«إِرشادُ النُّظَّار» إلى تخريج البخاري لحديث «عبدالرحمن بن
عبدالله بن دينار».
ومعه: «قطفُ الأزهار» في كشف عِلل حديث «عبدالرحمن بن عبدالله بن
دينار»!
·
ترجمة عبدالرحمن بن عبدالله بن
دينار، وبيان حاله!
عبدالرَّحْمَن
بن عبدالله بن دِينَار مولى عبدالله بن عمر المدنِي.
ليس
بالمكثر من الحديث، وغالب روايته عن أبيه، وشيوخه كلهم مدنيون. وروى عنه
العراقيون.
رَوَى
عَن: أسيد بن أَبي أسيد البراد المدينيّ، وزيد بن أسلم المدني، وأبي حازم سلمة بن
دينار المدني، وأبيه عَبداللَّهِ بن دينار، وعَمْرو بن يحيى بن عمارة المازني
المدني، ومحمد بن زيد بن المهاجر بن قُنْفُذ المدني، ومُحَمَّد بن عجلان المدني،
وموسى بن عُبَيدة الربذي المدني.
رَوَى
عَنه: أشعث بن شعبة المصيصي، وبهلول بن حسان التنوخي، والحسن بن موسى الأشيب البغدادي،
وأَبُو قُتَيبة سَلْم بن قتيبة الخراساني نزيل البصرة، وسلمة بن رجاء الكوفي، وعبداللَّه
بن المبارك المروزي، وعبدالصمد بن عَبْدِالوارث البصري، وعثمان بن عُمَر بن فارس البصري،
وعلي بن الجعد البغدادي، وعَمْرو بن مرزوق الباهلي البصري، وقرة بن حبيب الغنوي
البصري، ومحمد بن زياد بن زبار الكلبي، ومسلم بن إبراهيم الأزدي البصري، ومعن بن
عيسى المدني، والنعمان بن عبدالسلام الأصبهاني، وأبو النضر هاشم بن القَاسِم البغدادي،
ويحيى بْن سَعِيد القطان البصري، وأبو علي الحنفي عبيدالله بن عبدالمجيد البصري،
وأبو الوليد الطيالسي هشام بن عبدالملك البصري.
فحديثه
يرويه عنه أهل العراق، ولهذا يقول ابن حبان: "روى عنه العراقيون".
ولم
يذكروا مدنيا روى عنه إلا معن بن عيسى! ولم أقف على رواية له عنه!!!
وأكثر
أهل العلم على تضعيفه، وحاصل كلامهم أنه يُكتب حديثه للاعتبار، ولا يحتج بما انفرد
به، وخالفهم البخاري فاحتج به في غير موضع!!!
وغالب
الرواة عنه من أهل العراق، بل لا نكاد نجد له رواية عن غير العراقيين!!!
وقال
ابن الجنيد في «سؤالاته» (ص: 329) (223) قلت ليحيى: عبدالرحمن بن عبدالله بن
دينار؟ قال: "قد روى عنه يحيى بن سعيد القطان".
وقال
يزيد بن طهمان في «روايته عن ابن معين» (ص: 107) (340) قال يحيى: "عبدالرحمن
بن عبدالله بن دِينَار: ليسَ بِذَاكَ القوي، وَقد روى عَنهُ يحيى".
وقال
عباس الدوري «كما في روايته لتاريخ ابن معين» (4/97): سَمِعت يحيى يَقُول: "قد
روى يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن عبدالرَّحْمَن بن عبدالله بن دِينَار".
وقال
في موضع آخر (4/203): سَمِعت يحيى يَقُول: "قد حدث يحيى القطَّان عَن
عبدالرَّحْمَن بن عبدالله بن دِينَار". قَالَ يحيى: "وَفِي حَدِيثه ضعف،
وَحدث عَنهُ أَيْضاً حسن الأشيب، وَحدث عَنهُ عبدالصَّمد بن عبدالوَارِث".
وقال
في موضع ثالث (4/311): سَمِعت يحيى يَقُول: "قد حدث يحيى بن سعيد الْقطَّان
عَن عبدالرَّحْمَن بن عبدالله بن دِينَار، وَحدث عَنهُ الأشيب، وَحدث عَنهُ أَبُو
النَّضر، فحسبه أَن يُحدِّث عَنهُ يحيى بن سعيد".
قلت:
لم أجد له رواية واحدة في الكتب عن يحيى بن سعيد القطان!! فلعله سمع من لما نزل
العراق وحدث عنه بأحاديث قليلة، ثم تركه! والله أعلم.
وقال
أبو داود في «سؤالاته لأحمد» (ص216): سمعت أحمد قال: "عبدالرَّحْمَن بن
عبدالله بن دِينَار: لا بَأْس بِهِ، مقارب الحَدِيث".
وقال
البرذعي في «سؤالاته لأبي زرعة» (2/443): قلت: عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار؟
قال: "ليس بذاك".
قال
ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/254): سألت أبي عن عبدالرحمن ابن عبدالله بن
دينار؟ فقال: "فيه لين، يُكتب حديثه، ولا يُحتج به".
وقال
الآجري في «سؤالاته لأبي داود» (ص: 108): سألت أبا دَاوُد عَن عَبْدالرَّحْمَنِ بن
عَبْداللَّهِ بن دِينار؟ فقال: "حدّث عنه يحيى القَطَّان".
وقال
ابن حبان في «المجروحين» (2/51): "روى عنه العراقيون، كانَ مِمَّن
ينْفَرد عَن أَبِيه بِمَا لَا يُتَابع عَلَيْهِ مَعَ فحش الْخَطَأ فِي رِوَايَته،
لا يجوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ إِذا انْفَرد. كَانَ يحيى القطَّان يحدث عَنهُ، وَكَانَ
مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الجعْفِيّ البُخَارِيّ مِمَّن يحْتَج بِهِ فِي كِتَابه
وَيتْرك حَمَّاد بن سَلمَة".
وقال
ابن عدي في «كامله» (5/488) بَعْدَ أَنْ سَاقَ لَهُ أَحَادِيثَ تُسْتَنْكَرُ:
"ولعبدالرحمن بن عَبداللَّهِ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُ من الأحاديث، وبعض ما يرويه
منكر مما لا يُتَابَعُ عَليه، وَهو في جملة من يكتب حَدِيثُهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ".
وقال
البزار: "وعَبْدُالرَّحْمَنِ لَيِّنُ الْحَدِيثِ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ
جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاحْتَمَلُوا حَدِيثَهُ".
وقال
ابن شاهين في «تاريخ أسماء الضعفاء والكذابين» (ص: 127): "عبدالرحمن بن
عبدالله بن دينار: ضعيف".
وقال
في «ذكر من اختلف العلماء ونقاد الحديث فيه» (ص: 67): "قال يحيى بن معِين فِي
رِوَايَة إِسْحَاق الكوسج: إِنَّه صَالح. وَفِي رِوَايَة الْمفضل بن غَسَّان عَنهُ:
إِنَّه ضَعِيف.
وهَذَا
الكَلَام من يحيى بن معِين فِيهِ يُوجب السُّكُوت عَنهُ؛ لِأَنَّهُ لم يوثقه،
فَقَالَ: صَالح، والألفاظ فِي الشُّيُوخ منتبذة المعَانِي".
قلت:
يعني مختلفة المعاني.
وذكره
العقيلي في «الضعفاء» (2/339) وساق عن عَمْرو بن عَلِيّ الفلاس أنه قَالَ: "لمْ
أَسْمَعْ عَبْدَالرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ
بنِ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ بِشَيْءٍ قَطُّ".
وقال
البرقاني في «سؤالاته للدارقطني» (ص: 42): سألته عن عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار؟
فقال: "أخرج عنه البخاري وهو عند غيره ضعيف، فيُعتبر به".
وقال
السلمي عن الدارقطني: "خالف فيه البخاري الناس وليس بمتروك".
وقال
الحاكم في «سؤالاته للدارقطني» (ص234): قلت: فعبدالرحمن بن عبدالله بن دينار؟ قال:
"إنما حدث بأحاديث يسيرة، وقد احتج البخاري به، وغمزه يحيى بن معين".
·
تحريف في مطبوع سؤالات الحاكم للدارقطني!
وقع
في مطبوع سؤالات الحاكم للدارقطني: "وغمزه يحيى بن سعيد"!! وهو تحريف!
وإنما: "يحيى بن معين"، تحرفت "معين" إلى "سعيد"،
أو لم يستطع المحقق قراءة الاسم!
وقال
أبو القاسم البغوي: "هو صالح الحديث".
وقال
الحربي: "غيره أوثق منه".
وقال
ابن خلفون: سئل عنه علي بن المديني؟ فقال: "صدوق".
وقال
الذهبي في «ميزان الاعتدال» (2/572): "صالح الحديث. وقد وثق. وحدث عنه يحيى
بن سعيد مع تعنته في الرجال".
وقال
في «الكاشف» (1/632): "قال أبو حاتم: فيه لين".
وقال
في «المغني في الضعفاء» (2/382): "وُثق، وقال ابن معِين: فِي حَدِيثه ضعف".
وقال
في «تاريخ الإسلام» (4/436): "قال أَبُو حَاتِمٍ: فِيهِ لِينٌ.
وقالَ
ابنُ مَعِينٍ: حَدَّثَ عَنْهُ يَحْيَى بنُ سعيد، وفي حَدِيثِهِ عِنْدِي ضَعْفٌ.
وذَكَرَهُ
ابنُ عَدِيٍّ فِي كَامِلِهِ بَعْدَ أَنْ سَاقَ لَهُ أَحَادِيثَ تُسْتَنْكَرُ، وقال:
بَعْضُ مَا يَرْوِيهِ مُنْكَرٌ، وَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ مِنَ
الضُّعَفَاءِ".
وقال
في «ديوان الضعفاء» (ص: 243): "ثقة، قال ابن معين: في حديثه ضعف".
وقال
ابن حجر في «التقريب»: "صدوق يُخطئ".
قلت:
هو صالح الحديث يُعتبر به، أي يُكتب حديثه، ولا يحتج بما اتفرد به، وغالب حديثه
الذي حدث به في العراق تفردات ومناكير!
قال
ابن حجر في «الفتح» (12/430): "عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ
دِينَارٍ مُخْتَلف فِيهِ. قالَ ابن المَدِينِيِّ: صَدُوقٌ. وقال يَحْيَى بنُ
مَعِينٍ: فِي حَدِيثِهِ عِنْدِي ضَعْفٌ. وقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: خَالَفَ فِيهِ
البُخَارِيُّ النَّاسَ ولَيْسَ بِمَتْرُوكٍ. قُلْتُ: عُمْدَةُ البُخَارِيِّ فِيهِ
كَلَام شَيْخه عَليّ. وَأما قَول ابن مَعِينٍ فَلَمْ يُفَسِّرْهُ! ولَعَلَّهُ
عَنَى حَدِيثًا مُعَيَّنًا، وَمَعَ ذَلِكَ فَمَا أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ
شَيْئًا إِلَّا وَلَهُ فِيهِ مُتَابِعٌ أَوْ شَاهِدٌ".
قلت:
هذا الكلام فيه نظر!! وسيتبين لنا ذلك من خلال الكلام على الأحاديث.
وأعرض
عنه الإمام مسلم، فلم يخرّج له شيئًا!
·
وهم فاحش للباجي!
ذكر
أبو الوليد الباجي في كتابه «التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع
الصحيح» (2/870) (903) "عبدالرَّحْمَن بن عبدالله بن دِينَار مولى عبدالله بن
عمر المدنِي"، ثم نقل كلام الأئمة فيه، ثم قال: "قَالَ عَليّ بن المَدِينِيّ:
مَا حدث عبدالرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد بِالمَدِينَةِ فَهُوَ صَحِيح وَمَا
حدث بِبَغْدَاد فأفسده الْعِرَاقِيُّونَ لقنوه وَهُوَ ضَعِيف فِيهِ".
قلت:
هذا وهم فاحش من الباجي! فها هو ينقل قول ابن المديني في "عبدالرحمن بن أبي
الزناد"، فلم يضع هذا في ترجمة "عبدالرحمن بن عبدالله بن
دينار"؟!!!
وقد
ساق الخطيب البغدادي في ترجمة "عبدالرحمن بن أبي الزناد" من «تاريخ
بغداد «الفتح» (11/494) بإسناده إلى عبداللَّه بن علي ابن المديني، قَالَ: سمعت
أبي، يَقُول: "ما حدث عبدالرحمن بن أبي الزناد بالمدينة فهو صحيح، وما حدث به
ببغداد أفسده البغداديون. ورأيت عبدالرحمن خطط على أحاديث عبدالرحمن بن أبي
الزناد، وكان يَقُول في حديث عن مشيختهم ولقنه البغداديون عن فقهائهم، وعدهم: فلان
وفلان وفلان".
وساق
بسنده أيضاً إلى علي ابن المديني، قال: "حديثه بالمدينة حديث مقارب، وما حدث
به بالعراق فهو مضطرب".
قلت:
فاشتبه هذا على الباجي ونقله في ترجمة "عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار"!
«إِرشاد النُّظَّار»
إلى تخريج البخاري لحديث «عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار»!
أخرج
له البُخَارِيّ فِي الوضُوء، والزَّكَاة، والبيوع، والجهَاد، وغير مَوضِع عَن
عَليّ بن عبدالله المديني، وسَلْم بن قُتَيْبَة، وعبدالصَّمد بن عبدالوارث، وَأبي
النَّضر هَاشم بن القَاسِم، وقرة بن حبيب، والحسن بن مُوسَى الأشيب، وَأبي عَليّ
الجعْفِيّ عَنهُ عَن أَبِيه وزيد بن أسلم وأبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار.
وهذا
تفصيل هذه الأحاديث التي أخرجها له البخاري - رحمه الله-:
·
الحديث الأول: حديث موقوف رفعه
عبدالرحمن!
تعليل
الحديث بالوقف! وسقط في إسناده عند النسائي!
أخرج
البخاري في «صحيحه»، كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان، (8/101) (6478) قال:
حَدَّثَنِي
عَبْدُاللَّهِ بنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ
بنُ عَبْدِاللَّهِ - يَعْني ابنَ دِينَارٍ-، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، قال:
«إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي
لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ
لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا،
يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ».
وأخرجه
أحمد في «مسنده» (14/135) (8411) عن أَبي النَّضْرِ هاشم بن القاسم البغدادي، به.
وأخرجه
البزار في «مسنده» (15/380) (8979) عن أحمد بن منصور، عن الحسن بن موسى الأشيب
البغدادي، عن عَبدالرَّحْمَنِ بن عَبداللَّهِ بنِ دِينَارٍ، به.
وأخرجه
أبو القاسم الأصبهاني المعروف بقوام السنة في «الترغيب والترهيب» (2/337) (1717)
من طريق أحمد بن علي المقرئ، عن أبي الأزهر، عن هاشم بن القاسم أبي النضر، به.
وقال:
"هذا حديث غريب من هذا الوجه".
وأخرج
النسائي في «السنن الكبرى» (10/379) (11773) عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ بَكْرِ بنِ
مُضَرَ، عَنْ يَزِيدَ بنِ الهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى
بنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قال: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، يَزِلُّ بِهَا فِي
النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ».
وعَنْ
سُوَيْدِ بنِ نَصْرٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ المُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ
دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بِهِ، مَوْقُوفًا.
وكذا
ذكره المزي في «تحفة الأشراف» (9/431) (12821): "(س) فيه (الرقائق، في
الكبرى) عن سويد بن نصر، عن عبدالله بن المبارك، عنه به – موقوفاً".
قلت:
هذا
الحديث يرويه عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار، عن أبيه، عن أبي هريرة، مرفوعاً.
وفي
حديث النسائي عن عبدالله بن المبارك، عن عبدالله بن دينار، عن أبي هريرة، موقوفاً.
فصار
ابن المبارك مخالفاً لعبدالرحمن في هذا الحديث!!
وقد
روى الإمام مالك في «الموطأ» (2/985) (6) عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ
أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ:
«إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي
بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا
يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ».
وعليه
فيكون ابن المبارك قد تابع مالكا على وقفه!
ولهذا
قال أصحاب كتاب «المسند الجامع» (17/637): "أخرجه مالك «الموطأ» (2819).
والنسائي في «الكبرى» (11774) عن سويد بن نصر، عن عبدالله بن المبارك.
كلاهما
(مالك، وعبدالله بن المبارك) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ
السَّمَّانِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قال...".
قلت:
وهذا
كله خطأ!!
فرواية
ابن المبارك التي ذكرها النسائي إنما يرويها ابن المبارك عن مالك، فرجع الحديث إلى
مالك.
وهو
كذلك في كتابه «الزهد والرقائق» (1392) قال: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال:
«إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا،
يَرْفَعُهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
قال
ابنُ صَاعِدٍ: "وَرَفَعَهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ".
وكذا
رواه ابن أبي الدنيا في كتاب «الصمت» (72) من طريق عَبْدَان بن عُثْمَانَ المروزي،
عن عَبْداللَّهِ بن المبارك، عن مَالِك بن أَنَسٍ، به، موقوفاً.
وعبدالله
بن المبارك لا تُعرف له رواية عن عبدالله بن دينار، فحديثه هذا عنه بواسطة مالك،
وعليه تكون رواية سويد بن نصر المروزي عن ابن المبارك خطأ!! أسقط من إسناده «مالك»،
وهو صدوق، ولم يرو له إلا الترمذي والنسائي، ورواية الحسين بن الحسن المروزي صاحب
ابن المبارك وراوي كتابه «الزهد»، وعبدان بن عثمان، أصح من رواية سويد.
أو
يكون سقط من نسخة النسائي ذكر «مالك»! والله أعلم.
وهنا
أمر آخر:
وهو
أنه قد ذُكر هناك رواية أخرى عن ابن المبارك عن مالك لهذا الحديث لكنها مرفوعة!!
قال
ابن عبدالبر في «التمهيد» (17/143): "هكذا هذا الحَدِيثُ مَوْقُوفًا فِي
المُوَطَّأِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ أَسْنَدَهُ عَنْ مَالِكٌ مَنْ لا
يُوثَقُ بِهِ.
حَدَّثَنَا
خَلَفُ بنُ القَاسِمِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَحْيَى: حَدَّثَنَا
الحسينُ بنُ الحَسَنِ المَرْوَزِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بن المبارك: حَدَّثَنَا
مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إِنَّ
الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ
اللَّهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
هَكَذَا
حَدَّثَنَاهُ مَرْفُوعًا، وهُوَ عِنْدِي مِنْ غَلَطِهِ أَوْ غَلَطِ شَيْخِهِ،
واللَّهُ أَعْلَمُ. ولا يَصِحُّ عَنْ مَالِكٍ رَفْعُهُ فِيمَا أَحْسَبُ، وَإِنْ
صَحَّ عَنِ ابنِ الْمُبَارَكِ مَا ذَكَرْنَا فَابنُ المُبَارَكِ بَحْرٌ ثِقَةٌ
حُجَّةٌ".
وقال
أبو العباس الداني الأندلسي في كتاب «الإيماء إلى أطراف أحاديث كتاب الموطأ»
(3/461): "هكذا هو في الموطأ موقوفٌ، ورَفَعَه عبدالله بنُ المبارك، عن مالك".
قلت:
لم
يرفعه ابن المبارك! وهو ليس غلطا منه ولا من تلميذه! ولم يُحدد ابن عبدالبر من هذا
الذي لا يوثق به؟!!!
وهو
إنما رواه من كتاب ابن المبارك برواية الحسين المروزي، وعنه: مُحَمَّدُ بنُ
أَحْمَدَ بنِ يَحْيَى!!
لكن
الرواية المشهورة لكتاب ابن المبارك برواية الحسين المروزي يرويها الإمام الحافظ
الثقة الثبت أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ.
فالاختلاف
على الحسين المروزي راوي كتاب ابن المبارك. وابن صاعد من أضبط الناس، وهو مسند
الدنيا في زمانه، وقد ضبطه بالوقف، ولهذا قال بعد روايته لهذا الحديث موقوفاً:
"وَرَفَعَهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ".
فابن
المبارك لم يرفعه، وإنما وقفه كما سمعه من مالك في «الموطأ»، وقد وقفه عن ابن
المبارك عبدان بن عثمان كما سبق، وكذا سويد بن نصر - وإن سقط من إسناده ذكر مالك
-!
وعليه:
فهذا
الحديث اختلف فيه على عبدالله بن دينار:
فرفعه
عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار، ووقفه مالك بن أنس عن عبدالله بن دينار.
وقد
سُئِلَ الدارقطني في «العلل» (8/214) (1525) عن هذا الحديث؟ فقال: "يَرْوِيهِ
مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ حِبَّانَ، وعَبْدُاللَّهِ بنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَاخْتُلِفَ
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ:
فَرَوَاهُ
عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ دينار، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هريرة، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وخَالَفَهُ
مَالِكٌ بنُ أَنَسٍ، رَوَاهُ عَنْ عَبْدِالله بن دينار، عن أبي صالح، عن أَبِي
هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، وهُو المَحْفُوظُ".
قلت:
فالحديث حديث مالك عن عبدالله بن دينار، موقوف.
وقد
أخطأ عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار في رفعه عن أبيه !!! وكأنه أُتي فيه بسبب سوء
حفظه لما دخل العراق وحدّث بها! فرفع الموقوفات! ووهم في الأسانيد! وتفرد بأحاديث
عن أبيه لم يروها عنه سواه!!!
تنبيه:
سبق
ذكر أن النسائي خرج حديث يَزِيدَ بنِ الهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ،
عَنْ عِيسَى بنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، يَزِلُّ
بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ».
ثم
قال: وعَنْ سُوَيْدِ بنِ نَصْرٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ المُبَارَكِ، عَنْ
عَبْدِاللهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بِهِ،
مَوْقُوفًا.
قلت:
حديث
أبي صالح هذا ليس كمتن حديث عيسى بن طلحة! وقول النسائي: "به"، أي بمتنه
فيه نظر!!
·
تضعيف الألباني لحديث: «إن العبد
ليتكلم بالكلمة...».
وذكر
الألباني في «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة» (3/463) (1299) حديث: «إن العبد
ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات..».
وقال:
"ضعيف.
أخرجه
البخاري (6478 فتح) وأحمد (2/334) والمروزي في "زوائد الزهد" (4393)
والبيهقي في "الشعب" (2/67/1) من طريق عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار،
عن أبيه عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعا به.
قلت:
وهذا إسناد ضعيف، وله علتان:
الأولى:
سوء حفظ عبدالرحمن هذا مع كونه قد احتج به البخاري، فقد خالفوه
وتكلموا
فيه من قبل حفظه، وليس في صدقه.
1
- قال يحيى بن معين: " حدث يحيى القطان عنه، وفي حديثه عندي ضعف".
رواه
العقيلي في "الضعفاء" (2/339/936)، وابن عدي في "الكامل" (4/1607).
2
- قال عمرو بن علي: لم أسمع عبدالرحمن (يعني ابن مهدي) يحدث عنه بشيء قط.
رواه
ابن عدي.
3
- وقال أبو حاتم: "فيه لين، يكتب حديثه ولا يحتج به".
رواه
ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/4/254).
4
- قال ابن حبان في "الضعفاء" (2/51):
"كان
ممن ينفرد عن أبيه بما لا يتابع عليه مع فحش الخطأ في روايته، لا يجوز الاحتجاج بخبره
إذا انفرد، كان يحيى القطان يحدث عنه، وكان محمد بن إسماعيل البخاري ممن يحتج به
في كتابه ويترك حماد بن سلمة".
5
- وقال ابن عدي في آخر ترجمته بعد أن ساق له عدة أحاديث: "بعض ما يرويه منكر
لا يتابع عليه، وهو في جملة من يكتب حديثه من الضعفاء".
6
- وقال الدارقطني: "خالف فيه البخاري الناس، وليس بمتروك".
7
- وأورده الذهبي في "الضعفاء" وقال: "وثق، وقال ابن معين: في حديثه
ضعف".
وتبنى
في "الكاشف" قول أبي حاتم في تليينه.
8
- ولخص هذه الأقوال ابن حجر في "التقريب" فقال: "صدوق يخطىء".
ولا
يخالف هؤلاء قول ابن المديني: "صدوق". وقول البغوي: "صالح
الحديث"، لأن الصدق لا ينافي سوء الحفظ. وأما قول البغوي فشاذ مخالف لمن تقدم
ذكرهم فهم أكثر وأعلم، وكأنه لذلك لم يورده الحافظ في ترجمة عبدالرحمن هذا من
"مقدمة الفتح" (ص 417) بل ذكر قول الدارقطني وغيره من الجارحين، ولم
يستطع أن يرفع من شأنه إلا بقوله: "ويكفيه رواية يحيى القطان عنه".
وقد
ساق له حديثا (ص 462) مما انتقده الدارقطني على البخاري لزيادة تفرد بها، فقال
الدارقطني: "لم يقل هذا غير عبد الرحمن، وغيره أثبت منه وباقي الحديث
صحيح".
ولم
يتعقبه الحافظ بشيء بل أقره فراجعه إن شئت.
وبالجملة
فضعف هذا الراوي بعد اتفاق أولئك الأئمة عليه أمر لا ينبغي أن يتوقف فيه باحث،
أويرتاب فيه منصف.
وإن
مما يؤكد ذلك ما يلي:
والأخرى:
مخالفة الإمام مالك إياه في رفعه، فقال في "موطئه" (3/149):
عن
عبدالله بن دينار عن أبي صالح السمان أنه أخبره أن أبا هريرة قال: فذكره موقوفا
عليه وزاد: "في الجنة".
فرواية
مالك هذه موقوفا مع هذه الزيادة يؤكد أن عبدالرحمن لم يحفظ الحديث فزاد في إسناده
فجعله مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ونقص من متنه ما زاده فيه جبل الحفظ
الإمام مالك رحمه الله تعالى. وثمة دليل آخر على قلة ضبطه أن في الحديث زيادة شطر
آخر بلفظ: "وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهو ي بها
في جهنم".
فقد
أخرجه الشيخان من طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا به إلا أنه قال: ".. ما
يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب".
وعند
الترمذي وحسنه بلفظ: ".. لا يرى بها بأسا يهو ي بها سبعين خريفا في
النار".
وقد
خرجت هذه الطريق الصحيحة مع شاهد لها في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" برقم (540).
ثم خرجت له شاهدا من غير حديث أبي هريرة برقم (888).
وبعد
فقط أطلت الكلام على هذا الحديث وراويه دفاعا عن السنة ولكي لا يتقول متقول، أو يقول
قائل من جاهل أوحاسد أومغرض:
إن
الألباني قد طعن في "صحيح البخاري" وضعف حديثه، فقد تبين لكل ذي بصيرة أنني
لم أحكم عقلي أو رأيي كما يفعل أهل الأهواء قديما وحديثا، وإنما تمسكت بما قاله
العلماء في هذا الراوي وما تقتضيه قواعدهم في هذا العلم الشريف ومصطلحه من رد حديث
الضعيف، وبخاصة إذا خالف الثقة. والله ولي التوفيق" انتهى كلامه.
قلت:
قال
الألباني إن هذا الحديث له علتان: الأولى: سوء حفظ عبدالرحمن.. والثانية: مخالفة
مالك له في رفعه!
والحقيقة
أن هذا الحديث له علة واحدة فقط، وهي الثانية، فعبدالرحمن خالف مالكا في رفعه،
وضبطه مالك.
وقول
الألباني في تخريجه: "والمروزي في "زوائد الزهد" (4393).. من طريق
عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار، عن أبيه عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعا به"!
ليس بصواب!!
فالذي
رواه هو يحيى بن محمد بن صاعد راوي كتاب الزهد عن الحسين المروزي صاحب ابن
المبارك.
فإن
ابن المبارك لما روى الحديث عن مالك – كما سبق بيانه - قال ابنُ صَاعِدٍ: "وَرَفَعَهُ
عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ".
ثم
رواه راوي كتاب الزهد أَبُو عُمَرَ بنُ حَيَوَيْهِ قالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى،
قالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ، قال: حَدَّثَنَا هَاشِمُ
بنُ قَاسِمٍ.
وقال
أَبُو عُمَرَ بنُ حَيَوَيْهِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى: وحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ
مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ مُوسَى الْأَشْيَبُ - اللَّفْظُ لِلطُّوسِيِّ-،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَبْداللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... الحديث.
فالمروزي
لم يروه في «زوائد الزهد» كما قال الألباني! وإنما هو من «زوائد ابن صاعد».
والعجيب
أن الألباني ضعّف هذا الحديث، وصحح الحديث الآخر لعبدالرحمن بن عبدالله بن دينار
بالإسناد نفسه: «مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا...»!!
فقال
في «مشكاة المصابيح» (1774): "صَحِيح"!
وقال
في «تخريج مشكلة الفقر» (60): "صحيح".
وكان
يلزمه تضعيفه كما ضعّف الأول!!!
·
الحديث الثاني: حديث موقوف رفعه
عبدالرحمن!
حديث
آخر أخرجه البخاري لعبدالرحمن مرفوعاً، وخالفه مالك فوقفه! وترجيح النسائي لطريق
مرجوح!!
أخرج
البخاري في «صحيحه»، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، (2/106) (1403) عن عَلِيّ
بن عَبْدِاللَّهِ ابن المديني.
و(6/39)
(4565)، كتاب التفسير، بَابُ {وَلَا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا
آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ، بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ،
سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلِلَّهِ مِيرَاثُ
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}، عن عَبْداللَّهِ
بن مُنِيرٍ.
كلاهما
عن أَبي النَّضْرِ هَاشِم بن القَاسِمِ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ
عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ
مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ
يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ - يَعْنِي
بِشِدْقَيْهِ - ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ، ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ
الآيَةَ: {ولا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ
فَضْلِهِ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ».
ورواه
الحافظ تَمْتَامٌ مُحَمَّدَ بنَ غَالِبٍ [كما عند البيهقي في «شعب الإيمان» (5/12)
(3029)] عن قُرَّة بن حَبِيبٍ القَنَوِيّ البصريّ، عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن
عَبْدِاللهِ بنِ دِينَارٍ، به، لكن في آخره: "وتَلَا أَبُو صَالِحٍ هَذِهِ
الْآيَةُ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} الْآيَةُ".
فجعل
التلاوة من أبي صالح! بخلاف ما أخرجه البخاري مما يوحي بأن التلاوة منه صلى الله
عليه وسلم؛ لأن الرواية عنده مرفوعة!!
وخالفه
الإمام مالك فرواه عن عبدالله بن دينار ووقفه على أبي هريرة.
رواه
في «الموطأ» (1/256) (22) عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ
السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ
مَالٌ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا
أَقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ. يَطْلُبُهُ حَتَّى يُمْكِنَهُ يَقُولُ: أَنَا
كَنْزُكَ».
ولم
يذكر مالك الآية! مما يدلّ على أن الذي كان ربما يتلوها أبو صالح كما جاء في رواية
قرة بن حبيب.
وقد
سُئِلَ الدارقطني في «العلل» (10/154) (1946) عن هذا الحديث؟
فقال:
"يَرْوِيهِ عَبْدُاللَّهِ بنُ دِينَارٍ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:
فرَوَاهُ
عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
ووَقَفَهُ
مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَقَوْلُ مَالِكٍ أَشْبَهُ
بِالصَّوَابِ".
وقال
ابن عبدالبر في «التمهيد» (17/145): "وهذا الحَدِيثُ أَيْضًا مَوْقُوفٌ فِي
المُوَطَّأِ غَيْرُ مَرْفُوعٍ، وَقَدْ أَسْنَدَهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ
عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ أَيْضًا عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِسْنَادِ
الْأَوَّلِ! وَرَوَاهُ عَبْدُالعزيز بن الماجشون عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ
عَنِ ابنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ
عِنْدِي خَطَأٌ مِنْهُ فِي الْإِسْنَادِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".
وقال
في «الاستذكار» بعد أن ذكر رواية عبدالرحمن، ورواية ابن الماجشون: "والمَحْفُوظُ
فِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا وَحَدِيثُ
عَبْدِالعَزِيزِ المَاجِشُونِ عِنْدِي فِيهِ خَطَأٌ فِي الْإِسْنَادِ؛ لِأَنَّهُ
لَوْ كَانَ عِنْدَ عبدالله بن دينار عن ابن عُمَرَ مَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَبَدًا، فَرِوَايَةُ مَالِكٍ وَعَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ
عَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ فِيهِ هِيَ الصَّحِيحَةُ، وَإِنْ كَانَ مَالِكٌ
وَقَفَهُ فَلَا وَجْهَ لِوَقْفِهِ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَكُونُ رَأْيًا، وَهُوَ
مَرْفُوعٌ صَحِيحٌ عَلَى مَا خَرَّجَهُ البُخَارِيُّ، واللَّهُ أَعْلَمُ".
قلت:
أخرج
النسائي في «السنن الكبرى» (3/28) (2272) قال: أَخْبَرَنَا الفَضْلُ بنُ سَهْلٍ
الْأَعْرَجُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بنُ الْقَاسِمِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بنُ عَبْدِاللهِ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِاللهِ
بنِ دِينَارٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الَّذِي لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ يُخَيَّلُ
إِلَيْهِ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ. قالَ:
فَيَلْزَمُهُ أَوْ يُطَوَّقُهُ، قَالَ: يَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ أَنَا كَنْزُكَ».
ثم
قال: أَخْبَرَنَا الفَضْلُ بنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسْنُ بنُ مُوسَى
الْأَشْيَبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِاللهِ بْنِ دِينَارٍ
الْمَدَنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَنْ آتَاهُ اللهُ مَالًا
فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا
أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {وَلَا
يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} [آل عمران: 180]».
قال
أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ النسائي: "عَبْدُالعَزِيزِ بنُ أَبِي سَلَمَةَ
أَثْبَتُ عِنْدَنَا مِن عَبْدِالرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِاللهِ بنِ دِينَارٍ.
ورِوَايَةُ عَبْدِالرَّحْمَنِ أَشْبَهُ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ - وَاللهُ أَعْلَمُ
- وَإِنْ كَانَ عَبْدُالرَّحْمَنِ لَيْسَ بِذَاكَ القَوِيِّ فِي الحَدِيثِ".
قلت:
رجّح
النسائي رواية عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار على رواية عبدالعزيز بن أبي سلمة
الماجشون!
وقد
سبق كلام ابن عبدالبر بتخطئة الماجشون فيها أيضاً.
وتعقّبه
ابن حجر في «الفتح» (3/269) فقال: "قالَ ابن عَبْدِالبَر: رِوَايَةُ
عَبْدِالعَزِيزِ خَطَأٌ بَيِّنٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَ عَبْدِاللَّهِ بْنِ
دِينَار عَن ابن عُمَرَ مَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَصْلًا انْتَهَى. وَفِي
هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ! ومَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِ شَيْخَانِ
نَعَمِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الحَدِيثِ أَنَّ رِوَايَةَ
عبدالعَزِيز شَاذَّةٌ؛ لِأَنَّهُ سَلَكَ الجَادَّةَ، وَمَنْ عَدَلَ عَنْهَا دَلَّ
عَلَى مَزِيدِ حِفْظِهِ".
قلت:
نعم،
رواية عبدالعزيز شاذة! وقد وهم فيها! والمحفوظ ما رواه مالك في «موطئه» (1/256) (21)
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ
عُمَرَ وَهُوَ يُسْأَلُ عَنِ الْكَنْزِ مَا هُوَ؟ فَقَالَ: «هُوَ الْمَالُ الَّذِي
لَا تُؤَدَّى مِنْهُ الزَّكَاةُ».
ومالك
أثبت من عبدالعزيز الماجشون، فعبدالله بن دينار يروي عن أبي صالح عن أبي هريرة
الحديث الأول من قوله، وعنده أيضاً عن ابن عمر أنه سئل عن الكنز.
ومالك
ضبط الحديثين، وأخطأ عبدالرحمن بن عبدالله في الأول فرفعه! وأخطأ عبدالعزيز في
الثاني فجعله "عن ابن عمر" وإنما هو: "عن عبدالله بن دينار عن أبي
صالح عن أبي هريرة"، والمحفوظ عن عبدالله بن دينار عن ابن عمر غيره.
ولما
ذكر العقيلي في «الضعفاء» «عبدالله بن دينار» وبيّن من أتقن الرواية عنه من
الحفاظ، ثم قال (2/247): "فَأَمَّا رِوَايَةُ المَشَايخِ عَنْهُ فَفِيهَا
اضْطِرَابٌ.
فَمِنْ
ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الوَلِيدِ، قالَ: حَدَّثَنَا
مُوسَى بنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بنُ أَبِي سَلَمَةَ
المَاجِشُونَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عُمَرَ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إِنَّ الَّذِي لَا
يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ يُمَثَّلُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ
لَهُ زَبِيبَتَانِ يَلْزَمُهُ أَوْ يُطَوَّقُهُ، فَيَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ، أَنَا
كَنْزُكَ».
حَدَّثَنَاهُ
عَلِيُّ بنُ عَبْدِالعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَمْ يُؤَدِّ
زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ،
يَطْلُبُهُ حَتَّى يُمْكِنَهُ، يَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ». حَدِيثُ مَالِكٍ أَوْلَى".
قلت:
فرجّح
العقيلي رواية مالك على رواية عبدالعزيز الماجشون.
وحديث
عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار عن أبيه مرفوعاً صححه البخاري، وحاصل كلام النسائي
تصحيحه أيضاً، وقال ابن عبدالبر أن وقفه على أبي هريرة لا يؤثر؛ لأن مثله لا يُقال
بالرأي.
والصواب
أنه موقوف على أبي هريرة، ومسألة أن مثله لا يُقال بالرأي لأنه يتعلق بأمر غيبيّ
فهذا أصل عند أهل العلم إلا أنه ليس كل حديث موقوف فيه بعض الأمور الغيبية مما لا
يُقال بالرأي إذ قد يكون أصلها من الإسرائيليات ونحوها، أو يجتهد فيها الصحابي بما
عرف من الأصول عنده، والله أعلم.
·
جواب الحويني عن تخريج البخاري
لحديث عبدالرحمن بن عبداالله! والرد عليه!
جاء
في «نثل النبال بمعجم الرجال» (2/293): "والجواب عن البخاري في هذا: أننا
قدمنا في هذا الكتاب، أن البخاري إذا خرّج في صحيحه لراوٍ متكلم فيه، فإنه ينتقي
من حديثه ما هو محفوظ عنه، والحديث فمحفوظٌ عن أبي صالح عن أبي هريرة... ثم إن
عبدالرحمن بن دينار لم يسلك الجادة، مما يدلّ على أنه حفظ، ولهذا حكم النسائيُّ
لروايته مرجِّحًا لها على رواية عبدالعزيز الماجشون، برغم أنه رجّح الماجشون على
عبدالرحمن بصفة عامة، إلا أنه رجح رواية عبدالرحمن في هذا الموضع؛ ربما لهذا
الاعتبار أو لغيره، أو لكونه يرويه عن أبيه، وهذه قرينة مرجِّحةٌ عند الاختلاف،
وإن كان ابن حبان طعن في روايته عن أبيه. وكثيرًا ما تخفى القرائن في باب الترجيح،
ولم يتعرض ابنُ عبدالبر لرواية عبدالرحمن، مما يدل على ثبوتها عنده. والله أعلم".
قلت:
مسألة
الانتقاء لا شك فيها، لكن ليس كل حديث يخرجه البخاري لراو متكلم فيه يصلح أن نقول:
إنه انتقى له هذا لأنه محفوظ!!
كيف
يكون محفوظاً، والمحفوظ خلافه كما رواه الإمام مالك موقوفاً!
وقوله:
"لم يسلك الجادة مما يدل على أنه حفظه"! فأي جادة تقصد هنا؟!! بل على
العكس هو سلك الجادة؛ لأن الجادة هي روايته عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة.
لكنه أخطأ فقط في رفعه وهو موقوف!
بل
إن ترجيح النسائي لرواية عبدالرحمن على رواية عبدالعزيز الماجشون؛ لأنه رواها بهذا
الإسناد المعروف عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة، واستبعد أن تكون هذه الرواية
محفوظة من حديث ابن عمر؛ لأن الجادة هي ما رواه عبدالرحمن.
وكأن
عبدالعزيز الماجشون لم يضبط الحديث فسلك الجادة المعروفة عنده: عبدالله بن دينار
عن ابن عمر، فوهم!
وقال
أيضا في «نثل النبال بمعجم الرجال» (2/326) في ترجمة «عبدالعزيز بن أبي سلمة
الماجشون» بعد أن ذكر روايته، وكلام ابن عبدالبر المتقدم وتعقب ابن حجر له: "والذي
عندي في هذا: صحةُ الروايتين جميعًا، وإنما يخشى على من سلك جادة الأسانيد أن يكون
ضعيفَ الحفظ، صاحبَ أوهام، أمَّا عبدالعزيز ابنُ أبي سلمة الماجشون، فإنه ثقةٌ
مأمونٌ. والله أعلم".
قلت:
هذا كلام ليس بصحيح!! ومسألة سلوك الجادة كانت تعتبر هنا لو أن الحديث محفوظ عن
غير عبدالله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة! فعندئذ نقول بأن عبدالرحمن قد سلك
الجادة! لكنه هنا هو على أصل الجادة وأتقن الإسناد؛ لكنه أخطأ في رفع الحديث، وأما
عبدالعزيز الماجشون فقد أخطأ في الإسناد!!
ويبدو
أن كلا الراويين عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار وعبدالعزيز الماجشون كانا يَهمان
إذا حدثا في غير بلدهما (المدينة)! فهذه الأوهام عنهما قد رواها عنهم أهل العراق
وأهل مصر، وبعض الرواة كانوا إذا حدثوا في غير بلدهم وهموا في حديثهم، وإلى هذا
أشار ابن المديني عندما قال عن عبدالرحمن بأنه أخطأ في حديث في العراق، بل قال
بأنه كان يتلقّن هناك!!! وهذه الأحاديث يرويها عنه العراقيون.
وأما
مالك فضبط حديث شيوخه المدنيين بخلاف عبدالرحمن وعبدالعزيز في روايتهما عن المدنيين.
·
الحديث الثالث: تفرد عبدالرحمن
بروايته عن أبيه! والمحفوظ من غير طريقه!
أخرج
البخاري في «صحيحه»، كتاب الطهارة، بَابُ المَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعَرُ
الإِنْسَانِ، (1/45) (173) قال:
حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ، قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُالصَّمَدِ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ
بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، قال: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ
رَجُلًا رَأَى كَلْبًا يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ،
فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أَرْوَاهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ،
فَأَدْخَلَهُ الجَنَّةَ».
وأخرجه
أحمد في «مسنده» (16/438) (10752) عن عَبْدالصَّمَدِ بن عبدالوارث، به.
وأخرجه
البزار في «مسنده» (15/382) (8986) عن عَبدة بن عبدالله الصفار البصري، عن عَبدالصمد،
به.
قال
الدارقطني في «الغرائب والأفراد» [كما في الأطراف (5/353) (5725)]: "تفرد
بِهِ عبدالرَّحْمَن بن عبدالله بن دِينَار عَن أَبِيه عَنهُ، وَهُوَ صَحِيح أخرجه
البُخَارِيّ".
قلت:
هذا الحديث تفرد به عبدالرحمن عن أبيه! ولا يُعرف أن عبدالله بن دينار رواه عن أبي
صالح!
والمحفوظ
عند أهل المدينة عن أبي صالح عن أبي هريرة بإسناد آخر.
رواه
مالك في «الموطأ» (2/929) (23) عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، إِذِ اشْتَدَّ
عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ، وَخَرَجَ،
فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ:
لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ مِنِّي،
فَنَزَلَ الْبِئْرَ، فَمَلَأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، حَتَّى رَقِيَ،
فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ». فَقَالُوا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي البَهَائِمِ لَأَجْرًا؟ فَقَالَ: «فِي كُلِّ ذَاتِ
كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ»
ورواه
البخاري في «صحيحه» (3/111) (2363) عن عَبْداللَّهِ بن يُوسُفَ التنيسيّ. و(3/132)
(2466) عن عبدالله بن مسلمة القعنبي. و(8/9) عن إسماعيل بن أبي أويس، ثلاثتهم عن
مالك، به.
ورواه
مسلم في «صحيحه» (4/1761) (2244) عن قتيبة بن سعيد، عن مالك، به.
قال
البخاري عقب رواية أبي صالح عن أبي هريرة: "تَابَعَهُ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ،
والرَّبِيعُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ" - يعني عن أبي هريرة.
قلت:
الحديث محفوظ عند أهل المدينة عن أبي صالح عن أبي هريرة من حديث سُمَيٍّ مَوْلَى
أَبِي بَكْرٍ كما رواه مالك عنه.
ولا
يُعرف أن عبدالله بن دينار رواه عن أبي صالح! إلا من حديث ابنه، والله أعلم.
·
الحديث الرابع: تفرد عبدالرحمن
بحديث عن زيد بن أسلم! ولم يُتابع عليه!
أخرج
البخاري في «صحيحه»، كتاب الصلاة، بَابُ إِذَا لَمْ يُتِمَّ الإِمَامُ وَأَتَمَّ
مَنْ خَلْفَهُ، (1/140) (694) قال:
حَدَّثَنَا
الفَضْلُ بنُ سَهْلٍ، قالَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ مُوسَى الأَشْيَبُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ
أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ
أَصَابُوا فَلَكُمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ».
ورواه
أحمد في «مسنده» (14/299) (8663)، و(16/542) (10930) عن الحَسَن بن مُوسَى الأشيب،
به.
ورواه
البزار في «مسنده» (15/252) (8714) عن الفضل بن سَهْل، وَأحمد بن منصور، وإبراهيم
بن زياد، كلهم عن الحسن بن موسى، به. بلفظ: «يكون عليكم أمراء يصلون لكم
فإن أصابوا فلكم ولهم، وَإن أخطؤُوا فلكم وعليهم».
فبيّن
في رواية البزار أن من يصلون هم الأمراء.
قال
البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عَن زَيد، عَن عَطاء بنِ يَسَارٍ، عَن أبي
هُرَيرة إلاَّ عَبدالرَّحْمَنِ بنُ عَبداللَّهِ بنِ دِينَارٍ، ورواه عن عَبدالرحمن
غير الحسن بن موسى".
قال
ابن رجب الحنبلي في «فتح الباري» (6/181): "تفرد البخاري بتخريج هَذَا الحَدِيْث
عَن مُسْلِم، وبتخريج حَدِيْث عَبْدالرحمن بن عَبْدالله بن دينار، مَعَ أَنَّهُ
قَدْ ضعفه ابن معين وغيره. وقَالَ ابن عدي: فِي بعض مَا يرويه منكرات لا يتابع
عَلَيْهَا، ويكتب حديثه فِي جملة الضعفاء.
وقد
خرجه ابن حبان فِي «صحيحه» من وجه آخر عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، من رِوَايَة أَبِي
أيوب الأفريقي، عَن صفوان بن سليم، عَن ابن المُسَيِّب، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن
النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «سيأتي - أو يكون - أقوام
يصلون الصلاة، فإن أتموا فلكم ولهم، وإن نقصوا فعليهم ولكم».
وقد
روي - أَيْضاً - من رِوَايَة أَبِي صالح السمان والحسن، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ،
ولكن إسنادهما لا يصح".
قلت:
تفرد بهذا الحديث عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار عن زيد بن أسلم بهذا الإسناد!!
ولا يُعرف إلا من طريقه!!! وشواهده واهية!!
·
الحديث الخامس: تفرد عبدالرحمن
بالحديث عن أبيه من هذا الطريق!
أخرج
البخاري في «صحيحه»، كِتَابُ البُيُوعِ، بَابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ
لِبَادٍ بِأَجْرٍ، (3/72) (2159)، قال:
حَدَّثَنِي
عَبْدُاللَّهِ بنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَنَفِيُّ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ
بنِ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ». وَبِهِ قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ.
قلت:
هذا
الحديث ليس بمشهور عن ابن عمر!!! وإنما هو مشهور صحيح من حديث أبي هريرة، وابن
عباس، وأنس بن مالك.
حتى
إنّ الترمذي لما أخرج حديث أبي هريرة، ذكر في الباب: "عَنْ طَلْحَةَ،
وَجَابِرٍ، وَأَنَسٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَكِيمِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ
أَبِيهِ، وَعَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزْنِيِّ جَدِّ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ،
وَرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". ولم
يذكر حديث ابن عمر!!!
وهذا
الحديث لا يُعرف عن عبدالله بن دينار إلا من طريق ابنه عبدالرحمن! تفرد به عنه!
لكن
رُوي عن ابن عمر من طريق آخر:
رواه
الإمام الشافعي كما في «مسنده» (3/155) (1359) قال: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «لا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ».
وهذا
الحديث تفرد به الشافعي عن مالك! ولم يورده مالك في الموطأ!
قال
الخليلي في «الإرشاد» (1/231): "لمْ يَرْوِهِ عَنْ مَالِكٍ إِلَّا
الشَّافِعِيُّ، وكَانَ يَسْأَلُهُ عَنْهُ الْأَئِمَّةُ".
وقال
البيهقي في «السنن الكبرى» (5/567): "هذا الحَدِيثُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ
مِمَّا يُعَدُّ فِي أَفْرَادِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ".
لكن
لم يتفرد به الشافعي عن مالك، بل قد تُوبع عليه، تابعه: القعنبي!
رواه
البيهقي في «السنن الكبرى» (5/567) (10907) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِاللهِ
الحَافِظُ: حدثنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الفَقِيهُ مِنْ أَصْلِ
كِتَابِهِ، قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ تَمتام: حدثنا عَبْدُاللهِ بنُ
مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: «لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ».
قال:
وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأَرْدَسْتَانِيُّ: أَخْبَرَنِي القَاضِي أَبُو
نَصْرٍ شُعَيْبُ بنُ عَلِيٍّ الْهَمْدَانِيُّ بِهَا: حدثنا عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ
مُحَمَّدٍ: حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَصْرٍ الرَّازِيُّ: حدثنا عَبْدُاللهِ بنُ
مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ.
قال
البيهقي: "ولِمَالِكِ بنِ أَنَسٍ مَسَانِيدُ لَمْ يُودِعْهَا المُوطَّأَ
رَوَاهَا عَنْهُ الْأَكَابِرُ مِنْ أَصْحَابِهِ خَارِجَ الْمُوطَّأِ، وَاللهُ
أَعْلَمُ".
وقال
في «معرفة السنن والآثار» (8/164): "ولِمَالِكِ بنِ أَنَسٍ أَسَانِيدُ لَمْ
يُودِعْهَا المُوَطَّأَ، رَوَاهَا عَنْهُ كِبَارُ أَصْحَابِهِ، فَيُشْبِهُ أَنْ
يَكُونَ هَذَا مِنْهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".
قلت:
هذان
إسنادان صحيحان عن القعنبي، وبذا يكون قد تابع الشافعي عليه عن مالك. لكن عدم
شهرته عن مالك عند أصحابه ممن رووا عنه الموطأ يورث الريبة، فربما حدّث به مالك،
ثم تركه، وأصحاب مالك رووه عنه عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، والله أعلم.
والمسانيد
التي رواها الأئمة الكبار عن مالك خارج الموطأ تحتاج لجمع ودراسة، وكنت بدأت بجمعها،
أسأل الله أن يتمم علينا ذلك.
·
عندما يضيق مخرج الحديث عن أصحاب
المستخرجات!
قال
ابن حجر في «الفتح» (4/372): "حَدِيث ابن عُمَرَ فَرْدٌ غَرِيبٌ لَمْ أَرَهُ
إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ
عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، وَقَدْ ضَاقَ مَخْرَجُهُ عَلَى الْإِسْمَاعِيلِيِّ وعَلَى
أَبِي نُعَيْمٍ، فَلَمْ يُخَرِّجَاهُ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ البُخَارِيِّ، وَلَهُ
أَصْلٌ من حَدِيث ابن عُمَرَ، أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ
عَن ابن عُمَرَ، وَلَيْسَ هُوَ فِي المُوَطَّأِ. قَالَ البَيْهَقِيُّ: عَدُّوهُ
فِي أَفْرَادِ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ تَابَعَهُ القَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ، ثُمَّ
سَاقَهُ بِإِسْنَادَيْنِ إِلَى القَعْنَبِيِّ".
قلت:
وله طريق آخر توبع عليه مالك، تابعه: صخر بن جويرية، وعبدالله بن نافع.
أخرج
ابن الجعد في «مسنده» (ص: 442) (3014) عن صَخْر بن جُويرية، عن نافع، عن ابن عمر
قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد».
وأخرجه
أحمد في «مسنده» (10/464) (6417) عن عَبْدالصَّمَدِ بن عبدالوارث العنبري، عن صَخْر،
به.
وهذا
إسناد صحيح.
وأخرج
الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (4/11) (5515) عن يَزِيد بن سِنَانٍ، قَالَ: حدثنا
أَبُو بَكْرٍ الحَنَفِيُّ، قَالَ: حدثنا عَبْدُاللهِ بنُ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ.
وعبدالله
بن نافع متروك الحديث.
وقد
توبع نافع عليه، تابعه: مسلم الخيّاط.
أخرج
ابن الجعد في «مسنده» (ص: 407) (2775).
وأحمد
في «مسنده» (9/53) (5010) عن يَزِيد بن هارون.
وابن
أبي شيبة في «مصنفه» (4/346) (20894) عن شبابة بن سوار.
ثلاثتهم
(علي بن الجعد، ويزيد، وشبابة) عن محمد بن عبدالرحمن ابن أبي ذئب، عن مُسْلِمٍ الخَبَّاطِ
- وهو: الخيّاط، والحنّاط -، عن ابن عمر قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن تتلقى الأجلاب، ولا يبيع حاضر لباد».
وروى
ابن أبي شيبة في «مصنفه» (4/346) (20896)، و(7/324) (36523) عن ابن عيينة، عن مسلم
الخياط، أنه سمع أبا هريرة، يقول: «نهى أن يبيع حاضر لباد». وسمع ابن عمر يقول:
«لا يبيع حاضر لباد».
وهذه
أسانيد صحيحة تدلّ على ثبوت هذا الحديث عن ابن عمر، لكن تبقى المسألة في تفرد
عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار عن أبيه عن ابن عمر، بهذا الحديث، وهو محلّ البحث!
·
الحديث السادس: تفرد عبدالرحمن
بهذا الحديث عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة! وخالفه غيره!
أخرج
البخاري في «صحيحه»، كتاب الزكاة، بَابُ الصَّدَقَةِ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ
لِقَوْلِهِ: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ، وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ
أَثِيمٍ، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا
الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ، لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 277]، (2/108) (1410)، قال:
حَدَّثَنَا
عَبْدُاللَّهِ بنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ
- هُوَ: ابنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ -، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ
طَيِّبٍ، وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّهَ
يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي
أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ».
قال
البخاري: "تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ، عَنْ ابنِ دِينَارٍ.
وقالَ
وَرْقَاءُ: عَنْ ابنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ورَوَاهُ
مُسْلِمُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَزَيْدُ بنُ أَسْلَمَ، وسُهَيْلٌ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وعلّقه
في كتاب التوحيد، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {تَعْرُجُ المَلاَئِكَةُ
وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 4]، وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِلَيْهِ
يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10]، (9/126) (7430)، قال:
وقال
خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ
دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ
كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا الطَّيِّبُ، فَإِنَّ اللَّهَ
يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي
أَحَدُكُمْ فُلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ».
قال
البخاري: "وَرَوَاهُ وَرْقَاءُ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ
سَعِيدِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلاَ يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا الطَّيِّبُ»".
قلت:
اعتمد
البخاري حديث عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار، عن أبيه، عن أبي صالح، عن أبي هريرة،
عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ثم
بيّن أن سليمان بن بلال تابعه عن عبدالله بن دينار، ورواية سليمان علقها عن خالد
بن مخلد.
وأشار
إلى طرق الحديث الأخرى، ومنها مخالفة ورقاء لعبدالرحمن بن عبدالله بن دينار،
وسليمان بن بلال!
فرواه
وَرْقَاءُ: عَنْ ابنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فجعله
ورقاء عن ابن دينار عن سعيد بن يسار! لا عن أبي صالح.
ورجّح
البخاري طريق عبدالرحمن وسليمان وأنه محفوظ من حديث أبي صالح بقوله: "ورَوَاهُ
مُسْلِمُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَزَيْدُ بنُ أَسْلَمَ، وسُهَيْلٌ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ".
·
تخريج حديث عبدالرحمن بن عبدالله
بن دينار:
أخرجه
البزار في «مسنده» (15/380) (8980) عن أحمد بن منصور.
وأبو
القاسم الأصبهاني في «الحجة في بيان المحجة» (1/205) (73) من طريق حَجَّاج بن
يُوسُفَ.
كلاهما
(أحمد، وحجاج) عن الحَسَن بن مُوسَى الأَشْيَب، عن عَبدالرَّحْمَنِ بن عَبْدِاللَّهِ
بْنِ دِينَارٍ، عَن أَبِيه، عَن أبي صالح، عَن أَبِي هُرَيرة، عَن النَّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم، به.
·
متابعة سليمان بن بلال
لعبدالرحمن:
أخرجه
أبو عوانة في «مستخرجه على مسلم» (8/439) (3458) عن مُحَمَّد بن مُعَاذِ بنِ
يُوسُفَ بن معاوية السُّلَمِيّ المَرْوَزِيّ، عن خَالِد بن مَخْلَدٍ القطواني، عن
سُلَيْمَان بن بِلالٍ، عن عَبْداللَّهِ بن دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أبي
هُرَيْرَة، عن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بنحوه.
وأخرجه
أبو عثمان البحيري كما في «السابع من فوائده» (ص: 175) (175) عن أبُي بَكْر
الشَّيْباني الجَوْزَقي المُعَدِّل مُحَمَّد بن عَبْدِاللَّه بن مُحَمَّد بن زكريا
الحافظ - صاحب المسند الصحيح عَلَى كتاب مُسْلِم -، عن أَبي العَبَّاسِ مُحَمَّد
بن عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الدَّغُولِيّ السَّرَخْسِيّ، عن مُحَمَّد
بن مُعَاذِ بنِ يُوسُفَ، به.
قلت: هكذا رواه محمد بن معاذ عن خالد بن مخلد!
وخالفه أَحْمَد بن عُثْمَانَ الْأَوْدِيّ:
فرواه
عن خَالِد بن مَخْلَدٍ، عن سُلَيْمَان بن بِلَالٍ، عَنْ سُهَيْل بن أبي صالح، عن
أبيه، عن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
أخرجه
مسلم في «صحيحه» (2/702) (1014) عن أَحْمَد بن عُثْمَانَ الْأَوْدِيّ، به.
قلت:
محمد
بن معاذ السلمي من شيوخ مرو، روى عنه بعض الأئمة في كتبهم أحاديث قليلة، ولم أجد
فيه جرحاً ولا تعديلاً!
وأحمد
بن عثمان الأَودِيّ ثقة من رجال الشيخين، فروايته ترجح على رواية محمد بن معاذ.
وكأنه
بسبب ذلك علّق البخاري حديث خالد بن مخلد من هذا الطريق!!! لكن المحيّر أن البخاري
قال: "وتابعه سليمان"! واعتد بها! ولا أدري هل غفل عن طريق خالد بن مخلد
الأخرى أم لا!!!
ولو
صحت رواية محمد بن معاذ عن خالد بن مخلد، فيكون الاختلاف من خالد بن مخلد! وهو
صدوق له أوهام وأخطاء!
والأرجح
روايته عن سُلَيْمَان بن بِلَالٍ، عَنْ سُهَيْل بن أبي صالح، عن أبيه.
وهذه
الرواية لها متابعات.
فساق
مسلم أيضاً حديث يَعْقُوب بن عَبْدِالرَّحْمَنِ القَارِيَّ، ورَوْح بن القَاسِمِ،
كلاهما عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
ثم
ساق رواية زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وعليه
فالمتابعة التي ذكرها البخاري لعبدالرحمن بن عبدالله بن دينار لا تصح! ويبقى تفرد
عبدالرحمن بهذا الإسناد عن أبيه!
·
وهم للمزي! وتعقّب ابن حجر!
ذكر
المزي في «تحفة الأشراف» (9/430) (12819) "[خ م] حديث من تصدق بعدل تمرة من
كسب طيب.... الحديث. خ في الزكاة (7) عن عبدالله بن منير، عن أبي النضر هاشم بن
القاسم، عن عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار، عن أبيه به، وتابعه سليمان. وفي
التوحيد (23: 1 تعليقاً): وقال خالد بن مخلد، عن سليمان بن بلال، عن عبدالله بن
دينار به. م في الزكاة (20: 3) عن أحمد بن عثمان بن حكيم، عن خالد بن مخلد، به".
قلت:
جعل المزي رواية مسلم عن أحمد بن عثمان مثل الرواية التي ذكرها البخاري! مع أن
إسنادها مختلف!! فوهم في ذلك!
قال
ابن حجر في «تغليق التعليق» (5/347): "وَزعم المزي أَن مُسلما رَوَاهُ عَن
أَحْمد بن عُثْمَان عَن خَالِد بن مخلد بِهَذَا الْإِسْنَاد! وَوهم فِي ذَلِك،
وَإِنَّمَا هُوَ عِنْد مُسلم عَن أَحْمد بن عُثْمَان، عَن خَالِد بن مخلد، عَن
سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن سُهَيْل بن أبي صَالح، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة،
فَالظَّاهِر أَن لِسُلَيْمَان فِيهِ شيخين، والله أعلم".
وقال
في «فتح الباري» (3/280) عند الكلام عن تعليق البخاري لحديث خالد بن مخلد: "وقَدْ
وَصَلَهُ أَبُو عَوَانَةَ والجَوْزَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بنِ مُعَاذِ بنِ
يُوسُفَ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَخْلَدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ،
عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ
كُلَّهُ، وهَذَا إِنْ كَانَ أَحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ حَفِظَهُ فَلِسُلَيْمَانَ
فِيهِ شَيْخَانِ: عَبْدُاللَّهِ بنُ دِينَارٍ وسُهَيْلٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ،
وَقَدْ غَفَلَ صَاحِبُ الْأَطْرَافِ فَسَوَّى بَيْنَ رِوَايَتَيِ الصَّحِيحَيْنِ
فِي هَذَا، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ".
·
عندما يضيق المَخرج على صاحب
المستخرج! والعقلية الجمعية عند ابن حجر!
وقال
أيضاً (13/417): "وقَدْ وَصَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الجَوْزَقِيُّ فِي الجَمْعِ
بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ الدَّغُولِيُّ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُعَاذٍ السُّلَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ
مَخْلَدٍ، فَذَكَرَهُ مِثْلَ رِوَايَةِ البُخَارِيِّ سَوَاءً، وَكَذَا أَخْرَجَهُ
أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَبَيَّضَ لَهُ أَبُو
نُعَيْمٍ فِي المُسْتَخْرَجِ، ثُمَّ قَالَ: رَوَاهُ فَقَالَ: وَقَالَ خَالِدُ بْنُ
مَخْلَدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ عَنْ خَالِدُ بنُ
مَخْلَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بِلَالٍ لَكِنْ خَالَفَ فِي شَيْخِ سُلَيْمَانَ،
فَقَالَ: عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ كَمَا أَوْضَحْتُ ذَلِكَ
فِي أَوَائِلِ الزَّكَاةِ، وَقَدْ ضَاقَ مَخْرَجُهُ عَنِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ
وَأَبِي نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجَيْهِمَا فَأَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ
عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ لِلْبُخَارِيِّ فِي
كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَدَلَّتِ الرِّوَايَةُ المُعَلَّقَةُ وَمُوَافَقَةُ الجَوْزَقِيِّ
لَهَا عَلَى أَنَّ لِخَالِدٍ فِيهِ شَيْخَيْنِ كَمَا أَنَّ لِعَبْدِاللَّهِ بنِ
دِينَارٍ فِيهِ شَيْخَيْنِ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْلِيقُ الَّذِي بعده".
قلت:
صحح ابن حجر كلا الروايتين! وجعل لسليمان فيه "شيخان"!! ولخالد فيه "شيخان"!!
وهذه هي العقلية الجمعية عند ابن حجر! دائما يحاول الجمع بين الروايات!! وليس
كذلك! بل الصواب رواية أحمد بن عثمان، عن خالد، عن سليمان، عن سهيل بن أبي صالح،
والرواية الأخرى عن خالد معلولة لا تصح!
وسيأتي
فيما بعد أن شيخ عبدالله بن دينار هو شيخ واحد لا اثنين كما قال ابن حجر!!!
·
حديث وَرْقَاء بن عمر اليشكري،
ومخالفته لعبدالرحمن بن عبدالله بن دينار! وترجيح رواية ورقاء.
الحديث
رواه عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وخالفه
وَرْقَاءُ، فرواه: عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بنِ يَسَارٍ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
فَجعل
وَرْقَاءَ شيخ عبدالله بن دِينَارٍ فِيهِ: سَعِيدَ بنَ يَسَارٍ بَدَلَ أَبِي
صَالِحٍ!!
وحَدِيث
وَرْقَاء:
أخرجه
أحمد في «مسنده» (14/115) (8381) عن أَبي النَّضْرِ هاشم بن القاسم، وحَسَن بن
مُوسَى الأشيب.
والبيهقي
في «الأسماء والصفات» (2/332) (897)، وفي «السنن الكبرى» (4/320) (7838) من طريق العَبَّاس
بن مُحَمَّدٍ الدُّورِيّ، عن أَبي النَّضْرِ هَاشِم بن القَاسِمِ.
وأبو
بكر الشافعي في «الغيلانيات» (ص:366) (383) عن مُحَمَّد بن غَالِبٍ، عن عَبْدالصَّمَدِ
بن النعمان أبي محمد البزاز النسائي.
ثلاثتهم
(أبو النضر، والأشيب، وعبدالصمد) عن وَرْقَاء، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ،
عَنْ سَعِيد بن يَسار، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بنحوه.
وورقاء
ثقة وهو أثبت من عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار، وروايته أرجح، وهذا يثبت أن
عبدالرحمن بن عبدالله وهم على أبيه في هذه الرواية!
·
متابعة أبي جعفر الرازي لورقاء،
وتحريف في الاسم!
أخرج
الخطيب البغدادي في «مجالسه» (ص: 19) (17) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ
مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِاللهِ الحِنَّائِيُّ: حدثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ مُحَمَّدٍ
الصَّفَّارُ: حدثنا عَلِيُّ بنُ دَاوُدَ القَنْطَرِيُّ: حدثنا آدَمُ بن أبي إياس
العسقلاني: حدثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ: حدثنا عَبْدُاللَّهِ بنُ دِينَارٍ، عَنْ
بشير بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، به، بنحوه.
قلت:
أبو جعفر الرازي، واسمه: عيسى ابن أبي عيسى: صدوق يُخطئ، وقد تابع ورقاء في روايته
عن عبدالله بن دينار، إلا أنه وقع في روايته كما في المطبوع: «بشير بن يسار»!
تحرفت من «سعيد بن يسار»! ورسم «سعيد» مقارب لرسم «بشير»!! وقد أخطأ أبو جعفر في
اسمه فحرّفه! وسيأتي كلام الدارقطني حول هذا الوهم لأبي جعفر الرازي.
لكن
المهم هنا أنه تابع ورقاء عليه، لكنه وهم في الاسم.
·
كلام ابن حجر حول رواية ورقاء!
قال
ابن حجر في «الفتح» (3/280): "وقَالَ وَرْقَاء: هُوَ ابن عمر، عَن ابنِ
دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَعْنِي أَنَّ
وَرْقَاءَ خَالَفَ عَبْدَالرَّحْمَنِ وسليمَان فَجعل شيخ ابن دِينَارٍ فِيهِ:
سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ بَدَلَ أَبِي صَالِحٍ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى رِوَايَةِ
وَرْقَاءَ هَذِهِ مَوْصُولَةً! وَقَدْ أَشَارَ الدَّاوُدِيُّ إِلَى أَنَّهَا
وَهَمٌ لِتَوَارُدِ الرُّوَاةِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ دُونَ سَعِيدِ بنِ يَسَارٍ،
وَلَيْسَ مَا قَالَ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ عَنْ سَعِيدِ بنِ يَسَارٍ مِنْ
وَجْهٍ آخَرَ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا. نَعَمْ
رِوَايَةُ وَرْقَاءَ شَاذَّةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُخَالَفَةِ سُلَيْمَانَ
وَعَبْدِالرَّحْمَنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
تَنْبِيهٌ:
وَقَفْتُ عَلَى رِوَايَةِ وَرْقَاءَ مَوْصُولَةً، وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي
كِتَابِ التَّوْحِيدِ".
قلت:
رواية ورقاء ليست شاذة، بل هي الرواية الصحيحة، وما عداها أوهام كما بينته فيما
سبق.
وقال
ابن حجر أيضاً في موضع آخر (13/417): "قَوْله: وقَالَ وَرْقَاء: يَعْنِي ابْنِ
عُمَرَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَصْعَدُ
إِلَى اللَّهِ إِلَّا الطَّيِّبُ، يُرِيدُ أَنَّ رِوَايَةَ وَرْقَاءَ مُوَافِقَةٌ
لِرِوَايَةِ سُلَيْمَانَ إِلَّا فِي شَيْخِ شَيْخِهِمَا فَعِنْدَ سُلَيْمَانَ
أَنَّهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَعِنْدَ وَرْقَاءَ أَنَّهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
يَسَارٍ هَذَا فِي السَّنَدِ، وَأَمَّا فِي الْمَتْنِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا
سَوَاءٌ إِلَّا فِي قَوْلِهِ (الطَّيِّبَ) فَإِنَّهُ فِي رِوَايَةِ وَرْقَاءَ (طَيِّبٍ)
بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ، وَقَدْ وَصَلَهَا الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي
النَّضْرِ هَاشِمِ بنِ الْقَاسِمِ، عَنْ وَرْقَاءَ فَوَقَعَ عِنْدَهُ الطَّيِّبَ...
وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي الزَّكَاةِ أَنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَى رِوَايَةِ وَرْقَاءَ
هَذِهِ المُعَلَّقَةِ ثُمَّ وَجَدْتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ كِتَابَتِي هُنَا".
قلت:
وصلها أحمد في «مسنده»، والبيهقي في «الأسماء والصفات»، وأبو بكر الشافعي في «الغيلانيات»
كما تقدم في التخريج.
وبيّنت
عدم صحة رواية سليمان عن عبدالله بن دينار، وإنما المحفوظ عن سليمان عن سهيل بن
أبي صالح.
·
وَهَم في رواية عند ابن حبان!!!
أخرج
ابن حبان في «صحيحه» (8/113) (3319) قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ
زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ شُعَيْبٍ، قالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
النَّضْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
يَسَارٍ أَبِي الحُبَابِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعِدْلِ تَمْرَةٍ.. الحديث».
قلت:
كذا
رواه علي بن شعيب البغدادي، عن أبي النضر، عن ورقاء، عن ابن عجلان!! وهو وهم!!
والمحفوظ
عن أبي النضر، عن ورقاء، عن عبدالله بن دينار، لا عن ابن عجلان!
كذا
رواه أحمد والعباس الدوري عن أبي النضر كما سبق بيانه في التخريج.
والوهم
فيه من علي بن شعيب، وقد وثقه النسائي وروى له وحده، ولم يروي له الباقون!
وكأن
الوهم دخل عليه لأن الحديث يرويه ابن عجلان أيضاً عن سعيد بن يسار، لكن ليس من
رواية ورقاء، وإنما من طريق آخر.
·
عدم تنبه شعيب الأرنؤوط ومن معه
لخطأ رواية ابن حبان!!!
قال
شعيب الأرنؤوط ومن معه أثناء تعليقهم على رواية ابن عجلان عن سعيد بن يسار من «مسند
أحمد» (15/248) (9423): "وأخرجه الحميدي (1154)، والشافعي 1/220، ومن طريقه
البيهقي في "المعرفة" (2424)، والبغوي (1631) عن سفيان بن عيينة، وابن
حبان (3319) من طريق ورقاء بن عمر، كلاهما عن ابن عجلان، به".
وقال
شعيب أيضا أثناء تعليقه على «صحيح ابن حبان» (8/113) (3319): "إسناده حسن،
علي بن شعيب صدوق روى له النسائي، وابن عجلان روى له مسلم متابعة والبخاري تعليقاً
وهو صدوق، وباقي رجاله ثقات على شرطهما. أبو النضر: هو هاشم بن القاسم، وورقاء: هو
ابن عمر اليشكري. وأخرجه أحمد 2/431، عن يحيى بن سعيد، عن ابن عجلان، بهذا الإسناد".
قلت:
رواية ابن حبان خطأ!! وورقاء لم يروه عن ابن عجلان! كما بينته آنفاً. ولم يتنبه
شعيب ومن معه لهذا الوهم في الرواية!
·
رواية ابن عجلان عن سعيد بن يسار:
أخرج
الحميدي في «مسنده» (2/288) (1188)، والشافعي في «مسنده» [ترتيب السندي] (1/220)
(606).
وابن
حبان في «صحيحه» (1/504) (270) عن الفَضْل بن الحُبَابِ الجُمَحِيّ، عن إِبْرَاهِيم
بن بَشَّارٍ الرمادي.
ثلاثتهم
(الحميدي، والشافعي، وإبراهيم) عن سُفْيَان بن عُيينة.
وأخرجه
أحمد في «مسنده» (15/248) (9423) عن قُتَيْبَة بن سعيد، عن بَكْر بن مُضَرَ.
وأخرجه
كذلك (15/347) (9565) عن يَحْيَى بن سعيد القطان.
والنسائي
في «السنن الكبرى» (7/163) (7711) عن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيمَ، عن يَحْيَى.
ثلاثتهم:
(سفيان، وبكر، ويحيى) عَنِ ابنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، به، بنحوه.
·
رواية سعيد المَقْبُرِيِّ عن سعيد
بن يسار:
وله
طريق آخر عن سعيد بن يسار:
أخرجه
مسلم في «صحيحه» (2/702) (1014)، والترمذي في «جامعه» (2/42) (661)، والنسائي في «سننه
الكبرى» (3/46) (2316)، و(7/155) (7687)، كلهم عن قُتَيْبَة بن سَعِيدٍ، عن لَيْث
بن سعد، عَنْ سَعِيدِ بنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بنِ يَسَارٍ،
عن أَبي هُرَيْرَةَ، به، بنحوه.
قال
الترمذي: "حدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".
·
رواية مالك المرسلة لهذا الحديث!
ورواه
الإمام مالك في «الموطأ» (2/995) (1) عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي
الحُبَابِ سَعِيدِ بنِ يَسَارٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلَا يَقْبَلُ
اللَّهُ إِلَّا طَيِّبًا، كَانَ إِنَّمَا يَضَعُهَا فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ،
يُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ حَتَّى تَكُونَ
مِثْلَ الجَبَلِ».
قال
ابن عبدالبر في «التمهيد» (23/172): "هكذا رَوَى يَحْيَى هَذَا الحَدِيثَ
عَنْ مَالِكٍ فِي المُوَطَّأِ مُرْسَلًا، وَتَابَعَهُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ
مَالِكٍ عَلَى ذلِكَ، وممن تابعه: ابن القاسم، وابن وهب مطرف، وَأَبُو المُصْعَبِ،
وَجَمَاعَةٌ. وَرَوَاهُ مَعْنُ بنُ عِيسَى، ويَحْيَى بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ
بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي الحُبَابِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
مُسْنَدًا".
فهَذَا
مُرْسَلٌ فِي المُوَطَّأِ، لَيْسَ فِيهِ "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ" إِلا في
رواية مَعْنٍ، وَابْنِ بُكَيْرٍ، فَإِنَّهُمَا أَسْنَدَاهُ فَقَالا فِيهِ: "عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ".
أما
حديث معن بن عيسى:
فأخرجه
النسائي في «السنن الكبرى» (7/155) (7688) قال: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ شُعَيْبٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ،
عَنْ سَعِيدِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، به.
وأما
حديث ابن بكير:
فأخرجه
ابن عبدالبر في «التمهيد» (23/172) من طريق يَحْيَى بن عُمَرَ، وَيَحْيَى بن
أَيُّوبَ، ومُطَرِّف بن عَبْدِالرَّحْمَنِ، جميعاً عن ابن بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِك،
عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الحُبَابِ سَعِيدِ بنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، به.
قال
ابن عبدالبر: "وهَذَا الحَدِيثُ رَوَاهُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ
الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي الْحُبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ وُجُوْهٍ،
وَرَوَتْهُ طَائِفَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُجْتَمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ".
·
كلام الدارقطني على الاختلاف في
أسانيد هذا الحديث! والتعليق عليه!
وقد
سُئِلَ الدارقطني في «العلل» (10/100) (1894) عَنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ
أَبِي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: «إِنَّ العَبْدَ
لَيَتَصَدَّقُ بِالتَّمْرِ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، فَيَقْبِضُهَا اللَّهُ تَعَالَى
بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلْوُّهُ»؟
فقالَ:
"يَرْوِيهِ
عَبْدُاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:
فَرَوَاهُ
عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَتَابَعَهُ
سُلَيْمَانُ بنُ بِلَالٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ.
وخَالَفَهُمَا
أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، فَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ بشير
بن يسار، عن أبي هريرة.
وَخَالَفَهُمْ
وَرْقَاءُ،
فَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ.
ولَهُ
عَنْ سَعِيدِ بنِ يَسَارٍ أَصْلٌ، حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ: يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ،
وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:
فَرَوَاهُ
عَبْدُالوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ ومَالِكُ بنُ أَنَسٍ.
وَاخُتْلِفَ
عَنْهُ:
فَرَوَاهُ
عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَسَعِيدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، وعَبْدُاللَّهِ
بْنُ نَافِعٍ، وَمَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَزَيْدُ بنُ يَحْيَى الدِّمَشْقِيُّ،
وَيَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ، وَسَعِيدُ بنُ دَاوُدَ الزَّنْبَرِيُّ، وَمَعْنُ بْنُ
عِيسَى، وَإِسْحَاقُ الحُنَيْنِيُّ، رَوَوْهُ عَنْ مالك، عن يحيى بن سعيد، عن أبي
الْحُبَابِ سَعِيدِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وخَالَفَهَمُ
عَبْدُاللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَأَبُو قُرَّةَ مُوسَى بْنُ طَارِقٍ
رَوَوْهُ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ
مُرْسَلًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذْكُرُوا
فِيهِ أَبَا هُرَيْرَةَ.
ورَوَاهُ
سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيُّ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:
فَرَوَاهُ
اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ يسار، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَرَوَاهُ
عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:
فَرَوَاهُ
أَبُو ضَمْرَةَ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ،
عَنِ الخِيَارِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَوَهِمَ أَبُو ضَمْرَةَ فِي قَوْلِهِ: الخِيَارُ.
وَرَوَاهُ
ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ عَلَى الصَّوَابِ، وَقَالَ: عَنْ سَعِيدٍ
المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي الحُبَابِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبُو الْحُبَابِ
هُوَ سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللَّيْثِ وَابْنِ أَبِي
ذِئْبٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ.
وَرَوَاهُ
جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بِإِسْنَادٍ آخَرَ انْفَرَدَ بِهِ،
رَوَاهُ عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ، عَنْ خُبَيْبٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أبي
هريرة. ولَمْ يُتَابِعْ عَلَى هَذَا القَوْلِ.
وَرَوَاهُ
أَبُو صَخْرٍ حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ بَيْنَهُمَا أَحَدًا.
وَكَذَلِكَ
رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عمرو، عن سعيد المقبري، واختلف عنه:
فرواه
عبدة بن سليمان، ويزيد بن هارون، وَجُنَادَةُ بْنُ سَلْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَمْرٍو عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَخَالَفَهُمْ
عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ: فَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ،
عَنْ أبي سعيد مولى المهري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَالصَّوَابُ
مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي الحُبَابِ
سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وأما
حديث عبدالله بن دينار فالصحيح عنه ما قاله عبدالرحمن ابنه، وسليمان بن بلال عنه،
عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا يَدْفَعُ قَوْلُ مَنْ قَالَ:
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، لِأَنَّ لَهُ
أَصْلًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، وَقَوْلُ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ بَشِيرِ بنِ يَسَارٍ، لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ" انتهى.
قلت:
صحح الدارقطني كل الروايات عن عبدالله بن دينار!! وليس كذلك كما فصّلناه فيما سبق،
وترجح عندنا أن الصواب رواية من قال: عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ
سَعِيدِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
والحديث
محفوظ من حديث أبي صالح عن أبي هريرة، لكن ليس من طريق عبدالله بن دينار كما رواه
ابنه عبدالرحمن!!!
وقول
الدارقطني بأن قول أبي جعفر الرازي، عن عبدالله بن دينار، عن بشير بن يسار، ليس
بمحفوظ!! ففيه نظر!!!
وقد
بينت أنه أصاب في روايته وتابع ورقاء عليه؛ لكنه أخطأ في اسم «سعيد»! فقال: «بشير»!!
وأكبر ظني أن هذا التحريف في النسخ، وليس من أبي جعفر الرازي، والله أعلم.
·
الحديث السابع: حديث توبع عليه
عبدالرحمن.
أخرج
البخاري في «صحيحه»، كتاب التوحيد، بَابُ كَلاَمِ الرَّبِّ مَعَ جِبْرِيلَ،
وَنِدَاءِ اللَّهِ المَلاَئِكَةَ، (9/142) (7485)، قال:
حَدَّثَنِي
إِسْحَاقُ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالصَّمَدِ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ -
هُوَ: ابنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ -، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ
عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ،
فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ
قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَيُوضَعُ
لَهُ القَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ».
أخرجه
البزار في «مسنده» (15/378) (8976) من طريق أَبي قُتَيبة.
و(15/381)
(8981) من طريق الحسن بن موسى الأشيب.
كلاهما
عن عَبدالرَّحْمَنِ بن عَبداللَّهِ بنِ دِينَارٍ، به.
قلت:
كأن
البزار بتخريجه له في كتابه يميل إلى تضعيفه بتفرد
عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار عن أبيه بهذا الحديث!!
لكنه
قد تُوبع عليه - كما سيأتي - تابعه: موسى بن عقبة، عن عبدالله بن دينار.
ولما
أخرج الترمذي حديث سهيل بن أبي صالح أشار إلى حديث عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار،
فقال: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ
عَبْداللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ هَذَا".
وللحديث
طريق آخر غريب! أخرجه البخاري في موضعين من «صحيحه»!
·
حديث مُوسَى بن عُقْبَةَ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ! وغرابته! وميل الدارقطني لضعفه!
أخرج
البخاري في «صحيحه»، كتاب بدء الخلق، (4/111) (3209) عن مُحَمَّد بن سَلاَمٍ، عن مَخْلَد
بن يزيد الحرّاني، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال
البخاري: "وتَابَعَهُ أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ...".
ثم
وصله في كتاب الأدب (8/14) (6040) عن عَمْرو بن عَلِيٍّ، عن أَبي عَاصِمٍ النبيل
الضحاك بن مَخلد، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ
عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، به، نحوه.
وأخرجه
إسحاق بن راهويه في «مسنده» (1/366) (375) عن عَبْداللَّهِ بن الحَارِثِ، عَنِ
ابْنِ جُرَيْجٍ، قال: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ.
وأخرجه
البزار في «مسنده» (15/103) (8392) عن عَمْرو بن عَلِيٍّ، عن أَبي عَاصِم، قَال:
حَدَّثنا ابْنِ جُرَيج، عَن مُوسَى بْنِ عُقبة، عَن نافعٍ، عَن أَبِي
هُرَيرة، عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم.
قال
البزار: "وهَذَا الحَدِيثُ لا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ نافع، عَن أبي هُرَيرة
إلاَّ موسى بن عقبة، ولا نَعلم حدّث به عن موسى إلاَّ ابن جُرَيج"!!!
قلت:
هذا
حديث غريب عن نافع مولى ابن عمر!! وأين أصحاب نافع عن هذا الحديث؟!!!
ورواية
نافع عن أبي هريرة نادرة، وقد لقيه وشهد معه العيد.
·
ترجيح رواية المُتكلّم فيه على
رواية الثقة!
وقد
خالف الدَّرَاوَرْدِيُّ ابن جريج فيه، فرواه عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وتوبع
عليه موسى كما سبق من حديث عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح.
وقد
وهم فيه ابن جُريج كما وهم في حديث كفارة المجلس المشهور، فإنه رواه عن موسى بن
عقبة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة!
والصواب
ما رواه وُهَيْب، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ عَوْنِ بنِ
عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ - قَوْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُوسَى بْنَ عُقْبَةَ
سَمَاعًا مِنْ سُهَيْلٍ، وَحَدِيثُ وُهَيْبٍ أَوْلَى.
وكأن
ابن جُريج كان يهم في حديث موسى بن عقبة؛ لأنه من أقرانه تقريباً فلم يضبط بعض
حديثه! وعادة فإن الأقران لا يعتنون كثيراً بما يسمعونه من بعضهم على قلته، فإذا
حدث بعضهم بما سمعه من قرينه وهم في بعضه!!
ولو
كان هذا الحديث معروفاً عن نافع لرواه عنه ابن جريج مباشرة لا بواسطة!! فهو من
أثبت أصحاب نافع.
قَال
علي بن المديني: سألت يحيى بن سَعِيد: من أثبت أصحاب نافع؟ قال: "أَيُّوب،
وعُبَيدالله، ومالك بن أنس، وابن جُرَيْج أثبت من مالك في نافع".
وقد
مال الدارقطني إلى ترجيح رواية الدراوردي على رواية ابن جريج؛ لأن عبدالرحمن بن
عبدالله بن دينار رواه عن أبيه، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، كما رواه الدراوردي عن
موسى بن عقبة، عن عبدالله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.
قال
في «العلل» (8/211) - وهو يأتي على طرق الحديث -: "وَرَوَى هَذَا الحَدِيثَ
مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:
فَرَوَاهُ
الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ،
عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَخَالَفَهُ
ابْنُ جُرَيْجٍ فَرَوَاهُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ أَبِي
هُرَيْرَةَ، والقَلْبُ إِلَى رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ أَمْيَلُ، وَإِنْ كَانَ
ابْنُ جُرَيْجٍ أَحْفَظَ مِنْهُ، لِأَنَّ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ دِينَارٍ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبي صالح، عن أبي
هريرة مثل قول الدَّرَاوَرْدِيِّ: عَنْ مُوسَى".
قلت:
مال
الدارقطني إلى ترجيح رواية الدراوردي على رواية ابن جريج لحديث عبدالرحمن بن
عبدالله بن دينار عن عبدالله بن دينار.
وقد
تُوبع عبدالله بن دينار عليه، تابعه سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، وهو
مشهور من حديث سهيل.
·
حديث سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة:
أخرجه
مسلم في «صحيحه» (4/2030) (2637) من طريق جَرِير، وعَبْدالعَزِيزِ
الدَّرَاوَرْدِيّ، والعَلَاءِ بنِ المُسَيِّبِ، ومَالِك بن أَنَسٍ، كُلُّهُمْ عَنْ
سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، به، بنحوه.
ثم
ساقه من طريق عَبْدالعَزِيزِ بن عَبْدِاللهِ بنِ أَبِي سَلَمَةَ المَاجِشُونُ،
عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: كُنَّا بِعَرَفَةَ، فَمَرَّ عُمَرُ بنُ
عَبْدِالعَزِيزِ وَهُوَ عَلَى المَوْسِمِ، فَقَامَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ،
فَقُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ إِنِّي أَرَى اللهَ يُحِبُّ عُمَرَ بنَ عَبْدِالْعَزِيزِ،
قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: لِمَا لَهُ مِنَ الْحُبِّ فِي قُلُوبِ النَّاسِ،
فَقَالَ: بِأَبِيكَ أَنْتَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ،
عَنْ سُهَيْلٍ.
·
من طرق معرفة صحيح حديث من
تُكلِّم فيه، وضبطه لبعض حديثه:
قلت:
سهيل
بن أبي صالح صدوق وقد تكلموا في حفظه، والراجح أنه لا يحتج بما انفرد به إلا بقرينة؛
لأنه نسي بعض حديثه واضطرب فيه لما مات أخ له فحزن عليه حزناً شديداً.
وهذا
من صحيح حديثه؛ لأنه ذكر فيه قصة مما يدل على ضبطه له، وكذا حديثه الذي أخرجه له
مسلم عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَبْتَدِئُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى
بِالسَّلَامِ، وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى
أَضْيَقِهَا»، فإن بعض المعاصرين ضعفه به ولم يلتفت إلى ضبطه له؛ لأنه جاء في طريق
أنه حدّث به في الشام لما رأى بعض الناس يسلمون على النصارى هناك.
فالحديث
مشهور من حديث سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، ورواه عنه جماعة كبيرة من
أهل العلم، منهم: عَبْدُالعَزِيزِ بن عَبْدِاللهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الماجشون، وعَبْدالعزيز
بن مُحَمَّد الدَّراوَرْدِيّ، ووُهَيْبُ بنُ خَالِدٍ، ومَعْمَر بن راشد، وأَبُو
عَوَانَةَ الوضاح اليشكريّ، ومَالِك بن أنس، والعَلَاء بن المُسَيِّبِ، ويعقوب بن
عبدالرحمن الإسكندرانيّ.
·
وهم رَوح بن القاسم في هذا
الحديث!! وتصحيح ابن حبان لروايته!!
أخرج
ابن حبان في «صحيحه» (2/85) (364)، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بْنِ المُثَنَّى
قَالَ: حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بنُ الْقَاسِمِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي
صَالِحٍ، عَنِ القَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عن أبي
هريرة، به.
ثم
ساقه من طريق مَالِكٍ، عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ.
ثم
قال: "سَمِعَ هَذَا الخَبَرَ سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ، وَسَمِعَ عَنِ القَعْقَاعِ
بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ".
ووافقه
على ذلك محقق الكتاب شعيب الأرنؤوط! فقال: "إسناده صحيح على شرط مسلم، سهيل
بن أبي صالح روى له البخاري مقروناً وتعليقاً، واحتج به مسلم، والقعقاع بن حكيم
ثقة من رجال مسلم، وباقي السند على شرطهما"!!
قلت:
وهم
فيه رَوح بن القاسم فزاد في إسناده «القعقاع بن حكيم»! وكل الرواة عن سهيل لا
يذكرونه!!
قال
الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (9/404) بعد أن ساق الحديث من عدّة طرق عن سهيل بن
أبي صالح عن أبيه: "وكُلُّ هَذِهِ الْآثَارِ، فَمَرْوِيَّةٌ عَنْ سُهَيْلٍ،
عَنْ أَبِيهِ. وَقَدْ خَالَفَ رُوَاتَهَا رَوْحٌ فِيهَا، فَأَدْخَلَ بَيْنَ سُهَيْلٍ،
وَبَيْنَ أَبِيهِ فِيهَا: القَعْقَاعَ بْنَ حَكِيمٍ. كَمَا حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ
قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ
الْقَاسِمِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِثْلَهُ".
قال:
"قَالَ لَنَا ابنُ أَبِي دَاوُدَ: هَكَذَا يَقُولُ رَوْحٌ، عَنْ سُهَيْلٍ،
عَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَلَيْسَ يَقُولُ هَذَا غَيْرُهُ".
قلت:
الحديث وهم فيه روح، وأخطأ ابن حبان في تصحيحه!! ودعواه بأن سهيلاً سمعه من
القعقاع لا دليل عليها!!
وحديث
روح خرّجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (3/160) (2800) عن إِبْرَاهِيم بن هاشمٍ،
عن أُمَيَّة بن بِسْطَامٍ، عن يَزِيد بن زُرَيْعٍ، عن رَوْح بْن القَاسِمِ، عَنْ
سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وهو
إنما يُخرّج في «الأوسط» الأحاديث التي فيها أوهام والمناكير!
·
كلام الدارقطني على الاختلاف في
طرق الحديث، وترجيحه!
وقد
سُئِلَ الدارقطني في «العلل» (8/211) (1523) عَنْ حَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ
إِذَا أَحَبَّ فُلَانًا، قَالَ: يَا جِبْرِيلُ، إِنِّي أَحْبَبْتُ فُلَانًا،
فَأَحِبَّهُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ
أَحَبَّ فُلَانًا، ثُمَّ يُنْزِلُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ»؟
فقال:
"يَرْوِيهِ
سُهَيْلُ بنُ أَبِي صَالِحٍ، وَقَدِ اخْتُلِفَ عَنْهُ:
فَرَوَاهُ
عَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ.
وَاخْتُلِفَ
عَنْهُ:
فَرَوَاهُ
عُبَيْدُاللَّهِ بنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ
سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا.
وَرَفَعَهُ
يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ،
وَرَفْعُهُ صَحِيحٌ.
وَكَذَلِكَ
رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، وَمَالِكٌ،
وَعَبْدُالعَزِيزِ بْنُ المَاجِشُونِ، وَالعَلَاءُ بنُ الْمُسَيَّبِ، وَيَعْقُوبُ
الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَخَالَفَهُمْ
رَوْحُ بنُ الْقَاسِمِ رَوَاهُ، عَنْ سُهَيْلٍ، عن القعقاع، عن أبي صالح، عن أبي
هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وَلَمْ
يُتَابِعْ رَوْحٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ.
وَرَوَى
هَذَا الحَدِيثَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:
فَرَوَاهُ
الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ،
عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَخَالَفَهُ
ابْنُ جُرَيْجٍ فَرَوَاهُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ أَبِي
هُرَيْرَةَ، والقَلْبُ إِلَى رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ أَمْيَلُ، وَإِنْ كَانَ
ابْنُ جُرَيْجٍ أَحْفَظَ مِنْهُ، لِأَنَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ دِينَارٍ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبي صالح، عن أبي
هريرة مثل قول الدَّرَاوَرْدِيِّ: عَنْ مُوسَى" انتهى.
قلت:
رجّح
الدارقطني رواية الدراوردي على ابن جريج - وإن كان ابن جريج أحفظ - بقرينة رواية
عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار، عن أبيه، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وكذلك ثبوت
الحديث من رواية سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، ولا يُعرف هذا الحديث
عن نافع عن أبي هريرة!
وقد
تفرد به أبو صالح ذكوان السمان عن أبي هريرة، ورواه عنه: ابنه سهيل، وعبدالله بن
دينار. وأبو صالح من ثقات أصحاب أبي هريرة.
·
الحديث الثامن: حديث تفرد به
عبدالرحمن عن أبيه! ولم يُتابع عليه!
أخرج
البخاري في «صحيحه»، كِتَابُ أَحَادِيثِ الأَنْبِيَاءِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} [يوسف:
7]، (4/151) (3390) عن عَبْدَة بن عبدالله الصفّار، وإِسْحَاق بن مَنْصُورٍ الكوسج
المروزِي.
وفي
كتاب التفسير، بَابُ قَوْلِهِ: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ
يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْحَاقَ}، (6/76) (4688) عن عَبْداللَّهِ بن مُحَمَّدٍ.
ثلاثتهم
عن عَبْدالصَّمَدِ بن عبدالوارث، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِاللَّهِ بنِ
دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا -، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الكَرِيمُ
ابنُ الكَرِيمِ، ابنِ الكَرِيمِ، ابنِ الكَرِيمِ: يُوسُفُ بنُ يَعْقُوبَ بنِ
إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيمَ».
وعلّقه في كتاب المناقب، بَابُ مَنِ
انْتَسَبَ إِلَى آبَائِهِ فِي الإِسْلاَمِ وَالجَاهِلِيَّةِ، (4/184):
وقَالَ
ابنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنَّ الكَرِيمَ، ابْنَ الكَرِيمِ، ابْنِ الكَرِيمِ، ابْنِ الكَرِيمِ
يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ».
وأخرجه
أحمد في «مسنده» (9/523) (5712) عن عَبْدالصَّمَدِ، به.
وأخرجه
البزار في «مسنده» (12/300) (6137) عن عَبدة بن عَبداللَّهِ، عن عَبدالصَّمَدِ.
وقال
البزار: "هذا الْحَدِيثُ لاَ نعلمُهُ يُرْوَى عَن ابْنِ عُمَر إلاَّ مِن
هَذَا الوَجْهِ، ولاَ نَعلم رَوَاهُ عَن عَبداللَّهِ بنِ دِينَارٍ إلاَّ ابْنُهُ
عَبدالرَّحْمَنِ، وَعَبْدُالرَّحْمَنِ لَيِّنُ الحَدِيثِ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ
جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاحْتَمَلُوا حَدِيثَهُ".
وقال
الدارقطني في «الغرائب والأفراد» [كما في الأطراف (3/393) (3029)]: "تفرد
بِهِ عبدالرَّحْمَن بن عبدالله بن دِينَار عَن أَبِيه عَن ابْن عمر".
وقال
ابن عدي في «الكامل» (5/487): "وهذا حديث لا أعرف يرويه عَنْ عَبداللَّهِ بنِ
دِينَارٍ غير ابنه عَبدالرحمن، وعن عَبدالرحمن غير عَبدالصمد".
قلت:
هو كما قال هؤلاء الأئمة: لم يروه عن عبدالله بن دينار إلا ابنه عبدالرحمن، ولا
يُعرف من حديث ابن عمر!!!
ولا
يُحتج بما انفرد به عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار.
وله
طريق أخرى مشهورة: عن مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو بن علقمة، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ.
وقد
علّق هذه الرواية البخاري كما سبق.
·
تخريج رواية مُحَمَّدِ بنِ
عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أخرجه
أحمد في «مسنده» (14/121) (8391) عن مُحَمَّد بن بِشْرٍ العبدي.
و
(15/223) (9380) عن عَفَّان، عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ.
والبخاري
في «الأدب المفرد» (ص: 212) (605) عن مُحَمَّد بن سَلَّامٍ، عن عَبْدَة بن
سليمان.
والترمذي
في «جامعه» (5/144) (3116) عن الحُسَيْن بن حُرَيْثٍ الخُزَاعِيّ، عن الفَضْل
بن مُوسَى السيناني.
وعن
أَبي كُرَيْبٍ، عن عَبْدَة، وعَبْدالرَّحِيمِ بن سليمان.
والبزار
في «مسنده» (14/306) (7934) عن مُحَمد بن بَشَّار، عن عَبدالوهاب بن عطاء.
والنسائي
في «السنن الكبرى» (10/134) (11190) عن يُوسُف بن عِيسَى، عن الفَضْل.
وأبو
يعلى الموصلي في «مسنده» (10/338) (5932) عن هُدْبَة بن خَالِدٍ، عن حَمَّاد بن
سَلَمَةَ.
وابن
حبان في «صحيحه» (13/92) (5776) عن أَحْمَد بن عَلِيِّ بنِ المُثَنَّى، عن أَبي
نَصْرٍ التَّمَّار، عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ.
والطحاوي
في «شرح مشكل الآثار» (5/296) (2052) عن الرَّبِيع بن سُلَيْمَانَ المُرَادِيّ، عن
عَبْداللهِ بن وَهْبٍ، عن سُلَيْمَان بن بِلَالٍ.
وعن
أَحْمَد بن أَبِي عِمْرَانَ، عن أَبي نَصْرٍ التَّمَّار، وعَاصِم بن عَلِيٍّ، عن
حَمَّاد بن سَلَمَةَ.
والحاكم
في «المستدرك» (2/377) (3325) عن أَبي بَكْرٍ أَحْمَد بْن سَلْمَانَ الفَقِيه، عن الحَسَن
بْن مُكْرَمٍ، عن يَزِيد بن هَارُونَ.
و(2/623)
(4083) عن مُكْرَم بن إِسْحَاقَ القَاضِي، عن أَحْمَد بن مُلَاعِبِ بنِ حَيَّانَ،
عن سَعِيد بن عَامِرٍ الضبعي.
وتمام
في «فوائده» (1/227) (547) من طريق الحَوْطِيّ عَبْدالوَهَّابِ بن نَجْدَةَ، عن مُحَمَّد
بن خَالِدٍ الوَهْبِيَّ.
كلهم
عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الكَرِيمَ ابنَ
الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ يُوسُفُ بنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ
بْنِ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ: وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ
ثُمَّ جَاءَنِي الرَّسُولُ أَجَبْتُ ثُمَّ قَرَأَ {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ
قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي
قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ}. قَالَ: وَرَحْمَةُ اللهِ عَلَى لُوطٍ إِنْ كَانَ
لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، إِذْ قَالَ: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ
قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} فَمَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ
نَبِيًّا إِلاَّ فِي ذِرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ».
قال
الترمذي: "وهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ".
وقال
الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ
بِهَذِهِ السِّيَاقَةِ. إِنَّمَا اتَّفَقَا عَلَى حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
سَعِيدٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ
مَا لَبِثَ يُوسُفُ» فَقَطْ".
قلت:
تفرد به محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني! وهو صدوق سيء الحفظ، ويضطرب
في حديثه، ولا يحتج بما انفرد به! وخاصة حديثه عن أبي سلمة!
قال
المروذي: وسَأَلته - أي: أحمد - عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ؟
فَقَالَ لِي: "رُبَّمَا رَفَعَ بَعْضَ الحَدِيثِ، وَرُبَّمَا قَصَّرَ بِهِ،
وَهُوَ يُحْتَمَلُ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيدٍ أَثْبَتُ حَدِيثًا مِنْهُ".
وقال
عبدالله بن أحمد: سمعت يحيى بن معين يقول: "سهيل، والعلاء بن عبدالرحمن، وابن
عقيل - ليس حديثهم بحجة".
وقَال
أَبُو بكر بن أَبي خيثمة: سئل يَحْيَى بن مَعِين عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرو؟،
فقال: "ما زال الناس يتقون حديثه. قيل له، وما علة ذلك؟ قال: كان يحدث مرة
عَن أبي سلمة بالشئ من رأيه ثم يحدث بِهِ مرة أخرى عَن أبي سلمة عَن أبي هُرَيْرة".
وَقَال
إبراهيم بن يعقوب السعدي الجوزجاني: "ليس بقوي الحديث ويشتهى حديثه".
وقَال
أَبُو حاتم: "صَالِح الحديث، يكتب حديثه، وهو شيخ".
وَقَال
النَّسَائي: "ليس به بأس".
وقال
في موضع آخر: "ثقة".
وقال
ابن عدي: "لهُ حديث صالح، وقد حدّث عنه جماعة من الثقات كل واحد منهم ينفرد
عَنْهُ بنسخة، ويُغرب بعضهم على بعض، ويروي عَنْهُ مالك غير حديث في الموطأ، وأرجو
أنه لا بأس به".
وذكره
ابنُ حِبَّان فِي كتاب الثقات، وقال: "كان يخطئ".
ويُلاحظ
أنّ محمد بن عمرو قد جمع في حديثه عدّة أحاديث تتعلق بنبيّ الله يوسف ولوط! منها
ما هو محفوظ من حديث أبي هريرة، ومنها غير محفوظ!
-
أما قوله عن يوسف عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ الكَرِيمَ ابنَ الكَرِيمِ ابنِ
الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ يُوسُفُ بنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ».
فهذا
القول لا يُعرف إلا من حديث عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار، عن أبيه، عن ابن عمر!
ولا
يُعرف عن ابن عمر إلا من هذا الطريق!!! فلا يُعرف عن سالم بن عبدالله بن عمر، ولا
نافع مولاه! ولا غيرهم من أصحاب ابن عمر! ولم يروه عن عبدالله بن دينار إلا ابنه
عبدالرحمن!! ولا يحتج بما انفرد به!!!
وهذا
القول أيضاً لا يُعرف من حديث أبي هريرة إلا من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة!!
ولا يُحتج به!
-
وأما قوله عن يوسف عليه الصلاة والسلام: «ولو لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ
يُوسُفُ ثُمَّ جَاءَنِي الرَّسُولُ أَجَبْتُ ثُمَّ قَرَأَ {فَلَمَّا جَاءَهُ
الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ
اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ}».
وقوله
عن لوط عليه الصلاة والسلام: «وَرَحْمَةُ اللهِ عَلَى لُوطٍ إِنْ كَانَ لَيَأْوِي
إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، إِذْ قَالَ: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ
آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} فَمَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ نَبِيًّا إِلاَّ
فِي ذِرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ».
فهذا
محفوظ من حديث أبي هريرة من رواية أبي سلمة وغيره لكن دون ذكر الآيات التي ذكرها
محمد بن عمرو في حديثه!!! وتفرد بقوله: «فَمَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ
بَعْدِهِ نَبِيًّا إِلاَّ فِي ذِرْوَةٍ - أو: ثَرْوَةٍ - مِنْ قَوْمِهِ» ولم
يخرجها الشيخان.
فقد
روى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث ابنِ شِهَابٍ الزهريّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ
عَبْدِالرَّحْمَنِ، وسَعِيدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «وَيَرْحَمُ اللهُ لُوطًا لَقَدْ
كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ لَبْثِ
يُوسُفَ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ».
فهذا
هو الحديث الصحيح عن أبي هريرة كما رواه عنه أصحابه.
وقد
أتبع البخاري بعد الباب الذي ذكر فيه حديث عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار، عن
أبيه، عن ابن عمر، مرفوعاً: «الكَرِيمُ ابْنُ الكَرِيمِ ابْنِ الكَرِيمِ ابْنِ
الكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ»، أتبعه بباب قَوْلِهِ:
{لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} [يوسف: 7]، (6/76)
(4689) وقال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ،
عَنْ سَعِيدِ بنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ النَّاسِ
أَكْرَمُ؟ قَالَ: «أَكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ» قَالُوا: لَيْسَ عَنْ
هَذَا نَسْأَلُكَ قَالَ: «فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ
ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ»،
قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ، قَالَ: «فَعَنْ مَعَادِنِ العَرَبِ
تَسْأَلُونِي» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «فَخِيَارُكُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ
خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا».
ورواه
في عدة مواضع من صحيحه، في بَاب {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ
المَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ} [البقرة: 133] الآيَةَ، (4/147) (3374) عن إِسْحَاق
بن إِبْرَاهِيمَ، عن المُعْتَمِرَ بن سليمان.
وفي
بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ
لِلسَّائِلِينَ} [يوسف: 7]، (4/149) (3383) عن عُبَيْد بن إِسْمَاعِيلَ، عَنْ
أَبِي أُسَامَةَ حماد بن أسامة. وعن مُحَمَّد بن سَلاَمٍ، عن عَبْدَة بن سليمان.
كلهم
(عبدة، والمعتمر، وأبو أسامة) عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بن عُمر المدني، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، به.
قلت:
فلعل هذا الحديث هو أصل حديث محمد بن عمرو لما فيه من ذكر: «فَأَكْرَمُ
النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ،
ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ»! والله أعلم.
·
الحديث التاسع: حديث قد تُوبع
عليه!
أخرج
البخاري في «صحيحه»، كتاب التعبير، بَابُ مَنْ كَذَبَ فِي حُلُمِهِ، (9/43) (7043)
قال:
حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالصَّمَدِ، قال: حَدَّثَنَا
عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ مَوْلَى ابنِ عُمَرَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَفْرَى الفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ
تَرَ».
أخرجه
أبو الحسين المبارك الطيوري في «الطيوريات - بانتخاب السِّلفي-» (2/400) (349) الحُسين
بن محمد ابن سَعِيدٍ المطبَّقيّ، عن عَلِيّ بن مُسْلِمٍ الطُّوْسيّ، به. وعنده: «مَا
لَمْ تَرَيَا».
وأخرجه
أحمد في «مسنده» (9/522) (5711) عن عَبْدالصَّمَدِ بن عبدالوارث، به، بلفظ: «إِنَّ مِنْ أَفْرَى الفِرَى أَنْ يُرِيَ
عَيْنَيْهِ فِي المَنَامِ مَا لَمْ تَرَيَا».
قال
الدارقطني في «الغرائب والأفراد» [كما في الأطراف: (3/395) (3034)]: "تفرد
بِهِ عبدالرَّحْمَن بن عبدالله بن دِينَار عَن أَبِيه، وَهُوَ صَحِيح عَنهُ، أخرجه
البُخَارِيّ من رِوَايَة عبدالصَّمد بن عبدالوَارِث عَنهُ".
قلت:
قد
تابعه عليه: أبو عثمان، ويزيد بن الهاد (!)، ومُوسَى بنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ.
أما
حديث أبي عثمان:
فأخرجه
أحمد في «مسنده» (10/202) (5998) قال: حَدَّثَنَا هَارُونُ بنُ مَعْرُوفٍ، قال: حَدَّثَنَا
عَبْدُاللهِ بنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ حَيْوَةُ: أَخْبَرَنِي أَبُو عُثْمَانَ:
أَنَّ عَبْدَاللهِ بنَ دِينَارٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عُمَرَ، أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَفْرَى الفِرَى مَنِ
ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَأَفْرَى الفِرَى مَنْ أَرَى عَيْنَيْهِ فِي
النَّوْمِ مَا لَمْ تَرَى، وَمَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الْأَرْضِ».
قلت:
هذا
إسناد صحيح، وأبو عثمان، هو: الوَلِيدُ بنُ أَبِي الوَلِيدِ المدني، ثم المصري،
التابعي الثقة.
قال
ابن حجر في «الفتح» (12/430): "وقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ
طَرِيقِ عَبْدِالوَارِثِ بنِ عَبْدِالصَّمَدِ بنِ عَبْدِالوَارِثِ [عن عبدالرحمن
بن عبدالله بن دينار] عَنْ أَبِيهِ. وعَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ
دِينَارٍ مُخْتَلف فِيهِ! قَالَ ابن المَدِينِيِّ: صَدُوقٌ. وقَالَ يَحْيَى بنُ
مَعِينٍ: فِي حَدِيثِهِ عِنْدِي ضَعْفٌ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: خَالَفَ فِيهِ
البُخَارِيُّ النَّاسَ وَلَيْسَ بِمَتْرُوكٍ. قُلْتُ: عُمْدَةُ البُخَارِيِّ فِيهِ
كَلَام شَيْخه عَليّ، وَأما قَول ابن مَعِينٍ فَلَمْ يُفَسِّرْهُ، وَلَعَلَّهُ
عَنَى حَدِيثًا مُعَيَّنًا! وَمَعَ ذَلِكَ فَمَا أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ
شَيْئًا إِلَّا وَلَهُ فِيهِ مُتَابِعٌ أَوْ شَاهِدٌ، فَأَمَّا المُتَابِعُ:
فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ حَيْوَةَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الوَلِيدِ بنِ
أَبِي الوَلِيدِ المَدَنِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، بِهِ. وَأَتَمَّ
مِنْهُ، وَلَفْظُهُ: «أَفْرَى الفِرَى مَنِ ادُّعِيَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ،
وَأَفْرَى الْفِرَى مَنْ أَرَى عَيْنَهُ مَا لَمْ يَرَ وَذَكَرَ ثَالِثَةً»، وَسَنَدُهُ
صَحِيحٌ. وَأَمَّا شَاهِدُهُ فَمَضَى فِي مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ مِنْ حَدِيث
وائلة بنِ الْأَسْقَعِ بِلَفْظِ: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَى أَنْ يُدْعَى
الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ يُرِي عَيْنَهُ مَا لَمْ يَرَ»".
قلت:
سبق التعليق على كلام ابن حجر في الاختلاف في عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار!
وكلام يحيى عام، ولا يقصد فيه حديثاً بعينه!!
والبخاري
خرّج له بعض الأحاديث التي لم يتابع عليها، بل ولا شاهد لها!! وإطلاقه هذا الكلام
فيه نظر!!! وسيأتي الكلام على هذا الشاهد - إن شاء الله.
·
وهم للهيثمي! وتعقّب ابن حجر له!
وقد
أورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/176) (6893)، وقال: "قُلْتُ: فِي
الصَّحِيحِ مِنْهُ: «مَنْ أَرَى عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ،
وَفِيهِ أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، وَلَمْ أَجِدْ مَنْ تَرْجَمَهُ،
وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ".
ثم
أورده في موضع آخر (7/174) (11729)، وقال: "رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِيهِ أَبُو
عُثْمَانَ العَبَّاسُ بنُ الْفَضْلِ البَصْرِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ".
وقد
وهم الهيثمي في قوله هذا! وتعقّبه ابن حجر في «تعجيل المنفعة» (2/505)، فقال:
"قلت: لم يذكرهُ الحُسَيْنِي فأجاد، وَهُوَ مَعْرُوف الِاسْم وَالحَال،
وَوَقع مُسَمّى فِي نفس المسند: قَالَ أَحْمد: حَدثنَا أَبُو عبدالرَّحْمَن - هُوَ
الْمُقْرِئ- قَالَ: حدثَنَا حَيْوَة - هُوَ: ابن شُرَيْح-: حدثَنَا أَبُو عُثْمَان
الوَلِيد، عَن عبدالله بن دِينَار فَذكر حَدِيث ابن عمر فِي «أبر البر»، فالوليد
هُوَ: ابن أبي الوَلِيد المدنِي، وَاسم أبي الوَلِيد عُثْمَان المدنِي، وَقد
اخْرُج مُسلم الحَدِيث المَذْكُور من طَرِيق سعيد بن أبي أَيُّوب، عَن الوَلِيد بن
أبي الوَلِيد بِهِ، وَفِيه قصَّة لِابْنِ عمر، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا من
طَرِيق ابن المُبَارك عَن حَيْوَة بن شُرَيْح كَذَلِك. وَقد وهم شَيخنَا الهيثمي
فِي أبي عُثْمَان هَذَا! فَقَالَ فِي «مجمع الزَّوَائِد» بعد أَن أخْرُج حَدِيث ابن
عمر رَفعه: «أفرى الفرى»: رَوَاهُ أَحْمد، وَفِيه أَبُو عُثْمَان العَبَّاس بن الفضل
الْأنْصَارِيّ وَهُوَ مَتْرُوك انْتهى. وَلم يَأْتِ على هَذِه الدَّعْوَى بِدَلِيل،
فَإِن حَيْوَة أكبر من العَبَّاس، وَالعَبَّاس وَإِن كَانَ يكنى أَبَا عُثْمَان
لكنه لم يسمع من عبدالله بن دِينَار وَلَا أدْركهُ! وَالعجب من إغفاله من نفس المسند
تَسْمِيَة أبي عُثْمَان بالوليد، وَمن جزمه بِأَنَّهُ الْعَبَّاس! وَلَكِن عذره
أَن تَسْمِيَته إِنَّمَا وَقعت فِي الحَدِيث الآخر الَّذِي أخرجه مُسلم لَا فِي
هَذَا الحَدِيث، فَكَأَنَّهُ جوّز أَنه غَيره".
·
بين الإمامين البخاري وأبي حاتم
في أبي عثمان!
أبو
عُثْمَان، هو: الوَلِيد بن أَبي الوَلِيد، واسمه عُثْمَان القرشي، المدني، مولى
عَبداللَّهِ بن عُمَر بن الخطاب.
وقيل:
مولى عثمان بن عفان.
وعلى
هذا جرى المزي في ترجمته، فجعلهما واحداً، وتبع فيه أبا حاتم الرازي! وفرق بينهما
الإمام البخاري.
قال
البخاري في «التاريخ الكبير» (8/156) (2545): "الوليد بن أَبِي الوليد مولى
آل عثمان بن عفان، الأموي الْقُرَشِيّ".
ثم
ذكر بعده (2546): "الوليد بن الوليد أَبُو عثمان الْمَدَنِيّ القُرَشِيّ مولى
عَبْداللَّه بن عُمَر القُرَشِيّ: سَمِعَ عَبْداللَّه بن عُمَر. قَالَ لَنَا
عَبْدُاللَّهِ بنُ يُوسُفَ: حدثنا الليث، قَالَ: حدثنا الوليد بن أَبِي الوليد
أَبُو عثمان، وكَانَ فاضلا من أهل المدينة".
قلت:
فجعل البخاري مولى عثمان غير مولى ابن عمر. وردّ ذلك أبو حاتم الرازي!
قال
ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/19): "الوليد بن أبي الوليد مولى
عبدالله بن عمر أبو عثمان المدني، ويُقال: مولى لآل عثمان بن عفان. روى عن ابن عمر،
وعثمان بن عبدالله بن سراقة، وعبد الله بن دينار، وعقبة بن مسلم. روى عنه: بكير بن
الأشج، وابن الهاد، والليث بن سعد، وحيوة بن شريح. سمعت أبي يقول ذلك".
قال:
"جعله البخاري اسمين، فسمعت أبي يقول: هو واحد".
قلت:
الأقرب للصواب ما ذكره البخاري من أنهما اثنان.
ويؤيده
ما ذكره ابن سعد في «الطبقات» (5/135) قال: "الوليد بن أبي الوليد مولى عثمان
بن عفان: سمع من عثمان بن عفان".
فالوليد
بن أبي الوليد الذي يروي عن عبدالله بن دينار لم يدرك عثمان بن عفان، وإنما رأى
ابن عمر رؤية، وقول البخاري أنه سمع منه فيه نظر!! فإنه يروي عن ابن عمر بواسطة
عبدالله بن دينار.
وهو
من طبقة ممن مات بين سنة (121 - 130هـ).
·
تعقّب ابن حبان!
وقد
ذكر ابن حبان في طبقة التابعين من «الثقات» (5/494) (5900): "الوَلِيد بن أبي
الوَلِيد أَبُو عُثْمَان المدنِي: يروي عَن عبدالله بن عَمْرو، وَقد رأى ابن عمر.
روى عَنهُ: اللَّيْث بن سعد. حَدثنَا ابن قُتَيْبَةَ قَالَ: حدثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
الْمُتَوَكِّلِ أَبِي السَّرِيِّ، قَالَ: حدثَنَا ابن وَهْبٍ، عَنْ حَيْوَةَ بنِ
شُرَيْحٍ، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ أَبِي الْوَلِيدِ، قَالَ: رَأَيْت ابن عُمَرَ
فَلَمْ أَرَ لِقَمِيصِهِ زِرًّا وَلَا عُرْوَة وَلَا لبنة".
وذكر
بعده (5901): "الوَلِيد شيخ يَرْوِي عَن عُثْمَان بْن عَفَّان، روى عَنهُ
بكير بن عبدالله بن الْأَشَج: لا أدري من هُوَ".
ثم
ذكر في طبقة أتباع التابعين (7/552): "الوَلِيد بن أبي الْوَلِيد أَبُو عُثْمَان
المدنِي: يروي عَن عبدالله بن دِينَار. روى عَنْهُ حَيْوَة بن شُرَيْح: رُبمَا
خَالف على قلَّة رِوَايَته".
قلت:
فرق ابن حبان بينهما كما فعل البخاري، وهو أقرب للصواب، لكنه وهم في ذكره أيضاً في
أتباع التابعين!! وإنما هو هو! لكن يستغرب من قوله: "ربما خالف"!!
فحديثه قليل كما ذكر ابن حبان نفسه، ولا يوجد له مخالفات!! فكان ينبغي عليه أن
يبيّن تلك المخالفات المدّعاة!!
·
تعقّب مغلطاي للمزي! والرد عليه!
قال
المزي في ترجمته من «تهذيب الكمال» (31/108): "وذكره ابنُ حِبَّان في كتاب
الثقات، وَقَال: ربما خالف على قلة روايته".
فتعقّبه
مغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (12/253) فقال: "وزعم المزي أن ابن حبان ذكره
في كتاب «الثقات»، وقال: ربما خالف على قلة روايته، وهو غير جيد؛ لأن ابن حبان ذكر
في طبقة التابعين: الوليد أبي الوليد، أبو عثمان المدني، مولى عبدالله بن عمر، يروي
عن ابن عمر، وقد رأى ابن عمرو، روى عنه: الليث بن سعد، وحيوة بن شريح.
وقال
في طبقة أتباع التابعين: الوليد بن أبي الوليد، أبو عثمان المدني، روى عن: عبد
الله بن دينار، ربما خالف على قلة روايته، انتهى، فهذا كما ترى، هما عنه شخصان
مختلفان في الطبقة والكلام، والله أعلم.
وفي
قول المزي: وقال بعضهم: الوليد بن الوليد، وهو وهم - نظر؛ لأن قائل ذلك يعقوب
الفارسي، وأبو الحسن الدارقطني، وابن شاهين لما ذكره في كتاب «الثقات»، وحكاه عن
ابن معين.
وزعم
أبو حاتم أن البخاري جعلهما اسمين، يعني: مولى ابن عمر، ومولى آل عثمان، قال: وهما
واحد.
وفي
قول المزي: مولى عثمان نظر، لما في كتاب البخاري وأبي حاتم وغيره: مولى آل عثمان
رضي الله عنه".
قلت:
تعقبه
على المزي فيما نقله عن ابن حبان فيه نظر!! فالذي ذكره ابن حبان في طبقة التابعين،
والذي ذكره في طبقة أتباع التابعين واحد لا اثنين! والذي وهم في ذلك ابن حبان بأن
جعلهما في طبقتين، وإنما هو من طبقة التابعين! ولو أنه رأى الذي ذكره ابن حبان
بعده في طبقة التابعين لعرف أن ابن حبان يفرق بينهما كما فعل البخاري، فذاك مولى
عثمان بن عفان.
فالاستدراك
متوجه لابن حبان لا للمزي. وتعقبه للمزي في قوله: "مولى عثمان نظر" فيه
نظر أيضاً، وفيه بعض الصواب!
فالمزي
كعادته قال بعد أن ذكر أنه مولى لعبدالله بن عمر، "وقيل: مولى عثمان"!
فهو لم يجزم بأنه مولى عثمان، وإن كان ذهب إلى مذهب أبي حاتم في الترجمة من أنهما
واحد.
وقوله:
"وزعم أبو حاتم أن البخاري جعلهما اسمين، يعني: مولى ابن عمر، ومولى آل
عثمان، قال: وهما واحد"! كأنه يرى أن البخاري لم يفعل ذلك!! فإن ظنّ ذلك فقد
أخطأ! لأن البخاري جعلهما اسمين كما سبق الكلام عليه.
وأما
تعقبه للمزي بقوله: "وفي قول المزي: وقال بعضهم: الوليد بن الوليد، وهو وهم -
نظر؛ لأن قائل ذلك يعقوب الفارسي، وأبو الحسن الدارقطني، وابن شاهين لما ذكره في
كتاب «الثقات»، وحكاه عن ابن معين"!! فهذا لا يلزم المزي بشيء لو ثبت أن من
ذكرهم سموه: «الوليد بن الوليد»!
فما
باله إذا وجدنا خلافه من أقوالهم!! وأنهم سموه على الصواب: «الوليد بن أبي الوليد».
قال
عباس الدوري كما في «تاريخ ابن معين - روايته» (4/434) (5158): سَمِعت يحيى يَقُول:
"الوَلِيد بن أبي الوَلِيد: ثِقَة، يرْوي عَنهُ أهل مصر".
وقال
يعقوب الفارسي في «المعرفة والتاريخ» (2/458): "حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي
مَرْيَمَ عَنْ يحيى بنِ أَيُّوبَ عَنِ الوَلِيدِ بْنِ أُبَيٍّ الوَلِيدُ مِصْرِيٌّ
ثِقَةٌ".
وقال
ابن شاهين في «تاريخ أسماء الثقات» (ص: 245) (1498): "والوليد بن أبي الْوَلِيد
ثِقَة يرْوي عَنهُ أهل مصر".
تنبيه:
وقع
في مطبوع كتاب مغلطاي فيما نقله عن ابن حبان: ".. يروي عن ابن عمر، وقد
رأى ابن عمرو..".
وهو
خطأ! والمطبوع مليء بالتصحيفات والتحريفات! والصواب: "يروي عن ابن عمرو - وهو
عبدالله بن عمرو بن العاص-، وقد رأى ابن عمر – وهو: عبدالله بن عمر بن الخطاب
-".
والوليد
بن أبي الوليد مدني، نزل مصر، ويروي عنه أهل مصر، وهو ثقة.
قال
أبو زُرْعَة: "ثقة".
وقَال
أَبُو عُبَيد الآجري: سألت أَبَا داود عنه؟ فقال فيه خيراً.
وقال
العجلي: "الوليد بن أبي الوليد: مصري، تابعي، ثقة".
·
تضعيف ابن حجر له دون دليل!!
قال
ابن حجر في «التقريب»: "الوليد بن أبي الوليد: عثمان، وقيل: ابن الوليد، مولى
عثمان، أو ابن عمر، المدني، أبو عثمان: لَيِّنُ الحديثِ، من الرابعة".
قلت:
كأنه اعتمد في تليينه على قول ابن حبان فيه: "ربما خالف"!! وهذا لا يصح!
ولم يبين ابن حبان أياً من مخالفاته على قلة حديثه! وهو ثقة، ولم يضعفه أحد.
وثقه
ابن معين، وأبو زرعة، والعجلي، ويغقوب الفسوي، وابن شاهين، وذكره أبو داود بخير، وذكره
ابن حبان في الثقات.
أما
حديث يَزِيدَ بنِ الهَادِ:
فأخرجه
البزار في «مسنده» (12/295) (6128) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مِسْكِينٍ، قال:
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ، قال: حَدَّثَنَا نَافِعُ بنُ يَزِيدَ -
هو: الكلاعي المصري-، قال: حَدَّثَنِي الوَلِيدُ بنُ أَبِي الوَلِيدِ، عَنْ
يَزِيدَ بنِ الهَادِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مِنْ أَفْرَى
الْفِرَى مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ وَالِدِهِ، وَمِنْ أَفْرَى الْفِرَى مَنْ
أَرَى عَيْنَيْهِ فِي الْمَنَامِ مَا لَمْ تَرَ، وَمِنْ أَفْرَى الْفِرَى مَنْ
قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ».
ذكره
الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/144) (630)، وقال: "قُلْتُ: فِي الصَّحِيحِ
طَرَفٌ مِنْ أَوَّلِهِ. رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ".
قلت:
نافع
بن يزيد يروي عن حيوة بن شريح، ويزيد بن عبدالله بن الهاد! وأستبعد روايته عن
الوليد بن أبي الوليد!
وهذا
الحديث يرويه الوليد بن أبي الوليد عن عبدالله بن دينار! وكأنه حصل في الإسناد
قلب! فيكون: "عن يزيد بن الهاد عن الوليد بن أبي الوليد".
ويُحتمل
أن يزيد بن الهاد رواه عن عبدالله بن دينار، لكن أستبعد أن يكون الوليد رواه عن
يزيد بن الهاد.
وقد
روى الوَلِيدِ بنِ أَبِي الوَلِيدِ، ويَزِيد بن عَبْدِاللهِ بنِ الهَادِ، عَنْ
عَبْدِاللهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَبَرُّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ وُدَّ
أَبِيهِ».
وقد
أخرجه مسلم، وغيره، وهو حديث صحيح.
أما
حديث مُوسَى بن عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيّ:
فأخرجه
الخرائطي في «مساوئ الأخلاق» (ص: 52) (82) قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ
هَانِئٍ النَّيْسَابُورِيُّ، قال: حدثنا عُبَيْدُاللَّهِ بنُ مُوسَى، قال: حدثنا
مُوسَى بنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابنِ
عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ
مِنْ أَفْرَى الْفِرَى أَنْ يَعْتَزِيَ الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ وَالِدَيْهِ».
وأخرجه
الطبراني في «طرق حديث من كذب علي متعمدا» (ص: 68) (53) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بنُ عَبْدِاللَّهِ الحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِاللَّهِ
بْنِ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيدة، عَنْ عَبْدِاللَّهِ
بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ أَفْرَى الْفِرَى أَنْ يُقَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ
أَقُلْ».
قلت:
الحديث
الذي خرجه البخاري: «أَفْرَى الفِرَى مَنْ أَرَى عَيْنَيْهِ فِي النَّوْمِ مَا
لَمْ تَرَى».
وزاد
أحمد في روايته: «أَفْرَى الفِرَى مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ».
وهذا
مثل حديث موسى بن عبيدة الأول، وأما اللفظ الثاني فلم يتابعه عليه أحد!
وموسى
بن عُبيدة الربذي المدني ضعيف جداً، وخاصة في روايته عن عبدالله بن عمر، وكأنه كان
يضطرب في حديثه هذا!
قَال
البُخارِيُّ: قال أَحْمَد: "موسى الربذي: منكر الحديث".
وقَال
أَبُو بَكْرِ الأثرم: قلتُ لأبي عَبد اللَّهِ: تعرف عن عثمان، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم «الحلال بيّن والحرام بيّن»؟ فَقَالَ: لا، من رَوَاهُ؟
فقلت: مُوسَى بن عُبَيدة، فقبض يده، ثم قال: مُوسَى يحتمل، وحمل عَلَيْهِ، وَقَال:
"ليس حديثه عندي بشيءٍ، حديثه عن عَبدالله بْن دينار كأنه ليس عَبداللَّهِ بن
دينار ذاك".
وقَال
أَبُو طالب: قال أَحْمَد بن حنبل: لما مر حديث مُوسَى بْن عُبَيدة عَنْ مُحَمَّد
بْنِ كعب، عَنِ ابْنِ عباس، قال: "هَذَا متاع مُوسَى بن عُبَيدة وضم فمه
وعوجه ونفض يده، وَقَال: كَانَ لا يحفظ الحديث".
وَقَال
صالح بْن أحمد بْنِ حنبل: قال أبي: "مُوسَى بن عُبَيدة لا يشتغل بِهِ، وذلك
أنه يروي عَنْ عَبداللَّهِ بن دينار شيئا لا يرويه".
وقَال
أَحْمَد بن أَبي يحيى: سمعت يحيى بْن مَعِين يقول: "مُوسَى بن عُبَيدة ليس
بالكذوب، ولكنه روى عن عَبداللَّهِ بن دينار أحاديث مناكير".
قال:
وسمعت أَحْمَد بْن حنبل يقول: "لا يكتب حديث مُوسَى بن عُبَيدة، ولم أخرج
عَنْهُ شيئا، وحديثه منكر".
وَقَال
عَباس الدُّورِيُّ، عَن يحيى بن مَعِين: "لا يحتج بحديثه".
وقَال
معاوية بن صالح الأشعري، وعثمان بن سَعِيد الدارمي، وأبُو بُكر بْنُ أَبي خيثمة،
وأَحمد بن سعد بن أَبي مريم، وأَبو الوليد بن أَبي الجارود المكي، عن يحيى بن
مَعِين: "موسى بن عُبَيدة: ضعيف".
زاد
ابن أَبي خيثمة عن يَحْيَى: قال: "وإنما ضعف حديثه؛ لأنه روى عن عَبداللَّهِ
بن دينار أحاديث مناكير".
وزاد
ابن أَبي مريم، وابن أَبي الجارود عن يَحْيَى: "إلا أنه يكتب من حديثه الرقاق".
وَقَال
أبو يَعْلَى الموصلي: سئل يَحْيَى بن مَعِين وأنا حاضر عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيدة
الربذي؟ فَقَالَ: "ليس بشيءٍ".
وَقَال
علي بن المديني: "مُوسَى بن عُبَيدة الربذي ضعيف يحدث بأحاديث مناكير".
وَقَال
أَبُو زُرْعَة: "ليس بقوي الحديث".
وَقَال
أبو حاتم: "منكر الحديث".
وَقَال
أَبُو عُبَيد الآجري: سمعت أبا داود يقول: "مُوسَى بن عُبَيدة، وعَبدالله بن
عُبَيدة، ومحمد بن عُبَيدة إخوة، مُوسَى حدث عن أخويه، وأحاديث مُوسَى مستوية إلا
أحاديثه عَنْ عَبْدِاللَّهِ بن دينار".
قال
أَبُو دَاوُدَ: وسمعت أَحْمَد غير مرة يقول: "مُوسَى بن عُبَيدة: ليس بشيءٍ".
وَقَال
التِّرْمِذِيّ: "يضعف".
وَقَال
النَّسَائي: "ضعيف". وَقَال في موضع آخر: "ليس بثقة".
وَقَال
مُحَمَّد بن سعد: "كان ثقة، كثير الحديث، وليس بحجة".
وَقَال
يَعْقُوب بْن شَيْبَة: "صدوق، ضعيف الحديث جدا، ومن الناس من لا يكتب حديثه
لوهائه، وضعفه، وكثرة اختلاطه، وكان من أهل الصدق".
وقَال
أَبُو أَحْمَد ابن عَدِيّ: "وهذه الأحاديث التي ذكرتها لموسى بن عُبَيدة
بأسانيد مختلفة مما ينفرد بها من يرويها عَنْهُ، وعامة متونها غير محفوظة، ولَهُ
غير ما ذكرت من الحديث، والضعف عَلَى رواياته بيِّن".
وقال
ابن حبان: "وكَانَ من خِيَار عباد الله نسكا وفضلا وَعبادَة وصلاحا إِلَّا
أَنه غفل عَن الإتقان فِي الحِفْظ حَتَّى يَأْتِي بالشَّيْء الَّذِي لَا أصل لَهُ
مُتَوَهمًا، ويروي عَن الثِّقَات مَا لَيْسَ من حَدِيث الْأَثْبَات من غير تعمد
لَهُ فَبَطل الِاحْتِجَاج بِهِ من جِهَة النَّقْل وَإِن كَانَ فَاضلا فِي نَفسه".
والحاصل
أنه روى جزءا صحيحا من هذا الحديث عن عبدالله بن عمر، وأخطأ في بعضه، ولا يحتج به
عموماً.
والعمدة
على متابعة الوليد بن أبي الوليد لعبدالرحمن بن عبدالله بن دينار في رواية الحديث
عن عبدالله بن دينار عن ابن عمر.
·
شاهد وَاثِلَة بنِ الْأَسْقَعِ:
رواه
البخاري في «صحيحه» (4/180) (3509)، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، قال: حَدَّثَنَا
حَرِيزٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُالوَاحِدِ بنُ عَبْدِاللَّهِ النَّصْرِيُّ،
قَالَ: سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الفِرَى أَنْ يَدَّعِيَ
الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ يُرِيَ عَيْنَهُ مَا لَمْ تَرَ، أَوْ
يَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ».
ورواه
أحمد في «مسنده» (28/187) (16980)، والطبراني أيضاً (178) من طريق حَرِيز بْن
عُثْمَانَ، به.
ورواه
الشافعي في «مسنده» (ص: 239)، وأحمد في «مسنده» (28/190) (16983)، والخرائطي في «مساوئ
الأخلاق» (ص: 54) (86) من طريق مُحَمَّدِ بنِ عَجْلَانَ.
والطبراني
في «المعجم الكبير» (22/70) (171) و(176) من طريق عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ حَبِيبِ
بْنِ أَدْرَكَ.
و(172)
من طريق هِشَامِ بنِ سَعْدٍ.
و(177)
من طريق أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ.
كلهم
عَنْ عَبْدِالوَهَّابِ بنِ بُخْتٍ المَكِّيِّ.
والطبراني
(180) من طريق سُلَيْمَانَ بْنِ حَبِيبٍ الْمُحَارِبِيِّ.
ثلاثتهم
(عبدالوهاب، وحريز، وسليمان) عَنْ عَبْدِالوَاحِدِ بنِ عَبْدِاللهِ
النَّصْرِيّ، عن وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ، به.
ورواه
أحمد في «مسنده» (25/390) (16008) عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن مَهْدِيٍّ.
ومن
طريق أحمد رواه الحاكم في «المستدرك» (4/440) (8204).
ورواه
أحمد أيضاً (25/397) (16015) عن زَيْد بن الحُبَابِ.
وابن
حبان في «صحيحه» (1/215) (32) من طريق ابن وَهْبٍ.
والطبراني
في «المعجم الكبير» (22/68) (164) من طريق أَسَد بن مُوسَى.
أربعتهم
عن مُعَاوِيَة بن صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بنِ يَزِيدَ الدمشقي، عَنْ
وَاثِلَةَ بنِ الْأَسْقَعِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الفِرْيَةِ ثَلَاثًا: أَنْ
يَفْرِيَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ يَقُولُ رَأَيْتُ وَلَمْ يَرَ شَيْئًا فِي
الْمَنَامِ، أَوْ يَتَقَوَّلَ الرَّجُلُ عَلَى وَالِدَيْهِ فَيُدْعَى إِلَى غَيْرِ
أَبِيهِ، أَوْ يَقُولَ سَمِعَ مِنِّي وَلَمْ يَسْمَعْ مِنِّي».
قال
الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ
يُخْرِجَاهُ".
ورواه
الطبراني في «المعجم الكبير» (22/93) (224)، وفي «المعجم الكبير» (6/191) (6159) قال:
حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ مُحَمَّدُ بْنُ حَنِيفَةَ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حدثنا
عَمِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَاهَانَ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ، قال: حدثنا
أَبِي، قال: حدثنا طَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِالْأَعْلَى بْنِ هِلَالٍ الْحِمْصِيِّ، عَنْ
وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، بنحوه.
قال
الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ الزُهْرِيِّ إِلَّا يُونُسَ،
وَلَا عَنْ يُونُسَ إِلَّا طَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ، تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ
مَاهَانَ".
·
الحديث العاشر: تفرد عبدالرحمن
بلفظة فيه، ولم يتابع عليها!
أخرج
البخاري في «صحيحه»، كتاب الجهاد، بَابُ فَضْلِ رِبَاطِ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ، (4/35) (2892)، قال:
حَدَّثَنَا
عَبْدُاللَّهِ بنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ، قال: حَدَّثَنَا
عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ
سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ
الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا
العَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ الغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا».
أخرجه
أحمد في «مسنده» (37/513) (22872) عن هَاشِم بن القَاسِمِ أبي النضر، به.
والترمذي
في «جامعه» (3/240) (1664) عن أَبي بَكْرِ بن أَبِي النَّضْرِ، عن أَبي النَّضْرِ
البَغْدَادِيّ، به.
قال
الترمذي: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".
قلت:
تفرد
عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار بلفظة: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا»!!
ولم
يروها سواه عن أبي حازم، وغيره يروي الحديث عن أبي حازم بلفظ: «لَغَدْوَةٌ فِي
سَبِيلِ اللهِ - أَوْ رَوْحَةٌ - خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا،
وَلَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا
فِيهَا».
قَالَ
الدَّارَقُطْنِيّ في «الإلزامات والتتبع» (ص: 201) (71): "وَأخرج البُخَارِيّ
حَدِيثِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ
سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا
وَمَا فِيهَا»، وَلم يقل هَذَا غير عبدالرَّحْمَن! وَغَيره أثبت مِنْهُ، وَبَاقِي
الحَدِيث صَحِيح".
قال
ابن حجر في «هدي الساري» (ص362): "قلت: عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ
بْنِ دِينَارٍ.. قد تفرد بِهَذِهِ الزِّيَادَة".
والحديث
رواه الحميدي في «مسنده» (2/172) (959)، وأحمد في «مسنده» (24/336) (15564)،
والبخاري في «صحيحه» (4/119) (3250) عن عَلِيّ بن المديني.
ثلاثتهم
(الحميدي، وأحمد، وابن المديني) عن سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ.
ورواه
أحمد أيضًا (15569) عن يُونُس بن مُحَمَّدٍ، عن العَطَّاف بن خَالِدٍ.
و(15570)
عن حُسَيْن بن مُحَمَّدٍ، عن مُحَمَّد بن مُطَرِّفٍ أبي غَسَّانَ.
و(15571)
عن عِصَام بن خَالِدٍ، وَأَبي النَّضْرِ، عن العَطَّاف بن خَالِدٍ.
ورواه
البخاري في «صحيحه» (8/88) (6415) عن عَبْداللَّهِ بن مَسْلَمَةَ، عن
عَبْدالعَزِيزِ بن أَبِي حَازِمٍ.
ورواه
عبدالله في «زوائده على المسند» (24/335) (15563)، و(15565)، و(15566) من طريق عُمَر
بنِ عَلِيٍّ المُقَدَّمِيّ.
و(15567)
من طريق عَبْدالعَزِيزِ بْن أَبِي حَازِمٍ.
و(15568)
من طريق فُضَيْل بن سُلَيْمَانَ النُّمَيْرِيّ.
و(15572)
من طريق سَعِيد بن عَبْدِالرَّحْمَنِ الجُمَحِيّ.
كلهم
عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ الساعدي، عن رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ - أَوْ رَوْحَةٌ - خَيْرٌ
مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ
خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا».
وبهذا
يتبيّن لنا تفرد عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار بلفظ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا» عن أبي حازم! ولم
يُتابع عليها!!!
·
الحديث الحادي عشر: أثر تفرد به
عبدالرحمن عن أبيه عن ابن عمر!
أخرج
البخاري في «صحيحه»، كتاب المغازي، بَابُ غَزْوَةِ الخَنْدَقِ وَهِيَ الأَحْزَابُ،
(5/110) (4107)، قال:
حَدَّثَنِي
عَبْدَةُ بنُ عَبْدِاللَّهِ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالصَّمَدِ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ
- هُوَ: ابنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: «أَوَّلُ يَوْمٍ شَهِدْتُهُ يَوْمُ الخَنْدَقِ».
قلت:
تفرد به عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار عن أبيه!!
·
الحديث الثاني عشر: أثر تفرد به
عبدالرحمن عن أبيه عن ابن عمر!
أخرج
البخاري في «صحيحه»، كتاب الاستسقاء، بَابُ سُؤَالِ النَّاسِ الإِمَامَ
الِاسْتِسْقَاءَ إِذَا قَحَطُوا، (2/27) (1008)، قال:
حَدَّثَنَا
عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ
ابنَ عُمَرَ يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ أَبِي طَالِبٍ: «وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى
الغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالُ اليَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ».
وقالَ
عُمَرُ بنُ حَمْزَةَ: حَدَّثَنَا سَالِمٌ، عَنْ أَبِيهِ: «رُبَّمَا ذَكَرْتُ
قَوْلَ الشَّاعِرِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي، فَمَا يَنْزِلُ حَتَّى يَجِيشَ كُلُّ مِيزَابٍ:
وَأَبْيَضَ
يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالُ اليَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ.
وهُوَ
قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ».
قال
الدارقطني في «الغرائب والأفراد» [كما في الأطراف (3/387) (3002)]: "غَرِيب
صَحِيح من حَدِيث عبدالله بن دِينَار عَنهُ. تفرد بِهِ عَنهُ ابْنه! وَتفرد بِهِ
عَنهُ أَبُو قُتَيْبَة".
قلت:
تفرد به أبو قتيبة سلم بن قتيبة البصري عن عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار! ولم
يروه عن عبدالله بن دينار إلا ابنه عبدالرحمن!!
وأما
حديث عمر بن حمزة الذي علّقه البخاري:
فأخرجه
أحمد في «مسنده» (9/485) (5673) عن أَبي النَّضْرِ هاشم بن القاسم، عن أَبي
عَقِيلٍ عَبْداللهِ بن عَقِيلٍ الثقفيّ، عن عُمَر بن حَمْزَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ
بنِ عُمَرَ، عن عمّه سَالِم بن عبدالله، عَنْ أَبِيهِ، به.
وأخرجه
ابن ماجه في «سننه» (2/322) (1272) عن أَحْمَد بن الْأَزْهَرِ، عن أَبي النَّضْرِ،
به.
قلت:
وهذا إسناد ضعيف!
تفرد
به: عُمَر بن حمزة بن عَبداللَّهِ بن عُمَر بن الخطاب القرشي العدوي العُمَري
المدني، وهو ضعيف الحديث! ولا يُقبل تفرده!
·
حالُ عمر بن حمزة العُمري!
قال
عَبداللَّهِ بن أَحْمَد بن حنبل، عَن أبيه: "أحاديثه أحاديث مناكير".
وقال
عَباس الدُّورِيُّ، عن يحيى بن مَعِين: "عُمَر بن حمزة أضعف من عُمَر بن محمد
بن زيد".
وقال
الدارمي: قلت - أي: ليحيى -: مَا حَال عمر بن حَمْزَة الَّذِي يروي عَن سَالم؟
فَقَالَ "ضَعِيف".
وفي
«سؤالات ابن الجنيد» (ص: 439): سألت يحيى عن عمر بن حمزة الذي روى عنه أبو أسامة؟
فقال: "هو عمري"، قلت: هو مستقيم الحديث؟ قال: "صالح ليس بذاك،
يحدث عنه مروان الفزاري".
وقال
البرذعي لأبي زرعة الرازي (2/364): قلت: عمر بن حمزة؟ قال: "ليس بذا
خير".
وقال
النَّسَائي: "ليس بالقوي".
وذكره
ابنُ حِبَّان في كتاب «الثقات»، وقال: "كَانَ ممن يخطئ".
وقَال
أَبُو أَحْمَد بن عدي: "وهو ممن يُكتب حديثه".
واحتج
به مسلم، وخرّج له في «صحيحه» خمسة أحاديث، أربعة في المتابعات، وتفرد بحديث واحد!
وهو
حديثه عن عَبْد الرَّحْمَنِ بن سَعْدٍ، عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، قال: قَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ
اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ،
وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا».
واستنكروا
هذا الحديث!
قال
الذهبي في «الميزان» (3/192): "فهذا مما استنكر لعمر".
وأخرج
الحاكم حديثه في «المستدرك»، وقال: "أحاديثه كلها مستقيمة".
وقال
ابن حجر في «التقريب»: "ضعيف".
وقال
في «الفتح» (2/497): "وعُمْرُ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ! وَكَذَلِكَ
عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ المَذْكُورُ فِي الطَّرِيقِ
الْمَوْصُولَةِ فَاعْتَضَدَتْ إِحْدَى الطَّرِيقَيْنِ بِالْأُخْرَى وَهُوَ مِنْ
أَمْثِلَةِ أَحَدِ قِسْمَيِ الصَّحِيحِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ".
قلت:
الضعيف لا يعتضد بمثله حتى يرتقي للصحيح أو أحد قسميه!!!
وللحديث
طريق آخر بصري ضعيف!
رواه
ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (3/147) عن عَفَّان الصفّار.
وابن
أبي شيبة في «المصنف» (5/279) (26067)، و(6/353) (31967) عن يزيد بن هارون.
وأحمد
في «مسنده» (1/205) (26) عن حسن بن موسى، وعفّان.
والبزار
في «مسنده» (1/128) (58) من طريق سليمان بن حرب.
كلهم
عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ بن جُدْعَان، عَنِ القَاسِمِ
بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّهَا تَمَثَّلَتْ بِهَذَا الْبَيْتِ وَأَبُو
بَكْرٍ يَقْضِي:
وَأَبْيَضُ
يَسْتَسْقِي الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... رَبِيعُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ
فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ: ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
قَالَ
البزار: "وهذا الْحَدِيثُ يَدْخُلُ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِسْنَادُهُ إِسْنَادٌ حَسَنٌ، وَلَا نَعْلَمُ رَوَى هَذَا
الْحَدِيثَ إِلَّا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ".
قلت:
هذا إسناد ضعيف!
·
حالُ عليّ بن زيد بن جُدعان!
وعلي
بن زيد بن جُدعان ضعيف لا يُحتج به!
قال
أيوب بن سليمان بن سافري: سَألتُ أَحْمَد بْن حنبل عَن علي بْن زيد؟ فقال: "ليس
بشَيْءٍ".
وقال
صالح بن أحمد: حدثني أبي، قال: "علي بن زيد بن جدعان بصري يكتب حديثه"،
وقال: "ليس بالقوي"، وقال في موضع آخر: "علي بن زيد بن جدعان كان
يتشيع لا بأس به".
وقال
يعقوب بن شيبة: "علي بن زيد ثقة، وصالح الحديث، وإلى اللين ما هو".
وقال
ابن سعد: "وكان كثير الحديث وفيه ضعف، ولا يُحتج به".
وقال
عثمان بن سعيد الدارمي: سألت يحيى عن عَليّ بن زيد بن جدعَان؟ فَقَالَ: "لَيْسَ
بِذَاكَ القوي".
وقال
ابن أبي خيثمة: سئل يحيى بن معين عن علي بن زيد بن جدعان؟ فقال: "ليس بذاك"،
وقال مرة أخرى: "ضعيف في كل شيء".
وقال
العباس بن محمد الدوري عن يحيى بن معين قال: "علي بن زيد بن جدعان ليس بحجة".
وقال
عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سألت أبي عن علي بن زيد؟ فقال: "ليس بقوي، يكتب
حديثه ولا يحتج به، وهو أحب إليّ من يزيد بن أبى زياد، وكان ضريرا، وكان يتشيع".
وقال
عبدالرحمن: سألت ابا زرعة عن علي بن زيد بن جدعان؟ فقال: "ليس بقوي".
وقال
العجلي: "علي بن زيد بن جدعَان بصري، يكْتب حَدِيثه وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ،
وَكَانَ يتشيع"، وقَال مرّة: "لا بَأْس بِهِ".
وقال
السعدي: "علي بن زيد واهي الحديث ضعيف، وفيه ميل عن القصد، لا يحتج بحديثه".
وقال
النسائي: "علي بن زيد ضعيف".
وقال
سُلَيْمان بن حرب، عَنْ حماد بن زيد: "حَدَّثَنَا علي بن زيد، وكان يقلب
الأحاديث".
وفي
رواية: "كان علي بن زيد يحَدَّثَنَا اليوم بالحديث ثم يحَدَّثَنَا غدا، فكأنه
ليس ذاك".
وقال
ابن حبان: "كَانَ شَيخا جَلِيلًا، وَكَانَ يهم فِي الْأَخْبَار ويخطئ فِي
الْآثَار حَتَّى كثر ذَلِك فِي أخباره، وَتبين فِيهَا الْمَنَاكِير الَّتِي
يَرْوِيهَا عَن الْمَشَاهِير فَاسْتحقَّ ترك الِاحْتِجَاج بِهِ".
وقال
ابن عدي بعد أن ذكر له بعض المناكير: "ولِعَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ غَيْرُ مَا
ذكرت من الحديث أحاديث صالحة، ولَمْ أَرَ أَحَدًا مِنَ الْبَصْرِيِّينَ
وَغَيْرِهِمُ امْتَنَعُوا مِنَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ".
وقال
الترمذي: "صدوق".
وقال
ابن خزيمة: "لا أحتج به لسوء حفظه".
وقال
الدارقطني: "أنا أقف فيه لا يزال عندي فيه لين".
·
نكارة في الحديث! وجواب بعض أهل
العلم عن ذلك!
والحديث
الذي رواه عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار عن أبيه في هذا الأمر فيه نكارة!! إذ كيف
يمدح أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره يستسقي!!!
·
جواب السهيلي:
فأجاب
عن ذلك السُّهيلي في «الروض الأُنف» (3/39)، فقال: "فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ
قَالَ أَبُو طَالِبٍ:
وَأَبْيَضَ
يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ
وَلَمْ
يَرَهُ قَطّ اسْتَسْقَى، وَإِنّمَا كَانَتْ اسْتِسْقَاءَاتُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ
بِالمَدِينَةِ فِي سَفَرٍ وَحَضَرٍ وَفِيهَا شُوهِدَ مَا كَانَ مِنْ سُرْعَةِ
إجَابَةِ اللهِ لَهُ؟!".
قال:
"فالجَوَابُ: أَنّ أَبَا طَالِبٍ قَدْ شَاهَدَ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا فِي
حَيَاةِ عَبْدِ المُطّلِبِ مَا دَلّهُ عَلَى مَا قَالَ رَوَى أَبُو سُليمانَ
حَمَدُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الخَطّابِ الخَطّابِيّ الْبُسْتِيّ
النّيْسَابُورِيّ، أَنّ رَقِيقَةَ بِنْتَ أَبِي صَيْفِيّ بْنِ هَاشِمٍ قَالَتْ:
تَتَابَعَتْ عَلَى قُرَيْشٍ سُنُو جَدْبٍ قَدْ أَقْحَلَتْ الظّلْفَ وَأَرّقَتْ
الْعَظْمَ، فَبَيْنَا أَنَا رَاقِدَةٌ اللهُمّ أَوْ مُهَدّمَةٌ وَمَعِي صِنْوَى
إذْ أَنَا بِهَاتِفِ صَيّتٍ يَصْرُخُ بِصَوْتِ صَحِلٍ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ
قُرَيْشٍ، إنّ هَذَا النّبِيّ المَبْعُوثَ مَعَكُمْ هَذَا إبّانُ نُجُومِهِ فَحَيّ
هَلًا بِالْحَيَا وَالْخِصْبِ، أَلَا فَانْظُرُوا مِنْكُمْ رَجُلًا طُوّالًا
عُظّامًا أَبْيَضَ فَظّا، أَشَمّ الْعِرْنِينَ لَهُ فَخْرٌ يَكْظِمُ عَلَيْهِ.
أَلَا فَلْيَخْلُصْ هُوَ وَوَلَدُهُ وَلْيَدْلِفْ إلَيْهِ مِنْ كُلّ بَطْنٍ رَجُلٌ
أَلَا فَلْيَشُنّوا مِنْ الْمَاءِ وَلِيَمَسّوا مِنْ الطّيبِ وَلْيَطُوفُوا
بِالْبَيْتِ سَبْعًا، أَلَا وَفِيهِمْ الطّيبُ الطّاهِرُ لِذَاتِهِ أَلَا
فَلْيَدْعُ الرّجُلُ وَلْيُؤَمّنْ الْقَوْمُ أَلَا فَغِثْتُمْ أَبَدًا مَا
عِشْتُمْ.
قَالَتْ:
فَأَصْبَحْت مَذْعُورَةً قَدْ قَفّ جِلْدِي، وَوَلِهَ عَقْلِي، فَاقْتَصَصْت رُؤْيَايَ
فَوَالحُرْمَةِ والحَرَمِ إنْ بَقِيَ أَبْطَحِيّ إلّا قَالَ هَذَا شَيْبَةُ الحَمْدِ
وَتَتَامّتْ عِنْدَهُ قُرَيْشٌ، وَانْفَضّ إلَيْهِ النّاسُ مِنْ كُلّ بَطْنٍ
رَجُلٌ فَشَنّوا وَمَسّوا وَاسْتَلَمُوا وَاطّوَفّوا، ثُمّ ارْتَقَوْا أَبَا
قُبَيْسٍ وَطَفِقَ الْقَوْمُ يَدِفّونَ حَوْلَهُ مَا إنْ يُدْرِكْ سَعْيَهُمْ مُهَلّةً
حَتّى قَرّوا بِذَرْوَةِ الْجَبَلِ وَاسْتَكَفّوْا جَنَابَيْهِ فَقَامَ عَبْدُ
الْمُطّلِبِ، فَاعْتَضَدَ ابْنَ ابْنِهِ مُحَمّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَرَفَعَهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ قَدْ أَيْفَعَ
أَوْ قَدْ كَرَبَ ثُمّ قَالَ: اللهُمّ سَادّ الْخَلّةِ، وَكَاشِفَ الْكُرْبَةِ،
أَنْتَ عَالِمٌ غَيْرُ مُعَلّمٍ وَمَسْئُولٌ غَيْرُ مُبَخّلٍ، وَهَذِهِ
عِبِدّاؤُكَ وَإِمَاؤُك بِعَذِرَاتِ حَرَمِك يَشْكُونَ إلَيْك سَنَتَهُمْ
فَاسْمَعْنَ، اللهُمّ وَأَمْطِرْنَ عَلَيْنَا غَيْثًا مَرِيعًا مُغْدِقًا، فَمَا
رَامُوا وَالْبَيْتِ حَتّى انْفَجَرَتْ السّمَاءُ بِمَائِهَا، وَكَظّ الْوَادِي
بِثَجِيجِهِ.
فَسَمِعْتُ
شِيخَانَ قُرَيْشٍ، وَهُوَ يَقُولُ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ: هَيِّنًا لَكَ أَبَا
الْبَطْحَاءِ هَيِّنًا أَيْ بِكَ عَاشَ أَهْلُ الْبَطْحَاءِ وَفِي ذَلِكَ تَقُولُ
رَقِيقَةُ:
بِشَيْبَةَ
الْحَمْدِ أَسْقَى اللَّهُ بَلْدَتَنَا ... وَقَدْ فَقَدْنَا الْحَيَا
وَأَجْلَوَّذَ الْمَطَرُ
فَجَاءَ
بِالْمَاءِ جَوْنِيًّا لَهُ سَبَلٌ ذَرَا ... فَعَاشَتْ بِهِ الْأَنْعَامُ
وَالشَّجَرُ
سَيْلٌ
مِنَ اللَّهِ بِالْمَيْمُونِ طَائِرُهُ ... وَخَيْرُ مَنْ بُشِّرَتْ يَوْمًا بِهِ
مُضَرُ
مُبَارَكُ
الْأَمْرِ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِهِ ... مَا فِي الْأَنَامِ لَهُ عَدْلٌ وَلَا
خَطَرُ
رَوَاهُ
أَبُو سُلَيْمَانَ عَنْ ابنِ الْأَعْرَابِيّ، قَالَ: حَدّثَنَا حُمَيْدُ بنُ
عَلِيِّ بنِ الْبَخْتَرِيِّ بْنِ مُسَافِرِ بْنِ أَبَانَ، وَكَانَتْ أُمُّ أَبَانَ
بْنِ عَلِيٍّ تِرَةَ ابْنَةَ رَافِعٍ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ، قال: أخبرنا
يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِالْمَلِكِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ
عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قال: أخبرنا عَبْدُالعَزِيزِ بنُ عِمْرَانَ، عَنِ إبراهيم
بنِ حُوَيْصَّةَ، قَالَ: حَدَّثَ مَخْرَمَةُ بنُ نَوْفَلٍ عَنْ أُمِّهِ رُقَيْقَةَ
بِنْتِ أَبِي صَيْفِيٍّ، وَكَانَتْ لِدَةَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ...
وذكر الحديث.
·
رُّؤْيَا رُقَيْقَة فِي
اسْتِسْقَاءِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ!
قلت:
هو
في «معجم ابن الأعرابي» (2/752) (1527).
وأخرجه
أبو نُعيم الأصبهاني في «معرفة الصحابة» (6/3328) (7631) عن إِسْحَاق بن أَحْمَدَ،
عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدِ بنِ حَمَّادٍ، عن حُمَيْد بن عَلِيٍّ
البَخْتَرِيّ، به.
وهذه
رُّؤْيَا رُقَيْقَة فِي اسْتِسْقَاءِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!
والقصة
واهية، وإسنادها منكر!
فحميد
بن علي البختري:
مجهول الحال!
ويعقوب
بن محمد الزهري:
ضعيف جداً، لا يُحتج به!
قال
أحمد: "يعقوب بن محمد الزهري ليس بشيء، ليس يسوى شيئا".
وقال
أحمد بن سنان الواسطي: سئل يحيى بن معين عن يعقوب بن محمد الزهري؟ فقال: "ما
حدثكم عن شيوخه الثقات فاكتبوه، وما لم يعرف من شيوخه فدعوه".
وقال
أَبو علي صالِح بن مُحَمَّد جزرة: سمعتُ يَحْيَى بن معين، وسئل عَن يعقوب بن
مُحَمَّد، فقال: "أحاديثه تشبه أحاديث الواقدي مُحَمَّد بن عُمر بن واقد -
يعني: تركوا حديثه".
قال
الحجاج بن الشاعر: "حدثنا يعقوب بن محمد الزهري الثقة".
وقال
عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سألت أبي عن يعقوب بن محمد الزهري؟ فقال: "هو على
يدي عدل، أدركته، ولم أكتب عنه".
وقال
عبدالرحمن: سئل أبو زرعة عن يعقوب بن محمد الزهري؟ فقال: "واهي الحديث".
وقال
سَعِيد بن عمرو البرذعي، قَالَ: سمعتُ أَبَا زُرعة هُوَ الرازي، يَقُولُ: "لَيْسَ
عَلَى يعقوب الزُّهْرِيّ قياس. يعقوب الزُّهْرِيّ، وابن زبالة، والواقدي، وعُمر بن
أبي بَكْر المؤملي يتقاربون فِي الضعف فِي الحديث، وهم واهون".
وقال
ابن سعد: "كان يعقوب كثير العلم والسماع للحديث، ولم يُجالس مالكًا، ولكنه قد
لَقِيَ من كَانَ بعد مالك من فقهاء أهل المدينة ورجالِهم أهل العلم منهم، وكان
حافظًا للحديث".
وقال
العقيلي: "في حديثه وهم كثير، ولا يتابعه عليه إلا من هو نحوه".
وقال
الساجي: "منكر الحديث، وكان ابن المديني يتكلم فيه، وكان إبراهيم بن المنذر
يطريه".
وقال
أبو القاسم البغوي: "في حديثه لين".
وقال
الحاكم: "ثقة مأمون سكن بغداد وبها مات"، قال: "وروى البخاري في
صحيحه عن يعقوب غير منسوب ويشبه أن يكون هو"!
قال
الذهبي: "قلت: علّق له البخاريّ مسألة في صحيحه في باب جوائز الوفد".
وعبدالعزيز
بن عمران: وهو ابن أبي ثابت الزهري المديني أبو ثابت، وعمران هو ابن عبدالعزيز بن
عمر بن عبدالرحمن بن عوف: متروك الحديث!
قال
عثمان الدارمي: قلت - أي ليحيى - فَابن أبي ثَابت عبدالعَزِيز بن عمرَان من ولد
عبدالرَّحْمَن بن عَوْف، مَا حَاله؟ فَقَالَ: "ليْسَ بِثِقَة، وَإِنَّمَا
كَانَ صَاحب شعر".
وقال
البخاري: "عَبْدالعزيز بن عِمْرَان أَبُو ثابت: لا يُكتب حديثه، منكر الحديث".
وقال
النسائي: "عبدالعَزِيز بن عمرَان: مَتْرُوك الحَدِيث".
وقال
عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عبدالعزيز بن عمران الذي يروي عنه يعقوب
الزهري وغيره؟ فقال: "متروك الحديث، ضعيف الحديث، منكر الحديث جداً". قلت:
يكتب حديثه؟ قال: "على الاعتبار".
قال
عبدالرحمن: كان في كتابنا عن أبي زرعة أحاديث لمحمد بن إسماعيل الجعفري عن عبدالعزيز
بن عمران، فامتنع أبو زرعة من قراءته وترك الرواية عنه.
وقال
ابن حبان: "يروي عَن المَدَنِيين، روى عَنهُ العِرَاقِيُّونَ وَأهل بَلَده،
مِمَّن يروي المَنَاكِير عَن المَشَاهِير، فَلَمَّا أَكثر مِمَّا لَا يشبه حَدِيث
الْأَثْبَات لم يسْتَحق الدُّخُول فِي جملَة الثِّقَات، فَكَانَ الغَالِب عَلَيْهِ
الشّعْر وَالْأَدب دون العلم".
وقال
ابن عدي: "وقد حَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ أحاديث غير محفوظة".
·
إسناد ثانٍ للقصة:
أخرج
الطبراني في كتاب «الدعاء» (2210)، وفي «المعجم الكبير» (24/259) (661) عن مُحَمَّد
بن مُوسَى بنِ حَمَّادٍ البَرْبَرِيّ.
وابن
عساكر في «تاريخه» (57/149) عن أبي القاسم إسماعيل بن أحمد، عن أحمد بن محمد بن
النقور، عن عيسى بن علي بن عيسى، عن القاضي أبي عبيد علي بن الحسين بن حرب.
كلاهما
(البربري، والقاضي أبو عبيد) عن زَكَرِيَّا بن يَحْيَى بن عمر بن حصن بن حميد بن
منهب بن حارثة بن خريم بن أوس بن حارثة بن لام الكوفي أَبي السِّكِّينِ
الطَّائِيُّ، قال: حدثنا عَمُّ أَبِي: زَحْرِ بنُ حُصَيْنٍ، عَنْ جَدِّهِ حُمَيْدِ
بنِ مِنْهَبٍ، قال: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بنُ مُضَرِّسِ بنِ حَارِثَةَ بْنِ لَأْمٍ
الطَّائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَ مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، عَنْ أُمِّهِ، فذكره.
قال
أبو موسى المديني - بعد إيراده في كتابه الذيل على معرفة الصحابة لأبي نُعيم
الأصبهاني -: "هذا حديث حسن عال".
قلت:
بل
هو إسناد ضعيف! فقد تفرد به زكريا بن يحيى أبو السِّكين! وثقه الخطيب، وذكره ابن
حبان في «الثقات».
وضعفه
الدارقطني!
قال
الحاكم: قلت للدارقطني: فأبو السكين الكلابي؟ قال: "هو الطائي، كوفي ليس
بالقوي، يُحدِّث بأحاديث ليست بمضيئة".
وقال
الحاكم عنه أيضاً: "يُحدِّث بأحاديث خطأ".
وقال
البرقاني: سمعت الدارقطني يقول: "زكريا بن يحيى الطائي: متروك".
وقال
ابن حجر: "صدوق له أوهام ليّنه بسببها الدارقطني".
وقد
أخرج له البخاري حديثاً واحداً في «صحيحه».
قال
ابن حجر في «الفتح» (1/403): "زَكَرِيَّا بن يحيى بن عمر بن حُصَيْن بن حميد
بن مهب الطَّائِي أَبُو السكين من شُيُوخ البُخَارِيّ: تكلم فِيهِ
الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَقَالَ مرّة: مَتْرُوك،
وَقَالَ الحَاكِم: يُخطئ فِي أَحَادِيث، وقَالَ الْخَطِيب: ثِقَة. قلت: روى عَنهُ
البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح حَدِيثا وَاحِدًا وَهُوَ فِي العِيدَيْنِ عَنهُ عَن المحَاربي
عَن مُحَمَّد بن سوقة، وعَن أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ
كِلَاهُمَا عَن سعيد بن جُبَير عَن ابن عمر فِي قصَّته مَعَ الحجَّاج حِين
أَصَابَهُ سِنَان الرمْح، قَالَ فِيهِ البُخَارِيّ: حَدثنَا زَكَرِيَّا بن يحيى
أَبُو السكين. وأخرج ثَلَاثَة أَحَادِيث أُخْرَى فِي الصَّحِيح عَن زَكَرِيَّا بن
يحيى غير مكنى وَلَا مَنْسُوب، اثْنَان مِنْهَا عَنهُ عَن عبدالله بن نمير، والْآخر
عَنهُ عَن أبي أُسَامَة، وزَكَرِيا بن يحيى فِي هَذِه المَوَاضِع الثَّلَاثَة هُوَ
البَلْخِي، وَلَيْسَ لأبي السكين عِنْده سوى الأول، وَقد أخرج شَاهده بجانبه، والله
أعلم".
قلت:
هو صدوق، لكن لا يُحتج بما انفرد به في الأحاديث المرفوعة، وقد يُحتمل ما يرويه من
قصص وأحداث غير مرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم تكن منكرة.
وعمّ
أبيه: زَحْر بن حُصَيْنٍ، ذكره ابن حبان في «الثقات».
وقال
الذهبي: "لا يُعرف".
قلت:
هو مستور الحال.
وحُمَيْد
بن مِنْهَبٍ:
مستور الحال كذلك.
وعروة بن مُضرس بن أوس بن حارثة بن
لام الطائي، شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع.
وقد
نصّ أهل العلم على أن الشعبي تفرد بالرواية عن عروة بن مضرس، وضعفوا رواية حميد
عنه!
قال
علي بن المديني، ومسلم، والدّارقطنيّ، وغير واحد: "لم يرو عنه غير الشعبي".
وقال
الأزديّ: "روى عنه أيضاً حميد بن منهب ولا يقوم".
وقد
ضعّف رواية حميد عن ابن مضرس أيضاً الدارقطني، فقال: "روى عن عروة بن مضرس:
حميد بن منهب، وعروة بن الزبير، وفي روايتهما نظر".
والمحصلة
أن هذا الحديث لا يصح بهذا الإسناد.
·
إسناد ثالث للقصة:
روى
أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (6/3328) (7631) عن أبي عبدالله مُحَمَّد بن
أَحْمَدَ بنِ عليّ بن مَخْلَدٍ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ بنِ
الطَّبَّاعِ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو حَبِيبٍ العُمَيْري: عُثْمَانَ بنِ عَبَّادِ
بنِ مَعْبَدِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ زَيْدِ
بنِ خَالِدٍ، قال: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بنُ بِشْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَمنْ
سَمِعَ المِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ، يَقُولُ: قَالَ مَخْرَمَةُ: حَدَّثَتْنِي
أُمِّي رُقَيْقَةُ، وذكر القصة.
قلت:
هذا
إسناد مجهول!!!
أبو
حبيب العميري، ومحمد بن زيد، وعثمان بن بشر، وأبوه بشر، وشيخه، كلهم مجاهيل!
·
إسناد رابع للقصة:
روى
ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (1/72) قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ السَّائِبِ الكَلْبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي الوَلِيدُ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ
جُمَيْعٍ الزُّهْرِيُّ عَنِ ابْنٍ لِعَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ مَوْهَبِ بْنِ رَبَاحٍ
الأَشْعَرِيِّ حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَخْرَمَةُ
بْنُ نَوْفَلٍ الزُّهْرِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أُمِّي رُقَيْقَةَ بِنْتَ أَبِي
صَيْفِيِّ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ تُحَدِّثُ، فذكر القصة.
قلت:
هذا
إسناد منكر!!!
هشام
بن محمد بن السائب الكلبي، أبو المنذر الأخباري النسابة: ليس بثقة.
قال
أحمد بن حنبل: "إنما كان صاحب سمر ونسب، ما ظننت أن أحدا يحدث عنه".
وقال
ابن حبان: "يروي عَن أَبِيه ومعروف مولى سُلَيْمَان والعراقيين العَجَائِب وَالْأَخْبَار
الَّتِي لَا أصُول لَهَا... وكَانَ غاليا فِي التَّشَيُّع، أخباره فِي الأغلوطات
أشهر من أَن يحْتَاج إِلَى الإغراق فِي وصفهَا".
وقال
الدارقطني وغيره: "متروك".
وقال
ابن عدي: "وهذا كما قَالَ أَحْمَد: هِشَام بْن الكلبي الغالب عَلَيْهِ
الأخبار والأسمار والنسبة، ولاَ أعرف لَهُ شيئا من المسند".
وقال
الذهبي: "وقلما يروي من المسند، كان إخباريا".
وقال
ابن عساكر: "رافضي، ليس بثقة".
فالقصة
منكرة بكبّ طرقها!
ورقيقة،
بقافين مصغرة، بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمية، بنت عم
العباس وإخوته من بني عبد المطلب، وهي والدة مخرمة بن نوفل، والد المسور، ذكرها
الطّبرانيّ والمستغفريّ في الصحابة.
قال
أبو عمر ابن عبدالبر: وما أراها أدركت. وعمدة من ذكرها ما أخرجوه من طريق حميد بن
منهب، عن عروة بن مضرس، عن مخرمة بن نوفل، عن أمه رقيقة، قال: وكانت لدة عبد المطلب
بن هاشم، قالت: تتابعت على قريش.. الحديث.
وقال
أبو نُعيم الأصبهاني: "لا أراها أدركت البعثة والدعوة".
·
جواب ابن حجر:
قال
ابن حجر في «الفتح» (2/496): "ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو طَالِبٍ
مَدَحَهُ بِذَلِكَ لما رَأَى مِنْ مَخَايِلِ ذَلِكَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْ
وُقُوعَهُ".
قلت:
قد رأى فيه من المخايل الكثيرة صلى الله عليه وسلم في كل شيء، والأبيات المنسوبة
لأبي طالب فيها ذكر الاستسقاء! فلم اختار ذلك دون غيره!! فكلام ابن حجر بعيد،
والله أعلم.
وقد
تعقّب الزرقاني المالكي ابن حجر في «شرحه على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية»
(1/356)، فقال: "وتجويز أنه قال البيت عقب الاستسقاء "وأبيض يستسقى
الغمام بوجهه" أي: يطلب السقي من السحاب بذاته... ثمال اليتامى عصمة للأرامل،
فهذا صريح في أنه قاله عن مشاهدة، فكيف يقول الحافظ ذلك الاحتمال، ولذا تعجب منه
شارح الهمزية، وقال: إنه غفل عن رواية ابن عساكر هذه إذ لو استحضرها لم يبد هذا
الاحتمال".
·
إسناد خامس للقصة:
والرواية
المُشار إليها التي أخرجها ابن عساكر لم أجدها فيما طُبع من «تاريخه»، وهي في «مختصر
تاريخ دمشق» لابن منظور (2/161).
وقد
ذكرها الذهبي في «تاريخ الإسلام» (1/500): وقال إِبْرَاهِيمُ بنُ مُحَمَّدٍ
الشَّافِعِيّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبَانِ بنِ الوَلِيدِ، عَنْ أَبَانِ بنِ
تَغْلِبَ، قال: حَدَّثَنِي جُلْهُمَةُ بنُ عرْفُطَةَ قال: «إِنِّي
لَبِالْقَاعِ مِنْ نَمِرَةَ، إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ مِنْ أَعْلَى نَجْدٍ، فَلَمَّا
حَاذَتِ الْكَعْبَةَ إِذَا غُلَامٌ قَدْ رَمَى بِنَفْسِهِ عَنْ عَجُزِ بَعِيرٍ،
فَجَاءَ حَتَّى تَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ نَادَى يَا رَبَّ
البِنَيَّةِ أَجِرْنِي؛ وَإِذَا شَيْخٌ وَسِيمٌ قَسِيمٌ عَلَيْهِ بَهَاءُ
الْمُلْكِ وَوَقَارُ الْحُكَمَاءِ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ يَا غُلَامُ، فَأَنَا
مِنْ آلِ اللَّهِ وَأُجِيرُ مَنِ اسْتَجَارَ بِهِ؟ قَالَ: إِنَّ أَبِي مَاتَ
وَأَنَا صَغِيرٌ، وَإِنَّ هَذَا اسْتَعْبَدَنِي، وَقَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّ
لِلَّهِ بَيْتًا يَمْنَعُ مِنَ الظُّلْمِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ اسْتَجَرْتُ بِهِ.
فَقَالَ لَهُ الْقُرَشِيُّ: قَدْ أَجَرْتُكَ يَا غُلَامُ، قَالَ: وَحَبَسَ اللَّهُ
يد الْجُنْدَعِيِّ إِلَى عُنُقِهِ. قَالَ جُلْهُمَةُ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا
الْحَدِيثِ عَمْرَو بْنَ خَارِجَةَ وَكَانَ قُعْدُدَ الْحَيِّ، فَقَالَ: إِنَّ
لِهَذَا الشَّيْخِ ابْنًا يَعْنِي أَبَا طَالِبٍ.
قَالَ:
فَهَوَيْتُ رَحْلِي نَحْوَ تِهَامَةَ، أَكْسَعُ بها الجدود، وأعلو بها الكذان،
حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِذَا قُرَيْشٌ عِزِينٌ، قَدِ
ارْتَفَعَتْ لَهُمْ ضَوْضَاءُ يَسْتَسْقُونَ، فَقَائِلٌ منهم يقول: اعتمدوا اللات
والعزّى؛ وقائل يقول: اعتمدوا لمناة الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى.
وَقَالَ
شَيْخٌ وَسِيمٌ قَسِيمٌ حَسَنُ الْوَجْهِ جَيِّدُ الرَّأْيِ: أَنَّى تُؤْفَكُونَ
وَفِيكُمْ بَاقِيَةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَسُلَالَةُ إِسْمَاعِيلَ؟
قَالُوا لَهُ: كَأَنَّكَ عَنَيْتَ أَبَا طَالِبٍ. قَالَ: إِيهًا. فَقَامُوا
بِأَجْمَعِهِمْ، وَقُمْتُ مَعَهُمْ فَدَقَقْنَا عَلَيْهِ بَابَهُ، فَخَرَجَ إلينا
رجل حسن الوجه مصفّر، عَلَيْهِ إِزَارٌ قَدِ اتَّشَحَ بِهِ، فَثَارُوا إِلَيْهِ
فقالوا: يا أبا طالب أقحط الْوَادِي، وَأَجْدَبَ الْعِبَادُ فَهَلُمَّ
فَاسْتَسْقِ؛ فَقَالَ: رُوَيْدَكُمْ زَوَالَ الشَّمْسِ وَهُبُوبَ الرِّيحِ؛
فَلَمَّا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ، خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ مَعَهُ غُلَامٌ
كأنّه شمس دُجُنٌّ تَجَلَّتْ عَنْهُ سَحَابَةٌ قَتْمَاءُ، وَحَوْلَهُ
أُغَيْلِمَةٌ؛ فَأَخَذَهُ أَبُو طَالِبٍ فَأَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِالْكَعْبَةِ،
وَلَاذَ بأصبعه الْغُلَامُ، وَبَصْبَصَتِ الْأُغَيْلِمَةُ حَوْلَهُ وَمَا فِي
السَّمَاءِ قزعة، فأقبل السّحاب من ها هنا وها هنا وَأَغْدَقَ وَاغْدَوْدَقَ
وَانْفَجَرَ لَهُ الْوَادِي، وَأَخْصَبَ النَّادِي وَالْبَادِي؛ وَفِي ذَلِكَ
يَقُولُ أَبُو طَالِبٍ:
وَأَبْيَضُ
يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... رَبِيعُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ
لِلْأَرَامِلِ
يطيف
بِهِ الْهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... فَهُمْ عِنْدَهُ في نعمة وفضائل
وَمِيزَانُ
عَدْلٍ لَا يَخِيسُ شُعَيْرَةً ... وَوَزَّانُ صِدْقٍ وَزْنُهُ غَيْرُ عَائِلِ».
قلت:
أبان
بن تغلب المعروف هو القارئ من خيار أهل الكوفة مات سنة إحدى وأربعين ومائة، وجلهمة
الذي يُحدث بهذا مجهول وينبغي أن يكون في الجاهلية لأنه يُخبر أنه رأى النبي صلى
الله عليه وسلم وهو غلام، فيستحيل أن يكون أبان هذا سمع منه!!! وقوله: "حدثني
جلهمة" لا يصح!
والوليد
بن أبان قد يكون هو: ابن هشام المعيطي الذي يروي عن الزهري! وهو مجهول كما قال أبو
حاتم. وإن لم يكن هو فهو مجهول على كل الأحوال.
فهذه
القصة لا تصح أيضاً بهذا الإسناد، ولا تصلح للاحتجاج بها.
·
الحديث الثالث عشر: أثر تفرد به
عبدالرحمن عن أبيه عن ابن عمر!
أخرج
البخاري في «صحيحه»، كتاب المغازي، بَابُ غَزْوَةِ خَيْبَرَ، (5/140) (4243) قال:
حَدَّثَنَا
الحَسَنُ، قال: حَدَّثَنَا قُرَّةُ بنُ حَبِيبٍ، قال: حَدَّثَنَا
عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابنِ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قَالَ: «مَا شَبِعْنَا حَتَّى فَتَحْنَا
خَيْبَرَ».
قلت:
هذا
الحديث لا يُروى عن ابن عمر إلا من هذا الطريق! تفرد به عبدالرحمن بن عبدالله بن
دينار عن أبيه!
وقد
ذكر البخاري قبله حديث عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،
قَالَتْ: «لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ قُلْنَا الآنَ نَشْبَعُ مِنَ التَّمْرِ».
فكأنه
أخرج حديث ابن عمر في الشواهد وجعله في آخر الباب، لكن حديث عائشة فسّر الشبع أنه
من التمر.
·
فائدة حول شيخ البخاري في الحديث:
قال
ابن حجر في «الفتح» (7/495): "الحسن: هُوَ بن مُحَمَّدِ بنِ الصَّبَاحِ
الزَّعْفَرَانِيُّ، وَقَعَ مَنْسُوبًا فِي رِوَايَةِ أَبِي عَلِيِّ بنِ السَّكَنِ.
وقَالَ: الكَلَابَاذِيُّ: يُقَالُ إِنَّهُ الزَّعْفَرَانِيُّ، وأَمَّا الحَاكِمُ
فَقَالَ: هُوَ الحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ - يَعْنِي البَلْخِيَّ، أَحَدُ الحُفَّاظِ
وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِ الْبُخَارِيِّ، وَمَاتَ قَبْلَهُ بِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ
سَنَةً وَهُوَ شَابٌّ".
·
الحديث الرابع عشر: حديث علّقه
لعبدالرحمن ولا يصح!
أخرج
البخاري في «صحيحه»، كتاب الجهاد، بَاب الحراسة فِي الغَزْو في سبيل الله، (4/34)
(2886)، قال:
حَدَّثَنَا
يَحْيَى بنُ يُوسُفَ، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ - يَعْنِي ابنَ عَيَّاشٍ -،
عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالَ: «تَعِسَ عَبْدُ
الدِّينَارِ، والدِّرْهَمِ، والقَطِيفَةِ، والخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ
لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ».
قال
البخاري: "لمْ يَرْفَعْهُ إِسْرَائِيلُ، وَمُحَمَّدُ بنُ جُحَادَةَ، عَنْ
أَبِي حَصِينٍ".
قال:
وزَادَنَا عَمْرٌو، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِاللَّهِ
بنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ
الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ،
وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ،
طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ
رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الحِرَاسَةِ، كَانَ فِي
الحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِنِ اسْتَأْذَنَ
لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ».
وقَالَ:
"فَتَعْسًا: كَأَنَّهُ يَقُولُ: فَأَتْعَسَهُمُ اللَّهُ"، "طُوبَى:
فُعْلَى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ طَيِّبٍ، وَهِيَ يَاءٌ حُوِّلَتْ إِلَى الوَاوِ وَهِيَ
مِنْ يَطِيبُ".
قلت:
أخرج
البخاري حديث أبي حَصين عن أبي صالح عن أبي هريرة، واختار الرواية المرفوعة التي
رواها أبو بكر بن عياش، ونبّه إلى مخالفة إسرائيل ومحمد بن جحادة له فوقفاه على
أبي هريرة، وهذا الحديث لا علاقة له بالكتاب ولا الباب الذي أورده فيه!!! وسيأتي
الكلام على ذلك لاحقاً إن شاء الله.
وعلّق
البخاري رواية عَمْرو بن مرزوق عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن عَبْدِاللَّهِ بنِ
دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وفيها زيادة
في متنها!
وسبب
تعليقه لها ضعف عمرو بن مرزوق وتفرده بهذه الرواية عن عبدالرحمن بهذا الإسناد!!
والزيادة أيضاً في متنها!!!
وهذا
التعليق هو المقصود بما يتعلق بالكتاب والباب الذي ذكره تحته البخاري، وهو ما جاء
فيه في «الحراسة في سبيل الله»!!!
فأراد
البخاري أن يأتي بأصل الحديث، وما جاء في إسناد آخر من زيادة في الحديث لها تعلّق
بالباب الذي ذكره وإن كان ضعيفاً، وهذا منهجه في الاستئناس ببعض الألفاظ الضعيفة
بما يتعلق بتبويبه فقط، كما أنه أحياناً يبوّب بالأحاديث الضعيفة، فهذا يكون
خارجاً عن أصل الصحيح في كتابه.
·
تخريج حديث عمرو بن مرزوق الباهلي
البصري:
وحديث
عمرو:
أخرجه
البزار في «مسنده» (15/381) (8983) عن أبيه عمرو بن عبدالخالق.
والطبراني
في «المعجم الأوسط» (3/94) (2595) عن أبي مُسلمٍ الكَشيّ إبراهيم بن عبدالله.
والبيهقي
في «السنن الكبرى» (9/268) (18498) من طريق أَحْمَد بن جَعْفَرٍ القَطِيعِيّ، وأَحْمَد
بن عُبَيْدٍ الصَّفَّار، كلاهما عن أَبي مُسْلِمٍ.
وفيه
(10/414) (21149)، وفي «شعب الإيمان» (6/142) (3984) من طريق يُوسُف بن يَعْقُوبَ بن
إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد بن زيد القاضي.
والبيهقي
في «شعب الإيمان» شعب الإيمان (13/28) (9904) من طريق إِبْرَاهِيم بن عَبْدِاللهِ الكشي
البَصْرِيّ.
ثلاثتهم
(عمرو بن عبدالخالق، وأبو مسلم الكشي، ويوسف بن يعقوب) عن عَمْرو بن مَرْزُوقٍ، عن
عَبْدالرَّحْمَنِ بن عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، به، مرفوعاً.
قال
البيهقي في الموضع الأول من «السنن الكبرى»، وفي كلا الموضعين من «شعب الإيمان»:
"رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بنِ مَرْزُوقٍ".
وقال
في الموضع الثاني من «السنن الكبرى» (10/414): "أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ فِي
الصَّحِيحِ، فقالَ: وقال عَمْرٌو، فَذَكَرَهُ".
قلت:
كان ينبغي له أن لا يطلق الكلام في الموضع الأول، وكلا الموضعين من الشعب حتى لا
يُفهم أن البخاري أسنده، وقد بيّنه كما فعل في الموضع الثاني بأنه لم يسنده وإنما
علّقه.
وهذا
الحديث تفرد به عمرو بن مرزوق الباهلي عن عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار، بهذا
الإسناد!!
·
حال عمرو بن مرزوق:
وعمرو
بن مرزوق مختلف فيه! وثقه بعضهم، وضعفه آخرون، وهو صدوق، إلا أنه لا يُحتج بما
انفرد به!
وقال
ابن الجنيد: سمعت يحيى بن معين - وسئل عن عمرو بن مرزوق الباهلي-؟، فقال: "ثقة".
وقال
عباس الدوري عن ابن معين: "لَيْسَ بِهِ بَأْس".
وقَال
مُحَمَّد بْن عِيسَى بن السكن الواسطي المعروف بابن أَبي قماش: سألت يحيى بْن
مَعِين عنه؟ فقال: "ثقة مأمون صاحب غزو وقرآن وفضل، وحمده جدا".
وقال
ابن سعد: "وكان ثقة كثير الحديث عن شعبة".
وقال
عبدالله بن أحمد: سَأَلت أَبِي عَن عَمْرو بن مَرْزُوق؟ فقال: "كَانَ صَاحب
خير، كَانَ غزاءً"، ثُمّ قَالَ: "قَالَ عَفَّان: كَانَ عَمْرو بن
مَرْزُوق صَاحب أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ يطْلب مَعَه الحَدِيث".
وقال
الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللَّهِ، - وسُئِلَ عَنْ عَمْرِو بنِ
مَرْزُوقٍ -؟، فقال: "مَا لِي بِهِ عِلْمٌ"، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ
يَقُولُونَ كَانَ مُخْتَلِفًا مَعَ أَبِي دَاوُدَ؟ فقال أَبُو عَبْدِاللَّهِ: "كَمْ
رَوَى عَن شُعْبَةُ؟" فَقِيلَ: نَحْوَ ثَلَاثَةِ آلَافٍ، فَقَالَ: "كَانَ
أَبُو دَاوُدَ يَرْوِي أَكْثَرَ"، ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عَمْرَو
بْنَ مَرْزُوقٍ فَقَالَ: "كَانَ صَاحِبَ غَزْوٍ وَخَيرٍ".
وقال
أبو زرعة الرازي: سمعت أحمد بن حنبل - وقلت له: إن علي بن المديني تكلم في عمرو بن
مرزوق؟، فقال: "عمرو بن مرزوق رجل صالح، لا أدري ما يقول علي"!
قال
أبو زرعة: وبلغني عن أحمد بن حنبل أنه قال: "عفان كان يرضى عمرو بن مرزوق،
ومن كان يرضى عفان؟".
وقال
أبو بكر عبدالله بن محمد بن الفضل الأسدي: قال أحمد بن حنبل لابنه صالح حين قدم من
البصرة: لِمَ لَمْ تكتب عن عمرو بن مرزوق؟ فقال: "نهيت"، فقال: "عفان
كان يَرْضَى عمرو بن مرزوق ومن كان يُرْضِي عفان؟".
وَقَال
أَبُو عُبَيداللَّه الحداني عَنْ أَحْمَد بن حَنْبَل: "ثقة مأمون فتشنا عما
قيل فيه فلم نجد له أصلا".
وقال
أبو زرعة: سمعت سليمان بن حرب يقول: وذكر عمرو بن مرزوق، فقال: "جاء بما ليس
عندهم فحسدوه".
وقال
البرذعي: قال لي أبو زرعة في عمرو بن مرزوق: أنا أخبرك بأمره، سئل أبو الوليد -
يعني الطيالسي- عنه؟ فأثنى عليه خيرا، فذهبوا إليه فسمعوا من أحاديث لزائدة،
وعرضوها على أبي الوليد، فقال أبو الوليد: إنما سمع هو من زائدة بعبادان. قال أبو
زرعة عنه: روى ثلاثة آلاف عن شعبة.
وقال
عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عمرو بن مرزوق؟ فقال: "ثقة، وكان من العُبَّاد،
ولم نجد من أصحاب شعبة ممن كتبنا عنه أحسن حديثًا منه".
وقَال
مُحَمَّد بن مسلم بن وارة: سألت أبا الوليد – يعني: الطيالسي - عن عَمْرو ابن مرزوق؟
فقال: "لا أقول لك فيه شيئا"! فجهدت فأبى.
وقال
عبيدالله بن عمر القراريري: "كان يحيى بن سعيد لا يرضى عمرو بن مرزوق في
الحديث".
وقال
علي بن المديني: "اتركوا حديث الفهدين والعمرين - يعني: فهد بن حيان، وفهد بن
عوف، والعمرين: عمرو بن حكّام، وعمرو بن مرزوق".
وقال
العجلي: "بصري، ضعيف، يحدث عن شعبة، ليس بشيء".
وقال
أبو الفتح الأزدي الموصلي: "عمرو بن مرزوق تكلموا في حديثه".
وقال:
"وكان سماع أبي داود وعمرو بن مرزوق من شعبة شيء واحد، وكان علي بن المديني
صديقًا لأبي داود، وكان أبو داود لا يحدث حتى يأمره علي بن المديني. وكان يحيى بن
معين يُطري عمرو بن مرزوق ويرفع ذكره لطاعة أبي داود لعلي بن المديني".
وقال
الساجي: "صدوق من أهل القرآن والجهاد، كان أبو الوليد يتكلم فيه".
وقال
ابن المديني: "ذهب حديثه".
وقال
ابن عمار الموصلي: "ليس بشيء".
وقال
ابن شاهين: "عمرو بن مرزوق البصري: كذاب ليس بشيء"!
وذكر
أبو عبدالله الحاكم أنه سأل عنه الدارقطني؟ قال: قلت: فعمرو بن مرزوق؟ قال: "صدوق
كثير الوهم".
وذكره
ابن حبان في «الثقات»، وقال: "رُبمَا أَخطَأ. لم يكثر خَطؤُهُ حَتَّى يعدل
بِهِ عَن سنَن العُدُول، وَلكنه أَتَى مِنْهُ بِمَا لَا يَنْفَكّ مِنْهُ البشر،
وَلَيْسَ الشَّيْء الَّذِي عَلَيْهِ الْعَالم مجبولون حَتَّى لَا يَنْفَكّ مِنْهُ
أحد مِنْهُم بِمُوجب من وجد ذَلِك فِيهِ قد جَاءَ مَا لم يفحش ذَلِك مِنْهُ فَإِذا
فحش اسْتحق إلزاق الوهن بِهِ حينئد".
وقال
ابن حجر: "ثقةٌ فاضلٌ له أوهامٌ".
·
التعليق على اعتراض صاحبي
التحرير!!
فتعقبه
صاحبا التحرير بشار عواد وشعيب الأرنؤوط، فقالا: "قوله: (له أوهام)، لو لم
يذكره، لكان أحسن، فهذا الرجلُ ثقةٌ كبير، قال ابن حبان: "ربما أخطأ، لم يكثر
خطؤه حتى يُعدلَ به عن سنن العُدول، ولكنه أتى بما لا يَنْفَكُّ منه البشرُ"،
وهذا قولٌ منصف. وقد قال أحمد: "ثقة مأمون فتشنا عما قيل فيه، فلم نجد له
أصلًا"، وقال ابن معين: ثقة مأمون صاحب غزو وقرآن وفضل، وحمده جدًّا. وقال
أبو زرعة: سمعت سليمان بن حرب، وذكر عمرو بن مرزوق، فقال: جاء بما ليس عندهم
فحسدوه. وقال أبو حاتم: كان ثقة من العباد، ولم نجد أحدًا من أصحاب شعبة كتبنا عنه
كان أحسن حديثًا منه. فهؤلاء أئمة الجرح والتعديل، وهم من المتشددين، فكيف يقال
عمن قيل فيه كل هذا: له أوهام؟!".
قلت:
هذا ليس من الإنصاف!! فهما - أعني بشاراً وشعيباً - قد ساقا أقوال من وثقه! وأعرضا
عن أقوال من ضعّفه!! وما هكذا تورد الإبل!!
وقولهما:
"فهؤلاء أئمة الجرح والتعديل وهم من المتشددين"!! فيه تلبيس وتدليس!!
نعم
هم من أئمة الجرح والتعديل، وهناك من أئمة هذا الفن من خالفهم! وكلامهم يوحي بأن
أئمة الجرح والتعديل اتفقوا على حاله! وليس كذلك! فقد تقدمت أقوال غيرهم من أئمة
هذا الفن في تضعيفه!
وهذه
الدندنة حول مسألة تشدد فلان في الجرح فيها نظر!!! فكل إمام قد تجده يتشدد في بعض
الرواة في حين يخالفه غيره، ويتساهل في بعضهم ويخالفه غيره، فهي مسألة غير منضبطة.
وأين
هما عن قول الدارقطني – وهو من أئمة هذا الفن -: "صدوق كثير الوهم"!!!
والراجح
عندي في حال عمرو بن مرزوق أنه صدوق الحال، وله بعض الأوهام، ولا يحتج بما انفرد
به.
وقد
روى عنه البخاري مقروناً بغيره.
وذكر
الحافظ ابن حجر أن البخاري لم يخرج له إلا حديثين، أحدهما متابعة والآخر مقرونًا
ثم قال: "فوضح أنه لم يخرج له احتجاجًا، والله أعلم".
·
متابعة أبي داود الطيالسي لعمرو
بن مرزوق!
أخرج
البزار في «مسنده» (15/381) (8982) قبل رواية عمرو بن مرزوق لهذا الحديث متابعة
له، فقال:
حَدَّثَنا
عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ - فيما أحسب -، قَال: حَدَّثنا أَبُو داود الطيالسي، قَال:
حَدَّثنا عَبدالرَّحْمَنِ بنُ عَبداللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَن أَبِيه، عَن أبي
صالح، عَن أبي هُرَيرة، نحوه.
قلت:
إن
صحت هذه الرواية عن أبي داود الطيالسي فتكون متابعة جيدة لعمرو بن مرزوق، وعليه
يكون التفرد في هذا الحديث من قِبل عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار عن أبيه!!!
لكن
قول البزار فيه: "حَدَّثَنا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ - فيما أحسب -..." يوحي
بأنه ربما وقع له وهم في هذا لقوله: "فيما أحسب"!!! لأن هذا الحديث لا
يُعرف أن أبا داود الطيالسي حدّث به! ولا أعرف أن أبا داود الطيالسي روى عن
عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار!
ويُحتمل
أنه إن حدّث به يكون هو حديث عمرو بن مرزوق؛ لأن كتب عمرو بن مرزوق كانت عند أبي
داود الطيالسي، وكانا يطلبان الحديث مع بعضهما.
قال
عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: قلت لأبي سلمة موسى بن إسماعيل: كتب عمرو
بن مرزوق الحديث مع أبي داود الطيالسي؟ فغضب! وقال: "أبو داود كان يطلب
الحديث مع عمرو بن مرزوق".
قلت:
في كلامه تقديم عمرو على أبي داود الطيالسي.
وقال
سَعِيد بن سعد البخاري نزيل الريّ: سمعت مسلم بن إبراهيم يقول: "كانت الكتب
التي عند أَبِي داود لعَمْرو بن مرزوق، وكان عَمْرو رجلا غزّاء يغزو في البحر،
وكانت الكتب عند أَبِي داود إلى أن مات أَبُو داود، فلما مات أبو داود حولها
عَمْرو بن مرزوق".
قال
سَعِيد بن سعد: فقال لي عَلِيّ بن المديني: اختلف إلى مسلم بن إبراهيم ودع عَمْرو
بن مرزوق، فأتيت مسلمًا في يوم مجلس عَمْرو بن مرزوق، فقال لي: اليوم يجلس عَمْرو بن
مرزوق. كيف جئتني؟ فقلت: إن عَلِيّ بن المديني أمرني أن آتيك.
قلت:
فلعله إن ثبت أن الطيالسي حدّث به عنه فيرجع إلى حديث عمرو بن مرزوق؛ لأنه كان
يصحبه في الطلب، وفي توجيه ابن المديني لسعيد بن سعد أن يحضر مجلس مسلم بن إبراهيم
الأزدي البصري الحافظ لا مجلس عمرو بن مرزوق توهين ابن المديني لعمرو، والله أعلم.
ولو
ثبت أن أبا داود الطيالسي تابع عمرو بن مرزوق عليه، فيكون الحديث تفرد به عبدالرحمن
بن عبدالله بن دينار عن أبيه!
لكن
رُوي أنّ صفوان بن سُليم المدنيّ الثقة تابعه عليه!!
·
هل تابع صفوان بن سُليم عبدالرحمن
بن عبدالله بن دينار!
أخرجه
ابن ماجه في «سننه» (5/249) (4136) قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بنُ حُمَيْد بن
كَاسِب، قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ سَعِيدٍ، عَنْ صَفْوَانَ بن سليم، عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ
الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا
انْتَقَشَ».
وأخرجه
ابن عساكر في «تاريخه» (51/218) من طريق أبي عثمان سَعِيد بن يحيى بن كثير
الأَنْصارِيّ، عن إسحاق - يعني: ابن إبراهيم، عن صفوان - يعني: ابن سليم – قال:
قال عبدالله بن دينار: قال أبو صالح: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: «تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الحلة وعبد الخميصة، تعس ونكس، وإذا شيك
فلا انتقش. طوبى لعبد مغبر قدمه في سبيل الله شعث رأسه إذا كانت الساقة كان فيهم،
وإذا كان الحرس كان فيهم، إن شفع لم يشفع وإن استأذن لم يؤذن، له طوبى له ثم طوبى
له».
قلت:
تفرد
به عن صفوان: إسحاق بن سعيد، وهو: إسحاق بن إبراهيم بن سَعِيد المدني، وهو ليس
بشيء، منكر الحديث!
قال
ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: "هو لين الحديث".
قال:
وسألت أبا زرعة عنه؟ فقال: "ليس بقوي، منكر الحديث".
وذكره
ابن حبان في الطبقة الرابعة من الثقات، وقال: "كَانَ يخطىء".
وقال
الباغندي: "عنده مناكير".
فهذه
المتابعة لعبدالرحمن بن عبدالله بن دينار لا تصح!
والذي
أميل إليه أن الحديث تفرد به عمرو بن مرزوق عنه، ورواية الطيالسي عنه فيها نظر،
والله أعلم.
والخلاصة
أن هذه الرواية منكرة!
·
رواية أخرى لهذا الحديث عن
عبدالله بن دينار! وهي منكرة!
روى
ابن عدي في «الكامل» (3/125) عن السَّاجِيّ.
وفيه
(7/521) عن عَبدالرَّحْمَنِ بن عَبدالْمُؤْمِنِ.
كلاهما
(الساجي، وعبدالرحمن) عن مُحَمد بن ميمون الخياط، قال: حَدَّثَنا مُحَمد بنُ المَنَاذِرِ
الشَّاعِرُ، عَنِ الحَسَنِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبداللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عنِ ابنِ
عُمَر قَال: قال رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ: «تَعِسَ عَبد
الدِّينَارِ، وَعَبد الدِّرْهَمِ، وَعَبد الْخَمِيصَةِ، وَإذا شِيكَ فَلا
انْتُقِشَ».
قال
ابن عدي: "وهذا لا أعرفه عن عَبداللَّهِ بنِ دِينَارٍ إِلا مِنْ رِوَايَةِ
الحَسَنِ بنِ دِينَارٍ عنه، وعنه ابن مُنَاذِرٍ، وَمُحمد بنُ مُنَاذِرٍ لَمْ
يَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيثِ وكَانَ الغَالِبُ عَلَيْهِ المُجُونُ واللَّهْوُ".
وقال
في الموضع الآخر: "وهذا الحَدِيثُ لا نَعْرِفُهُ عَنْ عَبداللَّهِ بنِ
دِينَارٍ، عنِ ابنِ عُمَر إِلا مِنْ حَدِيثِ الحَسَنِ بنِ دينار، وعنه ابن
مُنَاذِرٍ، وإِنَّما روي هذا عَنْ عَبدالرَّحْمَنِ بنُ عَبداللَّهِ بْنِ دِينَارٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَن أَبِي صَالِحٍ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ".
قلت:
ابن
مُناذر الشاعر ليس بثقة!
قال
إبراهيم بن الجنيد عن ابن معين: "لم يكن بثقة، ولا مأمون، رجل سوء نفي من البصرة.
وذكر عنه مجونا وغير ذلك"، فقلت: إنما نكتب عنه شعرا وحكايات عن الخليل بن
أحمد! فقال: "هذا نعم"، كأنه لم ير بهذا بأسا، ولم يره موضعا للحديث.
وقال
عباس الدوري: سَمِعت يحيى يَقُول: وَذكرت لَهُ شَيخنَا كَانَ يلْزم سُفْيَان بن
عُيَيْنَة يُقَال لَهُ ابن مناذر، فقالَ: "أعرفهُ كَانَ صَاحب شعر، وَلم يكن
من أَصْحَاب الحَدِيث، وَكَانَ يُرْسل العقارب فِي مَسْجِد الحَرَام حَتَّى تلسع
النَّاس، وَكَانَ يصب المداد فِي المَوَاضِع الَّتِي يتوضى مِنْهَا حَتَّى تسود
وُجُوه النَّاس! لَيْسَ يرْوي عَنهُ رجل فِيهِ خير".
وقال
العَبَّاس الدوري: سَمِعت بعض أَصْحَابنَا يَقُول: سَمِعت أَبَا عبدالله أَحْمد بن
حَنْبَل يَقُول: "كانَ ابن مناذر زنديقا".
وقال
السَّاجِي: "عنده مناكير".
وقال
ابن حبان: "كَانَ مَاجِنًا مظْهرا للمجون لا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ".
والحسن
بن دينار وهو الحسن بن واصل، بصري متروك الحديث، ليس بشيء!!
·
تخريج البخاري للحديث المرفوع في «صحيحه»!
أخرج
البخاري الحديث بدون الزيادة التي زادها عمرو بن مرزوق كما سبق، وأخرجه أيضاً في «صحيحه»،
كتاب الرقاق، بَابُ مَا يُتَّقَى مِنْ فِتْنَةِ المَالِ، وَقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15]، (8/92)
(6435)، قال: حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ
أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعِسَ عَبْدُ
الدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمِ، وَالقَطِيفَةِ، وَالخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ،
وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ».
وأخرجه
ابن ماجه في «سننه»، كتاب الزهد، (2/1385) (4135) عن الحَسَن بن حَمَّادٍ.
والبزار
في «مسنده» (15/391) (9009) من طريق عَاصِم بن يوسف اليربوعي.
وأبو
يعلى الموصلي في «معجمه» (ص: 128) (134) عن الحَسَن بن حَمَّادٍ سَجَّادَة.
وابن
حبان في «صحيحه» (8/12) (3218) عن أَبي يَعْلَى المَوْصِلِي.
والبيهقي
في «سننه» (10/414) (21148) من طريق يَحْيَى بن يُوسُفَ الزِّمِّيّ، ومُسْلِم بن
سَلَّامٍ.
كلهم
عن أبي بَكْرِ بن عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حَصَيْنٍ عثمان بن عاصم الكوفي.
وقد
أشار البخاري إلى الاختلاف فيه على أبي حصين:
فرواه
أبو بكر بن عياش، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وخالفه:
إِسْرَائِيلُ بن يونس ابن أبي إسحاق السبيعي، وَمُحَمَّدُ بنُ جُحَادَةَ، فروياه عَنْ
أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، موقوفاً.
ولم
يقف ابن حجر على رواية إسرائيل ومحمد بن جحادة.
وقال
في «الفتح» (11/254): "قال الْإِسْمَاعِيلِيُّ: وَافَقَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى
رَفْعِهِ: شَرِيكٌ القَاضِي وقَيْسُ بنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي حَصِينٍ، وخَالَفَهُمْ
إِسْرَائِيلُ، فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي حَصِينٍ مَوْقُوفًا. قُلْتُ: إِسْرَائِيلُ
أَثْبَتُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّ اجْتِمَاعَ الجَمَاعَةِ يُقَاوِمُ ذَلِكَ،
وَحِينَئِذٍ تَتِمُّ المُعَارَضَةُ بَيْنَ الرَّفْعِ وَالوَقْفِ فَيَكُونُ الحُكْمُ
لِلرَّفْعِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".
قلت:
اقتصر هنا على ذكر مخالفة إسرائيل فقط؛ لأنه وقع في بعض نسخ البخاري ذكره فقط، لكن
الأصح أنه ذكر إسرائيل ومحمد بن جحادة كما في كتب الشروح، وكذا تحفة المزي.
وعليه
فإن أبا بكر بن عياش، وشريك القاضي، وقيس بن الربيع، رفعوه! وخالفهم إسرائيل،
ومحمد بن جحادة فوقفوه، فهذه جماعة مقابل جماعة، لكن إسرائيل ومحمد بن جحادة أوثق
بمئات المرات من الجماعة الأولى! بل إن شريك القاضي وقيس بن الربيع متفق على
ضعفهم، فرفعهم للحديث وهم منهما!
واعتماد
البخاري على رواية أبي بكر بن عياش المرفوعة! لكن إسرائيل أوثق منه وأثبت، فكيف
إذا وافق إسرائيل على وقفه الثقة الثبت محمد بن جحادة!!!
وأبو
بكر بن عياش كان يخطئ في حديثه!
قَال
عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أبيه قال: "أبو بكر بن عياش: ثقة، وربما غلط".
وقال
مهنأ: سألت أحمد: أبو بكر بن عياش أحبّ إليك أو إسرائيل؟ قال: "إسرائيل".
قلت: لم؟ قال: "لأن أبا بكر كثير الخطأ جدا"، قلت: كان في كتبه خطأ؟ قال:
"لا، كان إذا حدث من حفظه".
وقال
يعقوب بن شيبة: "شيخ قديم معروف بالصلاح البارع، وكان له فقه كثير وعلم
بأخبار الناس، ورواية للحديث، يعرف له سنة وفضل، وفي حديثه اضطراب".
وقال
علي بن المديني عن يحيى بن سعيد: "لو كان أبو بكر بن عياش حاضرا ما سألته عن
شيء"، ثم قال: "إسرائيل فوق أبي بكر"، وكان يحيى بن سعيد إذا ذكر
عنده كلح وجهه.
وقال
أبو نُعيم: "لم يكن في شيوخنا أحد أكثر غلطا منه".
وقال
البزار: "لم يكن بالحافظ، وقد حدث عنه أهل العلم واحتملوا حديثه".
وقال
الساجي: "صدوق يهم".
وقال
الحاكم أبو أحمد: "ليس بالحافظ عندهم".
وقال
الذهبي: "صدوق ثبت في القراءة، لكنه في الحديث يغلط ويهم. وقد أخرج له
البخاري، وهو صالح الحديث، لكن ضعّفه محمد بن عبدالله بن نمير".
وقال
ابن حجر: "ثقة عابد، إلا أنه لما كبر ساء حفظه، وكتابه صحيح".
وعليه
فالصواب في الحديث أنه موقوف على أبي هريرة كما رواه إسرائيل بن يونس، ومحمد بن
جحادة، ووهم من رفعه!!
فالحديث
من قول أبي هريرة.
وقد
روى ابن المبارك في «الزهد» (1/197) (562) قَالَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بنُ سَبْرَةَ،
قَالَ: سَمِعْتُ المَقْبُرِيَّ يَقُولُ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «تَعِسَ عَبْدُ
الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، بَادِرُوا النَّوْكَى المُكِبِّينَ عَلَى
الدُّنْيَا».
قلت:
عيسى بن سبرة: متروك الحديث!
وأخرجه
أبو الشيخ الأصبهاني في «أمثال الحديث» (ص: 154) (116) من طريق ابن نُمَيْرٍ، عن
إِسْمَاعِيل بن رَافِعٍ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعِسَ عَبْدُ
الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الدِّينَارِ، وَتَعِسَ عَبْدُ الْحُلَّةِ، تَعِسَ عَبْدُ
الْقَطِيفَةِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلَا
انْتَقَشَ، طُوبَى لِعَبْدٍ عَرَّسَ جِلْدَهُ، دَنَّسَ ثِيَابَهُ، يَكُونُ
بِالنَّهَارِ عَلَى السَّاقَةِ وَبِاللَّيْلِ فِي الْحَرَسِ، إِنَّ حَقًّا عَلَى
اللَّهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ مِنَ الْحُورِ».
قلت:
إِسْمَاعِيل بن رافع بن عويمر الأَنْصارِيّ، أَبُو رافع القاص المدني، نزيل البصرة:
منكر الحديث، ليس بشيء!
·
تنبيه على خطأ في مطبوع «السنن
الكبرى» للبيهقي!
قال
البيهقي بعد تخريج الحديث في الموضع السابق: "رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي
الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بنِ يُوسُفَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ
مُسْلِمِ بنِ سَلَّامٍ".
كذا
في المطبوع!! "ورواه مسلم"!! وهو خطأ!! فمسلم لم يخرّجه! بل لم يخرج
لمسلم بن سلّام مطلقاً.
«قطف الأزهار» في
كشف علل حديث «عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار»!
بعد
أن تكلمنا على الأحاديث الأربعة عشر التي خرّجها البخاري لعبدالرحمن بن عبدالله بن
دينار في «صحيحه»، وجدت من باب إتمام الفائدة الكلام على بقية أحاديثه خارج «الصحيح».
ومما
وقفت عليه من ذلك:
·
الحديث الأول: حديث تفرد به عن
أبيه عن أبي صالح! وهو مشهور عن أبي صالح من غير طريق أبيه.
أخرج
أحمد في «مسنده» (16/438) (10753) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالصَّمَدِ، قال: حَدَّثَنَا
عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَبداللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَوْكٍ، فَنَحَّاهُ عَنِ الطَّرِيقِ،
فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَأَدْخَلَهُ الجَنَّةَ».
وأخرجه
البزار في «مسنده» (15/382) (8985) في أفراد عبدالرحمن: عن عَبدة، عن عَبدالصمد،
به.
وهذا
الحديث لم يروه عن عبدالله بن دينار إلا ابنه عبدالرحمن!
وهو
محفوظ من طرق أخرى عند المدنيين من حديث أبي صالح، عن أبي هريرة.
رواه
مالك في «موطئه» (1/131) (6) عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ،
عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، إِذْ وَجَدَ
غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ
لَهُ».
وَقَالَ:
«الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِقُ، وَصَاحِبُ
الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
وَقَالَ:
«لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ
يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ
مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي
الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا».
وأخرجه
البخاري في «صحيحه» (1/132) (652) عن قُتَيْبَة.
ومسلم
في «صحيحه» (3/1521) (1914) عن يَحْيَى بن يَحْيَى.
كلاهما
عن مَالِكٍ، به، بطوله.
ورواه
الحميدي في «مسنده» (2/280) (1174)، وأحمد في «مسنده» (13/235) (7841) عن سُفْيَان
بن عُيَيْنَةَ.
ورواه
أحمد أيضاً في «مسنده» (14/194) (8498) عن عَفَّان، عن وُهَيْب.
و
(15/139) (9246) عن خَلَف بن الوَلِيدِ، عن إسماعيل بن عَيَّاشٍ.
وابن
المقرئ في «معجمه» (ص: 215) (683) من طريق عَبَّاس الدُّورِيّ، عن خَالِد بن
مَخْلَدٍ، عن سُلَيْمَان بن بِلَالٍ.
كلهم
عن سُهَيْل بن أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «أَنَّ رَجُلًا مَرَّ بِغُصْنٍ مِنْ
شَوْكٍ فَرَفَعَهُ عَنِ الطَّرِيقِ، فَغُفِرَ لَهُ». وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ:
«فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ».
وفي
رواية أحمد عن سفيان موقوف.
قَالَ
عَبْدُاللهِ بن أحمد: "وَهَذَا الْحَدِيثُ مَرْفُوعٌ وَلَكِنْ سُفْيَانُ
قَصَّرَ فِي رَفْعِهِ".
ورواه
مسلم في «صحيحه» (4/2021) (1914) عن أَبي بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ، عن عُبَيْداللهِ
بن موسى، عن شَيْبَان بن عبدالرحمن، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
«لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا
مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ».
وروى
مسلم أيضاً بعده عن مُحَمَّد بن حَاتِمٍ، عن بَهْز، عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ، عَنْ
ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ شَجَرَةً كَانَتْ تُؤْذِي
الْمُسْلِمِينَ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَطَعَهَا، فَدَخَلَ الْجَنَّةَ».
ورواه
أحمد في «مسنده» (16/198) (10289) عن عَبْدالرَّحْمَنِ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنِ العَلَاءِ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، بنحوه.
ورواه
أيضاً (15/418) (9669) عن ابن نُمَيْرٍ، عن هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «غُفِرَ
لِرَجُلٍ نَحَّى غُصْنَ شَوْكٍ عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ».
فالحديث
معروف ومشهور عن أبي هريرة، ومشهور من حديث أبي صالح السمان، رواه عنه: سُمي،
وسهيل.
وأما
طريق عبدالله بن دينار عن أبي صالح، فقد تفرد بها عنه ابنه!
·
الحديث الثاني: حديث تفرد به
عبدالرحمن، وفيه نكارة!!
أخرج
أحمد في «مسنده» (16/543) (10931).
وابن
أبي عاصم في «السنّة» (1/271) (611) عن أَبي بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ.
والبزار
في «مسنده» (15/252) (8713) عن الفَضْل بن سَهْل، وَإِبْرَاهِيم بن زِيَادٍ الصائغ.
أربعتهم
(أحمد، وابن أبي شيبة، والفضل، والصائغ) عن الحَسَن بن مُوسَى الأشيب.
وأخرجه
أحمد في «مسنده» (14/134) (8410).
والبيهقي
في «البعث والنشور» (ص: 314) (566)، والخطيب البغدادي في «الكفاية» (ص243) من طريق
أَحْمَد بن الخَلِيلِ.
كلاهما
(أحمد، وأحمد بن الخليل) عن أَبي النَّضْرِ هاشم بن القاسم.
وأخرجه
ابن عدي في «الكامل» (5/488) من طريق مُحَمد بن عَبدالحَكَمِ القِطْرِيّ، عن آدم
بن أبي إياس.
ثلاثتهم
(الحسن الأشيب، وأبو النضر، وآدم) عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن عَبْدِاللهِ بنِ
دِينَارٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ضِرْسُ
الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَفَخِذُهُ مِثْلُ البَيْضَاءِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ
كَمَا بَيْنَ قُدَيْدٍ، وَمَكَّةَ، وَكَثَافَةُ جِلْدِهِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ
ذِرَاعًا بِذِرَاعِ الجَبَّارِ».
واقتصر
آدم في روايته على لفظ: «مَقْعَدُ الرِّجَلِ مِنَ النَّارِ كَمَا بين قديد ومكة».
قال
البزار: "هذا الحَدِيثُ لا نَعْلَمُ رواه عَن زَيد بنِ أَسْلَمَ، عَن عَطاء
بْنِ يسار، عَن أبي هُرَيرة إلاَّ عَبدالرَّحْمَنِ بنُ عَبداللَّهِ بْنِ دِينَارٍ،
ورواه غير واحد عن عَبدالرحمن".
وقال
ابن حجر في «الفتح» (11/423): "وأَخْرَجَهُ البَزَّارُ مِنْ وَجْهٍ ثَالِثٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِ: غِلَظُ جِلْدِ
الْكَافِرِ وَكَثَافَةُ جِلْدِهِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ الجَبَّارِ".
وحسّن
إسناده الألباني في تخريجه لكتاب «السنة» (1/271)، وذكره في «صحيحته» (1105)،
وصححه بمجموع طريقه!! ولم يتنبّه لما في متنه من نكارة!!
وذكره
ابن عدي في منكرات «عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار» في ترجمته في «الكامل».
ولم
يروه عن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
بهذا الإسناد إلا هو! وله طرق أخرى عن أبي هريرة فيها نظر أيضاً!
·
طريق آخر عن أبي هريرة!
وقد
أخرج مسلم في «صحيحه» (4/2189) (2851) عن سُرَيْج بن يُونُسَ، قال: حَدَّثَنَا
حُمَيْدُ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنِ الحَسَنِ بنِ صَالِحٍ، عَنْ هَارُونَ بنِ
سَعْدٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ضِرْسُ الكَافِرِ - أَوْ نَابُ الكَافِرِ -
مِثْلُ أُحُدٍ، وغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ».
وأخرجه
الطبراني في «المعجم الأوسط» (8/94) (8073) عن مُوسَى بن هَارُونَ.
وابن
عدي في «الكامل» (8/439) في ترجمة «هارون بن سعد» عن إِبْرَاهِيم بن أَسْبَاطٍ.
كلاهما
عن سريج بن يُونُس، به.
وأخرجه
ابن عدي أيضاً عن عَلِيّ بن سَعِيد.
وابن
حبان في «صحيحه» (16/532) (7487) عن أَحْمَد بن عَلِيِّ بنِ المُثَنَّى أبي يعلى
الموصلي.
كلاهما
(علي بن سعيد، وأبو يعلى) عن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيمَ بنِ أَبِي إِسْرَائِيلَ
المَرْوَزِيّ، عن حُمَيْد بن عَبدالرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيّ، به.
قال
الطبراني: "لمْ يَرْوِ هذا الحَدِيثَ عَنْ هَارُونَ بنِ سَعْدٍ إِلَّا حَسَنُ
بنُ صَالِحٍ، وَلَا عَنْ حَسَنٍ إِلَّا حُمَيْدُ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ".
قلت:
هذا الحديث تفرد به حميد بن عبدالرحمن الرؤاسي عن حسن بن صالح! ولا يُعرف عن هارون
بن سعد إلا من هذا الطريق!!
·
حال هارون بن سعد الكوفي.
وقد
أورد ابن عدي هذا الحديث في ترجمة «هارون بن سعد» من «الكامل»، وأورد له بعض
الأحاديث الأخرى، ثم قال: "وهارون بْن سعد له غير ما ذكرت أحاديث يسيرة، وليس
فِي حديثه حديث منكر فأذكره، وأرجُو أَنَّهُ لا بأس بِهِ".
قال
عباس الدوري: سمعت يَحْيى يَقُول: "وكان هَارُون بن سعد من المغلية فِي
التشيع، وكان من الخربية". [الخربية: من الشيعة الذين يرون جواز إيتاء النساء
من أدبارهن].
وقال
عثمان بن سَعِيد الدارمي: سألت يَحْيى عن هَارُون بن سعد، كيف هو؟ قال: "ليس
به بأس".
وقال
عَبداللَّهِ بن أَحْمَد: سألت أَبِي عن هَارُون بن سعد؟ فقَالَ: "روى عَنْهُ
الناس وأظنه كَانَ يتشيع، وهو صالح".
وقال
ابن أبي حاتم: سألت أبي عن هارون بن سعد؟ فقال: "لا بأس به، روى عنه الثوري،
وكان خرج مع إبراهيم بن عبدالله بن الحسن، فلما هزم ابراهيم هرب إلى واسط فكتب عنه
الواسطيون".
وذكره
ابن حبان في «الثقات» (7/579) (11557) فقال: "هَارُون بن سعد العجلِيّ من أهل
الكُوفَة، يروي عَن أبي الضُّحَى".
ثم
ذكره في «المجروحين» (3/94) (1165) فقال: "هَارُون بن سعد العجلِيّ من أهل الكُوفَة،
يروي عَن الكُوفِيّين. روى عَنهُ المَسْعُودِيّ وَأهل بَلَده، كَانَ غاليا فِي
الرَّفْض، وَهُوَ رَأس الزيدية، كَانَ مِمَّن يعْتَكف عِنْد خَشَبَة زيد بن عَليّ،
وَكَانَ دَاعِيَة إِلَى مذْهبه، لا يحل الرِّوَايَة عَنهُ، ولا الِاحْتِجَاج بِهِ
بِحَال".
فتعقّبه
الذهبي في «تاريخ الإسلام» (3/998): "وقَدْ شَذَّ ابنُ حِبَّانَ -
كَعَوَائِدِهِ - فَقَالَ: لا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، كَانَ غَالِيًا فِي
الرَّفْضِ، وَهُوَ رَأْسُ الزَّيْدِيَّةِ مِمَّنْ كَانَ يَعْتَكِفُ عِنْدَ
خَشَبَةِ زَيْدٍ الَّتِي هُوَ مَصْلُوبٌ عَلَيْهَا وَكَانَ دَاعِيَةً إِلَى
مَذْهَبِهِ.
قُلْتُ:
لَمْ يَكُنْ غَالِيًا فِي رَفْضِهِ، فَإِنَّ الرَّافِضَةَ رَفَضَتْ زَيْدَ بْنَ
عَلِيٍّ وَفَارَقَتْهُ، وَهَذَا قَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ".
لكنه
قال في «ميزان الاعتدال» (4/284): "صدوق في نفسه، لكنه رافضي بغيض".
وقال
الساجي: "كان ممن يغلو في الرفض".
وفي
كتاب أبي العرب: ذكر ابن قتيبة هارون بن سعد، وروى له شعراً يطعن فيه على الرافضة:
ألم
تر أن الرافضين تفرقوا ... وكلهمُ في جعفر قال منكرا
فطائفة
قالوا: إمام، ومنهمُ ... طوائف سمته النبي المطهرا
ومن
عجب لم أقضه جلد جفرهم ... تبرأت إلى الرحمن ممن تجفرا
برئت
إلى الرحمن من كل رافض ... يصير بباب الكفر في الدين أعورا
إذا
كف أهل الحق عن بدعة يمضي ... عليها، وإن يمضوا على الحق قصرا
وذكره
ابن شاهين في كتاب «الثقات»، وذكر أن أحمد بن حنبل قال: أظنه يتشيع.
وخرج
الحاكم حديثه في صحيحه، وكذا أبو عوانة. [إكمال تهذيب الكمال (12/108)].
قلت:
هذا الحديث غريب عنه، والتفرد به لا يُحتمل! على أن راويه «هارون» - إن ثبت عنه -
قد يكون ليس ابن سعد الكوفي بل آخر! هو: «هارون أبو محمد»!
·
هل راوي الحديث هو «هارون» آخر؟!
وهذا
يتفرد بالرواية عنه الحسن بن صالح بحديث، ويرويه عن الحسن حميد الرؤاسي، فله
الإسناد نفسه الذي يُروى به حديث «هارون بن سعد»!
قال
عبدالله بن أحمد في «العلل» (1/557) (1330) سَأَلت أبي عَن حَدِيث حسن بن صَالح،
عَن هَارُون أبي مُحَمَّد، عَن مقَاتل بن حَيَّان؟ فَقَالَ أبي: "لَيْسَ
هَذَا هَارُون بن سعد الَّذِي حدث عَنهُ شريك، هَذَا هَارُون أَبُو مُحَمَّد رجل
آخر".
وقال
في موضع آخر (3/383) (5682): - سَأَلت أَبِي عَن حَدِيث حميد الرُّؤَاسِي عَن حسن
بن صَالح، عَن هَارُون أبي مُحَمَّد قَالَ: حَدثنِي مقَاتل بن حَيَّان، عَن
قَتَادَة، عَن أنس؟ قَالَ أبي: "لَيْسَ هَذَا هَارُون بن سعد الَّذِي حدث
عَنهُ شريك، هَذَا رجل آخر يُقَال لَهُ: هَارُون أَبُو مُحَمَّد".
·
حديث هارون أبي محمد! وتحريف
فيه!!
أخرجه
الدارمي في «سننه» (4/2149) (3459) عن مُحَمَّد بن سَعِيدٍ الأصبهاني المعروف
بحمدان.
والترمذي
في «جامعه» (5/12) (2887) عن قُتَيْبَة، وسُفْيَان بن وَكِيعٍ.
وعن
أَبي مُوسَى مُحَمَّد بن المُثَنَّى، عن أَحْمَد بن سَعِيدٍ الدَّارِمِيّ، عن قُتَيْبَة.
والبزار
في «مسنده» (13/479) (7282) عن إسماعيل بن عَبدالله، عن قتيبة.
كلهم
عن حُمَيْد بن عَبْدِالرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ، عَنْ الحَسَنِ بنِ صَالِحٍ، عَنْ
هَارُونَ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بنِ حَيَّانَ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قَلْبًا، وَإِنَّ قَلْبَ الْقُرْآنِ يس، مَنْ
قَرَأَهَا، فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآنَ عَشْرَ مَرَّاتٍ».
قال
الترمذي: "هذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ حُمَيْدِ
بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، وَبِالبَصْرَةِ لاَ يَعْرِفُونَه مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ
إِلاَّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وَهَارُونُ أَبُو مُحَمَّدٍ شَيْخٌ مَجْهُولٌ... وَفِي
البَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَلاَ يَصِحُّ مِنْ قِبَلِ إِسْنَادِهِ
وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ".
قلت:
لم يتفرد به حميد الرؤاسي، بل توبع عليه. تابعه: عبدالله بن داود الخريبي.
أخرجه
محمد بن نصر المروزي في «مختصر قيام الليل» (ص: 168) قال: حَدَّثَنَا نَصْرُ بنُ
عَلِيٍّ، قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ عَبْدِاللَّهِ بنِ دَاوُدَ، عَنْ حَسَنِ
بنِ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي هَارُونُ أَبُو مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي
مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ
قَلْبًا، وَقَلَبُ الْقُرْآنِ يس».
قلت:
فهذا الإسناد هو نفسه الذي رُوي فيه حديث «ضِرْس الكَافِرِ»!
فيحتمل
أن «هارون بن سعد» هو «هارون أبو محمد» هذا المجهول! وحصل هناك تحريف!! والرسم
قريب! «عن هارون أبي محمد» تحرفت إلى «هارون بن سعد»! والله أعلم.
وهارون
بن سعد يكنى أبا محمد أيضاً كما صرّح ابن عدي في ترجمته! فلعل بعض الرواة ظنّ أنه
ابن سعد، فقال: «هارون بن سعد»!
ويُحتمل
أنه هو هو: «هارون بن سعد» هو «هارون أبو محمد»، وهذا الذي يميل إليه القلب.
·
تحريف في إسناد الحديث!
وجاء
في كل طرق الحديث، وفي كل الكتب المطبوعة التي خرجته كما سبق، وتاريخ بغداد، وغالب
كتب الرجال وغيرها: «عن مُقَاتِل بن حَيَّانَ»! وهو خطأ!! والصواب: «عن مُقَاتِل بن
سُليمان».
ومقاتل
بن حيان، ومقاتل بن سليمان من الطبقة نفسها، وكلاهما خراساني، ماتا في حدود سنة
(150 هـ)، لكن ابن حيان ثقة، وابن سليمان متروك متهم بالكذب!
وفي
«المنتخب من علل الخلال» (50): قرأتُ عَلَى زُهَيْرٍ: حَدَّثَكُمْ مُهَنَّأٌ،
قَالَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ حَدِيثِ الرُّوَاسِيِّ، عَنِ الحَسَنِ بنِ صَالِحٍ،
عَنْ هَارُونَ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بنِ حَيَّانَ، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ شَيْءٍ
قَلْبٌ، وَقَلْبُ الْقُرْآنِ يس»؟.
فقال
أَحْمَدُ: "هذا كَلامٌ موضوع".
وقال
ابن أبي حاتم في «العلل» (4/578) (1652): وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ
قُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ، وابْنُ أَبِي شَيْبة، عَنْ حُمَيد بن عبدالرحمن، عَنِ الحَسَنِ
بْنِ صَالِحٍ، عَنْ هَارُونَ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ مُقَاتِل، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قَلْبً،
وقَلْبُ القُرْآن ِ {يس}، ومَنْ قَرَأَ...»؟
قَالَ
أَبِي: "مُقَاتِلٌ هَذَا هُوَ: مُقَاتِل بنُ سُلَيمان، رأيتُ هذا الحديثَ
في أوَّلِ كتابٍ وضعَهُ مُقاتِلُ بن سُلَيمان، وهو حديثٌ باطلٌ لا أصلَ له".
وعليه
فالعهدة في هذا الحديث ليست على «هارون أبي محمد»! وإنما على مقاتل بن سليمان الذي
وضعه!
قال
الذهبي في «الميزان» (4/288): "هارون، أبو محمد [ت]. عن مقاتل بن حيان حديث:
قلب القرآن يس. قال الترمذي: مجهول.
قلت:
أنا أتهمه
بما رواه القضاعى في شهابه، أخبرنا أبو محمد، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن جامع،
حدثنا علي بن عبدالعزيز، حدثنا محمد بن سعيد، حدثنا حميد بن عبدالرحمن، عن حسن بن
صالح، عن هارون أبي محمد، عن مقاتل، عن قتادة، عن أنس - مرفوعاً: لكل شئ قلب وقلب
القرآن يس. فمن قرأها كتب له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرار".
قلت:
فالذهبي اتهم به هارون هذا؛ لأن ظنّ أن مقاتلاً هو ابن حيان! وليس كذلك! وإنما هو
مقاتل بن سليمان، وهو الذي وضعه كما قال أبو حاتم؛ لأنه رآه في كتاب له.
·
وهم للحافظ أبي الفتح الأزدي!
والعجب
من الذهبي! فإنه صرّح بأن مقاتلا في هذا الحديث هو ابن سليمان في ترجمة «مقاتل بن
حيّان» من «الميزان» (4/172)، فإنه نقل أقوال أهل العلم في «مقاتل بن حيان»، وقال:
"وقال أبو الفتح الأزدي: سكتوا عنه.
ثم
ذكر أبو الفتح، عن وكيع - أنه قال: ينسب إلى الكذب.
كذا
قال أبو الفتح، وأحسبه التبس عليه مقاتل بن حيان بمقاتل بن سليمان، فابن حيان صدوق
قوي الحديث، والذي كذبه وكيع فابن سليمان.
ثم
قال: وقال ابن معين: ضعيف.
وكان
أحمد بن حنبل لا يعبأ بمقاتل بن حيان، ولا بابن سليمان.
ثم
قال أبو الفتح: حدثنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، عن حميد الرؤاسي،
عن الحسن بن صالح، عن هارون أبي محمد، عن مقاتل، عن قتادة، عن أنس - مرفوعاً -
قال: قلب القرآن يس، فمن قرأها كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات.
قلت:
الظاهر أنه مقاتل بن سليمان، وقد جاء توثيق يحيى بن معين لابن حيان من وجوه عنه".
·
ترجمة أهل العلم لهارون أبي محمد!
وخطأ للبخاري!
فرّق
الإمام أحمد بين «هارون بن سعد العجلي» وبين «هارون أبي محمد» الذي يروي حديث «يس»!
وكذا فعل البخاري، فإنه ترجم لابن سعد، وترجم للآخر في «تاريخه الكبير» (8/226) (2815):
"هارون بن مُحَمَّد: عَنْ مقاتل بن حيان عن قتادة".
قلت:
كذا وقع في المطبوع: «بن محمد»! وهو خطأ! والصواب: «أبي»! وقد اعتمد البخاري ما
جاء في إسناد الحديث «مقاتل بن حيان»! فأخطأ!!
وقال
المزي في «تهذيب الكمال» (30/121) (6533): "هارون، أَبُو محمد.
رَوَى
عَن: مقاتل بن حيان (ت)، عَنْ قتادة، عَنْ أنس حديث: «إن لكل شيء قلبا وقلب
القرآن يس». رَوَى عَنه: الحَسَن بن صالح بْن حي (ت). روى له التِّرْمِذِيّ، وقال:
مجهول".
وقال
الذهبي في «الكاشف» (2/332) (5925): "هارون أبو محمد عن مقاتل بن حيان، وعنه
الحسن بن حي. مجهول (ت)".
وقال
ابن حجر في «التقريب» (7249): "هارون أبو محمد شيخ للحسن ابن صالح ابن حي،
مجهول، من السابعة (ت)".
قلت:
الذي
يرجح عندي أن هارون أبا محمد هذا الذي يروي عنه الحسن بن حيّ هو نفسه هارون بن سعد
العجلي وهو أبو محمد، وقد أخطأ من فرق بينهما كالإمام أحمد، والإمام البخاري،
وغيرهما!
وكأن
السبب في هذا هو ما جاء في نسبة الحديث أنه «عن مقاتل بن حيّان» وهو ثقة، فانّصب
الكلام على من رواه عنه وهو «هارون أبو محمد» فاستبعدوا أن يكون هذا هو «هارون بن
سعد» فقالوا: هو آخر، وهو مجهول!!!
والصواب
أن الحديث لمقاتل بن سليمان البلخي الكذاب وهو الذي وضعه.
وأستبعد
أن يروي الحسن بن صالح عنهما: «هارون بن سعد»، «هارون أبو محمد»!! وأحدهما معروف،
والآخر مجهول!!!
فهما
واحد: «هارون بن سعد أبو محمد».
ويروي
حميد عن حسن عنه بعض الآثار الأخرى.
روى
ابن أبي شيبة في «مصنفه» (4/241) (19668) قال: حدثنا حميد بن عبدالرحمن، عن حسن بن
صالح، عن هارون بن سعد، عن عكرمة: «كل من صيد المجوسي والنصراني واليهودي السمك».
·
غلّو هارون بن سعد في الرفض!
وروى
الحاكم في «المستدرك» (1/515) (1337) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ
إِسْحَاقَ، قال: أَنْبَأَنا مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوبَ، قال: حدثنا إِبْرَاهِيمُ بنُ
مُوسَى، قال: حدثنا حُمَيْدُ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ الرُّوَاسِيُّ، قال: حدثنا
الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ هَارُونَ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَانَ
عِنْدَ عَلِيٍّ مِسْكٌ، فَأَوْصَى أَنْ يُحَنَّطَ بِهِ قَالَ: وقَالَ عَلِيٌّ:
«وَهُوَ فَضْلُ حَنُوطِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
قلت:
هذا الأثر يدل على غلوه في الرفض!
وقد
ذكره العقيلي في «الضعفاء» (4/362)، وقال: "هَارُونُ بنُ سَعْدٍ: كُوفِيٌّ
كَانَ يَغْلُو فِي الرَّفْضِ"، ثم قال:
ومِنْ
حَدِيثِهِ مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ
الحَسَنِ بنِ فُرَاتٍ القَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَفْصٍ
العَطَّارُ، عَنْ هَارُونَ بنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، أَحَدُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى، سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللَّهِ، وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ،
وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا
عَلَيَّ الحَوْضَ».
قال
العقيلي: "وهارون لا يُتَابَعُ عَلَيْهِ! هذَا يُرْوَى بِأَصْلَحَ مِنْ هَذَا
الْإِسْنَادِ".
·
متابعة لهارون بن سعد!
وأخرج
الترمذي في «جامعه» (4/285) (2579) قال: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بنُ المِقْدَامِ، عَنْ فُضَيْلِ بنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِي
حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَفَعَهُ قال: «ضِرْسُ الكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ».
قال
الترمذي: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ".
قلت:
فهذه متابعة لما رواه هارون بن سعد، عن أبي حازم: «ضِرْسُ الكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ،
وغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ».
لكن
لم يذكر: «وغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ»!!!
·
مصعب بن المقدام وحاله! ووهمه في
هذا الحديث!
والحديث
إنما حسّنه الترمذي لبعض الكلام في راويه مصعب بن المقدام!
قال
المفضل بن غسان الغلابي عَن يحيى بْن مَعِين، وأبو الحسن الدارقطني: "ثقة".
وَقَال
إِبْرَاهِيم بن عَبداللَّهِ بن الجنيد عَنْ يحيى بن مَعِين: "ما أرى به بأسا".
وقَال
أَبُو دَاوُد: "لا بأس بِهِ".
وَقَال
أَبُو حاتم: "صالح الحديث".
وَقَال
عَبدالله بن علي بن المديني عَن أبيه: "ضعيف".
وقال
العجلي: "كوفي متعبد".
وقال
الساجي: "ضعيف الحديث، وكان من العباد أصحاب داود الطائي، وقال أحمد بن حنبل:
كان رجلا صالحا، فرأيت كتابا له فإذا هو كثير الخطأ، ثم نظرت بعد في حديثه، فإذا أحاديثه
متقاربة عن الثوري".
وذكره
ابن شاهين في كتاب الثقات، وكذا ابن حبان.
وخرج
أبو عوانة الإسفرائيني حديثه في «صحيحه»، وكذلك ابن حبان وأبو علي الطوسي والحاكم.
وقال
ابن قانع: "كوفي صالح".
وقال
الخطيب: "وصفه بالثقة يحيى بن معين وغيره من الأئمة".
وذكره
الذهبي في «ميزانه».
قلت:
هو صدوق لا بأس به، وعنده أوهام! فلا يُقبل تفرده، وخاصة إذا خالف غيره!
وأقرب
الأقوال إلى وصف حاله ما قاله ابن حجر: "صدوقٌ له أوهامٌ". وتعقّب صاحبي
التحرير عليه بقولهم: "بل صدوق حسن الحديث" لا ينافي قول الحافظ! بل
إنهما لا يفهمان مصطلحات العلماء!! فحسن الحديث يعني أنه لا يحتج به مطلقاً، وذلك
لأن عنده أوهاما!
ولهذا
خرّج له مسلم في المتابعات.
والحديث
وهم في متنه مصعب بن المقدام! فقد خالفه غيره فيه!
أخرجه
البخاري في «صحيحه» (8/114) (6551) عن مُعَاذ بن أَسَدٍ، عن الفَضْل بن مُوسَى
السينانيّ.
وأخرجه
مسلم بعد حديث هارون بن سعد السابق (4/2189) (2852) عن أَبي كُرَيْبٍ، وَأَحْمَد
بن عُمَرَ الوَكِيعِيّ.
والبيهقي
في «البعث والنشور» (ص: 313) (564) من طريق مُحَمَّد بن طَرِيفٍ البَجَلِيّ.
ثلاثتهم
(أبو كريب، والوكيعي، وابن طريف) عن محمد بن فُضَيْلٍ.
كلاهما
(الفضل، وابن فضيل) عن الفُضَيْل بن غزوان، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا بَيْنَ
مَنْكِبَيِ الكَافِرِ مَسِيرَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ للرَّاكِبِ المُسْرِعِ».
فهذا
هو المتفق عليه من حديث الفضيل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هريرة. وكأن مصعب بن
المقدام لم يضبط متنه، وعليه فلا تصح روايته متابعة جيدة لرواية هارون بن سعد
السابقة!
·
هل وقع الحديث مرفوعاً في صحيح
مسلم؟
في
المطبوع من صحيح مسلم: "ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَرْفَعُهُ".
لكن
ذكر البيهقي في «البعث والنشور» (ص: 314) قال: "ورَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي
بَكْرٍ كُرَيْبٍ، وَغَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ، وَلَمْ يَقُلْ: رَفَعَهُ"!
وقال
ابن حجر في «الفتح» (11/423): "وقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ
رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بنِ فُضَيْلِ بنِ غَزْوَانَ عَنْ أَبِيهِ بِسَنَدِهِ،
وَلَكِنْ لَمْ يَرْفَعْهُ، وَهُوَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ
وَقَالَ: رَفَعَهُ".
وقال
المزي في «تحفة الأشراف» (10/88): "رفعه الفضل، ووقفه ابن فضيل".
يعني
رفعه الفضل السيناني كما في عند البخاري، ووقفه ابن فضيل كما عند مسلم.
·
تعليق بشار معروف على هذا الحديث
وتخليطه!!
قال
د. بشار معروف أثناء تحقيق لجامع الترمذي في تخريجه لهذا الحديث: "أخرجه مسلم
8/153، وابن حبان (7487)، والبيهقي في البعث والنشور (565)، وانظر تحفة الأشراف
10/89 حديث (13426)، والمسند الجامع 18/512 حديث 15358".
قلت:
من يقرأ كلام بشار يظن أن مسلماً أخرجه بنفس متن رواية الترمذي! وليس كذلك كما
بينته أعلاه.
وابن
حبان والبيهقي بالرقم الذي أشار له (565) لم يخرجاه بمثل سند الترمذي!! وإنما
أخرجاه من حديث هَارُونَ بنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وإنما
خرجه البيهقي بسند مسلم برقم (564).
فهي
طرق مختلفة! جمع بينها بشار دون تفصيل وبيان للاختلاف في متن الحديث!
وإنما
هو أخذ هذا من كتاب «المسند الجامع» - الذي يُقال إنه جمعه ورتبه بعض طلبة العلم
ووضع اسمه معهم عليه -! كعادته!!! وإن أشار إليه في التخريج!!
والذي
في «المسند الجامع»: "15358- عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ضِرْسُ الْكَافِر، أَوْ نَابُ
الْكَافِرِ مِثْلُ أحُدٍ، وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلاَثٍ.
أخرجه
مسلم 8/153 قال: حدثني سُريج بن يونس، قال: حدَّثنا حُميد ابن عبدالرحمن، عن الحسن
بن صالح، عن هارون بن سعد. و"التِّرمِذي" 2579 قال: حدَّثنا أبو كريب،
قال: حدَّثنا مصعب بن المقدام، عن فُضَيل ابن غزوان.
كلاهما
(هارون بن سعد، وفضَيل بن غزوان) عَنْ أَبِي حازم، فذكره.
-
رواية فُضَيل بن غزوان مختصرة على: ضِرْسُ الْكَافِرِ مِثْلُ أحُدٍ" انتهى.
قلت:
أصحاب «المسند الجامع» لم يحققوا الروايات وخلطوا بينها!! وهنا بشار نقل هذا
التخليط لما أخذه من الكتاب!!! ولم يبينوا أن أصل رواية مسلم موقوفة أيضاً!
·
حديث آخر من طريق أبي صالح عن أبي
هريرة!
وأخرج
الترمذي في «جامعه» (4/284) (2577) عن عَبَّاس الدُّورِيّ.
والبزار
في «مسنده» (16/140) (9233) عن مُحَمَّد بن الليث الهدادي وأحمد بن عثمان بن حكيم.
وابن
حبان في «صحيحه» (16/531) (7486) عن أَحْمَد بن عَلِيِّ بنِ المُثَنَّى، عن أَبي
بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ.
والحاكم
في «المستدرك» (4/637) (8760) عن أَبي بَكْرِ بن إِسْحَاقَ، عن مُحَمَّد بن
سُلَيْمَانَ بنِ الحَارِثِ.
كلهم
عن عُبَيْداللهِ بن مُوسَى الكوفي، عن شَيْبَان بن عبدالرحمن، عَنِ الأَعْمَشِ،
عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ غِلَظَ جِلْدِ الكَافِرِ اثْنَتَانِ
وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ الْجَبَّارِ، وَإِنَّ ضِرْسَهُ مِثْلُ أُحُدٍ،
وَإِنَّ مَجْلِسَهُ مِنْ جَهَنَّمَ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ».
قال
الترمذي: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ الأَعْمَشِ".
وقال
البزار: "وهذَا الحديثُ لاَ نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي
صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إلا شيبان".
وقال
الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ".
·
تفردات شيبان بن عبدالرحمن النحوي
البصري عن الأعمش! ومنهج البخاري ومسلم فيها.
قلت:
هذا من تفردات شيبان عن الأعمش!! وهو ثقة، لكن في تفرداته عن الأعمش نكارة!!
وقد
أخرج له البخاري ومسلم، وأكثرا في تخريج حديثه عن يحيى بن أبي كثير، ولم يخرّج له
البخاري عن الأعمش، وأخرج له مسلم عن الأعمش خمسة أحاديث كلها في المتابعات.
قال
الساجي: "صدوق عنده مناكير، وأحاديث عن الأعمش تفرد بها! وأثنى عليه أحمد بن
حنبل، وكان ابن مهدي يُحدِّث عنه، ويَفخر به".
قَال
صالح بن أحمد بن حنبل، عَن أَبِيهِ: "شيبان ثبت فِي كل المشايخ".
وَقَال
عثمان بن سَعِيد الدارمي: قلت ليحيى بن مَعِين: فشيبان ما حاله فِي الأعمش؟ فقال: "ثقة
فِي كل شيء".
قلت:
هو ثقة لا شك، لكنه ينفرد عن الأعمش بأحاديث لا يرويها سواه! وتقدم قول الساجي بأن
عنده مناكير!
وسؤال
الدارمي لابن معين عن حاله في الأعمش يدلّ على ذكائه ونقده، فلولا أنه عرف أن في
روايته عن الأعمش مشكلة لما سأل عن ذلك!! لكن رأى ابن معين أنه ثبت في كل المشايخ
وهذا مثل قول أحمد.
ورد
الحافظ ابن حجر قول الساجي فيه! فقال في «مقدمة الفتح»: "وأما قول الساجي فهو
معارض بقول أحمد بن حنبل أنه ثبت في كل المشايخ، ومع ذلك فلم أر في البخاري من
حديثه عن الأعمش شيئاً لا أصلاً ولا استشهاداً".
ومال
أبو حاتم إلى تليينه!
·
هل ثبت قول أبي حاتم في شيبان: «ولا
يُحتج به»؟
قال
ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/356): سمعت أبي يقول: "شيبان النحوي:
كوفي، حسن الحديث، صالح الحديث، يُكتب حديثه، ولا يحتج به".
كذا
في المطبوع: «ولا يحتج به»!
وأثبتها
عنه الذهبي، وقال في «سير أعلام النبلاء» (7/408): "قُلْتُ: قَوْلُ أَبِي
حَاتِمٍ فِيْهِ: لا يُحْتَجُّ بِهِ، لَيْسَ بِجَيِّدٍ".
وتعقّبه
ابن حجر بأن هذا لم يثبت من قول أبي حاتم، فقال في «تهذيب التهذيب» (4/374):
"وقرأت بخط الذهبي: قال أبو حاتم: لا يحتج به. انتهى. وهذه اللفظة ما رايتها
في كتاب ابن أبي حاتم فينظر، ليس فيه إلا: «يكتب حديثه» فقط، وكذا نقله عنه الباجي".
وقال
في ترجمة «شيبان» من الفصل التاسع من «مقدمة الفتح»: "قرأت بخط الذهبي في
الميزان: «قال أبو حاتم: صالح الحديث لا يحتج به». قلت: وهو وهم في النقل، فالذي
في كتاب ابن أبي حاتم عن أبيه: «كوفي حسن الحديث، صالح، يكتب حديثه»، وكذا نقل
الباجى عنه، وكذا هو في تهذيب الكمال، وهو الصواب".
فتعقبه
المعلمي اليماني أثناء تحقيقه لكتاب «الجرح والتعديل»، فقال بعد أن نقل قول ابن
حجر: "ولم يهم الذهبي، ولكن هذه الكلمة وقعت في بعض النسخ دون بعض، ويوشك أن
تكون من زيادة بعض النساخ؛ لأن أبا حاتم يكثر أن يقول: «يكتب حديثه ولا يحتج به»،
فلما قال في هذه الترجمة «يكتب حديثه» جرى قلم الناسخ على العادة بزيادة «ولا يحتج
به»، وهي كالمنافية لما قبلها ولما عليه جمهور الأئمة، والله أعلم".
قلت:
نعم، لم يهم الذهبي؛ لأنه قد ثبتت هذه اللفظة في بعض النسخ، لكن تفسير المعلمي فيه
بُعد!!! فلا دليل حقيقي على أنها مما جرى به قلم الناسخ! ودليله بأن إكثار أبي
حاتم من استخدام هذه العبارة «يكتب حديثه ولا يحتج به» فيه نظر!! وليس بدليل قويّ.
وهي ليست منافية لما قبلها، بل على العكس هي نتيجة ما قبلها، فقول أبي حاتم في
الراوي «صالح، يكتب حديثه»، أي: يكتب للاعتبار كما نصّ عليه هو في بعض التراجم،
ولا يحتج بما انفرد به، ولا يقصد أنه لا يحتج به مطلقاً. وأما أنها منافية لما
عليه جمهور الأئمة فنعم، لكن هناك من تكلّم فيه، ولكلّ وجهة في ذلك.
وهو
ثقة يُحتج بحديثه على الإجمال، لكن حديثه عن الأعمش خصوصاً لا يحتج به، والله
أعلم.
·
حديث آخر عن أبي هريرة! منكر
الإسناد!
أخرج
الترمذي في «سننه» (4/332) (2578) قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي مُحَمَّدُ بنُ
عَمَّارٍ، وَصَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ضِرْسُ الكَافِرِ يَوْمَ
القِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَفَخِذُهُ مِثْلُ البَيْضَاءِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ
النَّارِ مَسِيرَةُ ثَلاَثٍ مِثْلُ الرَّبَذَةِ».
قال
الترمذي: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ".
قلت:
هذا إسناد مُنكر! وقد تفرد به مُحَمَّد بن عمار بن حَفْص بن عمر بن سعد ابن عَائِذ
المُؤَذّن!! ولا بأس به، لكن لا يُقبل منه مثل هذا التفرد! فكيف ينفرد عن اثنين في
إسناد واحد عن أبي هريرة!! ولا يُعرف هذا الحديث عنهما عن أبي هريرة!
ولم
يخرّج له إلا الترمذي!
قال
عَبداللَّهِ بن أَحْمَد بن حنبل عَن أبيه: "ما أرى به بأسًا".
وقال
عَباس الدُّورِيُّ عَنْ يَحْيَى بْن مَعِين: "لم يكن به بأس".
وقَال
علي بن المديني: "ثقة".
وقَال
أَبُو حاتم: "شيخ ليس بِهِ بأس، يكتب حديثه".
وذكره
ابنُ حِبَّان في كتاب «الثقات» (7/436) وقال: "وكَانَ مِمَّن يُخطئ ويتفرد".
·
الذهبي يقول مرة: «ما تكلّم فيه
البخاري»! ويقول مرة: «تكلّم فيه البخاري»!!
وقال
الذهبي في «تاريخ الإسلام» (4/739): "وَثَّقَهُ ابنُ المَدِينِيِّ،
وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَهُ البُخَارِيُّ في الضعفاء، فما تكلم فِيهِ،
بَلْ ذَكَرَ لَهُ حَدِيثًا لَمْ يُتْقِنْهُ".
وقال
في «الميزان» (3/661): "تكلّم فيه البخاري وغيره، ولم يترك".
ثم ذكر له بعض الأحاديث وهذا منها، ثم قال: "وهو حسن الحديث في علمي"،
ثم ذكر له حديثاً منكراً، ونقل أقوال أهل العلم في توثيقه، وأنه لا بأس به.
وحاصل
كلام أهل العلم أنه لا بأس به، يُكتب حديثه للاعتبار، ولا يُحتج بما انفرد به.
·
حديث آخر عن أبي هريرة! إسناده
مجهول!
وروى
ابن حبان في «صحيحه» (16/533) (7488) قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ سَلْمٍ، قالَ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بنُ يَحْيَى، قالَ: حَدَّثَنَا
ابنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بنُ الحَارِثِ: أَنَّ سُلَيْمَانَ بنَ
حُمَيْدٍ حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ
يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «ضرس الكافر مثل
أحد - يعني في النار».
قلت:
هذا إسناد مجهول!! سليمان وأبوه لا يُعرف حالهما!!
وأشار
البخاري إلى هذا الحديث في ترجمة «سليمان»، وهو مجهول الحال!
قال
البخاري في «التاريخ الكبير» (4/8) (1778): "سُلَيْمَان بن حميد: عَنْ رجل،
عَنِ ابن المُسَيِّبِ، روى عَنْهُ: يَحْيَى بن أَبِي أسيد، وسَعِيد بن أَبِي أيوب،
سَمِعَ مُحَمَّد بن كعب، مرسل.
وقَالَ
عَمْرُو بنُ الحَارِثِ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ حميد: [سمع أباه]: سَمِعَ
أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ضرس الكافر».
قال
ابن المبارك عن إبراهيم بن نشيط: حدثني سُلَيْمَان بن حميد المزني، عَنْ أَبِي
عُبَيْدة بن عقبة بن نافع القُرَشِيّ".
وذكره
ابن حبان في «الثقات» (6/385): "سُلَيْمَان بن حميد: يروي عَن مُحَمَّد بن
كَعْب الْقرظِيّ، روى عَنهُ عَمْرو بن الْحَارِث، وَإِبْرَاهِيم بن نشيط الوعلاني".
وقال
أبو سعيد ابن يونس في «تاريخ الغرباء» من «تاريخ مصر»: "سليمان بن حميد
المزني: مدني قدم مصر. روى عنه من أهل مصر: حرملة بن عمران، وعمرو بن الحارث،
والليث بن سعد. توفي سنة خمس وعشرين ومائة".
وأما
أبوه حُميد فمجهول الحال أيضاً.
قال
البخاري في «التاريخ الكبير» (2/350) (2711): "حميد: عَنْ سَعِيد بن العاص.
روى حرملة بْن عمران، عَنْ سُلَيْمَان بن حميد، عَنْ أَبِيه. حديثه عند المَصْرِيّين".
·
خطأ في كتاب ابن أبي حاتم!
ومتابعة ابن الجوزي والذهبي وغيرهما عليه!
وقال
ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/223): "حميد بن سعيد بن
العاص: روى عنه ابنه سليمان بن حميد. سمعت أبي يقول ذلك. ويقول: هو مجهول".
قلت:
كذا وقع في الكتاب! وهو خطأ! والصواب: "حميد: عن
سعيد...".
وكأن
الخطأ في أصل كتاب ابن أبي حاتم؛ لأن العلماء ذكروه هكذا في كتبهم! ولم يتنبهوا
له!!
قال
ابن الجوزي في «الضعفاء والمتروكون» (1/238) (1028): "حميد بن سعيد بن العَاصِ. قَالَ الرَّازِيّ: مَجْهُول".
وقال
الذهبي في «الميزان» (1/613) (2330)، وفي «المغني في الضعفاء» (1/194) (1773): "حميد
بن سعيد بن العاص: يروي عنه ولده سليمان. مجهول".
وقال
في «ديوان الضعفاء» (ص: 105) (1168): "حميد بن سعيد بن العاص: مجهول".
وقال
ابن حجر في «لسان الميزان» (2/364) (1489): "حميد بن سعيد بن العاص: يروي عنه
ولده سليمان: مجهول".
لكن
في نسخة عبدالفتاح أبو غدة هذه الترجمة في آخر من اسمه حميد ممن لم يذكر اسم أبيه
على الصواب (3/303) (2822): "حميد: عن سعيد بن العاص. يروي عنه ولده سليمان. مجهول".
ويشبه
أن يكون أبا غدة هو من نقلها إلى آخر من اسمه حميد؛ لأنها في النسخة الأخرى المطبوعة
ذكرت فيمن اسم أبيه بحرف السين!!
وفي
كتاب «مصباح الأريب في تقريب الرواة الذين ليسوا في تقريب التهذيب» لبعض المعاصرين
(1/403) (8483): "حميد بن سعيد بن العاص العاصي (مجهول قاله أبو حاتم) (حاتم
3/223) (لسان 3/197)".
·
اتباع ابن قطلوبغا لابن حبان!
ووهمهما في ذلك!
وقال
ابن قطلوبغا في «الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة» (4/56) (3316): "حميد، والد
سليمان بن حميد. يروي عن سعيد بن العاص، عِدَادُه في أهل مصر، -ولم أره في «تاريخ
ابن يونس» -، روى عنه سماك بن حرب، وهو الذي روى عمرو بن الحارث عن سليمان بن حميد
عن أبيه عن أبي هريرة.
وقال
أبو حاتم: حميد بن سعيد بن العاص، روى عنه ابنه سليمان بن حميد، وهو مجهول. ذكره
في باب السين".
قلت:
كأن ابن قطلوبغا ينبّه على الخطأ الذي وقع في كتاب ابن أبي حاتم؛ لأنه قال:
"ذكره في باب السين"، أي "بن سعيد"!
وقول
ابن قطلوبغا: "عداده في أهل مصر، ولم أره في تاريخ ابن يونس"! إنما بناه
على أن ابن يونس ذكر سليمان ابنه في تاريخ مصر، وقد تقدم أنه ذكر أنه مدني نزل
مصر، فأبوه مدني ولم ينزل مصر، فكيف سيذكره ابن يونس في تاريخ مصر؟!! وعداده ليس
في أهل مصر، وإنما عداده في أهل المدينة، والصواب ما قاله البخاري: "حديثه
عند المصريين"؛ لأن ابنه يروي عنه، وحديث ابنه رواه عنه أهل مصر.
وكأن
ابن قطلوبغا تابع ابن حبان في قوله!!
فقد
ذكره ابن حبان في «الثقات» (4/151) (2230) قال: "حميد وَالِد سُلَيْمَان بن
حميد: يروي عَن سَعِيد بن العَاصِ. عداده فِي أهل مصر. روى عَنهُ: سماك بْن حَرْب،
وَهُوَ الَّذِي روى عَنهُ عَمْرو بن الْحَارِث عَن سُلَيْمَان بْن حميد عَنْ
أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ".
قلت:
عداده في أهل المدينة لا في أهل مصر.
وكأنه
بسبب ذكر ابن حبان له ولابنه في ثقاته أخرج هذا الحديث في «صحيحه»!! وقد أخطأ في
ذلك؛ لأنهما مجهولي الحال!
·
حديث آخر عن أبي هريرة!
وأخرج
أحمد في «مسنده» (14/87) (8345) عن رِبْعِيّ بن إِبْرَاهِيمَ.
والحاكم
في «المستدرك» (4/637) (8759) من طريق بِشْر بن المُفَضَّلِ.
كلاهما
عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن إِسْحَاقَ العامري المدنيّ، عَنْ سَعِيدِ بنِ أَبِي
سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ضِرْسُ الْكَافِرِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَعَرْضُ جِلْدِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا،
وَعَضُدُهُ مِثْلُ الْبَيْضَاءِ، وَفَخِذُهُ مِثْلُ وَرِقَانَ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ
النَّارِ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ الرَّبَذَةِ».
قال
الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ بِهَذِهِ
السِّيَاقَةِ، إِنَّمَا اتَّفَقَا عَلَى ذِكْرِ ضِرْسِ الكَافِرِ
فَقَطْ".
·
وهم للحاكم! وتصحيحه للحديث
المرفوع والموقوف!! ومخالفة عبدالرحمن بن إسحاق لغيره من الثقات!
قلت:
وهم الحاكم في قوله هذا! "اتفقا"!! فالبخاري لم يخرجه مطلقا! وإنما الذي
خرجه بذكر ضرس الكافر هو مسلم كما سبق في الأحاديث السابقة.
والحديث
لا يصح مرفوعاً! والصواب وقفه على أبي هريرة.
وقد
خولف عبدالرحمن بن إسحاق في رفعه، فوقفه الثقات عن سعيد المقبري.
رواه
نُعيم بن حماد في «زوائده على كتاب الزهد لابن المبارك» (2/87) من طريق خَالِدِ
بْنِ يَزِيدَ المصري.
والحاكم
في «المستدرك» (4/638) (8761) من طريق عَمْرو بن الْحَارِثِ.
كلاهما
عن سَعِيدِ بنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ سَعِيدِ بنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ،
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: «إِنَّ ضِرْسَ
الكَافِرِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَرَأْسُهُ مِثْلُ البَيْضَاءِ،
وَفَخِذُهُ مِثْلُ وَرِقَانَ، وَغِلَظُ جِلْدِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَإِنَّ
مَجْلِسَهُ فِي النَّارِ كَمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالرَّبَذَةِ» قَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ: «وَكَانَ يُقَالُ بَطْنُهُ مِثْلُ بَطْنِ إِضَمٍ».
قال
الحاكم: "هذا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ
يُخْرِجَاهُ لِتَوْقِيفِهِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ".
قلت:
العجب من الحاكم كيف صحح المرفوع من حديث سعيد المقبري، ثم صحح الموقوف من حديثه
أيضًا!!!
وقد
وهم عبدالرحمن بن إسحاق في رفعه عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة!
وعبدالرحمن
هذا مُتكلّم فيه!
قال
يحيى بن سَعِيد القطان: سألت عنه بالمدينة، فلم أرهم يحمدونه.
وكذلك
قال عَلِيّ بْن المديني.
وَقَال
علي أَيْضًا: سمعت سفيان، وسئل عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْن إِسْحَاق، قال: "كَانَ
قدريا فنفاه أهل المدينة، فجاءنا هاهنا، مقتل الوليد، فلم نجالسه، وَقَالوا إنه قد
سمع الحَدِيث".
وَقَال
يزيد بْن زريع: "ما جاء من المدينة أحفظ منه، وكَانَ كوسجا".
وَقَال
أَبُو بَكْرِ بْنُ زنجويه: سمعت أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ، يَقُول: "عَبْدالرَّحْمَنِ
بن إِسْحَاق المدني رجل صالح، أَوْ مقبول".
وَقَال
عَبداللَّهِ بْن أَحْمَد بْن حنبل، عَن أبيه: "صالح الحديث".
وَقَال
فِي موضع آخر: سَأَلتُ أبي عنه، فقَالَ: "ليس بِهِ بأس"، فقلت لَهُ: إن
يَحْيَى بْن سَعِيد، يَقُول: سألت عنه بالمدينة، فلم يحمدوه، فسكت.
وَقَال
أَبُو طالب: سألت أَحْمَد بْن حنبل عنه، فَقَالَ: "روى عَن أبي الزناد أحاديث
منكرة، وكَانَ يَحْيَى لا يعجبة، قلت: كيف هُوَ؟ قال: صالح الحَدِيث".
وَقَال
أَبُو بكر بْن أَبي خيثمة، عَن يَحْيَى بْن مَعِين: "كَانَ إِسْمَاعِيل بن عُلية
يرضاه".
وَقَال
إِبْرَاهِيم بْن عَبداللَّهِ بْن الجنيد، عَنْ يَحْيَى بْن مَعِين: "ثقة،
وعَبْدالرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيّ أحب إلي من صالح بن أَبي
الأخضر".
وَقَال
عُثْمَان بْن سَعِيد الدارمي عَن يحيى بن مَعِين: "ثقة".
وَقَال
فِي موضع آخر: "صويلح".
وَقَال
عَباس الدُّورِيُّ، عَن يحيى بْن مَعِين: "ثقة".
وَقَال
في موضع آخر: "صالح الحديث".
وَقَال
عَبدالله بْن شعيب الصابوني، عَنْ يحيى بْن مَعِين: "ثقة، ليس به بأس".
وَقَال
يعقوب بن شَيْبَة: "صالح".
وَقَال
العجلي: "يكتب حديثه، وليس بالقوي".
وَقَال
أَبُو حَاتِم: "يكتب حديثه، ولا يحتج به، وهُوَ قريب من مُحَمَّد بْن
إِسْحَاق، صاحب المغازي، وهُوَ حسن الْحَدِيث، وليس بثبت ولا قوي، وهُوَ أصلح من
عَبْدالرَّحْمَنِ بن إسحاق أبي شَيْبَة".
وقَال
البُخارِيُّ: "لَيْسَ ممن يعتمد عَلَى حفظه، إِذَا خالف من لَيْسَ بدونه. وإن
كَانَ ممن يحتمل فِي بعض". قال: "وَقَال إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيمَ:
سألت أهل المدينة عنه، فلم يحمد، مَعَ أنه لا يعرف لَهُ بالمدينة تلميذ إلا مُوسَى
الزمعي، روى عنه أشياء، فِي عدة منها اضطراب".
وَقَال
أَبُو عُبَيد الآجري: سمعت أبا داود يَقُول: "مُحَمَّد بن إِسْحَاق قدري
معتزلي، وعَبْدالرَّحْمَنِ بْن إِسْحَاق، قدري، إلا أنه ثقة".
وَقَال
النَّسَائي: "لَيْسَ بِهِ بأس، ولم يكن ليحيى القطان فِيهِ رأي".
وَقَال
أَبُو بَكْرِ ابنُ خزيمة: "لَيْسَ بِهِ بأس".
وذكره
ابنُ حِبَّان في كتاب «الثقات».
وقَال
الدَّارَقُطْنِيُّ: "ضعيف يرمى بالقدر".
وَقَال
ابن عدي: "فِي حديثة بعض ما ينكر، ولا يتابع عليه، والأكثر منه صحاح، وهُوَ
صالح الحَدِيث، كما قاله أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ".
قلت:
هو ليس بالقوي، فلا يحتج به، فكيف إذا خالف غيره من الثقات!
·
أصل الحديث من قول أبي هريرة.
تبيّن
لنا فيما سبق أن الحديث ثبت من قول أبي هريرة.
وقد
روى نُعيم بن حماد في «زوائده على كتاب الزهد لابن المبارك» (2/87) عن يُونُس بن
يزيد الأيلي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قالَ: «ضِرْسُ الكَافِرِ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ،
يُعَظَّمُونَ لِتَمْتَلِئَ مِنْهُمْ، وَلْيَذُوقُوا العَذَابَ».
وقد
سئل الدارقطني في «العلل» (9/177) (1700) عن حديث ابن المسيب، عن أبي هريرة، عن
النبي صلى الله عليه وسلم، قالَ: «ضِرْسُ الْكَافِرِ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْظَمُ مِنْ
أُحُدٍ»؟
فقالَ:
"يَرْوِيهِ الزُّهْرِيُّ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:
فَرَفَعَهُ
المُوَقَّرِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَرَوَاهُ
يُونُسُ، وعُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مَوْقُوفًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ".
قلت:
يعني رواه الوليد بن محمد الموقري، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم!
وخالفه
يونس وعقيل، فروياه عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، قوله. وهو الصواب.
وروي
من طريق آخر عن أبي هريرة:
رواه
نُعيم بن حماد في «زوائده على كتاب الزهد لابن المبارك» (2/84) عن حَاجِب بن
عُمَرَ الثقفي البصري، عَنِ الحَكَمِ بنِ الْأَعْرَجِ قَالَ: قَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ: «يُعَظَّمُ الكَافِرُ فِي النَّارِ مَسِيرَةَ سَبْعِ لَيَالٍ،
وَضِرْسُهُ مِثْلُ أُحُدٍ، وَشِفَاهُهُمْ عِنْدَ سُرُرِهِمْ سُودٌ حُبْنٌ زُرْقٌ
مَقْبُوحُونَ».
·
حديث زيد بن أرقم:
ويُروى
أيضاً من قول زيد بن أرقم – رضي الله عنه -.
رواه
ابن أبي شيبة في «مصنفه» (7/53) (34154) عن علي بن مسهر، عن أبي حيان التيميّ، عن عمّه
يزيد بن حيان، عن زيد بن أرقم، قال: «إن ضرس الكافر في النار مثل أحد».
وهذا
إسناد لا بأس به.
·
مرسل عُبيد بن عُمير:
ويعرف
أيضاً من مراسيل التابعي عُبيد بن عُمير.
رواه
نعيم بن حماد في «زوائده على الزهد لابن المبارك» (2/87) عن سُفْيَان بنُ
عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُصْرُ جِلْدِ الْكَافِرِ،
يَعْنِي غِلَظَ جِلْدِهِ، سَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَضِرْسُهُ مِثْلُ أُحُدٍ، وَفِي
سَائِرِ خَلْقِهِ»
·
اختلاف في فهم النّص!!!
روى
الخطيب البغدادي في «الكفاية في علم الرواية» (ص: 243) قال:
أَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَالِبٍ البَرْقَانِيُّ، وأَبُو الحَسَنِ
بُشْرَى بنُ عَبْدِاللَّهِ الرُّومِيُّ، قالا: أخبرنا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ
الهَيْثَمِ الْأَنْبَارِيُّ، قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الخَلِيلِ، قال: حدثنا
أَبُو النَّضْرِ، قال: حدثنا عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ،
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ضِرْسُ الكَافِرِ
مِثْلُ أُحُدٍ، وَفَخِذُهُ مِثْلُ البَيْضَاءِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ كَمَا
بَيْنَ قُدَيْدٍ وَمَكَّةَ، وَكَثَافَةُ جِلْدِهِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا
بِذِرَاعِ الجَبَّارِ».
قال
الخطيب: "كان فِي أَصْلِ سَمَاعِ البَرْقَانِيِّ: «بِذِرَاعِ الجَبَّارِ
عَزَّ وَجَلَّ» وعَلَيْهِ تَصْحِيحٌ، وهذا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي
الْأَصْلِ الَّذِي نَقَلَ مِنْهُ هَكَذَا، وَنَرَى أَنَّ الكَاتِبَ سَبَقَ إِلَى
وَهْمِهِ أَنَّ الْجَبَّارَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى،
فَكَتَبَ «عَزَّ وَجَلَّ»! ولمْ يَعْلَمْ أَنَّ المُرَادَ: أَحَدُ الجَبَّارِينَ
الَّذِينَ عَظُمَ خَلْقُهُمْ وَأُوتُوا بَسْطًا فِي الجِسْمِ، كَمَا قَالَ
تَعَالَى {إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} [المائدة: 22].
قلت:
كذا قال الخطيب!
لكن
هذا رواه البيهقي في كتاب «البعث والنشور» (566) قال أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِاللَّهِ الحُسَيْنُ بنُ شُجَاعِ بنِ الحَسَنِ الصُّوفِيُّ، بِبَغْدَادَ:
أَنْبَأَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْهَيْثَمِ
الْأَنْبَارِيُّ، به.
قال
البيهقي: "أَرَادَ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ التَّعْظِيمَ وَالتَّهْوِيلَ
بِإِضَافَتِهِ إِلَى الجَبَّارِ، أَوْ أَرَادَ جَبَّارًا مِنَ الجَبَابِرَةِ
المَخْلُوقَةِ".
قلت:
كلام
البيهقي يدلّ على أن «الجبار» هنا هو «الله عزّ وجلّ» وعليه أوّل اللفظّ! أو أنه
جبّار من الجبابرة المخلوقين.
وقال
أيضاً في «الأسماء والصفات» (2/177): "قالَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ فِي
قَوْلِهِ: «بِذِرَاعِ الجَبَّارِ»: إِنَّ الْجَبَّارَ هَهُنَا لَمْ يَعْنِ بِهِ القَدِيمَ،
وَإِنَّمَا عَنَى بِهِ رَجُلًا جَبَّارًا كَانَ يُوصَفُ بِطُولِ الذِّرَاعِ
وَعِظَمِ الْجِسْمِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: {كُلَّ جُبَارٍ عَنِيدٍ} [هود:
59]، وَقَوْلِهِ: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} [ق: 45] فَقَوْلُهُ:
«بِذِرَاعِ الْجَبَّارِ» أَيْ بِذِرَاعِ الجَبَّارِ المَوْصُوفِ بِطُولِ
الذِّرَاعِ وَعِظَمِ الجَسَدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ذِرَاعًا
طَوِيلًا يُذْرَعُ بِهِ يُعْرَفُ بِذِرَاعِ الْجَبَّارِ، عَلَى مَعْنَى
التَّعْظِيمِ وَالتَّهْوِيلِ، لَا أَنَّ لَهُ ذِرَاعًا كَذِرَاعِ الْأَيْدِي
الْمَخْلُوقَةِ".
وقال
ابن حبان عقب روايته للحديث: "الجبار ملك باليمن يقال له: الجبار".
وقال
الحاكم بعد روايته للحديث عن أبي بكر بن إسحاق – أحد رواة الحديث -: "مَعْنَى
قَوْلِهِ بِذِرَاعِ الجَبَّارِ: أَيْ جَبَّارٌ مِنْ جَبَابِرَةِ الآدَمَيِّينَ
مِمَّنْ كَانَ فِي القُرُونِ الْأُولَى مِمَّنْ كَانَ أَعْظَمَ خَلْقًا وَأَطْوَلَ
أَعْضَاءً وَذِرَاعًا مِنَ النَّاسِ".
وقال
ابن قتيبة في «تأويل مختلف الحديث» (ص: 312): "قالُوا: رُوِّيتُمْ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ضِرْسُ الكَافِرِ فِي
النَّارِ، مِثْلُ أُحُدٍ، وَكَثَافَةُ جلده أَرْبَعُونَ ذِرَاعا بباع الجَبَّارِ».
ونَحْنُ
نَقُولُ: إِنَّ لِهَذَا الحَدِيثِ مَخْرَجًا حَسَنًا، إِنْ كَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَهُ وَهُوَ أَن يكون الْجَبَّار
-هَهُنَا- الْمَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَمَا أَنْتَ
عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ}، أَيْ: بِمَلِكٍ مُسَلَّطٍ، والجَبَابِرَةُ: المُلُوكُ.
وهَذَا
كَمَا يَقُولُ النَّاسُ: هُوَ كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا بِذِرَاعِ الْمَلِكِ. يُرِيدُونَ:
بِالذِّرَاعِ الْأَكْبَرِ. وَأَحْسَبُهُ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ الْعَجَمِ، كَانَ
تَامَّ الذِّرَاعِ، فنسب إِلَيْهِ".
وعموماً:
الحديث فيه نكارة!
والحديث
من جزء أبي بكر الأنباري، وهو مروي عن عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار، بهذا الإسناد
من طرق عنه.
وحديث
عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار لا يُحتمل!
فهذه
هي الألفاظ التي جاءت في الأحاديث السابقة:
-
«ضِرْسُ الكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَفَخِذُهُ مِثْلُ البَيْضَاءِ، وَمَقْعَدُهُ
مِنَ النَّارِ كَمَا بَيْنَ قُدَيْدٍ وَمَكَّةَ، وَكَثَافَةُ جِلْدِهِ اثْنَانِ
وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ الجَبَّارِ».
-
«ضِرْسُ الْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَعَرْضُ جِلْدِهِ
سَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَعَضُدُهُ مِثْلُ الْبَيْضَاءِ، وَفَخِذُهُ مِثْلُ
وَرِقَانَ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ الرَّبَذَةِ».
-
«ضِرْسُ الكَافِرِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَفَخِذُهُ مِثْلُ
البَيْضَاءِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ مَسِيرَةُ ثَلاَثٍ مِثْلُ الرَّبَذَةِ».
-
«إِنَّ ضِرْسَ الكَافِرِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَرَأْسُهُ مِثْلُ البَيْضَاءِ،
وَفَخِذُهُ مِثْلُ وَرِقَانَ، وَغِلَظُ جِلْدِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَإِنَّ
مَجْلِسَهُ فِي النَّارِ كَمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالرَّبَذَةِ. وَكَانَ
يُقَالُ بَطْنُهُ مِثْلُ بَطْنِ إِضَمٍ».
-
«ضِرْسُ الكَافِرِ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ، يُعَظَّمُونَ
لِتَمْتَلِئَ مِنْهُمْ، وَلْيَذُوقُوا العَذَابَ».
وهي
متقاربة، وفي بعضها زيادات! ولفظة «الجبّار» منكرة! ولا أستبعد أن أبا هريرة أخذها
من الإسرائيليات!
والذي
صحّ في ذلك في الصحيحين عن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا بَيْنَ مَنْكِبَيِ الكَافِرِ مَسِيرَةُ ثَلاَثَةِ
أَيَّامٍ للرَّاكِبِ المُسْرِعِ».
وهذا
الحديث يدلّ على عِظَم جسد الكافر ليذوق العذاب، ويؤيد بعض ما جاء في ما نُقل عن
أبي هريرة، والله أعلم.
·
الحديث الثالث: حديث تفرد به عن
زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة!
أخرج
البزار في «مسنده» (15/253) (8715) قال: حَدَّثنا أَبُو غسان روح بن حاتم - وكان
من الفهماء الثقات-، قَال: حَدَّثنا قرة بن حبيب، قَال: حَدَّثنا عَبدالرَّحْمَنِ
بنُ عَبداللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَن زَيد بنِ أَسْلَمَ، عَن عَطاء بنِ يسار، عَن
أبي هُرَيرة، قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم: «إن في
الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم يسأل الله خيرا إلاَّ أعطاه إياه».
قال
البزار: "هذا الحديث قد رُوِيَ كلامه ونحوه عَن أبي هُرَيرة من وجوه، ولا
نَعلم يُروَى عَن عَطاء بن يسار، عَن أبي هُرَيرة إلاَّ من هذا الوجه، ولا رَواه
عنه زيد بن أسلم إلاَّ عَبدالرَّحْمَنِ بنُ عَبداللَّهِ بنِ دِينَارٍ".
قلت:
هو كما قال البزار، لم يروه بهذا الإسناد إلا عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار!
والحديث
صحيح عن أبي هريرة، رواه عنه جماعة، منهم: محمد بن سيرين، كما في «الصحيحين»،
وهمّام بن مُنبّه، ومحمد بن زياد الجُمحي المدني، كما في «صحيح مسلم».
·
الحديث الرابع: حديث تفرد به عن
زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة!
أخرج
البزار في «مسنده» (15/253) (8716) قال: حَدَّثنا علي بن قرة بن حبيب، قَال:
حَدَّثنا أبي، قَال: حَدَّثنا عَبدالرَّحْمَنِ بنُ عَبداللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَن
زَيد بنِ أَسْلَمَ، عَن عَطاء بنِ يسار، عَن أبي هُرَيرة، قَالَ: قَالَ رَسُول
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، أوتوا
الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، والتمسوا يوم الجمعة فهدانا الله لها، فالناس
لنا تبع اليهود غدا، والنصارى بعد غد».
قال
البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عَن زَيد بنِ أَسْلَمَ، عَن عَطاء بنِ
يسار، عَن أبي هُرَيرة إلاَّ عَبدالرَّحْمَنِ بنُ عَبداللَّهِ بنِ دِينَارٍ،
ولا عَن عَبدالرحمن إلاَّ قرة بن حبيب، ولم نسمعه إلاَّ من ابنه علي، عَن أَبِيه!
وعبدالرحمن بن عَبدالله بن دينار حسن الحديث، قَدْ حَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ
أَهْلِ العِلْمِ منهم: الحسن بن موسى، وهاشم بن القاسم، وجماعة، وروى أحاديث، عَن
زَيد بن أسلم، وعَن غيره لم يروها غيره، واحتمل حديثه".
قلت:
لم يروه بهذا الإسناد إلا عبدالرحمن بن عبدالله! تفرد به عنه: قرة بن حبيب!
والحديث
مشهور صحيح عن أبي هريرة من طرق أخرى، رواه عنه جماعة، منهم: عَبْدالرَّحْمَنِ بن
هُرْمُزَ الأَعْرَج، وطَاوُسٍ، وهَمَّام بن مُنَبِّهٍ، وأحاديثهم في «الصحيحين».
·
الحديث الخامس: حديث خالف فيه
الناس فرفعه، وهم وقفوه!
أخرج
أبو داود في «سننه» (1/477) (640) قال: حدَّثنا مجاهد بن موسى، قال: حدَّثنا عثمان
بن عمر، قال: حدَّثنا عبدالرحمن بن عبدالله - يعني ابنَ دينار-، عن محمّد بن زيد، عن
أمّه، عن أم سلمة أنها سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم: أتُصلّي المرأةُ في دِرْعٍ
وخِمارٍ ليس عليها إزارٌ؟ قال: «إذا كان الدرع سابغاً يُغَطي ظُهورَ قَدَمَيها».
وأخرجه
الحاكم في «المستدرك» (1/380) (915) عن أَبي الوَلِيدِ الفَقِيه، عن مُحَمَّد بن
نُعَيْمٍ، عن مُجَاهِد بن مُوسَى، به.
وأخرجه
البيهقي في «السنن الكبرى» (2/329) (3251) من طريق العَبَّاس بن مُحَمَّدٍ
الدُّورِيّ، عن عُثْمَان بن عُمَرَ، به.
قال
أبو داود: "روى هذا الحديثَ: مالكُ بن أنس، وبكرُ بن مُضَر، وحفصُ بن غِياث،
وإسماعيلُ بن جعفر، وابن أبي ذئب، وابن إسحاق، عن محمَّد بن زيد، عن أمّه، عن أم سلمة،
لم يذكر أحدٌ منهم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قَصَروا به على أمِّ سلمة".
وقال
الحاكم: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ وَلَمْ
يُخَرِّجَاهُ".
ووقع
في مطبوع «المستدرك»: "عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدِ بنِ قُنْفُذٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ.."! وهو خطأ، والصواب: «عن أمّه».
وهذا
الحديث أخطأ فيه عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار كما بيّن أبو داود في كلامه بأن
جمعاً ممن رووه عن محمد بن زيد لم يرفعوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما
قصروه على أم سلمة، فالسؤال وُجّه لها لا أنها هي من سألت النبي صلى الله عليه
وسلم، ووهم فيه عبدالرحمن فرفعه!
·
خطأ في «علل الدارقطني»!
وقد
سئل الدارقطني في «العلل» (14/438) (3787) عن حديث محمد بن زيد بن المهاجر، عن
أمه، عن عائشة؛ سألتها: «أتصلي المرأة في درع وخمار، ليس عليها
غيره؟ قالت: نعم»؟
فقال:
"اختلف فيه على محمد بن زيد:
فرواه
ابن لهيعة، ومعاوية بن شعبة، ومالك، والدراوردي، وإسماعيل بن جعفر، وغيرهم، عن
محمد بن زيد، عن أمه، عن عائشة، موقوفاً.
ورفعه
عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عن محمد بن زيد، وأسنده إلى
النبي صلى الله عليه وسلم.
والمحفوظ
الموقوف".
قلت:
كذا ورد هذا السؤال في المطبوع في «مسند عائشة»!!! وهو خطأ لا شك فيه!! وإنما هو
من «مسند أم سلمة».
وقد
أورده الدارقطني في «مسند أم سلمة» في «العلل» (15/251) (4000) وسئل عن حديث محمد
بن زيد بن المهاجر بن قنفذ، عن أمه، عن أم سلمة، أَنَّهَا سَأَلَتِ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أتصلي المرأة في درع وخمار ليس
عليها إزار؟ قال: نعم إذا خمر الدرع القدمين»؟
فقال:
"اختلف عنه في رفعه:
فَرَوَاهُ
عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ دينار، عنه، مَرْفُوعًا، إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وتابعه
هشام بن سعد، من رواية مالك بن سعير، عنه.
وخالفه
ابن وهب: فرواه عن هشام بن سعد، موقوفاً.
وكذلك
قال الحسن، وابن أبي ذئب، وابن لهيعة، وأبو غسان محمد بن مُطرِّف، وإسماعيل بن
جعفر، والدراوردي، عن محمد بن زيد، عن أمه، عن أم سلمة، موقوفا، وهو الصواب".
·
الحديث السادس: حديث توبع عليه من
بعض الضعفاء!
روى
الروياني في «مسنده» (2/466) (1487).
والدارقطني
في «سننه» (4/20) (3027).
والحاكم
في «المستدرك» (2/62) (2330) عن عَلِيّ بن عِيسَى الحِيرِيّ.
والبيهقي
في «سننه الكبرى» (6/83) (11275) عن أَبي عَبْدِاللهِ الحَافِظ الحاكم، عن أَبي
الوَلِيدِ الفَقِيه.
ثلاثتهم
(الدارقطني، والحيري، وأبو الوليد الفقيه) عن مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ بنِ
خُزَيْمَةَ.
كلاهما
(الروياني، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة) عن مُحَمَّد بن بَشَّارٍ بُندار.
والطحاوي
في «شرح مشكل الآثار» (5/132) (1875).
وابن
عدي في «الكامل» (5/487) عن عَبدالحَكَمِ بن نَافِعِ بنِ أصبغ التنيسي.
كلاهما
(الطحاوي، وعبدالحكم) عن إِبْرَاهِيم بن مَرْزُوقٍ.
كلاهما (بُندار، وإبراهيم) عن عَبْدالصَّمَدِ بن
عَبْدِالوَارِثِ التَّنُّورِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ
عَبْدِاللهِ بنِ دِينَارٍ، قال: أخبرنا زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ، قالَ: رَأَيْتُ
شَيْخًا بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ يُقَالُ لَهُ: سَرَّقٌ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا
الِاسْمُ؟ قَالَ: اسْمٌ سَمَّانِيهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَلَنْ أَدَعَهُ، قَالَ: قُلْتُ: لَمَ سَمَّاكَ؟، قَالَ: قَدِمْتُ
الْمَدِينَةَ فَأَخْبَرْتُهُمْ أَنَّ مَالًا يَقْدَمُ فَبَايَعُونِي
فَاسْتَهْلَكْتُ أَمْوَالَهُمْ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: «أَنْتَ سَرَّقٌ»، وَبَاعَنِي بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ، فَقَالَ
الْغُرَمَاءُ لِلَّذِي اشْتَرَى: مَا تَصْنَعُ؟. قَالَ: أُعْتِقُهُ، قَالَ:
فَلَسْنَا بِأَزْهَدَ فِي الْأَجْرِ مِنْكَ، وَأَعْتَقُونِي بَيْنَهُمْ، وَبَقِيَ
اسْمِي.
قال
الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
كذا
رواه بُندار، وإبراهيم بن مرزوق عن عَبْدالصَّمَدِ، عن
عَبْدالرَّحْمَنِ بن عَبْدِاللهِ بنِ دِينَارٍ، عن زَيْد بن أَسْلَمَ، عن سَرَّق.
وخالفهما
أبو قلابة عَبْدُالمَلِكِ بن مُحَمَّدٍ الرَّقَاشِيّ البصري، فزاد بين زيد بن أسلم
وبين سرق رجلا.
·
تصحيح الحاكم للإسنادين مع
الاختلاف بينهما!
رواه
الحاكم في «المستدرك» (4/114) (7062) عن أَبي بَكْرٍ مُحَمَّد بن عَبْدِاللَّهِ
بنِ أَحْمَدَ بنِ عَتَّابٍ العَبْدِيّ، عن عَبْدالمَلِكِ بن مُحَمَّدٍ الرَقَاشِيّ،
عن عَبْدالصَّمَدِ بن عَبْدِالوَارِثِ، عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن عَبْدِاللَّهِ بنِ
دِينَارٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ
الْبَيْلَمَانِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ شَيْخًا بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ يُقَالُ
لَهُ سَرَقٌ، فَأَتَيْتُهُ وَسَأَلْتُهُ فَقَالَ لِي: سَمَّانِي رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ أَكُنْ لِأَدَعَ ذَلِكَ أَبَدًا،
فذكره بطوله.
قال
الحاكم:"هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
قلت:
العجب من الحاكم كيف صحح كلا الإسنادين مع الاختلاف بينهما!!
·
حال أبي قلابة عبدالملك الرّقاشي:
وعبدالملك
الرقاشي أبو قلابة صدوق تكلّموا في حفظه!
قَال
أَبُو عُبَيد الآجري: سمعت أبا داود ذكر أبا قلابة، فقال: "رجل صدوق أمين
مأمون كتبت عنه بالبصرة".
وذكره
ابن حبان في «الثقات»، وقال: "وكانَ يحفظ أَكثر حَدِيثه".
وقال
الدَّارَقُطنِيّ: "قيل لنا كان مستجاب الدعوة، صدوق كثير الخطأ في الأسانيد
والمتون، لا يحتج بما انفرد به. بلغني عن شيخنا أبي القاسم ابن بنت منيع: عندي عن
أبي قلابة عشرة أجزاء ما منها حديث يسلم، إما في الإسناد أو في المتن، كان يُحدِّث
من حفظه فكثرت الأوهام منه".
وَقَال
أبو جَعْفَر مُحَمَّد بن جرير الطبري: "ما رأيت أحفظ من أبي قلابة".
وقال
مَسلمة بن القاسم في كتاب «الصلة»: "كان راوية للحديث متقنا ثقة، يحفظ حديث
شعبة كما يحفظ السورة من القرآن، وسمعت ابن الأعرابي يقول: كان أبو قلابة يملي
حديث شعبة على الأبواب من حفظه، ويأتي قوم آخرون فيملي عليهم حديث شعبة على
الشيوخ، وما رأيت أحفظ منه وكان من الثقات، وكان قد حدث بسامراء وبغداد فما بدل من
حديثه شيئًا".
وقال
ابن حجر: "صدوق يخطىء، تغير حفظه لما سكن بغداد".
قلت:
إن كان عبدالملك حفظ عن عبدالصمد فيكون الوهم فيه من عبدالصمد نفسه، وهو وإن كان
ثقة إلا أنه له بعض الأخطاء.
وإن
لم يكن قد حفظه فيكون عبدالرحم بن عبدالله بن دينار خالف فيه مُسْلِم بن خَالِدٍ
الزنجي، فإنه رواه وأَدْخَلَ فِي إِسْنَادِهِ بَيْنَ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ وَبَيْنَ
سُرَّقٍ: عَبْدَالرَّحْمَنِ بنَ الْبَيْلَمَانِيِّ.
وهذا
يدّعم حفظ عبدالملك للحديث عن عبدالصمد عن عبدالرحمن؛ لأنه زاد في إسناده «ابن
البيلماني».
لكن
رُوي أيضاً عن زيد بن أسلم دون ذكر «ابن البيلماني»!
·
متابعة لعبدالرحمن بن عبدالله بن
دينار عن زيد بن أسلم:
روى
الدارقطني في «سننه» (4/19) (3026) عن عَلِيّ بن إِبْرَاهِيمَ المُسْتَمْلِي، عن
مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ، عن أَبي الخَطَّابِ زِيَاد بن يَحْيَى
الحَسَّانِيّ، عن مَرْحُوم بن عَبْدِالعَزِيزِ، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ
بنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وعَبْدُاللَّهِ بنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِمَا: أَنَّهُ
كَانَ فِي غَزَاةٍ فَسَمِعَ رَجُلًا يُنَادِي آخَرَ، يَقُولُ: يَا سُرَّقُ يَا
سُرَّقُ، فَدَعَاهُ، فَقَالَ: مَا سُرَّقٌ؟ فَقَالَ: سَمَّانِيهِ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنِّي اشْتَرَيْتُ مِنْ أَعْرَابِيٍّ نَاقَةً،
ثُمَّ تَوَارَيْتُ عَنْهُ فَاسْتَهْلَكْتُ ثَمَنَهَا، فَجَاءَ الْأَعْرَابِيُّ
يَطْلُبُنِي، فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَاسْتَعْدِي عَلَيْهِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ رَجُلًا اشْتَرَى مِنِّي نَاقَةً
ثُمَّ تَوَارَى عَنِّي فَمَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، قَالَ: «اطْلُبْهُ»، قَالَ:
فَوَجَدَنِي فَأَتَى بِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا اشْتَرَى مِنِّي نَاقَةً ثُمَّ تَوَارَى عَنِّي،
فقال: «أَعْطِهِ ثَمَنَهَا»، قالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَهْلَكْتُهُ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَنْتَ سُرَّقٌ»،
ثُمَّ قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: «اذْهَبْ فَبِعْهُ فِي السُّوقِ وَخُذْ ثَمَنَ
نَاقَتِكَ»، فَأَقَامَنِي فِي السُّوقِ فَأَعْطَى فِيَّ ثَمَنًا، فَقَالَ لِلْمُشْتَرِي:
مَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أُعْتِقُهُ، فَأَعْتَقَنِي الْأَعْرَابِيُّ.
قلت:
فهذه
متابعة لعبدالرحمن بن عبدالله بن دينار عن زيد بن أسلم، تابعه عَبْدُالرَّحْمَنِ
وعبدالله عن أبيهما زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ.
وعبدالرحمن
بن زيد متفق على ضعفه، وعبدالله أفضل حالاً منه.
قال
يَحْيَى بن مَعِيْن: "عبدالرَّحْمَن بن زَيْد بن أَسْلَم، وعبدالله بن زَيْد
بن أَسْلَم، وأسامة بن زَيْد بن أَسْلَم، وولد زَيْد بن أَسْلَم ثلاثتهم ضعفاء في
الحَدِيْث ليس حديثهم بشيء".
وقال
أَبُو داود: "أولاد زيد بن أسلم كلهم ضعيف، وأمثلهم عَبداللَّه".
وعبدالله
بن زيد ضعفه أيضاً أبو زرعة.
ووثقه
أحمد، وغيره.
وقال
النسائي: "ليس بالقوي".
وقال
الجوزجاني: "الثلاثة ضعفاء في الحديث من غير بدعة ولا زيغ".
وخالفهم
مُسْلِمُ بنُ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ، فرواه عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ
عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ البَيْلَمَانِيِّ.
·
رواية مُسْلِم بن خَالِدٍ
الزِّنْجِيّ:
رواه
ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (7/349) عن أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ الوَلِيدِ الأَزْرَقِيّ
المَكِّيّ.
وابن
أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (1/291) (1056) عن مُحَمَّد بن جَعْفَرٍ
الوَرْكَانِيّ.
والبغوي
في «معجم الصحابة» (3/267) (1207) عن عَبْدالأَعْلَى بن حَمَّادٍ النَّرْسِيّ.
والطحاوي
في «شرح مشكل الآثار» (5/133) (1876) عن
إِبْرَاهِيم بن أَبِي دَاوُدَ، عن يَحْيَى بن صَالِحٍ الوُحَاظِيّ.
والطبراني
في «المعجم الكبير» (7/165) (6716) عن عَلِيّ بن عَبْدِالعَزِيزِ، عن مُعَلَّى
بن مَهْدِيٍّ المَوْصِلِيّ.
وعن
عَبْداللهِ بن أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عن العَبَّاس بن الوَلِيدِ النَّرْسِيّ.
والدارقطني
في «سننه» (4/19) عن عَلِيّ بن إِبْرَاهِيمَ المُسْتَمْلِي، عن مُحَمَّد بن
إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ، عن مُحَمَّد بن زِيَادِ بنِ عُبَيْدِاللَّهِ.
والخطيب
البغدادي في «المتفق والمفترق» (3/1884) (1480) عن عبدالله بن أبي بكر بن شاذان،
عن أبي بكر بن جعفر بن أحمد بن جعفر الحريري المعدل، عن عبدالله بن أحمد بن سعيد
الجصاص، عن محمد بن زياد الزيادي.
كلهم
(الأزرقي، والوركاني، وعبدالأعلى النرسي، والوحاظي، ومعلّى، والعباس النرسيّ،
ومحمد بن زياد) عن مُسْلِم بن خَالِدٍ الزِّنْجِيّ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ،
عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ البَيْلَمَانِيِّ قَالَ: كُنْتُ بِمِصْرَ
فَقَالَ لِي رَجُلٌ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى. فَأَشَارَ إِلَى رَجُلٍ
فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ رَحِمَكَ اللهُ؟ فَقَالَ: أَنَا سُرَّقٌ،
فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ، مَا يَنْبَغِي أَنْ تُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ، وأَنْتَ
رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالَ:
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّانِي سُرَّقًا فَلَنْ
أَدَعَ ذَلِكَ أَبَدًا، قُلْتُ: وَلِمَ سَمَّاكَ سُرَّقًا؟ قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا
مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ بِبَعِيرَيْنِ لَهُ يَبِيعُهُمَا، فَابْتَعْتُهُمَا
مِنْهُ وَقُلْتُ: انْطَلِقْ مَعِي حَتَّى أُعْطِيَكَ، فَدَخَلْتُ بَيْتِي ثُمَّ
خَرَجْتُ مِنْ خَلْفٍ لِي، وَقَضَيْتُ بِثَمَنِ البَعِيرَيْنِ حَاجَتِي
وَتَغَيَّبْتُ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ الْأَعْرَابِيَّ قَدْ خَرَجَ فَخَرَجْتُ
وَالْأَعْرَابِيُّ مُقِيمٌ، فَأَخَذَنِي وَقَدَّمَنِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ الخَبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟» فَقُلْتُ:
قَضَيْتُ بِثَمَنِهِمَا حَاجَتِي يَا رَسُولَ اللهِ! قالَ: «فَاقْضِهِ»، قُلْتُ:
لَيْسَ عَنْدِي. قَالَ: «أَنْتَ سُرَّقٌ، اذْهَبْ يَا أَعْرَابِيُّ فَبِعْهُ
حَتَّى تَسْتَوْفِيَ حَقَّكَ»، فَجَعَلَ النَّاسُ يَسُومُونَهُ بِي، وَيَلْتَفِتُ
إِلَيْهِمْ فَيَقُولُ: مَا تُرِيدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نُرِيدُ أَنْ نَبْتَاعَهُ
مِنْكَ، قالَ: فَوَاللهِ إِنْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنِّي، اذْهَبْ
فَقَدْ أَعْتَقْتُكَ.
·
تضعيف الأزدي والبيهقي للحديث!
قال
أبو الفتح الأزدي في ترجمة «سُرق»: "له صحبة، تفرد عنه بالرواية عبدالله بن
يزيد. وقال ابن البيلماني عن سرق، ولا يصح".
وقال
البيهقي في «السنن الكبرى» (6/84) بعد أن روى الحديث: "ومَدَارُ حَدِيثِ
سُرَّقٍ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَكُلُّهُمْ لَيْسُوا بِأَقْوِيَاءَ، عَبْدُالرَّحْمَنِ
بنُ عَبْدِاللهِ وابْنَا زَيْدٍ، وإِنْ كَانَ الحَدِيثُ عَنْ زَيْدٍ عَنِ ابنِ البَيْلَمَانِيِّ،
فَابنُ الْبَيْلَمَانِيِّ ضَعِيفٌ فِي الحَدِيثِ، وَفِي إِجمَاعِ العُلَمَاءِ
عَلَى خِلَافِهِ - وهُمْ لَا يُجْمِعُونَ عَلَى تَرْكِ رِوَايَةٍ ثَابِتَةٍ -
دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِهِ أَوْ نَسْخِهِ إِنْ كَانَ ثَابِتًا، وبِاللهِ التَّوْفِيقُ".
·
حال عبدالرحمن ابن البيلماني:
قلت:
عبدالرَّحْمَن بن البَيْلَمَانِي تابعي مشهور، وهو ضعيف.
قال
أبو حاتم: "لين".
وقال
صالح جزرة: "حديثه منكر، ولا يعرف أنه سمع من أحد من الصحابة إلا من سرق".
وذكره
ابنُ حِبَّان في كتاب «الثقات»، وقال: "لا يجب أَن يعْتَبر بِشَيْء من حَدِيثه
إِذا كَانَ من رِوَايَة ابنه؛ لِأَن ابنه مُحَمَّد بن عَبْدالرَّحْمَن يضع على
أَبِيه العَجَائِب".
وقال
الدارقطني: "ضعيف، لا تقوم به حجة".
وقال
الأزدي: "منكر الحديث، يروي عن ابن عمر بواطيل".
وقال
البزار: "له مناكير، وهو ضعيفُ عند أهل العلم".
والذي
أميل إليه أن الحديث محفوظ عن زيد بن أسلم عن ابن البيلماني، وتكون رواية عبدالملك
الرقاشي عن عبدالصمد عن عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار موافقة للمحفوظ، فيكون
عبدالرحمن قد توبع على حديثه، وكذا يكون قد توبع عليه حتى لو كانت رواية الرقاشي
غير صحيحة؛ لأنه توبع على الوجه الآخر، والله أعلم.
·
شهرة قصة سُرَّق عند المصريين!
وهذه
القصة لسرّق مشهورة عند المصريين.
وفي
كتاب أبي أحمد العسكري: "سُرَق: مخفف مثل غدر وفسق، وأصحاب الحديث يشدون
الراء، والصواب تخفيفها، أعتقه أبو عبدالرحمن القَيْني".
وقال
ابن يونس: "هو رجل من الصحابة معروف من أهل مصر، كان بالإسكندرية، روى عنه
زيد بن أسلم".
قلت:
جعل ابن يونس الراوي عنه زيد بن أسلم! وكأنه لم يعتبر رواية ابن البيلماني أو أنها
لم تقع له، ووقعت له رواية من رواه عن زيد بن أسلم عن سرق!
وجعل
أبو حاتم الراوي عنه: ابن البيلماني.
قال
ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/320): "سرق: مصري، روى عن النبي صلى
الله عليه وسلم. روى عنه: عبدالرحمن بن البيلماني. سمعت أبي يقول ذلك".
وقال
في موضع آخر (5/216): "عبدالرحمن بن البيلماني مولى عمر: سمع من ابن عمر. روى
عنه: سماك بن الفضل، وزيد بن أسلم، سمعت أبي يقول ذلك. وسألته عنه فقال: هو لين".
قال
ابن أبي حاتم: "وسمع من سرق رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم".
والقصة
لها طريق آخر عند المصريين:
رواه
ابن عبدالحكم في «فتوح مصر والمغرب» (ص: 327) عن ابن لهيعة، عن أبي الخير، عن أبي
عبدالرحمن الجهني: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم باع رجلًا فى دين يقال له
سرّق.
قال
عبدالرحمن ابن أبي الحكم: هكذا وجدته في كتابي فذاكرت به بعض أصحابنا فقال: إنما
هو: ابن لَهِيعَةَ، عن بَكْر بن سَوَادَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ
الحُبُلِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ القَيْنِيِّ - وكان من أصحاب رسول الله
صلّى الله عليه وسلم- قال: قدم رَجُلٍ قَدْ قَرَأَ سُورَةَ البَقَرَةِ ببزّ فباعه
من سرّق فَتَجَارَاهُ فَتَغَيَّبَ عَنْهُ، ثُمَّ ظَفِرَ بِهِ، فَأَتَى بِهِ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِعْ سَرِقَ» ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ بِهِ فَسَاوَمَنِي بِهِ
أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ
بَدَا لِي فَأَعْتَقْتُهُ.
ورواه
الطبراني في «المعجم الكبير» (22/291) (745) عن بَكْر بن سَهْلٍ، عن عَبْداللهِ بن
يُوسُفَ، عن ابن لَهِيعَةَ، عن بَكْر بن سَوَادَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ،
عَنْ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ القَيْنِيِّ، به.
ورواه
أبو نُعيم الأصبهاني في «معرفة الصحابة» (5/2954) (6895) عن الطبراني.
وأبو
عبدالرحمن القيني قيل هو: أبو عبدالله القيني.
قال
ابن حجر في «الإصابة» (7/214): "أبو عبداللَّه القيني - بفتح القاف وسكون
التحتانية المثناة بعدها نون -. ذكر ابن منده، عن أبي سعيد بن يونس: أنّ له صحبة.
وروى عنه أبو عبدالرحمن الحبلي. وقيل: إن شيخ الحبلي يكنى أبا عبدالرحمن".
وقال
ابن عبدالبر في «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» (4/1706): "أَبُو عَبْداللَّهِ القيني،
له صحبة، مصري. روى عنه أَبُو عَبْدالرَّحْمَنِ الحبلي قصة سرق وبيعه فِي الدَّين
الَّذِي استهلكه، ليس حديثه بالقوي".
فالقصة
مشهورة، لكن في أسانيدها كلام، والله أعلم.
·
الحديث السابع: حديث خالف فيه:
وصله هو، وأرسله غيره!
روى
عَلِيّ بن الجَعْدِ في «مسنده» (ص: 434) (2952).
وأحمد
في «مسنده» (36/233) (21903) عن عَبْدالصَّمَدِ، وحَمَّاد بن خَالِدٍ.
و(36/235)
(21904) عن أَبي النَّضْرِ هاشم بن القاسم.
والدارمي
في «مسنده» (2/1284) (2061) عن عُبَيْداللَّهِ بن عَبْدِالمَجِيدِ.
والترمذي
في «جامعه» (3/126) (1480) عن مُحَمَّد بن عَبْدِالأَعْلَى الصَّنْعَانِيّ، عن
سَلَمَة بن رَجَاءٍ.
وأبو
داود في «سننه» (4/479) (2858) عن عثمان بن أبي شيبةَ، عن هاشم بن القاسمِ.
وابن
الجارود في «المنتقى» (ص: 221) (876) عن مُحَمَّد بن خَلَفٍ الحَدَّاد، عن يَعْقُوب
بن إِسْحَاقَ الحَضْرَمِيّ.
والحاكم
في «المستدرك» (4/266) (7597) من طريق بَكَّار بن قُتَيْبَةَ، عن أَبي دَاوُد
الطيالسي.
كلهم
(علي بن الجعد، وعبدالصمد، وحماد، وأبو النضر، وعبيدالله، وسلمة، ويعقوب،
والطيالسي) عن عَبدالرَّحْمَنِ بن عَبداللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ
أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاء بن يَسار، عَن أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: قَدِمَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ، وَالنَّاسُ يجبون
أسنام الإِبِلِ وَيَقْطَعُونَ أَلْيَاتِ الغَنَمِ! فقالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا قُطِعَ مِنَ البَهِمَةِ وهي حية فهو ميتة».
ورواه
البغوي في «معجم الصحابة» (2/43) (438)، وأبو يعلى الموصلي في «مسنده» (3/36) (1450)
عن عَلِيّ بن
الجَعْدِ، به.
وسقط
من رواية أبي يعلى: «عطاء بن يسار»!
ورواه ابن عدي في «الكامل» (5/487)، وابن شاهين في «الخامس
من الأفراد» (ص: 191)
(2)، كلاهما عن
البغوي، به.
ورواه الطحاوي في «شرح مشكل
الآثار» (4/237)
(1572) عن إبْرَاهِيم بن أَبِي دَاوُدَ.
والطبراني في «المعجم الكبير» (3/248)
(3304) عن مُحَمَّد بن عَبْدُوسِ بنِ كَامِلٍ.
والدارقطني في «سننه» (5/527)
(4792) عن أَبي القَاسِمِ بن مَنِيعٍ.
ثلاثتهم عن عَلِيّ بن الجَعْدِ، به.
·
تنبيه
على خطأ في مطبوع «المستدرك»!!
جاء في مطبوع «المستدرك» (4/266) (7597) [نسخة
مصطفى عبدالقادر عطا]:
حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، ثَنَا
سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ. وَحَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ، ثَنَا
أَبُو دَاوُدَ، ثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ
زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ
اللَّيْثِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، الحديث.
قلت: الإسناد الأول: "حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ، ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ
خَيْثَمَةَ" إنما هو للحديث السابق! فكأنه خطأ من الناسخ!! سبق نظره فأعاده
في هذا الحديث!!!
·
حكم
العلماء على الحديث:
قال
الترمذي: "وهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ
حَدِيثِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ والعَمَلُ عَلَى هذا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ".
قَالَ
ابن القطَّان الفاسي: "وإنَّما لم يصحِّحه التِّرْمِذِيّ، لِأَنَّهُ من
رِوَايَة عبدالرَّحْمَن بن عبدالله بن دِينَار، وَهُوَ يُضَعَّف، وإنَّ كَانَ
البُخَارِيّ قد أخرج لَهُ".
فتعقبه
ابن الملقن في «البدر المنير» (1/462) فقال: "قلت: لَكِن الحَاكِم رَحِمَهُ
اللَّهُ لم يَعْبَأْ بِهَذَا التَّضْعِيف، فَأخْرجهُ فِي «المُسْتَدْرك» كَمَا
تقدَّم، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الإِسناد. قلت: أَي عَلَى شَرط
البُخَارِيّ. وَخَالف أَبُو زرْعَة، فَقَالَ - عَلَى مَا نَقله ابْن أبي حَاتِم
فِي «علله» -: إنَّ هَذَا الحَدِيث وهمٌ، وَأَن الصَّحِيح: حَدِيث زيد بن أسلم عَن
ابْن عمر. يَعْنِي الْآتِي إِثْر هَذَا، وَفِي ذَلِك نظر".
قلت:
ما نُقل عن أبي زرعة خطأ كما سأبينه إن شاء الله.
وقال البغوي: "ولم يرو هذا الحديث عن غير عبدالرحمن
بن عبدالله بن دينار، ورواه عنه المتقدمون، وهو صالح الحديث، روى عنه يحيى بن سعيد
القطان".
وقال ابن شاهين: "وهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ".
وقال
ابن عدي: "وهذا لا أعلم يَرْوِيهِ عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ غير عَبدالرحمن
بن عَبدالله هذا".
وقال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ
البُخَارِيِّ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
·
رأي
البخاري في الحديث!
وقال الترمذي في «العلل» (ص:
241): سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَتَرَى هَذَا
الحَدِيثَ مَحْفُوظًا؟ قال: نَعَمْ. قُلْتُ لَهُ: عَطَاءُ بنُ يَسَارٍ أَدْرَكَ
أَبَا وَاقِدٍ؟ فقَالَ: "يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَدْرَكَهُ، عَطَاءُ بنُ
يَسَارٍ قَدِيمٌ".
قلت: ظاهر كلام البخاري تصحيح هذا الإسناد! وهو قد خرّج
في «صحيحه»
لعبدالرحمن بن عبدالله بن دينار!
ورأى
أن عطاء بن يسار قد أدرك أبا واقد؛ لأنه قديم!!
لكن
هذا فيه نظر!! فالحديث معلول! ولا يحفظ فيه ذكر أبي واقد!! وقد وهم فيه عبدالرحمن
بن عبدالله بن دينار! والمحفوظ أنه مرسل دون ذكر أبي واقد فيه!
رواه
عبدالرزاق في «المصنف» (4/494)
(8611) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ قالَ: كَانَ أَهْلُ
الْجَاهِلَيَّةِ يَجُبُّونَ الْأَسْنِمَةَ، وَيَقْطَعُونَ الْأَلِيَّاتِ،
فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ:
«مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ، وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ».
وقال الحاكم في «المستدرك» (4/138):
"رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بِلَالٍ،
عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ مُرْسَلًا".
فمعمر وسليمان بن بلال أوثق من عبدالرحمن بن عبدالله بن
دينار، وروايتهما المرسلة أصح من رواية عبدالرحمن الموصولة!
·
تعليل
أبي زرعة للحديث، وتصحيح ما وقع في «العلل»!
قال
ابن أبي حاتم في «العلل» (4/353) (1479): وسألتُ أَبَا
زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رواه عبدالرحمن بن عبدالله بنِ دِينَارٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ
أسلَم، عَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِب (!)، عَنْ أَبِي واقدٍ اللَّيْثي؛
قَالَ: قَدِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ والناسُ يَجُبُّونَ أَسْنامَ
الإِبِلِ، وَيَقْطَعُونَ أَلَيَاتِ الْغَنَمِ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:
«مَا قُطِعَ مِنَ البَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ، فَهُوَ مَيْتَةٌ».
ورَوَى
مَعْن القَزَّاز، عَنْ هِشَامِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أسلَم، عَنِ ابنِ
عُمَرَ، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟
قال
أَبُو زُرْعَةَ: "جَمِيعًا وَهْمَين! والصَّحيحُ: حديثُ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ،
عَنْ زَيْدِ بْنِ أسلَم، عَنْ ابن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مُرسَلً".
قال
محققوا الكتاب [بإشراف سعد الحميد وخالد الجريسي]: "كذا في جميع النسخ، وهو مُشكِل
كما ترى! إذ كيف يذكر أن الحديث مُرسَل وهو متَّصل؟! فلعله انتقال بصر من
النسَّاخ، ولعله يعني: «والصَّحيح: حَدِيثُ هِشَامِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ، عَنْ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مرسل»".
وقال
محمد الدباسي محقق نسخة أخرى من الكتاب (2/217) وهي أسبق من النسخة السابقة:
"هكذا في جميع النسخ، ولعله بسبب انتقال النظر، ولعل الصواب: والصحيح حديث
سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن النبي صلى الله عليه وسلم،
مرسلا".
قلت:
نعم، هو لا شك سبق نظر من الناسخ، وأخطأ من قال بأن الصواب: "والصَّحيح:
حَدِيثُ هِشَامِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ النبيِّ صلى الله
عليه وسلم، مرسل"! إذا كيف يصححه وهو يقول عنه مع الذي قبله: "جميعا
وهمين" - أو "وهمان".
والصواب
ما ذكره محقق النسخة الأخرى بأن الصواب حديث سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم، عن
عطاء بن يسار، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلا.
وما
جاء في أصل الكتاب: «عن عطاء بن السائب» خطأ! والصواب: «عطاء بن يسار»؛ لأن الحديث
حديثه، ولا شأن لابن السائب به.
·
ترجيح الدارقطني للإرسال في هذا
الحديث.
وقد
سُئِلَ الدارقطني في «العلل» (6/297)
(1152) عن
هذا الحديث؟ فقال:
"يَرْوِيهِ
زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:
فَرَوَاهُ
عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، وعَبْدُاللَّهِ بنُ جَعْفَرٍ
المَدِينِيُّ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي
وَاقِدٍ.
وَخَالَفَهُمَا
المِسْوَرُ بنُ الصَّلْتِ، فَرَوَاهُ عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءٍ،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ.
وقَالَ
سُلَيْمَانُ بنُ بِلَالٍ: عَنْ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ مُرْسَلًا.
وَقَالَ
هِشَامُ بنُ سَعْدٍ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابنِ عُمَرَ.
والمرسل
أشبه".
فرجّح
الدارقطني إرساله كما رواه سليمان بن بلال، وهو أوثق من كل من رواه عن زيد بن
أسلم، فكلهم ضعفاء ووهموا فيه، ولم يضبطه إلا سليمان.
·
رواية المِسْوَر
بن الصَّلْتِ، وخَارِجَة بن مُصْعَبٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ
يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ!
وروى البَزَّارُ فِي «مُسْنَدِهِ» [كشف
الأستار عن زوائد البزار (2/67) (1220)] قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مِسْكِينٍ،
قال: حدثنا يَحْيَى بنُ حَسَّانٍ، قال: حدثنا المِسْوَرُ بنُ الصَّلْتِ، عَنْ
زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ،
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ قَطْعِ أَلْيَاتِ
الْغَنَمِ وَجُبَابِ أَسْنِمَةِ الإِبِلِ، فَقَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ قُطِعَ مِنْ
بَهِيمَةٍ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ».
قال البَزَّارُ: "هَكَذَا رَوَاهُ المِسْوَرُ، وَخَالَفَهُ
سُلَيْمَانُ بنُ بِلَالٍ، فَلَمْ يُوصِلْهُ.
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بنُ مِسْكِينٍ، قال: حدثنا يَحْيَى
بنُ حَسَّانٍ، قال: حدثنا سُلَيمان بنُ بِلالٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ
عَطَاءٍ، قَالَ: فَذَكَرَ نَحْوَهُ مُرْسَلا. ولا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ
إِلا المِسْوَرُ، وَلَيْسَ هُوَ بِالحَافِظِ، وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ
بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ
يَسَارٍ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ، مُتَّصِلا".
وقال البزار أيضاً: "وهَذَا حَدِيثٌ قَدْ اُخْتُلِفَ
فِيهِ عَلَى زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ! فَقَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِاللَّهِ
بْنِ دِينَارٍ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي
وَاقِدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ المِسْوَرُ
بْنُ الصَّلْتِ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَالَ: سُلَيْمَانُ
بنُ بِلَالٍ: عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا. والمِسْوَرُ لَيِّنُ الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَى
عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَعَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ
بْنِ دِينَارٍ، فَلَيْسَ بِالقَوِيِّ فِي الحَدِيثِ" [نصب الراية (4/318)].
ورجّح
المرسل أيضاً الدارقطني عندما سئل في «العلل» (11/259)
(2273) عَنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: «أَنَّ
أُنَاسًا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلُوهُ
عَمَّا قُطِعَ مِنْ أَسْنِمَةِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: كُلُّ مَا قُطِعَ مِنَ الحَيِّ
فَهُوَ مَيِّتٌ»؟. فقالَ:
"يَرْوِيهِ المِسْوَرُ بنُ الصَّلْتِ، وخَارِجَةُ
بْنُ مُصْعَبٍ، مِنْ رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ.
وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامُ بْنُ
سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
والمُرْسَلُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ".
·
حالُ الِمسور
بن الصلت!
والمسور بن الصلت ضعيف سيء الحفظ، تركه بعضهم.
قال البخاري: "مسور بن الصلت، ضعيف، ضعفه أَحْمَد".
وقال ابن حَمَّاد: قَالَ البُخارِيّ: "مسور بن
الصَّلْت ضعيف متروك الحديث".
وقال أبو حاتم، وأبو زرعة: "ضعيف الحديث".
وقال النسائي: "مسور بن الصَّلْت متروك الحديث".
وقال
ابن حبان: "كَانَ غاليا فِي التَّشَيُّع يشْتم السّلف! وكَانَ يروي عَن
الثِّقَات الموضوعات لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ، كَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يكذبهُ،
وأما يحيى فَحسّن القَوْل فِيهِ. سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مَحْمُودٍ يَقُولُ:
سَمِعْتُ صَالِحَ بنَ مُحَمَّدٍ - جزرة - يَقُولُ: سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ معِين عن
مِسْوَرِ بنِ الصَّلْتِ؟ فَقَالَ: شَيْخٌ صَدُوق".
لكن
نقل العقيلي في «الضعفاء» (4/244) عن عَبَّاس الدوري قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى،
يَقُولُ: "مِسْوَرُ بْنُ الصَّلْتِ كُوفِيٌّ، سَمِعَ مِنْهُ سَعْدَوَيْهِ،
كَانَ يُحَدِّثُ بِأَحَادِيثَ الشِّيعَةِ، ضَعِيفٌ".
لكن
لفظ «ضعيف» لا يوجد في المطبوع من رواية عباس الدوري لتاريخ ابن معين (4/33) (2999).
قال
عباس: سَمِعت يحيى يَقُول: "مسور بن الصَّلْت كَانَ كوفيا قد سمع مِنْهُ
سَعْدَوَيْه، وَكَانَ يحدث بِأَحَادِيث الشِّيعَة".
وقال
البزار: "ليس هو بالحافظ".
وقال الدارقطني: "المسور بن الصلت ضعيف".
·
علّة
الجمع بين الشيوخ في رواية الحاكم!!
بعد أن أخرج الحاكم في «المستدرك» (4/137)
رواية عَبْدِاللَّهِ بنِ جَعْفَرٍ، عن زَيْد بن أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ
يَسَارٍ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، الآتية، وصححها، قال: "وقَدْ
قِيلَ: عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ".
ثم ساق الرواية فقال: حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ
مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوبَ، قال: حدثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِالحَكَمِ، قال: حدثَنَا
يَحْيَى بنُ حَسَّانَ، قال: حدثَنَا مِسْوَرُ بنُ الصَّلْتِ، وسُلَيْمَانُ
بنُ بِلَالٍ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سُئِلَ عَنْ جَبَّاتِ أَسْنِمَةِ الْإِبِلِ وَأَلْيَاتِ الْغَنَمِ فَقَالَ: «مَا
قُطِعَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ».
قال: "رَوَاهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ،
عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بِلَالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، مُرْسَلًا، وَقِيلَ:
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ"، ثم ساق الرواية من حديث هشام
بن سعد الآتي.
قلت: ظاهر الأمر أن الحاكم لم يعتد برواية محمد بن
عبدالحكم التي فيها الجمع بين المسور وسليمان بن بلال، وذلك لأمرين:
الأول: أنه صحح رواية عبدالله بن جعفر، ثم اتبعها بقوله:
"وقد قيل...".
الثاني: أنه أراد فقط عرض الاختلاف في الأسانيد الأخرى،
فبعد أن ذكرها مجملاً بصيغة التمريض، ساق الرواية كاملة متصلة، ثم بين أن
عبدالرحمن بن مهدي خالف فيها فرواها مرسلة، ولم يتعرض لها بتصحيح كعادته في تصحيح
ما يراه صحيحاً!
ثم بيّن الاختلاف الآخر في رواية أخرى بقوله: "وقيل
عن زيد بن أسلم عن ابن عمر"، وساق الرواية دون الكلام عليها.
والجمع بين المسور بن الصلت وسليمان بن بلال بهذا
الإسناد متصلاً خطأ!! لأن مُحَمَّد بن مسكين بن اليمامي الثقة حدّث بكلا الروايتين
- كما تقدم عند البزار - عن يحيى بن حسان التنيسي، وفصل بينهما، فبين أن رواية
المسور مرفوعة، ورواية سليمان بن بلال مرسلة.
فالذي جمع بين الشيخين حمل الرواية المرسلة على الرواية
المتصلة فأخطأ!!
وأكبر ظنّي أن الذي جمع بين الروايتين هو مُحَمَّدُ بنُ
عَبْدِاللَّهِ بنِ عَبْدِالحَكَمِ المِصْرِيّ الفقيه صاحب الإمام الشافعي. وهو ثقة
صدوق، خرّج له النسائي فقط، وكأن تفرغه للفقه والقضاء جعله لا يعتني كثيراً بضبط
الروايات، والله أعلم.
وأستبعد أن يكون الذي جمع بينها شيخ الحاكم، وهو الإِمَامُ،
المُحَدِّثُ، مُسْنِدُ العَصْرِ، رِحلَة الوَقْتِ، أَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ
مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بن يُوْسُفَ النَّيْسَابُوْرِيّ.
·
تعقّب الزيلعي
للبزار! والرد عليه، وبيان أغلاطه في ذلك!
لما
عرض الزيلعي لتخريج هذا الحديث في «نصب الراية» (4/317) قال: "وأَمَّا
حَدِيثُ الخُدْرِيِّ: فَأَخْرَجَهُ الحَاكِمُ فِي المُسْتَدْرَكِ عَنْ سُلَيْمَانَ
بنِ بِلَالٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ
عَنْ قَطْعِ أَلْيَاتِ الغَنَمِ، وَجَبِّ أَسْنِمَةِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: «مَا قُطِعَ
مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيْتٌ»، انْتَهَى. وقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ،
وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ
أَيْضًا عَنْ المِسْوَرِ بنِ الصَّلْتِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِهِ، وَسَكَتَ
عَنْهُ، وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ رَوَاهُ البَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَقَالَ:
هَكَذَا رَوَاهُ المِسْوَرُ بنُ الصَّلْتِ مُسْنَدًا، وَخَالَفَهُ سُلَيْمَانُ
بْنُ بِلَالٍ، فَأَرْسَلَهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذْكُرْ أَبَا سَعِيدٍ، وَلَا نَعْلَمْ أَحَدًا
قَالَ فِيهِ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ إلَّا الْمِسْوَرَ بْنَ الصَّلْتِ، وَلَيْسَ
بِالْحَافِظِ، انْتَهَى.
وَفِيهِ
نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ بِلَالٍ أَسْنَدَهُ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ الحَاكِمِ، وَلَمْ أَجِدْهُ مُرْسَلًا،
إلَّا فِي مُصَنَّفِ عَبْدِالرَّزَّاقِ أَخْرَجَهُ فِي كِتَابِ الحَجِّ:
حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: «كَانَ أَهْلُ
الْجَاهِلِيَّةِ يَجُبُّونَ الْأَسْنِمَةَ، فَقَالَ عليه السلام، الحَدِيثَ»،
حَدَّثَنَا ابنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «كَانَ أَهْلُ
الْجَاهِلِيَّةِ يَقْطَعُونَ أَلْيَاتِ الغنم، وأسمنة الْإِبِلِ، فَذَكَرَهُ».
الثَّانِي:
قَوْلُهُ: لا نعلم أَحَدًا قَالَ فِيهِ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ إلَّا المِسْوَرَ،
فَقَدْ تَابَعَ المِسْوَرَ عَلَيْهِ سليمان بن بلال، كَمَا تَقَدَّمَ، وَتَابَعَهُ
أَيْضًا خَارِجَةُ بنُ مُصْعَبٍ، كَمَا أَخْرَجَهُ الحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي
الحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ، [عن سفيان]، عَنْ خَارِجَةَ بنِ
مُصْعَبٍ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
«كُلُّ شَيْءٍ قُطِعَ مِنْ الحَيِّ فَهُوَ مَيْتٌ»، انْتَهَى. وقَالَ: تَفَرَّدَ
بِهِ خَارِجَةُ فِيمَا أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ كَذَلِكَ ابنُ عَدِيٍّ فِي
الكَامِلِ وَضَعَّفَ خَارِجَةَ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدَ،
وَابْنِ مَعِينٍ، وَمَشَّاهُ، فَقَالَ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، فَإِنَّهُ يغلط، ولا
يتعمد. انْتَهَى".
قلت:
أولاً:
وهم الزيلعي في تفريقه لحديث الحاكم! فالحاكم جمع بين روايتي سليمان بن بلال
والمسور! وعليه أخطأ في نسبة حكم الحاكم على الحديث!!
فالحاكم
لم يقل في الحديث الذي روي عن سليمان بن بلال: "حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ
الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ"! وإنما حكم على الرواية التي قبلها، وهي
رواية عبدالله بن جعفر، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ
يُخَرِّجَاهُ".
فوهم
الزيلعي في نسبة هذا القول للحاكم في رواية سليمان بن بلال! وكذا في نقله لقول
الحاكم أيضاً!
ثانياً:
سكت الحاكم عن رواية المسور وسليمان التي جمع بينهما محمد بن عبدالحكم؛ لأنه كما
بينت آنفاً أراد بيان الاختلاف في الأسانيد، ولم يرد الكلام عليها، وكأنه لا يرى
صحتها.
ثالثاً:
اعتراضه على قول البزار لا يُسلّم له!
وقوله:
"أَنَّ سُلَيْمَانَ بنَ بِلَالٍ أَسْنَدَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، كَمَا
تَقَدَّمَ عِنْدَ الحَاكِمِ، وَلَمْ أَجِدْهُ مُرْسَلًا، إلَّا فِي مُصَنَّفِ
عَبْدِالرَّزَّاقِ"! ليس بصحيح.
فسليمان
لم يسنده عن أبي سعيد! نعم، جاء في رواية الحاكم التي جمع فيها ابن عبدالحكم بين
شيخي شيخه أن سليمان أسنده! لكن أشار الحاكم إلى أن عبدالرحمن بن مهدي رواه عن
سليمان بن بلال فأرسله، ولو أردنا الترجيح بين رواية عبدالرحمن ورواية غيره لرجحنا
رواية ابن مهدي، فكيف إذا تبيّن لنا أن الرواية التي رواها الحاكم من طريق يحيى بن
حسان قد رواها أيضاً البزار وبين أن رواية يحيى بن حسان عن سليمان بن بلال مرسلة،
وروايته عن المسور متصلة!!
فالصواب
عن سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم مرسلاً. ويعضد ذلك ما رواه عبدالرزاق عن معمر عن
زيد بن أسلم مرسلاً.
والعجب
من الزيلعي كيف يقول: "رواه البَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ"، ويغفل عن تفصيل
البزار لكلا الروايتين عن يحيى بن حسان عن سليمان بن بلال مرسلة، وعن المسور متصلة!!
ويزداد
العجب منه أنه أعاد نقلاً آخر عن البزار في رواية سليمان المرسلة! فقال: "قال
البزار: وقَال سُلَيْمَانُ بنُ بِلَالٍ: عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا..".
وكأني
به لم يرجع لأصل مسند البزار؛ لأن ما نقله عنه في الموضع الأول فيه تصرف!! فيحتمل
أنه نقله من غيره! لأنه تقدم نقلنا عن البزار ما قال في هذه الرواية، ثم سياقه
حديث المسور منفصلاً، والله أعلم.
رابعاً:
وأما قوله في تعقب البزار على قوله "لانعلم أَحَدًا قَالَ فِيهِ: عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ إلَّا المِسْوَرَ": "فَقَدْ تَابَعَ المِسْوَرَ عَلَيْهِ سليمان
بن بلال، كَمَا تَقَدَّمَ، وَتَابَعَهُ أَيْضًا خَارِجَةُ بنُ مُصْعَبٍ.."!
فهذا تعقب مردود!! فسليمان لم يتابع المسور عليه كما بيناه آنفاً، والجمع بينهما
كان خطأ، والرواية الصحيحة عن سليمان بن بلال الإرسال.
وأما
متابعة خارجة فلا يُعتد بها، وسيأتي الكلام عليها لاحقاً إن شاء الله.
خامساً:
قوله عن ابن عدي: "وَضَعَّفَ خَارِجَةَ عَنْ البُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ،
وَأَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ"!! فيه إيهام بأن ضعفه قد يكون ليس بشديد بحيث
يُعتبر به!! وعبارات هؤلاء الأئمة التي نقلها ابن عدي شديدة تدل على أنه متروك
الحديث! بل وقد اتهمه ابن معين بالكذب!! فلا يصلح حينها أن نقول فقط: "ضعفه
فلان وفلان..."!!!
وقد
نقل ابن عدي عن معاوية، عَن يَحْيى، قال: "خارجة بن مصعب: ليس بثقة"،
وقال مرة: "ليس بشَيْءٍ".
ونقل
عن عباس الدوري، عَن يَحْيى، قال: "خارجة بن مصعب كذاب، وليس بشَيْءٍ".
ونقل
عن عَبدالله بن أحمد قال: "نهاني أبي أن أكتب عن خارجة بن مصعب شيئا من
الحديث".
ونقل
عن البخاري قال: "تركه وكيع، وكَانَ يدلس عَنْ غياث بْن إِبْرَاهِيم ولا يعرف
صحيح حديثه من غيره".
ونقل
عن النسائي قوله فيه: "متروك الحديث".
سادساً:
قوله عن ابن عدي: "ومَشَّاهُ، فَقَالَ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، فَإِنَّهُ يغلط،
ولا يتعمد"! فيه نظر!!