
(4002)].
وسليمان بن حرب البصري [كما عند الدارمي في «مسنده» (2/854)
(1395)، وابن ماجه في «سننه» عن الدارمي (2/425) (1426)، والحاكم في «مستدركه» (1/394)
(967)].
وإبراهيم بن الحجاج السامي البصري، والربيع بن يحيى بن مِقْسَم
البصري
[كما عند الحاكم في «مستدركه» (1/394) (967)].
وحجاج بن المنهال البصري [كما عند الطبراني في «المعجم
الكبير» (2/51) (1255)، وفي «الأوائل» (23)، والبيهقي في «الشعب» من طريق الطبراني
(4/556) (3012)].
وأبو االوليد هشام بن عبدالملك الطيالسي [كما عند ابن نصر المروزي في «تعظيم
قدر الصلاة» (1/216) (190)، والدينوري في «المجالسة» (6/352) (2758)].
وعلي بن عثمان بن عبدالحميد البصري [كما عند البيهقي في «الشعب» (4/556)
(3012)].
وأَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ مُوسَى الشَّامِيُّ [كما في «الثاني عشر من الخلعيات»
(33)، وابن عبدالبر في «التمهيد» (24/79)].
وعُبيدالله بن محمد التيمي العائشي [كما عند الطحاوي في «شرح مشكل
الآثار» (6/385) (2552)، وابن قانع في «الصحابة» (1/109)].
كلهم عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ زُرَارَةَ بنِ أَوْفَى،
عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ الصَّلَاةُ، فَإِنْ وَجَدَ
صَلَاتَهُ كَامِلَةً، كُتِبَتْ لَهُ كَامِلَةً، وَإِنْ كَانَ فِيهَا نُقْصَانٌ،
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى للِمَلَائِكِهِ: انْظُرُوا، هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ
فَأَكْمِلُوا لَهُ مَا نَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ، ثُمَّ الزَّكَاةُ، ثُمَّ الْأَعْمَالُ
عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ».
كذا رواه الجماعة عن حمّاد.
وخالفهم مؤمل بن إسماعيل، فرواه عن حماد، عن ثابت البُنَاني، عن زُرارة،
عن تميم مرفوعاً.
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (2/51) (1256).
قلت: مؤمل بن إسماعيل سيء الحفظ، ووهم فيه، والصواب عن حمّاد ما
رواه الجماعة.
·
وهم حماد بن سلمة!
وقد تفرد حماد بن سلمة برفعه، وخالفه آخرون فأوقفوه على تميم!
قالَ أَبُو الوَلِيدِ الطيالسي بعد أن رواه: "ولَمْ يَرْفَعْ
هَذَا الحَدِيثَ غَيْرُ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ".
وقَالَ الدارمي: "لا أَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ غَيْرَ
حَمَّادٍ". قِيل له - أي للدارمي-: صَحَّ هَذَا؟ قَالَ: "لا".
وقال البيهقي: "رَفَعَهُ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ وَوَقَفَهُ
غَيْرُهُ".
وممن رواه عن دواد موقوفاً:
يزيد بن هارون [كما عند ابن أبي شيبة في «مصنفه» (6/170) (30422)، والبيهقي في «سننه»
(2/541) (4003)].
وهُشيم [كما عند ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2/171) (7771)].
وخالد بن عبدالله الطحان [كما عند محمد بن نصر في «تعظيم
قدر الصلاة» (1/217) (191)]
وبشر بن المفضل البصري [كما عند محمد بن نصر في «تعظيم
قدر الصلاة» (1/217) (192)].
وسفيان الثوري [كما عند أبي يعلى الخليلي في «فوائده» (27)].
وحفص بن غياث [قال البيهقي: "وَوَقَفَهُ سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ وحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ"].
كلهم عن داود بن أبي هند، عن زرارة بن أوفى، عن تميم الداري، قال:
«إن أول ما يحاسب به العبد الصلاة، فإن أتمها وإلا قيل انظروا أله تطوع، فإن كان
له تطوع فأكملوا المكتوبة من التطوع».
وفي رواية: «فَإِنْ لَمْ تَكْمُلِ الفَرِيضَةُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ
تَطَوُّعٌ أُخِذَ بِطَرَفَيْهِ فَقُذِفَ بِهِ فِي النَّارِ».
فالحديث عن داود بن أبي هند، عن زرارة، عن تميم، من قوله، وقد وهم
حماد بن سلمة في رفعه.
ولا يُلتفت لقول الحاكم في «مستدركه»: "قَدْ ذُكِرَ هَذَا الخِلَافُ
فِيهِ عَلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ لِيَعْلَمَ الْمُتَأَمِّلُ أَنَّ الَّذِي
صَحَّحْنَاهُ حَدِيثُ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ عَلَى
حَمَّادٍ، وَسَائِرُ الرِّوَايَاتِ فِيهِ أَسَانِيدُ لِحَمَّادٍ، عَنْ غَيْرِ
دَاوُدَ".
فالحاكم نظر إلى عدم الخلاف على حماد في روايته عن داود، وهذا
صحيح؛ لأن رواية مؤمل عنه لا يُعتد بها، لكن لم ينظر إلى مخالفة الثقات لحماد في
رفعه! فصحح المرفوع، فأخطأ في ذلك!!
ومع أن الصواب في الحديث هو الوقف على تميم الداري إلا أنه معلول
أيضاً! فزرارة لم يلق تميم الداري!
قال العلائي في «جامع التحصيل» (ص: 176): "زرارة بن أوفى قاضي
البصرة، روى عن تميم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أول ما يحاسب به
المرء من عمله صلاته»، قال أحمد بن حنبل: ما أحسب لقي زرارة تميماً، تميم كان
بالشام، وزرارة بصري كان قاضيها".
وكذا نقله ابن رجب الحنبلي في «فتح الباري» (5/142).
·
استغراب الخليلي لرواية الثوري!
وترجيحه لحديث حماد!! والرد عليه!
روى أبو يعلى الخليلي في «فوائده» (27) قال: حَدَّثَنَا أَبُو
الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى المُزَكِّي
بِنَيْسَابُورَ قَالَ: أَنبأنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ
الشَّرْقِيُّ، قال: حدثنا إِبْرَاهِيمُ بنُ عَبْدِاللَّهِ السَّعْدِيُّ، قال: حدثنا
عَبْدُالعَزِيزِ بنُ أَبَانَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي
هِنْدٍ، عَنْ زُرَارَةَ بنِ أَوْفَى، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَوَّلُ مَا
يُحَاسَبُ الرَّجُلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاتِهِ».
قال الخليلي: "الحَدِيثُ غَرِيبٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ
دَاوُدَ، لَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ إِلَّا عَبْدُالعَزِيزِ، وَلَا عَنْ
عَبْدِالعَزِيزِ الكُوفِيِّ إِلَّا إِبْرَاهِيمُ، وَهُوَ ثِقَةٌ، رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ
فِي الصَّحِيحِ، وَالمَشْهُورُ هَذَا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ عَنْ
دَاوُدَ، رَوَاهُ الخَلْقُ عَنْهُ".
قلت: نعم، الحديث مشهور من حديث حماد بن سلمة، لكن قد خولف حماد
فيه كما بيناه آنفاً!
وحتى لو كانت الرواية عن سفيان غريبة، فقد رواه غير سفيان كما
بيناه آنفاً كذلك.
وقد رواه يزيد بن هارون، وهُشيم، وخالد بن عبدالله الطحان، وبشر بن
المفضل البصري، وحفص بن غياث، كلهم عن داود كما رُوي عن سفيان.
ورواية هؤلاء أصح من رواية حماد بن سلمة. والعجب من الخليلي كيف لم
يلتفت إلى هذه الروايات!!
والخلاصة أنه لا يصح في هذا الباب شيء!
وقد روى مالك «موطئه» عَنْ
يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي: «أَنَّ
أَوَّلَ مَا يُنْظَرُ فِيهِ مِنْ عَمَلِ العَبْدِ الصَّلَاةُ فَإِنْ قُبِلَتْ
مِنْهُ نُظِرَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عَمِلِهِ وَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ لَمْ
يُنْظَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ».
قال ابن عبدالبر في «التمهيد» (24/79):
"وهَذَا لَا يَكُونُ رَأْيًا وَلَا اجْتِهَادًا وَإِنَّمَا هُوَ تَوْقِيفٌ،
وَقَدْ رُوِيَ مُسْنَدًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
وُجُوهٍ صِحَاحٍ".
قلت: لم يصح أي شيء مسند في ذلك! والحديث
أصله مرسل.
12- حديث ضرب الجارية على الدف.. (6/286 - 287) وهو مخرج في «الصحيحة»
(2261)، وصححه الترمذي أيضا.
ذكر الألباني في «صحيحته» (5/330) (2261) حديث: "إن كنت نذرت
فاضربي، وإلا فلا".
وقال: "أخرجه الترمذي (3691)، وابن حبان (4371 - الإحسان)،
والبيهقي (10/77)، وأحمد (5/353) من طريق الحسين بن واقد قال: حدثني عبدالله بن
بريدة، قال: سمعت بريدة يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه، فلما
انصرف، جاءت جارية سوداء، فقالت: يا رسول الله! إني نذرت إن ردك الله سالما أن
أضرب بين يديك بالدف وأتغنى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. (فذكره)، فجعلت
تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل
عمر، فألقت الدف تحت استها، ثم قعدت عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الشيطان ليخاف منك يا عمر! إني كنت جالسا وهي تضرب، فدخل أبو بكر وهي
تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، فلما دخلت أنت يا عمر ألقت
الدف".
وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح".
قلت: وإسناده جيد رجاله ثقات رجال مسلم وفي الحسين كلام لا يضر. قال
الحافظ في "التقريب": صدوق له أوهام" انتهى.
قلت:
نقل ابن كثير في «جامع المسانيد والسنن» (1/486) قول الترمذي: "حسنٌ
صحيحٌ غريب لا نعرفهُ إلا من حديثه" - يعني الحسين بن واقد.
وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (10/232) (4386)
قلت: وهذا مما تفرد به حسين بن واقد عن عبدالله بن بريدة! وهو من
مناكيره التي يرويها عنه كما قال الإمام أحمد في حديثه عنه مناكير! ولم يُتابعه أحد عليه! ونكارته
واضحة!!
والعجب من الترمذي كيف يُصححه!!
14- «صاحب الدابة أحق..» (7/114/4715) وهو مخرج في «صحيح أبي داود»
(2318)، وحسنه الترمذي، وصححه أيضا الحاكم والذهبي، وصرح عبدالله بن بريدة بسماعه
من أبيه عند أحمد وغيره.
ذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (7/324) (2318/1): "عن
بُريدَةَ قال: بينما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يمشي؛ جاء رجلٌ
ومعه حمارٌ، فقال: يا رسول الله! اركب، وتأخر الرَّجُلُ، فقال رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا! أنت أحقُّ بصدر دابَّتك مني؛ إلا أن تجعله
لي". قال: فإني قد جعلته لك! فركب".
قال: قلت: إسناده حسن صحيح، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان والحاكم
والذهبي".
إسناده: حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المَرْوَزِيُّ: حدثني علي بن
حسين: حدثني أبي: حدثني عبدالله بن بريدة قال: سمعت أبي بريدةَ يقول...
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير المروزي، وهو
ثقة.
وفي علي بن الحسين - وهو ابن واقد- كلام يسير من قبل حفظه.
وكذا القول في أبيه؛ لا سيما وقد خولف في وصله كما يأتي.
والحديث أخرجه الترمذي (2774)، والحاكم (2/64)، والبيهقي (5/258)
من طرق أخرى عن علي بن الحسين بن واقد... به. وقال الحاكم: "صحيح على شرط
مسلم"! ووافقه الذهبي!
والأقرب ما قاله الترمذي: "حديث حسن غريب من هذا الوجه. وفي
الباب عن قيس بن سعد بن عبادة".
وتابعه زيد بن الحُبَابِ: حدثني حسين بن واقد... به.
أخرجه أحمد (5/353)، وابن حبان (2001).
وخالفه حَبِيبُ بن الشَّهيد، فقال: عن عبدالله بن بريدة: أن معاذ
بن جبل أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بدابة ليركبها، فقال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "رَبُّ الدابة أحق بصدرها". قال
معاذ: هي لك يا رسول الله! قال: فركب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ
وأردف معاذًا.
أخرجه البيهقي.
قلت: ولا شك أن هذا المرسل أقوى من الموصول الذي قبله؛ لكنه يتقوى
بما له من الشواهد الكثيرة عن جمع من الصحابة:
منهم: عمر بن الخطاب رضي الله عنه: رواه أحمد (1/19). وحبيب بن
مسلمة وقيس بن سعد بن عبادة: عنده أيضًا (3/422). وإسناده حسن.
وغيرهم ممن خرَّجهم الحافظ الهيثمي (8/107)، وخرجته عن بعضهم في
"الإرواء" تحت الحديث (494)" انتهى.
قلت:
هذا الحديث تفرد به الحُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ، عَنْ عَبداللَّهِ بْنِ
بُرَيدة، عَن أَبيهِ!
وفي رواية: «صَاحِبُ الدَّابَّةِ أَحَقُّ بِصَدْرِهَا وَالرَّجُلُ
أَحَقُّ بِصَدْرِ فرسه».
والعجب كيف يصححه الألباني وهو يُقرّ بان المرسل أقوى من الموصول
بوجود شواهد للحديث!! مع أن هذه الشواهد كلها ضعيفة!
·
مخالفة الحسين بن واقد لحبيب بن
الشهيد!
والحديث هنا عن رواية اختلف فيها على عبدالله بن بريدة:
فرواه الحسين بن واقد المروزي عنه قال: سمعت أبي يقول: فذكره.
وخالفه حبيب بن الشهيد البصري، وهو ثقة ثبت، فرواه عن عبدالله بن
بريدة: أن معاذ بن جبل أتى النبي صلى الله عليه وسلم بدابة ليركبها، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «رب الدابة أحق بصدرها»، قال: فقال معاذ: فهي لك يا نبي
الله، فركب النبي وأردف معاذا.
أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (5/225) (25477) عن معاذ بن معاذ
العنبري، عن حبيب بن الشهيد، به.
وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (5/423) (10355) من طريق
سَعْدَان بن نَصْرٍ بن منصور البغدادي، عن مُعَاذ بن مُعَاذٍ، به.
وحبيب أثبت من الحسين بن واقد، وحديث أهل البصرة أثبت من حديث أهل
مرو عن عبدالله بن بريدة.
·
نكارة في متن حديث الحسين بن
واقد!
فخالفه حبيب في إسناده، فأرسله، وكذا في متنه! ففي حديث الحسين بن
واقد أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من الرجل أن يجعل الدابة له!! فقال «إلا أن
تجعله لي. قال: فإني قد جعلته لك! فركب»!!
وفي حديث حبيب أن معاذا هو من وهبها له لما قال له أن ربّ الدابة
أحق بصدرها!
وهذا أيضاً يُبين لنا النكارة في حديث الحسين بن واقد عن عبدالله
بن بريدة، والتي نبّه إليها الإمام أحمد، وذكرنا ذلك مراراً.
·
تحسين وتصحيح الأئمة للحديث
بالشواهد الواهية!
وكأن الترمذي حسّن الحديث بشواهده أيضاً مع نصه أنه غريب! وشواهد
الحديث كلها واهية!
قال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وَفِي
البَابِ عَنْ قَيْسِ بنِ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ".
وكذا صححه ابن حبان، والحاكم، وابن القطان الفاسي، وغيرهم! ولم يلتفتوا
إلى علته، وأنه مرسل!!!
·
وهم لإسماعيل بن عمرو البجلي في
روايته لحديث حبيب بن الشهيد!
وقد روى الطبراني في «المعجم الأوسط» (7/261) (7448) قال:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبَانَ، قال: حدثنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ عَمْرٍو
الْبَجَلِيُّ، قال: حدثنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ حَبِيبِ بنِ الشَّهِيدِ، عَنِ
ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، أَتَى
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَابَّةٍ يَرْكَبُهَا، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرَّجُلُ أَحَقُّ بِصَدْرِ دَابَّتِهِ»،
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هِيَ لَكَ، فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْدَفَ مُعَاذًا خَلْفَهُ.
قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ حَبِيبِ بنِ
الشَّهِيدِ، إِلَّا أَبُو شِهَابٍ، تَفَرَّدَ بِهِ: إِسْمَاعِيلُ بنُ عَمْرٍو
البَجَلِيُّ".
قلت: إن أراد الطبراني أنه لم يروه إلا أبو شهاب وتفرد به إسماعيل
بزيادة «عن أبيه» فنعم، وإلا فقد تقدم أن معاذ بن معاذ رواه عن حبيب لكنه أرسله،
ولم يذكر فيه: «عن أبيه»!
وقد وهم فيه إسماعيل بن عمرو البَجَلي، فزاد في إسناده: «عن أبيه»!
وإسماعيل في أصله صدوق الحديث، وهو كوفي قدم أصبهان فضاع هناك!! وصار ضعيف الحديث!
وقد ضعفه أبو حاتم، وابن عدي، والعقيلي.
وذكره ابن حبان في «الثقات» (8/100) وقال: "يُغرب كثيرا".
وحَكَى مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ مَنْدَهْ قالَ: سَمِعْتُ
إِبْرَاهِيمَ بنَ أَوْرَمَةَ يَقُولُ: شَيْخٌ مِثْلُ إِسْمَاعِيلَ بنِ عَمْرٍو
ضَيَّعُوهُ بأَصْبَهَانَ. وَحَكَى عَنْ عَبْدَانَ - وَسُئِلَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ
بْنِ عَمْرٍو-؟ فَقَالَ: إِسْمَاعِيلُ بنُ عَمْرٍو بِإِزَاءِ إِسْمَاعِيلَ بنِ
أَبَانَ، إِلَّا أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بنَ عَمْرٍو وَقَعَ بأَصْبَهَانَ فَلَمْ
يُعْرَفْ، وَغَرَائِبُ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ تَكْثُرُ. [طبقات المحدثين بأصبهان
والواردين عليها لأبي الشيخ (2/71)].
·
إشارة البخاري إلى حديث الحسين بن
واقد وتضعيفه!
بوب البخاري في «صحيحه» (7/169): «بَابُ حَمْلِ صَاحِبِ الدَّابَّةِ
غَيْرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. وقَالَ بَعْضُهُمْ: صَاحِبُ الدَّابَّةِ أَحَقُّ
بِصَدْرِ الدَّابَّةِ، إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ».
ثم قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: حَدَّثَنَا
عَبْدُالوَهَّابِ، قال: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ: - ذُكِرَ شَرُّ الثَّلاَثَةِ عِنْدَ
- عِكْرِمَةَ، فَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ حَمَلَ قُثَمَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالفَضْلَ
خَلْفَهُ، أَوْ قُثَمَ خَلْفَهُ، وَالفَضْلَ بَيْنَ يَدَيْهِ. فَأَيُّهُمْ شَرٌّ
أَوْ أَيُّهُمْ خَيْرٌ؟».
قال ابن حجر في «فتح الباري» (10/396): "«وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
صَاحِبُ الدَّابَّةِ أَحَقُّ بِصَدْرِ الدَّابَّةِ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ»
ثَبَتَ هَذَا التَّعْلِيقُ عِنْدَ النَّسَفِيِّ وَهُوَ لِأَبِي ذَرٍّ عَنِ المُسْتَمْلِي
وَحْدَهُ، والبَعْضُ المُبْهَمُ هُوَ الشَّعْبِيُّ، أَخْرَجَهُ ابن أبي شَيْبَةَ
عَنْهُ. وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَأحمد وَصَححهُ ابن حِبَّانَ وَالحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ،
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «بَيْنَمَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ وَمَعَهُ
حِمَارٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ارْكَبْ وَتَأَخَّرَ الرَّجُلُ، فَقَالَ:
لَأَنْتَ أَحَقُّ بِصَدْرِ دَابَّتِكَ إِلَّا أَنْ تَجْعَلَهُ لِي! قَالَ: قَدْ
جَعَلْتُهُ لَكَ، فَرَكِبَ»، وهَذَا الرَّجُلُ هُوَ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ، بَيَّنَهُ
حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَبْدِالله بن بُرَيْدَة لكنه
أرْسلهُ، أخرجه ابن أبي شيبَة من طَرِيقه.
قَالَ ابن بَطَّالٍ: كَأَنَّ البُخَارِيَّ لَمْ يَرْتَضِ
إِسْنَادَهُ - يَعْنِي حَدِيث بُرَيْدَة فَأدْخل حَدِيث ابن عَبَّاسٍ لِيَدُلُّ
عَلَى مَعْنَاهُ.
قُلْتُ: لَيْسَ هُوَ عَلَى شَرْطِهِ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَى
الْإِشَارَةِ إِلَيْهِ، وَقَدْ وَجَدْتُ لَهُ شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ
بنِ بَشِيرٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَفِيهِ زِيَادَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ،
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ،
وَفِي البَابِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ مَرْفُوعَة وموقوفة بِمَعْنى ذَلِك".
قلت: نعم، هو ليس على شرطه، وهو يشير أيضاً إلى تضعيفه؛ لأن حديث
ابن عباس يخالفه، فأردف واحداً خلفه، والآخر أمامه.
وقال ابن حجر في «تغليق التعليق» (5/82): "وفِي الْبَاب عَن
قيس بن سعد أَيْضا، وَأبي سعيد الخُدْرِيّ، وعبدالله بن حَنْظَلَة، وَعبدالله بن
يزِيد الخطمي، وَجَابِر بن عبدالله، وَأنس. ورويناه مُرْسلا أَو معضلا عَن كثير بن
فرقد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَحَدِيث قيس بن سعد فِي مُسْند
أَحْمد، وَحَدِيث أبي سعيد فِي مسندي مُسَدّد وَابْن أبي شيبَة، وَحَدِيث عبدالله
بن حَنْظَلَة فِي المعجم الْأَوْسَط، وَحَدِيث عبدالله بن يزيد فِي مُسْند أَحْمد،
وَحَدِيث جَابر فِي تَارِيخ ابن أبي خَيْثَمَة، وَحَدِيث أنس فِي السّنَن
الْكَبِير للبيهقي، وَحَدِيث كثير بن فرقد فِي جَامع ابْن وهب. ورويناه مَوْقُوفا
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَن الشّعبِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، أسْندهُ
عَنْهُم ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه".
قلت: كل هذه الشواهد ضعيفة لا تصح!
والأصوب في ذلك ما رُوي من موقوفات. وقد ذكرها ابن أبي شيبة في «مصنفه»
(5/224) تحت باب: «ما قالوا في: الرجل أحق بصدر دابته وفراشه».
فروى (25474) عن وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، قال: كان يُقال:
«الرجل أحق بصدر دابته وفراشه».
ثم روى (25475) عن محمد بن فضيل، عن سفيان العطار، قال: رأيت
الشعبي مرتدفا خلف رجل، قال: وكان يقول: «صاحب الدابة أحق بمقدمها».
ثم روى (25476) عن وكيع، عن جرير بن حازم، عن عيسى بن عاصم، قال:
قال عبدالله: «الرجل أحق بصدر دابته، والرجل أحق بصدر فراشه».
والخلاصة أنه لا يصح شيء في ذلك مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه
وسلم. والصواب فيها الإرسال، وأقوال بعض التابعين.
17- كان لا يتطير من شيء.. (7/530/ 5797) وهو مخرج في «الصحيحة»
(762)، وصححه ابن القطان.
ذكر الألباني في «صحيحته» (2/389) (762) حديث: "كان لا يتطير
من شيء، وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح به، ورؤي بشر ذلك في
وجهه، وإن كره اسمه رؤي كراهية ذلك في وجهه، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها، فإن
أعجبه اسمها، فرح بها ورؤي بشر ذلك في وجهه وإن كره اسمها رؤي كراهية ذلك في وجه
".
قال: "أخرجه أبو داود (2/859) وابن حبان (1430) وتمام في
"الفوائد" (109/2) وأحمد (5/347 - 348) وابن عساكر (2/136/1) عن هشام،
عن قتادة، عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه مرفوعا.
وليس عند ابن حبان قضية العامل، وهي عند تمام دون قضية القرية.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه ابن عدي (28/2) من
طريق أوس بن عبدالله بن بريدة، عن حسين بن واقد، عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه
قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتطير، ولكن يتفاءل. فذكر قصة
إسلام بريدة. الحديث". وأوس هذا ضعيف جدا، لكن تفاؤله صلى الله عليه وسلم
ثابت عنه في غير ما حديث، وما قبله صحيح بمتابعة قتادة. والله أعلم.." انتهى.
قلت:
هذا الحديث من رواية قتادة عن عبدالله بن
بريدة، وقتادة لم يسمع منه كما نبهت عليه مراراً، فهو منقطع!
وحديث أوس بن عبدالله بن بريدة الذي أخرجه
ابن عدي منكر!! أوس متروك الحديث.
18- إقبال الحسن والحسين عليه وهو يخطب (7/612 و613)، وهو مخرج في
«صحيح أبي داود» (1016)، وحسنه الترمذي، وصححه ابن خزيمة أيضا والحاكم والذهبي،
وصرح عبدالله بالسماع من أبيه عنده، أعني ابن حبان في روايته، وكذا أحمد.
ذكر الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (4/272) (1016): "عن
بُرَيْدَةَ بن الحُصَيْب قال: خطبنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛
فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما؛ عليهما، قميصان أحمران، يعثران ويقومان، فنزل
فأخذهما فَصَعِدَ بهما، ثم قال: "صدق الله! (إنما أموالكم وأولادكم فتنة)؛
رأيت هذين فلم أصبر"؛ ثم أخذ في الخطبة.
قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وكذا قال الحاكم، ووافقه الذهبي،
وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وقال الترمذي: "حديث حسن".
إسناده: حدثنا محمد بن العلاء: أن زيد بن حُبَابٍ حدثهم: حدثنا
حسين بن واقد: حدثني عبدالله بن بريدة عن أبيه.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات كلهم على شرط مسلم ولم يخرجه.
والحديث أخرجه الإمام أحمد (5/354)، وابن أبي شيبة (12/99/12237)
قالا: حدثنا زيد بن حباب... به؛ وصرح بسماع عبدالله من أبيه.
وأخرجه ابن ماجة (2/377)، وابن خزيمة (1801)، والحاكم (4/189) من
طريقين آخرين عن ابن الحباب... به، وقال: "صحيح على شرط الشيخين"!
ووافقه الذهبي!
وفيه نظر؛ فإن الحسين بن واقد لم يخرج له البخاري إلا تعليقًا.
وزيد بن الحباب لم يخرج له أصلًا! ولكنه قد توبع؛ فأخرجه النسائي
(1/209 و235)، والترمذي (4/340 - تحفة)، وابن خزيمة أيضًا (1802)، وابن جرير
(28/81)، والحاكم أيضًا (1/287)، والبيهقي (3/218) من طرق أخرى عن الحسين بن واقد...
به. وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم"؛ فأصاب هنا؛ ووافقه الذهبي.
وصرح ابن حبان بسماع عبدالله أيضًا" انتهى.
قلت:
الحديث تفرد به الحسين بن واقد، عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه، عن
النبي صلى الله عليه وسلم!!
وهو حديثٌ غريبٌ مِن حديثِ ابنِ بُريدةَ عن أبيه، لا نعلمُ حدَّثَ
به إلا حسينُ بنُ واقد!
قال البَزَّار: "لا نعلم رَوَاهُ إِلَّا بُرَيْدَة وَلَا
طَرِيقا عَنهُ إِلَّا هَذِه الطَّرِيق" [تخريج أحاديث الكشاف لابن حجر: (4/44)].
وقال الترمذي: "هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ
مِنْ حَدِيثِ الحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ".
وقال الحاكم: "حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ
يُخَرِّجَاهُ، وَهُوَ أَصْلٌ فِي قَطْعِ الْخُطْبَةِ، وَالنُّزُولِ مِنَ
الْمِنْبَرِ عِنْدَ الْحَاجَةِ".
وقال الذهبي في «تاريخ الإسلام» (2/631): "إِسْنَادُهُ
صَحِيحٌ".
قلت: لا يُحتج بما تفرد به الحسين بن واقد عن عبدالله بن بريدة!
وما يرويه عنه فيه نكارة كما قال الإمام أحمد، ونبهت عليه مراراً!
ولا يُلتفت إلى ما جاء في أسانيد هذا الحديث من تصريح عبدالله
بسماعه من ابيه! فالمسألة في إثبات صحته إلى عبدالله بن بريدة! فكيف نقبل بما ورد
في هذه الأسانيد من سماع وقد تفرد به الحسين بن واقد! ولا يُعتمد في هذا.
19- تفله في رجل عمرو بن معاذ فبرأ (8/151/6475) وفيه تصريح
عبدالله بالسماع، ومضى تخريجه برقم (2904).
ذكر الألباني في «صحيحته» (6/957) (2904): "تفل صلى الله عليه
وسلم في رجل عمرو بن معاذ حين قطعت رجله، فبرأت".
قال: "أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (8/151/6475 -
الإحسان) وأبو نعيم في "المعرفة" (2/94/1) من طريق الحسين بن حريث قال:
حدثنا علي بن الحسين بن واقد قال: حدثني أبي قال: حدثني عبدالله بن بريدة قال:
سمعت أبي يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح أو حسن على الأقل وهو على شرط مسلم، وفي بعضهم
كلام لا يضر. وهو من الأحاديث الكثيرة التي صرح عبدالله بن بريدة بسماعه من
أبيه، فلا جرم أن احتج الشيخان بروايته عن أبيه فأخرجا له في
"الصحيحين"، ففيه رد صريح على من زعم من المعاصرين أنه لم يسمع هو وأخوه
سليمان من أبيهما، وقد ذكرت تفصيل القول في الرد عليه وإبطال زعمه في الحديث الآتي
برقم (2914) بما لا تراه في مكان آخر. فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
والحديث عزاه الحافظ في "الإصابة" للضياء المقدسي أيضا في "الأحاديث
المختارة" انتهى.
قلت:
هذا الحديث رواه جماعة عن الحسين بن واقد، عن عبداللَّه بن بريدة،
عن أبيه: أنّ النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم تفل على رجل عمرو بن معاذ!!
قال الدارقطني في «الغرائب والأفراد» [كما في الأطراف: (2/317) (1475):
"تفرد بِهِ الحُسَيْن بن وَاقد عَن عبدالله بن بريدة".
قلت: وأحاديث الحسين بن واقد عن ابن بريدة مناكير، ولا يُحتج بها!
ولا يزال الألباني يحتج بما ورد في مثل هذه الأحاديث على تصريح
عبدالله بن بريدة بالسماع من أبيه!!! وهذا مردود!
20- «من كنت وليه فعليّ وليه» (9/42/6891) وهو مخرج في «الصحيحة» (1750)
و«الروض النضير» (171)، وقوّاه الحافظ في «الفتح» (8/67)، وصححه الحاكم والذهبي،
وصرح عنده عبدالله بلقائه لأبيه!
ذكر الألباني طرق هذا الحديث في «صحيحته» (1750)، ومنها حديث
بريدة، فقال (4/336): "3 - حديث بريدة، وله عنه ثلاث طرق:
الأولى: عن ابن عباس عنه قال: خرجت مع علي رضي الله عنه إلى اليمن
فرأيت منه جفوة، فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت عليا، فتنقصته، فجعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير وجهه، فقال: "يا بريدة! ألست أولى
بالمؤمنين من أنفسهم؟" قلت: بلى يا رسول الله، قال: "من كنت مولاه، فعلي
مولاه".
أخرجه النسائي والحاكم (3/110) وأحمد (5/347) من طريق عبدالملك بن أبي
غنية قال: أخبرنا الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وتصحيح الحاكم على شرط مسلم
وحده قصور. وابن أبي غنية بفتح الغين المعجمة وكسر النون وتشديد التحتانية ووقع في
المصدرين المذكورين (عيينة) وهو تصحيف، وهذا اسم جده واسم أبيه حميد.
الثانية: عن ابن بريدة عن أبيه "أنه مر على مجلس وهم يتناولون
من علي، فوقف عليهم، فقال: إنه قد كان في نفسي على عليّ شيء، وكان خالد بن الوليد
كذلك، فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية عليها علي، وأصبنا سبيا، قال: فأخذ
علي جارية من الخمس لنفسه فقال خالد بن الوليد: دونك، قال: فلما قدمنا على النبي
صلى الله عليه وسلم جعلت أحدثه بما كان، ثم قلت: إن عليا أخذ جارية
من الخمس، قال: وكنت رجلا مكبابا، قال: فرفعت رأسي فإذا وجه رسول
الله صلى الله عليه وسلم قد تغير، فقال.." فذكر الشطر الأول.
أخرجه النسائي وأحمد (5/350 و358 و361) والسياق له من طرق عن
الأعمش عن سعد بن عبيدة عنه.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين أو مسلم. فإن ابن بريدة إن
كان عبدالله، فهو من رجالهما، وإن كان سليمان فهو من رجال مسلم وحده. وأخرج ابن حبان
(2204) من هذا الوجه المرفوع منه فقط.
الثالثة: عن طاووس عن بريدة به دون قوله: "اللهم ...".
أخرجه الطبراني في "الصغير" (رقم - 171 - الروض) و"الأوسط"
(341) من طريقين عن عبدالرزاق بإسنادين له عن طاووس. ورجاله ثقات". انتهى.
قلت:
أما الإسناد الأول: عبدالملك بن أَبِي غَنِيَّةَ، عَنِ الحَكَمِ بن
عُتيبة، عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، عَنْ بُرَيْدَةَ!
وهذا الحديث تفرد به عبدالملك عن الحكم بهذا الإسناد!
قال أبو القاسم الطبري الحافظ في «تخريجه لفوائد أبي القاسم الحرفي
- الجزء الأول من الفوائد الصحاح والغرائب الأفراد» (49): "حديث محفوظ من
حديث عبدالملك بن أبي غنية، عن الحكم. لا أعلم رواه عن الحكم غيره".
·
عبدالملك بن أبي غَنية صدوق لكن
لا يحتج بما انفرد به! وكيف خرّج له البخاري ومسلم.
قلت: عبدالملك بن أبي غنية صدوق، وقد ثقه ابن معين وغيره.
وقد خرج له البخاري ومسلم كل واحد منهما حديثًا مقرونًا، وخرّج له
البخاري آخر متابعة.
وقول الحاكم: "على شرط الشيخين"! فيه تجوّز! فليس كل
حديث رواه صحيح! بل انتقيا له ثلاثة أحاديث توبع عليها.
فما توبع عليه قُبل، وما تفرد به لا يُحتج به!
ولما خرّج ابن عساكر حديثه هذا في «تاريخه» (42/188) قال:
"قصر بعضهم فلم يذكر فيه بريدة".
ثم ساقه من طريق الفضل بن الربيع، عن أبيه، عن المنصور، عن أبيه،
عن جده، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كنت مولاه فعلي
مولاه».
ورواية ابن عباس عن بريدة غريبة!! ولم تجيء إلا في هذا الحديث!
قال البزار في «مسنده» (10/257) بعد أن رواه: "ولا نَعْلَمُ
أَسْنَدَ ابنُ عَباس، عَن بُرَيدة، إلاَّ هَذَا الحَدِيثَ"!
ولا يُعرف من حديث ابن عباس، ولا من حديث سعيد بن جُبير، إلا من
هذا الطريق الغريب!!
ثم ظهر لي أن عبدالملك ربما يكون وهم فيه! فقد خولف فيه:
رواه أحمد في «مسنده» (38/218) (23143) عن أَسْوَد بن عَامِرٍ، قال:
أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْرَائِيلَ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ المؤذن، عَنْ
زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ، قَالَ: اسْتَشْهَدَ عَلِىٌّ النَّاسَ، فَقَالَ: أَنْشُدُ
اللَّهَ رَجُلاً سَمِعَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: اللَّهُمَّ مَنْ
كُنْتُ مَوْلاهُ، فَعَلِىٌّ مَوْلاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ، وَعَادِ
مَنْ عَادَاهُ. قَالَ: فَقَامَ سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلاً، فَشَهِدُوا.
وأبو إسرائيل هو إسماعيل بن أبي إسحاق الملائي، ضعفوه، وقد كان
شيعيًا.
ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (5/171) (4985) عن إِبْرَاهِيم
بن نَائِلَةَ الْأَصْبَهَانِيّ، عن إِسْمَاعِيل بن عَمْرٍو البَجَلِيُّ، عن أَبي
إِسْرَائِيلَ المُلَائِيّ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ زَيْدِ بْنِ
وَهْبٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ، نحوه.
كذا سماه إسماعيل بن عمرو: "زيد بن وهب"! فأخطأ!
وإسماعيل ضعيف.
فالذي يظهر لي أن أبا إسرائيل خالف عبدالملك، وكأن المحفوظ: عن
الحكم بن عتيبة، عن أبي سليمان المؤذن، عن زيد بن أرقم! - وهو إسناد ضعيف -، فوهم
عبدالملك فيه، والله أعلم.
·
تعقّب الألباني للحاكم!
وقول الألباني: "وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وتصحيح
الحاكم على شرط مسلم وحده قصور"! فيه نظر!!
فالحاكم قبل أن يخرّج الحديث قال: "وحَدِيثُ بُرَيْدَةَ
الْأَسْلَمِيِّ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ"، ثم ساق الحديث، ثم قال:
"هذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
وقوله: "لم يخرجاه" يعني الشيخين.
فكأن ما جاء هنا: "مسلم"! خطأ! والصواب:
"الشيخين"، وهذا موافق لقوله قبل أن يسوق الحديث: "على شرط
الشيخين".
فلا وجه لاستدراك الألباني هنا!
·
رواية أخرى عن سعيد بن جبير، عن
ابن عباس، عن بريدة!
وقد روى أبو مريم عَبْدالغَفَّارِ بنِ القَاسِمِ، عَنْ عَدِيِّ
بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنِي
بُرَيْدَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَلِيٌّ مَوْلَى مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ».
وعبدالغفار بن القاسم: رافضي، ليس بثقة، وكان يضع الحديث!
·
حديث الأعمش، عن سعد بن عُبيدة،
عن ابن بريدة، عن أبيه!
وأما الطريق الثاني الذي ذكره الألباني، فرواه جماعة عن الأَعْمَشُ،
عَنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ
فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ».
ورواه الحاكم في «المستدرك» (2/141) (2589) من طريق أَبي قِلَابَةَ
عَبْدالمَلِكِ بن مُحَمَّدٍ الرَّقَاشِيّ، عن يَحْيَى بن حَمَّادٍ، عن أَبي
عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ، عن عَبْداللَّهِ بن
بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيُّ، قَالَ: إِنِّي لَأَمْشِي مَعَ أَبِي إِذْ مَرَّ
بِقَوْمٍ يُنْقُصُونَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُونَ فِيهِ، فَقَامَ
فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَنَالُ مِنْ عَلِيٍّ وَفِي نَفْسِي عَلَيْهِ شَيْءٌ
وَكُنْتُ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فِي جَيْشٍ فَأَصَابُوا غَنَائِمَ،
فَعَمِدَ عَلِيٌّ إِلَى جَارِيَةٍ مِنَ الْخُمُسِ، فَأَخَذَهَا لِنَفْسِهِ،
وَكَانَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَبَيْنَ خَالِدٍ شَيْءٌ، فَقَالَ خَالِدٌ: هَذِهِ
فُرْصَتُكَ وَقَدْ عَرَفَ خَالِدٌ الَّذِي فِي نَفْسِي عَلَى عَلِيٍّ قَالَ:
فَانْطَلِقْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاذْكُرْ ذَلِكَ
لَهُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَدَّثْتُهُ
وَكُنْتُ رَجُلًا مِكْبَابًا، وَكُنْتُ إِذَا حَدَّثْتُ الْحَدِيثَ أَكْبَبْتُ،
ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِيَ، فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَمْرَ الجَيْشِ، ثُمَّ ذَكَرْتُ لَهُ أَمْرَ عَلِيٍّ فَرَفَعْتُ رَأْسِيَ،
وَأَوْدَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ احْمِرَّتْ
قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ
فَإِنَّ عَلِيًّا وَلِيُّهُ، وَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِي عَلَيْهِ».
قال الحاكم: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ
الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَةِ، إِنَّمَا أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بنِ سُوَيْدِ بنِ مَنْجُوفٍ عَنْ عَبْدِاللَّهِ
بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ مُخْتَصَرًا. وَلَيْسَ فِي هَذَا البَابِ أَصَحَّ
مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ هَذَا عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ،
وهَذَا رَوَاهُ وَكِيعُ بنُ الجَرَّاحِ عَنِ الْأَعْمَشِ".
قلت: هذا إسناد صحيح في ظاهره! لكن لا نعلم لسعد بن عبيدة رواية عن
عبدالله بن بريدة وهو قرينه!! وهو من رواية الأعمش وقد عنعنه، وهو مدلّس.
وقد مر معنا حديث آخر له من قبل لكنه من رواية شريك وهو ضعيف!
وهذا الحديث بهذه القصة مشهور ومعروف، لكن لفظ: «مَنْ كُنْتُ
وَلِيَّهُ فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ» لا يُعرف عن عبدالله بن بريدة! وكأن هذا اللفظ
مختصر من أصل القصة.
وقد سبق ذكر ما رواه البخاري في «صحيحه» (5/163) (4350) قال: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: حَدَّثَنَا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ
بنُ سُوَيْدِ بنِ مَنْجُوفٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَلِيًّا إِلَى خَالِدٍ لِيَقْبِضَ الخُمُسَ - وَكُنْتُ أُبْغِضُ عَلِيًّا وَقَدِ
اغْتَسَلَ-، فَقُلْتُ لِخَالِدٍ: أَلاَ تَرَى إِلَى هَذَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا
عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:
«يَا بُرَيْدَةُ أَتُبْغِضُ عَلِيًّا؟» فَقُلْتُ: نَعَمْ، قال: «لاَ تُبْغِضْهُ
فَإِنَّ لَهُ فِي الخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذلك».
فهذا هو المشهور عن عبدالله بن بريدة عن أبيه، وليس فيه: «مَنْ
كُنْتُ وَلِيَّهُ فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ»!
ولفظ حديث عليّ بن سويد أصح؛ لأن النزاع كان في مسألة الخُمس. وقول
الحاكم بأن حديثه مختصر ليس بصحيح! بل الظاهر أن لفظ «مَنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ
فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ» مختصر من القصة، والله أعلم.
·
إثبات البخاري سماع سعد بن عُبيدة
من عبدالله بن بريدة!
وقد أثبت البخاري سماع سعد من ابن بريدة، فقال في «التاريخ الكبير»
(4/60) (1962): "سَعْد بن عُبَيْدة أَبُو حمزة ختن أَبِي عَبْدالرَّحْمَن السلمي،
كوفِي، سَمِعَ ابن عُمَر، وأبا عَبْدالرَّحْمَن، وابن بُريدة...".
قلت: لا يوجد لسعد بن عبيدة عن عبدالله بن بريدة إلا هذا الحديث!
وهما قرينان! وإثبات البخاري سماعه منه هنا يُحتمل أنه ذكره بحسب ما جاء في
الرواية! ويؤكد هذا أنه قال: "وابن بريدة"، ولم يُعين من هو؟ عبدالله أم
سليمان؟!! ولا أظنّه يُثبت هذا السماع حقيقة لأنه لم يُخرّج له شيئا عنه! وكذا
تأخيره له في الذكر عمن روى عنهم سعد وأخرج البخاري حديثه عنهم في «صحيحه» وهما:
ابن عمر، وأبو عبدالرحمن السلمي. ولم يخرج عن سعد بن عبيدة عن ابن بريدة شيئاً!!
بل لا توجد له إلا هذه الرواية!
والغريب أيضاً أنه أن البخاري أكثر من الرواية لسعد بن عبيدة عن
البراء بن عازب في «صحيحه» ولم يذكره هنا في ترجمته!!
·
رواية عبدالله بن عطاء عن عبدالله
بن بريدة:
وقد رُويت القصة من طرق أخرى عن عبدالله بن بريدة:
فروى ابن عساكر في «تاريخه» (42/191) من طريق أبي العباس بن عقدة،
قال: حدثنا الحسن بن علي بن عفان بن حسن - يعني ابن عطية-، قال: حدثنا سَعَّاد بن
سليمان اليشكري، عن عبدالله بن عطاء الطائفي المكي الكوفي، عن عبدالله بن بريدة،
عن أبيه قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب وخالد بن الوليد
كلّ واحد منهما وحده وجمعهما، فقال: إذا اجتمعتما فعليكم عليّ، قال: فأخذنا يمينا
أو يسارا، قال: فأخذ علي فأبعد فأصاب سبيا فأخذ جارية من الخمس.
قال بريدة: وكنت من أشد الناس بغضاً لعليّ وقد علم ذلك خالد بن
الوليد فأتى رجل خالدا فأخبره أنه أخذ جارية من الخمس، فقال: ما هذا، ثم جاء آخر،
ثم أتى آخر، ثم تتابعت الأخبار على ذلك، فدعاني خالد، فقال: يا بريدة، قد عرفت
الذي صنع فانطلق بكتابي هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، وكتب إليه
فانطلقت بكتابه حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الكتاب فأمسكه
بشماله، وكان كما قال الله عز وجل لا يكتب ولا يقرأ، وكنت رجلا إذا تكلمت طأطأت
رأسي حتى أفرغ من حاجتي، فطأطأت رأسي أو تكلمت فوقعت في عليّ حتى فرغت، ثم رفعت
رأسي فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غضب لم أره غضب مثله قط إلا يوم قريظة
والنضير، فنظر إليّ فقال: يا بريدة، إن عليا وليكم بعدي، فأحبّ عليا، فإنه
يفعل ما يؤمر. قال: فقمت وما أحد من الناس أحبّ إليّ منه».
وقال عبدالله بن عطاء: حدثت بذلك أبا حرب بن سويد بن غفلة، فقال:
كتمك عبدالله بن بريدة بعض الحديث: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:
أنافقت بعدي يا بريدة!».
قلت: ابن عقدة رُمي بالتشيع، وكذا سعاد الكوفي.
أَبُو حاتم في سعاد: "كانَ من عتق الشيعة، وليس بقوي فِي
الحديث".
وعبدالله بن عطاء، وثقه الترمذي، وضعّفه النسائي.
·
رواية عطية بن سعد العوفي عن
عبدالله بن بريدة:
وروى ابن عساكر أيضاً (42/195) من طريق أبي حاتم الرازي، عن الحسن
بن عبدالله بن حرب المصيصي الكوفي، قال: حدثنا عمرو بن عطية العوفي، عن أبيه عطية،
قال: حدثني عبدالله بن بريدة: أنّ أباه حدّثه: «أنّ نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث
خالد بن الوليد وعلي بن أبي طالب فقال لهما: إن كان قتال فعلي عليكم، وإنه فتح
عليهم، وذلك قبل اليمن فأصابوا سبيا، فانطلق علي إلى جارية حسناء وأخذها ليبعث بها
إلى رسول الله، فأبى عليه خالد بن الوليد، وقال: لا، بل أنا أبعث بها إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمعه انطلق خالد فبعث بريدة إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فقال بريدة: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغسل رأسه فنلت من
عليّ عنده، وكان إذا قعدنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نرفع إليه، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه يا بريدة بعض قولك! قال بريدة: فرفعت بصري إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا وجهه يتغير، فلما رأيت ذلك قلت: أعوذ بالله من
غضب الله وغضب رسوله، قال بريدة: والله لا أبغضه أبداً بعد الذي رأيت من رسول الله
صلى الله عليه وسلم».
قلت: عمرو بن عطية ليس بالقوي، وأبوه ليّن الحديث، وكان عطية من
شيعة الكوفة.
وأصل القصة صحيح.
ونلاحظ أن أسانيد هذه القصة كلها كوفية موطن التشيّع!! إلا رواية عَلِيّ
بن سُوَيْدِ بنِ مَنْجُوفٍ فهي بصرية، وعلي بصري، ولهذا خرّج البخاري روايته في «صحيحه»
ورواية البصريين عن عبدالله بن بريدة هي أصح الروايات عنه.
·
حديث طاوس عن بريدة:
وأما الطريق الثالث الذي ذكره الألباني: "عن طاووس، عن بريدة
به":
فرواه مَعمر في «جامعه» [المطبوع مع مصنف عبدالرزاق (11/225) (20388)
عَنِ ابنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا إِلَى اليَمَنِ، خَرَجَ بُرَيْدَةُ الْأَسْلَمِيُّ
مَعَهُ، فَعَتَبَ عَلَى عَلِيٍّ فِي بَعْضِ الشَّيْءِ، فَشَكَاهُ بُرَيْدَةُ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَإنَّ عَلِيًّا مَوْلَاهُ».
ورواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (1/111) (346) عن أَحْمَد بن
رِشْدِينَ، عن مُحَمَّد بن أَبِي السَّرِيِّ العَسْقَلَانِيّ، عن عَبْدالرَّزَّاقِ،
عَنْ مَعْمَرٍ، به، مختصراً.
قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ طَاوُسَ
إِلَّا ابنُهُ، ولا عَنِ ابنِ طَاوُسَ إِلَّا مَعْمَرٌ، وابنُ عُيَيْنَةَ،
تَفَرَّدَ بِهِ: عَبْدُالرَّزَّاقِ".
وأخرجه في «المعجم الصغير» (1/129) (191) عن أَحْمَد بن
إِسْمَاعِيلَ بنِ يُوسُفَ العَابِد الْأَصْبَهَانِيّ، عن أَحْمَد بن الفُرَاتِ
الرَّازِيّ، عن عَبْدالرَّزَّاقِ: أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ
عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ بُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْب، به.
قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِهِ عَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ
إِلَّا عَبْدُالرَّزَّاقِ، تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ الفُرَاتِ".
·
الاستدراك على الطبراني!
قلت: قال الطبراني في «المعجم الأوسط» أن عبدالرزاق رواه عن معمر
وابن عيينة عن ابن طاوس، يعني: عن أبيه، عن بريدة!
لكنه في «الصغير» ساق رواية عبدالرزاق عن ابن عيينة، عن عمرو بن
دينار، عن طاوس، عن بريدة!!
يعني ليس من رواية ابن طاوس عن أبيه!
وقال أيضاً بأن أحمد بن الفرات - وهو مُحدّث أصبهان ثقة حجة - تفرد
به عن عبدالرزاق عن ابن عيينة!
لكن رواه أبو نُعيم في «الحلية» (4/23) من طريق حُسَيْن الْأَشْقَر
- وهو ضعيف شيعي-.
وابن الأعرابي في «معجمه» (1/139) (222) من طريق شِهَاب بن
عَبَّادٍ العَبْديّ الكوفي - وهو ثقة-.
كلاهما (حسين، وشهاب) عن سفيان بن عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ
دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ بُرَيْدَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ».
قال أبو نُعيم: "غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ طَاوُسٍ، لَمْ نَكْتُبْهُ
إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ".
قلت: رواه معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن بريدة، فهو ليس بغريب من
حديث طاوس!
فتحصّل من كل هذا أن الحديث يرويه ابن طاوس وعَمْرِو بنِ
دِينَارٍ، كلاهما عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ بُرَيْدَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ
مَوْلَاهُ».
وهذا مرسل! طاووس لم يسمع من بريدة، وإن كان أدرك زمانه، فبريدة
كان في مرو وتوفي فيها، وطاوس يماني.
21- «إنها صغيرة..» - يعني فاطمة (9/51/6909) وصححه الحاكم أيضا، ووافقه
الذهبي.
هذا الحديث رواه الحاكم في «المستدرك» (2/181) (2705)، وابن حبان
في «صحيحه» (15/399) (6948) من طريق الحُسَيْن بن وَاقِدٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ
بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَطَبَ أَبُو
بَكْرٍ، وَعُمَرُ فَاطِمَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا صَغِيرَةٌ» فَخَطَبَهَا عَلِيٌّ فَزَوَّجَهَا.
قال الحاكم: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ،
وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
قلت: تفرد به الحسين بن واقد، عن عبدالله بن بريدة! وهو ليس على
شرط البخاري!
وهذا من مناكير الحسين بن واقد عن ابن بريدة!
ويُروى عن عمر أنه خطب ابنة عليّ فقيل له: إنها صغيرة.
رواه عبدالرزاق الصنعاني في «مصنفه» (6/163) (10352) عَنِ ابنِ
عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ
إِلَى عَلِيٍّ ابْنَتَهُ، فَقَالَ: إِنَّهَا صَغِيرَةٌ، فَقِيلَ لِعُمَرَ:
إِنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ مَنْعَهَا. قَالَ: فَكَلِّمْهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ:
«أَبْعَثُ بِهَا إِلَيْكَ، فَإِنْ رَضِيتَ فَهِيَ امْرَأَتُكَ». قَالَ: فَبَعَثَ
بِهَا إِلَيْهِ قَالَ: فَذَهَبَ عُمَرُ فَكَشَفَ، عَنْ سَاقِهَا، فَقَالَتْ:
أَرْسِلْ، فَلَوْلَا أَنَّكَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ لَصَكَكْتُ عُنُقَكَ.
وهذا مرسل!
22- في فضل بلال وعمر رضي الله عنهما (9/108/7044 و7045) وهو مخرج
في «التعليق الرغيب» (1/99) وصححه أيضا الترمذي والحاكم والذهبي، وصرح عبدالله
بسماعه من أبيه عند أحمد (5/354).
هذا الحديث بهذا اللفظ أيضاً تفرد به حُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ، قال: أَخْبَرَنِي
عَبْدُاللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي بُرَيْدَةَ، فذكره.
وقد تقدّم الكلام عليه في الروايات التي جاء فيها التصريح بسماع عبدالله
بن بريدة من أبيه!
23- «أهل الجنة عشرون ومائة صف..» (9/274 - 275) وهو مخرج في «المشكاة»
(5644) وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم (1/82).
قلت: قد تقدم الكلام على هذا الحديث والخلط في إسناده تحت عنوان: "حديث
آخر يدلّ على اختلاط اسم سليمان بن بريدة بأخيه عبدالله"!
وبيّنت هناك أن هذا الحديث لا يصح عن بريدة، وأصله من قول كعب
الأحبار!
ثانيا: أحاديث بريدة من رواية ابنيه عنه في «مستدرك الحاكم»:
2- «كنا لا نرفع رؤوسنا إعظاما له» (1/120 - 121) وصححه وأقره
الذهبي.
هذا الحديث تفرد بإخراجه الحاكم في «مستدركه» (1/208) (415) من
طريق عَلِيّ بن الحَسَنِ بنِ شَقِيقٍ، عن الحُسَيْن بن وَاقِدٍ، عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كُنَّا إِذَا قَعَدْنَا
عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ نَرْفَعْ رُءُوسَنَا
إِلَيْهِ إِعْظَامًا لَهُ».
قال الحاكم: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ
الشَّيْخَيْنِ، وَلَا أَحْفَظُ لَهُ عِلَّةً وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
قلت: تفرد به الحسين بن واقد عن عبدالله بن بريدة! وهو ليس على شرط
البخاري!
وعلته الحسين بن واقد لتفرده بمناكير عن عبدالله بن بريدة كما
أشرنا له مراراً.
6- لما أخذوا في غسله صلى الله عليه وسلم (1/354) وصححه ووافقه
الذهبي.
·
تناقض الألباني!
قلت: كذا قال الألباني، لكنه قال في تعليقه على «سنن ابن ماجه» (1466):
"منكر"!
والحديث رواه ابن ماجه في «سننه» (2/450) (1466)، والحاكم في «مستدركه»
(1/505) (1306)، و(1/515) (1338) من حديث أَبي مُعَاوِيَةَ الضرير، قال: حدثنا
أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ ابن بريدة، عَنْ أَبِيهِ،
قَالَ: «لَمَّا أَخَذُوا فِي غَسْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ الدَّاخِلِ لَا تَنْزِعُوا عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ».
·
وهم للحاكم وتبعه عليه البيهقي
والذهبي!
قال الحاكم في الموضع الأول: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى
شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
وقال في الثاني: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ
الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وَأَبُو بُرْدَةَ هَذَا: بُرَيْدُ بنُ أَبِي
بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ مُحْتَجٌّ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ".
وَرَوَاهُ البَيْهَقِيّ في «سننه» (3/544) (6623) من طَرِيق شَيْخه
الحَاكِم وصرح فِيهِ بِأَن أَبَا بردة هُوَ بريد بن عبدالله بن أبي بردة، أحد
الثِّقَات المخْرج لَهُم فِي «الصَّحِيحَيْنِ»!
وتبعهم الذهبي على هذا في «تاريخ الإسلام» (1/827)، وفي «سير أعلام
النبلاء» (2/477): "وقَالَ أبو معاوية: حدثنا بريد بنُ عَبْدِاللَّهِ أَبُو
بُرْدَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدَ...".
قلت: أبو بردة هذا ليس بأبي بريدة بريد بن عبدالله بن أبي بردة بن
أبي موسى، وإنما هو: "عمرو بن يزيد التميمي الكوفي".
وقال المزي في «التحفة» (2/76): "أبو بردة هذا اسمه عمرو بن
يزيد التميمي، كوفي".
·
معرفة الحاكم والبيهقي والذهبي
له! مع أنهم وهموا فيه سابقاً!
والعجب من الحاكم والبيهقي والذهبي! كيف قالوا هنا بأنه بريد بن
عبدالله، وذكروه على الصواب في مواضع أخرى!!
قال السجزي في «سؤالاته للحاكم» (152): وسألته عن اسم أبي بردة
الحنفي الذي يروي عن علقمة بن مرثد؟ فقال: "عمرو بن يزيد، شيخ من أهل الكوفة".
وروى البيهقي في «سننه» (4/90) (7056) من طريق يَحْيَى بن عَبْدِالحَمِيدِ،
قال: حدثنا أَبُو بُرْدَةَ فِي مَنْزِلِهِ: حدثنا عَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ، عَنِ
ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «أُدْخِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ القِبْلَةِ وأُلْحِدَ لهُ لَحْدٌ وَنُصِبَ عَلَيْهِ
اللَّبِنُ نَصْبًا».
قال البيهقي: "أَبُو بُرْدَةَ هَذَا هُوَ عَمْرُو بنُ يَزِيدَ
التَّمِيمِيُّ الكُوفِيُّ، وهُوَ ضَعِيفٌ فِي الحَدِيثِ، ضَعَّفَهُ يَحْيَى بنُ
مَعِينٍ وَغَيْرُهُ".
وأورد الذهبي في «ميزانه» (3/294) هذا الحديث من رواية ابن ماجه في
ترجمة «عمرو بن يزيد»، ثم قال: "فهذا منكر".
فأبو بردة هو: عمرو بن يزيد التميمي الكوفي.
وقد تعقّب ابن التركماني البيهقي في «الجوهر النقي» (3/387) فقال:
"قلت: ذكر المزي هذا الحديث في أطرافه وعزاه إلى ابن ماجه وفي آخره: أبو بردة
هذا اسمه عمرو بن بريد التميمي، كوفي. وقد ذكر البيهقي فيما بعد في «بَاب مَنْ
قَالَ: يُسَلُّ المَيِّتُ» حديثا بهذا السند ثم قال: أبو بردة هذا هو عمرو بن يزيد
التميمي، ثم إن البيهقي ضعفه".
وقال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (8/120) في ترجمة «عمرو بن يزيد»:
"روى له ابن ماجه حديث بريدة في الجنائز. قلت: ووقع في روايته غير مسمى وكذا
في رواية غيره، ولأجل ذا قال ابن معين أنه ليس من ولد أبي موسى الأشعري لأن في
طبقته بريد بن عبدالله بن أبي بردة يكنى أبا بردة الأشعري".
وقال ابن عبدالهادي في «التنقيح» (2/617): "وأبو بردة هو:
عمرو بن يزيد، وهو ضعيفٌ، تكلَّم فيه ابن معين، وأبو حاتم، وأبو داود، وغيرهم. وذكر
الحاكم أنَّ هذا الحديث على شرط الشَّيخين، وهو واهمٌ في ذلك، وكأَنَّه ظنَّ أنَّ
أبا بردة هو بُريد بن عبدالله بن أبي بردة، أحد الثِّقات المشهورين، المخرَّج لهم
في الصَّحيحين، وليس هو، وإن كان أبو معاوية يروي عن بُريد، فإنَّ بُريدًا لا تعرف
له رواية عن علقمة بن مرثد، والله أعلم".
وقال البوصيري في «مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه» (2/26):
"هَذَا إِسْنَاد ضَعِيف لضعف أبي بردة واسْمه عَمْرو بن يزِيد التَّيْمِيّ
رَوَاهُ الحَاكِم فِي المُسْتَدْرك.. وقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح على شَرط
الشَّيْخَيْنِ، قَالَ: وَأَبُو بردة هَذَا هُوَ بريد بن عبدالله بن أبي بردة بن
أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيحَيْنِ انْتهى.
وقَول الحَاكِم إِنَّه صَحِيح وَإِن أَبَا بردة اسْمه بريد بن عبدالله
فِيهِ نظر! وَإِن اسْمه عَمْرو بن يزِيد كَمَا ذكره المزي فِي الْأَطْرَاف
والتهذيب".
وقال الدارقطني في «الغرائب والأطراف» [كما في الأطراف: (2/327) (1515)]:
"تفرد بِهِ أَبُو بردة عَمْرو بن يزِيد عَن عَلْقَمَة عَن ابن بريدة".
قلت: الحديث منكر! وعمرو هذا متفق على ضعفه!
قال العقيلي في «الضعفاء» (3/295) (1300): "عَمْرُو بنُ
يَزِيدَ التَّمِيمِيُّ أَبُو بُرْدَةَ، كُوفِيٌّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ،
ولا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ".
وقال العباس بن محمد الدوري عن يحيى بن معين قال: "أبو بردة
الذي يحدّث عنه محمد بن الصلت ليس هو من ولد أبي موسى الاشعري، وليس حديثه بشيء".
وَقَال في موضع آخر: "ضعيف".
وقال أبو حاتم: "ليس بقوي، منكر الحديث، وكان مرجئا".
وقَال أَبُو عُبَيد الآجري: سألت أبا داود عَن أَبِي بردة الذي يُحدِّث
عنه أَحْمَد بن يونس والشيوخ فوهاه جداً.
وقَال الدَّارَقُطْنِيُّ: "ضعيف".
وذكره ابنُ حِبَّان فِي كتاب «الثقات»!
10- «كان يتعهد الأنصار ويعودهم..» (1/384) وصححاه، وهو مخرج في
«أحكام الجنائز» (164 - 165).
قال الألباني في «أحكام الجنائز» (1/165): "أخرجه الحاكم (1/384)
وقال: (صحيح الاسناد)، ووافقه الذهبي.
قلت: بل هو على شرط مسلم؛ فإن رجاله كلهم رجال صحيحه، لكن أحدهم
فيه ضعف من قبل حفظه. لكن لا ينزل حديثه هذا عن رتبه الحسن.
والحديث أورده الهيثمي في (المجمع) (3/ 8) بنحوه والزيادات منه
وقال: (رواه البزار ورجاله رجال الصحيح)".
قلت:
رواه أبو يعلى في «مسنده» [كما في «المطالب العالية بزوائد
المسانيد الثمانية» (5/241) (793)]، والبزار في «مسنده» [كما في «كشف الأستار عن
زوائد البزار» (1/405) (857) من طريق جَعْفَر بن عَوْنٍ.
والحاكم في «مسنده» (1/540) (1416) من طريق خَلَّاد بن يَحْيَى، ومُحَمَّد
بن فُضَيْلٍ.
ثلاثتهم عن بَشِير بن المُهَاجِرِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَتَعَهَّدُ الْأَنْصَارَ وَيَعُودُهُمْ، وَيَسْأَلُ عَنْهُمْ،
فَبَلَغَهُ عَنِ امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مَاتَ ابْنُهَا وَلَيْسَ لَهَا
غَيْرُهُ، وَأَنَّهَا جَزَعَتْ عَلَيْهِ جَزَعًا شَدِيدًا، فَأَتَاهَا النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهَا بِتَقْوَى اللَّهِ وَبِالصَّبْرِ،
فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنِّي امْرَأَةٌ رَقُوبٌ لَا أَلِدُ، وَلَمْ
يَكُنْ لِي غَيْرُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«الرَّقُوبُ الَّذِي يَبْقَى وَلَدُهَا» ، ثُمَّ قَالَ: «مَا مِنِ امْرِئٍ، أَوِ
امْرَأَةٍ مَسْلَمَةٍ يَمُوتُ لَهَا ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ إِلَّا أَدْخَلَهُمُ
اللَّهُ بِهِمُ الْجَنَّةَ» فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي
وَاثْنَانِ قَالَ: «وَاثْنَانِ».
قال الحاكم: "صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
قلت: تفرد به بشير بن المهاجر!! وهو ضعيف لا يُحتج به، وقد فصّلت
في حاله سابقاً.
وقال الساجي: "منكر الحديث، عنده مناكير عن عبدالله بن
بريدة أحاديث عدد يطول ذكرها".
11- «من استعملناه على عمل..» (1/406) وصححاه، وهو مخرج في «غاية
المرام» (460).
هذا الحديث رواه عبدِالوارث بن سعيدٍ، عن حُسينٍ المُعلِّمِ، عن
عبدالله بن بُريدةَ، عن أبيه، عن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلم قال: «مَنِ
استعملناهُ على عَمَلٍ فرزقْناهُ رزقاً فما أخذَ بعد ذلك فهو غُلولٌ».
وهو الحديث الذي قصده علي بن المديني في قوله: "لم يحمل حسين
المعلم عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَن أَبِيهِ، مرفوعا شيئاً إلا حرفاً واحدًا وكلها
عن رجال أخر".
وكذا قال أبو داود أيضاً.
وقد سبق الكلام على هذا الحديث، وأنه صحيح عن عبدالله عن أبيه.
13- «اللهم أنت ربي..» (1/564 - 565) وصححاه، ورواه ابن حبان أيضا
(1032) وهو مما فاتنا ذكره في أحاديثه المتقدمة، وهو مخرج في «الصحيحة» (4/328).
ذكر الألباني في «صحيحته» (4/327) (1747) حديث: "ألا أدلك على
سيد الاستغفار؟ اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وابن عبدك وأنا على
عهدك ووعدك ما استطعت...".
وذكر تخريج الترمذي له، ثم جعل حديث بريدة شاهدا له، فقال: "وللحديث
شاهد من حديث بريدة بن الحُصَيْب مرفوعا نحوه دون قوله: "سيد الاستغفار".
أخرجه أحمد (5/356) وغيره من أصحاب السنن، وصححه ابن حبان (2353) وسنده صحيح رجاله
ثقات".
قلت:
رواه أحمد في «مسنده» (38/119) (23013)، والبزار في «مسنده» (10/336)
(4466)، وأبو داود في «سننه» (7/405) (5070)، كلهم من طرق عن زُهَيْر بن معاوية
أبي خيثمة.
والنسائي في «السنن الكبرى» (9/13) (9764)، وابن حبان في «صحيحه» (3/308)
(1035)، والحاكم في «مستدركه» (1/696) (1896)، كلهم من طرق عن عِيسَى بن يُونُسَ.
وابن ماجه في «سننه» (5/38) (3872) من طريق إِبرَاهِيم بن
عُيَيْنَةَ.
ثلاثتهم (زهير، وعيسى، وإبراهيم) عن الوَلِيد بن ثَعْلَبَةَ
الطَّائِيُّ، عَنِ عبدالله بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ أَوْ حِينَ
يُمْسِي: اللهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ. خَلَقْتَنِي وَأَنَا
عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ. أَعُوذُ بِكَ مِنْ
شَرِّ مَا صَنَعْتُ. أَبُوءُ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ
لِي؛ إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ. فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ
مِنْ لَيْلَتِهِ دَخَلَ الجَنَّةَ».
قال الحاكم: "صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
·
مخالفة حسين المعلم للوليد بن
ثعلبة في إسناد الحديث!
قلت: كذا رواه الوليد بن ثعلبة، وخالفه حسين المعلم، فرواه عن
عبدالله بن بريدة، عن بشير بن كعب، عن شداد بن أوس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أخرجه البخاري في «صحيحه» (8/67) (6306) من طريق عَبْدالوَارِثِ.
وفي (8/71) (6323) من طريق يَزِيد بن زُرَيْعٍ.
والنسائي في «السنن الكبرى» (7/235) (7908) من طريق يَزِيد بن
زُرَيْعٍ، وفي (9/13) (9763) من طريق غُنْدَر.
كلهم عن الحُسَيْن المعلم: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ بُرَيْدَةَ،
قَالَ: حَدَّثَنِي بُشَير بنُ كَعْبٍ العَدَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَدَّادُ
بْنُ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ
إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ
وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ
بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ. قَالَ: وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا
بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ
الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ
أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ».
قال البزار في «مسنده» (8/416): "وهَذَا الحَدِيثُ لَا
نَعْلَمُهُ يُرْوَى بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا عَنْ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ، وَهَذَا
الْإِسْنَادُ مِنْ أَحْسَنِ إِسْنَادٍ يُرْوَى عَنْ شَدَّادٍ وَأَشَدِّهِ
اتَّصَالًا عَنْهُ".
·
ترجيح الأئمة لرواية حسين المعلم:
وقال النسائي بعد أن ساق رواية حسين المعلم: "خَالَفَهُ
الوَلِيدُ بنُ ثَعْلَبَةَ، رَوَاهُ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ".
ثم قال: "حُسَيْنٌ أَثْبَتُ عِنْدَنَا مِنَ الوَلِيدِ بنِ ثَعْلَبَةَ،
وَأَعْلَمُ بِعَبْدِاللهِ بنِ بُرَيْدَةَ، وَحَدِيثُهُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ".
وقال ابن منده في كتاب «التوحيد» (2/79): "رَوَاهُ شُعْبَةُ
وجَمَاعَةٌ عَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، ورَوَاهُ الوَلِيدُ بنُ ثَعْلَبَةَ،
فَقَالَ: عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَوَهِمَ فِيهِ! والصَّوَابُ
حَدِيثُ حُسَيْنٍ".
·
كلام ابن حجر حول هذا الحديث،
والرد عليه!
وقال ابن حجر في «فتح الباري» (11/99) بعد أن ذكر رواية حسين
المعلم وغيره: "وخَالَفَهُمُ الوَلِيدُ بن ثَعْلَبَة، فقال: عَن ابن
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ، وصَححهُ
ابن حِبَّانَ والحَاكِمُ لَكِنْ لَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ الوَلِيدِ أَوَّلُ الحَدِيثِ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ أَثْبَتُ مِنَ الوَلِيدِ بنِ ثَعْلَبَةَ
وَأَعْلَمُ بِعَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ وَحَدِيثُهُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ.
قُلْتُ: كَأَنَّ الْوَلِيدَ سَلَكَ الجَادَّةَ؛ لِأَنَّ جُلَّ رِوَايَةِ
عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَكَأَنَّ مَنْ صَحَّحَهُ جَوَّزَ
أَنْ يَكُونَ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ عَلَى الوَجْهَيْنِ، واللَّهُ
أَعْلَمُ".
قلت: قول الحافظ: "جل رواية عبدالله بن بريدة عن أبيه"!
فيه نظر! فالأحاديث التي صحت إليه مما رواها عن أبيه قليلة جداً! وأغلب الأحاديث
التي تُروى عنه عن أبيه من رواية الضعفاء، وأكثرها من رواية الحسين بن واقد، وقد
أشرت مرارا أن تفرده بها عنه مردود! وهو يتفرد عنه بمناكير كما قال الإمام أحمد
وغيره.
·
تصحيح ابن حبان والحاكم دون النظر
للعلل!!
وأما قوله بأن من صححه جوّز أن يكون عبدالله رواه على الوجهين فليس
بصحيح! وتصحيحهم لحديث الوليد إما لأنه ثقة عندهم أو أنهم لم يقفوا على علّة
الحديث! وابن حبان والحاكم تفوتهم العلل كثيراً، ويصححان تبعاً لظاهر الأسانيد
ويغفلون عن العلل!!
ولهذا صحح ابن حبان الوجهين! فقال في «صحيحه» (3/214) بعد أن أخرج
رواية شداد: "سَمِعَ هَذَا الخَبَرَ عَبْدُاللَّهِ بنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، وَسَمِعَهُ مِنْ بشير بنِ كَعْبٍ، عَنْ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ. فَالطَّرِيقَانِ
جَمِيعًا مَحْفُوظَانِ".
·
وهم الحاكم في استدراكه لحديث
أخرجه البخاري!
وكذا الحاكم، فإنه أخرج حديث شداد أيضاً في «مستدركه» (2/496) (3707)
من حديث حسين المعلم، ثم قال: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ
يُخَرِّجَاهُ"!!
وقد وهم في استدراكه هذا الحديث! فقد أخرجه البخاري كما تقدّم!
والوليد بن ثعلبة سبق الكلام عليه وأنه صدوق إلا أن تفرده لا
يُحتمل، فكيف إذا خالفه غيره من الثقات!
·
تراجع ابن حجر عن القول بأن
الوليد سلك الجادة في روايته!!
وقال ابن حجر في «نتائج الأفكار» (2/324): "هذا حديث حسن صحيح"،
ثم قال عن الوليد بن ثعلبة: "وقد وثقه يحيى بن معين، وكنت أظن أن روايته هذه
شاذة، وأنه سلك الجادة، حتى رأيت الحديث من رواية سليمان بن بريدة، عن أبيه،
أخرجها ابن السني، فبان أن للحديث عن بريدة أصلاً".
قلت: هذه الرواية التي أخرجها ابن السني من طريق ليث بن أبي سُليم،
وهو سيء الحفظ، ولا يُحتج به!!
قال ابن السني في «عمل اليوم والليلة» (43): أَخْبَرَنَا أَبُو
عَرُوبَةَ، قال: حَدَّثَنَا مُعَلَّلُ بْنُ نُفَيْلٍ، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بنُ
أَعْيَنَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ
قَالَ إِذَا أَصْبَحَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي
وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ
بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي
فَاغْفِرْ لِي، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَإِنْ مَاتَ مِنْ
يَوْمِهِ مَاتَ شَهِيدًا، وَإِنْ مَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ مَاتَ شَهِيدًا».
ورواه أبو يعلى الموصلي في «مسنده الكبير» [كما في «إتحاف المهرة»
لابن حجر: (2/557) (2244) عن أَبي خَيْثَمَةَ، عن جَرِير، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ
يَحْيَى، عَنْ سُلَيْمَانَ، بِهِ.
فها هو ليث بن أبي سليم اضطرب فيه! ولا يُحتج بما انفرد به!!
وعليه فكلام ابن حجر لا يصح! ولو أنه اعتمد على ما ذُكر من متابعة
للوليد لكان له وجه! لكنه ربما لم يقف على تلك المتابعة!
·
متابعة للوليد بن ثعلبة!
وقد وردت بعض الروايات فيها أن المنذر بن ثعلبة قد تابع أخاه
الوليد!
روى الطبراني في كتاب «الدعاء» (309) قال: حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ
عُمَرَ بنِ الصَّبَّاحِ الرَّقِّيُّ، قال: حدثنا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بنُ
إِسْمَاعِيلَ، قال: حدثنا جَعْفَرٌ الْأَحْمَرُ، عَنِ المُنْذِرِ بنِ
ثَعْلَبَةَ [ح].
وحَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِالعَزِيزِ، قال: حدثنا أَحْمَدُ بنُ
يُونُسَ، قال: حدثنا زُهَيْرٌ، قال: حدثنا الوَلِيدُ بنُ ثَعْلَبَةَ، كِلَاهُمَا
عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ أَوْ حِينَ
يُمْسِي: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي
وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ
بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ بِنِعْمَتِكَ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي،
فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ
فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ لَيْلَتِهِ دَخَلَ الجَنَّةَ».
وساق المزي هذين الإسنادين في «تهذيب الكمال» (28/500)، ثم قال:
"أَخْرَجُوهُ مِنْ حَدِيثِ الوَلِيدِ بنِ ثعلبة... وأَما حديث المنذر بن
ثعلبة فلم أقف على رواية أحد منهم لَهُ، والله أعلم. روي عَنْ عَبداللَّهِ بن بريدة،
عَن بشير بن كعب، عَن شداد بن أوس، وهو المحفوظ".
وقال ابن كثير في «التكميل في الجرح والتعديل ومعرفة الثقات
والضعفاء والمجاهيل» (1/182): "قال شيخنا - يعني المزي-: وإنما رووه من طريق
أخيه الوليد بن ثعلبة، ولم أقف على روايتهم له من طريقه، وإن كان الطبراني قد رواه
من حديثهما عن عبدالله بن بريدة".
قلت:
الحديث حديث «الوليد بن ثعلبة» ولا يُعرف عن «المنذر بن ثعلبة» إلا
من طريق جعفر الأحمر!
وقد أخرجه ابن السُّني أيضاً في «عمل اليوم والليلة» (42) قال: أَخْبَرَنِي
جَعْفَرُ بنُ عِيسَى، قال: حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ، قال: حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بنُ قَادِمٍ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الْأَحْمَرُ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بنِ
يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، به.
كذا فيه: «ثعلبة بن يزيد»! فكأنه مقلوب ومحرّف وهو أقرب إلى «وليد
بن ثعلبة»، والله أعلم.
وذكروا في الرواة عن عبدالله بن بريدة: «ثعلبة الأسلمي»، ذكره
البخاري، وابن أبي حاتم، وقال أبو حاتم: "لا أعرفه"، وذكره ابن حبان في «الثقات»!
وذكر ابن حجر الحديث في «نتائج الأفكار» (2/392) وقال:
"ورواته موثقون إلا علي بن قادم والأحمر؛ فإنهما ضعيفان من قبل التشيع".
·
حال جعفر الأحمر:
قلت:
جعفر بن زياد الأحمر كان يتشيّع، وقد وثّقه ابن معين، والعجلي،
وعثمان بن أبي شيبة، ويعقوب الفسوي.
وقال أحمد: "صالح الحديث".
وقال أبو زرعة: "صدوق".
وقال عُثْمَانُ بنُ سَعِيد الدَّارَمِيُّ: وَسُئِل يَحْيى بن
مَعِين عَن جَعْفَر الأحمر فَقَالَ بيده، لم يضعفه ولم يثبته.
وقال أبو زكريا يحيى الساجي: "ثقة، وقد روى مناكير".
وذكره أبو الفتح الأزدي - فيما ذكره ابن خلفون في كتاب «الثقات» -
فقال: "مائل عن القصد فيه تحامل وشيعية غالية، وحديثه مستقيم".
وقال الدارقطني: "يُعتبر به".
وقال ابن عدي: "وهو يروي شيئا من الفضائل، وهو فِي جملة
متشيعة الكوفة، وَهو صَالِح فِي رواية الكوفيين".
وذكره ابن حبان في «المجروحين» وقال: "كثير الرِّوَايَة عَن
الضُّعَفَاء، وإِذا روى عَن الثِّقَات تفرد عَنْهُم بأَشْيَاء فِي القلب مِنْهَا".
قلت: هو صالح يُعتبر بحديثه، ولا يُحتج بما انفرد به.
والحديث حديث «الوليد بن ثعلبة» ولو صحت رواية «المنذر بن ثعلبة»
له عن عبدالله، فيُحتمل أن الوليد أخذه من المنذر أو العكس!! وقد خالفهما حسين
المعلم فيه، وقد توبع حسين على ذلك.
·
متابعات لحسين المعلم عن ابن
بريدة:
وقد تَابَعَ حُسَيْنًا عَلَى ذَلِكَ الحديث: ثَابِتٌ البُنَانِيُّ
وأَبُو العَوَّامِ عَنْ عبدالله بن بُرَيْدَةَ، ولَكِنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا بشير
بنَ كَعْبٍ، بَلْ قَالَا: عَن ابن بُرَيْدَةَ عَنْ شَدَّادٍ!
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ في «السنن الكبرى» (9/217) (10342) من
طريق حَمَّاد بن سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، وَأَبِي العَوَّامِ، عَنْ
عَبْدِاللهِ بنِ بُرَيْدَةَ: أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ كَانُوا فِي
سَفَرٍ وَمَعَهُمْ شَدَّادُ بنُ أَوْسٍ قَالُوا لَهُ: حَدِّثْنَا رَحِمَكُ اللهُ،
قَالَ: ائْتُونِي بِصَحِيفَةٍ وَدَوَاةٍ، فَأَتَوْهُ بِصَحِيفَةٍ وَدَوَاةٍ،
فَقَالَ: اكْتُبْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: اللهُمَّ أَنْتَ رَبِّي،
لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ
وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ
بِالنِّعْمَةِ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَإِنْ قَالَهَا مُصْبِحًا فَمَاتَ مِنْ
يَوْمِهِ غُفِرَ لَهُ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَإِنْ قَالَهَا مُمْسِيًا فَمَاتَ
مِنْ لَيْلَتِهِ غُفِرَ لَهُ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ».
قلت: يُحتمل أن حماد بن سلمة لم يضبطه فقصّر به، ولم يحفظ فيه «بُشير
بن كعب»، والله أعلم.
16- «تعلموا سورة البقرة وآل عمران..» (1/560) وصححاه، وهو مخرج في
«التعليق الرغيب» (2/219).
هذا حديث بشير بن المهاجر عن عبدالله بن بريدة، وقد مرّ الكلام
عليه سابقاً.
17- «من قرأ القرآن وتعلمه..» (1/567 - 568) وصححاه، وهو مخرج في
«التعليق الرغيب» (2/210) وانظر الحديث المتقدم (2829).
هذا مختصر من حديث بشير بن المهاجر السابق!
رواه الحاكم في «المستدرك» (1/756) (2086) عن بَكْر بن مُحَمَّدٍ
الصَّيْرَفِيّ، عن عَبْدالصَّمَدِ بن الفَضْلِ البَلْخِيُّ، عن مَكِّيّ بن
إِبْرَاهِيمَ: حدثنا بَشِيرُ بنُ مُهَاجِرٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ،
عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَتَعَلَّمَهُ وَعَمِلَ بِهِ
أُلْبِسَ يَوْمَ القِيَامَةِ تَاجًا مِنْ نُورٍ ضَوْءُهُ مِثْلُ ضَوْءِ الشَّمْسِ،
وَيُكْسَى وَالِدَيْهِ حُلَّتَانِ لَا يَقُومُ بِهِمَا الدُّنْيَا فَيَقُولَانِ:
بِمَا كُسِينَا؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ».
قال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ،
وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
ورواه الحاكم أيضاً في موضع آخر (1/742) (2043) مختصراً من حديث مُعَاذ
بن نَجْدَةَ القُرَشِي، عن خَلَّاد بن يَحْيَى: حدثنا بَشِيرُ بنُ مُهَاجِرٍ، عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَجِيءُ يَوْمَ القِيَامَةِ القُرْآنُ
كَالرَّجُلِ الشَّابِّ فَيَقُولُ لِصَاحِبِهِ: أَنَا الَّذِي أَسْهَرْتُ لَيْلَكَ،
وَأَظْمَأْتُ نَهَارَكَ».
قال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ،
وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
ورواه البيهقي في «شعب الإيمان» (3/375) (1835) عن شيخه الحاكم،
وعن شيخه أبي نصر بن قتادة، وساقه مطولاً، ثم قال: "لَفْظُ حَدِيثِ ابنِ
قَتَادَةَ، وَحَدِيثُ أبي عَبْدِاللهِ مُخْتَصَر".
قلت: وقد أورده العقيلي بطوله في ترجمة «بشير بن المهاجر» من «الضعفاء»
(1/143) من طريق خَلَّاد بن يَحْيَى قالَ: حَدَّثَنَا بَشِيرُ بنُ المُهَاجِرِ
قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ
النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: «تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ
فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ.
ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَآلِ
عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا الزَّهْرَاوَانِ يُظِلَّانِ صَاحِبَهُمَا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ كَأَنَّهَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَايَتَانِ أَوْ فِرْقَانِ مِنْ
طَيْرٍ صَوَافٍّ وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ
يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ
تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: أَنَا الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي
الْهَوَاجِرِ فَأَسْهَرْتَ لَيْلَكَ، وَكُلُّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ
وَأَنَا الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تَاجِرٍ فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ
وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ
وَيَكْسِي وَالِدَيْهِ حُلَّتَيْنِ لَا يَقُومُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا
فَيَقُولَانِ: أَنَّى لَنَا هَذَا؟ فَيُقَالَ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ».
قال العقيلي: "ولَا يَصِحُّ فِي هَذَا البَابِ عَنِ
النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَدِيثٌ. أَسَانِيدُهَا كُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ".
وقال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ - وهو الأثرم - قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللَّهِ - وذَكَرَ بَشِيرَ بنَ المُهَاجِرِ- فقالَ: "مُنْكَرُ
الحَدِيثِ قَدِ اعْتَبَرْتُ أَحَادِيثَهُ فَإِذَا هُوَ يَجِيءُ بِالعَجَبِ".
18- مجيء سلمان إليه صلى الله عليه وسلم بصدقة ثم بهدية.. (2/16)
وصححاه، وهو مخرج في «مختصر الشمائل» (رقم 18) وصرح عبدالله بسماعه من أبيه عند
أحمد (5/354).
هذا الحديث رواه أحمد في «مسنده» (38/102) (22997)، والبزار في «مسنده»
(10/293) (4407)، والطبراني في «المعجم الكبير» (6/228) (6070)، والطحاوي في «شرح
معاني الآثار» (2/10) (2986)، والحاكم في «المستدرك» (2/20) (2183) من طرق عن الحُسَيْنِ
بنِ وَاقِدٍ، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُاللهِ بنُ بُرَيْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ
بُرَيْدَةَ يَقُولُ: «جَاءَ سَلْمَانُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِمَائِدَةٍ عَلَيْهَا رُطَبٌ فَوَضَعَهَا
بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ؟ قَالَ: صَدَقَةٌ
عَلَيْكَ وَعَلَى أَصْحَابِكَ. قَالَ: ارْفَعْهَا؛ فَإِنَّا لَا نَأْكُلُ
الصَّدَقَةَ. فَرَفَعَهَا، فَجَاءَ مِنَ الغَدِ بِمِثْلِهِ، فَوَضَعَهُ بَيْنَ
يَدَيْهِ، قَالَ: مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ؟ قَالَ: صَدَقَةٌ عَلَيْكَ وَعَلَى
أَصْحَابِكَ. قَالَ: ارْفَعْهَا؛ فَإِنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ. فَرَفَعَهَا،
فَجَاءَ مِنَ الْغَدِ بِمِثْلِهِ، فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَحْمِلُهُ فَقَالَ:
مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ؟ فَقَالَ: هَدِيَّةٌ لَكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: ابْسُطُوا. فَنَظَرَ إِلَى الخَاتَمِ
الَّذِي عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ
بِهِ. وَكَانَ لِلْيَهُوَدِ فَاشْتَرَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا، وَعَلَى أَنْ يَغْرِسَ نَخْلًا فَيَعْمَلَ
سَلْمَانُ فِيهَا حَتَّى تُطْعِمَ. قَالَ: فَغَرَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّخْلَ إِلَّا نَخْلَةً وَاحِدَةً غَرَسَهَا عُمَرُ،
فَحَمَلَتِ النَّخْلُ مِنْ عَامِهَا وَلَمْ تَحْمِلِ النَّخْلَةُ. فَقَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا شَأْنُ هَذِهِ؟ قَالَ عُمَرُ: أَنَا
غَرَسْتُهَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: فَنَزَعَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ غَرَسَهَا فَحَمَلَتْ مِنْ عَامِهَا».
قال البزار: "وهَذَا الحَدِيثُ لاَ نعلمُهُ يُرْوَى إلاَّ
عَنْ بُرَيدة عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم".
وقال الحاكم: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ، عَنْ سَلْمَانَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ
مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
وقال ابن حجر في «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» (3/54):
"رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَنْهُ أَبُو يعلى الموصلي بسند
الصحيح، وَرَوَاهُ الطبرانيِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ، والحَاكِمُ
وَصَحَّحَهُ وعنه البيهقي في سننه".
وقال في «تغليق التعليق» (3/266): "ورَوَاهُ الحَاكِم فِي المُسْتَدْرك
من طَرِيق أبي بكر بن أبي شيبَة، وقَالَ: صَحِيح على شَرط مُسلم. قلت: هُوَ صَحِيح
بشواهده".
قلت: هو من تفردات حسين بن واقد عن عبدالله بن بريدة! وتفرداته عنه
منكرة!!
19- «من أنظر معسرا..» (2/29) وصححاه، وهو مخرج في «الصحيحة» (86)
و «الإرواء» (5/263/1438).
ذكر الألباني في «صحيحته» (1/170) (86): "من أنظر معسرا فله
بكل يوم صدقة قبل أن يحل الدين، فإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثليه صدقة".
قال: "رواه أحمد (5/360) عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة،
قال: ثم سمعته يقول: من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة، قلت: سمعتك يا رسول
الله تقول: من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة، ثم سمعتك تقول: من أنظر معسرا
فله بكل يوم مثليه صدقة، قال: له بكل يوم صدقة قبل أن يحل الدين فإذا حل الدين
فأنظره فله بكل يوم مثليه صدقة».
قلت: وإسناده صحيح رجاله ثقات محتج بهم في «صحيح مسلم».
ثم رأيته في «المستدرك» (2/29) وقال: "صحيح على شرط الشيخين"
ووافقه
الذهبي فأخطأ؛ لأن سليمان هذا لم يخرج له البخاري، وإنما الذي أخرج
له الشيخان هو أخوه عبدالله بن بريدة" انتهى.
وقال في «الإرواء» (5/263) (1438): "رواه أحمد بإسناد جيد".
ثم قال: "صحيح".
وقال: "وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين". ووافقه
الذهبي.
وأقول: إنما هو على شرط مسلم وحده؛ لأن سليمان بن بريدة لم يخرج له
البخاري شيئا، وإنما أخرج هو ومسلم لأخيه عبدالله بن بريدة.
ولم يتفرد به سليمان، فقد رواه الأعمش عن نفيع أبى داود عن بريدة
الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره نحوه.
أخرجه ابن ماجه (2418)، وأحمد (5/351).
لكن هذه المتابعة مما لا تغني شيئاً؛ لأن نفيعا هذا متهم بالكذب"
انتهى.
قلت:
هذا الحديث رواه أحمد في «مسنده» (38/153) (23046)، والروياني في «مسنده»
(1/66) (13)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (9/419) (3810) و(3811)، والحاكم في «المستدرك»
(2/34) (2225)، وغيرهم، من طرق عن عَبْدالوَارِثِ بن سَعِيدٍ العنبري، عَنْ
مُحَمَّدِ بنِ جُحَادَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، به.
قال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ
وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ"!
وتقدّم تعقب الألباني له بأن البخاري لم يخرّج لسليمان بن بريدة.
وهذا حديثٌ غريبٌ مِن حديثِ محمدِ بنِ جُحادةَ، عن سليمانَ بنِ
بُريدةَ، لا أعلمُ حدَّثَ بِه إلا عبدُالوارثِ بنُ سعيدٍ!!
وقد أشار البخاري في ترجمة «سليمان بن بريدة» من «التاريخ الكبير» (4/4)
إلى أن هذا لا أصل له! قال: "وروى مُحَمَّد بْن جحادة عَنْ رجل عَنْ
سُلَيْمَان فِي العسر، لا أصل لَهُ". [تحرف في المطبوع «العسر» إلى «العشر»].
والحديث مشهور عن سليمان الْأَعْمَش، عَنْ نُفَيْعٍ أَبِي دَاوُدَ،
عَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ.
ومحمد بن جحادة يُحدّث عن الأعمش، فالذي يظهر لي أن هذا الحديث
سمعه من الأعمش ووهم في إسناده! فكان عنده "عن سليمان" ليس منسوباً،
والحديث يُروى عن بريدة، فقال: "عن سليمان بن بريدة، عن أبيه بريدة"!!
وقد سبق وهم محمد بن جحادة واضطرابه في حديث «أبي موسى الأشعري أنه
أعطي مزماراً من مزامير آل داود» [الحديث الثالث من أحاديث مسلم التي رواها عن سليمان
بن بريدة عن أبيه].
وبيّنت وهم محمد بن جحادة فيه، ورواية عبدالوارث عنه عن رجل عن
سليمان بن بريدة عن أبيه! ورواه غيره عنه عن سليمان عن أبيه، دون واسطة!
والحديث ليس حديث سليمان بن بريدة، وإنما حديث أخيه عبدالله، ولم
يروه عبدالله عن أبيه.
فالظاهر أن محمد بن جحادة لم يسمعه من سليمان بن بريدة؛ ووجدت له
عنه هذا الحديث الذي وهم فيه كما بينته في موضعه، وحديثنا هذا، وقد تفرد به،
والحديث مشهور عن الأعمش، ولم أجد له عن سليمان بن بريدة إلا هذين الحديثين!
وهناك رواية أخرى لهذا الحديث - ضعيفة - عن محمد بن جحادة عن
الأعمش، تدلّ على أن محمد بن جحادة وهم في إسناده!
روى أبو يعلى الموصلي في «معجمه» (251) قال: حَدَّثَنَا
عَبْدُالغَفَّارِ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُاللَّهِ بنُ عُطَارِدٍ الطَّائِيُّ - بَصْرِيٌّ -، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
جُحَادَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ بُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْب،
به.
ورواه ابن عدي في «الكامل» (5/358) عن أَبي يَعْلَى.
وأورده ابن عدي في مناكير «عبدالله بن عطارد بن أذينة»، وقال:
"وهذا من حديث ابن جحادة، عَنِ الأَعْمَش لا أعلم يرويه غير بن أذنية هذا،
ولابن أذينة من الحديث غير ما ذكرت مما لا يُتَابَعُ عَليه، ولم أر للمتقدمين فيه
كلاما فأذكره".
وقال: "عَبدالله بن عطارد بن أذينة الطائي: بصري، منكر الحديث".
·
حال عبدالله بن عطارد، وهل تُقدّم
روايته هنا؟!
وقال الأزدي أبو زكريا في «تاريخ أهل الموصل»: "قال خضر بن
حسان: أتيت علي بن حرب أسأله، عَنِ ابن أذينه فضعّفه".
وقال أبُو داود: "كان قاضي البصرة".
وقال الحاكم والنقاش: "روى أحاديث موضوعة".
وقال الدارقطني: "متروك الحديث". [لسان الميزان:
(4/432)].
وقال الذهبي في «ميزان الاعتدال» (2/462): "بصري ليّن".
قلت: لا شك أن ابن أذينة هذا ضعيف جدًا، وما يرويه من أحاديث، وهي
قليلة جعلت أهل العلم يقولون فيه أنه "منكر الحديث"، أو "متروك
الحديث"!
وهذه الأحاديث المنكرة أو الموضوعة التي يرويها ليس هو المتهم بها،
ومثله يكون أتي من سوء الحفظ، ولا يُحتج بحديثه كغيره من القضاة الذين لم يكونوا
يعتنون بالرواية، فهو لا شك بأن رواياته لا يُتابع عليها حتى هذه الرواية عن محمد
بن جحادة!
لكن هذه الرواية التي رواها عن محمد بن جحادة الظاهر أنه أصاب فيها؛
لأن هذا هو المعروف عن الأعمش في هذا الحديث، ومع ما ذكرت من وهم محمد بن جحادة في
أحاديثه القليلة التي يرويها عن سليمان بن بريدة يمكن الاستفادة من هذه الرواية
ونقول بأن ابن أذينة أصاب فيها عن محمد بن جحادة، والاختلاف فيها عليه كما اختلف
عليه في حديث «مزامير داود» وقد اضطرب في إسناده أيضاً.
وهنا نُرجّح رواية هذا الضعيف على رواية عبدالوارث، وإن كان
عبدالوارث من أتقن الناس في حديث ابن جحادة، وهو قد أصاب في روايته هذه، لكن
المشكلة من محمد بن جحادة نفسه، وهذا الضعيف أدّى الرواية عنه بما وافق ما هو
معروف عن الأعمش في هذا الحديث.
والحديث حديث الأعمش عن أبي داود نُفيع عن بريدة، ونفيع هذا متروك،
وقد كذّبه بعض أهل العلم.
24- «يا علي لا تتبع النظرة..» (2/194) وصححاه وفيه نظر، وهو مخرج في
«الجلباب» (ص 77/ الطبعة الجديدة).
ذكر الألباني حديث في «جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة» (ص:
77): "حديث حماد بن سلمة: حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن
سلمة بن أبي الطفيل عن علي بن أبي طالب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له:
فذكر الحديث. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي.
قلت: وفيه أن ابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه، لكن الحديث حسن بهذين
الطريقين، ويشهد له الحديث الذي بعده". - حديث بريدة.
وذكره في «صحيح سنن أبي داود» (6/364) (1865) وقال: "قلت:
حديث حسن، وقال الترمذي: "حسن غريب"، وصححه الحاكم على شرط مسلم! ووافقه
الذهبي!
إسناده: حدثنا إسماعيل بن موسى الفزَارِيُّ: أخبرنا شَرِيك عن أبي
ربيعة الإيادي عن ابن بريدة عن أبيه.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لكن له طريق أخرى، حسنته من أجلها في
"الحجاب" (ص 34) ["الجلباب" (ص 77)]" انتهى.
قلت:
الحديث رواه جماعة عن شريك القاضي بهذا الإسناد.
رواه وكيع [كما في «الزهد» له (486)، وعنه احمد في «مسنده» (38/74)
(22974)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (4/6) (17218)].
وأبو النّضر هاشمُ بن القاسم [كما في «مسند أحمد» (38/95)
(22991)].
وعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ المروزي [كما في «جامع الترمذي» (4/398)
(2777)].
وإسماعيلُ بنُ موسى الفَزاريُّ ابنُ ابْنَةِ السُّدِّيِّ [كما في «سنن
أبي داود» (3/481) (2149)، و«شعب الإيمان» (7/299) (5038)].
والْأَسْوَدُ بنُ عَامِرٍ شَاذان، ويَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ
الكرمانيّ [كما في «مسند الروياني» (1/69) (22)].
ومُحَمَّدُ بنُ سَعِيد ابنِ الْأَصْبَهَانِيّ [كما في «شرح مشكل
الآثار» (5/123) (1867)، و«شرح معاني الآثار» (3/15) (4288)].
وأَبُو نُعَيْمٍ الفضل بن دُكين، وأَبُو غَسَّانَ مالك بن إسماعيل
النهديّ [كما في «مستدرك الحاكم» (2/212) (2788)].
كلهم عن شَرِيك بن عبدالله النخعي القاضي، عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ
الْإِيَادِيِّ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «يَا
عَلِيُّ، لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى،
وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ».
ورواه عَلِيُّ بنُ قَادِمٍ الكوفي [كما في «شرح مشكل الآثار» (5/123)
(1866)] عن شَرِيك بن عَبْدِالله، عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ الْإِيَادِيِّ، عَنِ ابْنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكره.
فجعله علي بن قادم: "عن علي"!! وخالف الجميع، وعلي ضعيف!
وقد ضعّف الترمذي الحديث، فقال: "هذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لاَ
نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ".
وصححه الحاكم، فقال: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ
مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
·
تفرد أبي ربيعة به! وهل تابعه أبو
إسحاق عليه؟!
والحديث تفرد به أبو ربيعة الإيادي.
قال الدارقطني في «الغرائب والأفراد» [كما في الأطراف: (2/329) (1521)]:
"تفرد بِهِ أَبُو ربيعَة الْإِيَادِي، عَن ابن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه".
لكن روى أحمد في «مسنده» (38/129) (23021) عن أَحْمَد بن عَبْدِالمَلِكِ،
قال: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبِي رَبِيعَةَ
الْإِيَادِيِّ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، به.
ففي هذه الرواية تابع أبو إسحاق السبيعي أبا ربيعة الإيادي!
وقد اعتد بهذه المتابعة شعيب الأرنؤوط ورفاقه في تعليقهم على «مسند
أحمد» (38/74) هامش (2) قالوا: حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف، أبو ربيعة - واسمه عمر
بن ربيعة الإيادي- قال أبو حاتم: منكر الحديث، وتساهل ابن معين فوثقه، وذكره
الذهبي في "المغني في الضعفاء"، وقال ابن حجر: مقبول. وقد تابعه أبو
إسحاق السبيعي كما سيأتي في الرواية (23021)، لكن الراوي عنه أيضاً شريك -وهو ابن
عبد الله النخعي- وهو سيئ الحفظ. ابن بريدة: هو عبدالله".
وقال أصحاب «المسند الجامع» (3/221): "قلنا: رواه أبو
إِسْحَاق أيضًا، عند أحمد (23409) فَتَابَعَ شَرِيكًا".
قلت: تفرد بذكر "أبي إسحاق" فيه: أحمد بن عبدالملك
الحراني وهو ثقة!
وقد رواه جماعة كبيرة - كما سبق بيانه - عن شريك عن أبي ربيعة، ولم
يذكر أحد منهم "أبا إسحاق في إسناده"! فذكره خطأ، ولا تعلم ممن! من أحمد
بن عبدالملك أم من شريك؟!!
وقد نصّ الدارقطني على أن أبا ربيعة تفرد به، ولو كان محفوظاً عن
"أبي إسحاق" لذكره!
فهذه المتابعة لا تصح.
والحديث منكر!
·
حال أبي ربيعة الإيادي:
أبو ربيعة هو: عمر بن ربيعة الإيادي.
قال عثمان بن سعيد الدارمي في «سؤالاته لابن معين» (948): وسَأَلته
عَن [أبي] ربيعَة الّذِي يروي عَنهُ شريك؟ فقالَ: "هُوَ كُوفِي ثِقَة".
وقد سقطت كلمة "أبي" من مطبوع الكتاب فصارت:
"وسألته عن ربيعة"، ولهذا قال محققه أحمد محمد نور سيف: "لم أقف له
على ترجمة"!
ووقع على الصواب فيما رواه عبدالرحمن بن أبي حاتم في «الجرح
والتعديل» (6/109) قال: أنبأنا يعقوب بن إسحاق فيما كتب إليّ قال: أخبرنا عثمان بن
سعيد، قال: سألت يحيى بن معين عن أبي ربيعة الذي يروي عنه شريك،
فقال: "كوفي ثقة".
وقال ابن أبي حاتم: وسألته - يعني أباه - عنه، فقال: "منكر
الحديث".
وذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (9/31): "أَبُو رَبِيعَةَ
الإِيَادِيُّ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الطُّفَيْلِ قَالَ: حدثنَا شُرَيْكٌ،
عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ الإِيَادِيِّ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أن الله أمرني بِحُبِّ
أَرْبَعَةً مِنْ أَصْحَابِي وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ، فَقُلْنَا يَا
رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ؟ فَكُلُّنَا نُحِبُّ أَنْ نَكُونَ مِنْهُمْ، فَقَالَ:
إِنَّ عَلِيًّا مِنْهُمْ، ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ علياً منهم،
وسلمان الفارسي، وَأَبَا ذَرٍّ، والمِقْدَادَ بنَ الأَسْوَدِ الكِنْدِيَّ".
قلت: ظاهر صنيع البخاري من خلال هذه الترجمة استنكاره لهذا الحديث
الذي يرويه عن ابن بريدة!
وهذا الحديث أخرجه الترمذي في «جامعه» (6/79) (3718)، ثم قال:
"هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ".
وأخرجه الحاكم في «مستدركه» (3/141)، وقال: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، ولَمْ يُخَرِّجَاهُ".
وتعقبه الذهبي في «التلخيص»: "ما خرّج مسلم لأبي ربيعة".
وقد فهم بعضهم - كالغماري – أن الذهبي لا يضعف الحديث، وأقصى ما
قال إن مسلما لم يُخرّج لأبي ربيعة!
ويُرد عليه وعلى من تبعه أن الذهبي ذكر هذا الحديث في «تاريخ
الإسلام» (2/221)، ثم قال: "أَبُو رَبِيعَةَ هَذَا خَرَّجَ لَهُ أَبُو
دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مُنْكَرُ الحَدِيثِ".
قلت: فهو يرى نكارة هذا الحديث لنقله قول أبي حاتم في أبي ربيعة
راويه: "منكر الحديث".
وأما قول الحافظ ابن حجر في «التقريب»: "مقبول"! ففيه
نظر! والعجيب أن صاحبا «التحرير» لم يتعقباه في قوله هذا عن أبي ربيعة!
والأصل أن «مقبول» عند ابن حجر في الراوي حيث يُتابع، وإلا فليّن
الحديث، وأبو ربيعة لم يُتابع عليه!!
وكأن ابن حجر اغتر بتحسين الترمذي له!
فإنه قال في «تهذيب التهذيب» (12/94): "حسّن الترمذي بعض
أفراده".
وذكر حديثه هذا في «الإصابة» (6/161)، ثم قال: "أخرجه
الترمذيّ، وابن ماجة، وسنده حسن".
قلت: هذا الحديث أيضاً منكر! وليس بحسن!
·
وهم شنيع للحافظ ابن عبدالبر!
وقال ابن عبد البر في «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» (4/1482):
"وَرَوَى سُلَيْمَانُ وَعَبْدُاللَّهِ ابْنَا بريدة عن أبيهما،
قال. قال رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
أَمَرَنِي بِحُبِّ أَرْبَعَةٍ مِنْ أَصْحَابِي، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ
فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: عَلِيٌّ، وَالْمِقْدَادُ،
وَسَلْمَانُ، وَأَبُو ذَرٍّ".
قلت: وهذا وهم شنيع لابن عبدالبر! والعجب كيف يجزم برواية سليمان
وعبدالله له عن أبيهما!!
فلم يكتف بواحد منهما بل جمعهما! ولا توجد رواية أنهما رويا هذا
الحديث كلاهما عن أبيهما!
فمعظم الروايات: "عن ابن بريدة عن أبيه"، وجاءت تسميته
في بعضها أنه "عبدالله"! فوهم ابن عبدالبر بأن جعل "ابن
بريدة": سليمان!
فالحديث يرويه أبو ربيعة عن واحد منهما! وأبو ربيعة هذا منكر
الحديث! وعلى فرض أن الحديث مقبول عند ابن عبدالبر فوهم في جعله عن سليمان
وعبدالله!!
·
حديث ثالث لأبي ربيعة خرجه
الترمذي وحسّنه!
وروى الترمذي لأبي ربيعة هذا حديثاً ثالثاً في «جامعه» (6/141) (3797)
قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الحَسَنِ
بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ الإِيَادِيِّ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بنِ
مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ
الجَنَّةَ تَشْتَاقُ إِلَى ثَلاَثَةٍ: عَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ، وَسَلْمَانَ».
قال: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ
مِنْ حَدِيثِ الحَسَنِ بنِ صَالِحٍ".
وأخرجه الحاكم في «مستدركه» (3/148) (4666) من طريق مُحَمَّد بن
بِشْرٍ، عن الحَسَنِ بن حَيٍّ، به.
ثم قال: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، ولَمْ
يُخَرِّجَاهُ".
قلت: وهذا أيضاً من مناكير أبي ربيعة!!
·
متابعة لشريك!
وبالعودة إلى حديث شريك عن أبي ربيعة في النظرة، نجد أن الروياني
روى في «مسنده» (1/69) (22)، قال:
حدثنا ابنُ إِسْحَاقَ، قال: حدثنا الْأَسْوَدُ بنُ عَامِرٍ،
وَيَحْيَى بنُ أَبِي بُكَيْرٍ قَالَا: حدثنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ
[ح].
وحدثنا نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ - هو الجهضمي -، وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ
قَالَا: حدثنا أَبُو أَحْمَدَ، قال: حدثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي
رَبِيعَةَ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: «لَا تُتْبَعِ النَّظْرَةَ
النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ».
وقد اعتد بهذه المتابعة صاحب كتاب «أنيس الساري (تخريج أحاديث فتح
الباري)» (9/6058) فقال: "ولم ينفرد شريك به، بل تابعه إسرائيل بن يونس عن
أبي ربيعة عن ابن بريدة عن أبيه به. أخرجه الرَّوياني (22)".
قلت:
الحديث لا يُعرف عن إسرائيل! وإنما تفرد به شَريك عن أبي ربيعة!
وأبو أحمد هو محمد بن عبدالله بن الزبير الزبيري يروي عن إسرائيل، ويروي عن شريك.
والذي يظهر لي أن «شريك» تحرّف إلى «إسرائيل» ورسمهما واحد، والله
أعلم.
·
تحسين شعيب ورفاقه للحديث بطريق
آخر ضعيف!!
قال شعيب ورفاقه في تعليقهم على حديث سلمة بن أبي الطفيل عن عليّ «مسند
أحمد» (2/464) هامش (2): "حسن لغيره، سلمة بن أبي الطفيل - وأبوه هو الصحابي
عامر بن واثلة- روى عنه محمد بن إبراهيم التيمى فطر بن خليفة، وذكره ابن حبان في
"الثقات" 4/318، وقول ابن خراش فيه: مجهول، رده الحافظ ابن حجر في.
التعجيل" ص160، وباقي رجال السند على شرط الصحيح غير محمد بن إسحاق، فقد روى
له البخاري تعليقاً ومسلم متابعةً، وهو حسن الحديث، لكنه مدلس وقد رواه بالعنعنة.
وأخرجه الدارمي (2709)، والبزار (907)، والطحاوي في "مشكل الآثار"
2/350، وابن حبان (5570)، والحاكم 3/123 من طرق عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد.
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وفي الباب عن بريدة عند أحمد وسيأتي في "المسند" (5/351
الطبعة الميمنية) ولفظه: "يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى،
وليست لك الآخرة" وفي إسناده شريك بن عبدالله النخعي، وهو سيء الحفظ، وقال
الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك، قلنا: والحديث هنا يتقوى
به" انتهى.
قلت: كلا الإسنادين منكر! فلا يصلح أن يتقوى أحدهما بالآخر، والله
المستعان!
26- قول عمر: «لا تباع أم حر»، وفيه قصة (2/458) وصححاه.
الحديث أخرجه الحاكم في «مستدركه» (2/496) (3708) قال: أَخْبَرَنَا
عَبْدُاللَّهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ دَرَسْتَوَيْهِ الفَارِسِيُّ، قال: حدثنا
يَعْقُوبُ بنُ سُفْيَانَ الفَارِسِيُّ، قال: حدثنا يَحْيَى بنُ يَعْلَى بنِ الحَارِثِ،
قال: حدثنا أَبِي، قال: حدثنا غَيْلَانُ بنُ جَامِعٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بنِ
حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
إِذْ سَمِعَ صَائِحَةً فَقَالَ: «يَا يَرْفَأُ، انْظُرْ مَا هَذَا الصَّوْتُ؟»
فَانْطَلَقَ فَنَظَرَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: جَارِيَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ تُبَاعُ أُمُّهَا،
قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: "ادْعُ لِي أَوْ قَالَ: عَلَيَّ بِالمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ"، قَالَ: فَلَمْ يَمْكُثْ إِلَّا سَاعَةً حَتَّى امْتَلَأَتِ
الدَّارُ وَالْحُجْرَةُ، قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ،
ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَهَلْ تَعْلَمُونَهُ كَانَ مِمَّا جَاءَ بِهِ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَطِيعَةُ» قَالُوا: لَا، قَالَ: فَإِنَّهَا
قَدْ أَصْبَحَتْ فِيكُمْ فَاشِيَةً، ثُمَّ قَرَأَ {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ
تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد:
22] ، ثُمَّ قَالَ: وَأَيُّ قَطِيعَةٍ أَقْطَعُ مِنْ أَنْ تُبَاعَ أُمُّ امْرِئٍ
فِيكُمْ، وَقَدْ أَوْسَعَ اللَّهُ لَكُمْ؟ قَالُوا: فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ.
قَالَ: «فَكَتَبَ فِي الْآفَاقِ أَنْ لَا تُبَاعَ أُمُّ حُرٍّ، فَإِنَّهَا قَطِيعَةٌ،
وَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ».
قال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ
يُخَرِّجَاهُ".
وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (10/577) (21773) عن شيخه الحاكم
أَبي عَبْدِاللهِ الحَافِظ.
قلت: هذا الحديث تفرد به غيلان بن جامع عن إبراهيم بن حرب!
وإبراهيم هذا هو أخو سِماك بن حرب، وهو مجهول الحال!!
وذكره الحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص: 246) في «مَعْرِفَة الْأَئِمَّةِ
الثِّقَاتِ المَشْهُورِينَ مِنَ التَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ مِمَّنْ يَجْمَعُ
حَدِيثَهُمْ لِلْحِفْظِ، والمُذَاكَرَةِ، والتَّبَرُّكِ بِهِمْ»، وذكر أنه أسند
ثلاثة أحاديث فقط!
27- بعثه صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في غزوة السلاسل (3/42
- 43) وصححاه.
الحديث أخرجه الحاكم في «مستدركه» (3/45) (4357) قال: حَدَّثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوبَ، قال: حدثنا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِالجَبَّارِ،
قال: حدثنا يُونُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابنِ إِسْحَاقَ، عَنِ المُنْذِرِ بنِ
ثَعْلَبَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، وَفِيهِمْ
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى
مَكَانِ الْحَرْبِ أَمَرَهُمْ عَمْرٌو أَنْ لَا يُنَوِّرُوا نَارًا، فَغَضِبَ
عُمَرُ وَهَمَّ أَنْ يَنَالَ مِنْهُ، فَنَهَاهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكَ إِلَّا لِعِلْمِهِ بِالحَرْبِ، فَهَدَأَ عَنْهُ
عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ».
قال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، ولَمْ
يُخَرِّجَاهُ".
ورواه البيهقي في «دلائل النبوة» (4/399) عن شيخه الحاكم، إلا أنه
عنده: "عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَمْرَو بنَ العَاصِ فِي سَرِيَّةٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا..."، مرسلاً، ولم يذكر: "عن أبيه"!
ولم يرو هذه القصة بهذا اللفظ إلا المنذر بن ثعلبة! تفرد به عنه:
محمد بن إسحاق! والمنذر قد تكلمنا عليه سابقاً، وابن إسحاق فيه كلام!
وهذه القصة بهذا اللفظ فيها نكارة!!
وتُروى بغير هذا اللفظ من حديث إِسْمَاعِيل بنِ أَبِي خَالِدٍ،
عَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَمْرِو بنِ العَاصِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى الله عليه وسلم بَعَثَهُ فِي ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَسَأَلَهُ أَصْحَابُهُ
أَنْ يُوقِدُوا نَارًا، فَمَنَعَهُمْ، فَكَلَّمُوا أَبَا بَكْرٍ، فَكَلَّمَهُ فِي
ذَلِكَ فَقَالَ: لَا يُوقِدُ أَحَدٌ مِنْهُمْ نَارًا إِلَّا قَذَفْتُهُ فِيهَا.
قَالَ: فَلَقُوا العَدُوَّ فَهَزَمُوهُمْ، فَأَرَادُوا أَنْ يَتَّبِعُوهُمْ،
فَمَنَعَهُمْ فَلَمَّا انْصَرَفَ ذَلِكَ الْجَيْشُ، ذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَكَوْهُ إِلَيْهِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ آذَنَ لَهُمْ أَنْ يُوقِدُوا نَارًا، فَيَرَى عَدُوُّهُمْ
قِلَّتَهُمْ، وَكَرِهْتُ أَنْ يَتَّبِعُوهُمْ، فَيَكُونُ لَهُمْ مَدَدٌ
فَيُعْطِفُوا عَلَيْهِمْ، فَحَمِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَمْرَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ
إِلَيْكَ؟ قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: لَأُحِبُّ مَنْ تُحِبُّ. قَالَ: عَائِشَةُ، قَالَ:
مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ».
وروى البخاري في «صحيحه» (5/5) (3662) من طريق خَالِد الحَذَّاء،
عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ
ذَاتِ السُّلاَسِلِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟
قَالَ: «عَائِشَةُ»، فَقُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: «أَبُوهَا»، قُلْتُ: ثُمَّ
مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ» فَعَدَّ رِجَالًا.
32- «كنا في الجاهلية إذا ولد لنا غلام..» (4/238) وصححاه. وهو
مخرج في «الإرواء» (4/388 - 389) وصرح عبدالله بن بريدة بسماعه من أبيه عند البيهقي.
الحديث رواه أبو داود في «سننه» (4/463) (2843)، والحاكم في «مستدركه»
(4/266) (7594) من طرق عن الحُسَيْن بن وَاقِدٍ، عن عَبْداللَّهِ بن بُرَيْدَةَ،
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا وُلِدَ لَنَا غُلَامٌ
ذَبَحْنَا عَنْهُ شَاةً وَحَلَقْنَا رَأْسَهُ وَلَطَّخْنَا رَأْسَهُ بِدَمِهَا،
فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ كُنَّا إِذَا وُلِدَ لَنَا غُلَامٌ ذَبَحْنَا عَنْهُ
شَاةً وَحَلَقْنَا رَأْسَهُ وَلَطَّخْنَا رَأْسَهُ بِزَعْفَرَانٍ».
قال الحاكم: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ
وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
والتصريح بسماع عبدالله بن بريدة من أبيه عند البيهقي فهو إنما
رواه من طريق «سنن أبي داود»، لكن لا يُعتد بهذا السماع!
والحديث مما تفرد به الحسين بن واقد عن عبدالله بن بريدة! وما تفرد
به عنه لا يُقبل!
33- «نهى عن مجلسين وملبسين..» (4/272) وسكت عنه، وقواه الذهبي كما
تقدم بيانه برقم (2905).
ذكره الألباني في «صحيحته» (6/958) (2905): "نهى عن مجلسين
وملبسين، فأما المجلسان: فجلوس بين الظل والشمس، والمجلس الآخر: أن تحتبي في ثوب
يفضي إلى عورتك، والملبسان: أحدهما: أن تصلي في ثوب ولا توشح به. والآخر: أن تصلي
في سراويل ليس عليك رداء".
ثم قال: "أخرجه الحاكم في "المستدرك" (4/272) وابن
عدي في "الكامل" (4/329 - 330) من طريق أبي ثميلة: حدثني أبو المنيب
عبيدالله بن عبد الله العتكي: حدثني عبدالله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال:
فذكره مرفوعا.
أورده ابن عدي في ترجمة أبي المنيب هذا، وذكر الخلاف فيه، وساق له
أحاديث ثم قال: "وله غير ما ذكرت، وهو عندي لا بأس به".
قلت: وهذا هو الذي يتلخص من خلافهم فيه، أنه حسن الحديث إذا لم
يخالف، صحيح الحديث إذا وافق الثقات، وهو الذي يشير إليه قول الذهبي في
"الكاشف": "وثقه ابن معين وغيره، وقال البخاري: عنده مناكير".
وزاد في "المغني": "وأنكر أبو حاتم على البخاري إدخاله في
الضعفاء". وقال الحافظ: "صدوق يخطىء". وأما الحاكم فسكت عنه، ولا
أدري لم؟
وأما الذهبي فقال عقبه: "قلت: أبو المنيب عبيدالله قواه أبو
حاتم، واحتج به النسائي". والحديث صحيح، فقد جاء مفرقا في أحاديث..".
قلت:
الحديث أخرجه بطوله الحاكم في «المستدرك» (4/303) (7714) قال:
أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ القَاسِمُ بنُ القَاسِمِ السَّيَّارِيُّ، بِمَرْوَ، قال:
حدثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بنُ حَاتِمٍ، قال: حدثَنَا عَلِيُّ بنُ الْحَسَنِ بنِ
شَقِيقٍ، قال: حدثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ، قال: حَدَّثَنِي أَبُو المُنِيبِ
عُبَيْدُاللَّهِ بنُ عَبْدِاللَّهِ العَتَكِيُّ، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بنُ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَجْلِسَيْنِ وَمَلْبَسَيْنِ: فَأَمَّا
الْمَجْلِسَانِ بَيْنَ الظِّلِّ وَالشَّمْسِ وَالْمَجْلِسُ الْآخَرُ أَنْ
تَحْتَبِيَ فِي ثَوْبٍ يُفْضِيَ إِلَى عَوْرَتِكَ، وَالْمَلْبَسَانِ أَحَدُهُمَا
أَنْ تُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ وَلَا تُوَشَّحُ بِهِ وَالْآخَرُ أَنْ تُصَلِّيَ فِي
سَرَاوِيلَ لَيْسَ عَلَيْكَ رِدَاءٌ».
وروى بعض الأئمة أجزاءاً منه مفرقة.
فروى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (5/201) (25218) قال: حَدَّثَنَا
زَيْدُ بنُ الحُبَابِ، عَنْ أَبِي المُنِيبِ، عَنْ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ:
«أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُقْعَدَ بَيْنَ
الظِّلِّ وَالشَّمْسِ».
ورواه ابن ماجه في «سننه» (4/668) (3722) عن ابن أبي شيبة.
وروى أبو داود في «سننه» (1/474) (636) قال: حدَّثنا محمّد بن يحيى
الذُّهلي، قال: حدَّثنا سعيد بن محمَّد، قال: حدَّثنا أبو تُمَيلةَ، قال: حدَّثنا
أبو المُنيب، عن عبدالله بن بُريدة، عن أبيه قال: «نهى رسولُ الله صلى الله عليه
وسلم أن يُصلَّى في لِحافٍ لا يُتوشَّحُ به، والآخرُ أن تُصلِّيَ في سَراويلَ وليس
عليك رداء».
ورواه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/382) (2255) عن عِيسَى بن
إِبْرَاهِيمَ الغَافِقِيُّ، قَالَ: حدثنا عَبْدُاللهِ بنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
زَيْدُ بنُ الحُبَابِ، عَنْ أَبِي الْمُنِيبِ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ.
ورواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (2/265) (1939) عن أَحْمَد بن
مُحَمَّدِ بنِ نَافِعٍ، عن عِيسَى بن إِبْرَاهِيمَ بنِ مَثْرُودٍ الغَافِقِيّ، به،
بلفظ: «نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِي السَّرَاوِيلِ، لَيْسَ عَلَيْهِ
غَيْرُهُ».
قال الطبراني: "لا يُرْوَى هَذَا الحَدِيثُ عَنْ بُرَيْدَةَ
إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ: ابْنُ وَهْبٍ".
قلت: لم يتفرد به ابن وهب، بل توبع عليه، تابعه اللَّيْثُ بنُ
هَارُونَ العَتَكِيُّ.
رواه العقيلي في «الضعفاء» (3/121) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
عُثْمَانَ العَبْسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بنُ هَارُونَ العَتَكِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الحُبَابِ، عَنْ أَبِي المُنِيبِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ،
عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ
يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِي السِّرْوَالِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ
غَيْرُهُ».
وروى الحاكم في «المستدرك» (1/379) (914) قال: حدثنا سَعِيدُ بنُ
مُحَمَّدٍ الجَرْمِيُّ، قال: حدثنا أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بنُ وَاضِعٍ، قال: حدثنا
أَبُو المُنِيبِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «نَهَى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلَّى فِي لِحَافٍ لَا
يُتَوَشَّحُ بِهِ، وَنَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِي سَرَاوِيلَ وَلَيْسَ
عَلَيْهِ رِدَاءٌ».
قال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ
وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَاحْتَجَّا بِأَبِي تُمَيْلَةَ، وَأَمَّا أَبُو المُنِيبِ
المَرْوَزِيُّ فَإِنَّهُ عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ الْعَتَكِيِّ مِنْ ثِقَاتِ
الْمَرَاوِزَةِ، وَمِمَّنْ يُجْمَعُ حَدِيثُهُ فِي الْخُرَاسَانِيِّينَ".
قلت: فتصحيح الحاكم لهذا الجزء هو تصحيح للحديث بطوله الذي سكت عنه
قبل.
والحديث تفرد به أبو المنيب عن عبدالله بن بريدة!
وقد وثقه ابن معين، ومشّاه غيره، وضعفه آخرون!
قال يحيى بن معين: "روى عنه علي بن الحسين بن واقد، وأبو
تميلة نسخة".
وقال الآجري، عن أبي داود: "ليس به بأس".
وقال النسائي: "ثقة"، وقال مرة: "ضعيف".
وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: "هو صالح الحديث
- وأنكر على البخاري إدخاله في كتاب الضعفاء، وقال: يُحوّل منه".
وأورد له ابن عدي هذا الحديث في ترجمته، وأحاديث أخرى، ثم قال:
"ولأبي المنيب هذا أحاديث غير ما ذكرت، وَهو عندي لا بأس به".
وقال عبدالله بن أحمد: قَالَ أبي: "مَا أنكر حَدِيث حُسَيْن
بن وَاقد وَأبي الْمُنِيب عَن ابن بُرَيْدَة".
وقال أيضاً: قَالَ أبي: "عبدالله بن بُرَيْدَة الَّذِي روى
عَنهُ حُسَيْن بن وَاقد مَا أنكرها وَأَبُو الْمُنِيب أَيْضا، يَقُولُونَ
كَأَنَّهَا من قبل هَؤُلَاءِ".
قال البُخارِيّ: "عنده مناكير".
وقال العقيلي في «الضعفاء»: "عُبَيْدُاللَّهِ بنُ عَبْدِاللَّهِ
أَبُو المُنِيبِ الْعَتَكِيُّ: مَرْوَزِيُّ لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ، وَلَا
يُعْرَفُ إِلَّا بِهِ". وساق له هذا الحديث المنكر!
وقال ابن حبان في «المجروحين»: "ينْفَرد عَن الثِّقَات
بالأشياء المقلوبات، يجب مجانبة مَا يتفرد بِهِ وَالِاعْتِبَار بِمَا يُوَافق
الثِّقَات دون الِاحْتِجَاج بِهِ. أَرَادَ ابن المُبَارك أَن يَأْتِيهِ، فَقيل
لَهُ: إِنَّه روى عَن عِكْرِمَة: «لا يجْتَمع الخراج والعشر فِي أَرض»، فَلم
يَأْته وَتَركه".
وقال أبو أحمد الحاكم: "ليس بالقوي عندهم".
وقال البيهقي: "لا يحتج بحديثه".
وقال الساجي: "عنده مناكير، امتنع ابن المبارك أن يأتيه".
وذكره ابن الجارود في "جملة الضعفاء".
قلت: فالراجح في حاله أنه ضعيف جداً، وروايته عن عبدالله بن بريدة
منكرة لا تُقبل.
36- «إذا قال الرجل للمنافق..» (4/311) وصححه الحاكم، وضعفه الذهبي
بمن دون عبدالله، ولكنه متابع، وهو مخرج في «الصحيحة» (371 و 1389).
ذكر الألباني في «صحيحته» (1/713) (371): "لا تقولوا للمنافق
سيدنا فإنه إن يك سيدكم فقد أسخطتم ربكم عز وجل".
ثم قال: "أخرجه أبو داود (2/311) والبخاري في "الأدب
المفرد" (112) وأحمد (5/ 346 - 347) وابن السني في "عمل اليوم والليلة"
(385) والبيهقي في "الشعب" (2/58/2) ونعيم بن حماد في "زوائد الزهد"
(186) عن معاذ بن هشام حدثنا أبي عن قتادة عن عبدالله بن بريدة عن أبيه مرفوعا.
وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وقال المنذري (4/21): "رواه
أبو داود والنسائي بإسناد صحيح".
قلت: ولم أجده عند النسائي ولم يعزه إليه النابلسي في
"الذخائر" (1/122) فالظاهر أنه في "سننه الكبرى".
ثم الحديث رواه عقبة بن عبدالله الأصم عن عبدالله بن بريدة بلفظ: "إذا
قال الرجل للمنافق: يا سيد، فقد أغضب ربه تبارك وتعالى".
أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2 / 198) والحاكم (4/311)
والخطيب
(5/454) وقال الحاكم: "صحيح الإسناد".
وتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: عقبة ضعيف".
قلت: لكن تابعه قتادة كما سبق، فالحديث صحيح" انتهى.
وذكر أيضاً في (3/378) (1389) "إذا قال الرجل للمنافق يا سيد
فقد أغضب ربه تبارك وتعالى".
ثم قال: "أخرجه الحاكم (4/311) وأبو نعيم في "أخبار
أصبهان" (2/198) والخطيب (5/454) عن عقبة بن عبدالله الأصم: حدثنا عبدالله بن
بريدة عن أبيه مرفوعا به، وقال الحاكم. "صحيح الإسناد" وتعقبه الذهبي
بقوله: "قلت: عقبة ضعيف". وكذا قال في الميزان. وعزاه في "الجامع"
للحاكم والبيهقي في "الشعب"، ثم رمز لضعفه.
قلت: لكن الأصم هذا قد تابعه عليه قتادة بلفظ: "لا تقولوا
للمنافق سيدنا". وتقدم.. برقم (370)، فهو به حسن" انتهى.
قلت:
هذا الحديث له طريقان:
الأول: مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، عن أَبِيه، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
عَبْدِاللهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
الثاني: عُقْبَةُ بنُ عَبْدِاللَّهِ الْأَصَمُّ، عن عَبْداللَّهِ
بن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
والألباني صححه الطريق الثاني الذي ضعفه الذهبي بالطريق الأول!!
وقد قال ابن أبي حاتم في «العلل» (5/547) (2175): وسألتُ أَبِي
عَنْ أحاديثَ رَوَاهَا عُقْبةُ بنُ عبدالله الأَصَمّ، عَنِ ابنِ بُرَيدة، عَنْ
أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ
لِلْمُنَافِقِ: يَا سَيِّدَهُ، فَقَدْ أَغْضَبَ رَبَّهُ»؟
قَالَ أَبِي: "رَوَى هَذَا الحديثَ مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ قَتادة، عَنِ ابنِ بُرَيدة، عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه
وسلم".
قلت: كأن أبا حاتم يشير إلى أن حديث عقبة هو حديث قتادة = يعني
أخذه من قتادة ودلّسه!
وقتادة لم يسمع من عبدالله بن بريدة كما قال البخاري فيما سبق.
والعجب أن البخاري يعرف أنه منقطع وخرّجه في «الأدب المفرد»!!
وأما حديث عقبة، فقد تقدم الكلام على عقبة وأنه ليس بشيء! وينفرد
عن عبدالله بن بريدة بالمناكير!
وبعد فهذه هي الروايات التي ساقها الألباني لتأييد أن عبدالله
وسليمان قد سمعا من أبيهما!
وغالب هذه الأحاديث من تفرد الحسين بن واقد عن عبدالله بن بريدة،
وهي مناكير، وبقيتها لا تصح!
فلا تصلح هذه الروايات لما ذهب إليه الألباني!
·
الخلاصة والفوائد:
لقد خلصت في هذا البحث إلى كثير من النتائج والفوائد، ومن أهمها:
1- اختلف أهل العلم في سماع سليمان
وعبدالله ابني بُريدة بن الحُصَيْب - رضي الله عنه - مع أنهما عاشا في كنف والدهما
زمناً طويلاً يؤهلهما للسماع منه، وكان هذا الاختلاف الميدان الأبرز للعلماء في
معالجة مسألة السماع والمعاصرة بين الإمامين البخاري ومسلم.
2- كلّ
كتب التراجم ذكرت أن عَبْداللَّهِ
بن بُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْب الأَسْلَمِيّ وأخاه سليمان تَوْأَمين وُلِدَا فِي
بَطْنٍ واحد! وعليها بنى أهل العلم ولادتهما مما جعل هذا المحور الأساس في مسألة
السماع والمعاصرة!
وبناء عليها قيل أنهما ولدا بالمدينة في السنة الثالثة من خلافة
عمر بن الخطاب سنة خمس عشرة.
لكن الرواية التي جاء فيها
أنهما ولدا في بطن واحد منكرة! وراويها رُمَيْح بنُ هِلالٍ الطَّائِيّ، وهو
مجهول! ويروي المناكير!
3- جاء في رواية جيدة أن عبدالله بن بريدة قال بأنه كان غلاماً يوم
مقتل عثمان – يعني لم يكن قد بلغ الحلم بعد، ومقتل عثمان كان سنة (35هـ)، فتكون
ولادته تقريباً نهاية خلافة عمر أو في بداية خلافة عثمان، يعني يكون عمره تقريباً
(10) سنوات وولادته سنة (25هـ).
4- خرج بُريدة - رضي الله عنه - بِاِبنيه من المدينة بعد فتنة قتل
عثمان، وسكن البصرة، وبها إذ ذاك عمران بن حصين (ت 52هـ)، وسمرة بن جندب، فسمع
عبدالله بن بريدة منهما روايات قليلة جداً، ثم خرج بريدة من البصرة بابنيه إلى
سجستان، فأقام بها غازياً مدة، ثم خرج منها إلى مرو على طريق هراة، فلما دخلها قطنها
إلى أن توفي فيها سنة (63هـ).
5- وَهِم الإمام مسلم في قوله: "مات هو وأخوه في يوم واحد
بمرو، وولدا في يوم واحد"! فعبدالله مات سنة (105هـ)، وسليمان سنة (115هـ).
6- لم يختلف أهل العلم في توثيق عبدالله وسليمان، إلا أن الإمام
أحمد كان يذهب إلى أن سليمان أصح حديثاً وأوثق من أخيه عبدالله! وسبب ذلك ما أشار
إليه هو نفسه من أن عبدالله يروي أحاديث منكرة! وقد صرّح هو نفسه أن هذه المناكير
إنما هي من قِبل الرواة عنه، ولا دخل لعبدالله بها، فهو ثقة مطلقاً، بل لا أكون
مبالغاً إذا قلت بأنه أوثق وأصح حديثاً من أخيه سليمان.
وقد تبع أهل العلم أحمد في هذا التفضيل بينهما، ولا تكاد تجد
كتاباً في التراجم إلا وذكر ذلك! وهو كلام لا دليل عليه!
7- ذهب الإمام أحمد إلى أن حسين بن واقد وأبا المُنيب العتكي رويا
عن عبدالله بن بريدة مناكير! والمناكير التي في حديثه من قبلهما! وقد تتبعت ذلك
فوجدت صحة ما قاله الإمام أحمد - رحمه الله -.
فكلّ حديث يتفرد به حسين بن واقد وأبو المنيب عن عبدالله بن بريدة
لا يُحتج به، وهو مردود! ولم يلتفت الكثير من المعاصرين لهذا فصححوا أحاديثهما
وأكثر من فعل ذلك الألباني!
8- اختلفت النقولات عن أحمد في مسألة سماع ابني بريدة من أبيهما!!
فنُقل عنه أنه قال: ما رأيت أحداً يشك في أنهما سمعا من أبيهما.
ونقل عنه إثبات سماع سليمان من أبيه، ونفيه سماع عبدالله من أبيه!
ولهذا رد عليه الجوزجاني واستغرب كيف خفي عليه سماعه من أبيه!
ونُقل عنه التوقف في سماع عبدالله من أبيه؛ لأن عامة ما يُروى عن
بريدة من حديثه، وقد ضعّف حديثه!
لكن هذا التضعيف لحديثه ليس بسبب عبدالله نفسه، وإنما بسبب الرواة
عنه كما تقدّم بيانه.
9- نفى الحافظ إبراهيم الحربي سماع عبدالله وسليمان من أبيهما
مطلقاً!
10- قول الحاكم: "أثبت أسانيد الخراسانيين: الحسين بن واقد،
عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه" قول ليس بصحيح! وقد تعقّبه الحافظ ابن حجر
وتعجب من ذلك بنفي أهل العلم سماعه من أبيه.
وبناء على قول الحاكم هذا أخرج أحاديث كثيرة بهذا الإسناد في «المستدرك»
وصححها، وألزم بها الشيخين! وأخطأ في ذلك! فأحاديث الحسين بن واقد عن عبدالله بن
بريدة مناكير!!
11- جزم البخاري في ترجمة «عبدالله بن بريدة» بأنه لم يسمع من أبيه
في «التاريخ الكبير» بقوله: "عن أبيه".
وأشكل هذا على تخريج البخاري له عن أبيه حديثاً مرفوعاً واحداً في «صحيحه»
في كتاب المغازي، في باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب، وخالد بن
الوليد إلى اليمن، قبل حجة الوداع، وكيف كان يُبغض علياً، ثم أحبّه.
وإنما خرّجه البخاري لما ثبت عنده أنه سمع هذا الحديث من أبيه. فهو
على رأيه في عدم السماع إلا أنه استثنى هذا الحديث لثبوت أنه سمعه منه.
وثبت أن عبدالله روى عن أبيه بعض ما رأى منه وشاهد، ولو كان
البخاري يرى أنه سمع منه غير الحديث الذي خرّجه له لأخرج له غيره.
وروى البخاري أيضاً في «صحيحه» عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
قالَ: «غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّ
عَشْرَةَ غَزْوَةً».
وتخريجه لهذا الأثر لا يؤثر على نفيه سماع عبدالله من أبيه في
العموم، فهذا أثر يرويه عن أبيه وليس مرفوعاً، ثم هو يُخبر بأمر الظاهر أنه مشتهرٌ
في بيتهم عن والده في عدد الغزوات التي غزاها مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف
لا يعرف أهل بيت الرجل كم غزوة غزاها والدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم!
ويؤيده ما جاء في رواية الجريري: "أَنَّ أَبَاهُ غَزَا...".
فالبخاري نفى سماع عبدالله بن بريدة من أبيه في العموم، لكن تبيّن
له أنه سمع منه حديثاً فأخرجه في «صحيحه»، وكذلك لا يخفى على البخاري أن عبدالله
رأى أباه يفعل أشياء وأخبر عن أشياء.
والصحيح أن عبدالله سمع من أبيه بعض الأحاديث لكنها قليلة جداً،
وقد ثبت سماعه منه بما قاله الحسين المعلم أنه لنا قدم عليهم البصرة "جَعَلَ
يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبِي، وحدثنا عَبْدُاللَّهِ بنُ مُغَفَّلٍ".
وهذا تصريح واضح في صحة سماعه من أبيه.
ويُحتمل أن البخاري نفى سماعه أولاً كما في «التاريخ» ثم تبيّن له
صحة سماعه فأخرج حديثه في «صحيحه»، والله أعلم.
12- رُويت قصة عن عبدالله بن بريدة ساق فيها حديثاً عن أبيه حدّثه
به مما يدلّ على أنه سمع منه.
وهي أن قتيبة بن مسلم أراد أن يوليه قضاء مرو، فرفض وساق عن أبيه
حديث: «القُضَاةُ ثَلاثَةٌ قَاضِيَانِ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ فِي الجَنَّةِ، قَاضٍ
قَضَى بِغَيْرِ حَقٍّ، وَهُوَ يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى
بِغَيْرِ الحَقِّ، وَهُوَ لا يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى
بِالحَقِّ فَهُوَ فِي الجَنَّةِ».
وبهذه القصة أثبت مغلطاي في سماعه من أبيه! لكن هذه القصة هذه
القصة ضعيفة، وأسانيدها منكرة!
وهو قد تولى قضاء مرو، فكيف يروي القصة ثم يخالف ما رواه عن أبيه
عن النبي صلى الله عليه وسلم!
وكان عبدالله بن بريدة قاضي مرو أربعاً وعشرين سنة، وكان يأخذ
الرزق على القضاء، كان يزيد بن المهلب استقضاه، فلم يزل قاضياً حتى كان في ولاية
أسد بن عبدالله.
13- ذكر كثير من أهل العلم أن سليمان بن بريدة ولي قضاء مرو قبل
أخيه عبدالله، وتوفي قبله بعشر سنين = يعني سنة (105هـ)، واستلم بعده أخوه عبدالله
الذي توفي سنة (115هـ) = يعني أن عبدالله بقي في القضاء مدة (10) سنوات! وهذا خلاف
ما يرويه أهل بيته كما قال أوس بن عبدالله بن بريدة أنه بقي على قضاء مرو (24)
سنة.
والصواب أن عبدالله بن بريدة كان قاضياً
بمرو منذ ولاية يزيد بن المهلب على خراسان، وعزل عن القضاء في ولاية قتيبة بن مسلم
وكان قاضيه يحيى بن يعمر، ثم رجع للقضاء لما ولي يزيد بن المهلب خراسان مرة أخرى،
وبقي على القضاء عندما ولي خراسان أَسَد بن عَبْدِاللَّهِ القَسْرِيّ سنة (106هـ)، وكان أخوه خالدٌ
الْقَسْرِيُّ اسْتَعْمَلَه عَلَى إِقْلِيمِ خُرَاسَانَ نِيَابَةً عَنْهُ، وبقي
واليها حتى توفي سنة (120هـ).
وقد ذكر أحمد بن شَبُّويَه قضاة مرو، ولم يذكر فيهم سليمان بن
بريدة! وهذا هو الظاهر أنه لم يكن على قضاء مرو.
14- لم يثبت أن سليمان بن بريدة توفي قبل أخيه عبدالله بعشر سنين =
أي سنة (105هـ)!
15- حديث: «القضاة ثلاثة...» رُوي عن عبدالله بن بريدة عن أبيه من
طرق كثيرة، ومما جاء أنه روى هذا الحديث عن عبدالله: سعد بن عبيدة الكوفي، وأبو
هاشم الرُّمَّاني، وأبو إسحاق السبيعي، وعمارة بن عمير التيمي الكوفي، ويونس بن
خباب الكوفي، والحكم بن عُتيبة.
وقد صحح بعض المتأخرين والمعاصرين الحديث بمجموع الطرق على طريقتهم
في ذلك!
لكن كلّ طرق الحديث عن عبدالله بن بريدة معلولة، ولا تصلح لأن
تتقوى ببعضها. وكذا شواهد الحديث كلها واهية! = الحديث ضعيف جداً.
16- أصل حديث «القضاة ثلاثة...» من قول كعب الأحبار!
رواه سفيان الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن كعب،
من قوله. وله شاهد حسن.
17- رُوي حديث «القُضَاةُ ثَلَاثَةٌ..» من قول عليّ بن أبي طالب -
رضي الله عنه -، ولم يصح ذلك.
18- أبو العالية الرِّياحي أدرك علياً، لكنه لم يسمع منه، وأحاديثه
عنه مراسيل، ومراسيل أبي العالية ضعيفة؛ لأنه كان يروي عن كلّ أحد!
19- منهج المدعو صلاح الدين بن أحمد الإدلبيّ في الحكم على الحديث
منهج مضطرب فاسد! ولا يُلتفت إلى أقواله.
20- خرّج البخاري لعبدالله بن بريدة عن عبدالله بن مُغفّل المزني (ت
57هـ بالبصرة) في «صحيحه» حديثاً واحداً في اسم صلاة المغرب من رواية حسين المعلم
عنه، وروى حسين المعلم عنه عن ابن مغفل حديثاً آخر في صلاة الركعتين قبل المغرب.
21- خرج البخاري لعَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ عن سَمُرَةَ بنِ
جُنْدُبٍ (ت 58هـ بالبصرة) في «صحيحه» حديثاً واحداً في صلاته على امرأة وأنه قام
وسطها من رواية الحسين المعلم عنه.
22- كان عليّ بن المديني يشك في سماع عبدالله بن بريدة من سَمُرة
بن جُندب حتى وقف على هذه الرواية التي فيها تصريحه بالسماع منه، وفي رواية أن
سمرة كان غلاماً لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم صلى على تلك المرأة وقام وسطها.
23- خرّج البخاري لعبدالله بن بريدة عن عمران بن حُصين (ت 52هـ
بالبصرة) في «صحيحه» حديثاً واحداً في أجر صلاة الرجل قاعداً لعذر من رواية حسين
المعلم عنه.
24- رُوي عن عبدالله بن بريدة ثلاثة أحاديث مختلفة، وقد ذهب بعض
أهل العلم إلى أنها متعارضة، ووهموا بعض الرواة فيها! وليس كذلك، فلا تعارض، ولا أوهام
فيها.
- روى كهمس والجريري عنه عن ابن مغفل: «بَيْنَ كُلِّ
أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ
صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ».
وهذا حديث مطلق.
- وروى حُسَيْن المُعَلِّم عَنه عن ابن مُغفل: «صَلُّوا
قَبْلَ صَلاَةِ المَغْرِبِ»، قَالَ: «فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ».
وهذا نص في صلاة المغرب.
- وروى حَيَّان بن عَبْيدِاللهِ
العدوي عنه عَنْ أَبِيهِ: «إِنَّ عِنْدَ كُلِّ أَذَانَيْنِ رَكْعَتَيْنِ مَا خَلَا
المَغْرِبَ».
وهذا في استثناء الركعتين عند
المغرب.
فهذه ثلاثة أحاديث عن ابن بريدة،
وهي مختلفة ظاهرياً، فإما أن نقول بأن ابن بريدة اضطرب في روايته، أو أنها كلها
صحيحة عنه، وعند الترجيح ترجح رواية كهمس والجريري، والحسين المعلم تفرد بروايته،
وكذا حيان بن عبيدالله!
فإن ثبت أن بريدة بن الحصيب روى
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستثناء في المغرب، فتكون الرواية عن ابن مغفل
بصلاة الركعتين قبل المغرب ناسخة لتلك الرواية.
ويبدو لمن نظر في هذه الأحاديث
ذهب إلى التعارض بينها، ووهّم حيّانًا في روايته! لكن الأمر ليس كذلك.
فعبدالله بن بريدة روى عن أبيه: «إِنَّ
عِنْدَ كُلِّ أَذَانَيْنِ رَكْعَتَيْنِ مَا خَلَا المَغْرِبَ»، ثم نقل عن ابن عمر
أنه لم يكن يترك تلك الركعتين عند المغرب، فلما رأى فعل ابن عمر، وما سمعه من ابن
مغفل: «صَلُّوا قَبْلَ صَلاَةِ المَغْرِبِ»، وكذلك «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ
صَلَاةٌ» ويدخل في هذا العموم المغرب أيضاً، كان يصليهما.
فليس الأمر أن صلاته لهاتين الركعتين توهيم الرواية التي
رواها عن أبيه! بل هي رواية صحيحة، ورواية ابن مغفل، وفعل ابن عمر، والرواية
المطلقة كلها تناهض ما رواه عن أبيه في استثناء المغرب، ولهذا واظب عليهما، والله
أعلم.
وأما ما جاء من الزيادة في رواية ابن المُبَارَكِ: «فَكَأَنَّ ابْنَ بُرَيْدَةَ
يُصَلِّي قَبْلَ المَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ» فهذا لا يعني وقوع الوهم في
رواية حيان، وابن بريدة عنده عن ابن مغفل، ومواظبة ابن عمر عليهما، ولهذا كان
يصليهما قبل المغرب، ولا ندري من حدّثه بهذا الخبر عن أبيه!
والخلاصة أن حيان بن عبيدالله ضبط روايته، ولا وهم فيها،
وروايته واضحة في ذلك حيث قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عَبْدِاللَّهِ بنِ
بُرَيْدَةَ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَلَمَّا سَمِعَ الْأَذَانَ
قَالَ: قُومُوا فَصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْإِقَامَةِ فَإِنَّ أَبِي
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عِنْدَ
كُلِّ أَذَانَيْنِ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْإِقَامَةِ مَا خَلَا أَذَانَ
المَغْرِبِ».
قَالَ ابنُ بُرَيْدَةَ: لَقَدْ أَدْرَكْتُ عَبْدَاللَّهِ
بنَ عُمَرَ يُصَلِّي تَيْنِكَ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ المَغْرِبِ لَا يَدَعُهُمَا
عَلَى حَالٍ، قَالَ: فَقُمْنَا فَصَلَّيْنَا الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْإِقَامَةِ، ثُمَّ انْتَظَرْنَا حَتَّى
خَرَجَ الْإِمَامُ فَصَلَّيْنَا مَعَهُ المَكْتُوبَةَ".
25- أدرك عبدالله بن بريدة، لكنه لم يسمع منه.
26- كان هناك علاقة وثيقة بين رواة أهل البصرة وأهل خراسان.
27- حديث عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنَ اسْتَعْمَلْنَاهُ
عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا، فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ»
هو الحديث الوحيد الذي أشار إليه أهل العلم أن حسيناً المعلم أسنده عن عبدالله بن
بريدة، عن أبيه، وهو حديث صحيح، قد سمعه عبدالله بن بريدة من أبيه؛ لأنه من رواية
حسين المعلم عنه، وقد صرّح حسين المعلم أن عبدالله بن بريدة كان يقول في حديثه عن
أبيه: "حدثني أبي".
قال حُسَيْن المُعَلِّم: لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُاللَّهِ
بنُ بُرَيْدَةَ، بَعَث إِليّ مَطَر الوَرَّاق: احْمِلِ الصَّحِيفَةَ والدَّوَاةَ
وتَعَال، فَحَمَلْتُ الصَّحِيفَةَ والدَّاوَةَ فَأَتَيْنَاهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي
أَبِي، وحدثنا عَبْدُاللَّهِ بنُ مُغَفَّلٍ.
28- وجدت (22) حديثاً رواها حسين المعلّم عن عبدالله بن بريدة،
(17) منها من رواية عبدالوارث بن سعيد العنبري البصريّ عن حسين المعلّم، وكان
عبدالوارث من أثبت شيوخ البَصْرِيّين، وأصح الناس حديثًا عن حسين المعلم، وقد
شاركه بعض الرواة في رواية بعض هذه الأحاديث عن حسين المعلّم.
وغالب هذه الأحاديث صحيحة، وبعضها رواه عبدالله بن بريدة مرسلاً،
وروى بعضها عن مجاهيل لا يُعرفون!
29- تفرد عبدالله بن بريدة الاسلمي بالرواية عن: أبي سبرة الهمداني،
وسليمان بن ربيعة الغنوي، ونضلة بن ماعز، وثلاثتهم مجاهيل لا يُعرفون!
30- جَارُودُ بنُ أَبِي سَبْرَةَ الهُذَلِيُّ البَصْرِيُّ، قِيلَ
في نسبه: البَهْدَلِيُّ، كما قال ابن حبان! واعتمد ذلك السمعاني في «الأنساب» فذكره
في هذه النسبة «البَهْدَلِيّ»، وأقرّه ابن
الأثير في «اللباب
في تهذيب الأنساب»
مع أنه ذكر هذه النسبة لمن، وهُوَ: بَهْدَلَة بن عَوْف بن كَعْب بْن
سعد بن زيد بن مَنَاة بن تَمِيم!
والصواب أن الجارود يُنسب إلى «الهُذَلِيّ»، وكأنها تحرّفت إلى «البهدلي»! وكلاهما من تميم، لكن الجارود
هو: ابن أبي سبرة سالم بن سلمة بن نوفل بن عبد العزى بن أبي نصر بن جهمة بن مطرود
بن مازن بن عمرو بن عميرة بن عمرو بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة.
31- أبو سبرة الهذلي معروف في التابعين،
لكنه مجهول الحال، ولا يوجد له رواية واحدة رواها عن عبدالله بن عمرو بن العاص،
ورواها عنه: عبدالله بن بريدة، ولم يسمع منه، وإنما ذُكر له هذا الحديث عنه، وما
جاء في الحديث لا يُعرف عن عبدالله بن عمرو بن العاص!
32- وجدت لمَطَر الوَرَّاقِ، عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ حديثين، وأصلهما معروف من رواية عبدالله بن بريدة،
لكن مطر الوراق لم يضبط حديثه فزَادَ فِيهِ، وَقَدَّمَ وَأَخَّرَ بَعْضَ الحَدِيثِ،
وذلك لضعفه عموماً ولأنه كان كبيراً لما سمع من عبدالله بن بريدة، وهو من أمر حسين
المعلم بأن يكتب ما يسمعونه من عبدالله بن بريدة لما قَدِم عليهم البصرة.
33- كان عبدالله بن بريدة يروي عن أُناس
مجاهيل، وكان يُرسل أيضاً!
34- كان عبدالله بن بريدة يتصدر في
مجلس أبي مِجلز لاحق بن حُميد البصري - كان على بيت مال خراسان وتوفي سنة (99هـ)-،
ويُحدّث فيه، وهذا يدلّ على أنه كان أكبر من أخيه سليمان.
35- الأحاديث التي أخرجها البخاريّ لعبدالله بن بريدة أخرجها عنه
من طريق البصريين عنه فقط، وكأنه لا يعتبر حديثه من طريق الخراسانيين!! وفي هذا رد
على قول الحاكم في أن أثبت أسانيد الخراسانيين: «الحسين بن واقد، عن عبدالله بن
بُريدة، عن أبيه»!
36- ذكر بعض أهل العلم عبدالله بن بريدة في الرواة عن أبيه لا يعني
أنه سمع منه كل حديثه كما يتوهم كثير من طلبة العلم المعاصرين! فغاية ما يفعله
أصحاب كتب الرجال ذكر كلّ من روى عن صاحب الترجمة، وهذا ليس إثباتاً أنه سمع منه،
ولهذا عُرف البخاري بالعناية بذلك من خلال تراجم كتابه حيث كان يتفنن في ذكر
الرواة عن صاحب الترجمة بالعنعنة في بعضهم ليدلل على عدم ثبوت السماع! وينص على
السماع إذا ثبت عنده.
37- لم يكن بُريدة بن الحُصيب كثير التحديث عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وذلك ربما لأنه قضى وقتاً في المرابطة والسفر بعد مقتل عثمان بن عفّان.
38- لم يسمع سليمان بن بريدة من أبيه، وقد نفى البخاري سماعه من
أبيه مطلقاً، ولم يُخرِّج له شيئاً في «صحيحه»، والظاهر أنه كان صغيراً جداً لما
توفي والده بُريدة! ولم أستطع معرفة ولادته! وأرى أنه
وُلد بعد أخيه عبدالله.
39- عبدالله بن بُريدة كان أكبر من أخيه سليمان، ولا يصح أن سليمان
توفي قبل عبدالله، وما بناه أهل العلم على أنّ سليمان كان أصح حديثاً من أخيه
عبدالله ليس بصحيح! بل عبدالله ثقة مطلقاً ولا مقارنة بين حديثه وبين حديث أخيه!
بل لا يوجد اشتراك بينهما لا في الشيوخ ولا في التلاميذ.
40- من المعلوم أن الإمام مسلماً - رحمه الله - يُخرّج أحاديث
المتعاصرين في عصر واحد، فكيف بمن عاش في بيت والده زمناً كعبدالله وسليمان ابني
بريدة.
ولهذا احتج بعض المعاصرين في الخلاف بين الإمامين: البخاري ومسلم
في قضية اللقاء والسماع والمعاصرة بهذا الأمر! وهو تحقق سماع عبدالله من أبيه لأنه
عاش عنده في بيته زمناً، فكيف لم يتحقق سماعه منه؟!!
41- أثبت مسلم سماع عبدالله بن بريدة من أبيه بتخريجه له ستة
أحاديث عن أبيه في «صحيحه».
أما الحديث الأول فهو حديث عدد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وقد خرّجه
من حديث الحسين بن واقد! والحسين قد وهم فيه!
والصواب ما أخرجه مسلم في الحديث الثاني من حديث معتمر بن
سليمان عن كهمس عن عبدالله بن بريدة عن أبيه في عدد غزواته هو مع النبي صلى الله
عليه وسلم! وهو ما خرجه البخاري أيضاً من حديث كهمس.
وأما الحديث الثالث فحديث مَالِك بن مِغْوَلٍ-، عنه، عَنْ أَبِيهِ، في أنّ «أبا
موسى الْأَشْعَرِيَّ أُعْطِيَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ».
وخولف مالك فيه، خالفه حسينُ بن ذَكْوان المُعلِّم البصري في
إسناده وبعض متنه! وحسين المعلم من أثبت الناس في عبدالله بن بريدة، ومالك بن مغول
ليس بكثير الرواية عن ابن بريدة وهو كوفي ولم يضبط حديثه.
وقد اضطرب فيه مالك بن مغول، وقد تخبط بعض أهل العلم، وبعض
المعاصرين في تصحيح حديثه!
والصواب في هذا المتن ما رواه أَبو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
لَهُ: «يَا أَبَا مُوسَى لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ».
وقد رواه مُحَمَّد بن فُضَيْلٍ الكوفي، عَنْ مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ،
عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، فكأن ابن مغول لم يضبط الاسم للتشابه
بين: "أبي بُردة" و"ابن بُريدة"!! فظنّ أنه ابن بريدة فسلك
الجادة ورواه عنه عن أبيه!
وأما الحديث الرابع فهو حديث النهي عن زيارة القبور ونسخ ذلك!
وقد أخرجه مسلم من طريق مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنِ ابنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وفي بعض الروايات: "عن عبدالله بن بريدة"، ثم
أخرجه من طريق عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ
أَبِيهِ! والظاهر أنه أراد إثبات أن عبدالله وسليمان كليهما روى هذا الحديث عن
أبيهما، وهذا هو رأي عليّ بن الجعد كما خرجه في «مسنده»!
والصواب أن الحديث محفوظ عن سليمان بن بريدة عن أبيه، ولم يروه
عبدالله عن أبيه.
وأما الحديث الخامس فهو في قضاء الصوم عن الميت.
وقد خرّجه مسلم من طرق كثيرة عن عبدالله بن عطاء المكي، عَنْ
عَبْدِاللهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، ثم ختم برواية عَبْدالمَلِكِ بن أَبِي
سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عَطَاءٍ المَكِّيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
والظاهر أن مسلماً أراد بيان وهم عبدالملك بن أبي سليمان في تسمية
ابن بريدة بأنه "سليمان"! لأن الرواة الثقات رووه عن عبدالله بن عطاء
وسموه "عبدالله".
وأما الحديث السادس فهو في رجم ماعز.
أخرج مسلم حديث علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه، فذكر
حديث الرجم، وقصة الغامدية، ثم أتبعه بحديث بشير بن المهاجر عن عبدالله عن بريدة
عن أبيه! والظاهر أنه أراد أن يبين أن عبدالله قد تابع أخاه على رواية هذا الحديث
عن أبيهما!
وحديث علقمة رواه جماعة عن يحيى بن يعلى بن الحارث المحاربي، عن
أبيه، عن غيلان بن جَامِعٍ المُحَارِبِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بن مرثد، عن سليمان بن
بريدة، عن أبيه.
وقد تفرد به يحيى عن أبيه! ويحيى وثقه بعضهم وضعفه آخروه، وهو صدوق
يغلط في الأسانيد! وتفرده في طبقته المتأخرة لا يُحتمل! والحديث يُروى عن علقمة بن
مرثد من طرق أخرى ضعيفة منتشرة في الكوفة! وهي أصل حديث يحيى هذا.
وحديث عبدالله بن بريدة عن أبيه تفرد به بشير بن المهاجر!! وهو
ضعيف لا يُحتج به، ويروي عن عبدالله المناكير!
42- ترتيب الإمام مسلم لأسانيد بعض الأحاديث غريبٌ جداً!! وفي هذا
رد على من توسع في مسألة ترتيب مسلم للأحاديث في الباب الواحد، وأنه أراد بيان
العلل في بعض الأبواب! مع عدم نفينا أنه أحياناً يقصد بيان علل بعض الأسانيد، لكن
هذا يحتاج لطول نظر!! والاعتماد على الترتيب دائماً فيه توسع غير محمود!
43- حصل خلط كثير في بعض الأحاديث بين «عبدالله بن بريدة» و«سليمان
بن بريدة» نتيجة عدم تحديد من هو الراوي في بعض الأسانيد وإهماله بقولهم: «عن ابن
بريدة»! ومن هنا حصل الوهم لبعض أهل العلم في ذلك، فجعل بعضهم بعض الأحاديث تُروى
عن كلا الأخوين! أو الحديث الذي لسليمان يجعلوه لعبدالله أو العكس! وقد وقع ذلك لكبار
أهل العلم كأبن نُمير، وأحمد، ومسلم، وأبو حاتم الرازي، والبيهقي، والمزي، وغيرهم.
44- ساق البزار قاعدة ذهبية عامة في «مسنده» في معرفة «ابن بريدة»
الذي لا يُسمى في الأسانيد: كلّ حديث يرويه علقمة بن مرثد، ومحارب بن دِثار، ومحمد
بن جحادة، والأعمش عن ابن بريدة فهو: «سليمان بن بريدة»، وأي راو آخر يروي عن «ابن
بريدة» فهو «عبدالله بن بريدة» ما لم يصرّح في الرواية أنه سليمان بن بريدة.
45- العجب من الإمام مسلم فإنه أحياناً كان يحتاج لمتن حديث ما فلا
يذكره، مع أنه يذكر جزءاً من متن ذلك الحديث في موضع آخر! كالمتن الذي يرويه زهير
بن معاوية عن اليامي في قصة زيارة قبر أمّه! ولم يذكره!!!
بل الأعجب من ذلك أنه ساق أسانيد حديث مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنِ
ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ في النهي عن زيارة القبور، وعن لحوم الأضاحي،
والنهي عن النبيذ! ومنها إسناد زهير عن اليامي! كشاهد لحديث زيارته لقبر أمه!! مع
أن الأسانيد التي ساقها لا يوجد فيها ذكر قصة زيارة أمّه!!! وإنما زيارة القبور
عموماً!!
وأعجب من هذا كلّه أنه لم يسق لفظ حديث سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ
بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ! وفيه ما يتعلق بزيارة قبر أمّه!
46- وهم الحاكم في قوله بعد أن ساق حديث: عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ،
عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «قَدْ كُنْتُ قَدْ نَهَيْتُكُمْ، عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا
فَزُورُوهَا»، قال: "فَقَدْ أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ، وهَذَا الحَدِيثُ
مُخَرَّجٌ فِي الكِتَابَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ لِلشَّيْخَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا".
فإن قصد بالحديث المخرج في الصحيحين حديث علقمة بن مرثد، فهو وهم
لأن البخاري لم يخرج لسليمان بن بريدة عن أبيه!
وإن قصد حديث إذنه في زيارة قبر أمه، فهو وهم كذلك؛ لأن البخاري لم
يُخرجه أيضاً، وخرجه مسلم لكن ليس من طريق علقمة بن مرثد عن سليمان عن أبيه، وإنما
ساق مسلم الإسناد فقط، ولم يسق المتن.
47- أبو المُنيب العتكي ضعيف ولا يحتج به! وروايته عن عبدالله بن
بريدة منكرة! وما يرويه عنه أبو تميلة نسخة منكرة!
48- خلط بعض أهل العلم في راوي حديث: «أَهْلُ الجَنَّةِ عِشْرُونَ
وَمِائَةُ صَفٍّ، هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنْ ذَلِكَ ثَمَانُونَ صَفًّا»! هل هو
عبدالله بن بريدة أم أخوه سليمان! والصواب أنه "سليمان"، وله رواية أخرى
متصلة ومرسلة عن سليمان، والصواب أن هذا الحديث من قول كعب الأحبار!
49- «عبدالله بن عطاء» الذي يروي عن عبدالله بن بريدة كوفي، يروي
عنه أهل الكوفة، وربما نزل مكة، وكأنه كان يحدّث عمن لم يسمع منهم، وروايته قليلة
جداً، ولا ينزل عن مرتبة "الصدوق"، إلا أنه لم يثبت سماعه من عبدالله بن
بريدة! وتفرده عنه غير محتمل!! والرواة البصريون من أوثق الناس في عبدالله بن
بريدة ولا يوجد عندهم ما رواه عبدالله بن عطاء عنه، وروايته عنه منقطعة!
وخرّج له مسلم حديثين في «صحيحه» فيهما نظر!
50- حديث رجم الغامدية لا يوجد مسنداً بهذا التفصيل إلا في الحديث
الذي رُوي عن ابني بريدة!! وفيهما بعض النكارة!! فروي فِي رَجْمِ مَاعِزٍ أَنَّهُ
حُفِرَ لَهُ حُفْرَةٌ!! وقد رُوِيَ فِي رَجْمه أَنَّهُ هَرَبَ، وَلَوْ كَانَ
مَشْدُودًا أَوْ فِي حُفْرَةٍ لَمْ يُمْكِنْهُ الهَرَبَ! وفِي الغَامِدِيَّةِ
فَحَفَرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ
الحَفْرِ!!
وكذا ما ذكر من سبّ خالد لها! وقوله صلى الله عليه وسلم له: «لقد
تابت توبة لو تابها صاحب مكس لقبل منه»! وأصل حديث الغامدية مرسل من مراسيل الحسن
(110هـ)، وكذا رُوي من مراسيل عطاء بن أبي رباح (114هـ).
51- مالك بن مِغْوَل الكوفيّ (ت 159هـ) لم يسمع من عبدالله بن
بريدة (ت115هـ) وهو في عداد البصريين والمروزيين، ولا يعرف أنه حدّث بالكوفة أو أن
مالكاً سمع منه في البصرة أو مرو.
وقول الذهبي في «تاريخ الإسلام» في ترجمته: "سَمِعَ: الشعبي،
وابن بريدة" فيه نظر!
ومالك بن مغول يروي عن عبدالله بن بريدة قصتين فيهما نكارة! وخالفه
تلاميذ عبدالله بن بريدة في إسناديهما ومتنيهما!
52- مالك بن مِغول الكوفي يروي عن نافع
مولى ابن عمر، وقد خرّج له البخاري حديثاً، ومسلم آخر عن نافع! لكن لم يثبت أنه
سمع منه! ومالك يروي عن نافع حديثاً بواسطة محمد بن سوقة الغنويّ الكوفيّ، وهذه
قرينة على أنه لم يسمع من نافع، والله أعلم.
53- إذا تفرد راو بحديث عن شيخ من بلد
آخر، ولا يعرف أنه رحل إليه أو لقيه، وهذا الحديث لا يعرف عند تلاميذ ذلك الشيخ،
فهذا الحديث لا يحتج به، وخاصة إذا احتاج شيوخ ذلك الراوي في بلده أن يرووه عنه؛
لأنه لا يوجد إلا عنده، وهذا يدلّ على أن هذا الحديث من باب الفوائد التي هي
غالباً ما تكون مرسلة.
54- أبو الأسود الديلي ظالم بن عمرو البصري (ت69هـ) لم يسمع من
معاذ! فحديثه عنه مرسل.
55- تصحيح وتحسين المتأخرين والمعاصرين للأحاديث الضعيفة بمجموع
الطرق جرّ على الحديث البلاء!! وهو منهج لا يتفق مع منهج أئمة النقد المتقدمين.
56- حديث «مَا مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكَاةَ إِلاَّ حُبِسَ عَنْهُمُ
القَطْرُ، ولاَ نَقَصَ قَوْمٌ المِكْيَالَ...» حديث منكر، لا يصح، لا مرفوعاً، ولا
موقوفاً.
57- لم يسمع عبدالله بن بريدة من ابن عباس شيئاً، وهو يروي عنه
بواسطة.
58- أخرج مسلم في «صحيحه» حديث أَبي سَلَّامٍ ممطور الحبشي، عن أَبي
أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ
شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ البَقَرَةَ، وَسُورَةَ آلِ
عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا
غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ
طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا سُورَةَ
الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا
تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ».
وحديث جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّوَّاسَ بنَ
سَمْعَانَ الكِلَابِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يُؤْتَى بِالقُرْآنِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَأَهْلِهِ
الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، وَآلُ
عِمْرَانَ».
وكلاهما ضعيف! وقد ضعّف العقيلي الأحاديث الواردة في هذا الباب!
وأصل الحديث عند الشاميين ما رواه المُغِيرَة بن عَبْدِالمَلِكِ
القُرشي الدمشقي، قال: «كَانَ يُقَالُ: تَعَلَّموا سُورَةَ البَقَرَةِ،
فَإِنَّ أَخْذَهَا حَسَنة، وَتَرْكَهَا حَسْرة، وَلَا تُطِيقُها البَطَلة،
تَعَلَّمُوا الزَّهْرَاوين: البقرة، وآل عمران».
وهذا الحديث يرويه أيضاً بشير بن المهاجر عن عبدالله بن بريدة عن
أبيه. فكان لزاماً على مسلم إخراجه في هذا الباب إما تصحيحاً له إن كان يرى ذلك أو
إخراجه في الشواهد بعد حديثي أبي أمامة والنواس بن سمعان، أو تخريجه لبيان علته إن
كان قصد في تخريج حديث بشير بن المهاجر الذي أخرجه في باب
رجم الزاني المحصن!
59- لا يُعرف لأبي راشد الحبراني
سماعاً من عبدالرحمن بن شبل! وعَبدالرَّحْمَنِ بن شبل لَهُ صحبة من النَّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ، وله حديثان أو ثلاثة.
60- ذكر بعض اهل العلم في كتب الصحابة أن لعبدالرحمن بن شبل أخاً
اسمه "عبدالله شبل"! وهذا ليس بصحيح، وإنما عبدالرحمن هو نفسه عبدالله،
فهما واحد.
وإنما وقع في بعض الروايات مكان «عبدالرحمن»: «عبدالله» فظنّه أهل
العلم أنه أخوه!
61- لا صحبة لشِبل والد عبدالرحمن.
62- أهل الشام كانوا يتأخرون في الطلب! وكانوا لا يحرصون على
السماع كثيراً، بل كان الإرسال منتشراً بينهم فتجد طبقات السماع عندهم ضيقة جداً
مع طول إدراك الراوي لكثير من المشايخ، وكانوا ينشغلون بالعبادة كما اشتهر عن كثير
من مُحدّثيهم.
63-
اختلف العلماء في «الوليد بن عَبْدالرَّحْمَن الجُرَشي الحِمْصيّ» و«الوَلِيد بن
عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ أَبِي مَالِكٍ الهَمْدَانِيّ الدِّمَشْقِيّ» هل هما واحد أم
اثنان؟! والقلب أميل إلى أنهما واحد كما ذهب إليه البخاري وغيره، والله أعلم.
64-
الوليد بن عبدالرحمن الجرشي ينفرد عن جُبير بن نُفير (80هـ) بأحاديث لا يرويها
سواه! وقد أثبت البخاري سماعه من جبير! ولا شك أنه أدركه لكن لا يثبت سماعه منه!!
والبخاري يقع له الوهم في إثبات السماع عند الشاميين، ولم تصح رواية الوليد عن
جبير!
65-
أثبت أهل العلم صحبة «سَلَمَة بن نُفَيْلٍ السَّكُونِيّ» من خلال حديثين رويا عنه
فيهما نظر!! وكثير من السماعات التي تُذكر في أسانيد الشاميين فيها أخطاء!
ولا
ندري متى مات سلمة بن نُفيل! ولم يذكره أحد من أهل العلم في أي طبقة هو!! بل لا
يكاد يوجد عنه أي خبر يصح!! ولا أي معلومة عنه!
66- اعتمد الألباني وغيره في إثبات سماع عبدالله بن بريدة من أبيه
من خلال ما يرويه الحسين بن واقد المروزي عن عبدالله بن بُريدة في ويذكر في بعض
منها سماع عبدالله من أبيه في أحاديث كثيرة! وهذه السماعات لا تُعتمد! بل رواية
الحسين بن واقد عن عبدالله بن بريدة كلها منكرة كما قال الإمام أحمد!! فهو ينفرد
عنه بأحاديث لا يرويها سواه! وكثير من هذه الأحاديث محفوظة من طرق أخرى عن صحابة
آخرين! وفي حديث حسين بن واقد مخالفات لما هو محفوظ مما يدلّ على نكارة حديثه عن
عبدالله بن بريدة.
67-
أثبت مسلم سماع سليمان بن بريدة من أبيه، وخرّج له في «صحيحه» عشرة أحاديث.
أما
الحديث الأول
ففي الصلاة يوم الفتح بوضوء واحد: وقد رُوي عن عَلْقَمَة بن مَرْثَدٍ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وهو حديث لا يصح؛ لاضطراب سنده ومتنه!
وكذا النكارة في متنه بذكر الصلوات الخمس!! وهو أشبه بالمراسيل!
وأما الحديث الثاني ففي الوصية لأمراء الجيوش: وقد تفرد به علقمة، عن سليمان،
عن أبيه. وعلقمة بن مرثد يتفرد عن سليمان بن بريدة، عن أبيه بأحاديث لم يروها
غيره! ولا أعرف لهذا الحديث علّة إلا نفي سماع سليمان بن بريدة من أبيه!! وهذا
الحديث مشهور في كتب المغازي والسيّر وغيرها من المراسيل التي تُروى عن أبي بكر
الصديق في وصاياه للجيوش التي كانت تخرج للفتوحات.
وأما
الحديث الثالث
ففي الدعاء عند دخول المقابر أو المرور بها: وقد تفرد به أيضاً علقمة بن مَرثد عن
سليمان عن أبيه! ولا أعرف له علّة إلا بنفي سماع سليمان من أبيه!
وأما
الحديث الرابع
ففي المواقيت: وقد تفرد به كذلك علقمة عن سليمان عن أبيه! وقد استنكره أبو داود
الطيالسي، والرواية في هذا الباب ليّنة! والأشهر فيها الإرسال، وهي متواترة عملاً.
وأما الحديث الخامس ففي النهي عن زيارة القبور ثم نسخ ذلك: وهو معروف عن
سليمان بن بريدة عن أبيه، ولا أعرف له علة إلا عدم سماع سليمان من أبيه.
وأما الحديث السادس ففي حرمة نساء المجاهدين: وقد تفرد به علقمة عن سليمان بن
بريدة! وفي تفرداته عنه نظر!!
وأما الحديث السابع ففي رجم الغامدية: وقد تفرد به يحيى بن يعلى بن الحارث
المحاربي عن أبيه، عن غيلان بن جَامِعٍ المُحَارِبِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بن مرثد،
عن سليمان بن بريدة، عن أبيه! ووهم فيه يحيى! ويُروى عن علقمة بن مرثد من طرق أخرى
ضعيفة! وهي أصل حديث يحيى بن يعلى.
وأما الحديث الثامن في النهي عن اللعب بالنردشير: وقد تفرد به علقمة بن مرثد
عن سليمان عن أبيه! وتفردات علقمة عن سليمان فيها غرابة! وإن صح الحديث عن سليمان
فليس له علة إلا عدم سماعه من أبيه! والحديث يُشبه الموقوفات، ولا يُشبه
المرفوعات!! وقد صح من قول عبدالله بن عمرو بن العاص ومن قول بعض التابعين، وكأن هذا
أصل الحديث المرفوع، وصح من قول تُبيع الحميري ابن امرأة كعب الأحبار وهذا يعني
أنه من الإسرائيليات، وعبدالله بن عمرو كان يروي من كتب أهل الكتاب!
وأما الحديث التاسع ففي إنشاد الضالّة في المسجد: وقد رواه علقمة بن مرثد عن
سليمان عن أبيه، واختلف على علقمة فيه، فروي عنه متصلاً ومرسلا ليس فيه
"بريدة"، وهو الأشبه! وإلا فتبقى العلة في تفرد علقمة به عن سليمان،
وعدم سماع سليمان من أبيه. والحديث محفوظ صحيح من حديث أبي هريرة، وقد أخرجه مسلم
في الأصول، وحديث بريدة في الشواهد.
وأما
الحديث العاشر
ففي قضاء الصوم عن الميت: وقد رواه عَبْدُالمَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ
عَبْدِاللهِ بنِ عَطَاءٍ المَكِّيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، ومسلم كأنه خرّج لبيان وهم عبدالملك فيه، وأن الحديث حديث عبدالله بن
بريدة لا سليمان بن بريدة.
وقد رواه جماعة، عن عبدالله بن عطاء، عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه.
68- جزم البخاري بأن سليمان بن بريدة لم يسمع من أبيه، فقال في
ترجمته: "عن أبيه"، ثم قال: "ولم يذكر سُلَيْمَان سماعاً من
أَبِيه".
68- غالب الأحاديث التي تُروى عن سليمان بن بريدة عن أبيه من رواية
علقمة بن مرثد الكوفي (ت120هـ) عنه! وخرّج الإمام مسلم حديثه عنه للمعاصرة بينهما!
69- سليمان بن بريدة (توفي ما بين سنة 101 - 110هـ) من طبقة
شيوخ علقمة بن مرثد، لكن لم يثبت أنه سمع منه! فشيوخه كلهم كوفيون إلا سليمان بن
بريدة! والذي أراه أنه سمع من الكوفيين الذين توفوا بعد سنة (100هـ)، وأرسل عمن
توفوا قبل ذلك، فهو يروي عن المَعْرُور بن سُوَيْدٍ الكُوفِيّ (توفي ما بين سنة 81
- 90هـ) بواسطة المغيرة اليشكري!
فلا يصح سماع علقمة بن مرثد من سليمان بن
بريدة، وروايته
عنه مرسلة، وحديثه عنه غرائب!
70- لم يثبت أن علقمة بن مرثد سمع من عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ
(ت115هـ).
71- مَن روى عن سليمان بن بريدة هم من طبقة علقمة بن مرثد
إلا أن علقمة مات قبلهم، وبعضهم يروي عن علقمة أيضاً، وهذا يدلّ على أن روايتهم عن
سليمان إنما هي بواسطة علقمة، ولم يسمعوا من سليمان! ولم يلقوه! وغالبهم يروي عنهم
الثوري وشعبة، ولم
يثبت عن أحد من هؤلاء أنه سمع من سليمان بن بريدة، وأكثر من روى عنه الحديث هو
علقمة بن مرثد، وكأن الأحاديث الأخرى التي رواها أصحابه عن سليمان إما مرجعها له،
أو أنها كانت مرسلة عندهم في الكوفة، ولم يثبت أن سليمان بن بريدة نزل الكوفة.
72- رواية محارب بن دثار الكوفي (ت116هـ) عن سليمان بن بلال مرسلة.
73- روى علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن عمران بن حصين أثراً،
ولا يصح! فعلقمة لم يسمع من سليمان، وسليمان لم يثبت سماعه من عمران!
74- حديث سليمان بن بريدة
عن عائشة في ليلة القدر وقع وهماً، والحديث حديث عبدالله أخيه!
75- لم يثبت أن سليمان سمع من أيّ صحابي!! ولا رواية له عن الصحابة
الذين تأخرت وفاتهم! وكأنه لم يرحل لطلب الحديث في الأمصار!
76- لم يشترك سليمان مع أخيه عبدالله في الشيوخ أو التلاميذ إلا في
حديث الإيمان والإسلام والإحسان الذي رواه عنه علقمة بن مرثد، والحديث مشهور عن
أخيه عبدالله عن يحيى بن يعمر، وفي حديث علقمة - وكان مرجئاً – مخالفة لحديث
عبدالله بن بريدة بلفظ يتعلق بالإرجاء: "شرائع الإسلام"! وفيه مخالفة في
إسناده أيضاً، وفي متنه فزاد فيه: "الاغتسال من الجنابة"!
77- ذكر البخاري أن عَبْداللَّه بن بريدة روى عَنْ أخيه سُلَيْمَان
بن بريدة، وهذه الرواية لا تصح! فقد رواها الحَسَنُ بن مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ
الخُرَاسَانِيُّ عن عبدالله، والحسن هذا مجهول لا يُعرف، وشيخ سليمان مجهول:
"وَافِد قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ".
78- لم يثبت أن سليمان ولي قضاء مرو كما قال أهل العلم! ولهذا قال
ابن حبان لما ذكره في «الثقات»: "وكَانَ على قَضَاء مرو فِيمَا قيل".
79- مُسْلِم بن هَيْصم الذي يروي عن النعمان بن مُقْرِن مجهول
الحال! ولا يُعرف أنه سمع من النعمان!
80- حديث أبي موسى الأشعري في النهي عن اللعب بالنرد: «مَنْ لَعِبَ
بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ»! صححه ابن حبان، والحاكم! وهو
معلول بالانقطاع، فسعيد بن أبي هند لم يلق أبا موسى الأشعري، وقد رُوي عنه عن رجل
عن أبي موسى، وهو الصواب، والرجل هذا مجهول!
81- اختلف المعاصرون من المشتغلين بعلم الحديث في مسألة سماع ابني
بُريدة من أبيهما! واحتج كثير ممن يؤيد مذهب الإمام مسلم في المعاصرة بمعاصرة ابني
بريدة لأبيهما أكثر من ثلاثين سنة! لأنهما ولدا في بطن واحد لثلاث سنين خلون من
خلافة عمر بحسب ما رُوي! فكيف ينفي البخاري سماعهما منه؟!! وقد اضطرب بعضهم لما
حاول دحض هذه الحجة لإثبات مذهب البخاري في ثبوت السماع! وصار بعضهم يؤول الكلام
من أجل حلّ هذه المعضلة! إذ كيف ينفي البخاري سماع عبدالله من أبيه، ثم يُخرّج له
حديثين؟!!!
فإذا خلصنا إلى أن عبدالله لم يسمع من أبيه إلا حديثاً أو حديثين
كما سمع من عمران بن حصين وسمرة حديثاً واحدًا عنهما - بحسب رأي البخاري - فحينها
تزول كل هذه الإشكالات، ولا يكون أي عتب على البخاري في نفيه لسماعه من أبيه في «التاريخ»،
وإخراجه لهذا الحديث الواحد له عن أبيه في «صحيحه» لثبوت سماعه له من أبيه.
82- تتابع المعاصرون في الاحتجاج على الإمام البخاري في نفيه لسماع
عبدالله وسليمان ابني بريدة من أبيهما بحجة أنهما ولدا في بطن واحد في سنة (15هـ)،
وهما قد عاشا في كنف والدهما ما يُقارب (48) سنة، فكيف لا يسمعان منه في هذه المدة
الطويلة، وهما معه في البيت نفسه!!
وكل ذلك مردود؛ لأن الحجة التي اعتمدوا عليها واهية ولم تثبت! فهما
لم يلدا في بطن واحد، وعبدالله أكبر من سليمان، وتوفي بريدة وسليمان صغير جداً فلم
يسمع من والده شيئا، ولا يوجد ما يدل على ذلك.
فإذا انتقضت القرينة التي اعتمدوها في هذه المسألة انتقضت أقوالهم،
ورجعنا إلى الأصل الذي قال به البخاري في عدم سماعهما من أبيهما، ثم استثنى الحديث
الواحد الذي سمعه عبدالله من أبيه.
83- قول حاتم العوني: "أن نفي البخاري لعلمه بسماع سليمان من
أبيه ما هو إلا خبر مجرّد عن ذلك، من غير قَصْدِ إعلالٍ أو توقُفٍ عن الحكم
بالاتصال" قول ليس بصحيح!
فإذا لم يقصد البخاري الإعلال أو التوقف عن الحكم بالاتصال فلم
يورد هذا اللفظ في بعض التراجم؟! ولم لا يُخرّج حديثهم في صحيحه؟!!
84- وكذا قول العوني في قول البخاري: "لا أعلم لفلان سماعا من
فلان" بأنه لا يريد الإعلال بذلك، وإنما يريد إخبارنا بذلك فقط! فهذا أيضاً
قول ليس بصحيح! وقائله لم يخبر مصطلحات البخاري وطريقته في كتبه!!
فهذه المصطلحات تدل على عدم ثبوت السماع، وتعليل البخاري للأحاديث
بذلك، والبخاري متفنن في التعبير عن اصطلاحاته في مسألة السماع - رحمه الله رحمة
واسعة-. فإن كان الراوي اشتهر أنه لم يسمع من شيخ ما فإنه يقول في ذلك: "لم
يسمع فلان من فلان". وإن كان لم يثبت سماعه وليس له إلا حديثا واحدا عن ذلك
الشيخ، فإنه يقول في ذلك: "لا أعلم لفلان سماعا من فلان" أو: "لا
يُعرف لفلان سماعا من فلان". وإن كان لم يثبت سماعه لكن هناك شبهة قد يعتقدها
بعضهم بثبوت السماع للتقارب بين الراويين، فإنه يقول في ذلك: "لم يذكر
سماعا من فلان"، وهذا صريح في تطلبه للسماع.
وكل هذه الصيغ تدل على عدم السماع عنده، وليس مقصوده الإخبار
المجرد كما توهم العوني وغيره! وإنما هو تنوع في نفي السماع.
85- بعض الدكاترة المعاصرين كخالد الدريس وحاتم العوني قالوا
بأن البخاري يقوي سماع سليمان بن بريدة من أبيه - وإن نص على عدم ورود السماع –
وذلك بحكمه على حديثه في المواقيت بأنه "حسن"!!
وهذا خلل منهجي! فقول البخاري "حديث
حسن" يعني به أنه غريب، وهذا المصطلح عند المتقدمين يعني التضعيف كما قال
شعبة عن حديث عَبدالملك بن أبي سليمان العرزمي: "من حسنها فررت"، لما
قال له أمية بن خالد: إنك تحدث عَن مُحَمد بنُ عُبَيداللَّهِ العَرْزَمِيُّ وتدع
عَبدالملك بن أبي سليمان العرزمي، وهو حسن الحديث!
وكثير من المعاصرين يحملون "حسن" على المعنى الاصطلاحي
عند أهل المصطلح! وليس كذلك.
86- فتح المعاصرين باب نزول البخاري عن شرطه أحياناً في
"الصحيح" فيه تقوّل على البخاري أولاً، وستكون عواقبه وخيمة ثانياً!
وهذا أمر مردود على قائله! ولا دليل عليه!
87- كلام الدكتور إبراهيم اللاحم بأن رواية عبدالله وسليمان ابني
بريدة عن أبيهما نسخة! ضرب من الخيال والأوهام!!
88- الأحاديث التي ذكرها الألباني من الكتب التي التزم مؤلفوها
الصحة، وهما «صحيح ابن حبان» و «مستدرك الحاكم» في إثبات سماع ابني بريدة من
أبيهما والرد على من خالفه في ذلك وتسفيهه مردودة! لأن غالبها من تفردات الحسين بن
واقد عن عبدالله بن بريدة، وهو يروي المناكير عنه! وهناك أحاديث أخطأ في أسانيدها
الحسين، والبقية لم تصح إلى عبدالله، وكذا سليمان بن بريدة وما صح إليه تبقى العلة
في عدم سماعه من أبيه وهي أحاديث قليلة جداً!
89- قد سمع الحسين بن واقد قاضي مرو من عبدالله بن بريدة لكنه أخطأ
عليه كثيراً، وتفرد عنه بالمناكير، ويبدو أن كثرة الأوهام هذه بسبب توليه القضاء!
والقضاء كان سبباً لضعف بعض الرواة حيث انشغلوا عن العناية بالرواية وتفرغوا
للقضاء.
90- يعتمد الألباني على تصحيح المتأخرين كثيراً في كتبه! ممن لا
يعتمدوا أصلاً في الأحكام النقدية على الأحاديث! كالهيثمي والسيوطي!! وغالب
المتأخرين لا ينظرون إلى العلل ودقائقها، ويمشون على ظواهر الأسانيد والأقوال
المجملة في الرواة على تفاوت فيما بينهم!
وكذلك يُسرف في تقوية الأحاديث بالشواهد الضعيفة الواهية والمنكرة
بل والموضوعة أحياناً!
91- احتجاج كثير من المعاصرين بتخريج مسلم لحديث سليمان بن بريدة
عن أبيه في إثبات سماعه من أبيه مردود! لأن مسلماً على أصله في تخريج هذه الأحاديث
لتحقق المعاصرة فقط!
92- الألباني عنده خلل في مفهوم «المزيد في متصل الأسانيد»! فهو
يعدّ الحديث المختلف في إسناده بزيادة رجل فيه من المزيد في متصل الأسانيد! وهذا
خطأ! لأن الإسناد بدون الزيادة تعني أن الإسناد منقطع! والمزيد في متصل الأسانيد
هو زيادة رجل في الإسناد على سبيل الخطأ والوهم.
93- روى مسلم في «صحيحه» ثلاثة متون بإسناد واحد! من حديث وَاصِل مَوْلَى
أَبِي عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ، عَنْ
أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ
أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ
صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ
بِالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ
ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى».
وحديث: «أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا
رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا
نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ،
قَالَ: أَو لَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ
تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ
صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ،
وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟
قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟
فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ».
وحديث: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا
وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ،
وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي المَسْجِدِ لا
تُدْفَنُ».
وهذه الأحاديث الثلاثة فيها اختلاف على واصل، وكان يضطرب في
إسنادها!
وخلط في متونها!
فحديث «كل سلامى» المحفوظ من حديث أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ
سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ
الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى
دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ،
وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى
الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ».
وحديث «أهل الدثور» المحفوظ من حديث أبي هريرة وأبي ذر: جَاءَ
الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: ذَهَبَ
أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلاَ، وَالنَّعِيمِ
المُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ
فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ،
وَيَتَصَدَّقُونَ، قَالَ: «أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ
سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ
أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ
وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ»،
فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا، فَقَالَ بَعْضُنَا: نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ،
وَنَحْمَدُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ،
فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: تَقُولُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ،
وَاللَّهُ أَكْبَرُ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ».
وحديث «النخاعة في المسجد لا تدفن» لا يحفظ من حديث أبي ذر إلا من
رواية واصل! ولعل أصله من حديث الحُسَيْن بن وَاقِدٍ، عن ابن بُرَيْدَةَ، عن أَبِيه،
عن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «فِي الْإِنْسَانِ
سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةِ مَفْصِلٍ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ كُلِّ
مَفْصِلٍ بِصَدَقَةٍ». قَالُوا: فَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟،
قَالَ: «النُّخَاعَةُ فِي المَسْجِدِ تَدْفِنُهَا، وَالشَّيْءُ تُنَحِّيهِ
عَنِ الطَّرِيقِ، فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ فَرَكْعَتَا الضُّحَى تُجْزِيكَ».
94- أحياناً يُثبت البخاري السماع في ترجمة الراوي من شيخ ما، وهذا
يكون بحسب ما جاء في الرواية التي اعتمدها سيما إذا لم يكن لذلك الراوي إلا هذا
الحديث الواحد، وهذا منه ليس إثباتاً لحقيقة السماع! بل تجده أحياناً يضعف حديثه
هذا في مكان آخر.
95- معظم استدراكات بشار معروف وشعيب الأرنؤوط على ابن حجر في «تقريب
التهذيب» تعقبات فاشلة وواهية وتدل على عدم فهمهما لمقصد ابن حجر، بل وعدم فهمهما
لعلم الجرح والتعديل!
96- قتادة يروي عن عبدالله بن بريدة عدة أحاديث، وهو لم يسمع منه
شيئاً، وروايته عنه مرسلة!
97- روى الوليد بن ثعلبة الطائي البصري عدة أحاديث عن عبدالله بن
بريدة، وتفرد بها عنه! وهو صدوق إلا أن تفرده عن عبدالله لا يُحتمل، ولا يحتج بما
اتفرد به عنه، وهناك أحاديث رواها الوليد عن عبدالله وخولف فيها، وهذه قرينة لعدم
قبول ما يتفرد به عنه.
98- حديث «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ صَلَاتُهُ،
فَإِنْ كَانَ أَكْمَلَهَا وَإِلَّا قَالَ اللهُ: انْظُرُوا أَلِعَبْدِي مِنْ
تَطَوُّعٍ، فَإِنْ وُجِدَ لَهُ تَطَوُّعٌ، قَالَ: أَكْمِلُوا بِهِ الْفَرِيضَةَ»
صححه بعض المتأخرين والمعاصرين! وهو حديث مضطرب ضعيف لا يصح!
99- حديث زُرارة بن أوفى، عن تميم رضي الله عنه عن النبي صلى الله
عليه وسلم: «أول ما يحاسب به المرء من عمله صلاته» مرسل، فزرارة لم يلق تميماً،
تميم كان بالشام، وزرارة بصري كان قاضيها.
100- لم يصح أي شيء مرفوع في باب: «الرجل أحق بصدر دابته»، والصواب
في أحاديث الباب الإرسال، وأقوال بعض التابعين.
101- عبدالملك بن أبي غَنية صدوق لكن لا يحتج بما انفرد به! وقد خرج له البخاري ومسلم كل واحد منهما حديثًا مقرونًا،
وخرّج له البخاري آخر متابعة.
102- حديث الأَعْمَش، عَنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ ابنِ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ» إسناده ظاهره صحيح، ولا
نعلم لسعد بن عبيدة رواية عن عبدالله بن بريدة إلا في هذا الحديث وهو قرينه!
وقصة بريدة وخالد مع عليّ مشهورة، وهي التي أخرجها البخاري
لعبدالله بن بريدة عن أبيه في حقّ علي في الخُمس، وهذا اللفظ: «مَنْ كُنْتُ
وَلِيَّهُ فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ» جاء في رواية الأعمش هذه، وهو مدلّس، ولا يُعرف عن
عبدالله بن بريدة! وكأن هذا اللفظ مختصر من أصل القصة.
وأسانيد هذه القصة كلها كوفية موطن التشيّع!! إلا رواية عَلِيّ بن
سُوَيْدِ بنِ مَنْجُوفٍ فهي بصرية، وعلي بصري، ولهذا خرّج البخاري روايته في «صحيحه»
ورواية البصريين عن عبدالله بن بريدة هي أصح الروايات عنه.
103- يروي محمد بن جُحادة بعض الأحاديث عن سليمان بن بريدة عن
أبيه! ويضطرب فيها، وهي عنه عن رجلٍ عن سليمان عن أبيه!
104- الحديث المروي ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ: «يَا عَلِيُّ، لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ
الْأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ»، حديث منكر، لا يصح.
105- خرّج الترمذي في «جامعه» ثلاثة أحاديث لأبي ربيعة عمر بن
ربيعة الإيادي، وحسّنها! وهي منكرة! وأبو ربيعة منكر الحديث!!
وآخر دعوانا
أن الحمد لله رب العالمين.
وكتب: أبو
صهيب خالد الحايك
وكان الانتهاء منه ومراجعته في الثاني من رمضان لسنة 1440هـ.
شاركنا تعليقك