«القول الفاخر» في بيان تدليس «العوني الفاجر»!
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام سيد المرسلين وإمام
المتقين وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد:
فكنت أجبت على ما أرسله لي بعض الإخوة من كلام في تصحيح دكتور
الحديث "حاتم العوني" للحديث المروي عن خوات بن جُبير لنشـر الرذيلة حسب
ما نشـره على صفحته على "الفيسبوك".
ثم أرسل لي الأخ السائل مقالاً لهذا الدكتور المنحرف يزعم
فيه بيان كيفية تصحيحه لهذا الحديث وترجيحه تحت عنوان: "بيان ثبوت حديث
خَوّات بن جُبير في شِراد بعيره"، ولا أدري هل ما أجبت عنه سابقاً كان
فيه هذا التفصيل حول ترجيحه للرواية التي رآها صحيحة أم أنه نشره فيما بعد! لأن
الذي وصلني فقط هو سياقه للحديث وترجيحه دون تفصيل!!
وعليه سيكون هذا الرد جوابا عن مقاله المنشور على موقعه بتاريخ
السادس عشـر من جمادى الآخرة لعام 1440هـ، وبالله وحده نستعين ومنه نستمد الحول
والقوة، فنقول:
هذا المنحرف الأفاك دكتور الحديث "حاتم العوني" يحاول
نشـر الفساد بطريقة خبيثة! مستغلاً ما جاء في بعض الروايات المنكرة! والكذب من خلالها!
فذكر رواية معروفة في كتب أهل العلم ليبين مزاح النبي صلى الله عليه وسلم بالحق!! لكنه
ساقها بطريقة تشير إلى أن الجلوس مع الأجنبيات والتجمل لهنّ حدث زمن النبي صلى الله
عليه وسلم ولم يغضب بل وفعله صحابة بدريون! واضطر الصحابي للكذب على رسول الله صلى
الله عليه وسلم!!! وكأنه لا ضير في هذا!!
ولم ينس النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فبقي يسأله عن تلك الحادثة
حتى اعترف الصحابي بأنه كذب!! وانظروا إلى ما قاله المنحرف في سياقه للقصة:
"ومر على شاب كان يجلس إلى نساء أجنبيات عنه، وقد تجمّل
لهن، ويحادثهن..."!!
والذي في القصة: "فَخَرَجْتُ مِنْ خِبَائِي فَإِذَا أَنَا
بِنِسْوَةٍ يَتَحَدَّثْنَ، فَأَعْجَبْنَنِي، فَرَجَعْتُ فَاسْتَخْرَجْتُ عَيْبَتِي،
فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا حُلَّةً فَلَبِسْتُهَا وَجِئْتُ فَجَلَسْتُ مَعَهُنَّ..".
·
الحديث:
والحديث هو ما رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (4/203)
من حديث جرير بن حازم، عن زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ، يُحَدِّثُ، أَنَّ خَوَّاتَ بْنَ
جُبَيْرٍ، قَالَ: نَزَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَرَّ الظَّهْرَانِ، قَالَ: فَخَرَجْتُ مِنْ خِبَائِي فَإِذَا أَنَا بِنِسْوَةٍ
يَتَحَدَّثْنَ، فَأَعْجَبْنَنِي، فَرَجَعْتُ فَاسْتَخْرَجْتُ عَيْبَتِي،
فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا حُلَّةً فَلَبِسْتُهَا وَجِئْتُ فَجَلَسْتُ مَعَهُنَّ،
وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُبَّتِهِ فَقَالَ:
«أَبَا عَبْدِ اللهِ مَا يُجْلِسُكَ مَعَهُنَّ؟»، فَلَمَّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِبْتُهُ واخْتَلَطْتُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللهِ جَمَلٌ لِي شَرَدَ، فَأَنَا أَبْتَغِي لَهُ قَيْدًا فَمَضَى وَاتَّبَعْتُهُ،
فَأَلْقَى إِلَيَّ رِدَاءَهُ وَدَخَلَ الْأَرَاكَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ
مَتْنِهِ فِي خَضِرَةِ الْأَرَاكِ، فَقَضَى حَاجَتَهُ وَتَوَضَّأَ، فَأَقْبَلَ
وَالْمَاءُ يَسِيلُ مِنْ لِحْيَتِهِ عَلَى صَدْرِهِ - أَوْ قَالَ: يَقْطُرُ مِنْ
لِحْيَتِهِ عَلَى صَدْرِهِ - فَقَالَ: «أَبَا عَبْدِ اللهِ مَا فَعَلَ شِرَادُ
جَمَلِكَ؟»، ثُمَّ ارْتَحَلْنَا فَجَعَلَ لَا يَلْحَقُنِي فِي الْمَسِيرِ إِلَّا
قَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا عَبْدِ اللهِ مَا فَعَلَ شِرَادُ ذَلِكَ
الْجَمَلِ؟» ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ تَعَجَّلْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ،
واجْتَنَبْتُ الْمَسْجِدَ وَالْمُجَالَسَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ تَحَيَّنْتُ سَاعَةَ خَلْوَةِ
الْمَسْجِدِ، فَأَتَيْتُ الْمَسْجِدَ فَقُمْتُ أُصَلِّي، وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعْضِ حِجْرِهِ فَجْأَةً فَصَلَّى
رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وطَوَّلْتُ رَجَاءَ أَنْ يَذْهَبَ ويَدَعُنِي فَقَالَ:
«طَوِّلْ أَبَا عَبْدِ اللهِ مَا شِئْتَ أَنْ تُطَوِّلَ فَلَسْتُ قَائِمًا حَتَّى
تَنْصَرِفَ»، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاللهِ لَأَعْتَذِرَنَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولَأُبْرِئْنَ صَدْرَهُ، فَلَمَّا قَالَ:
«السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا عَبْدِ اللهِ مَا فَعَلَ شِرَادُ ذَلِكَ الْجَمَلِ؟»
فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا شَرَدَ ذَلِكَ الْجَمَلُ مُنْذُ
أَسْلَمَ، فَقَالَ: «رَحِمَكَ اللهُ» ثَلَاثًا ثُمَّ لَمْ يُعِدْ لِشَيْءٍ مِمَّا
كَانَ.
·
كلامه
حول الحديث!
قال دكتور الحديث المنحرف:
"وهذا الحديث صحيح، والراجح أنه من حديث زيد بن أسلم،
عن ربيعة بن عِباد الدؤلي عن خوات بن جبير (رضي الله عنه).
ومع أن الحديث قد صح إسناده عن زيد بن أسلم عن خوات، بلا واسطة،
لكن الظاهر أنه مرسل عن خوات، وأن هناك واسطة بين زيد بن أسلم وخوات، وقد نص المزي
على أنه لم يدركه، وهو الراجح نظرا في طبقة شيوخه ومن قيل إنه لم يسمع منهم من الصحابة،
ونظرا في تاريخ وفاة زيد وخوات.
لكن روى هذا الحديث مختصـرًا عبد الرحمن بن مسهر (وهو متهم
في عدالته) عن زيد بن أسلم عن ربيعة بن عمرو الديلي (الدؤلي) عن خوات، وتوبع من راو
آخر، لكن هذا الراوي الآخر ممن عُرف بسـرقة الحديث، فلا وزن لروايته؛ لأنه غالبا سرقه
من عبد الرحمن بن مسهر.
وليس في شيوخ زيد بن أسلم أو شيوخ غيره راو بهذا الاسم، وإنما
الذي في شيوخ زيد بن أسلم وفي شيوخ غيره من المدنيين ممن يقال له ربيعة الديلي راو
واحد: وهو ربيعة بن عِباد الديلي. لذلك يغلب على ظني أنه هو واسطة زيد بن أسلم إلى
خوات، وربيعة بن عباد الديلي ممن أدرك الجاهلية والإسلام، وعُد في الصحابة، ورأى النبي
صلى الله عليه وسلم قبل إسلامه، وعُمر حتى مات فيما قيل سنة 95هـ.
وهكذا علمنا أن واسطة زيد إلى خوات هو ربيعة بن عباد، وهو محل
الاعتماد عليه.
وليس في هذا الترجيح اعتمادٌ على رواية متروك، وإنما هو اعتماد
على قرائن صدق خبره!
فإدراك وقوع الإرسال بين زيد بن أسلم وخوات ليس من شأن عامة
المحدثين؛ لأنه انقطاع خفي، حيث إن زيدا تابعي، وإدراك قرائن عدم سماعه من خوات ليست
متاحة لعموم المحدثين، بل إنما إدراك مثلها من شأن قلة من النقاد الذين ينفردون بإدراك
العلل الخفية، ومن شأن قلة من الباحثين المدققين ممن يقفون على أحكام النقاد ويستنبطون
منها قرائنهم. ولذلك كان بيان الراوي المتروك (وهو عبد الرحمن بن مسهر) للواسطة في
هذا الانقطاع الخفي يتضمن قرائنَ كافيةً لإثباتها؛ لأنه:
* لا الكذب مما يمكن أن يهدي الراوي المتروك إلى وجود واسطة
بين زيد وخوات أصلا.
* ولا وجوب وجود هذه الواسطة مما سيهديه إليها؛ لأن الانقطاع
خفي، فلا وجود لما يوجب افتراض وجود واسطة.
* ولا الخطأ العفوي بالذي يُقوِّي احتمال مصادفة ذكر هذه الواسطة.
فكيف إذا كان من ذكره الراوي شيخا مقلا لزيد بن أسلم؟!
كما أن الراوي المتروك لو أراد الكذب: لطلب العلو في الإسناد،
وحذف الواسطة موهما للعلو . ولو أراد الكذب: لسمى شيخا من مشاهير شيوخ زيد بن أسلم.
أما أن يذكر شيخا من خفاء حاله أنه أخطأ في اسمه، ولا عرفنا صواب اسمه المحتمل إلا
من خلال النظر في شيوخ زيد بن أسلم ممن روى عنه نادرا، وهو ربيعة بن عباد الديلي، فهذا
كله ليس من جنس صنيعة الأكاذيب ولا من نوع مصادفات الأخطاء.
أخيرا: إرسال زيد بن أسلم عن خوات، هو من إرسال المدنيين، وهو
من أقوى الإرسال، لقلة الكذابين في المدينة في ذلك الجيل ونقاوة أسانيدها. فهو وإن
كان مرسلا ضعيفا فهو خفيف الضعف، وهو كان يروي الخبر ولا يجد فيه ما يُستنكر، وهو أعلم
بواسطته، وهو من علماء التابعين، فإذا غلَّبت القرائنُ صدقَ المتروك (كعبد الرحمن بن
مسهر) في رواية، أمكن الترجيح بها.
لذلك أؤكد أنني هنا لم أعتبر بحديث المتروك، وإنما اعتبرت بقرائن
الصدق في روايته.
ومن وقف عند حفظ قواعد القبول والرد والاعتبار وعدمه، دون فقهٍ
ودون معرفة بمأخذها العقلي، سيظن أن هذا مناقض للتقرير القائل: إنه لا اعتبار بحديث
المتهم في عدالته، والأمر ليس كما ظن.
ألا ترى أنك قد تستفيد القبول من قرائن خبر الكذاب، لا من خبره؟!
فلو أخبرك أحد الكذبة أنه فقد ابنه الوحيد، ورأيت تشييعه والصلاة
عليه وإقامة مجلس العزاء، ثم رأيت هذا الرجل يبقى زمنا حزينا مكسوف الحال، ويتصدق عن
ابنه، ويخرج المال الجزل، وهو الذي عرفته شحيحا = ألا تصدقه، رغم كونه كذابا؟! فالقرائن
قد تقوم مقام إخبار الصادقين، وإن كان أصل الخبر من كذاب !!" انتهى كلامه قطع الله لسانه وشل
يده.!
·
الرد على تُرّهات العوني الفاجر!
قلت:
أولاً: هذا المنحرف صحح الحديث ووضع عنواناً في "ثبوت حديث خَوّات بن
جُبير في شِراد بعيره"!! فهو جزم بهذا العنوان أن بعيره شرد مع أن هذا كذبة منه
بحسب الحديث!! وحاشا لصحابي مثل خوات وهو من أهل بدر أن يكذب في حديثه!!
ثانياً: بنى هذا المنحرف تصحيحه للحديث على قرائن في حال راويه المتروك!
وهذا أصل جديد في تصحيح الروايات لم يقل به أحد من قبله قط ولا أشد الناس تساهلا
في تصحيح الأحاديث! فمتى احتاج أهل العلم حديث المتروك المقدوح في عدالته لتصحيح الأحاديث؟!
وأيّ قرائن هذه التي ادّعاها حول هذا المتروك لتصحيح روايته؟! إنْ هذا إلا افتراء لدعم
انحرافه!
وقد كنت قررتُ في جوابي السابق أن عبد الله بن زيد بن أسلم
روى الحديث عن أبيه عن ربيعة الديلي عن خوات بن جبير، وخالفه جرير بن حازم فرواه عن
زيد بن أسلم عن خوات، مرسلاً، ورجّحت رواية جرير؛ لأنه أوثق من عبدالله بن زيد!
على أن الراوي عن عبد الله بن زيد بن أسلم هو: عبدالرحمن بن
مُسهر وهو المتروك الذي اعتمد عليه هذا المنحرف العوني في تصحيح الحديث به!!
فحديثه أصلاً لا يُقبل ولا يُحتج به، ولا يثبت أن عبد الله
بن زيد بن أسلم رواه أصلاً عن أبيه!!
·
رواية
النضر بن طاهر، وحاله!
فالحديث رواه النَّضْـرُ بنُ طَاهِرٍ، عن عَبْد اللهِ بْن زَيْدِ
بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرٍو الدِّيلِيِّ، عَنْ خَوَّاتِ
بْنِ جُبُيْرٍ، قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ، فَجَاءَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «خَفِّفْ صَلَاتَكَ، فَإِنَّ لَنَا إِلَيْكَ
حَاجَةً».
ورَوَاهُ عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَرْكِيُّ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ، مِثْلَهُ.
وَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ،
عَنْ خَوَّاتٍ، مُطَوَّلًا.
والنضـر بْن طاهر يسرق الحديث، وهو الذي قال عنه العوني بأنه
تابع عبد الرحمن بن مُسهر عليه، وقال بأنه "لا وزن لروايته؛ لأنه غالبا سرقه من
عبد الرحمن بن مسهر".
لكن أين الدليل على أنه سرقه من عبد الرحمن بن مسهر؟!! مع احتماله!
قال ابن عدي في النضـر هذا: "ضعيف جدا، يسـرق الحديث ويحدث
عمن لم يرهم، ولا يحتمل سنّه أن يراهم".
ثم قال: "والنضر بْن طاهر معروف بأنه يثب على حديث الناس
ويسرقه ويروى عمن لم يلحقهم والضعف على حديثه بيّن".
وقال ابن أبي عاصم: "سمعت منه ثم وقفت منه على كذب، ثم
رأيته بعدما عَمي يُحدّث عن الوليد بن مسلم بما ليس من حديثه فيبالغ في الكذب".
والذي يظهر لي أن الحديث حديث النضـر هذا، وأخذه من عبدالرحمن
بن مسهر لا العكس كما ظنّ هذا المنحرف العوني! والله أعلم.
وهو مَن كان يضع الأحاديث على أبناء زيد بن أسلم!
قال ابن أبي عاصم: "كان عندنا شيخ بالبصـرة كبير السن
صاحب غزو وخير يقال له: النضـر بن طاهر أبو الحجاج كتبنا عنه كثيرا، عَن أبي عوانة،
وَغيره ثم أخرج حديث دلهم فزعم أنه سمعه منه، وحدثني به عنه بطوله، فسألته: أسمعته
منه؟ قال: قدم علينا مع عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فنزل موضعا سماه قال: فسألت فإذا
عبدالرحمن بن زيد لم يقدم البصرة ولو قدمها مع شهرته لكتب عنه الناس"!!
قلت: فهذه القصة تدل على أنه ممن كان يضع الحديث على أبناء
زيد بن أسلم، فلعله هو من وضع هذه الرواية، والله أعلم.
·
حال
عبدالرحمن بن مُسهر!
وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُسْهِرٍ، أَخُو عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ
متفق على ترك حديثه!
قال يَحْيى بن معين: "عَبد الرحمن بن مسهر ليس بشَيْءٍ".
وقال البُخارِيّ: "عَبد الرحمن بن مسهر الكوفي أخو علي
بن مسهر: فيه نظر".
وقال النسائي: "عَبد الرحمن بن مسهر: متروك الحديث".
وساق له العقيلي وابن عدي هذا الحديث في ترجمته، وقال ابن عدي:
"وعبد الرحمن بن مسهر لا يعرف له كثير رواية ومقدار ما له من الروايات، لا يُتَابَعُ
عَليه".
ولو فرضنا أن رواية عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه صحيحة
فلا تقدّم بحال من الأحوال على رواية جرير بن حازم؛ لأن جرير بن حازم ثقة، وعبدالله
ضعيف!
فلا ترجح رواية هذا الضعيف على الثقة إلا بقرائن قوية تدل على
أنه حفظ روايتة! فكيف إذا كان الراوي عنه متروك الحديث!!
فجرير بن حازم ثقة تكلموا في بعض حديثه، واختلط في آخر عمره
لكن لم يحدّث حال اختلاطه؛ لأن بَنيه حجبوه، وسيأتي مزيد كلام عليه.
وأما عبدالله بن زيد بن أسلم ففيه مقال كثير، مشّى حاله أحمد
وأبو حاتم، وبقية أهل النقد على تضعيفه جداً!
قال أبو يعلى: سمعت يَحْيى بن مَعِين يقول - وَسُئِل عن بني
زيد بْن أسلم -؟ فقالَ: "ليسوا بشَيْءٍ ثلاثتهم - يعني أسامة، وَعَبداللَّه، وَعَبدالرَّحْمَنِ".
وقال عباس الدوري: سمعت يَحْيى يَقُولُ: "أسامة بْن زيد
بْن أسلم، وَعَبداللَّه بْن زيد بن أسلم، وَعَبدالرحمن بْن زيد بْن أسلم هؤلاء إخوة
وليس حديثهم بشَـيْءٍ جميعا".
وقال ابنُ أَبِي مَرْيَمَ: سَمِعْتُ يَحْيى بن مَعِين يقول:
"عَبداللَّه بْن زيد بن أسلم ضعيف يكتب حديثه".
وقال عَلِيّ بْن المديني: ليس في ولد زيد بْن أسلم ثقة".
وقال أبو زرعة: "ضعيف".
وقال النسائي: "ليس بالقوي".
وقال ابن حبان: "كَانَ شَيخا صَالحا كثير الْخَطَأ فَاحش
الْوَهم يَأْتِي بالأشياء عَن الثِّقَات الَّتِي إِذا سَمعهَا المبتدىء فِي هَذِه الصِّنَاعَة
شهد عَلَيْهَا بِالْوَضْعِ".
·
الرد المُفصّل.
والرد المفصّل على كلام المنحرف العوني في الآتي:
أولاً:
قوله: "ومع أن الحديث قد صح إسناده عن زيد بن أسلم
عن خوات، بلا واسطة، لكن الظاهر أنه مرسل عن خوات، وأن هناك واسطة بين زيد بن أسلم
وخوات، وقد نص المزي على أنه لم يدركه، وهو الراجح نظرا في طبقة شيوخه ومن قيل إنه
لم يسمع منهم من الصحابة، ونظرا في تاريخ وفاة زيد وخوات".
قلتُ:
نصّ أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (3/392) أن
رواية زيد بن أسلم، عن خوات، مرسل.
وكونه رواه عنه مرسلاً لا يعني أن الواسطة التي بينهما سمع
الحديث من خوات كما يحاول هذا المنحرف إثباته!! فنحن لا نشك أن زيد بن أسلم أخذ هذا
الحديث من آخر عن خوات بن جُبير، لكن من هو هذا؟ وهل سمع الحديث من خوات أم أخذه
عن رجل ثان ولعل هذا الثاني لم يسمعه من خوات وهكذا.؟!
ثانياً:
قوله: "لكن روى هذا الحديث مختصـرًا عبد الرحمن بن
مسهر (وهو متهم في عدالته) عن زيد بن أسلم عن ربيعة بن عمرو الديلي (الدؤلي) عن خوات،
وتوبع من راو آخر، لكن هذا الراوي الآخر ممن عُرف بسـرقة الحديث، فلا وزن لروايته؛
لأنه غالبا سرقه من عبد الرحمن بن مسهر".
قلت:
كيف يكون متهماً في عدالته ثم نعتمدُ عليه أو ما سماه هذا المنحرف
بقرائن الرواية لتصحيح حديثه؟ أليس أول شرط من شروط الاحتجاج بالراوي أن يكون عدلاً؟!
فإذا سقطت عدالته، فكيف نعتمد عليه أو على ما تسميه قرائن حاله؟!
أليس في ذلك تعد على أصول الحديث ونسفها؟!
وهذا الذي اتهم بسرقة الحديث وتابعه عليه ولا وزن لروايته،
هو في نفس مرتبة راوي هذا الحديث من حيث أنه لا وزن لروايته أيضا لأنه متفق على تركه!!
بل قلت أيها المنحرف أنه متهم في عدالته؟!
ثالثاً:
قوله: "وليس في شيوخ زيد بن أسلم أو شيوخ غيره راو
بهذا الاسم، وإنما الذي في شيوخ زيد بن أسلم وفي شيوخ غيره من المدنيين ممن يقال له
ربيعة الديلي راو واحد: وهو ربيعة بن عِباد الديلي. لذلك يغلب على ظني أنه هو واسطة
زيد بن أسلم إلى خوات، وربيعة بن عباد الديلي ممن أدرك الجاهلية والإسلام، وعُد في
الصحابة، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم قبل إسلامه، وعُمر حتى مات فيما قيل سنة
95هـ. وهكذا علمنا أن واسطة زيد إلى خوات هو ربيعة بن عباد، وهو محل
الاعتماد عليه".
قلت:
الذي جاء في رواية عبدالرحمن بن مسهر: "رَبِيعَةَ بْنِ
عَمْرٍو الدِّيلِيِّ"!
فلما بحث هذا المنحرف في شيوخ زيد بن أسلم فلم يجد هذا الراوي
فيهم، ووجد بعض أهل العلم ذكروا من شيوخه: "ربيعة بن عباد الديلي" قال بأنه
هو الواسطة بين زيد بن أسلم وبين خوات بين جبير!!
وقد ذكرت في جوابي السابق أنه لما أشار العراقي في "تخريج
أحاديث إحياء علوم الدين" إلى الرواية الأخرى للقصة، فقال: "رواه الطبراني
في الكبير من رواية زيد بن أسلم عن خوات بن جبير مع اختلاف، ورجاله ثقات، وأدخل بعضهم
بين زيد وبين خوات: ربيعة بن عمرو".
قال ابن السبكي معقبا عليه: "وربيعة بن عمرو المذكور هو
الدمشقي أبو الغاز الجرشي مختلف في صحبته قتل يوم مرج راهط سنة أربع وستين".
واستبعدت أن يكون ربيعة هو الدمشقي هذا!! وكأنه حصل تحريف في
الرواية، وكأن الصواب هو: "ربيعة بن عباد".
لكن لا نستطيع الجزم بأن ربيعة الوارد في حديث عبد الرحمن بن
مسهر المتروك هو "ربيعة بن عباد الديلي"!! فلعل كلام ابن السبكي صواب، وحصل
تحريف في النسب "الديلي" وقد تكون: "الجرشي"، والرسم قريب.
بل إن تفرد هذا المتروك بهذا الاسم يدل على عدم قبول روايته
في مقابل رواية الثقة، إذ زاد رجلا وهو مجهول!! ولو صح أنه "عمرو بن عباد"
فكيف نقبل ذلك منه؟!!
نعم، روى زيد بن أسلم رواية واحدة فقط عن ربيعة بن عباد الديلي
أنه رأى وهو شاب في الجاهلية أبا لهب يُحذر قومه من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم.
ولم يثبت أن زيد بن أسلم سمع من ربيعة وإن عاصره، فلو كان سمع
منه لربما روى عنه أكثر من رواية، لكن وجود رواية واحدة فقط عنه فيها مظنّة الإرسال
عنه في روايته سيما وهذه القصة التي رواها مشهورة عند المدنيين!
فكون زيد بن أسلم روى عن ربيعة بن عباد الديلي رواية لا يعني
أنه سمع منه أو روى هذا الحديث الذي هو من رواية هذا المتروك عبد الرحمن بن مُسهر!!
رابعاً:
قوله: "وليس في هذا الترجيح اعتمادٌ على رواية متروك،
وإنما هو اعتماد على قرائن صدق خبره! فإدراك وقوع الإرسال بين زيد بن أسلم
وخوات ليس من شأن عامة المحدثين؛ لأنه انقطاع خفي، حيث إن زيدا تابعي، وإدراك قرائن
عدم سماعه من خوات ليست متاحة لعموم المحدثين، بل إنما إدراك مثلها من شأن قلة من النقاد
الذين ينفردون بإدراك العلل الخفية، ومن شأن قلة من الباحثين المدققين ممن يقفون على
أحكام النقاد ويستنبطون منها قرائنهم. ولذلك كان بيان الراوي المتروك (وهو عبد الرحمن
بن مسهر) للواسطة في هذا الانقطاع الخفي يتضمن قرائنَ كافيةً لإثباتها؛ لأنه:
* لا الكذب مما يمكن أن يهدي الراوي المتروك إلى وجود واسطة
بين زيد وخوات أصلا.
* ولا وجوب وجود هذه الواسطة مما سيهديه إليها؛ لأن الانقطاع
خفي، فلا وجود لما يوجب افتراض وجود واسطة.
* ولا الخطأ العفوي بالذي يُقوِّي احتمال مصادفة ذكر هذه الواسطة.
فكيف إذا كان من ذكره الراوي شيخا مقلا لزيد بن أسلم ؟!".
قلت:
ادّعى هذا الدكتور المنحرف أن الإرسال بين زيد بن أسلم وخوات
"انقطاع خفي"!! "وأن إدراك قرائن عدم سماعه من خوات ليست متاحة لعموم
المحدثين!! إنما إدراك مثلها من شأن قلة من النقاد الذين ينفردون بإدراك العلل الخفية،
ومن شأن قلة من الباحثين المدققين ممن يقفون على أحكام النقاد ويستنبطون منها قرائنهم"!!
وكأنه بهذا الكلام يعدُّ نفسه من هؤلاء الباحثين المدققين!!!
فهو الذي استنبط هذه القرائن في معرفة هذا الانقطاع الخفي!!!
أقول لهذا المنحرف: أين الانقطاع الخفي هنا؟ حتى لو كان زيد
بن أسلم من التابعين؟! فخوات بن جبير مات سنة (40هـ)، وزيد بن أسلم توفي سنة (136هـ)،
فالانقطاع واضح وليس بخفي كما ادعى المنحرف!!
بل قال ابن معين بأن زيد بن أسلم لم يسمع من جَابِر، ولا من
أَبِي هُرَيْرة.
وجابر مات بعد سنة (70هـ)، وأبو هريرة مات سنة (57) أو (58هـ)،
فإذا كان لم يسمع من هؤلاء فكيف يسمع بمن مات سنة (40هـ)!
وهل هذا الانقطاع يخفى على الأئمة النقاد ولا يعرفه إلا القلائل
كما ادعى هذا المنحرف!!!
وأما القرائن التي استدل بها هذا المنحرف على إثبات الواسطة
في هذا الانقطاع الخفي المدّعى التي أتى بها الراوي المتروك فهي مما لا ينقضـي منه
العجب!! ويدلّ إما على جهل هذا المنحرف أو على تلاعبه بأمر الحديث من أجل نصرة انحرافاته!!
والأصل أن حديث المتروك يرد مطلقا دون النظر إلى أي قرينة من
روايته!! ولم نجد أئمة النقد ينظرون إلى رواية المتروك والبحث في قرائن روايته!!
أما القرينة الأولى في قوله: "لا الكذب مما يمكن أن يهدي
الراوي المتروك إلى وجود واسطة بين زيد وخوات أصلا".
فحاصل ذلك أن هذا المتروك لا يعرف أن هناك انقطاع بين زيد وخوات
أصلا، فكيف هُدي إلى ذلك لجبر هذا الانقطاع بالإتيان بهذه الواسطة من أجل أن يصبح الحديث
متصلا!! = يعني هذا يدل على أنه أصاب في روايته!!
أقول لهذا المنحرف: اثبت العرش ثم انقش!! فهل ثبت أن هذا الراوي
المتروك سمع هذا الحديث من عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه، وسمى الراوي بين زيد وخوات؟!!
وليس بالضـرورة أن يكون قد كذب في هذا الحديث! فهو متروك، وهذا
الترك يكون لعدة أسباب عند الأئمة النقاد، وعلى رأسها أنه يكون سيء الحفظ جداً!
قال ابن حبان في عبد الرحمن هذا: "كَانَ مِمَّن يخطىء
حَتَّى يَأْتِي بالأشياء المقلوبة الَّتِي يشْهد لَهَا من الحَدِيث صناعته بِالقَلْبِ،
وَهُوَ الَّذِي مدح نَفسه عِنْد هَارُون الرشيد فَقَالَ نعم القَاضِي قَاضِي الجَبَل".
فكيف برجل سيء الحفظ يقلب الأسانيد يضبط الحديث ونحكم بزيادته
فيه في مقابل الضعيف لأنه أتى برجل في الإسناد فصار الإسناد متصلاً بعد أن كان مرسلاً!!
أيّ عقل يذهب إلى هذا المذهب يا دكتور الحديث؟! سبحان الله،
ألهذه الدرجة يودي الانحراف بأهله؟!
الأئمة النقاد يضعفون رواية الثقة المتصلة في كثير من الأحايين
إذا خالفه آخر ثقة وأرسل الحديث، فكيف نعتمد على رواية المتروك في ترجيح روايته لأنها
متصلى على رواية الثقة المرسلة؟!!
ثم إن هذا المتروك لم يذكر في روايته "ربيعة بن عباد"!
وإنما قال: "ربيعة بن عمرو"! فنعتمد هذا حتى يظهر لنا العكس بالدليل!!!
وانظر إلى قلة عقل هذا المتروك الذي اعتمدت روايته بهذه القرينة
الواهية وهو يحكي حكاية عن نفسه!
فقد ولّاه أبو يوسف القاضي قضاء جبّل، وانحدر الرشيد مرّة إلى
البصـرة، فقال عبدالرحمن: فسألت أهل جَبُّلَ أن يُثْنوا عليّ فوعدوني ذلك، فلمّا قرُب
إلينا الرشيد، وأبو يوسف معه في الحرّاقة، فقلت: يا أمير المؤمنين نِعم القاضي قاضي
جَبُّلَ، قد عَدَلَ وَفَعَلَ وَفَعَلَ، وجعلتُ أُثني فعرفني أبو يوسف فضحِك، ثم أخبر
الرشيد، فضحك حتى فحص برجله، ثمّ قال: هذا شيخ قليل العقل فاعزلْه فعزلني.
قال الذهبي معقباً على هذه القصة: "قلت: ومِن نقْص عقله
كونه يحكي هذه الورطة عن نفسه".
وقال الذهبي في موضع آخر: "ذَاكَ المُغَفَّلُ الَّذِي
بَلَغَهُ أَنَّ المَأْمُوْنَ قَادِمٌ عَلَى نَاحِيَةِ جَبُّلَ، فَكَلَّمَ أَهْلَ جَبُّلَ
لِيُثْنُوا عَلَيْهِ عِنْدَ المَأْمُوْنِ، فَوَجَدَ مِنْهُم فُتُوراً، وَأَخْلَفُوهُ
المَوْعِدَ، فَلَبِسَ ثِيَابَهُ، وَسَرَّحَ لِحْيَتَه، وَوَقَفَ عَلَى جَانِبِ دِجْلَةَ،
فَلَمَّا حَاذَاهُ المَأْمُوْنُ، سَلَّمَ بِالخِلاَفَةِ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ!
نَحْنُ فِي عَافِيَةٍ وَعَدْلٍ بِقَاضِينَا ابْنِ مُسْهِرٍ. فَغَلَبَ الضحك عَلَى يَحْيَى
بنِ أَكْثَمَ، فَعَجِبَ مِنْهُ المَأْمُوْنُ، وَقَالَ: مَا بِكَ؟ قَالَ: يَا أَمِيْرَ
المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ الَّذِي يُبَالِغُ فِي الثَّنَاءِ عَلَى قَاضِي جَبُّلَ هُوَ
القَاضِي. فَضَحِكَ المَأْمُوْنُ كَثِيْراً، ثُمَّ قَالَ لِيَحْيَى: اعْزِلْ هَذَا،
فَإِنَّهُ أَحْمَقُ".
وأما القرينة الثانية التي اعتمدها هذا المنحرف العوني بقوله:
"ولا وجوب وجود هذه الواسطة مما سيهديه إليها؛ لأن الانقطاع خفي، فلا وجود لما
يوجب افتراض وجود واسطة".
فأقول:
والله هذا مما يضحك الثكلى!
فكلامه يوهم بأن هذا الراوي المتروك = عبد الرحمن بن مُسهر
كان ضابطا حافظا لروايته! إذ لو قلنا بأنه أصل روايته ليس فيها "ربيعة" وهو
قد ذكره فيها فهذا بعيد لأن الانقطاع بين زيد وخوات انقطاع خفي! وهو لا يعرف أن هناك
انقطاعا، وهذا يدل على ضبطه لروايته!!!
سبحان الله! ما أسمج هذا الفهم!!
حتى لو عرف أن هناك انقطاعا وكان خفياً، فالذي ننظر إليه هو
حاله في الرواية، وقد اتفق النقاد على تركه لأنه سيء الحفظ جداً، فلم الدخول في هذه
الافتراضات الخيالية التي تسميها قرائن وهي محض هلوسة!!
وأما القرينة الثالثة التي ذكرها الدكتور المنحرف بقوله:
"ولا الخطأ العفوي بالذي يُقوِّي احتمال مصادفة ذكر هذه الواسطة. فكيف إذا كان
من ذكره الراوي شيخا مقلا لزيد بن أسلم ؟!".
فأقول:
يقصد بأنه لو كان هذا المتروك أخطأ في ذكره للواسطة، فكيف يكون
هذا الخطأ العفوي يجعل الإسناد متصلا بعد أن كان منقطعا وانقطاعه خفي، وهذه الواسطة
التي ذكرها المتروك شيخا مقلا لزيد بن أسلم = يعني لو كان مكثرا عنه لقلنا إنه ربما
أخطأ! لكن كونه مقلا عنه فهذا يدل على أنه ضبط اسمه!!
وهذا خيال وأوهام في عقل هذا المنحرف!!
فهذا المتروك جاء باسم غير الاسم الذي ذهب إليه هذا المنحرف!
ثم لو كان هو، فهل ذكره له وهو من شيوخ زيد المقلين عنه هل هذا يدل على صحة كلامه؟!!!
وهذه ليست بقرينة أبداً!! فلو كان الحديث
محفوظاً بذكر هذه الواسطة بين زيد وخوات لكان مشتهراً عند غيره من الثقات! لا أن يتفرد
بهذا هذا المتروك! ولا يتابعه عليها أحد!!
ثم إن ربيعة بن عباد ليس شيخا مقلا لزيد بن أسلم! بل لا توجد
لزيد رواية عنه إلا في حديث واحد قد ذكرته آنفاً، ولم يثبت أنه سمعه منه! والله أعلم.
خامساً:
قوله: "كما أن الراوي المتروك لو أراد الكذب: لطلب
العلو في الإسناد، وحذف الواسطة موهما للعلو. ولو أراد الكذب: لسمى شيخا من مشاهير
شيوخ زيد بن أسلم. أما أن يذكر شيخا من خفاء حاله أنه أخطأ في اسمه، ولا عرفنا صواب
اسمه المحتمل إلا من خلال النظر في شيوخ زيد بن أسلم ممن روى عنه نادرا، وهو ربيعة
بن عباد الديلي، فهذا كله ليس من جنس صنيعة الأكاذيب ولا من نوع مصادفات الأخطاء".
قلت:
من قال بأن هذا المتروك بزيادته لهذا الراوي أراد الكذب! حتى
نقول بأنه لو أراد ذلك لطلب علو الإسناد؟!! وأنه لو أراد الكذب لأتى بشيخ مشهور من
مشاهير شيوخ زيد بن أسلم! هذا من خيالات المنحرف العوني!!
ولا يعدو الأمر أنه أخطأ في إسناده؛ لأنه سيء الحفظ أصلاً،
ولم يتابعه أحد عليه حتى نقول إنه ضبط هذا الحديث!!
فهو متروك، ورواه عن راو ضعيف وهو عبد الله بن زيد بن أسلم
وهو ليس بشـيء عند بعض أهل النقد!!
فكيف نجزم بأن ما رواه عبدالرحمن بن مسهر صحيح! لأنه أتى بواسطة
شيخ من شيوخ زيد بن أسلم وهو مقلّ عنه!!
لم لا نقول بأنه كان عند هذا الراوي المتروك حديث زيد بن أسلم
عن خوات المرسل، وعنده حديث زيد عن ربيعة، فأخطأ عند روايته فدخل له إسناد في إسناد
لسوء حفظه، وهذا ما يفعله الأئمة النقاد عند معالجة وقوع الخطأ للراوي في حديثه، فكيف
إذا كان هذا الراوي سيء حفظ وهو متروك!!
سادساً:
قوله: "أخيرا: إرسال زيد بن أسلم عن خوات، هو من إرسال
المدنيين، وهو من أقوى الإرسال، لقلة الكذابين في المدينة في ذلك الجيل ونقاوة أسانيدها.
فهو وإن كان مرسلا ضعيفا فهو خفيف الضعف، وهو كان يروي الخبر ولا يجد فيه ما يُستنكر،
وهو أعلم بواسطته، وهو من علماء التابعين، فإذا غلَّبت القرائنُ صدقَ المتروك (كعبد
الرحمن بن مسهر) في رواية، أمكن الترجيح بها".
قلت:
من قال من أئمة النقد إن إرسال المدنيين من أقوى الإرسال؟!
ولم أرسله زيد بن أسلم إذا كان الذي سمعه منه ثقة؟!!
ولو كان سمعه من ربيعة بن عباد وهو كاد أن يكون صحابيا، فهل
يعقل بأن يُفرّط به ويسقطه من إسناده ويرسله عن خوات؟!!
ثم إنّ مراسيل زيد بن أسلم نفسه ليست قوية!! فلو كانت قوية
لقبلها أهل العلم ولم يتكلموا فيها!!
قال يحيى القطان: "مُرْسَلَاتُ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مُرْسَلَاتِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ".
فهذا القطان قدّم مرسلات معاوية بن قرة على مرسلات زيد بن أسلم.
وذكروا في المراسيل ممن روى عنهم زيد مرسلاً:
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: "زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ سَعْدٍ
مُرْسَلٌ".
وقال أيضاً: "زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ
لَيْسَ شَيْءٌ هُوَ مُرْسَلٌ".
وقال: "زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ
زِيَادٍ أَوْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ عَنْ عَلِيٍّ هُوَ مُرْسَلٌ".
وقال أبو حاتم: "زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
مُرْسَلٌ يَدْخُلُ بَيْنَهُمَا عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ".
وقال عَلِيَّ بن الْحَسَيِن بْن الْجُنَيْدِ: "زَيْدُ
بْنُ أَسْلَمَ عَنْ جَابِرٍ مُرْسَلٌ، وَعَنْ رَافِعَ بْنِ خُدَيْجٍ مُرْسَلٌ، وَعَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلٌ، وَعَنْ عَائِشَةَ مُرْسَلٌ أُدْخِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
عَائِشَةَ: القَعْقَاعُ بْنُ حَكِيمٍ، وَأُدْخِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ".
فنقول لهذا الدكتور المنحرف: هل الروايات التي أرسلها زيد بن
أسلم عن هؤلاء نقول فيها أنها من مراسيل المدنيين التي هي من أقوى الإرسال؟!!
ومن قال لك بأن الكذابين كانوا قلة في المدينة في ذلك الجيل؟!!
هل قمت بسبر روايات أهل المدينة حتى تقرر هذه النتيجة؟
وما يدرينا أن زيد بن أسلم أخذ هذه الروايات عن أهل المدينة
فقط؟ فربما أخذها عمن جاء من خارج المدينة، ولا نعرفهم ولا نعرف حالهم؟!!
ولم يُرسل زيد بن أسلم هذه الروايات إن كان سمعها من ثقات؟!!
عدا عن عشـرات الروايات التي أرسلها عن النبي صلى الله عليه
وسلم!!! فممن سمع هذه الروايات؟!! ولم يرسلها عنه صلى الله عليه وسلم؟!!
ثم كيف تحكم على هذا المرسل بأنه "خفيف الضعف"؟!!
هو مرسل، والمراسيل كلها ضعيفة! فما هو ضابط خفة الضعف؟ ألأنه
من علماء التابعين كما قلت أنت؟!!
أذكرك بأن الحسن البصـري كان أيضاً من علماء التابعين، وأنت
لك رسالة كبيرة في مراسيل الحسن، وقد رددت كثيراً منها! ألم يسعك أن تقبلها وتقول بأنه
خفيفة الضعف كذلك؟!
ثم ما أدراك بأن زيد بن أسلم كان يروي الخبر ولا يجد فيه ما
يُستنكر؟! أين أدلتك على ذلك؟
هل كل تابعي من العلماء إذا روى خبراً يعني أنه لم يجد فيه
ما يُستنكر؟!!
أطّلعت الغيب؟ أم عندك مكاشفة في ذلك؟!!
بل إن هذه الرواية فيها نكارة واضحة!!
أليست النكارة في أن هذا الصحابي = خوات بن جبير وهو من أهل
بدر، يخرج ويجلس مع نساء أجنبيات!! ويراه النبي صلى الله عليه وسلم، فيسأله عن ذلك؟!
فيكذب عليه!!!
أين عقلك - إن كان لك عقل - أيها المنحرف؟!!
هل يعقل أن يسكت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الفعل لهذا
الصحابي؟!!
وفي القصة أنه نزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ الظهران،
وإنما نزل النبي صلى الله عليه وسلم مر الظهران عند توجهه إلى مكة لفتحها سنة (8هـ)،
فهل هؤلاء الذين خرجوا لفتح مكة كانوا منشغلين بالنساء الأجنبيات؟!! وأين وجدوهن؟ في
ذلك المكان؟!!
وخوات بن جبير مات فِي سَنَةِ أَرْبَعِينَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ
وَسَبْعِينَ سَنَةً، مما يفيد أن عمره كان يوم الفتح (42) سنة، فمن وصل لهذا العمر
من غير الصحابة يستحيل أن يفعل هذا الفعل الذي ذُكر في هذه القصة المنكرة، فكيف
بأهل بدر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
أليست النكارة واضحة في أنه صلى الله عليه وسلم بقي يتتبع هذا
الصحابي ليحرجه أمام الناس، ويكشف كذبه!! فامتنع عن الإتيان للمسجد! ثم صار يسـرع في
صلاته لئلا يحرجه النبي صلى الله عليه وسلم؟!!
وطالما أن زيد "أعلم بالواسطة" الئي حدثه بالحديث،
فلم أسقطه ولم يُظهره؟!!!
وأقول لهذا المنحرف: هذه الرواية عن زيد بن أسلم، المتصلة والمرسلة
لم يروها عنه أهل المدينة!!
فقد روى هذا الحديث عنه: جرير بن حازم (ت 170هـ)، وهو بصـري،
وهو ثقة في حفظه شيء!
وعبدالرحمن بن مُسهر وهو كوفي متروك.
والنضر بن طاهر، وهو بصري، متروك، يسرق الحديث.
فكيف يتفرد بهذا الحديث راو بصـري، وآخر كوفي عن راو مدني مشهور
كزيد بن أسلم!!! ويختلفان عليه فيه!!!
أما حديث المتروك فلا يعرّج عليه، والعمدة عند أهل الحديث على
رواية جرير بن حازم، لكن هل سمع جرير هذا الحديث من زيد بن أسلم؟!!
نعم، لقي جرير زيدا، وسمع منه كما روى حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ
قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ - فَلَقِيتُ: زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ - فَحَدَّثَنِي، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَتْ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ نَاقَةٌ
تَرْعَى فِي قِبَلِ أُحُدٍ، فَعُرِضَ لَهَا، فَنَحَرَهَا بِوَتَدٍ، فَقُلْتُ لِزَيْدٍ:
وَتَدٌ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَدِيدٍ؟ قَالَ: لَا. بَلْ خَشَبٌ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ: «فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهَا».
لكن لم أجد له رواية عنه إلا في هذا الحديث، والحديث الذي نتكلم
عليه! وربما نجد له أحاديث أخرى، لكن روايته عن زيد بن أسلم نادرة!!
فكأنه لقيه وسمع منه القليل فقط!
نعم ورد في حديثه عن زيد عن خوات تصـريحه بسماعه منه، إلا أن
أهل النقد قالوا بأن جريرا كان عنده ذكر السماع سجيّة، ويخطئ في ذلك! والدكتور المنحرف
قرر ذلك في بعض كتبه!
وجرير بن حازم أُتي من قِبل حفظه! والذي يلقى راوياً ويسمع
منه حديثا قليلا، ثم يروي عنه بعد سنوات طويلة وهو عنده مشكلة أصلا في الحفظ فلا يضبط
تلك الأحاديث التي سمعها من ذلك الراوي.
وقد عاب أهل العلم على جرير تحديثه من حفظه لوهمه في ذلك.
ففي «سؤالات مهنا» عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل، قال:
"هو كثير الغلط".
ولما ذكره ابن حبان في «جملة الثقات» قال: "كان يخطىء؛
لأن أكثر ما كان يحدث من حفظه، وكان شعبة يقول: ما رأيت بالبصرة أحفظ من رجلين: هشام
الدستوائي وجرير بن حازم".
ولما ذكره العقيلي في «جملة الضعفاء» قال: "قال يحيى بن
معين ضعيف في قتادة روى عنه مناكير، وكان تغير بأخرة".
وفي كتاب «الثقات» لابن خلفون: قال أبو الفتح الأزدي:
"جرير بن حازم امرؤ صدوق، خرج عنه بمصـر أحاديث مقلوبة، ولم يكن بالحافظ، حمل
رشدين وغيره عنه مناكير".
وفي كتاب «العلل» للترمذي عن البخاري: "ربما يهم في الشيء،
وهو صدوق".
وقال ابن سعد: "كان ثقة، إلا أنه اختلط في آخر عمره".
فلا ندري هل ضبط جرير هذا الحديث عن زيد بن أسلم!! وهل فعلاً
رواه زيد! ولم يروه عنه أهل المدينة؟!!
إن كان جرير ضبطه فيبقى مرسلاً، وهو حديث منكر!
وأما قول المنحرف الأخير: "فإذا غلَّبت القرائنُ صدقَ
المتروك (كعبد الرحمن بن مسهر) في رواية، أمكن الترجيح بها"! فهذا يدل على خفة
عقله في الحديث!!
فأي قرائن هذه التي غلبت لترجيح رواية هذا المتروك؟!
ما هي إلا قرائن الشيطان عقدها في عقلك فقط لا تصمد أمام قواعد
أهل النقد!
سابعاً:
قوله: "لذلك أؤكد أنني هنا لم أعتبر بحديث المتروك،
وإنما اعتبرت بقرائن الصدق في روايته. ومن وقف عند حفظ قواعد القبول والرد
والاعتبار وعدمه، دون فقهٍ ودون معرفة بمأخذها العقلي، سيظن أن هذا مناقض للتقرير القائل
: إنه لا اعتبار بحديث المتهم في عدالته ، والأمر ليس كما ظن . ألا ترى أنك
قد تستفيد القبول من قرائن خبر الكذاب، لا من خبره؟!
فلو أخبرك أحد الكذبة أنه فقد ابنه الوحيد، ورأيت تشييعه والصلاة
عليه وإقامة مجلس العزاء، ثم رأيت هذا الرجل يبقى زمنا حزينا مكسوف الحال، ويتصدق عن
ابنه، ويخرج المال الجزل، وهو الذي عرفته شحيحا = ألا تصدقه، رغم كونه كذابا؟! فالقرائن
قد تقوم مقام إخبار الصادقين، وإن كان أصل الخبر من كذاب !!".
قلت:
قول الدكتور المنحرف هنا مضحك جداً!! يقول: "لم أعتبر
برواية المتروك، بل بقرائن الصدق في روايته"!
فأيّ جنون هذا؟! وهل الاعتبار بما تسميه قرائن الصدق في روايته
يخرج عن روايته؟!
إذا كانت روايته كلها متروكة، فلا اعتبار بما تراه أنت من مخالفة
أصول أهل النقد، والانحراف للمأخذ العقلي الذي لا علاقة له هنا في رواية المتروك!
ومما يضحك سوق المنحرف لهذا المثال ليدلل على ما أراد من اعتبار
قرائن صحة خبر المتروك!
ما دخل هذا المثال في أمر الرواية؟
الرواية والتحديث شيء، والمثال المتعلق بشيء مادي أصاب هذا
الراوي شيء آخر!!
أي عقل هذا الذي عندك أيها المنحرف؟! وافق عقلك عقل هذا المتروك
في خفته!!
ونرجع ونذكّر أن الاختلاف مع هذا الراوي كونه متروكاً بسبب
سوء حفظه لحديثه، لا اتهامه بالكذب كما يُصوّر المنحرف العوني! مع أن الكذب أشد من
ترك حديث الراوي بسبب سوء حفظه!!!
والخلاصة أن الحديث كيفما دار فهو حديث منكر جداً!
وهذه ليست أولى دعوات هذا الفاجر للفجور بطريقة خبيثة! فقد
سبق أن كتب إنه يقترح إضافة "باب العشق" في أبواب كتب السنة!! وذكر قصة مغيث
وبريرة! وكأنهما لم يكونا زوجين بل عاشقين كقصص العشاق والفساق!! قبحه الله وقبح أمثاله
ممن باعوا دينهم وحرفوا العلم وكذبوا على النبي صلى الله عليهم وسلم اتباعا لشهواتهم
وإرضاء لأهواء ولاة نعمتهم وأسيادهم الذين عاثوا في أرض المسلمين الفساد ونشروا
الرذيلة والانحلال!!
والله حسبنا ونعم الوكيل.
وكتب: خالد الحايك
17 جمادى الآخرة 1440هـ.
شاركنا تعليقك