سلسلة فهم أقوال أهل النَّقد (9).
قالَ أحمد في حديث رواه أسباط، عن الشيباني، عن إبراهيم: سمعت
ابن عباس... ولكن إذا قلت: عن، فقد خلصته، وخلصت نفسي.
قال البرذعي في «سؤالاته لأبي زرعة الرازي» (2/768): قال لي أبو
زرعة الرازي: سألت أحمد بن حنبل عن حديث أسباط، عن الشيباني، عن إبراهيم، قال: سمعت
ابن عباس؟
فقال: عن ابن عباس؟
فقلت: إن اسباط هكذا يقول!
فقال: قد علمت، ولكن إذا قلت: عن، فقد خلصته، وخلصت
نفسي، أونحو هذا المعنى.
قلت: قد سمع أحمد هذا الحديث من أسباط وفيه أن إبراهيم النخعي قال:
سمعت ابن عباس!!
لكن الإمام أحمد يعلم أن إبراهيم النخعي لم يسمع من ابن عباس، فلما
رواه أبدل قول أسباط في الحديث «سمعت ابن عباس» بـ «عن ابن عباس»، وهو بهذا خلّص
أسباط من الخطأ، وخلص نفسه من أن يكون متابعاً إياه على هذا الخطأ! فهذا السماع لا
يصح.
وقد أخرجه في «مسنده» (3/484) (2049) قال: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، قال:
حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ
ابنِ عَبَّاسٍ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ الْكَلْبَ، فَأَكَلَ مِنَ الصَّيْدِ، فَلا تَأْكُلْ،
فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِذَا أَرْسَلْتَهُ، فَقَتَلَ وَلَمْ
يَأْكُلْ، فَكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى صَاحِبِهِ».
قال عَبْدُاللهِ: "وكَانَ فِي كِتَابِ أَبِي: عَنْ إِبْرَاهِيمَ،
قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ أَبِي، كَذَا
قَالَ أَسْبَاطٌ".
فأخبر عبدالله أن أباه قد سمع الحديث من أسباط وفيه «سمعت ابن عباس»،
فضرب عليه ورواه: «عن ابن عباس».
قال عبدالله: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: "لَمْ يَلْقَ
إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَائِشَةَ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهَا شَيْئًا؛ فَإِنَّهُ
دَخَلَ عَلَيْهَا وَهُوَ صَغِيرٌ، وَأَدْرَكَ أَنَسًا وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ".
وقال مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَرَاءِ: قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِينِيِّ:
"إِبْرَاهِيمُ الْنَّخَعِيُّ لَمْ يَلْقَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". [المراسيل لابن أبي حاتم: ص9].
وهذا الذي فعله الإمام أحمد من باب الستر على أسباط في خطأه هذا.
ويفعله أهل الحديث حتى لا يُتابعوا الراوي على خطأه، وحتى لا يُظن أنهم قد وافقوه
على ذلك الخطأ.
قال البرذعي: قلت لأبي زرعة: حُدِّثنا عن أبي الوليد الطيالسي: أخبرنا
حرب، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في رجل مرض في رمضان فلم يصح حتى مات لا قضاء
عليه.
فمن حرب هذا؟
فقال: قال أبو الوليد الطيالسي: حدثنا حرب بن أبي شداد بهذه القصة.
قال أبو زرعة: وهو عندي حرب بن أبي العالية.
فجعله أبو زرعة حرب ولم ينسبه.
قلت: يعني نسبه أبو الوليد الطيالسي: «حرب ابن أبي شداد»، ويرى أبو
زرعة أنه «ابن أبي عالية» فلما حدّث به أهمله ولم ينسبه ستراً على أبي الوليد
الطيالسي، وحتى لا يكون متابعاً له على خطأه!
وقال عبدالله بن محمد النفيلي الحراني: "سترت على زهير أحاديث
مما وهم فيها، ورأيته يُومئ إلى هذا غير مرة أن الفهم يجب عليه إذا وهم شيخ جليل
في شيء أن يستر عليه، نحو هذا، ولا يحدث به عنه على الوهم، أما أن (يمر!) عن موضع
الوهم، أو يجعله - يعني فيتخلص، ويخلص المحدّث".
فهم أحمد شاكر لكلام عبدالله بن أحمد!
قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على قول عبدالله بن أحمد بعد أن روى
الحديث عن أبيه في «المسند» (2/501): "وقول عبدالله بن أحمد في آخر الحديث
أنه كان في كتاب أبيه الإمام: "عن إبراهيم قال: سمعت ابن عباس" وأن أباه
ضرب عليه "كذا قال أسباط": يعني ضرب عليه وكتب هذه العبارة -: هذا القول
من عبدالله يدل على أن الرواية كان فيها "عن إبراهيم قال: سمعت ابن
عباس"، وأن أباه شك في صحتها لقولهم أنه لم يلق أحداً من الصحابة، فكتب عليها
"كذا قال أسباط"، وهذا عندي يؤيد سماع إبراهيم من ابن عباس، لا ينفيه".
قلت: أحمد لم يشك في صحتها! بل هو سمعها من أسباط هكذا، ولهذا قال:
"كذا قال أسباط"، ولأنه يعلم أن إبراهيم لم يسمع من ابن عباس ضرب على
السماع الذي ذكره أسباط، واستبدله بـ «عن».
وهذا لا يؤيد سماع إبراهيم من ابن عباس! بل ينفيه؛ إذ لو كان
صحيحاً عند أحمد لما استبدل السماع بالعنعنة، ويوضح ذلك قول أحمد السابق لأبي
زرعة، ونفيه أن إبراهيم لم يسمع من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وكتب: أبو صهيب خالد الحايك.
شاركنا تعليقك