«تفريجُ الكُروب» عن حالِ «يحيى بن أيوب»!
الحمد لله علاّم الغيوب، كشّاف الكروب، والصلاة والسلام على نبيه
المحبوب، وعلى آله وصحبه أصحاب القلوب، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الخطوب، وبعد:
فقد ابتلينا في هذا الزمان بكثير من أدعياء العلم! يُقحمون أنفسهم
في علوم الشريعة دون فهم! ويُزين لهم الشيطان أنهم على خير، ويرمون بالطوام
ويحسبون أنهم لم يأتوا بضير!!
وكنت قد نشرت بحثاً صغيراً حول حديث رواه «يحيى بن أيوب الغافقي المصري»،
وقد خالفه فيه «عبدُالله بن لهيعة»، ورجّحت رواية الأخير، مع سوء حفظ الاثنين
لقرائن عند أهل النقد.
فناقشني في ذلك بعض الجهّال في بعض المجموعات! فوجدت أن الجهل
والغباء مستفحل في كثير ممن يدّعي أنه من طلبة العلم! بل يظنون أنهم يفهمون علم
الحديث، وخاصة علم العلل! يجلس الواحد منهم وراء حاسوبه ثم ينقل لك من هنا وهناك
دون فهم ووعي!!
وهذا العلم = أعني علم الحديث علم صعب المنال، وعر الطريق، لا يصل
إليه إلا من رزقه الله الفهم، وواظب على النظر فيه وأدمن على ذلك.
فليس الأمر فقط بنقل أقوال العلماء في الرواة، بل فهم هذه الأقوال،
ووضعها في أماكنها الصحيحة! فما جر علينا البلاء إلا من خلال الحكم الظاهري على
الرواة دون فهم.
وما أجمل كلام الإمام الذهبي في وصيته الذهبية:
"ولا سبيل إلى أن يصير العارف الذي يزكي نقله الأخبار ويجرحهم
جهبذاً إلا بإدمان الطلب، والفحص عن هذا الشأن، وكثرة المذاكرة، والسهر، والتيقظ،
والفهم، مع التقوى والدين المتين، والإنصاف، والتردد إلى مجالس العلماء، والتحري
والإتقان، وإلا تفعل:
فدع عنك الكتابة لست منها // ولو سودت وجهك بالمداد
قال الله تعالى عز وجل: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ
كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].
فإن آنست يا هذا من نفسك فهما وصدقا ودينا وورعا، وإلا فلا تتعن،
وإن غلب عليك الهوى والعصبية لرأي والمذهب، فبالله لا تتعب، وإن عرفت إنك مخلط
مخبط مهمل لحدود الله، فأرحنا منك، فبعد قليل ينكشف البهرج، وينكب الزغل، ولا يحيق
المكر السيء إلا بأهله، فقد نصحتك فعلم الحديث صلف فأين علم الحديث؟ وأين أهله؟
كدت أن لا أراهم إلا في كتاب أو تحت تراب".
وآن
الأوان في بيان المقصود، ومن الله نستمد العون والفهم.
فيحيى بْن أيوب المَصْرِيّ أَبُو العَبَّاس، من أئمة الحديث في مصر، وهو عدل
في نفسه.
سَمِعَ يزيد بن أَبِي حبيب وعقيلا، وغيرهما.
روى عَنْهُ: عَبْدالله بن صالح كاتب الليث، وسعيد ابن
أَبِي مريم، وابْن المبارك، وجرير بْن حازم، وغيرهم.
قال ابن يونس: "كان أحد الطلّابين للعلم بالآفاق.
حدّث عن أهل مكة، والمدينة، والشام، وأهل مصر، والعراق".
ومات يحيى بن أيوب قبل الليث بن سعد سنة (168هـ)، وكان
يُكرمه، ويجلس في مجلسه، ويذاكره، وكان من أقران ابن لهيعة.
واختلف العلماء في حاله، فمنهم من وثقه، ومنهم من ضعفه!
وأكثر من ضعفه إنما ضعفه بسبب سوء حفظه.
وسنعرض أقوال أئمة النقد فيه، ثم نرجّح بينها، مع الإشارة
إلى أن حال الراوي عند الكلام على حديثه أمثال يحيى بن أيوب ممن اختلف العلماء
فيهم إنما يُنظر فيها إلى أشياء أخرى، كالتفرد، ومخالفة غيره، وقرائن أخرى تحتف
بروايته، فلا نعطي الحكم عليه هكذا بإطلاق!
فإذا صححنا روايته فلا بدّ أن يكون هناك أدلة لذلك، وإذا
ضعفناها فلا بد من بيان سبب الضعف! وهذا ما لا يفهمه كثير من طلبة العلم الذين
يظنون أنهم يعرفون الحديث! والله المستعان.
·
من وثّق يحيى بن أيوب الغافقي
المصري:
هناك عدد من أهل النقد والعلم وثقوا «يحيى بن أيوب المصري»،
وهم:
·
يحيى بن معين:
قال ابن مُحرز [تاريخ ابن معين - رواية ابن محرز: (1/98)]:
سمعت يحيى بن معين يقول: "يحيى بن أيوب كان ثقة".
وقال في موضع آخر (2/137): سمعت يحيى بن معين يقول: "مات
يحيى بن أيوب - يعني المصري - سنة تسعة وستين ومئة، وكان ثقة".
وقال عثمان بن سعيد الدرامي [تاريخ ابن معين - رواية
الدارمي (ص: 196)]: قلت ليحيى، فالليث - أَعنِي بن سعد - أحبّ إِلَيْك أَو يحيى بن
أَيُّوب؟ فقالَ: "اللَّيْث أحبّ إِلَيّ، وَيحيى ثِقَة".
وقال إسحاق بن منصور الكوسج [كما في الجرح والتعديل لابن
أبي حاتم (9/128)] عن يحيى بن معين أنه قال: "يحيى بن أيوب المصري: صالح".
وقال مرة: "ثقة".
وقال الساجي [كما في إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي (12/290)]:
وقال يحيى بن معين: "يحيى بن أيوب: ثقة ثقة عابد".
قلت: نقل ابن محرز، والدارمي، والكوسج عن يحيى أنه قال
عنه: "ثقة".
ونقل الكوسج مرة عن يحيى أنه قال فيه: "صالح".
وفرق بين "ثقة" و"صالح، فـ
"صالح" أدنى مرتبة، وهي إلى الضعف أقرب، ومعنى "صالح" أي صالح
للاعتبار، فلا يُحتج بما انفرد به، ويحتاج لدعامة = أي متابع.
والظاهر أن يحيى وثقه أولاً، ثم تغير اجتهاده فيه، فقال
عنه "صالح"، وعادة إذا اختلف كلام ابن معين في الراوي، فهناك بعض الطرق
للترجيح بين هذه الأقوال، وأكثر طريقة للترجيح هي أنه إذا تعارض
"التجريح" مع "التوثيق" أو مرتبة أخرى دونها، فعندها نُرجّح
أن آخر اجتهاد من ابن معين هو "التجريح" أو القول الآخر دون الثقة،
ويُحمل هذا على تغير اجتهاده في الراوي، فيكون قد وثقه لما سُئل عنه، ثم نظر في
حديثه فلما سئل عنه مرة أخرى جرّحه أو قال مقولة أدنى مرتبة من تلك التي قالها فيه
من قبل، والله أعلم.
وتُعد رواية الدارمي عن ابن معين من الروايات القديمة،
ورواية الكوسج من أواخر الروايات عن ابن معين كما لاحظته من خلال سبري وتعاملي
لتلك الروايات.
وفي سؤال الدارمي ليحيى قدّم الليث بن سعد عليه، وقد خالف
الليث في بعض الأحاديث، ورجّح أئمة النقد رواية الليث عليه.
قال ابن مُحرز [تاريخ ابن معين - رواية ابن محرز: (1/154)]:
وسمعت يحيى يقول: "كان يحيى بن أيوب يقع في ليث بن سعد! قال: فمر به ليث يومًا
- وهو مضطجع في المسجد - فركضه برجله، فقام فاستنهض إلى خلفه، وسلَّم عليه، قال:
ثم وجّه إليه بمائة دينار. قال: فكان بعد ذلك يثني عليه، ويحسن فيه القول. قيل
ليحيى بن معين: ممن سمعته يذكره؟ قال: من أهل مصر".
وقال عبّاس الدوري [تاريخ ابن معين - رواية الدوري: (4/476)]:
سَمِعت يحيى يَقُول: "كَانَ لَيْث بن سعد يجىء إِلَى المَسْجِد يُصَلِّي
فِيهِ كل صَلَاة على فرس، وَكَانَ لَهُ مجْلِس يجلس فِيهِ، وَكَانَ يحيى بن
أَيُّوب يجلس فِي نَاحيَة المَسْجِد، قَالَ: فَمر لَيْث بن سعد يَوْمًا فغمزه،
فَقَامَ مَعَه يحيى بن أَيُّوب إِلَى مَجْلِسه، فَكَانَ لَيْث بن سعد يَقُول لَهُ:
مَا عنْدك فِي كَذَا؟ فَيُجِيبهُ يحيى بن أَيُّوب، فَبعث إِلَيْهِ لَيْث بن سعد
بِمِائَة دِينَار، فَكَانَ يلْزمه".
·
البخاري:
قال مغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (12/287): "وفي
«العلل الكبير» للترمذي: قال محمد بن إسماعيل: يحيى بن أيوب ثقة".
وقال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (11/187): "وقال
الترمذي عن البخاري: ثقة".
قلت: غالب ما ينقله ابن حجر في «تهذيب التهذيب» زيادة على
ما عند المزي في «تهذيبه» إنما يأخذه من كتاب مُغلطاي، ومنه نقل ما ذكره هنا عن
الترمذي عن البخاري.
وهذا الذي نقله مغلطاي مخالف لما في المطبوع من كتاب
الترمذي «العلل الكبير»، فإنه قال (ص118): "ويَحْيَى بنُ أَيُّوبَ: صَدُوقٌ".
وهذا قاله البخاري بعد أن سأله الترمذي عن حديث، إذ قال: سَأَلْتُ
مُحَمَّدًا قُلْتُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ
بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ
بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
«مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ»؟
فَقَالَ: "عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصَةَ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَأٌ، وَهُوَ حَدِيثٌ فِيهِ
اضْطِرَابٌ، وَالصَّحِيحُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفٌ، ويَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ
صَدُوقٌ".
قلت: فهذا هو الصواب عن البخاري في يحيى، لا كما نقله
مغلطاي وتبعه عليه ابن حجر، وغيرهما!
وفرق بين "ثقة" و"صدوق"! ومن عدم
التدقيق في مصطلحات الأئمة يرى بعض طلبة العلم الذين لا خبرة عندهم بهذه الأمور
أنه لا فرق بين هذين المصطلحين!!! وهذا قول مردود على قائله!
فمرتبة "صدوق" دون مرتبة "ثقة"، وعند
البخاري هذا المصطلح يعني أنه "لا بأس به"، فهو ممن يُكتب حديثه ويُعتبر
به، سيما وأنه قاله بعد ذكره لوهمه في هذا الحديث. ويدعم ذلك أنه لم يحتج به في «صحيحه»،
وإنما ذكره استشهاداً. ولو كان عنده "ثقة" لاحتج به في كتابه!
·
العِجلي:
قال العجلي في «الثقات» (ص: 468): "يحيى بن أيوب: مصري،
ثقة".
·
ابن حبان:
ذكره ابن حبان في «ثقاته» (7/600) قال: "يَحْيَى بْن
أَيُّوب المصْرِيّ، مولى الْأَنْصَار. كنيته أَبُو العَبَّاس. يروي عَن حميد
الطَّوِيل. روى عَنهُ: ابن الْمُبَارك وَأهل مصر. مَاتَ قبل اللَّيْث بْن سعد سنة
ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَة، وَقد قيل سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَمِائَة، وَكَانَ
أَبوهُ طَبِيبا يسكن تجيب بِمصْر فَقيل لَهُ: التجِيبِي".
·
يعقوب بن سفيان:
قال يعقوب بن
سفيان الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/445): حَدَّثَنَا سَعِيدُ بنُ الْحَكَمِ
بْنِ أبي مريم أبو محمد القرشي - مولى لبني أمية-: أخبرنا يحيى بْنُ أَيُّوبَ - وَهُوَ
ثِقَةٌ -...
قال: وحدثني
بعض آل أبي مريم عن يحيى قَالَ: كُنْتُ بِمَكَّةَ فَخَرَجْتُ مَعَ ابْنِ جُرَيْجٍ
فِي جِنَازَةٍ فِي يَوْمٍ حَرُورٍ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ قَدِ
اسْتَعْبَدَكَ الْحَدِيثُ. وَكَانَ لَهُ حَلْقَةٌ فِي مَسْجِدِ مِصْرَ، فَمَرَّ
بِهِ الليث بن سعد يوما فوقف عليه، فقام إليه يحيى وَمَضَى مَعَهُ إِلَى حَلْقَةِ
اللَّيْثِ، فَكَانَ اللَّيْثُ يسأله عن النوازل، - وكان حافظا للحديث
- فَيُحَدِّثُهُ بِمَا عِنْدَهُ. قَالَ: وَبَعَثَ إِلَيْهِ
اللَّيْثُ بِدَنَانِيرَ فَكَانَ يَلْزَمُ اللَّيْثَ حَتَّى مَاتَ.
قلت: قوله
"كان حافظا للحديث" كأنه وصف لأنه كان يُحدّث الليث بما عنده عندما
يسأله عن النوازل، ولا نشك أنه كان يُحدّث من حفظه، ومن هنا أُتي - رحمه الله -
لأنه كان يُخطئ عندما يُحدّث من حفظه.
وكأنه عنى
بأنه "ثقة" لما ساق إسناده يعني في عدالته، والله أعلم.
·
إبراهيم الحربي الحافظ:
قال أبو إسحاق
الحربي في «العلل»: ثقة". [إكمال تهذيب الكمال: (12/289)].
·
ابن عَدي:
قال ابن عدي في ترجمته من «الكامل في الضعفاء» (9/59) بعد
أن ذكر له بعض الأوهام والتفردات: "ويحيى بن أيوب له أحاديث صالحة، وقد روى
عنه الليث، وروى عنه ابن وهب الكثير، وابن أبي مريم، وابن عفير وغيرهم من شيوخ
مصر، وَهو من فقهاء مصر ومن علمائهم، ويقال: إنه كان قاضيا بها، ولاَ أرى في حديثه
إذا روى عنه ثقة أو يروي هو عن ثقة حديثا منكرا فأذكره، وَهو عندي صدوق لا بأس به".
قلت: كلام ابن عدي لا يعني أنه لا يوجد له منكرات ألبتة!
وحاصله أنه إذا روى عن ثقة أو روى عنه ثقة فحديثه مستقيم! لكن هذا فيه نظر كما
سيأتي تفصيله.
وقوله في حكمه
النهائي عليه: "صدوق لا بأس به" فهذا ليس توثيقاً كما يظنه غالب طلبة
العلم!! وإنما يُكتب حديثه للاعتبار، يعني يُمشّيه، فقد استخدمها مع رواة هو نفسه
ضعّفهم.
وللإمام
المعلمي اليماني رأي في قول ابن عدي هذا، فقال في تعليقه على كتاب «الفوائد
المجموعة» (ص51): "هذه الكلمة رأيت ابن عدي يطلقها في مواضع تقتضي أن يكون مقصوده:
أرجو أنه لا يتعمد الكذب".
وقال أيضاً
(ص430): "وقوله (هو عندي من أهل الصدق) يعني: أنه لم يكن يتعمد الكذب".
ولما وثّق
السيوطي بعض الهلكى (ص459) فقال: "ووثقه ابن عدي فقال: أرجو أنه لا بأس
به"! تعقبه المعلمي فقال: "ليس هذا بتوثيق. وابن عدي يذكر منكرات الراوي
ثم يقول (أرجو أنه لا بأس به)، يعني بالبأس: تعمد الكذب".
بل نصّ
الألباني على أن هذا المصطلح عند ابن عدي ليس نصاً في التوثيق!
قال في «سلسلته
الصحيحة» (4/577) (1938) لما نقل قول ابن عدي في «بشار بن الحكم الضبيّ» "منكر
الحديث عن ثابت وغيره، ولا يتابع، وأحاديثه أفراد. وأرجو أنه لا بأس به. وهو خير
من بشار بن قيراط"، قال: "ابن قيراط كذبه أبو زرعة وضعفه غيره، فكأن ابن
عدي يعني بقوله أنه (لا بأس به): من جهة صدقه. أي أنه لا يتعمد الكذب. وإلا لو كان
يعني من جهة حفظه أيضاً، لم يلتق مع أول كلامه (منكر الحديث...). وقال ابن حبان: (ينفرد
عن ثابت بأشياء ليست من حديثه). قلت: فمثله إلى الضعف، بل إلى الضعف الشديد أقرب منه
إلى الصدق والحفظ. والله أعلم".
وقال في «سلسلته
الضعيفة» (3/112): "إن قول ابن عدي (أرجو أنه لا بأس به) ليس نصاً في
التوثيق. ولئن سلم، فهو في أدنى درجة في مراتب التعديل أو أول مرتبة من مراتب
التجريح، مثل قوله (ما أعلم به بأساً)، كما في التدريب".
وقد ذكر ابن
عدي في ترجمته من «الكامل» (9/58) ثلاثة أحاديث رواه يحيى بن أيوب عن عبيدالله بن
زحر، ثم قال: "وَرَوَى يَحْيى بْنُ أَيُّوبَ، عَن عُبَيداللَّهِ بْنِ زَحْرَ
بِهَذَا الإِسْنَادِ نُسْخَةَ أَحَادِيثَ صَالِحَةً، رَوَاهَا عنه ابن أَبِي
مَرْيَمَ، وَابْنُ عُفَيْرٍ وَغَيْرُهُمَا".
قلت: وعُبيدالله
بن زَحْر منكر الحديث! ولا يخفى هذا على ابن عدي! بل نقل في ترجمته (5/524) بأنه
ليس بشيء!! وساق له عدة أحاديث منكرة رواها عنه يحيى بن أيوب!
ثم قال: "ولعبيدالله
بن زحر غير ما ذكرت من الحديث، ويقع في أحاديثه ما لا يتابع عليه، وأروى الناس عنه
يَحْيى بن أيوب من رواية بن أبي مريم عنه".
وعليه فقوله عن هذه النسخة بأنها
"صالحة"، أي تكتب للاعتبار؛ لأن أكثر أهل العلم على تضعيفه تضعيفا
شديدا، ومشّاه بعضهم!
·
الدارقطني:
قال الدارقطني في «العلل» (14/95): "يحيى بن أيوب
المصري: ثقة".
قلت: سيأتي فيما بعد تضعيف الدارقطني له في موضع آخر!
·
الذهبي:
قال الذهبي في «ديوان الضعفاء» (ص: 431): "يحيى بن
أيوب الغافقي: ثقة. قال النسائي: ليس بذاك القوي، وقال أبو حاتم: لا يحتج به. -ع-".
قلت: وثقه الذهبي هنا مع نقله تضعيف اثنين من الأئمة
النقاد له! وكأنه لرواية الجماعة له وثقه مع أن عادته أنه كثيراً ما يعتمد عبارة
أبي حاتم في الجرح! وسيأتي مخالفته لرأيه هذا!
·
من ضعّف يحيى بن أيوب الغافقي
المصري:
وأكثر أهل النقد على تضعيفه من قِبل حفظه، ومن هؤلاء:
·
الإمام مالك:
روى العقيلي في «الضعفاء» (4/391) قال: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ:
سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثْتُ مَالِكًا بِحَدِيثٍ حَدَّثَنَا
بِهِ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْهُ، فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ؟ فَقَالَ: كَذَبَ،
وَحَدَّثْتُهُ بِآخَرَ، عَنْهُ فَقَالَ: كَذَبَ.
قلت: فهم بعض طلبة العلم أن الإمام مالك كذّبه في حديثه!
بل وجدت ابن التركماني يغمزه بذلك في «الجوهر النقي» (5/194) فقال: "وكذبه
مالك في حديثين"!
بل قال ابن حزم في «المحلى» (6/124): "وَقَدْ شَهِدَ
عَلَيْهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ بِالْكَذِبِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ رَوَى عَنْهُ
الْكَذِبَ".
قلت: تكذيب الإمام مالك له ليس اتهاماً له بالكذب المتعمد واصطناع
الحديث! وإنما هو كان سمع من مالك، فحدّث عنه بأحاديث وهم فيها لما سمعها منه
تلاميذه، فلما رحل ابن أبي مريم إلى مالك سأله عن حديثين رواهما عنه يحيى بن أيوب،
فقال: "هذا كذب"، بمعنى هذا خطأ! وليس قصده اتهامه في أنه يكذب، وهذه
لغة أهل المدينة، يطلقون على الخطأ: الكذب أحياناً، والله أعلم.
وهذا كما جاء في بعض الأحاديث لما حدّث القاصُّ الدمشقي أبو
محمد البدري في مجلس عبادة بن الصامت فسألوه عن الوتر: أواجب هو مثل المكتوبة؟ قال:
نعم، فقال عبادة: "كذب أبو محمد".
قال أبو سليمان الخطابي في «غريب الحديث» (2/302): "قوله
(كذب أبو محمد): لم يذهب به إلى الكذب الذي هو الانحراف عن الصدق والتعمد للزور،
وإنما أراد أنه زل في الرأي وأخطأ في الفتوى، وذلك أن حقيقة الكذب إنما تقع في
الإخبار ولم يكن أبو محمد في هذا مخبرا عن غيره، وإنما كان مفتيا عن رأيه، وقد نزه
الله أقدار الصحابة عن الكذب، وشهد لهم في محكم كتابه بالصدق والعدالة فقال {والذين
آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم} [الحديد: 19]. ولأبي محمد
هذا صحبة وهو رجل من الأنصار من بني النجار، واسمه مسعود بن زيد بن سبيع مشهور عند
العلماء فقد يجري الكذب في كلامهم مجرى الخطأ، ويوضع موضع الخلف كقول القائل: كذب
سمعي كذب بصري، وقال صلى الله عليه وسلم للرجل الذي وصف له العسل: صدق الله وكذب
بطن أخيك".
·
الإمام أحمد، والعُقيلي:
وقال عبدالله بن أحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (3/52):
"وسَعِيد بن أبي أَيُّوب لَيْسَ بِهِ بَأْس، وَيحيى بن أَيُّوب دونهم فِي
الحَدِيث فِي الحِفْظ.
قَالَ أبي: وَكَانَ يحيى بن أَيُّوب يجلس إِلَى اللَّيْث
بن سعد، وَكَانَ سيء الْحِفْظ، وَهُوَ دون هَؤُلَاءِ وحيوة بن شُرَيْح بعد
وَهُوَ أعلاهم".
وقال العقيلي في «الضعفاء» (4/391): "حدثنا الخَضِرُ
بنُ دَاوُدَ، قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
عَبْدِاللَّهِ، - وَذَكَرَ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ الْمِصْرِيَّ - فَقَالَ: "كَانَ
يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ، وَكَانَ لَا بَأْسَ بِهِ. وَكَأَنَّهُ ذَكَرَ الْوَهْمَ
فِي حِفْظِهِ، فَذَكَرْتُ لَهُ مِنْ حَدِيثِهِ: يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ، عَنْ
عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ يَقْرَأُ فِي الوِتْرِ»؟ فَقَالَ: هَأْ، مَنْ يَحْتَمِلُ هَذَا؟!".
وبعد أن ساق هذا عن أحمد: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي
مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ الْحَكَمِ الْجُذَامِيُّ، قُلْتُ:
مَنْ هُوَ؟ قَالَ: مِصْرِيٌّ لَمْ يَثْبُتْ بِمِصْرَ مِثْلَهُ، قَالَ: سَأَلْتُ
يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ؟ فَلَمْ يَعْرِفْهُ - يَعْنِي حَدِيثَ
الْوِتْرِ.
قال العقيلي: وهَذَا الحَدِيثُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
أَيُّوبَ الْعَلَّافُ، قال: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قال: حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ
فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنَ الْوِتْرِ بِـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}،
وَفِي الثَّانِيَةِ بِـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وَفِي الثَّالِثَةِ
بِــ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، وَ{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، وَ{قُلْ أَعُوذُ
بِرَبِّ النَّاسِ}، مِثْلَهُ.
قال العُقَيْلِيُّ: "أَمَّا الْمُعَوِّذَتَيْنِ فَلَا
يَصِحُّ".
·
أبو حاتم الرازي:
قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/128): سُئل أبي
عن يحيى بن أيوب أحبّ إليك أو ابن أبي الموالي؟ فقال: "يحيى بن أيوب أحبّ إليّ،
ومحل يحيى الصدق، يُكتب حديثه، ولا يُحتج به".
قلت: ابن أبي الموالي عنده مناكير، ويحيى أحبّ إلى أبي
حاتم منه، وهو محل الصدق، أي يكتب حديثه للاعتبار، ولا يحتج بما اتفرد به، وهذا
بسبب سوء حفظه.
والبخاري رحمه الله قد احتج بابن أبي الموالي، ولم يحتج
بيحيى بن أيوب!
·
أبو زُرعة الرازي:
قال ابن أبي حاتم في «العلل» (2/79) عن أبي زرعة، قال:
"يَحْيَى: لَيْسَ بِذاكَ الحافظِ".
·
أبو داود:
قَال أَبُو عُبَيد الآجري: قلتُ لأبي دَاوُد: يَحْيَى بْن
أيوب ثقة؟ قال: "هُوَ صَالِح - يَعْنِي المِصْرِي".
قلت: لم يقر أبو داود بثقته، وقال بأنه صالح، أي يكتب
حديثه للاعتبار، ويحتاج لمتابع.
·
ابن سعد:
قال ابن سعد في «الطبقات الطبرى» (7/357) في الطبقة
الرابعة من تابعي أهل مصر: "يحيى بن أيوب الغافقي: كان منكر الحديث".
قلت: قول ابن سعد من أشدّ الجرح في يحيى بن أيوب! نعم، هو
له بعض المناكير، وإنما يؤتى من قبل حفظه، لكن ليس هو بمنكر الحديث مطلقاً..!
·
النسائي:
قال النسائي في «الضعفاء» (ص: 107): "يحيى بن أَيُّوب
الْمصْرِيّ: لَيْسَ بِذَاكَ القوي".
وزاد أبو الوليد الباجي في «التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري
في الجامع الصحيح» (3/1203) بعد قول النسائي هذا: "قيل لَهُ - أي للنسائي -: حَدِيثه
عَن ابن الهَاد: يبْعَث المَيِّت فِي ثِيَابه الَّتِي يقبض فِيهَا؟ قَالَ: لَيْسَ
هَذَا بِشَيْء! هَذَا حَدِيث يحيى بن أَيُّوب على التَّضْعِيف".
وَقَال النسائي في موضع آخر: "ليس به بأس".
قلت: قوله "ليس به بأس" يعني ليس بذاك القوي،
فالمعنى واحد عنده.
·
أحمد بن صالح المصري الحافظ:
قال أبو زرعة الدمشقي في «تاريخه» (ص: 442): أَخْبَرَنِي
أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: "كَانَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ مِنْ وُجُوهِ
أَهْلِ مِصْرَ، وَرُبَّمَا زَلَّ فِي حِفْظِهِ".
·
ابن حبان:
قال ابن حبان في «مشاهير علماء الأمصار» (ص: 302): "يحيى
بن أيوب المصري أبو العباس من ثقات أهل مصر، مات سنة ثمان وستين ومائة، يُغرب".
قلت: سيق نقل أن ابن حبان ذكره في «ثقاته»، وهنا وثقه لكن
قال بأنه "يُغرب"، أي عنده غرائب يتفرد بها! وبعضها فيها نكارة!!
وهذه الغرائب بسبب سوء حفظه، فمن هنا ذكرت قول ابن حبان
فيمن ضعفه.
·
الساجي:
قال زكريا السَّاجي الحافظ: "صدوق يَهم، كان أحمد بن
حنبل يقول: يحيى بن أيوب يخطىء خطأ كثيرا، وحيوة بن شريح أعلى من يحيى بن أيوب ومن
سعيد بن أيوب، كان يحيى بن أيوب يجلس إلى الليث، وكان سيئء الحفظ، وهو دون هؤلاء".
·
ابن شاهين:
ذكره أبو حفص ابن شاهين في كتاب «الثقات» وقال: "قال
أحمد بن صالح المصري: له أشياء يخالف فيها".
·
الدولابي:
قالَ أَبُو بِشْرٍ الدُّولابِيُّ: "يَحْيَى بنُ أَيُّوبَ المِصْرِيُّ:
لَيْسَ بِذَاكَ القَوِيِّ". [تاريخ الإسلام للذهبي: (4/540)].
·
أبو العرب القيرواني:
ذكره أبو العرب القيرواني في جملة الضعفاء، وقال: "إنما
ضعف من أجل حفظه فقط".
·
أبو أحمد الحاكم:
قال أبو أحمد الحاكم: "إذا حدث من حفظه يُخطىء، وما حدّث من
كتاب فليس به بأس". [تهذيب التهذيب: (11/187)].
وقال أبو أحمد الحاكم: "ليس بالحافظ عندهم". [إكمال
تهذيب الكمال: (12/290)].
·
أبو بكر الإسماعيليّ:
قال أبو بكر الإسماعيلي لما استخرج حديث البخاري، عن أبي عاصم: حدثنا
ابن جريج، عن يحيى بن أيوب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر، قال: «نذرت أختي...»: "يحيى
بن أيوب ليس من شرط أبي عبدالله في هذا الكتاب".
ولما ذكر حديث البخاري عن ابن أبي مريم: حدثنا يحيى بن أيوب، حدثنا
أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الإسماعيلي: "لا يحتج بيحيى بن أيوب، والحديث
موقوف كما سلف قبل - يعني حديث: سَأَلَ مَيْمُونُ بْنُ سِيَاهٍ، أَنَسًا: مَا
يُحَرِّمُ دَمَ المسلم".
·
الدارقطني:
قال الدَّارَقُطْنِيّ في «العلل» (2/182): "إسماعيل بن جعفر
أحفظ من يحيى بن أيوب، وإسماعيل بن عياش".
قلت: هذا فيه إشارة إلى سوء حفظه! وغيره أحفظ منه.
وقال في «السنن» (1/113): "ويَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ فِي بَعْضِ
أَحَادِيثِهِ اضْطِرَابٌ".
قلت: وهذا صريح في أن في حفظه شيء!
وقد تقدّم في أقوال من وثقه توثيق الدارقطني له! وهذا لا يُنكر،
فأحياناً يختلف كلام الإمام الواحد في الراوي بحسب الحديث الذي يتكلّم عليه، أو
يكون قد غفل عن رأيه في مكان آخر، والله أعلم.
·
ابن بطّال:
قال ابن بطال في «شرح صحيح البخاري» (4/47): "يحيى بن أيوب:
ليس بالقوي".
·
ابن عبدالبر:
قال ابن عبدالبر في «الاستذكار» (3/354): "يَحْيَى بن
أَيُّوبَ: لَيْسَ بِذَاكَ القَوِيِّ".
وقال في «التمهيد» (12/67): "يَحْيَى بن أَيُّوبَ: هُوَ
صَالِحٌ".
·
ابن حَزم:
قال أبو محمد ابن حَزمٍ في «المُحلَّى» (6/124): "وقَدْ
شَهِدَ عَلَيْهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ بِالكَذِبِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ رَوَى عَنْهُ
الكَذِبَ، وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ سَاقِطٌ
أَلْبَتَّةَ".
وقال (7/495) حول حديث رواه يحيى بن أيوب: "وأَمَّا حَدِيثُ
أَبِي هُرَيْرَةَ: فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ لِأَنَّ فِيهِ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ،
وَالْمُثَنَّى بْنَ الصَّبَّاحِ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ جِدًّا، قَدْ شَهِدَ مَالِكٌ
عَلَى يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ بِالْكَذِبِ، وَجَرَحَهُ أَحْمَدُ".
وقال أيضاً (7/568): "وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ لا شَيْءَ".
وقال (9/80): "يَحْيَى بنِ أَيُّوبَ: ضَعِيف".
قلت: قد تقدم الكلام على اتهام مالك له بالكذب، وأنه قصد الخطأ، لا
الكذب المعروف! ومع تضعيف أهل العلم له إلا أنه ليس بساقط كما ادّعى ابن حزم!
·
أبو محمد الإشبيليّ:
قال عبد الحقّ الإشبيلي في «الأحكام الوسطى» (1/237): "يحيى
هذا لا يحتج به".
·
ابن القطّان الفاسي:
قال ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام» (4/69):
"يحيى بن أَيُّوب، هُوَ أَبُو العَبَّاس الغافقي، الْمصْرِيّ، وَهُوَ من قد
علمت حَاله، وَأَنه لَا يحْتَج بِهِ لسوء حفظه، وَقد عيب على مُسلم إِخْرَاجه،
وَمِمَّنْ ضعفه أَحْمد بن حَنْبَل. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا يحْتَج بِهِ".
وقال في موضع آخر يرد فيه على عبدالحق الإشبيلي (5/368): "وَلم
يبين فِي الْخَبَر الْمَذْكُور أَنه من راوية يحيى بن أَيُّوب، وَأَبُو مُحَمَّد
قد يصحح لَهُ أَحَادِيث، وَجَمَاعَة توثقه، وَقد أخرج لَهُ مُسلم، وَإِن كَانَ
يضعف فبالنسبة إِلَى من فَوْقه".
قلت: فهذا فيه تقوية من ابن القطان ليحيى بن أيوب، وإشارة منه إلى
أن عبدالحق أحياناً يصحح له أحاديث؛ لأنه لم يُضعف تلك الأحاديث به!!
والظاهر اضطرابهما في الحكم عليه؛ وهذا ما أشرت إليه من قبل في
الكلام على توثيق الدارقطني له، وحكمه عليه بالضعف في مكان آخر من باب النظر في
الرواية التي يتكلم عليها، أو من باب الغفلة، والله أعلم.
وهناك إشارة أخرى من ابن القطان في تقوية يحيى وتفضيله على ابن
لهيعة!
قال في كتابه (2/484) (484): "وذكر - أي عبدالحقّ - من طَرِيق
الْبَزَّار عَن عَائِشَة: أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
قَالَ: «من مَاتَ وَعَلِيهِ صَوْم، صَامَ عَنهُ وليه إِن شَاءَ».
ثمَّ قَالَ: هَذَا يرويهِ عبدالله بن لَهِيعَة، وَيحيى بن أَيُّوب،
عَن عبيدالله بن أبي جَعْفَر، عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر، عَن عُرْوَة، عَن
عَائِشَة.
كَذَا أورد هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ خطأ، وَذَلِكَ أَنه أَفَادَ
الْخَبَر قُوَّة يحيى بن أَيُّوب، فَإِنَّهُ لَا مفاضلة بَينه وَبَين ابْن
لَهِيعَة، وَإِن كَانَ يضعف فَإِنَّهُ قد أخرج لَهُ مُسلم، وَوَثَّقَهُ نَاس.
والبَزَّار لم يُوصل إِلَيْهِ الْإِسْنَاد، إِنَّمَا وَصله إِلَى
ابْن لَهِيعَة وَحده، ثمَّ قَالَ: إِن يحيى بن أَيُّوب رَوَاهُ أَيْضا عَن عبيدالله.
وَنَصّ مَا عِنْده: أخبرنَا بشر بن آدم بن بنت أَزْهَر، قَالَ:
حَدثنَا يحيى بن كثير الزيَادي قَالَ: حَدثنَا ابْن لَهِيعَة، عَن عبيدالله بن أبي
جَعْفَر، عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة: أَن رَسُول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَالَ: «من مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَام، فليصم عَنهُ
وليه إِن شَاءَ».
قَالَ: وهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوى عَن عَائِشَة إِلَّا من
حَدِيث عبيدالله بن أبي جَعْفَر، عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر، عَن عُرْوَة، عَن
عَائِشَة. رَوَاهُ عَن عبيدالله: يحيى بن أَيُّوب، وَابْن لَهِيعَة. انْتهى مَا
ذكره.
وَيحيى بن كثير الزيَادي، هُوَ أَبُو النَّضر، صَاحب الْبَصْرِيّ،
ضَعِيف عِنْدهم جدا، وَإِن كَانَ لَا يتهم بِالْكَذِبِ.
وَمن عيب عمله فِي إِيرَاد رِوَايَة يحيى بن أَيُّوب - وَهِي لَا
إِسْنَاد لَهَا - مقرونة بِرِوَايَة أبن لَهِيعَة، أَنَّك لَا تعدم الوُقُوف
عَلَيْهَا عِنْد غير الْبَزَّار، موصلة الْإِسْنَاد، لَيْسَ فِيهَا لَفْظَة "إِن
شَاءَ" وَذَلِكَ مِمَّا يقْضِي بِكَوْن الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة من قبل
ابْن لَهِيعَة، وَهُوَ فِي الضعْف من هُوَ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قرئَ على أبي مُحَمَّد ابْن صاعد، وَأَنا
أسمع، حَدثكُمْ مُحَمَّد بن عبدالْملك بن زَنْجوَيْه، وَأَبُو نشيط، وَمُحَمّد بن
إِسْحَاق، قَالُوا: حَدثنَا عَمْرو بن الرّبيع.
وَحدثنَا الْحسن بن سعيد بن الْحسن بن يُوسُف المروروذي: حَدثنَا
أَبُو بكر ابْن زَنْجوَيْه، قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بن الرّبيع بن طَارق، قَالَ: حَدثنَا
يحيى بن أَيُّوب، عَن عبيدالله بن أبي جَعْفَر، عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر - يَعْنِي
ابن الزبير -، عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن عَائِشَة زوج النَّبِي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم: أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَالَ: «من
مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَام، صَامَ عَنهُ وليه».
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا إِسْنَاد حسن.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَمْرو بن الْحَارِث، عَن عبيدالله بن أبي
جَعْفَر. انْتهى كَلَامه.
وَلَيْسَ فِيهِ - كَمَا ترى - لَفْظَة: "إِن شَاءَ".
وَرِوَايَة عَمْرو بن الْحَارِث، هِيَ عِنْد مُسلم إِسْنَادًا
ومتنا".
قلت: كلامه واضح في تقوية يحيى بن أيوب: "وَذَلِكَ أَنه
أَفَادَ الخَبَر قُوَّة يحيى بن أَيُّوب، فَإِنَّهُ لَا مفاضلة بَينه وَبَين
ابْن لَهِيعَة، وَإِن كَانَ يضعف فَإِنَّهُ قد أخرج لَهُ مُسلم، وَوَثَّقَهُ نَاس".
لكن لا أدري من أين أفاد الخبر قوة يحيى في هذا! فهو قد تابع ابن
لهيعة عليه كما أشار البزار، وساق هو روايته من طريق الدارقطني وحسّن الدارقطني
إسنادها - وفي المطبوع منه صححها -، لكن الخلاف في زيادة ابن لهيعة في متن الحديث:
«إن شاء»! كما في هذه الرواية!
وهذه الرواية عن ابن لهيعة من رواية يحيى بن كثير الزيَادي، وابن
القطان نفسه قال فيه: "ضَعِيف عِنْدهم جدا، وَإِن كَانَ لَا يتهم بِالْكَذِبِ"!!
فلو نظر فيمن روى عن ابن لهيعة هذا الحديث غير الزيادي لوجد أنهم
يروونه عن ابن لهيعة دون هذه الزيادة مثل رواية يحيى بن أيوب سواء بسواء!
فتكون العهدة في هذه الزيادة الشاذة على الزيادي هذا الراوي
عن ابن لهيعة!!
فقد رواه أحمد في «مسنده» (40/465) (24401) عن يَحْيَى بن إسحاق
السيلحيني، ومُوسَى بن دَاوُدَ الضبي، كلاهما عن ابن لَهِيعَةَ، عَنْ
عُبَيْدِاللهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، به، دون زيادة: «إن شاء».
بل إن الطحاوي ساق رواية ابن لهيعة ويحيى أيضاً دون الزيادة في
كتابه «شرح مشكل الآثار» (6/175) (2398) بعد أن ساق رواية عمرو بن الحارث.
قال: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ،
عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ.
ثم قال: حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي
مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللهِ
بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ.
وقد أشار البخاري في «صحيحه» (3/35) لما خرّج الحديث من طريق عمرو
بن الحارث عن عبيدالله بن أبي جعفر، إلى رواية يحيى بن أيوب، فقال: "وَرَوَاهُ
يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ".
وهنا يستدرك على ابن حجر قوله في «الفتح» (4/194): "وَرَوَاهُ
البَزَّار من طَرِيق ابن لَهِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ
فَزَادَ فِي آخِرِ الْمَتْنِ «إِنْ شَاءَ»!
فالزيادة ليست من ابن لهيعة، وإنما من الراوي عنه!
·
الذهبي:
قال الذهبي في «الكاشف» (2/362): "يحيى بن أيوب الغافقي المصري...
صالح الحديث. قال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال النسائي: ليس بالقوي".
قلت: وقد سبق قوله فيه "ثقة" في كتابه «ديوان الضعفاء»
مع أنه نقل هناك أيضاً قول أبي حاتم والنسائي!
وقال في «المغني في الضعفاء» (2/731): "يحيى بن أَيُّوب
الغافقي الْمصْرِيّ عَن يزِيد بن أبي حبيب والطبقة. قَالَ ابْن معِين: صَالح.
وَقَالَ أَحْمد: سيء الْحِفْظ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ
النَّسَائِيّ. لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: فِي بعض حَدِيثه
اضْطِرَاب. وَقد ذكره ابْن عدي فِي كَامِله، وَقَالَ: هُوَ عِنْدِي صَدُوق، وَمن
غَرَائِبه: حدثَنَا ابْن جريج، عَن أبي الزبير، عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لا تعلمُوا الْعلم لتباهوا بِهِ الْعلمَاء، وَلَا
لتماروا بِهِ السُّفَهَاء، وَلَا لتخيروا بِهِ الْمجَالِس، فَمن فعل ذَلِك
فَالنَّار النَّار»، هَذَا مَعْرُوف بِيَحْيَى بن أَيُّوب".
قلت: لم يقل فيه هنا رأياً له، وإنما نقل أقوال الأئمة الكبار
الذين ضعفوه، وأتى بقول ابن معين فيه "صالح"، مع أن ابن معين وثقه في
روايات أخرى كما سبق بيانه! فيُحتمل أنه يرى أن هذا هو الرأي الأخير ليحيى بن معين
فيه، وإيراده لهذا الحديث الغريب الذي يُعرف به فيه دلالة على أنه يراه من أهل
الصدق لكنه لا يُحتج بما انفرد به، وهذا معنى قولهم "صالح"، و"ليس
بالقوي"، ونزل لهذه المرتبة لسوء حفظه، فلا تناقض بين هذه الأقوال وهي متفقة،
إن شاء الله.
وأورد له هذا الحديث أيضاً في ترجمته في «تاريخ الإسلام» (4/540)،
وقال: "هُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يُخْرِجْهُ
لِنَكَارَتِهِ"، ثم قال: "قُلْتُ: يَنْفَرِدُ بِغَرَائِبَ كَغَيْرِهِ
مِنَ الأَئِمَّةِ".
وقال في ترجمته في «سير أعلام النبلاء» (8/6): "لهُ غَرَائِبُ
وَمَنَاكِيْرُ يَتَجَنَّبُهَا أَرْبَابُ الصِّحَاحِ، وَيُنَقُّوْنَ حَدِيْثَهُ، وَهُوَ
حَسَنُ الحَدِيْثِ".
قلت: قوله "حسن الحديث" لا يعني الاحتجاج المطلق به، بل
يُكتب حديثه، ويُعتبر به، ويُنتقى منه.
وقال في كتابه في «الرد على ابن القطان في كتابه بيان الوهم
والإيهام» (ص: 37): "يحيى فِيهِ مقَال".
وفي موضع آخر من الكتاب (ص: 39) ذكر حَدِيث يحيى بن أَيُّوب، عَن
يزِيد بن أبي حبيب، عَن أبي وهب الجيشاني، عَن الضَّحَّاك بن فَيْرُوز الديلمي،
عَن أَبِيه: «أسلمت وتحتي أختَان»، حسنه الترمذي.
ونقل قول المؤلف: "وَعِنْدِي أَنه ضَعِيف لجَهَالَة حَال
ضحاك، وَأبي وهب دليم، وَقد قَالَ البخاري: فِي إِسْنَاده نظر".
قال الذهبي: "قلت: لِأَنَّهُ فِي مَنَاكِير يحيى".
·
ابن عبدالهادي:
قال ابن عبدالهادي في «تنقيح التحقيق» (2/423): "يحيى بن
أيُّوب: لا يحتجُّ به".
وقال في موضع آخر من االكتاب (3/181): "يحيى بن أيُّوب: ليس
بذاك القويِّ".
·
ابن رجب الحنبلي:
قال ابن رجب في «فتح الباري» (6/28): "يَحْيَى بن أيوب المصري:
وَهُوَ ثقة، لكنه كثير الوهم".
قلت: لم أورد هذا القول لابن رجب في توثيقه؛ لأنه لم يوثقه التوثيق
المطلق، بل قال بأنه كثير الوهم = يعني من سوء حفظه، فهو ثقة في نفسه، لكن في روايته
وهم كثير.
·
الزيلعي:
قال الزيلعي في «نصب الراية» (1/178): "وَيَحْيَى بنُ
أَيُّوبَ مُخْتَلَفٌ به، وَهُوَ مِمَّنْ عِيبَ عَلَى مُسْلِمٍ إخْرَاجُ حَدِيثِهِ".
وقال في موضع آخر من الكتاب (2/434): "ويَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ
لَيْسَ بالقوي".
·
ابن حجر:
قال ابن حجر في «التلخيص الحبير» (2/47): "يَحْيَى بْنُ
أَيُّوبَ: فِيهِ مَقَالٌ، ولكنه صدوق".
وقال في «موافقة الخبر الخبر في تخريج أحاديث المختصر» (1/155):
"يحيى بن أيوب: صدوق له أوهام".
ونقل كلام الحاكم (2/208) في رواية أخرجها: "قال الحاكم: هذا
حديث صحيح، وقد احتج البخاري بيحيى بن أيوب فهو على شرطه".
فتعقبه بقوله: "قلت: لم يحتج البخاري بيحيى بن أيوب وهو
الغافقي المصري وثقه جماعة، وقال النسائي: ليس بالقوي، وإنما يخرج له البخاري في
المتابعات، ولم ينفرد به كما يوهمه كلام الحاكم، بل أخرج له مسلم أيضًا".
وحسّن له في هذا الكتاب بعض الأحاديث: (2/80)، و(2/201).
ونقل أقوال أهل العلم فيه في «مقدمة الفتح» (1/451) ثم قال: "اسْتشْهد
بِهِ البُخَارِيّ فِي عدَّة أَحَادِيث من رِوَايَته عَن حميد الطَّوِيل، مَاله
عِنْده غَيرهَا سوى حَدِيثه عَن يزِيد بن أبي حبيب فِي صفة الصَّلَاة بمتابعة اللَّيْث
وَغَيره، وَاحْتج بِهِ البَاقُونَ".
وقال في «الفتح» (5/159): "يَحْيَى بنِ أَيُّوبَ: فِي
حِفْظِهِ شَيْءٌ".
وقال في «التقريب» (ص588): "صدوقٌ ربما أخطأ".
قلت: ظاهر من كلام ابن حجر أن يحيى بن أيوب صدوق لكنه يخطئ بسبب
سوء الحفظ.
وتعقبه صاحبا «تحرير تقريب التهذيب» (4/78) فقالا: "• بل: هو
صدوقٌ، كما قال البخاري، وقد وثقه ابن معين، ويعقوب بن سفيان، وإبراهيم الحربي،
والدارقطني، وقال أبو داود: صالح، وقال أحمد بن صالح المصري: ليس به بأس، وذكره
ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن عدي: "وهو من فقهاء مصر ومن
علمائهم، ولا أرى في حديثه إذا روى عنه ثقة أو يروي هو عن ثقة حديثًا منكرًا
فأذكره، وهو عندي صدوقٌ لا بأس به. واختلف فيه قول النسائي، فقال مرة: ليس به بأس،
وقال مرة: ليس بالقوي. وضعّفه أبو زرعة، وابن سعد، والعقيلي. وقال أحمد: كان سيء
الحفظ، وقال أبو حاتم: محله الصدق، يُكتب حديثه ولا يُحتج به. وقد استشهد به
البخاري في عدة أحاديث من روايته عن حميد الطويل ما له عنده غيرها سوى حديثه عن
يزيد بن أبي حبيب في صفة الصلاة بمتابعة الليث وغيره، واحتج به مسلم في الصحيح".
قلت: صاحبا التحرير لا يفقهان مصطلحات أهل العلم، وتحريرهما بحاجة
إلى تحرير!!! ولا زلت أكتشف من أوهامهما وتخليطاتهما ما يؤكد أنهما ينقلان أقوال
أهل العلم دون وعي وفهم!! - ولعل الله ييسر إفراد ما تتبعناهما به في مصنّف مفرد
إن شاء الله.
ولو فرضنا أنه "صدوق" مطلقاً دون قول ابن حجر:
"ربما أخطأ"! فهذا لا يعني أنه ثقة مطلقاً، أو أن حديثه يُقبل مطلقا!
وقول ابن حجر جمع فيه بين أقوال أهل النقد فأصاب في ذلك، فهو صدوق
ربما أخطأ بسبب سوء حفظه!
وقد نقلا أقوالا فيه دون أقوال! فابن معين ورد أنه قال عنه
"ثقة"، وقال أيضا عنه: "صالح"!
وأحمد بن صالح لم يقل "ليس به بأس"! كما ادّعيا
!! بل قال: "كَانَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ مِنْ وُجُوهِ أَهْلِ مِصْرَ، وَرُبَّمَا
زَلَّ فِي حِفْظِهِ".
وقول النسائي فيه: "ليس به بأس"، ومرة:
"ليس بالقوي" ليس اختلافاً، بل هو من باب التنوع، فكلاهما واحد عنده.
وقد سبق بيان قول كل من ذكر هنا.
·
الخلاصة في حال يحيى بن أيوب:
من خلال نقل أقوال أهل العلم ممن وثقه أو مشّاه أو ضعفه
نخلص إلى أنه "صدوق يَهم في حديثه"، فيكتب حديثه للاعتبار، ولا يُحتج
بما انفرد به لسوء حفظه.
نقل أبو الوليد الباجي في «التعديل والتجريح» (3/1203) عن
أَبي عبدالله الحاكم قال: "يحيى بن أَيُّوب الْمصْرِيّ للْبُخَارِيّ فِي
الاستشهاد، وَلمُسلم فِي الرِّوَايَة".
وقال مُغلطاي في «إكماله» (12/288) في تعقّبه للمزي:
"وزعم أبو عبدالله الحاكم، وأبو الوليد الباجي، وأبو نصر أن البخاري خرج له
استشهادا، فينظر في قول المزي: (روى له) - يعني أصلاً".
·
بعض الأحاديث التي وهم فيها:
(1) قال ابن أبي حاتم في «العلل» (2/330)
(409): وسألتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أيُّوب، عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَة، عَنْ عائِشَة: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه
وسلم كَانَ يُوتِرُ بثَلاثٍ، يُسَلِّمُ بينَهُنَّ»؟
فقَالا: "رَوَاهُ عثمانُ بنُ الحَكَم، عن يحيى بن
سَعِيدٍ؛ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عائِشَة".
قَالا: "وهَذَا أشبَهُ، وأَفسَدَ على يحيى بن أيُّوب".
قلت: يعني أن رواية عثمان بن الحكم الجذامي المرسلة أفسدت
رواية يحيى بن أيوب المتصلة، فتبيّن وهم يحيى فيه.
وأورد العقيلي في ترجمة يحيى من «الضعفاء» (4/391) من طريق
ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بنُ الْحَكَمِ الْجُذَامِيُّ،
قُلْتُ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: مِصْرِيٌّ لَمْ يَثْبُتْ بِمِصْرَ مِثْلَهُ، قَالَ:
سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ -
يَعْنِي حَدِيثَ الْوِتْرِ.
وأورد ابن عدي هذا الحديث أيضاً في ترجمة يحيى بن أيوب من «الكامل»
(9/55)، وساق أيضاً سؤال عثمان بن الحكم ليحيى بن سعيد عن هذا الحديث من طريق ابن
أبي مريم، قال: حَدَّثَنا عُثْمَانُ بْنُ الْحَكَمِ الجذامِيُّ: سَأَلْتُ يَحْيى
بْن سَعِيد عن حديث عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، أَن النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ
وَسلَّمَ كَانَ يقرا في الوتر بِـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، وَ{قُلْ يَا
أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وَ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فَلَمْ يَعْرِفْهُ
وَأَنْكَرَهُ وَهَذَا يُوصِلُهُ، عَن يَحْيى بْنِ سَعِيد يَحْيى بْنُ أَيُّوبَ
هَذَا.
ثم قال ابن عدي: "وَلِيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ حَدِيثٌ
آخَرُ بِهَذَا الإسْنَادِ يَرْوِيهِ، عَن يَحْيى بْنِ سَعِيد تَفَرَّدَ بِهِ
أَيضًا".
وهو الحديث الآتي:
(2) قال ابن عدي: حَدَّثَنَا أبو
يعلى، قال: حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ مَعِين، قال: حَدَّثَنا سَعِيد بْنُ الْحَكَمِ، قال:
حَدَّثني يَحْيى بْنُ أَيُّوبَ، قال: حَدَّثني يَحْيى بْنُ سَعِيد، عَنْ عُمَرَةَ
بِنْتِ عَبدالرَّحْمَنِ، قَالَتْ: كَانَتْ بِمَكَّةَ امْرَأَةٌ مَزَّاحَةٌ
فَنَزَلَتْ عَلَى امْرَأَةٍ مِثْلِهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ:
صَدَقَ حِبِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: «الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، مَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ،
وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ». قَالَ: ولاَ أَعْلَمُ إِلا قَالَ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ، ولاَ تُعرِفُ تلك المرأة.
قلت: كذا قال ابن عدي أنه لم يروه عن يحيى بن سعيد إلا
يحيى بن أيوب، وكذا قال البزار؛ فإنه لما رواه في «مسنده» (18/240) (265) قال:
"وهَذَا الْحَدِيثُ لا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى عن عمرة إلا يحيى بن
أيوب"!
لكن رُوي من حديث الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد!
وأشار إلى ذلك البخاري في «صحيحه»(4/133) قال: "«بَابٌ:
الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ».
قَالَ: قَالَ اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ
عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ
فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ».
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ بِهَذَا".
كذا علّق البخاري الحديثين في «صحيحه»!!
أما رواية يحيى بن أيوب فتعليقه لها لأنه ليس على شرطه،
ورواية الليث علقها لأنها من رواية كاتبه أبي صالح عنه!
وأبو صالح لا يُحتج به! ومن أجل هذا علقه! ولا يُقال هنا
إنه علقه بصيغة الجزم فالحديث صحيح!!
فمسألة التعليق تحتاج سبر عميق، وليس هذا مكان الكلام
عليها.
وقد بوّب البخاري أيضاً في «الأدب المفرد» (ص: 309):
"بَابُ الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ»:
حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ،
عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا
تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ».
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِالرَّحْمَنِ،
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ.
حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ قَالَ:
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا
تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ»".
هكذا رواه البخاري مسنداً عن عبدالله بن صالح أبي صالح
كاتب الليث، عن الليث، وأسنده عن سعيد بن أبي مريم، عن يحيى بن أيوب، ثم ثلّث
بحديث سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة!
وطريق سهيل مشهورة، وقد تفرد بها عن أبيه عن أبي هريرة.
وحديث أبي صالح بلفظ حديث يحيى بن أيوب رواه البيهقي في «شعب
الإيمان» (11/339) (8621) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِاللهِ الْحَافِظُ، قَالَ:
أخبرنا عَبْدُاللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْفَارِسِيُّ، قال: حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ
سُفْيَانَ، قال: حدثنا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِالرَّحْمَنِ: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ
مَكَّةَ كَانَتْ تُضْحِكُ النِّسَاءَ، وَكَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ
الْمُؤْمِنِينَ، وَكَانَتْ أُخْرَى بِالْمَدِينَةِ، وَإِنَّ الْمَكِّيَةَ قَدِمَتْ
فَلَقِيتِ الْمَدَنِيَّةَ فَوَافَقَتْهَا فَدَخَلَتَا عَلَى عَائِشَةَ جَمِيعًا،
فَلَمَّا رَأَتْ مِنِ اتِّفَاقِهِمَا، قَالَتْ لِلْمَكِّيَةِ: أَكُنْتِ
تَعْرِفِينَ هَذِهِ؟، قَالَتْ: لَا، وَلَكِنَّا الْتَقَيْنَا فَتَعَارَفْنَا،
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: صَدَقْتِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا
ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ».
قلت: لم يروه عن الليث إلا كاتبه عبدالله بن صالح، ولا
يحتج به!! وأخشى أن يكون أصل هذا الحديث هو حديث يحيى بن أيوب! سمعه عبدالله بن
صالح من يحيى ثم أخطأ فرواه عن الليث! ويحتمل أن الليث سمعه من يحيى بن أيوب، فلما
رواه أبو صالح عن الليث وهم فيه فأسقط منه "يحيى بن أيوب"! والله أعلم.
وله أصل مدني ربما هو أصل هذا الحديث المصري!
وهو ما رواه الخرائطي في «اعتلال القلوب» (1458) قال: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمِصْرِيُّ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ
مُحَمَّدٍ النَّوْفَلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ
الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ اللَّهَبِيِّ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ بِمَكَّةَ
تَدْخُلُ عَلَى نِسَاءِ قُرَيْشٍ تُضْحِكُهُنَّ، فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَسَّعَ اللَّهُ دَخَلَتِ الْمَدِينَةُ قَالَتْ
عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَدَخَلَتْ عَلَيَّ فَقُلْتُ لَهَا: فُلَانَةُ،
مَا أَقْدَمَكِ؟ قَالَتْ: إِلَيْكُنَّ. قُلْتُ: فَأَيْنَ نَزَلْتِ؟ قَالَتْ: عَلَى
فُلَانَةَ، امْرَأَةٍ كَانَتْ تُضْحِكُ النَّاسَ بِالْمَدِينَةِ. قَالَتْ
عَائِشَةُ: وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «فُلَانَةُ».
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: نَعَمْ. فَقَالَ: «عَلَى مَنْ نَزَلْتِ؟». قَالَتْ: عَلَى
فُلَانَةَ الْمُضْحِكَةِ. قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ إِنَّ الْأَرْوَاحَ جُنُودٌ
مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا
اخْتَلَفَ».
وعلي بن أبي علي اللهبي مُنكر الحَدِيث! يُحدث عن الثقات
بالمناكير، وهو متروك الحديث!
وكل أسانيد هذذا الحديث فيها كلام، وأصله من قول عَبْدِاللهِ
بن مسعود، قَالَ: «الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا
ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ». والله أعلم.
وسنخرج أثر ابن مسعود هذا ونتوسع في الكلام عليه في بحثنا
عن معنى «صدوق» عند الإمام البخاري - رحمه الله - يسر الله إتمامه ونشره.
(3) قال ابن عدي في «الكامل» (9/58): حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الفرج الغافقي، قال: حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ
عَبدالرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، قال: حَدَّثَنا عَمِّي، قال: حَدَّثني يَحْيى بْن
أيوب، عنِ ابْن جُرَيج، عَن عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وسَلَّم
قَال: «الْمُؤْنِثُونَ أَوْلادُ الْجِنِّ. قِيلَ لابْنِ عَبَّاسٍ: يَا أَبَا
الْفَضْلِ، كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَهَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَنْ يَأْتِيَ
الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَإِذَا أَتَاهَا سَبَقَهُ الشَّيْطَانُ
إليها فحملت منه فاتت بالتونث».
(4) وقال: حَدَّثَنَا عَبدالرَّحْمَنِ
بْنُ عَبدالمُؤْمِنِ، قال: أَخْبَرنا مَيْمُونُ بْنُ الأَصْبَغِ وعثمان بن سَعِيد،
قالا: حَدَّثَنا سَعِيد بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، قال: أَخْبَرنا يَحْيى بْنُ
أَيُّوبَ، قال: حَدَّثني ابْنُ جُرَيج، عَن أَبِي الزَّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَال
رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ: «لا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ
لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ، ولاَ لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ، ولاَ
لِتُحَيِّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ فَمَنْ فَعَلَ فَالنَّارَ النَّارَ».
قال ابن عدي: "وهذان الحديثان ليحيى بْن أيوب، عنِ
ابْن جُرَيج غير محفوظين! فأما حديث المؤنثين فلا أعلمه رواه غير ابن أخي بن وَهب،
عَن عَمِّه، عَن يَحْيى بن أيوب، وحديث أبي الزبير معروف بيحيى بن أيوب يتفرد به،
عنِ ابن جُرَيج بِهَذَا الإِسْنَادِ".
(5) قال الدارقطني في «العلل» (4/335)
(608) - وَسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَوْ أَنَّ مَا يُقِلُّ الظُّفْرُ
مِمَّا فِي الْجَنَّةِ بَرَزَ لِأَهْلِ الدُّنْيَا لَزُخْرِفَتْ لَهُمْ خوافق السماوات،
وَلَوْ أَنَّ... الحَدِيثَ»؟.
فقالَ: "يَرْوِيهِ يَزِيدُ بنُ أَبِي حَبِيبٍ،
وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:
فَرَوَاهُ اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ
عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ.
وَخَالَفَهُ يَحْيَى بْنُ أيوب، فَرَوَاهُ عَنْ يَزِيدَ
بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عُمَرَ، عَنْ سَعْدٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ".
·
الخلاصة والنتائج:
بعد هذه الجولة مع يحيى بن أيوب الغافقي - رحمه الله -
نخلص إلى:
1- اختلف العلماء في حاله، فمنهم من وثقه، ومنهم من ضعفه!
وأكثر من ضعفه إنما ضعفه بسبب سوء حفظه.
2- الذين نُقل عنهم توثيق يحيى بن أيوب هم: ابن معين،
والبخاري، والعجلي، وابن حبان، ويعقوب بن سفيان، وإبراهيم الحربي، وابن عدي،
والدارقطني، والذهبي.
3- نقل عن ابن معين توثيقه ليحيى، وكذلك رواية أخرى أنه
قال فيه "صالح"، وهذه المرتبة أقرب إلى الضعف منها إلى التوثيق = يُكتب
حديثه للاعتبار، ولا يحتج بما ينفرد به.
والراجح أن قوله "صالح" هو ما استقر عليه قول
ابن معين فيه.
4- ما نقل عن البخاري من توثيقه لا يصح! والصواب أنه قال
فيه "صدوق"، وهذا مصطلح عند البخاري يعني أنه لا بأس به، وحديثه يكتب
أيضا للاعتبار، ولا يُحتج بما ينفرد به!
ولهذا أشار لعدة روايات ليحيى بن أيوب في صحيحه مستشهدا
بما جاء فيها من سماع لبعض الرواة لنفي تدليسهم.
5- وثقه ابن حبان، لكن زاد في كتابه في
"المشاهير" أنه "يُغرب"، وهذه إشارة إلى أنه لا يقبل حديثه
مطلقا، وهذه الغرائب إنما هي من سوء حفظه.
6- توثيق سفيان بن يعقوب له من المحتمل أنه عنى به عدالته.
7- قول ابن عدي فيه: "صدوق لا بأس به" لا يعني
التوثيق أو قبول حديثه مطلقا، بل يقصد أنه لا يتعمد الكذب فيما يرويه من أوهام وما
يتفرد به من مناكير.
8- وثقه الدارقطني في مكان، وضعفه في مكان آخر!
9- وثقه الذهبي في مكان، وضعفه في أماكن أخرى.
10- الذين ثبت أنهم وثقوه مطلقا هما: العجلي، والحربي.
11- أكثر أهل النقد على تضعيفه من قِبل حفظه!
فضعفه مالك، وأحمد، والعقيلي، وأبو حاتم، وأبو زرعة، وأبو
داود، وابن سعد، والنسائي، وأحمد بن صالح المصري، والساجي، وابن شاهين، والدولابي،
وأبو العرب القيرواني، وأبو أحمد الحاكم، وأبو بكر الإسماعيلي، والدارقطني، وابن
بطّال، وابن عبدالبر، وابن حزم، وعبدالحق الإشبيلي، وابن القطان الفاسي، والذهبي،
وابن عبدالهادي، وابن رجب الحنبلي، والزيلعي، وابن حجر - رحمهم الله -.
12- ما روي عن الإمام مالك أنه كذبه ليس المقصود أنه تعمد
الكذب! بل يعني أنه أخطأ. ووهم من أطلق القول بأن مالكا كذبه!
13- الخلاصة في حال يحيى بن أيوب: "صدوق يَهم في
حديثه"، فيكتب حديثه للاعتبار، ولا يُحتج بما انفرد به لسوء حفظه.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
وكتب: خالد الحايك
29 جمادى الأولى 1440هـ.
شاركنا تعليقك