«البُرهان الجلِيّ» لِعلّة «حَدِيثِ
الوَلِيّ»
«مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ
بِالحرْبِ...»
ومعه:
«بُلُوغ الأماني» في تخريج البخاري
لأحاديث خالد القَطواني
د. خالد الحايك
بسم الله الرّحمن الرحيم
الحمد لله الذي رفع أهل
العلم درجات، والصلاة والسلام على معلّم الناس مُحَمَّد خير البريات، وعَلى آله
وَصَحبه أولي الكرامات، وأَزْوَاجِه الطَّاهِراتِ مَا أُقِيمَتِ الصَّلوات وَمَا
تُلِيَتِ التَّحيات، وَمن تَبِعَهُمْ بِإِحْسَان إِلَى مَا بعد يَوْم يُجزى
العَبْد بِالحَسَنَاتِ، وبعد:
فإن حديث الوليّ من الأحاديث
المشهورة المعروفة، وقد عني به أهل العلم، فصنّف بعضهم فيه مصنفات مفردة، كما فعل
السيوطي في رسالته «القول الجليّ في حديث الولي»، والشوكاني في كتابه «قطر الولي
على حديث الولي».
قال الشوكاني في «قطر
الولي» (ص229): "فإنه لما كان حديث (من عادى لي ولياً) قد اشتمل على فوائد
كثيرة النفع، جليلة القدر لمن فهمها حقّ فهمها، وتدبرها كما ينبغي، أحببت أن أفرد
هذا الحديث الجليل بمؤلف مستقل، أنشر من فوائده ما تبلغ إليه الطاقة ويصل إليه
الفهم، وما أحقّه أن يُفرد بالتأليف، فإنه قد اشتمل على كلمات كلها دُرر، الواحدة
منها تحتها من الفوائد ما ستقف على البعض منه، وكيف لا يكون كذلك وقد حكاه عن
الربّ سبحانه من أوتي جوامع الكلم، ومن هو أفصح من نطق بالضاد، وخير العالم بأسره،
وأجل خلق الله، وسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم؟. ولم يستوف شرّاح الحديث رحمهم
الله ما يستحقه هذا الحديث من الشرح! فإن ابن حجر رحمه الله لم يشرحه في فتح
الباري إلا بنحو ثلاث ورق مع أن شرحه أكمل شرح للبخاري، وأكثرها تحقيقاً، وأعمها
نفعاً".
فالشوكاني جزم بصحته
وأنه يحتاج لشرح أطول لما فيه من الدرر بحسب قوله، ولهذا لم يتعرض لرجاله، فقال
بعد ذلك: "ولا حاجة لنا في الكلام على رجال إسناده، فقد أجمع أهل هذا الشأن
أن أحاديث الصحيحين أو أحدهما كلها من المعلوم صدقه بالمقبول المجمع على
ثبوته..."!
وكلام الشوكاني هذا فيه
نظر! فبيان ما يتخلل بعض الأحاديث من علل ليس طعناً في الصحيحين، ولا في رواتهما،
وتخريج الحديث فيهما قد يكون لبيان علة كما هو منهجهما في بعض الأحاديث، وقد
استدرك بعض أهل النقد عليهما أحاديث، وهذا كله يدخل في باب الاجتهاد ضمن منهج
الفحول من أهل النقد. وسيأتي الكلام على رجاله بالتفصيل إن شاء الله.
تخريج
الحديث
أخرج الإمام البخاريُّ
في «صحيحه» في كتاب الرقاق، باب التواضع، قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ
بنِ كَرَامَةَ، قال: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، قال: حَدَّثَنا سُلَيْمَانُ
بنُ بِلالٍ، قالَ: حَدَّثَنِي شَرِيكُ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ أَبِي نَمِرٍ، عَن
عَطَاءٍ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا، فَقَدْ
آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِليَّ عَبْدِى بِشَيء أَحَبَّ إِلَىَّ
مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ
حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ،
وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ
الَّتِي يَمْشِى بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي
لأعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيء أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ
نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ».
وأخرجه البزار في
«مسنده» رقم (8750) عن مُحَمد بن عُثْمَانَ بنِ كَرَامَةَ، به.
وأخرجه أبو نُعيم في
«حلية الأولياء» (1/4) من طريق أبي عبيدة محمد بن أحمد بن المؤمل ومحمد بن إسحاق
السراج، كلاهما عن محمد بن عثمان بن كرامة، به.
وأخرجه اللالكائي في
«كرامات الأولياء» (ص94) من طريق محمد بن علي بن بركة عن خالد بن مخلد، به.
وأخرجه ابن حبّان في
«صحيحه» (2/58) عن محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف عن محمد بن عثمان العجلي،
به.
مذاهب
المتقدمين والمتأخرين حول هذا الحديث
للمتقدمين والمتأخرين
مذاهب حول هذا الحديث:
1- المذهب
الأول: الجزم بصحته مطلقًا، واعتماد ثبوته بهذا السند الذي رواه خالد القطواني عند
جماعة من الأئمة.
احتج به البخاري في
«صحيحه»، وابن حبان كذلك في «صحيحه»، والخطيب البغدادي، وأبو محمد البغوي، وأبو
القاسم قوام السنة، والحافظ أبو سعد ابن السمعاني، وشيخ الإسلام ابن تيمية،
وغيرهم، فضلا عن تصحيح أكثر المتأخرين وسواهم ممن ألفوا في الكلام على هذا الحديث
كابن تيمية والسيوطي والشوكاني وجُلّ المعاصرين.
وقال أبو البَرَكات
النّيْسَابُوريّ إسماعيل بْن أَبِي سعد الإمام المحدث في «جزء فيه أربعون حديثا من
الصحاح العوالي»: "هذا حديث صحيح شريف حسن من حديث سليمان بن بلال أبي أيوب التيمي، عن شريك
بن عبد الله بن أبي نمر القرشي المديني، عن عطاء بن يسار أبي محمد، عن أبي هريرة
عبد الرحمن بن صخر الدوسي".
وقال شيخ الإسلام ابن
تيمية: "هذا حديث شريف قد رواه
البخاري من حديث أبي هريرة وهو أصح حديث روي في صفة الأولياء".
وكان شيخ أهل العراق في
زمانه، المحدث الفقيه الواعظ، أَبُو محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي شيخ
الحنابلة في وقته = يكاد يطير طرَبًا بسماعه هذا الحديث!
فقال الحافظ أبو سعد ابن
السمعاني في «ذيل تاريخ بغداد»: "سمعت أحمد بن سعْد العِجْليّ بهَمَذَان يقول: كان شيخنا أبو محمد التّميميّ
إذا روى هذا الحديث قال: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ}...."؟!! - يعني من جمال هذا الحديث وشَرَفِه.
وقد كان أبو محمد
التميمي لحبّه هذا الحديث يحتشد عند تحديثه به ما لا يحتشد عند غيره، حتى صار إليه
المنتهى في علو الإسناد به.
وقد ذكر ابن رجب والذهبي
وغيرهما أن الحافظ ابن السمعاني قد روى هذا الحديث في «تاريخه» من طريق أربع
وسبعين شيخًا كلهم سمعه من أبي محمد التميمي.
2- المذهب
الثاني: الجزم بضعف إسناد البخاري مع تصحيح الحديث بشواهده!
وممن ذهب إلى هذا: الشيخ
الألباني في «سلسلة الأحاديث الصحيحة» (1640). ساق الشيخ الحديث، ثم قال:
"قلت: وهذا إسناد ضعيف، وهو من الأسانيد القليلة التي انتقدها العلماء على
البخاري رحمه الله تعالى، فقال الذهبي في ترجمة خالد بن مخلد.."، ثم ساق
شواهده وصححه بها.
3- المذهب
الثالث: الإشارة إلى تفرد خالد بالحديث، وأنه لولا هيبة الصحيح لعدّوه من منكراته!
وهذا ما ذهب إليه الإمام
الذهبي، وكأنه حاصل كلام الإمام المعلمي اليماني.
مجازفة بعض
أهل العلم المتأخرين!
وقد جازف بعض أهل العلم المتأخرين أثناء الكلام على هذا
الحديث!
فادّعى عبدالعزيز الغُماري وغيره من المعاصرين: أن
التواتر أو الإجماع قائم على صحته!
وكذلك قد جازف الشوكاني في كتابه «قطر الولي على حديث
الولي» حين قال: "... ولا حاجة لنا في الكلام على رجال إسناده، فقد أجمع
أهل هذا الشأن أن أحاديث الصحيحين، أو أحدهما كلها من المعلوم صدْقُه، المتلقَّى
بالقبول المُجْمع على ثبوته، و عند هذه الإجماعات تندفع كل شبهة، ويزول كل تشكيك،
وقد دفع أكابر الأئمة من تعرض للكلام على شيء مما فيهما، و ردوه أبلغ رده،
وبيَّنوا صحته أكْمل بيان، فالكلام على إسناده بعد هذا لا يأتي بفائدة يعتد بها،
فكل رواته قد جازوا القنطرة، و ارتفع عنهم القيل والقال، و صاروا أكبر من أن يتكلم
فيهم بكلام أو يتناولهم طعن طاعن أو توهين موهن"!
فهذا
كلام لا يصدر من الحُذَّاق في هذا الشان! وفيه خلل كبير!!
أقوال أهل
العلم في هذا الحديث
قال البزار: "وهذا
الحَدِيثُ لاَ نعلمُهُ يُرْوَى عَن أَبِي هُرَيرة إلاَّ من هذا الوجه بهذا
الإسناد. ورواه عُمَر بن إسحاق بن يسار، عَن عَمِّهِ عطاء بن يسار، عن
ميمونة".
قلت: رواية عمر بن إسحاق
رواها عنه يوسف بن خالد السمتي وهو كذاب، وسيأتي حديثه لاحقاً إن شاء الله.
وقال الإمام الخطيب: "هذا حديث صحيح غريب من
حديث عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة، ومن
حديث شريك بن عبدالله بن أبي نَمِر عن عطاء. انفرد بروايته سليمان بن بلال عنه،
ولا نعلم رواه عن سليمان إِلا خالد بن
مخلد القطواني. رواه البخاري في صحيحه عن ابن كرامة" (الفوائد المنتخبة
للمهرواني: ص99).
كذا نُقل عن الخطيب: "من حديث عطاء بن أبي
رباح". ولكن قال ابن حجر في «الفتح»:
"عَطاء هُو ابن يَسَارٍ، وَوَقَعَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النَّسْخِ، وَقِيلَ:
هُوَ ابن أَبِي رَبَاحٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ
الْخَطِيبُ".
وقال الحافظ المزي في «تهذيب الكمال» (26/97): "وهو من غرائب الصحيح! مما
تفرد به شريك بن عبدالله بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة، وتفرد به خالد
بن مخلد عن سليمان بن بلال عن شريك، والله أعلم".
وقال الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (3/1085) بعد أن ساق الحديث من طريق أبي عبدالله المحاملي
عن محمد بن عثمان بن كرامة، عن خالد بن مخلد، ومن طريق أبي عمر بن مهدي عن محمد بن
مخلد عن ابن كرامة: "رواه البخاري في صحيحه عن ابن كرامة، ورواه أبو العباس
الثقفي عن ابن كرامة، فهؤلاء الأربعة من الثقات رووه عن محمد، وهو مما انفرد به،
وليس هو في مسند أحمد على كِبره".
وقال في موضع آخر
(4/1463) بعد أن ساق من طريق أبي عمر بن مهدي: "أخرجه البخاري عن محمد بن
عثمان بن كرامة فوافقناه، وهو من أغرب شيء في الصحيح ما أتى به سوى ابن كرامة،
رواه عنه أيضاً القاضي المحاملي وأبو العباس السراج".
وقال في «سير أعلام
النبلاء» (10/219): "وروى البخاري حديث: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب
عن ابن كرامة عن خالد، وهو غريب جداً لم يروه سوى ابن كرامة عنه".
وذكر هذا الحديث في
ترجمة «خالد بن مخلد» من «الميزان» (2/426) قال: "ومما انفرد به ما رواه
البخاري في صحيحه عن ابن كرامة عنه... فهذا حديثٌ غريبٌ جداً! لولا هيبة الجامع
الصحيح لعدّوه في منكرات خالد بن خالد، وذلك لغرابة لفظه؛ ولأنه مما ينفرد به
شَريك وليس بالحافظ، ولم يُرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد! ولا خرّجه من عدا
البخاري، ولا أظنه في مسند أحمد، وقد اُختلف في عطاء، فقيل: هو ابن أبي رباح،
والصحيح أنه عطاء بن يسار".
تحريف في
المطبوع من كتاب اللالكائي!
أخرج اللالكائي في «كرامات
الأولياء - في الجزء التاسع من شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» برقم (43)
قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ مُسْلِمِ بنِ يَحْيَى، وَعُمَرُ بنُ زَكَّارٍ،
قَالَا: أخبرنا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيلَ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ
عَلِيِّ بنِ بَرَكَةَ، قَالَ: حدثنا خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، به.
فصار محمد بن علي بن
بركة متابعاً لمحمد بن عثمان بن كرامة!
وهذا تحريف في كتاب
اللالكائي؛ لأن الذهبي رواه في «تذكرة الحفاظ» (3/1084) من طريق هبة الله بن الحسن
الحافظ اللالكائي، قال: أخبرنا عبدالله بن مسلم وعمر بن زكار، قالا: أخبرنا أبو
عبدالله المحاملي، قال: حدثنا محمد بن عثمان بن كرامة، قال: حدثنا خالد بن مخلد.
والحسين بن إسماعيل هو
أبو عبدالله المحاملي، وقد تحرّف الاسم في مطبوع اللالكائي "عثمان" إلى
"علي"، و"كرامة" إلى "بركة".
فيبقى هذا الحديث لا
يُعرف إلا من طريق محمد بن عثمان بن كرامة العجلي الكوفي، وهو من صغار شيوخ
البخاري!
ونقل ابن حجر كلام
الذهبي السابق في «الفتح» (11/341) ثم قال: "قلت: ليس هو في مسند أحمد جزماً،
وإطلاق أنه لم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد مردود! ومع ذلك فشريك شَيْخُ شَيْخِ
خالد فيه مقال أيضاً، وهو راوي حديث المعراج الذي زاد فيه ونقص وقدَّم وأخر، وتفرد
فيه بأشياء لم يُتابع عليها كما يأتي القول فيه مستوعباً في مكانه، ولكن
للحديث طرق أخرى يدل مجموعها على أن له أصلاً".
وقال الإمام الحافظ ابن
رجب الحنبليّ في «جامع العلوم والحكم»: "هذا الحديث انفرد بإخراجه البخاري
دون بقية أصحاب الكتب... وهو من غرائب الصحيح!! تفرَّد به ابن كرامة عن خالد، وليس
في مسند أحمد مع أن خالد بن مخلد القطواني تكلَّم فيه الإمام أحمد وغيره، وقالوا:
(له مناكير)، وعطاء الذي في إسناده قيل: إنه ابن أبي رياح، وقيل: إنه ابن يسار،
وإنه وقع في بعض نسخ الصحيح منسوباً كذلك، وقد رُوي هذا الحديث من وجوه أُخر لا
تخلو كلها عن مقال".
وقال الإمام المعلمي
اليماني في كتاب «رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله» (ص158): "بل إن في
الصحيحين أو أحدهما، أحاديث قد انتقدها الحفاظ، مثل حديث البخاري: حدثنا محمد بن
عثمان، حدثنا خالد بن مخلد... فهذا الحديث قد تكلَّم فيه الذهبي في «الميزان» في
ترجمة خالد بن مخلد. وخالد بن مخلد، قال فيه الإمام أحمد: (له أحاديث مناكير).
وقال ابن سعد: (كان متشيعاً، منكر الحديث، في التشيع مُفرط، وكتبوا عنه
للضرورة). وقال صالح جزرة: (كان ثقة في الحديث، إلا أنه كان متهماً بالغلو). وقال
ابن أعين: (قلت له: عندك أحاديث في مناقب الصحابة؟ قال: قل لي في المثالب أو
المثاقب). وقال أبو حاتم: (يُكتب حديثه، ولا يُحتج به)، وذكره الساجي والعقيلي في
الضعفاء، وقال ابن معين: (ما به بأس).
وحاصل القول
فيه: أنه صدوق يَهم ويُخطئ، ويأتي بالمناكير، ولا سيما في التشيع، فإنه كان غالياً
فيه. ومثل هذا يتوقف عما انفرد به، ويُرد ما انفرد به بما فيه تهمة
تأييد لمذهبه. وقد تفرد
بهذا الحديث كما ذكره الذهبي وكذا الحافظ ابن حجر في مقدمة «الفتح»، وفي
هذا الحديث تهمة تأييد مذهب غلاة الرافضة في الاتحاد والحلول، وإن لم يُنقل
مثل ذلك عن خالد، وقد أسندت إلى هذا الحديث بدع وضلالات تصطك منها المسامع، والله
المستعان. وفي سنده أيضاً، شَريك بن عبدالله بن
أبي نمر، وحاصل كلامهم فيه أنه: صدوق يخطئ. وقال الحافظ في «الفتح» بعد أن نقل
كلام الذهبي، والكلام في شريك: (ولكن للحديث طريق أخرى يدل مجموعها على أن له
أصلاً)، ثم ذكر الحافظ تلك الطرق، وعامتها ضعاف، إلا أنه ذكر أن
الطبراني أخرجه من طريق يعقوب بن مجاهد عن عروة عن عائشة، وأن الطبراني أخرجه عن
حذيفة مختصراً، وقال: (وسنده حسن غريب).
أقول: أما رواية حذيفة
فمع الغرابة، هو مختصر، وكأنه ليس فيه تلك الألفاظ المنكرة. وينبغي النظر في
سنده، فإن الحافظ ربما تسامح في التحسين، وكذا ينبغي النظر في سند
الطبراني إلى يعقوب بن مجاهد، فأخشى أن يكون فيه وهم، والمشهور رواية عبدالواحد بن
ميمون عن عروة، وعبدالواحد متروك الحديث.
وبالجملة، فاقتصار
الحافظ على قوله: إن تلك الطرق يدل مجموعها على أن له أصلاً، ظاهر في أنه ليس في
شيء منها ما يصلح للحجة، ودلالة مجموعها على أن له أصلاً لا يكفي إثبات
هذه الألفاظ المنكرة. ولا يدل إيراد هذه الألفاظ ما يزعم الملحدون، لمَ
ذكر هذا الحديث في صحيحه؟ وهذا من المهمات، فإن كثيراً من الأئمة قد يقبل الحديث؛ لأنه يتحمله على
معنى له شواهد وعواضد بمعونتها ليستحق القبول. فيجيء بعض الناس يحتج بالحديث على
معنى منكر، قائلاً: قد قبله فلان من الأئمة! فليتنبه لهذا.
ومما ينبغي التنبيه له
أيضاً: أن الشيخين أو أحدهما قد يوردان في الصحيح حديثاً ليس بحجة في نفسه، وإنما
يوردانه؛ لأنه شاهد لحديث آخر ثابت، ثم قد يكون في هذا الحديث الذي ذكراه شاهداً،
زيادة لا شاهد لها. فيجيء من بعدهما يحتج به بالنسبة لتلك الزيادة، وربما حمل
الحديث على معنى آخر غير المعنى الذي فهمه صاحب الصحيح وبنى عليه أنه شاهد للحديث
الآخر.
وبالجملة
فمن أراد الاحتجاج بالحديث لا يستغني عن النظر في إسناده، بعد أن يكون له من
المعرفة ما يؤهله لهذا الأمر، وإلا أوشك أن يَضل أو يُضل. والله الموفق".
قلت: يتضمن كلام الإمام
المعلمي ما قصده الإمام الذهبي بهيبة الصحيح، فمثل هؤلاء الأئمة وإن كان الواحد
منهم يذهب إلى أن هذا الحديث أو ذاك منكر، وهو ضعيف على مقتضى الصنعة الحديثية إلا
أنهم لا يصرحون بذلك، بل يحاولون أن يعتذروا لصاحب الصحيح بأنه قد يكون احتج به
بمعنى فهمه لا بالمعنى الذي يفهمه غيرهم، أو أنهم خرجوه لوجود شاهد أو زيادة معتبرة
عندهم، وغير ذلك مما فيه بعد عن الحقيقة!!
فالمعلمي ذهب إلى ضعف
إسناده ونكارته، وتأييده لمذهب الحلول والاتحاد! ثم اعتذر لصاحب الصحيح كما في
سياق كلامه السابق أنه غلب على ظنّ المجتهد ثبوت الحديث عنده لا بكثرة الطرق! ثم
رجع إلى الكلام حول أنه لا يُستغنى عن النظر في إسناد الحديث!! فكأن الشيخ - رحمه
الله- تذكر هيبة الصحيح التي تكلّم عليها الإمام الذهبي.
وحتى كلام المعلمي في
«الأنوار الكاشفة» لما ردّ على «أبو رية» مال أولاً إلى أنه ربما دخل لخالد أو
شريك إسناد في إسناد، ثم رجع إلى قول البخاري في تخريجه!
قال: "ومثل هذا
التفرد يريب في صحة الحديث مع أن خالداً له مناكير وشريكاً فيه مقال. وقد جاء
الحديث بأسانيد فيها ضعف من حديث علي ومعاذ وحذيفة وعائشة وابن عباس وأنس. فقد
يكون وقع خطأ لخالد أو شريك، سمع المتن من بعض تلك الأوجه الأخرى المروية عن علي
أو غيره ممن سلف ذكره، وسمع حديثاً آخر بهذا السند ثم التبسا عليه فغلط، روى هذا
المتن بسند الحديث الآخر".
فهذا الحديث قد تفرّد
به خالد بن مخلد، وهو صدوق يخطئ، وعنده مناكير، وكذلك شريك بن أبي نمر، ولكن
العهدة في هذا الحديث على خالد، وشواهده كلها لا يُحتج بها - كما سيأتي بيانه إن شاء الله -.
والأئمة الذين تكلّموا
في هذا الحديث لم يأت واحد منهم بعلته الحقيقية، وهي أن أصله مرسل مما
رُوي من كتب أهل الكتاب! فلما رواه خالد بن مخلد أخطأ فيه وساقه بإسناد له
معروف عنده فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والأشبه أنه دخل عليه من الحديث
المنكر الذي رواه عبدالواحد بن ميمون عن عروة بن الزبير عن عائشة بمثل حديث
خالد!
فأصل حديث خالد هو حديث
عبدالواحد - وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله - وأصل حديث عبدالواحد هو مراسيل لبعض التابعين من الإسرائيليات!!
روى عبدالرزاق في
«الجامع» (11/192) قال: أخبرنا مَعمر عن الحسن، قال: يقول الله: «ما
تقرّب إليّ عبدي بمثل ما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى
أحبه، فأكون عينيه اللتين يبصر بهما، وأذنيه اللتين يسمع بهما، ويديه اللتين يبطش
بهما، ورجليه اللتين يمشي بهما، فإذا دعاني أجبته، وإذا سألني أعطيته، وإن
استغفرني غفرت له».
وروى ابن أبي شيبة في
«المصنف» (7/218) عن عيسى بن يونس، عن الأوزاعي،عن حسَّان بن عطية قال:
«من عادى أولياء الله فقد آذن الله بالمحاربة، ومن حالت شفاعته دون حد من حدود
الله فقد ضاد الله في أمره، ومن أعان على خصومة لا علم له بها كان في سخط الله حتى
ينزع، ومن فقأ مؤمناً بما لا علم له به وقفه الله في ردغة الخبال حتى يجيء منها
بالمخرج، ومن خاصم لضعيف حتى يثبت له حق ثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام، وقال
الله: ما ترددت في شيء أريده تردادي في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره
مساءته ولا بدّ له منه».
ورواه الحسين بن الحسن
المروزي في زياداته على «الزهد لابن المبارك» (ص365) عن محمد بن كثير المصيصي، عن
الأوزاعي، عن حسان بن عطية قال: «قال الله: لا ينجو مني عبدي إلا بأداء ما افترضت
عليه، وما يبرح عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، وما تقرب إليّ بشيء أفضل من
النصيحة، فإذا فعل ذلك كنت قلبه الذي يعقل به، ولسانه الذي ينطق به، وبصره الذي
يبصر به، أجبته إذا دعاني، وأعطيته إذا سألني، وأغفر له إذا استغفرني».
وروى أبو داود السجستاني
في «الزهد» عن الهيثم بن خالد الجهني: أنَّ محمداً العنقزي حدّثهم قال: أخبرنا
يونس بن أبي إسحاق، عن عمّار الدهني، عن وهب بن منبه، قال: «إني أجد
في كتاب الله: من عادى لي ولياً فهو كمن نصب لي الحرب».
وروى أبو نُعيم في
«الحلية» (4/32) من طريق إبراهيم بن الحكم، قال: حدثني أبي، قال: حدثني وهب بن
منبه قال: «إني لأجد في بعض كتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: إن الله تعالى
يقول: ما ترددت عن شيء قط ترددي عن قبض روح المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا
بد له منه».
وروى أبو داود السجستاني
في «الزهد» رقم (5) عن عمرو بن عثمان، قال: حدثنا بقية، قال: حدثني حبيب - يعني
ابن صالح الطائي - قال: حدثنا أبو الوفاء، عن طاوس اليماني، قال: «إني
لأجد في بعض الكتب الذي أنزل الله تعالى: لن ينجو مني عبد إلا بأداء ما افترضت
عليه، وما اقترب إليّ عبدي بأفضل من النصيحة، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل
حتى أحبه، فإذا فعل ذلك، كنت قلبه الذي يعقل به، وبصره الذي يبصر به، إن سألني
أعطيته، وإن دعاني أجبته، وإن استنصر بي نصرته».
قلت: وهذه الآثار كلها
صحيحة إلى هؤلاء التابعين الأربعة الثقات.
وهؤلاء الأربعة: الحسن
البصري (ت 110هـ) وحسان بن عطية الشامي (توفي من120-130هـ)، ووهب بن مُنبه
الصنعاني (ت 110هـ)، وطاوس اليماني (ت 106هـ)، من كبار التابعين وكانوا مشهورين
برواية المراسيل ومنها ما يختص بالعبادة والزهد من الكتب القديمة، وأربعتهم كانوا
من العبّاد الزّهاد - رحمهم الله -.
فهذا الحديث مشهور عند
التابعين وأنه من كتب أهل الكتاب، ولم يسنده أحد منهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
وقد أسنده بعض الهلكى من أتباع التابعين، ثم أسنده خالد بن مخلد القطواني (ت
213هـ) بهذا الإسناد، وقد تفرّد به!! فمثل هذا لا يُقبل منه سيما وأن له مناكير
يتفرد بها.
ومن أهم
القواعد في العلل أن الحديث إذا تفرد به أحد الرواة في طبقة متأخرة بإسناد غريب
وكان له أصل مرسل، فإن الصواب هو المرسل، فتعلّ روايته بهذا المرسل.
والحديث الفرد الغريب
يتوقف فيه أهل النقد إذا كان في طبقة متقدمة أحياناً، فكيف إذا كان في طبقة متأخرة
مثل طبقة خالد بن مخلد مع نزول إسناده فيه!!
قال أبو داود في رسالته
إلى أهل مكة: "والأحاديث التي وضعتها في كتاب السنن أكثرها مشاهير، فإنه لا
يحتج بحديثٍ غريبٍ ولو كان من رواية مالك، ويحيى بن سعيد القطان، والثقات من أهل
العلم، ولو احتجّ رجلٌّ بحديث غريبٍ وجدتَ من يطعن فيه".
قلت: فإذا كان المتفرد
بالحديث مثل مالك والقطان وهما من هما في الحفظ والإتقان لا يسلما من النقد، فكيف
ممن عرف بأنه ينفرد بالمناكير مثل خالد القطواني!
وقد ذكر أبو عبدالله
الحارث بن أسد المحاسبي (ت 243هـ) شيخ الصوفية هذا الحديث ونسبه للنبيّ صلى الله
عليه وسلم في سؤال له كما في ترجمته من «الحلية» (10/99) من طريق أحمد بن محمد بن
مسروق قال: قال أبو عبدالله الحارث بن أسد - وسئل ما علامة محبة الله للعبد؟ فقال
للسائل... فقال السائل: زدني من علامة محبة الله للعبد، قال: ليس شيء أحب إلى الله
من أداء الفرائض بمسارعة من القلب والجوارح والمحافظة عليها ثم بعد ذلك كثرة
النوافل كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: ما تقرب إلي عبدي
بشيء أحب إليَّ من أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى
أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به إن دعاني أجبته وإن
سألني أعطيته...".
قلت: نسبة المحاسبي هذه
الرواية إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا يُعتمد عليها، وهو ليس من أهل الحديث،
وهو معروف بصوفيته، وكان زاهداً عابداً، أُنكر عليه بعض الأمور في التصوف.
والحديث قد رفعه إلى
النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن مخلد قبل وفاة الحارث بأكثر من عشرين سنة، ولو
كان هذا الحديث معروفاً بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل زمانهم لما فرّط
فيه أهل العلم.
والحاصل أن العهدة في
هذا الحديث على خالد بن مخلد القطواني، وكان صدوقاً، قد أكثر البخاري ومسلم من
حديثه في صحيحيهما، ولكن له منكرات كما قال الإمام أحمد، وكأنه أُتي من قبل الحفظ،
وقد ساق ابن عدي له عشرة أحاديث منكرة، ثم قال: "ولم أجد في كتبه أنكر مما
ذكرته، فلعله توهماً منه أو حملاً على الحفظ، وهو عندي إن شاء الله لا بأس
به".
قال ابن حجر في
«التقريب»: "صدوق يتشيع وله أفراد".
وقال في «مقدمة الفتح»:
"قلت: أما التشيع فقد قدمنا أنه إذا كان ثبت الأخذ والأداء لا يضره لا سيما
ولم يكن داعية إلى رأيه، وأما المناكير فقد تتبعها أبو أحمد بن عدي من حديثه
وأوردها في كامله، وليس فيها شيء مما أخرجه له البخاري، بل لم أر له عنده من
أفراده سوى حديث واحد وهو حديث أبي هريرة: من عادى لي ولياً... الحديث".
قلت: نعم، التشيع لا
يضره، وهو صدوق الرواية ولم يكن داعية إلى بدعته، ولم يخرج له البخاري من الأفراد
التي ذكرها له ابن عدي، بل لم يذكر ابن عدي هذا الحديث في ترجمته! وعدم ذكره له
كأنه من أجل تخريج البخاري له في صحيحه، والله أعلم.
ولكن يبقى الحديث فرداً
غريباً! والأغرب أن مخرجه مدني عن أبي هريرة، ولا يوجد عند أصحاب أبي هريرة
المعروفين بالرواية عنه!!
فالحديث معلول، وأصله
مرسل من كتب الأقدمين من أهل الكتاب، والله أعلم وأحكم.
وقد يقول قائل: قد صححه
البخاري بتخريجه في صحيحه!
فأقول: هو اجتهد في
ذلك - رحمه الله - وقد يكون البخاري يخرّج الحديث في غير مظانه من أجل
تضعيفه؛ وهذا لمسته في بعض أحاديثه ويحتاج لدراسة، والله أعلم.
شواهد
الحديث
ذكر بعض من مال إلى
تصحيح هذا الحديث أن له بعض الشواهد يتقوّى بها، وأن له أصلاً!
قال ابن حجر في «الفتح»
رادّاً كلام الذهبي إنه لم يرو هذا الحديث إلا بهذا الإسناد: "ولكن للحديث
طرق أخرى يدل مجموعها على أن له أصلاً، منها: عن عائشة...".
وقد ضعّف الشيخ الألباني
سند الحديث في تحقيقه للطحاوية، ثم قال على هامش الجامع: "كنت برهة من الزمن
متوقفاً في صحة هذا الحديث، ثم تتبعت طرقه، فتبين لي أنه صحيح بمجموعها، وقد صححه
جمع" انتهى.
وهذا تفصيل هذه الشواهد:
الشاهد
الأول: عن عائشة
قال الإمام أحمد في
«المسند» (6/256): حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - وهو
ابن خالد الخيّاط - وَأَبُو الْمُنْذِرِ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُالْوَاحِدِ
مَوْلَى عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ
أَذَلَّ لِي وَلِيًّا فَقَدْ اسْتَحَلَّ مُحَارَبَتِي، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ
عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَمَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ
بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ: إِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ وَإِنْ دَعَانِي
أَجَبْتُهُ مَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ
وَفَاتِهِ لِأَنَّهُ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ».
وأخرجه البزار في
«مسنده» رقم (99) عن محمد بن المثنى، عن أبي عامر العقدي، عن عبدالواحد بن ميمون،
به.
ثم روى له حديثين آخرين
بهذا الإسناد، ثم قال: "ولا نعلم أسند عبدالواحد بن ميمون، عن عروة إلا هذه
الأحاديث، ولا نعلم أحداً شاركه فيها عن عروة ولا عن عائشة رضي الله عنها".
وأخرجه ابن أبي الدنيا
في كتاب «الأولياء» (1/23) رقم (45) عن أَبي خَيْثَمَة، عن إِسْمَاعِيل بن عُمَرَ،
قال: حدثنا عَبْدُالْوَاحِدِ مَوْلَى عُرْوَة بنِ الزُّبَيْرِ - وَكُنْيَتُهُ
أَبُو حمزة-، ذَكَرَ عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، عَن عَائِشَةَ، به.
ورواه القُضاعي في «مسند
الشهاب» (2/327) من طريق طلحة بن يحيى عن عبدالواحد أبي حمزة عن عروة، به.
ورواه أبو نُعيم في
«الحلية» (1/5) من طريق أبي عامر العقدي، قال: حدثنا عبدالواحد عن عروة عن عائشة،
به.
قال ابن عساكر في
«تاريخه» (37/277): "رواه محمد بن رافع النيسابوري عن أبي المنذر عن
عبدالواحد مولى عروة، ولم يكنه ولم ينسبه. وكذلك رواه حماد بن خالد الخياط عن
عبدالواحد ولم ينسبه. ورواه محمد بن الحسين بن إشكاب عن أبي المنذر عن عبدالواحد
بن حمزة أبي حمزة".
وروى الطبراني في
«المعجم الأوسط» (9/139) قال: حدثنا هارون بن كامل، قال: أخبرنا سعيد بن أبي مريم،
قال: حدثنا إبراهيم بن سويد المدني، قال: حدثني أبو حَزْرة يعقوب بن مجاهد، قال:
أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله
يقول: من أهان لي ولياً فقد استحل محاربتي، وما تقرب إليَّ عبد من عبادي بمثل أداء
فرائضي، وإن عبدي ليتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت عينيه التي يبصر
بهما، وأذنيه التي يسمع بهما، ويده التي يبطش بها، ورجليه التي يمشي بهما، إن
دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن موته، وذلك
أنه يكره الموت وأنا أكره مساءته».
قال الطبراني: "لم
يرو هذا الحديث عن أبي حزرة إلا إبراهيم بن سويد، ولا رواه عن عروة إلا أبو حَزْرة
وعبدالواحد بن ميمون".
قال ابن حجر في «الفتح»:
"أخرجه أحمد في الزهد وابن أبي الدنيا وأبو نُعيم في الحلية والبيهقي في
الزهد من طريق عبدالواحد بن ميمون عن عروة عنها، وذكر ابن حبان وابن عدي أنه تفرد
به، وقد قال البخاري: إنه منكر الحديث، لكن أخرجه الطبراني من طريق يعقوب بن مجاهد
عن عروة، وقال: لم يروه عن عروة إلا يعقوب وعبدالواحد".
قلت: كأن كلام ابن حجر
هذا مُستفاد من كلام ابن رجب في «جامع العلوم» فإنه قال: "ورواه عبدالواحد بن
ميمون أبو حمزة مولى عروة بن الزبير عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه
وسلم... خرّجه ابن أبي الدنيا وغيره وخرّجه الإمام أحمد بمعناه، وذكر ابن عدي أنه
تفرد به عبدالواحد هذا عن عروة، وعبدالواحد هذا قال فيه البخاري: منكر الحديث،
ولكن خرجه الطبراني: حدثنا هارون بن كامل، قال: حدثنا إبراهيم بن سويد المدني قال:
حدثنا أبو حرزة يعقوب بن مجاهد، قال: أخبرني عروة، عن عائشة عن النبي صلى الله
عليه وسلم، فذكره، وهذا أيضاً إسناده جيد ورجاله كلهم ثقات مخرج لهم في الصحيح سوى
شيخ الطبراني؛ فإنه لا يحضرني الآن معرفة حاله، ولعل الراوي قال: حدثنا أبو حمزة
يعني عبدالواحد بن ميمون فخُيِّل للسامع أنه قال أبو حزرة، ثم سماه من عنده بناء
على وهمه، والله أعلم".
قلت: الحديث معروف عن
عبدالواحد عن عروة، وإنما قال ابن حجر ما قال بناء على رواية الطبراني له من
متابعة أبو حرزة يعقوب بن مجاهد المدني له عن عروة، ولهذا قال عن إسناده هذا
الحافظ ابن رجب إنه: إسناد جيد ورجاله كلهم ثقات.
ولكن ابن رجب بحسّه
النقدي لم يرتح لهذا، فقال: "ولعل الراوي قال: حدثنا أبو حمزة يعني عبدالواحد
بن ميمون فخُيِّل للسامع أنه قال: أبو حزرة، ثم سماه من عنده بناء على وهمه".
قلت: وهذا هو الصواب إن
شاء الله، ولا بدّ أن يكون هناك وهم في رواية الطبراني هذه؛ لأن الحديث معروف
ومشهور عن عبدالواحد عن عروة، ولا يُعرف من حديث أبي حرزة، وابن رجب عزا هذا الوهم
إلى السامع، وكأن الخلل في النسخ، فكان في بعض كتب رواته: "أبو حمزة" فتحرف
إلى "أبو حزرة" فسماه بعضهم فقال: "أبو حزرة يعقوب بن مجاهد"،
وهذا يحدث كثيراً لأصحاب النسخ في العصور المتأخرة؛ لأن الرواية قد قلَّت، وكان
الاعتماد على النسخ، وكان يتخلل هذه النسخ أخطاء كثيرة.
وعلى كل حال، فرواية
الطبراني هذه غريبة جداً! وفيها علتان:
الأولى: تفرد إبراهيم بن
سويد بن حيان، قال فيه ابن حبان في «الثقات» (6/12): "ربما أتى
بمناكير".
وأخرج له البخاري حديثاً
واحداً في الحج عن سعيد بن أبي مريم عنه عن عمرو بن أبي عمرو.
ولهذا قال ابن حجر في
«مقدمة الفتح»: "تكلم فيه ابن حبان بلا حجّة".
قلت: الحجة واضحة في
مناكيره، ويؤيده أن البخاري روى له حديثاً واحداً فقط مما توبع عليه، تابعه سليمان
وإنما خرجه البخاري له؛ لأنه قد توبع عليه، تابعه سليمان بن بلال عند الإسماعيلي
والبيهقي، وفيه دلالة واضحة على أنه ليس بذاك.
والعجب من ابن حجر يعترض
على ابن حبان وهو نفسه يقول عنه في «التقريب»: "ثقة يُغرب"!
فهذه الغرابة هي مما
يأتي به من المناكير التي تكلّم عنها ابن حبّان. وابن حجر معذور في كلامه في مقدمة
الفتح؛ لأنه في هذا الكتاب هو في مرحلة الدفاع عن رواة البخاري!!
الثانية: أبو حزرة (ت
150هـ) لم يُعرف له سماع من عروة بن الزبير.
قال العلائي في «جامع
التحصيل»: "يعقوب بن مجاهد أبو حزرة المدني القاص عن عروة عن عائشة - رضي
الله عنها - حديث أُم مِلدم. قال عبدالعزيز النخشبي: لا يعرف له سماع من
عروة".
قلت: النخشبي هو الحافظ
الإمام المفيد الرّحال عبدالعزيز بن محمد بن محمد بن عاصم، صاحب جعفر بن محمد
المستغفري، أوحد زمانه في الحفظ والاتقان (ت 457هـ).
وأبو حزرة هذا لم يخرّج
له البخاري في الصحيح كما أوهم كلام الحافظ ابن رجب السابق، وإنما خرّج له في
الأدب المفرد.
فائدة
شيخ الطبراني هو: أبو
موسى هارون بن كامل بن يزيد القرشي المصري، سمع من أبي صالح كاتب الليث وغيره،
حدّث عنه الطبراني والطحاوي وغيرهما، وكأنه من أصحاب النسخ التي كان يُرحل إليهم
فيها، وأمثال هؤلاء من أهل الصدق إن شاء الله تعالى.
وأما رواية عبدالواحد
فهي منكرة. وهي الرواية الوحيدة التي ذكرها ابن عدي في ترجمته من «الكامل»، ونقل فيه
قول البخاري: "منكر الحديث"، ثم قال: "وغير ذلك أحاديث عن عروة عن
عائشة ينفرد بها عن عروة".
قال عمر بن شبة: حدثنا
أبو عامر العقدي، قال: حدثنا عبدالواحد مولى عروة. قال –أي ابن شبة-: قلت لأبي عامر: كيف كان هذا الشيخ؟ فقال: "تَعرف
وتُنكِر".
وذكره ابن حبان في
«المجروحين» (2/155) وقال: "يروي الموضوعات عن الأثبات، يحدِّث عن عروة بن
الزبير بما ليس من حديثه فبطل الاحتجاج بروايته".
وقال البرقاني عن
الدارقطني: "متروك صاحب مناكير".
وقال النسائي في الكنى:
"ليس بثقة".
وقال أبو أحمد الحاكم:
"أبو حمزة عبدالواحد بن ميمون المدني مولى عروة، ويُقال: عبدالواحد بن حمزة
عن عروة بن الزبير، ليس بالقوي عندهم".
وقال عثمان الدارمي عن
ابن معين: "ليس بذاك".
وذكره العقيلي وابن
الجارود في الضعفاء.
وقد ترجم له ابن عساكر
في «تاريخه» (37/276) لأنه قَدِمَ دمشق مع عروة بن الزبير في القدمة التي قطعت
فيها رجله، ونقل فيه أقوال هؤلاء الأئمة.
قلت: فهو متروك الحديث،
فكيف يكون حديثه شاهداً لغيره، وأظن أن هذا الحديث المكذوب على عروة أصله المرسل
الذي في كتب الأقدمين من الإسرائيليات، فيُحتمل أن الوهم الذي حصل لخالد بن مخلد
إنما جاء بسبب هذا الإسناد، والله أعلم.
فالذي عندي أن هذا
الحديث تفرد به عبدالواحد ولم يتابعه عليه يعقوب بن مجاهد، ولهذا قال ابن حبان لما
خرّج حديث خالد بن مخلد في «صحيحه»: "لا يُعرف لهذا الحديث إلا طريقان اثنان:
هشام الكناني عن أنس، وعبدالواحد بن ميمون عن عروة عن عائشة، وكلا الطريقين لا
يصح، وإنما الصحيح ما ذكرناه"، أي حديث خالد بن مخلد!!
كلام
الهيثمي في حديث عائشة ووهمه في ذلك!
قال الهيثمي في «مجمع
الزوائد» (10/269): "رواه البزار واللفظ له وأحمد والطبراني في الأوسط، وفيه:
عبدالواحد بن قيس، وقد وثقه غير واحد، وضعفه غيرهم، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح،
ورجال الطبراني في الأوسط رجال الصحيح غير شيخه هارون بن كامل".
قلت: وهم الهيثمي في
هذا، فإن صاحب الحديث هو: "عبدالواحد بن ميمون" لا "عبدالواحد بن
قيس"!! وقد ضعّفه أهل العلم، وهو متروك الحديث كما تقدم.
وأما عبدالواحد بن قيس
فهو شامي أيضاً وهو مولى لعروة كذلك، وكناه بعضهم "أبا حمزة"، فتشابه مع
عبدالواحد بن ميمون.
وجلّ العلماء على أنه
ضعيف، بل قال بعضهم: "منكر الحديث"، وقد روي توثيقه عن ابن معين، ثم روي
عنه أنه ضعفه، وكان يحدِّث بعجائب. ووثقه العجلي!
وقال ابن حبان في
«الثقات» (7/123): "عبدالواحد بن قيس الشامي، يروي عن عروة بن الزبير، روى
عنه الأوزاعي وثور بن يزيد، وهو الذي يروي عن أبي هريرة ولم يره، ولا يعتبر
بمقاطيعه ولا بمراسيله ولا برواية الضعفاء عنه".
ثم ذكر في «المجروحين»
(2/153) وقال: "عبدالواحد بن قيس، شيخ يروي عن نافع، روى عنه الأوزاعي والحسن
بن ذكوان، ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير، فلا يجوز الاحتجاج بما خالف الثقات،
فإن اعتبر معتبر بحديثه الذي لم يخالف الأثبات فيه فحسن".
قلت: فكأن ابن حبان يرى
أنهما اثنان!! وهما واحد.
وذكره ابن عدي في
«كامله» (5/297) ثم قال: "وقد حدث الأوزاعي عن عبدالواحد هذا بغير حديث،
وأرجو أنه لا بأس به؛ لأن في روايات الأوزاعي عنه استقامة".
وقد ذكر مسلم في «الكنى»
(1/243): "أبو حمزة عبدالواحد بن ميمون: سمع عروة بن الزبير، روى عنه طلحة بن
يحيى الأنصاري".
ثم ذكر: "أبو حمزة
عبدالواحد بن قيس مولى عروة بن الزبير".
تصحيح الشيخ
الألباني للحديث وكلامه في هذا الشاهد
ذكر الشيخ الألباني هذا
الحديث في «السلسلة الصحيحة» رقم (1640). ثم ذكر تخريجه، ثم قال: "قلت: وهذا
إسناد ضعيف، وهو من الأسانيد القليلة التي انتقدها العلماء على البخاري رحمه الله
تعالى، فقال الذهبي في ترجمة خالد بن مخلد هذا وهو القطواني بعد أن ذكر اختلاف
العلماء في توثيقه وتضعيفه وساق له أحاديث تفرد بها هذا منها: "فهذا حديث
غريب جداً، ولولا هيبة الجامع الصحيح (!) لعددته في منكرات خالد بن مخلد، وذلك
لغرابة لفظه....".
ثم ساق الشواهد وتكلم
عليها، ثم قال: "وخلاصة القول: إن أكثر هذه الشواهد لا تصلح لتقوية الحديث
بها، إما لشدة ضعف إسناده، وإما لاختصارها، اللهم إلا حديث عائشة، وحديث أنس
بطريقيه، فإنهما إذا ضما إلى إسناد حديث أبي هريرة اعتضد الحديث بمجموعها وارتقى
إلى درجة الصحيح إن شاء الله تعالى، وقد صححه من سبق ذكره من العلماء".
وساق الشيخ الألباني
كلام الحافظ ابن حجر في «الفتح» وما ذكره من شواهد للحديث، ثم قال: "وقد أطال
النفس فيه، وحق له ذلك، فإنّ حديثاً يخرجه الإمام البخاري في المسند الصحيح ليس من
السهل الطعن في صحته لمجرد ضعف في إسناده، لاحتمال أن يكون له شواهد تأخذ بعضده
وتقويه.. فهل هذا الحديث كذلك؟ لقد ساق الحافظ هذه الشواهد الثمان، وجزم
بأنه يدل مجموعها على أن له أصلاً. ولما كان من شروط الشواهد أن لا يشتد ضعفها
وإلا لم يتقو الحديث بها كما قرره العلماء في علم مصطلح الحديث، وكان من الواجب
أيضاً أن تكون شهادتها كاملة، وإلا كانت قاصرة، لذلك كله كان لا بد لي من إمعان
النظر في هذه الشواهد أو ما أمكن منها من الناحيتين اللتين أشرت إليهما: قوة
الشهادة وكمالها أو العكس، وتحرير القول في ذلك، فأقول:
ذكر الحافظ لحديث عائشة
طريقين أشار إلى أن أحدهما ضعيف جداً؛ لأن من قال فيه البخاري: منكر الحديث. فهو
عنده في أدنى درجات الضعف. كما هو معلوم، وسكت عن الطريق الأخرى فوجب بيان حالها،
ونص متنها، فأقول: أخرجه الطبراني في «الأوسط» (15/16 - زوائده): حدثنا هارون بن
كامل: حدثنا سعيد بن أبي مريم: حدثنا إبراهيم بن سويد المدني: حدثني أبو حزرة
يعقوب بن مجاهد: أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: فذكره بتمامه مثله، إلا أنه قال: "إن دعاني أجبته "بدل" إن
استعاذني لأعيذنه "، وقال: "لم يروه عن أبي حزرة إلا إبراهيم. ولا عن
عروة إلا أبو حزرة وعبدالواحد بن ميمون".
قلت: وهذا إسناد رجاله
كلهم ثقات معروفون مترجمون في "التهذيب" غير هارون بن كامل وهو المصري
كما في "معجم الطبراني الصغير" ص (232) ولم أجد له ترجمة، فلولاه لكان
الإسناد جيداً. لكن الظاهر من كلام الطبراني السابق أنه لم يتفرد به. فإن ذكر
التفرد لإبراهيم شيخ شيخه. والحديث أورده الهيثمي (10/269) بطرفه الأول ثم قال:
"رواه البزار واللفظ له وأحمد والطبراني في "الأوسط" وفيه
عبدالواحد بن قيس وقد وثقه غير واحد. وضعفه غيرهم. وبقية رجال أحمد رجال الصحيح.
ورجال الطبراني في "الأوسط" رجال "الصحيح" غير شيخه هارون بن
كامل"!
قلت: يعقوب بن مجاهد
وإبراهيم بن سويد ليسا من رجال "الصحيح" وإنما أخرج لهما البخاري في
"الأدب المفرد". ثم إن قوله: " وفيه عبدالواحد بن قيس" يخالف
قول الحافظ المتقدم أنه عبدالواحد بن ميمون. ولا أدري هل منشؤه من اختلاف الاجتهاد
في تحديد المراد من عبدالواحد الذي لم ينسب فيما وقفت عليه من المصادر، أم أنه وقع
منسوباً عند البزار؟ فقد رأيت الحديث في "المسند" (6/256)
و"الحلية" (1/5) و"الزهد" للبيهقي (83/2) من طرق عن عبدالواحد
مولى عروة عن عروة به. ثم تبين لي أن الاختلاف سببه اختلاف الاجتهاد. وذلك لأن
كلاً من عبدالواحد بن ميمون، وعبد الواحد بن قيس روى عن عروة. فمال كل من الحافظين
إلى ما مال إليه. لكن الراجح ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر لأن الذين رووه عن
عبدالواحد لم يذكروا في الرواة عن ابن قيس وإنما عن ابن ميمون. وفي ترجمته ذكر ابن
عدي (305/1) هذا الحديث وكذلك صنع الذهبي في "الميزان" والحافظ في
"اللسان"، فقول الهيثمي إنه قيس مردود، ولو كان هو صاحب هذا الحديث لكان
شاهداً لا بأس به. فإنه أحسن حالاً من ابن ميمون. فقد قال الحافظ فيه: "صدوق
له أوهام ومراسيل". وأما الأول فمتروك. ثم رأيت ما يشهد لما رجحته. فقد أخرجه
أبو نعيم في "الأربعين الصوفية" (ق60/1) وأبو سعيد النيسابوري في
"الأربعين" (ق52/1-2) وقال: "حديث غريب... وقد صح معنى هذا الحديث
من حديث عطاء عن أبي هريرة"، وابن النجار في "الذيل" (10/183/2) عن
عبدالواحد بن ميمون عن عروة به فنسبه إلى ميمون. وجملة القول في حديث عائشة هذا
أنه لا بأس به في الشواهد من الطريق الأخرى إن لم يكن لذاته حسناً" انتهى
كلامه.
قلت: طريقة الشيخ الألباني معروفة في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات الواهية! وكذلك قول ابن حجر
بأن لهذا الحديث أصل من خلال الشواهد - وإن
كانت ضعيفة-!
وقد سلّم الشيخ للرواية
التي عند الطبراني: "إبراهيم بن سويد المدني، قال: حدثني أبو حَزْرة يعقوب بن
مجاهد"! وقد تبيّن لنا أنه حصل فيها "تصحيف سمعي" كما أشار الحافظ
ابن رجب، أو تصحيف في النسخة! تحرف "أبو حمزة" إلى "أبو
حزرة"! فهي ترجع إلى رواية عبدالواحد بن ميمون، وهو متروك. وقد بينا أن الذي
وهم فيه هو إبراهيم بن سويد.
وأما قول الشيخ في تعقبه
للهيثمي: "قلت: يعقوب بن مجاهد وإبراهيم بن سويد ليسا من رجال
"الصحيح" وإنما أخرج لهما البخاري في "الأدب المفرد"!! فلا
يصح؛ لأن البخاري قد أخرج لإبراهيم حديثاً واحداً كما سبق بيانه.
وأما خطأ الهيثمي فلعله
ناتج عن الاشتباه الحاصل في أن كليهما مولى لعروة بن الزبير وكنيتهما واحدة.
وقد ذكرهما الإمام مسلم
في الكنى، فقال: "أبو حمزة عبدالواحد بن ميمون، سمع عروة بن الزبير، روى عنه
طلحة بن يحيى الأنصاري".
ثم قال: "أبو حمزة
عبدالواحد بن قيس مولى عروة بن الزبير".
وكلاهما ضعيف لا يحتج
بحديثه. ومن منكرات عبدالواحد بن ميمون ما رواه عن عروة عن عائشة: أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: «الغسل يوم الجمعة على من شهد الجمعة».
قال العقيلي: "لا
يحفظ هذا اللفظ إلا في هذا الحديث، وفي غسل الجمعة أحاديث ثابتة صحاح بألفاظ
مختلفة".
ومن مناكير عبدالواحد بن
قيس وعجائبه ما رواه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون
في رمضان هدة توقظ النائم وتقعد القائم وتخرج العواتق من خدورها، وفي شوال همهمة،
وفي ذي القعدة تميز القبائل بعضها من بعض، وفي ذي الحجة تراق الدماء، وفى المحرم
أمر عظيم، وهو عند انقطاع ملك هؤلاء! قالوا: يا رسول الله، من هم؟ قال: الذين
يأبون في ذلك الزمان».
قال العقيلي: "ليس
لهذا الحديث أصل من حديث ثقة ولا من وجه يثبت".
الشاهد
الثاني: عن أنس بن مالك
قال ابنُ أبي الدُّنيا
في كتاب «الأولياء» (ص9): حدَّثنا الهيثم بن خارجه والحكم بن موسى، قالا: أخبرنا
الحسن بن يحيى الخُشَني، عن صدقة الدمشقي، عن هشام الكِنانيّ، عن أنس بن مالك، عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: من أهان لي ولياً فقد بارزني
بالمحاربة، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ما ترددت في قبض نفس عبدي المؤمن؛ لأنه
يكره الموت وأنا اكره مساءته، ولا بد له منه، وإن من عبادي المؤمنين من يريد باباً
من العبادة فاكفه عنه لا يدخله عجب فيفسد لذلك، وما يتقرب إليّ عبدي المؤمن بمثل
أداء ما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتنفل لي حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعاً
وبصراً ويداً ومؤيداً، دعاني فأجبته، وسألني فأعطيته، ونصح لي فنصحت له، وإن من
عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الفقر ولو بسطت له لأفسده ذلك، وإن من عبادي
المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك، وإن من عبادي
المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك، إني أدبر أمر عبادي
بعلمي إني بقلوبهم عليم خبير».
ورواه أبو نُعيم في
«حلية الأولياء» (8/318) من طريق أحمد بن يحيى الحلواني وأحمد بن محمد بن يزيد
البرائي قالا: حدثنا الحكم بن موسى، عن الحسن بن يحيى، عن صدقة بن عبدالله
الدمشقي، عن هشام، به.
قلت: جاء في إسناد أبي
نعيم: "عن عبدالملك بن يحيى الحسني عن صدقة الدمشقي" مع أنه ذكر هذا
الحديث في ترجمة "الحسن بن يحيى الخشني"!! وقد سقطت أداة الكنية
"أبو" من الإسناد، فهو أبو عبدالملك بن يحيى. وقد تحرفت الترجمة في
المطبوع إلى: "الحسين بن يحيى الحسني"!!
قال أبو نعيم:
"غريب من حديث أنس! لم يروه عنه بهذا السياق إلا هشام الكتاني، وعنه صدقة بن
عبدالله أبو معاوية الدمشقي، تفرد به الحسن بن يحيى الخشني".
قلت: لم يتفرد به، بل
تابعه هشام بن عمار.
رواه القُضاعي في «مسند
الشهاب» (2/327) من طريق هشام بن عمار قال: حدثنا صدقة عن هشام الكناني، به.
ورواه ابن عساكر في
«تاريخه» (7/95) في ترجمة "إبراهيم بن أبي كريمة الصيداوي" من طريق أبي
القاسم يزيد بن محمد بن عبدالصمد الدمشقي - وهو
ثقة -، عن سلامة بن بشر العذري الدمشقي، قال: حدثنا صدقة، عن إبراهيم بن أبي
كريمة، عن هشام الكناني عن أنس بن مالك، به.
قال ابن عساكر:
"رواه الحسن بن يحيى الخشني البلاطي عن صدقة عن هشام، ولم يذكر فيه إبراهيم
بن أبي كريمة".
قلت: سلامة بن بشر صدوق
له غرائب، وهذا من غرائبه، فالحديث رواه الحسن بن يحيى الخشني وهشام بن عمار
كلاهما عن صدقة، ولم يذكرا فيه: "إبراهيم بن أبي كريمة"!
فيُحتمل أن هذا زيادة
منه، ويحتمل أنها من صدقة، فالله أعلم.
ثم ساقه ابن عساكر من
طريق إبراهيم بن عبدالله - هو ابن أيوب المخرمي - قال:
حدثنا الحكم بن موسى، قال: حدثنا عبدالملك بن صدقة الدمشقي، عن أبيه، عن هشام
الكناني، عن أنس بن مالك".
ثم قال: "رواه أبو
عبدالله أحمد بن الحسن بن عبدالجبار عن الحكم بن موسى عن أبي عبدالملك الحسن بن
يحيى بن الحسين عن صدقة، فيُحتمل أنه كان عند عبدالحكم عنهما جميعاً، والأظهر أنه
خطأ، والله أعلم؛ فإنا لم نجده إلا من هذا الوجه".
قلت: هذا الإسناد خطأ!!
فالحديث معروف عن الحكم بن موسى قال: حدثنا أبو عبدالملك عن صدقة الدمشقي، فكأنه
حصل خلط في نسخة إبراهيم بن عبدالله، وسقطت أداة الكنية، فصار الإسناد:
"عبدالملك بن صدقة الدمشقي عن أبيه"!! وهو تحريف لا شك فيه.
وقد ذكر ابن حجر هذا
الشاهد في أثناء الشرح في «الفتح» وقال: "وعن أنس أخرجه أبو يعلى والبزار
والطبراني، وفي سنده ضعف أيضاً".
قال ابن رجب:
"والخشني وصدقة ضعيفان، وهشام لا يُعرف، وسئل ابن معين عن هشام هذا، من هو؟
قال: لا أحد، يعني لا يُعتبر به. وقد خرّج البزار بعض الحديث من طريق صدقة عن
عبدالكريم الجزري عن أنس".
وأورده ابن الجوزي في
«العلل المتناهية» (1/45) وقال: "الخشني قال يحيى بن معين: ليس بشيء، قال
الدارقطني: متروك، وصدقة مجروح".
قلت: الخشني وثقه دُحيم
وغيره، ولم يتفرد بالحديث، وقد توبع عليه عن صدقة، فالعهدة فيه على صدقة بن
عبدالله السمين (ت166هـ)، وهو منكر الحديث.
وله طريق
أخرى عن صدقة:
رواه الطبراني في
«المعجم الأوسط» (1/192) قال: حدثنا أحمد بن عليّ الأبَّار، قال: حدثنا عمر بن
سعيد أبو حفص الدمشقي، قال: حدثنا صدقة بن عبدالله أبو معاوية، قال: أخبرني
عبدالكريم الجزري، عن أنس بن مالك، عن النبي، عن جبريل، عن الله تعالى: «من أهان
لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة».
قال الطبراني: "لم
يرو هذا الحديث عن عبدالكريم إلا صدقة، تفرد به عمر".
قال الهيثمي: "رواه
الطبراني في الأوسط، وفيه عمر بن سعيد أبو حفص الدمشقي وهو ضعيف".
قلت: عمر بن سعيد هالك،
وكذلك صدقة.
قلت: والخلاصة أن حديث
صدقة الشامي عن أنس، وحديث عبدالواحد بن ميمون المدني مولى عروة بن الزبير الذي
نزل الشام عن عائشة، يُشبه أن يكون عبدالواحد أخذه من أهل الشام أو هو الذي نقله
إليهم، والله أعلم.
قول الشيخ
الألباني في هذا الشاهد
قال الشيخ: "وأما
حديث أنس فلم يعزه الهيثمي إلا للطبراني في "الأوسط" مختصراً جداً بلفظ:
"... من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة". وقال: "وفيه عمر بن
سعيد أبو حفص الدمشقي وهو ضعيف". وقد وجدته من طريق أخرى أتم منه، يرويه
الحسن بن يحيى قال: حدثنا صدقة بن عبدالله عن هشام الكناني عن أنس به نحو حديث
الترجمة، وزاد: "وإن من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة، فأكفه عنه
لئلا يدخله عجب فيفسده ذلك. وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا
الفقر..." الحديث. أخرجه محمد بن سليمان الربعي في "جزء من حديثه"
(ق216/2) والبيهقي في "الأسماء والصفات" (ص121). قلت: وإسناده ضعيف،
مسلسل بالعلل: الأولى: هشام الكناني لم أعرفه، وقد ذكره ابن حبان في كلامه الذي
سبق نقله عنه بواسطة الحافظ ابن حجر، فالمفروض أن يورده ابن حبان في "ثقات
التابعين" ولكنه لم يفعل، وإنما ذكر فيهم هشام بن زيد بن أنس البصري يروي عن
أنس، وهو من رجال الشيخين، فلعله هو. الثانية: صدقة بن عبدالله، وهو أبو معاوية
السمين: ضعيف. الثالثة: الحسن بن يحيى وهو الخشني، وهو صدوق كثير الغلط كما في
"التقريب" انتهى.
قلت: قد بينت أن العلة
من صدقة، وهشام مجهول، ويبعد أن يكون هشام بن زيد بن أنس الذي يروي عن أنس!! وهذا
غريب من الشيخ! كيف يخطر بباله هذا! لأن هذه الرواية عن أنس غير ثابتة، وهي منكرة،
وهشام الكناني هذا مجهول لا يُعرف.
فكيف بعد كل هذا يصلح
هذا الإسناد لأن يكون شاهداً يقوي غيره من الأسانيد المتآكلة!!
وقول الشيخ الألباني:
"هشام الكناني لم أعرفه، وقد ذكره ابن حبان في كلامه الذي سبق نقله عنه
بواسطة الحافظ ابن حجر، فالمفروض أن يورده ابن حبان في "ثقات التابعين"
ولكنه لم يفعل"!
قلت: هذا القول لابن
حبان موجود في «صحيحه» (2/59) قاله بعد أن اخرج حديث خالد بن مخلد.
قال: "لا يعرف لهذا
الحديث إلا طريقان اثنان: هشام الكناني عن أنس، وعبدالواحد بن ميمون عن عروة عن
عائشة، وكلا الطريقين لا يصح، وإنما الصحيح ما ذكرناه".
ولهذا تعقبه ابن حجر بأن
له طرق غير الطريقين اللذين ذكرهما ابن حبان.
وأما قول الشيخ بأن
المفروض أن يورده ابن حبان في ثقات التابعين فعجيب منه! فابن حبان قد حكم على
حديثه بأنه لا يصح، وهو لا يُعرف إلا في هذا الحديث، فكيف يورده في الثقات!
الشاهد
الثالث: عن أبي أمامة
قال الطبراني في «المعجم
الكبير» (8/221): حدثنا جعفر بن محمد الفريابي، قال: حدثنا هشام بن عمار، قال:
حدثنا صدقة بن خالد، قال: حدثنا عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن يزيد، عن القاسم،
عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عزّ وجل يقول: من أهان
لي ولياً فقد بارزني بالعداوة، ابن آدم لن تدرك ما عندي إلا بأداء ما افترضت عليك،
ولا يزال عبدي يتحبب إليَّ بالنوافل حتى أحبه فأكون قلبه الذي يعقل به، ولسانه
الذي ينطق به، وبصره الذي يبصر به، فإذا دعاني أجبته، وإذا سألني أعطيته، وإذا
استنصرني نصرته، وأحبّ عبادة عبدي إلي النصيحة».
ورواه أيضاً (8/206) عن
يحيى بن أيوب عن سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب عن عُبيدالله بن زحر عن علي بن
يزيد، نحوه.
ورواه البيهقي في كتاب
«الزهد الكبير» (2/273) من طريق عثمان بن سعيد الدارمي عن سعيد بن أبي مريم، به.
قال ابن أبي حاتم في
«علل الحديث» (2/126): سألت أبي عن حديث رواه هشام - يعني ابن عمار - عن صدقة بن
خالد قال: حدثنا عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: إن الله عز وجل يقول: من أهان لي ولياً
فقد بارزني...؟
قال أبي: "هذا
حديثٌ منكرٌ جداً".
قال ابن رجب:
"وعثمان وعلي بن يزيد ضعيفان. قال أبو حاتم الرازي في هذا الحديث: هو منكرٌ
جداً".
وذكره ابن حجر من
الشواهد لحديث البخاري، وقال: "ومنها عن أبي أمامة، أخرجه الطبراني والبيهقي
في الزهد بسند ضعيف".
قال البخاري: "علي
بن يزيد أبو عبدالملك الألهاني عن القاسم، شامي، منكر الحديث".
وقال النسائي: "ليس
بثقة".
وقال ابن حبان في ابن
زحر: "يروي الموضوعات عن الأثبات، وإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات،
وإذا اجتمع في إسناد خبر عبيدالله وعلي بن يزيد والقاسم أبو عبدالرحمن لم يكن ذلك
الخبر إلا مما عملته أيديهم".
قال ابن حجر معقباً على
كلام ابن حبان: "وليس في الثلاثة من اتهم إلا علي بن يزيد، وأما الآخران فهما
في الأصل صدوقان وإن كانا يخطئان، ولم يخرج البخاري من رواية ابن زحر عن علي بن
يزيد شيئاً".
قلت: علي بن يزيد
الألهاني الدمشقي منكر الحديث متروك، روى عن القاسم بن عبدالرحمن صاحب أبي إمامة
نسخة كبيرة كلها ضعيفة مناكير. وذكره البخاري في الأوسط فيمن مات في العشر الثاني
بعد المائة.
قلت: قد ذكرت سابقاً أنه
ربما كان هذا الحديث أصل وضعه في الشام وهذا الإسناد الموضوع أيضاً شامي!!
قول الشيخ
الألباني في هذا الشاهد
قال: "ثم ذكر - أي ابن حجر- حديث أبي أمامة وضعفه، وهو عند
البيهقي من طريق ابن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عنه. وكذلك رواه السلمي في
"الأربعين الصوفية" (9/1). وهذا الإسناد يضعفه ابن حبان جداً، ويقول في
مثله إنه من وضع أحد هؤلاء الثلاثة الذين دون أبي أمامة. لكن أخرجه أبو نعيم في
"الطب" (ق11/1- نسخة الشيخ السفرجلاني) من طريق عثمان بن أبي العاتكة عن
علي بن يزيد، به نحوه. وعثمان هذا قال الحافظ في "التقريب": "ضعفوه
في روايته عن علي بن يزيد الألهاني".
قلت: البيهقي عنده من
الوجهين: من حديث ابن زحر ومن حديث عثمان. وحديث السلمي في «الأربعين» في
"باب استجلاب محبة الله تعالى بالمداومة على خدمته"، قال: أخبرنا أحمد
بن محمد بن عبدوس الطرائفي: حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي: حدثنا سعيد بن أبي مريم:
حدثنا يحيى بن أيوب: أخبرنا ابن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة -
رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تبارك وتعالى:
ما زال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فأكون سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي
يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، وقلبه الذي يعقل به، فإذا دعاني أجبته وإذا سألني
أعطيته».
وظاهر تصرف الشيخ
الألباني أن رواية عثمان تؤيد رواية ابن زحر، ولكنه نقل عن ابن حجر أن العلماء
ضعفوا رواية عثمان عن علي بن يزيد!
قلت: هو صالح في نفسه،
وكان قاصّ أهل دمشق ومقرئهم ومعلمهم، ولكنه ضعيف في الحديث، فما رواه عن علي بن
يزيد منكر؛ لأن علياً متروك الحديث. وما يرويه عن غيره فيكتب ويعتبر به؛ ولكن
غالبه يقع له الوهم فيه.
ومن أوهامه ما ذكره ابن
حجر في «اللسان» (6/57) قال: "معاوية بن حاتم الطائي عن عبدالرحمن بن غنم،
وعنه عثمان بن أبي العاتكة. لا يُعرف ولا وجود له، وإنما هو من خطأ عثمان! فقد
رواه ابن وهب عن معاوية وصالح بن حاتم بن حرب عن عبدالرحمن بن غنم، فسقط «صالح» من
إسناده، ومعاوية بن حاتم لا وجود له".
والخلاصة أن هذا الشاهد
تفرد به علي بن يزيد وهو منكر الحديث جداً! فكيف تقوي روايته رواية غيره من الهلكى
والمتروكين؟!!
الشاهد
الرابع: عن ميمونة
قال أبو يَعلى في
«مسنده» (12/520) حدثنا العباس بن الوليد، قال: حدثنا يوسف بن خالد، عن عمر بن
إسحاق بن يسار: أنه سمع عطاء بن يسار يُحدِّث عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه
وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله عز وجل: من أذى لي ولياً فقد
استحق محاربتي، وما تقرب إليّ عبد بمثل أداء فرائضي، وإنه ليتقرب إليّ بالنوافل
حتى أحبه فإذا أحببته كنت رجله التي يمشي بها، ويده التي يبطش بها، ولسانه الذي
ينطق به، وقلبه الذي يعقل به، إن سألني أعطيته، وإن دعاني أجبته، وما ترددت عن شيء
أنا فاعله كترددي عن موته وذاك أنه يكرهه وأنا أكره مساءته».
قال الهيثمي في «المجمع»
(10/270): "رواه أبو يعلى وفيه يوسف بن خالد السمتي وهو كذاب".
قلت: يوسف بن خالد أبو
خالد السمتي البصري، مات سنة (189هـ)، وقد اتفق أهل بلده على تكذيبه، وقد ترك
الناس حديثه.
الشاهد
الخامس: عن عُمر
قال القُضاعي في «مسند
الشهاب» (2/326): أخبرنا أبو القاسم عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن طه - بدمشق - قال: أخبرنا محمد بن جعفر بن السقاء، قال: حدثنا
الفضل بن العباس، قال: حدثنا يحيى بن عبدالحميد - هو الحماني-، قال: حدثنا صفوان بن أبي الصهباء، عن
بكير بن عتيق، عن سالم، عن ابن عمر، عن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: «يقول الله عز وجل: من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، وما رددت في شيء
أنا فاعله ما رددت في قبض نفس عبدي المؤمن».
قلت: وهذا الحديث ذكره
القضاعي تحت باب (من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين) وهو حديث
يرويه أيضاً صفوان بن أبي الصهباء الكوفي عن بُكير بهذا الإسناد!! وقد تفرد به عن
بكير بن عتيق!
وهذا الحديث أيضاً تفرد
به صفوان عن بكير!
وصفوان هذا ذكره ابن
حبان أولاً في «الثقات» (8/321) فقال: "صفوان بن أبي الصهباء التيمي، يروي عن
بكير بن عتيق، روى عنه أبو نعيم ضرار بن صرد".
ثم أعاده في «المجروحين»
(1/376) فقال: "صفوان بن أبي الصهباء: شيخ يروي عن بكير بن عتيق، روى عنه
عثمان بن زفر. منكر الحديث، يروي عن الأثبات ما لا أصل له من حديث الثقات، لا يجوز
الاحتجاج به إلا فيما وافق الثقات من الروايات. روى عن بكير بن عتيق عن سالم بن
عبدالله عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين)، روى عنه عثمان بن
زفر، هذا موضوع، ما رواه إلا هذا الشيخ بهذا الإسناد، وعطية عن ابن سعيد".
قلت: وعادة ابن حبان أنه
يذكر بعض الرواة في الثقات لم يكن قد وقف على جرح فيه أو لم يقف على بعض حديثه،
فلما أن وقف على حديثه ورأى أنه منكر، أعاده في الضعفاء.
وكان المِزيّ قد ذكر في
ترجمته: "ذكره ابن حبان في الثقات"، ولما كان المزي يذكر فقط الرواة
الذين ذكرهم ابن حبان في الثقات ولا يلتفت عادة إلى كتابه في الضعفاء استدرك عليه
مغلطاي في «الإكمال» (6/383) بأن ابن حبان ذكره في الضعفاء، وساق كلامه.
وفي كتاب ابن خلفون لما
ذكره في الثقات عن ابن حبان: "منكر الحديث جداً"، قال ابن خلفون:
"وأرجو أن يكون صدوقاً في الحديث".
وذكر ابن الأعرابي وغيره
عن عبّاس الدوري عن يحيى بن معين أنه قال: "صفوان بن أبي الصهباء: ثقة".
وذكره ابن شاهين في
الثقات.
وقال ابن عبدالبر بعد أن
ذكر حديث السائلين في «التمهيد» (6/46): "وصفوان بن أبي الصهباء وبكير بن
عتيق رجلان صالحان".
وقال ابن حجر في «الفتح»
(9/66): "صفوان بن أبي الصهباء: مختلف فيه".
وقال في «التقريب»
(ص277): "صفوان بن أبي الصهباء التيمي الكوفي، مقبول، من السابعة، اختلف فيه
قول ابن حبان".
قلت: هو رجل صالح، وكأنه
من هنا أُتي بهذه المناكير التي يرويها عن الأثبات الثقات الذين أشار إليهم ابن
حبان. وقد حذر أهل النقد من أمثال هؤلاء الصالحين الذين يروون هذه الأحاديث التي
تعبر عن أحوالهم من الصلاح والزهد، وهي في أصلها موضوعة فيرفعونها إلى النبي صلى
الله عليه وسلم.
ويبدو أن توثيق ابن معين
له من هذا الباب وهو أنه ثقة في نفسه، وأما في الحديث فهو كما قال ابن حبان:
"منكر الحديث"، وهذا الحديث وحديث السائلين قد تفرد بهما بالإسناد نفسه،
ولا يعرفان إلا من طريقه!!! وأين أصحاب سالم بن عمر عن هذه الأحاديث؟!
فحديثه لا يُحتج به؛
لأنه منكر.
الشاهد
السادس: عن ابن عبَّاس
قال الطبراني في «المعجم
الكبير» (12/145): حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بن كَثِيرٍ التَّمَّارُ، قال:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْجُنَيْدِ، قال: حَدَّثَنَا عِيَاضُ بن سَعِيدٍ
الثُّمَالِيُّ، عَنْ عِيسَى بن مُسْلِمٍ الْقُرَشِيِّ، عَنْ عَمْرِو بن
عَبْدِاللَّهِ بن هِنْدَ الْجَمَلِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ
عَادى لِي وَلِيًّا فَقَدْ نَاصَبَنِي بِالمُحَارَبَةِ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ
شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي عَنْ مَوْتِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ المَوْتَ
وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ، وَرُبَّمَا سَأَلَنِي وَلِيِّي الْمُؤْمِنُ الْغِنَي،
فَأَصْرِفُهُ مِنَ الْغِنَى إِلَى الْفَقْرِ، وَلَوْ صَرَفْتُهُ إِلَى الْغِنَى
لَكَانَ شَرًّا لَهُ، وَرُبَّمَا سَأَلَنِي وَلِيِّي الْمُؤْمِنُ الْفَقْرَ،
فَأَصْرِفُهُ إِلَى الْغِنَى، وَلَوْ صَرَفْتُهُ إِلَى الْفَقْرِ لَكَانَ شَرًّا
لَهُ. إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي وَعُلُوِّي
وَبَهَائِي وَجَمَالِي وَارْتِفَاعِ مَكَانِي لا يُؤْثِرُ عَبْدٌ هَوَايَ عَلَى
هَوَى نَفْسِهِ إِلا أَثْبَتُّ أَجَلَهُ عِنْدَ بَصَرِهِ، وَضَمِنَتِ السَّمَاءُ
وَالأَرْضُ رِزْقَهُ، وَكُنْتُ لَهُ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَةِ كُلِّ تَاجِرٍ».
قال الهيثمي في «المجمع»
(10/270): "رواه الطبراني، وفيه جماعة لم أعرفهم".
وضعف إسناده الحافظان
ابن رجب وابن حجر - رحمهما الله تعالى -.
قلت: هذا الحديث تفرد به
عيسى بن مسلم عن عمرو! ولا يعرف عمرو هذا في أصحاب ابن عباس!!
وعيسى بن مسلم ضعيف
الحديث لا يُحتج به.
قال ابن أبي حاتم في «الجرح
والتعديل» (6/288): "عيسى بن مسلم الطُّهَوي أبو داود، روى عن عبدالله بن
شريك العامري وعمرو بن عبدالله بن عمرو بن هند الجَملي، روى عنه: أبو غسان مالك بن
إسماعيل وإسماعيل بن أبان وعبيد بن إسحاق العطار.
سألت أبي عنه؟ فقال: ليس
بقوي، يكتب حديثه".
وسئل أبو زرعة عن عيسى
بن مسلم الطهوي؟ فقال: "كوفي ليِّن".
قلت: وقد روى ابن عساكر
في «تاريخه» (42/207) حديثاً عنه عن عمرو بن عبدالله وعبدالأعلى بن عامر الثعلبي
عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: "خطب الناس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في
الرحبة...".
ثم نقل عن الدارقطني قال:
"غريبٌ من حديث عبدالأعلى وعمرو بن عبدالله بن هند الجملي عن عبدالرحمن عن
علي! تفرد به أبو داود الطهوي عنهما".
وروى له ابن عساكر أيضاً
(47/454) عن عمرو بن عبدالله بن هند الجملي قال: سمعت ابن عباس يقول: "مر
عيسى بن مريم بخراب، فقال: يا خرب الخربين أين أهلك الأولون...".
قلت: ولكن آفة حديثه هذا
هو شيخ الطبراني "عبيد بن كثير التمار" وهو متروك الحديث.
والعجب من الهيثمي فإنه
ضعف بعض الأحاديث التي رواها عبيد بن كثير شيخ الطبراني هذا، وقال بأنه متروك
(مجمع الزوائد: 4/159) و(8/289)، وكان ينبغي له أن يضعف هذا الحديث به كذلك.
قال ابن حبان في
«المجروحين» (2/176): "عبيد بن كثير بن عبدالواحد بن كثير بن العباس التمار،
شيخ من أهل الكوفة، كنيته أبو سعيد، روى عن الحسن بن الفرات وعن ابنه زياد بن
الحسن عن أبان بن تغلب نسخة مقلوبة ليس يحفظ من حديث أبان، أُدخلت عليه فحدَّث
بها، ولم يرجع حيث بُيّن له فاستحق ترك الاحتجاج به".
وقال الأزدي والدارقطني:
"متروك الحديث".
وقد ذكر الحاكم في تفسير
الزخرف عنه عن يحيى بن محمد الدارمي، عن عبدالرزاق، عن ابن عيينة، عن محمد بن
سوقة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر مرفوعاً في قوله تعالى: {وأنه لعلم للساعة}:
((النجوم أمان لأهل السماء...)). قال الحاكم: "صحيح". قال الذهبي:
"قلت: أظنه موضوعاً، وعبيد متروك والآفة منه" (انظر: الكشف الحثيث:
ص179).
وقد رُوي هذا الحديث عن
ابن عباس موقوفاً.
رواية ابن
عبّاس لهذا الحديث موقوفاً
أخرج أبو نًعيم في
«حِلية الأولياء» (1/10) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ حَمْدَانَ،
قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي
سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ، قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ
وَرْقَاءَ - أَبُو نُعَيْمٍ: وَالصَّوَابُ وَفَاءُ بنُ إِيَاسٍ، عَنْ سَعِيدِ بنِ
جُبَيْرٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا
بَعَثَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ إِلَى
فِرْعَوْنَ قَالَ: «لَا يَغُرَّنَكُمَا لِبَاسُهُ الَّذِي أَلْبَسْتُهُ... وَاعْلَمْ
أَنَّهُ مَنْ أَخَافَ لِي وَلِيًّا، فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْعَدَاوَةِ، وَأَنا
الثَّائِرُ لِأَوْلِيَائِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
قال: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بنُ السَّرِيِّ، قال: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلُّوَيْهِ الْقَطَّانُ،
قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ عِيسَى، قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ بِشْرٍ،
عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى
عَنْهُمَا.
وَحَدَّثَنَا أَبِي،
قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ
عَسْكَرٍ، قال: حدثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ عَبْدِالْكَرِيمِ، قال: حدثنا
عَبْدُالصَّمَدِ بنُ مَعْقِلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ وَهْبَ بنَ مُنَبِّهٍ، يَقُولُ:
لَمَّا بَعَثَ اللهُ تَعَالَى مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ
إِلَى فِرْعَوْنَ قَالَ: «لَا يُعْجِبَنَّكُمَا زِينَتُهُ وَلَا مَا مُتِّعَ بِهِ،
وَلَا تَمُدَّا أَعْيُنَكُمَا إِلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهَا زَهْرَةُ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَزِينَةُ الْمُتْرَفِينَ، فَإِنِّي لَوْ شِئْتُ أَنْ أُزَيِّنَكُمَا
مِنَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ لِيَعْلَمَ فِرْعَوْنُ حِينَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا أَنَّ
مَقْدِرَتَهُ تَعْجِزُ عَنْ مِثْلِ مَا أُوتِيتُمَا لَفَعَلْتُ، وَلَكِنِّي
أَرْغَبُ بِكُمَا عَنْ ذَلِكَ وَأَزْوِيهِ عَنْكُمَا، وَكَذَلِكَ أَفْعَلُ
بِأَوْلِيَائِي، وَقَدِيمًا مَا خِرْتُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَإِنِّي لَأَذُودُهُمْ
عَنْ نَعِيمِهَا وَرَخَائِهَا كَمَا يَذُودُ الرَّاعِي الشَّفِيقُ غَنَمَهُ عَنْ
مَرَاتِعِ الْهَلَكَةِ، وَإِنِّي لَأُجَنِّبُهُمْ سَلْوَتَهَا وَعِيشَتَهَا كَمَا
يُجَنِّبُ الرَّاعِي الشَّفِيقُ إِبِلَهُ عَنْ مَبَارَكِ الْعُرَّةِ، وَمَا ذَلِكَ
لِهَوَانِهِمْ عَلَيَّ، وَلَكِنْ لِيَسْتَكْمِلُوا نَصِيبَهُمْ مِنْ كَرَامَتِي
سَالِمًا مَوْفُورًا، لَمْ تَكْلَمْهُ الدُّنْيَا وَلَمْ يُطْغِهِ الْهَوَى،
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَتَزَيَّنَ الْعِبَادُ بِزِينَةٍ أَبْلَغَ فِيمَا عِنْدِي
مِنَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّهَا زِينَةُ الْمُتَّقِينَ، عَلَيْهِمْ
مِنْهَا لِبَاسٌ يُعْرَفُونَ بِهِ مِنَ السَّكِينَةِ وَالْخُشُوعِ، سِيمَاهُمْ فِي
وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ، أُولَئِكَ هُمْ أَوْلِيَائِي حَقًّا حَقًّا،
فَإِذَا لَقِيتَهُمْ فَاخْفِضْ لَهُمْ جَنَاحَكَ، وَذَلِّلْ لَهُمْ قَلْبَكَ
وَلِسَانَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيًّا أَوْ أَخَافَهُ
فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ وَبَادَأَنِي، وَعَرَّضَ لِي نَفْسَهُ
وَدَعَانِي إِلَيْهَا، وَأَنَا أَسْرَعُ شَيْءٍ إِلَى نُصْرَةِ أَوْلِيَائِي،
أَفَيَظُنُّ الَّذِي يُحَارِبُنِي أَنْ يَقُومَ لِي؟ أَوْ يَظُنُّ الَّذِي
يُعَادِينِي أَنْ يُعْجِزَنِي؟ أَوْ يَظُنُّ الَّذِي يُبَارِزُنِي أَنْ
يَسْبِقَنِي أَوْ يَفُوتَنِي؟ فَكَيْفَ وَأَنَا الثَّائِرُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ؟ لَا أَكِلُ نُصْرَتَهُمْ إِلَى غَيْرِي».
قلت: وهذه أسانيد ضعيفة!
ظلمات بعضها فوق بعض!!!
أما الإسناد الأول ففيه:
وفاء بن إياس، وهو مجهول.
والثاني فيه: جويبر بن
سعيد البلخي المفسر صاحب الضحاك، تركوه.
قال ابن معين: "ليس
بشيء".
وقال الجوزجاني:
"لا يشتغل به".
وقال النسائي والدارقطني
وغيرهما: "متروك الحديث".
فيبقى هذا من قول وهب بن
منبه، وكان وهب مولع بكتب الإسرائيليات ويرسل أخاه هماماً ليشتري له هذه الكتب،
وقد فصّلت في مدرسته في الإسرائيليات في غير هذا الموضع.
الشاهد
السابع: عن حذيفة
قال أبو نُعيم في «حِلية
الأولياء» (6/116): حدثنا سليمان بن أحمد – هو الحافظ الطبراني – قال: حدثنا أبو الزِنْباع روح بن الفرج، قال:
حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زبريق، قال: حدثنا أبو اليمان، قال: حدثنا الأوزاعي،
قال: حدثني عبدة، قال: حدثني زِر بن حُبيش، قال: سمعت حذيفة يقول: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى أوحى إليّ: يا أخا المرسلين ويا أخا المنذرين،
أنذر قومك أن لا يدخلوا بيتاً من بيوتي ولأحد عندهم مظلمة؛ فإني ألعنه ما دام
قائماً بين يدي يصلي حتى يرد تلك الظلامة إلى أهلها، فأكون سمعه الذي يسمع به،
وأكون بصره الذي يبصر به، ويكون من أوليائي وأصفيائي، ويكون جاري مع النبيين
والصديقين والشهداء في الجنة».
قال أبو نُعيم:
"غريب من حديث الأوزاعي عن عبدة! ورواه علي بن معبد عن إسحاق بن أبي يحيى
الكعبي عن الأوزاعي مثله".
قلت: وحديث علي بن معبد
بن شداد الكعبي رواه ابن عساكر في «تاريخه» (65/44) من طريق يحيى بن موسى
الدمشقي، قال: حدثنا علي بن معبد، قال: حدثنا إسحاق بن أبي يحيى الكعبي، قال:
حدثنا الأوزاعي: حدثني عبدة بن أبي لُبابة قال: سمعت زر بن حبيش يقول: سمعت حذيفة
يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أوحى الله... الحديث.
قال ابن رجب: "وخرج
الطبراني من حديث الأوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة عن زر بن حبيش سمعت حذيفة... وهذا
إسنادٌ جيد، وهو غريب جداً".
وقال ابن حجر
في «الفتح» (11/342): "وعن حذيفة أخرجه الطبراني مختصراً، وسنده
حسن غريب".
قلت: بل هو منكر! تفرد
به إسحاق بن إبراهيم الحمصي المعروف أبوه بزبريق. وهو متكلّم فيه.
قال النسائي: "ليس
بثقة".
وقال أبو داود:
"ليس بشيء".
وكذّبه مُحدّث حمص محمد
بن عوف الطائي.
روى الآجري عن أبي داود:
أنّ محمد بن عوف قال: "ما أشك أن إسحاق بن زبريق يكذب".
وقال أبو حاتم:
"شيخ، لا بأس به، ولكنهم يحسدونه، سمعت يحيى بن معين أثنى عليه خيراً".
وذكره ابن حبان في
الثقات.
قلت: هو ضعيف لا يُحتج به،
وكان حدّث بمصر بأحاديث مناكير، وهذا منها، فإن روح بن الفرج مصري.
ولا نعرف لإسحاق بن
إبراهيم هذا رواية عن أبي اليمان الحكم بن نافع الحمصي البَهْراني!
ولا نعرف كذلك رواية
لأبي اليمان عن الأوزاعي!!
فهذا الإسناد منكرٌ
جداً.
وأما إسناد إسحاق بن أبي
يحيى الكعبي فهو منكر أيضاً.
قال ابن عدي
في «الكامل»: "إسحاق بن أبي يحيى الكعبي حدّث عن جماعة من الثقات
مناكير".
ثم ذكر له حديثين ثم
قال: "وهذان الحديثان بإسناديهما منكران، ليس يرويها إلا إسحاق هذا، ولم أرَ
لإسحاق بن أبي يحيى من الحديث إلا بمقدار عشرة أو أقل، ومقدار ما رأيته
مناكير".
وقال ابن حبان
في «المجروحين» (1/137): "إسحاق بن أبي يحيى الكعبي يروي عن ابن
جريج، روى عنه علي بن معبد. ينفرد عن الثقات ما ليس من حديث الأثبات، ويأتي عن
الأئمة المرضيين ما هو من حديث الضعفاء والكذّابين، لا يحل الاحتجاج به ولا
الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار".
وقال ابن حجر
في «الفتح» (2/88): "إسحاق بن أبي يحيى الكعبي وهو ضعيف عند
الدارقطني وابن عدي، وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه، ثم غفل فذكره في
الثقات".
قلت: نعم، ذكره
في «الثقات» (8/109): "إسحاق بن أبي يحيى الكعبي، يروي عن سفيان الثوري،
روى عنه علي بن سعيد بن شداد".
قلت: قد ذكر ابن حبان في
مقدمة الثقات أنه سيصنف كتابين: الأول في الثقات، والثاني في الضعفاء، وبدأ
بالثقات، فذكره للراوي في الثقات ثم ذكره في الثقات يدلّ على أنه لما ذكره في
الثقات لم يكن يعرف فيه جرح، فلما تبين له أنه مجروح أعاد ذكره في الضعفاء، فهذا
تخريج لما يذكره أحياناً هنا وهناك، وأحياناً يغفل – رحمه
الله – ويهم في بعض الرواة، فيورد الراوي في التابعين ثم يذكره في أتباع
التابعين، وقد يذكره مرة ثالثة ورابعة، وكلهم واحد، وقد يذكره مرتين في الثقات ثم
يذكره في الضعفاء!
حديث حذيفة
هذا لم يقف عليه الشيخ الألباني!
قال الشيخ - رحمه الله-: "وحديث حذيفة لم أقف على سنده أيضاً، ولم أره في
"مجمع الهيثمي" انتهى.
قلت: قد تقدم عند أبي
نعيم، والحمد لله.
الشاهد
الثامن: عن معاذ بن جبل
قال ابن ماجة في «سننه»،
باب من ترجى له السلامة من الفتن، (2/1320): حدثنا حرملة بن يحيى، قال: حدثنا
عبدالله بن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة، عن عيسى بن عبدالرحمن، عن زيد بن أسلم، عن
أبيه، عن عمر بن الخطاب: «أنه خرج يوماً إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فوجد معاذ بن جبل قاعداً عند قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم يبكي، فقال: ما
يُبكيك؟ قال: يبكيني شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: إن يسير الرياء شرك، وإن من عادى لله ولياً فقد بارز
الله بالمحاربة، إن الله يحبّ الأبرار الأتقياء الأخفياء الذين إذا غابوا لم
يفتقدوا، وإن حضروا لم يدعوا ولم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى يخرجون من كل غبراء
مظلمة».
ورواه الطبراني في
«المعجم الكبير» (20/153) عن يحيى بن أيوب العلاف المصري، عن سعيد بن أبي مريم، عن
نافع بن يزيد، عن عيّاش بن عباس، عن عيسى بن عبدالرحمن، به.
ورواه أبو نُعيم في
«الحلية» (1/5) عن الطبراني، به.
ورواه الحاكم في
«المستدرك» (1/44) من طريق الربيع بن سليمان، قال: حدثنا عبدالله بن وهب، قال:
أخبرني الليث بن سعد، عن عياش بن عباس القِتْباني، عن زيد بن أسلم عن أبيه. [كذا
في المطبوع! ليس فيه: عيسى بن عبدالرحمن! فلعله سقط من حديث الحاكم وعليه بنى حكمه
الآتي؛ لأنه لم يتعرض لذكر عيسى في حكمه!!]
قال الحاكم: "هذا
حديثٌ صحيحٌ ولم يخرج في الصحيحين، وقد احتجا جميعاً بزيد بن أسلم عن أبيه عن
الصحابة، واتفقا جميعاً على الاحتجاج بحديث الليث بن سعد عن عياش بن عباس
القتباني، وهذا إسناد مصري صحيح، ولا يحفظ له علة".
ورواه أيضاً (4/364) من
طريق عثمان بن سعيد الدارمي، قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم، قال: أنبأنا نافع بن
يزيد، قال: حدثني عياش بن عباس، عن عيسى بن عبدالرحمن، عن زيد بن أسلم، به.
قال الحاكم: "هذا
حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
وضعّف إسناده الحافظان
ابن رجب وابن حجر.
قلت: هذا إسناد منكر!!
تفرّد به عيسى بن عبدالرحمن بن فروة أبو عبادة الزرقي المدني.
قال البخاري: "منكر
الحديث".
قال أبو زرعة: "ليس
بالقوي".
وقال النسائي:
"متروك الحديث".
وقال أبو داود:
"شبه متروك".
وقال ابن حبان:
"يروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك".
وأين أصحاب زيد بن أسلم
الثقات عن هذا الحديث: مالك وابن جريج وابن عيينة والثوري وجرير بن حازم وغيرهم؟!
وقد ذكر أبو حاتم أنه
هذا الحديث باطل عندما سأله ابنه عبدالرحمن في «العلل» (2/142) عن حديث وهذا
الحديث من طريق عيسى بن عبدالرحمن بن فروة الزرقي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب،
عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أراد هوان أوليائي فقد بادأني
بالمحاربة، في كلام ذكره».
قال أبو حاتم: "هذه
الأحاديث لعيسى عن الزهري بواطيل".
ورُوي الحديث من طريق
آخر:
رواه الطبراني في
«المعجم الأوسط» (5/163) عن الفضل بن الحباب، قال: حدثنا شاذ بن الفياض، قال:
حدثنا أبو قَحْذَم النضر بن معبد، عن أبي قلابة، عن ابن عمر، قال: «مر عمر بمعاذ
بن جبل - رضي الله عنهما - وهو يبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقال: حديث سمعته من رسول
الله صلى الله عليه وسلم: إن أدنى الرياء شرك، وأحب العبيد إلى الله تبارك وتعالى
الأتقياء الأخفياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإذا شهدوا لم يعرفوا، أولئك أئمة
الهدى ومصابيح العلم».
قال الطبراني: "لم
يرو هذا الحديث عن أبي قلابة إلا أبو قحذم، واسمه النضر بن معبد الجرمي".
ورواه في «المعجم
الكبير» (20/36) عن علي بن عبدالعزيز وأبي خليفة الفضل بن الحباب قالا: حدثنا شاذ
بن الفياض، به، مختصراً.
ورواه الحاكم في
«المستدرك» (3/303) عن أبي بكر بن إسحاق، قال: أخبرنا علي بن عبدالعزيز، قال:
حدثنا شاذ بن الفياض، به.
قال الحاكم: "صحيح
الإسناد ولم يخرجاه".
ورواه القضاعي في «مسند
الشهاب» (2/252) عن عبدالرحمن بن عمر التجيبي، قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن
جامع، قال: حدثنا علي بن عبدالعزيز، قال: حدثنا أبو عبيدة شاذ بن فياض، به.
قلت: وهذا إسناد منكر
أيضاَ!
وقد ذكر الذهبي هذا
الحديث في «السير» (1/459) ثم قال: "أخرجه الحاكم وصححه وخولف؛ فإن النسائي
قال: أبو قَحْذم ليس بثقة".
قال يحيى بن معين:
"أبو قحذم ليس بشيء".
وقال أبو حاتم الرازي:
"هو ليِّن الحديث يكتب حديثه".
وذكر ابن عدي هذا الحديث
في منكراته، ثم قال: "وهذا لا أعلم يرويه عن أبي قلابة غير أبي قحذم"،
ثم ذكر له مناكير أخرى، ثم قال: "ولأبي قحذم هذا غير ما ذكرت ومقدار ما يرويه
لا يُتابع عليه".
وقال ابن حبان في
«المجروحين» (3/50): "النضر بن معبد أبو قحذم، من أهل البصرة، يروي عن أبي
قلابة، روى عنه شاذ بن الفياض والبصريون، كان ممن ينفرد عن الثقات بالأشياء
المقلوبات على قلة روايته، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، فأما عند الوفاق فإن
اعتبر به معتبر فلا ضير".
وكان ابن حبان – رحمه الله – قد ذكره في التابعين من «ثقاته»، ثم
أعاده في أتباع التابعين، فوهم في ذلك!
قال في «الثقات»
(5/475): "النضر بن معبد أبو قحذم: سمع أنس بن مالك، روى عنه أهل
البصرة".
وقال في أتباع التابعين
من «الثقات» (7/535): "النضر بن معبد أبو قحذم الجرمي، من أهل البصرة، يروي
عن أبي قلابة، روى عنه ابنه قحذم بن النضر بن معبد".
وأما شاذ بن فيّاض فهو
صدوق، وثقه أبو حاتم.
وقال مسلمة بن قاسم:
"صاحب رقائق لا بأس به".
وقال الساجي: "صدوق
عنده مناكير يرويها عن عمر بن إبراهيم عن قتادة".
وذكره ابن حبان ذكره في
«المجروحين» (1/363) وقال: "شاذ بن الفياض اليشكري، من أهل البصرة، واسمه
هلال، وشاذ لقبه، كنيته أبو عبيدة، يروي عن عمر بن إبراهيم والبصريين. مات سنة خمس
وعشرين ومائتين. كان ممن يرفع الموقوفات ويقلب الأسانيد، لا يشتغل بروايته، كان
محمد بن إسماعيل البخاري - رحمة الله عليه - شديد الحمل عليه".
وتبعه على ذلك ابن
الجوزي، فقال: "كان البخاري شديد الحمل عليه".
وكذلك الذهبي، قال في
«المغني» (2/714): "هلال بن فياض اليشكري، ولقبه شاذ، تكلّم فيه البخاري،
ووثقه أبو حاتم".
قلت: لم أجد أي كلام
للبخاري فيه، وكأنه هذا وهم من ابن حبان، وقد ذكره البخاري في تاريخيه: الأوسط
والكبير فلم يقل فيه شيئاً. وهو صدوق لا بأس به، وهذه المنكرات هي من شيوخه.
ورُوي الحديث أيضاً من
طريق ثالث:
رواه الطبراني في «المعجم
الأوسط» (7/145) و«المعجم الصغير» (2/122) عن محمد بن نوح بن حرب العسكري،
قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق القطان الرازي، قال: حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي، عن
أخيه طلحة بن سليمان - هو المقرئ-، عن الفياض بن غزوان، عن
زبيد اليامي، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: «مرّ عمر بن الخطاب بمعاذ بن جبل - وهو
قاعد عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، فقال: يا معاذ، ما أبكاك، لعلك
ذكرت أخاك إن ذكرته إنه لذلك أهل؟ قال: لا، ولكن أبكاني بشيء سمعته منه في مجلسي
هذا - أو في مكاني هذا - يقول صلى الله عليه وسلم: يسير الرياء شرك، إن الله يحب
الأتقياء الأخفياء الأبرياء، الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإذا حضروا لم يعرفوا،
قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل فتنة سوداء مظلمة».
قال الطبراني: "لم
يرو هذا الحديث عن زبيد إلا الفياض بن غزوان، ولا عن الفياض إلا طلحة بن سليمان،
تفرد به إسحاق بن سليمان".
قلت: طلحة بن سليمان كان
مقرئاً صاحب قرآن، وقرأ القرآن على فياض بن غزوان، وهما ليسا من أصحاب الحديث، فلا
يُقبل ما تفردا به من أحاديث؛ لأن الحديث ليس من صنعتهما.
قال الذهبي في «المغني
في الضعفاء» (2/516): "فياض بن غزوان عن زبيد اليامي، ليّنه البخاري
قليلاً".
قول الشيخ
الألباني في هذا الشاهد
قال الشيخ: "وحديث
معاذ مع ضعف إسناده فهو شاهد مختصر ليس فيه إلا قوله: "من عادى ولياً فقد
بارز الله بالمحاربة". وهو مخرج في "الضعيفة" (1850). وحديث وهب بن
منبه أخرجه أبو نعيم (4/32) من طريق إبراهيم بن الحكم حدثني أبي: حدثني وهب بن
منبه قال: "إني لأجد في بعض كتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: إن الله
تعالى يقول: ما ترددت عن شيء قط ترددي عن قبض روح المؤمن، يكره الموت، وأكره
مساءته ولا بد له منه". قلت: وإبراهيم هذا ضعيف، ولو صح عن وهب فلا يصلح
للشهادة، لأنه صريح في كونه من الإسرائيليات التي أمرنا بأن لا نصدق بها، ولا
نكذبها. ونحوه ما روى أبو الفضل المقري الرازي في "أحاديث في ذم الكلام"
(204/1) عن محمد بن كثير الصنعاني عن الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: "قال
الله..." فذكر الحديث بنحوه معضلاً موقوفاً. ولقد فات الحافظ رحمه الله تعالى
حديث ميمونة مرفوعاً به بتمامه مثل حديث الطبراني عن عائشة. أخرجه أبو يعلى في
"مسنده" (ق334/1) وأبو بكر الكلاباذي في "مفتاح المعاني"
(13/1 رقم 15) عن يوسف بن خالد السمتي: حدثنا عمر بن إسحاق: أنه سمع عطاء بن يسار
يحدث عنها. لكن هذا إسناد ضعيف جداً؛ لأن السمتي هذا قال الحافظ: "تركوه،
وكذبه ابن معين". فلا يصلح للشهادة أصلاً. وقد قال الهيثمي: "رواه أبو
يعلى وفيه يوسف بن خالد السمتي وهو كذاب" انتهى.
قلت: أثر إبراهيم صحيح
وإن كان هو ضعيف؛ لأن هذا مما لا يتشدد فيه أهل النقد لعدم كونه مرفوعاً إلى النبي
صلى الله عليه وسلم، وقد توبع عليه - كما
بينت سابقاً- رواه عمار الدهني عن وهب بن منبه.
وهذه المعضلات الموقوفة
هي أصل المرفوعات، والشيخ الألباني لا يتنبه لهذه الدقائق التي تُعلّ بها
الأحاديث، فهمّه هو إيجاد شواهد ومتابعات ولو من الهلكى لتقوية الأحاديث التي يريد
أن يصححها!
وقد سبق الكلام على هذه
المعضلات الموقوفة على هؤلاء التابعين بتفصيل، ولله الحمد.
الشاهد
التاسع: عن عليّ بن أبي طالب
قال الهندي في «كنز
العمال» رقم (1159): "قال الله عز وجل: ما تحبب إلي عبدي بأحب إليّ من أداء
ما فترضت عليه" وعزاه للخطيب وابن عساكر عن علي.
قال الحافظ ابن رجب
الحنبلي أثناء ذكره لشواهد الحديث: "وقد رُوي من حديث علي عن النبي صلى الله
عليه وسلم بسندٍ ضعيفٍ، وخرجه الإسماعيلي في مسند علي".
الخلاصة في
الحكم على هذا الحديث
قلت: فهذه
شواهد حديث خالد بن مخلد كلها منكرة!! فلا تقوي حديثه الذي تفرد به؛ لأن
رواتها من الهلكى، بل تدل على أن حديثه فيه وهم ولا بدّ! لأن هذه الشواهد المنكرة
قد رُويت قبل حديثه بسنوات طويلة، وقبلها كان الحديث مرسلاً من الإسرائيليات، فمر
الحديث في ثلاث مراحل حتى تفرد به خالد بن مخلد: الإرسال من طريق ثقات التابعين،
ثم الرفع من طريق الهلكى والمجروحين، ثم تفرد خالد بن مخلد به بإسناد صحيح! ولكن
خالد له مناكير فمثل هذا التفرد في هذه الطبقات المتأخرة لا يقبل منه أبداً.
فالحديث منكر بكلّ طرقه!
كلام أبي
ريّة وردّ المعلمي عليه
وقد اتهم أبو ريّة - وهو يعلق على رواية البخاري- أبا هريرة أنه أخذ هذا الحديث من
الإسرائيليات، فرد عليه الشيخ المعلمي اليماني في «الأنوار الكاشفة» فقال:
"هذا الخبر نظر فيه الذهبي في ترجمة خالد بن مخلد من الميزان وابن حجر في
الفتح؛ لأنه لم يرو عن أبي هريرة إلا بهذا السند الواحد: محمد بن عثمان بن كرامه...
ومثل هذا التفرد يريب في صحة الحديث مع أن خالداً له مناكير وشريكاً فيه مقال. وقد
جاء الحديث بأسانيد فيها ضعف من حديث علي ومعاذ وحذيفة وعائشة وابن عباس وأنس. فقد
يكون وقع خطأ لخالد أو شريك، سمع المتن من بعض تلك الأوجه الأخرى المروية عن علي
أو غيره ممن سلف ذكره، وسمع حديثاً آخر بهذا السند ثم التبسا عليه فغلط، روى هذا
المتن بسند الحديث الآخر. فإن كان الواقع هكذا فلم يحدث أبو هريرة بهذا، وإلا فهو
جملة من الأحاديث التي تحتاج ككثير من آيات القرآن إلى تفسير، وقد فسره أهل العلم
بما تجده في الفتح وفي الأسماء والصفات، وقد أومأ البخاري إلى حاله فلم يخرجه إلا
في باب التواضع من كتاب الرقاق".
ثم قال أبو رية:
"ومن له حاسة شم الحديث يجد في هذا الحديث رائحة إسرائيلية".
فرد عليه الإمام المعلمي
فقال: "أقول: قد علمنا أن كلام الأنبياء كله حقّ من مشكاة واحدة، وأن الرب
الذي أوحى إلى أنبياء بني إسرائيل هو الذي أوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم. ولو
جاز الحكم بالرائحة لما ساغ أدنى تشكك في حكم البخاري؛ لأنه أعرف الناس برائحة
الحديث النبوي، وبالنسبة إليه يكون أبو رية أخشم فاقد الشم أو فاسده".
وعلق أبو ريّة في
الحاشية أيضاً: "يبدو أن أستاذ أبي هريرة في هذا الحديث هو وهب بن منبه، فقد
وقع في الحلية في ترجمة هذا.. إني لأجد في كتب الأنبياء أن الله تعالى يقول: ما
ترددت عن شيء قط ترددي عن قبض روح المؤمن".
فقال المعلمي:
"أقول: في سنده من لم أعرفه، وقد ذكروا أن وهباً روى عن أبي هريرة، ولم
يذكروا أن أبا هريرة حكى شيئاً عن وهب، ووهب صغير إنما ولد في أواخر خلافة عثمان،
وإن صح حديث البخاري عن أبي هريرة فالمعقول إن كان أحدهما أخذ عن الآخر أن يكون
وهب أخذه عن أبي هريرة أو بلغه عنه. ووهب مع صغره مولود في الإسلام من أبوين
مسلمين فتوسعه في قراءة كتب الأوائل إنما يكون في كبره بعد وفاة أبي هريرة بمدة.
وهذا تنازل مني إلى عقل أبي رية وأشباهه، فأما الحقيقة فمكانة أبي هريرة رضي الله
عنه أعلى وأشمخ وأثبت وأرسخ من أن يحتاج للدافع عنه إلى مثل ما ذكرت".
قلت: أبو هريرة - رضي الله عنه- قد حدّث عن مسلمة أهل الكتاب، ومن كتب أهل الكتاب،
ولكن هذا الحديث لم يحدِّث به قط!
وأما أن كلام الأنبياء
كله حق من مشكاة واحدة، وأن الرب الذي أوحى إلى أنبياء بني إسرائيل هو الذي أوحى
إلى محمد صلى الله عليه وسلم فهذا مسلَّم، ولكن لا دخل له هنا! كيف وقد أمرنا صلى
الله عليه وسلم بعدم تصديق رواياتهم أو تكذيبها!
وأنا لا أدافع عن الهالك
(أبو رية) الذي طعن في أبي هريرة - رضي الله عنه - ولكن هذا الحديث أصله من الإسرائيليات، ولكن أبو رية لما كانت هذه
ليست صناعته عزا ذلك إلى أن أبا هريرة أخذه من وهب بن منبه! وهذا جهل منه كما بينه
الإمام المعلمي اليماني. والذي دفعه إلى ذلك هو حبّ الطعن في راوية الإسلام أبي
هريرة - رضي الله عنه وأرضاه-.
وسيأتي أن هذا الرأي
للإمام المعلمي في هذا الحديث كان في ذلك الوقت، ولما حققه ضعفه وعدّه من
المنكرات، وعليه فإن رأي المعلمي هذا لا يجوز الاحتجاج به؛ لأن له كلاماً آخر قد
نسخه، وهذا من باب تغير اجتهاد الناقد.
مناقشة بعض
المعاصرين
· - د. أبو بكر كافي:
قال د. أبو بكر كافي في
«منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها» (ص229) وهو يتحدث عن
"الأحاديث التي استنكرت أو استغربت في الجامع الصحيح": "لقد تكلم
بعض الأئمة في جملة من الأحاديث صحيح البخاري ووصفوها بالغرابة أو النكارة وهي وإن
كانت قليلة، ومحدودة العدد... وقبل الشروع في دراسة بعض النماذج لا بد من الإشارة
إلى حقيقة علمية مهمة وهي: إن وجود الغرائب والأفراد في الصحيحين هو أمر نادر، ولم
يكن من قصد الشيخين - رحمها الله- أن يكون كتاباهما مجمعاً للغرائب والأفراد كما
قصد بعض الأئمة من مصنفاتهم، وإنما قصدهما ذكر الأحاديث الصحيحة المشهورة التي
تداولها أهل العلم فيما بينهم كما صرح به مسلم في مقدمة صحيحه. ومن هنا كانت هذه
الأحاديث المستغربة أو المستنكرة من قبل الأئمة قليلة بالنسبة إلى الأحاديث
الصحيحة المشهورة... والأمر الثاني الذي يجدر التنبه إليه هو أن الغرابة أمر نسبي،
فقد يكون حديث ما غريباً عند إمام ناقد، بينما لا يوافقه غيره من الأئمة على ذلك
الحكم لوقوفهم على متابعات وشواهد تدفع عن الحديث وصوف الغرابة أو النكارة".
ثم ذكر الدكتور هذا
الحديث، ونقل كلام اهل العلم فيه: الذهبي وابن رجب وابن حجر، ونقل كلام أهل العلم
في خالد بن مخلد، ودفاع الحافظ ابن حجر عنه، ثم قال: "وقد لخص الحافظ حاله في
التقريب فقال: "صدوق يتشيع ن وله أفراد". (والبخاري لم يرو عن أحد إلا
وهو يرى أنه يمكنه تمييز صحيح حديثه من سقيمه، وهذا يقتضي أن يكون الراوي على
الأقل صدوقاً في الأصل). فالبخاري لما ترجح عنده صدق خالد بن مخلد القطواني أخرج
له، فإن قيل إنما يعرف صدقه وصحة حديثه بموافقة الثقات له، وخالد له مناكير، ومنها
هذا الحديث الذي تفرد به ولم يتابعه عليه الثقات، فكيف يكون صحيحاً؟ (إن معرفة
البخاري لصحة حديث الراوي من شيوخه لا تحصل بمجرد موافقة الثقات، وإنما تحصل بأحد
أمرين: إما أن يكون الراوي ثقة ثبتاً فيعرف صحيح حديثه بتحديثه، وإما أن يكون
صدوقاً يغلط ولكن يمكن معرفة ما لم يغلط فيه بطرق أخرى، كأن يكون له أصول جيدة،
وكأن يكون غلطه خاص جهة معينة). وخالد بن مخلد من شيوخ البخاري فهذا يقتضي معرفة
حديثه وحاله عنده. فلما علم البخاري صدق خالد بن مخلد، ورأى أن هذا المتن الذي
انفرد به ليس فيه شيء يخالف القرآن أو السنة المشهورة أو أصول الشريعة ووجدت له
شواهد، وإن كانت ضعيفة ولكنها كثيرة يصلح منها نوع قوة مما يدل على أن للحديث
أصلاً لهذا كله صححه الإمام البخاري هذا الحديث. ويمكن القول أيضاً: إن البخاري
تساهل في رواية هذا الحديث لأنه في الرقاق وفضائل الأعمال وليس في أصول التحريم
والتحليل، والله أعلم" انتهى.
قلت: هذا الكلام الذي
نقله الدكتور في الإجابة عن تخريج البخاري لهذا الحديث عن الإمام المعلمي إنما كان
هذا عموماً في منهج البخاري، لا في هذا الحديث، بل المعلمي يرى نكارة هذا الحديث
كما سبق بيانه.
وأما أن
البخاري قد علم صدق خالد بن مخلد لأنه من شيوخه! فهذا غير صحيح؛ لأن البخاري لم
يروه عن خالد مباشرة، وإنما رواه عنه بواسطة ابن كرامة - وهو من صغار شيوخه، بل يعدّ من أقرانه-، وهذا مما يريب في هذا
الحديث! فلمَ لمْ يروه البخاري عن خالد مباشرة ورواه عنه بواسطة! وقد تفرّد به ابن
كرامة عن خالد!! فيحتمل أن هذا الحديث لم يكن عند خالد بن مخلد أصلاً، ولو كان
عنده لسمعه منه، وعليه فيكون ابن كرامة قد حصل له خطأ ما فيه، كأن يكون دخل له
إسناد في إسناد!
فلما رأى
البخاري هذا الحديث عنده رواه في كتابه، ولم يروه من أجل الشواهد الضعيفة كما أشار
الدكتور! فهذا ليس من منهج البخاري أنه يصحح الأحاديث بمثل هذه الشواهد الواهية!!
وأما أن البخاري تساهل
فيه لأنه في الرقاق وفضائل الأعمال ففيه نظر! لأن هذا أيضاً ليس من منهجه، وإنما
هو يورد ما صح عنده، وهذا قد اجتهد فيه فصححه فأخرجه، أو أنه أخرجه في غير مظانه
لضعفه عنده - كما أسلفنا- والله أعلم.
· - د. علي الصيّاح:
وسئل الدكتور علي
الصيّاح عن هذا الحديث في «ملتقى أهل الحديث»، فأجاب بعد مقدمة عن الصحيحين:
"وهنا لنا نظران:
النظر
الأوَّل: تحقيق القول في حال خالد بن مخلد
القطواني، وهل هو ثقة أم لا أم فيه تفصيل؟ وكيفية رواية البخاري عنه؟ وكم روى له،
ومن هم شيوخه وتلاميذه الذين اعتمدهم في الرواية عنه؟ وهل هو من شيوخه الذين ميز
أحاديثهم أم لا؟ وما هو السر في أنّ البخاري يروي عنه مباشرة وأحياناً يروي عنه
بواسطة؟! فيلاحظ عناية البخاري بالرواية عنه، فمثل هذه الأسئلة الافتراضية تخدم
الكلام على هذا الحديث وتؤدي إلى إجابات علمية موضوعية.
وتحقيق القول في خالد بن
مخلد أنه من كبار شيوخ البخاري الذين ميز حديثهم من خلال كتبهم أو من خلال
موافقتهم للثقات أو من خلال استقامت المتون التي يرويها، وأنه - بالجملة - صدوق، ولكنه في روايته عن سليمان بن بلال متقن، رمي
بالتشيع وله بعض المنكرات خاصة عن الإمام مالك، ولكن لم يذكر أحد من المتقدمين هذا
الحديث من منكراته، يراجع الكامل لابن عدي (3/ 34).
قال الذهبي: «خالد بن
مخلد القطواني من شيوخ البخاري صدوق إن شاء الله».
وها هنا أمر في غاية
الأهمية في هذه المسألة وهو أنه يلاحظ أن البخاري أكثر من الرواية عن خالد بن مخلد
القطواني عن شيخه سليمان بن بلال دون غيره، وهو شيخه في هذا الحديث
المنتقد، مما يدل على عناية خالد بن مخلد بمرويات شيخه سليمان، وتأمل هذه
النصوص النفيسة التي لم يتفطن لها بعض المعاصرين ممن تكلم على الحديث، قال ابن
رجب: «ومنهم - أي من الضرب الثاني من حدث عن أهل مصر أو إقليم فحفظ حديثهم وحدث عن
غيرهم فلم يحفظ - خالد بن مخلد القطواني، ذكر الغلابي في تاريخه قال:
القطواني يؤخذ عنه مشيخة المدينة وابن بلال فقط، يريد سليمان بن بلال، ومعنى هذا
أنه لا يؤخذ عنه إلا حديثه عن أهل المدينة وسليمان بن بلال منهم لكنه أفرده
بالذكر» شرح علل الترمذي (2/ 776).
وقال ابن عبد الهادي في
الصارم المنكي في الرد على السبكي (1/ 256): «فإن صاحبي الصحيح لم يحتجا به إلا في
شيخ معين لا في غيره؛ فلا يكون على شرطهما، وهذا كما يخرج البخاري ومسلم حديث خالد
بن مخلد القطواني عن سليمان بن بلال وعلي بن مسهر وغيرهما، ولا يخرجان حديثه عن
عبدالله بن المثنى، وإن كان البخاري قد روى لعبدالله بن المثنى من غير رواية خالد
عنه».
وهذه الجملة التي ذكرتها
تحتاج إلى صفحات لبيانها ونقل أقوال العلماء فيها، ولكن أكتفي بنصوص يسيرة تدل على
ما ورائها:
- قال ابن حجر: «خالد بن
مخلد القطواني الكوفي أبو الهيثم، من كبار شيوخ البخاري، روى عنه، وروى عن واحد
عنه!.
قال العجلي: ثقة فيه
تشيع، وقال ابن سعد: كان متشيعا مفرطا، وقال صالح جزرة: ثقة إلا أنه كان متهما
بالغلو في التشيع، وقال أحمد بن حنبل: له مناكير، وقال أبو داود: صدوق إلا أنه
يتشيع، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به.
قلتُ: أما التشيع فقد
قدمنا أنه إذا كان ثبت الأخذ والأداء لا يضره؛ لا سيما ولم يكن داعية إلى رأيه،
وأما المناكير فقد تتبعها أبو أحمد بن عدي من حديثه وأوردها في كاملة وليس فيها
شيء مما أخرجه له البخاري، بل لم أر له عنده من أفراده سوى حديث واحد، وهو حديث
أبي هريرة (من عادى لي وليا) الحديث» مقدمة الفتح (ص400)، والذي يقوى عندي أن
رواية المبتدع مقبولة مطلقا حتى لو كان داعية.
- قال المعلمي: «أقول:
في باب الإمام ينهض بالركعتين من (جامع الترمذي): (قال محمد بن إسماعيل: ابن أبي
ليلى هو صدوق، ولا أروي عنه لأنه لا يدري صحيح حديثه من سقيمه، وكل من كان مثل هذا
فلا أروي عنه شيئاً) والبخاري لم يدرك ابن أبي ليلى، فقوله (لا أروي عنه) أي
بواسطة، وقوله (وكل من كان مثل هذا فلا أروي عنه شيئاً) يتناول الرواية بواسطة
وبلا واسطة، وإذا لم يرو عمن كان كذلك بواسطة فلأن لا يروي عنه بلا واسطة أولى،
لأن المعروف عن أكثر المتحفظين أنهم إنما يتقون الرواية عن الضعفاء بلا واسطة،
وكثيراً ما يروون عن متقدمي الضعفاء بواسطة. وهذه الحكاية تقتضي أن يكون البخاري
لم يرو عن أحد إلا وهو يرى أنه يمكنه تمييز صحيح حديثه من سقيمه وهذا يقتضي أن
يكون الراوي على الأقل صدوقاً في الأصل فإن الكذاب لا يمكن أن يعرف صحيح حديثه.
فإن قيل قد يعرف بموافقته الثقات لروى عن ابن أبي ليلى ولم يقل فيه تلك الكلمة فإن
ابن ليلى عند البخاري وغيره صدوق وقد وافق عليه الثقات في كثير من أحاديثه ولكنه
عند البخاري كثير الغلط بحيث لا يؤمن غلطه حتى فيما وافق عليه الثقات، وقريب منه
من عرف بقبول التلقين فأنه قد يلقن من أحاديث شيوخه ما حد ثوابه ولكنه لم يسمعه
منهم، وهكذا من يحدث على التوهم فأنه قد يسمع من أقرأنه عن شيوخه ثم يتوهم أنه
سمعها من شيوخه فيرويها عنهم. فمقصود البخاري من معرفة صحيح حديث الراوي من شيوخه
بمجرد موافقة الثقات، وإنما يحصل بأحد أمرين إما أن يكون الراوي ثقة ثبتا فيعرف
صحيح حديثه بتحديثه وإما أن يكون صدوقاً يغلط ولكن يمكن معرفة ما لم يغلط فيه بطريق
أخرى كأن يكون له أصول جيدة، وكأن يكون غلطه خاصاً بجهة كيحيى بن عبدالله بكير روى
عنه البخاري وقال في (التاريخ الصغير): ما روى يحيى [بن عبدالله] بن بكير عن أهل
الحجاز في التاريخ فإني أتقيه...)) انتهى كلام المعلمي من التنكيل وهو كلام في
غاية الجودة.
قلتُ: والأمر في شريك بن
عبدالله بن أبي نمر أخف؛ لأنه أوثق من خالد فلا نطيل الكلام عليه.
النظر
الثاني: في متن الحديث:
فهذا المتن أخرجه
البخاري في كتاب الرقاق باب التواضع، ومثل هذه المتون لا يتشدد فيها المحدثون
بخلاف أحاديث العقائد أو الحرام والحلال، مع وجود شواهد للحديث وإن كانت ضعيفة،
قال ابن رجب: «وقد روى هذا الحديث من وجوه أخر لا تخلو كلها عن مقال ورواه
عبدالواحد بن ميمون أبو حمزة مولى عروة بن الزبير عن عروة عن عائشة عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: من آذي لي وليا فقد استحل محاربتي وما تقرب إلى عبد بمثل أداء
فرائضي وإن عبدي ليتقرب إلى بالنوافل...» جامع العلوم والحكم (ص358).
قال ابن حجر: «ولكن
للحديث طرق أخرى يدل مجموعها على أن له أصلا منها: عن عائشة أخرجه أحمد في الزهد
وابن أبي الدنيا وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الزهد من طريق عبد الواحد بن
ميمون عن عروة عنها، وذكر ابن حبان وابن عدي أنه تفرد به، وقد قال البخاري: إنه
منكر الحديث، لكن أخرجه الطبراني من طريق يعقوب بن مجاهد عن عروة، وقال: لم يروه
عن عروة إلا يعقوب وعبد الواحد، ومنها عن أبي أمامة أخرجه الطبراني والبيهقي في
الزهد بسند ضعيف، ومنها عن علي عند الإسماعيلي في مسند علي، وعن ابن عباس أخرجه
الطبراني وسندهما ضعيف، وعن أنس أخرجه أبو يعلى والبزار والطبراني وفي سنده ضعف
أيضا، وعن حذيفة أخرجه الطبراني مختصرا وسنده حسن غريب، وعن معاذ بن جبل أخرجه ابن
ماجة وأبو نعيم في الحلية مختصرا وسنده ضعيف أيضا، وعن وهب بن منبه مقطوعا أخرجه
أحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية، وفيه تعقب على ابن حبان حيث قال بعد إخراج
حديث أبي هريرة: لا يعرف لهذا الحديث إلا طريقان يعني غير حديث الباب وهما هشام
الكناني عن أنس وعبد الواحد بن ميمون عن عروة عن عائشة وكلاهما لا يصح» فتح الباري
(11/ 341).
وأمّا غرابة لفظه فلم
يتبين لي وجه ذلك بدقة، فالبخاري وغيره صححوا الحديث ويلزم من ذلك – هنا - صحة المتن، ثمّ الغرابة في هذا شيء نسبي تقوم في أذهان بعض
الناس دون آخرين، فربما استغربتَ معنى ما في حديث لم يتبين لك وجهه، بينما غيرك
بان له المعنى بوضوح ومن طالع كتب شروح الحديث وجد هذا جليا، فعالم يستشكل مسألة
ما، والآخر يستغرب هذا الاستشكال ويبين أنه ليس مشكلاً.. وهكذا، والخطير في هذه
المسألة ما وقع في هذا العصر من بعض المسلمين المنهزمين حيث ردوا بعض النصوص
الثابتة لأنها لم توافق عقولهم.. ولست أدري هل هناك عقل بشري كمدلول مطلق نحتكم
إليه؟!.. هناك عقلي وعقلك وعقل فلان وعلان وهذه عقول متفاوتة واقعة تحت مؤثرات شتى
علمية.. ومكانية.. وزمانية.. وغيرها.. ففتح هذا الباب بدون مراعاة الضوابط التي
سار عليها سلفنا الصالح أئمة الحديث ونقاده أمر بالغ الخطورة، وله أثر سيء في الأمة،
نسأل الله السلامة والعافية...
وقد علق المعلمي على
حديث من (من عادى لي وليا) فقال: «هو من جملة الأحاديث التي تحتاج ككثير من آيات
القرآن إلى تفسير، وقد فسره أهل العلم بما تجده في الفتح وفي الأسماء والصفات ص
345 - 348 وقد أومأ البخاري إلى حاله فلم يخرجه إلا في باب التواضع من كتاب
الرقاق»، وقال أيضاً - تعليقا على قول أبي رية ((ومن له حاسة شم الحديث يجد في هذا
الحديث رائحة إسرائيلية)) -: «أقول: قد علمنا أن كلام الأنبياء كله حق من مشكاة
واحدة، وأن الرب الذي أوحى إلى أنبياء بني إسرائيل هو الذي أوحى إلى محمد صلى الله
عليه وسلم. ولو جاز الحكم بالرائحة لما ساغ أدنى تشكك في حكم البخاري لأنه أعرف
الناس برائحة الحديث النبوي، وبالنسبة إليه يكون أبو رية اخشم فاقد الشم أو فاسدة»
الأنوار الكاشفة (ص193).
ومما تقدم يعلم أنَّ
الكلام على أحاديث الصحيحين ليس من السهولة لمن لم يستفرغ وسعه في البحث والتنقيب
والتتبع، مع سؤال الله دائما أن يعلمه ويفهمه، ويبعد عنه حب الشهرة والثناء
والتصدر، والولع بالغرائب والشواذ من الأقوال، ففي معرفة العلم البين الواضح الذي
ورثه لنا سلفنا الصالح كفاية وغنية، والله المستعان" انتهى كلام الدكتور الصيّاح.
قلت:
أولاً: لم يبيّن لنا
الدكتور السر في متى يروي البخاري عن خالد مباشرة، ومتى يروي عنه بواسطة؟! وهذا
الحديث لم يروه البخاري عن شيخه خالد مباشرة كما يقول الدكتور! وإنما رواه عنه
بواسطة ابن كرامة!!
فالظاهر أن
البخاريّ لما سمع من خالد لم يسمع هذا الحديث وحديث آخر سيأتي الكلام عليه إن شاء
الله، ولهذا رواهما عنه بواسطة! وقد يكون هذا بسبب أن البخاري كان يختار من أحاديث
شيوخه من أصولهم فيسمع بعض الأحاديث، ويترك بعضها، أو أن هذا الحديث لم يكن عند
خالد عندما سمع منه البخاري، ولما سمع منه ابن كرامة خلط في إسناده، والله أعلم!
وسأتبع الكلام على هذا
الحديث بدراسة وافية عن الأحاديث التي انتقاها البخاري لخالد بن مخلد في صحيحه إن
شاء الله تعالى.
ثانياً: دعوى أن البخاري
قد ميز حديث من أخرج لهم في صحيحه هي في الغالب صحيحة، ولو رضي الأئمة ذلك لم
استدركوا عليه بعض الأحاديث، فلا يجوز الاحتجاج بالقواعد الأغلبية على ما فيه نظر
في بعض أفراد الأحاديث.
وقد يُنازع البعض في هذا
بأن الإمام البخاري - إمام الصنعة - لا يخرّج إلا ما قد
ميزه بوجود قرائن وغير ذلك! ولكن هذا يبقى في دائرة الاجتهاد، ولا ينقص ذلك من قدر
هذا الإمام الكبير.
وحاصل الأمر أننا ننظر
في الحديث ضمن الأمور المتوفرة بين أيدينا من الروايات وأحوال رواتها، ولا نعتمد
على القواعد الأغلبية أو القرائن المجهولة التي لا نعرفها!!
وقد يختلط الأمر على بعض
المشتغلين بهذا العلم بقولهم: "إن البخاري ألزم نفسه أنه لا يخرج حديث رجل
إلا بعد تمييزه صحيح حديثه من سقيمه"! محتجاً على ذلك بقول البخاري: «... كل
رجل لا أعرف صحيح حديثه من سقيمه لا أروي عنه ولا أكتب حديثه».
وقوله في ترجمة «خارجة
بن مصعب الضبعي» من «تاريخه الكبير»: "تركه وكيع وكان يُدلس عن غياث بن
إبراهيم ولا يعرف صحيح حديثه من غيره".
وقول ابن حجر في
«اللسان» في ترجمة الأعدل بن محمد: "وكان البخاري حسن الرأي فيه إلا أنه كان
كثير التخليط والبخاري يعرف صحيح حديثه من سقيمه فلا يغتر بروايته عنه".
قلت: هذه الأقوال فيمن
لا يستطيع البخاري تمييز حديثه من سقيمه بإطلاق! فلا يكتب عنه، ولا يروي له! وخالد
ليس من هذه البابة.
ولا نجد أن البخاري روى
لشخص أو كتب عنه ممن لم يستطع تمييز صحيح حديثه من سقيمه، وأما إذا ميّز حديثه
وعرف صحيحه من سقيمه فإنه يكتب عنه، وقد يخرّج لمن ميّز حديثه.
ثالثاً: دعوى أن أحداً
لم يذكر هذا الحديث في منكرات خالد لا يعني أنه ليس بمنكر! فنظرة كل ناقد تختلف عن
الأخرى، ولم نجد أن أحداً سئل عنه حتى نقول: قال كذا وكذا. ولم يحتج من عدّه ليس
بمنكر إلا بعدم إيراد ابن عدي له في منكرات خالد بن مخلد في ترجمته من الضعفاء!
أقول: ابن عدي اجتهد في
ذلك وعادته أنه يتساهل أحياناً في مثل هذه الأحاديث فلا يوردها، أو أنه غفل عنه أو
اجتهد كما اجتهد البخاري فلم يره منكراً، وليس بلازم أن يذكره ابن عدي في منكرات
خالد! فكم من حديث منكر لبعض الرواة لا يذكره في تراجمهم.
رابعاً: النّصان اللذان
اتى بهما الدكتور عن ابن رجب وابن عبدالهادي في الدلالة على عناية خالد بن مخلد
بمرويات شيخه سليمان - وأن أحداً من المعاصرين لم يتفطن
لها! لا تخدمه في هذا!! فهذه النصوص تدل على أن خالد بن مخلد يؤخذ حديثه عن مشيخة
أهل المدينة وسليمان بن بلال فقط؛ لأنه من أهل البلد، وأما حديث الأمصار الأخرى
فلم يحفظ ولم يتقن حديثهم، فلا تقبل روايته عنهم، وقبول حديثه عن سليمان بن بلال
ومشيخة أهل المدينة لا يعني قبول كل حديث له عنهم؛ لأنه يخطئ ويهم عليهم، ولهذا
انتقى له البخاري، وإلا كان لزاماً أن نقبل المنكرات التي رواها عن مشيخة أهل المدينة،
وهذا لا يقوله أحد.
خامساً: قوله
"والذي يقوى عندي أن رواية المبتدع مقبولة مطلقاً حتى لو كان داعية"!
فيه مخالفة لما عليه أهل العلم هكذا بإطلاق، وتحتاج إلى الاستدلال عليها، وتقييدها
بشروط.
والدكتور يحتج بأقوال
المعلمي اليماني فيما يوافق رأيه ويعرض عن أقواله التي تخالفه!
فالمعلمي - رحمه الله - قد صرّح بأن هذا الحديث مما يدعم
بدعة خالد بن مخلد - أي التشيع- وكان الأحرى بالدكتور أن
يرد على ذلك بالأدلة إذا كان يخالفه.
قال المعلمي:
"ويُرد ما انفرد به بما فيه تهمة تأييد لمذهبه. وقد تفرد بهذا الحديث كما
ذكره الذهبي وكذا الحافظ ابن حجر في مقدمة «الفتح»، وفي هذا الحديث تهمة تأييد
مذهب غلاة الرافضة في الاتحاد والحلول، وإن لم يُنقل مثل ذلك عن خالد، وقد أسندت
إلى هذا الحديث بدع وضلالات تصطك منها المسامع، والله المستعان".
والاعتراض في هذا على
الدكتور من باب الإلزام، لا من باب الاحتجاج، وإلا فلا يعدو الأمر عندي أنه حصل
هناك خلط لخالد في هذا الحديث، ولا تعلق له بمسألة البدعة وأن يكون داعياً لها!
وسأحقق في اتهام أهل العلم له بالرفض.
· الرواية عن المبتدع ولو كان داعية لبدعته!
وأما مسألة الرواية عن
المبتدع الداعي لبدعته: فالتحقيق على منهج جماعة من المتقدمين في قبول خبر المبتدع
ولو كان داعية، فقد صح إخراج البخاري ومسلم لجماعة من المبتدعة وللدعاة أيضًا
منهم، مثل: شبابة بن سوّار، وعبدالمجيد بن عبدالعزيز بن أبي روّاد وهما من دعاة
المرجئة، وأيضًا: عبدالله بن أبي نجيح وهو من دعاة القدر، وأيضًا من دعاة
التَّشَيُّع مثل: عدي بن ثابت.
لكن يشترط في قبول رواية
المبتَدِع ولو كان داعية لمذهبه عدة شروط:
أولًا: ألَّا يكون
مُكَفَّرًا ببدعته على التعيين.
ثانيًا: ألا يكون
معانِدًا، يعني أن يكون مُتَؤَوِّلًا غير معاند.
ثالثًا: ألا يروي حديثًا
منكرًا يؤيد البدعة.
وبهذه الشروط الثلاثة
ينحل إشكال رواية المبتدع - ولو كان داعية- في الصحيحين.
ولا بأس إنْ ذكرنا
مثالًا ينطبق عليه هذه الشروط الثلاثة بكل وضوح، فنقول:
أخرج مسلم لعدي بن ثابت
حديثًا في ظاهره يؤيد بدعته، وقد قيل عن عدي: إنه داعية، وقيل عنه إنه من غلاة
الرافضة، ومع ذلك أخرج له الإمام مسلم حديثًا في ظاهره يؤيد البدعة؛ فساق من طريقه
عن زِرٍّ عن علي بن أبي طالب عن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال لعليٍّ:
«وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسْمَةَ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ
الْأُمِّيِّ إِلَيَّ؛ إِنَّهُ لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُكَ
إِلَّا مُنَافِقٌ»؟
فهذا الحديث في فضل علي
بن أبي طالب، وفيه تأييد لبدعة عدي التي رماه بها النقاد، وهي التشيع أو الغلو
فيه، فما هو وجه إخراج مسلم له؟!
وجْهُ ذلك: أنه اختل شرط
من شروط ردِّ رواية المبتدع، وهو أن هذا الحديث وإن كان يؤيد البدعة لكنه ليس
منكرًا، ولا يرتاب أحد أنه لا يحب عليَّ بن أبي طالب إلا مؤمن ولا يبغضه إلا
منافق.
وهذا لا يخص علي بن أبي
طالب وحده؛ بل كل أصحاب النبي - عليه الصلاة والسلام - كذلك: «لا
يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُهم إِلَّا مُنَافِقٌ»، وقد ثبت في
«الصحيح: «آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ
الْأَنْصَارِ».
فحديث عدي: وإن كان في
ظاهره ما يؤيد بدعته في التشيع، لكنه نظيف من النكارة، وقد ثبت لعلي بن أبي طالب
من الفضائل ما هو أعظم من هذا الحديث؛ لأن له خصائص اختُصَّ بها دون بقية الصحابة،
أما هذا الحديث فيعمه هو والصحابة الآخرون.
فثبت بهذا: احتجاج
الإمام مسلم بحديث يرويه مبتدع داعية لمذهبه، ليس هذا فحسب، بل وفي ظاهر الحديث ما
يؤيد بدعته أيضًا.
والأمثلة على صحة تلك
الشروط في قبول رواية المبتدع - ولو كان داعية - من تصاريف النقاد الأوائل وأصحاب
الصحاح = تطول بنا عن أصل الكلام، ويكفي ما ذكرناه.
سادساً: المثال الذي أتى
به من كلام المعلمي حول تخريج البخاري لمن ميز حديثه وإعراضه عمن لم يميز حديثه
كابن ابي ليلى مثال مع الفارق! فابن أبي ليلى مشاكله في الرواية كثيرة ولهذا لم
يخرج البخاري له شيئاً، ولا يقارن بخالد بن مخلد، فبينهما بون شاسع. ونحن ننازع البخاري - رحمه الله - في حديث واحد لخالد لا في كل ما
خرّجه له! والعجيب أنه رواه عنه بواسطة لا مباشرة، وهذا يحتاج إلى تفسير!! وهو أمر
مشكل!
وقد ذكر بعض أهل العلم
مما يعدّ إجابة عن هذا الإشكال: أن هذا يدلّ على شرف راويه عند الإمام البخاري؛
لأنه رواه عنه بواسطة - أي بنزول.
فقال الحافظ أبو سعد ابن
السمعاني، فقال في «ذيل تاريخ بغداد» فيما نقله عنه ابن العديم في «بغية
الطلب»: "ولم يخرجه البخاري إلا عن ابن كرامة حسب من هذا الطريق، وخالد بن مخلد هو
أبو القاسم القطواني كوفي روى عنه البخاري في صحيحه، وأخرج هذا الحديث عن ابن
كرامة عنه، ومن جلالة الرجل عنده يحدث عنه ثم يحدث عن رجل عنه".
وقال الحافظ زكي الدين
أبو عبدالله محمد بن يوسف البرزالي - والِد أبي القاسم البرزالي - في «الجزء الأول
من تخريج مشيخة أبي المنجَّى ابن اللتِّي البغدادي» بعد أن أخرج هذا الحديث:
"وهو من أفراد البخاري، ولم يخرجه إلا عن ابن كرامة، فوقع لنا موافقةً، وخالد
بن مخلدٍ هو من شيوخه، روى عنه في كتابه، وربما فاته عنه هذا الحديث، فرواه عن رجل
عنه، وذلك لجلالة الشيخ عنده، وشرف الحديث".
قلت: قد يكون تخريج
البخاري لهذا الحديث لجلالة خالد عنده ولشرف هذا الحديث الذي فاته سماعه، مع أني
أرى أن في ذلك نظر! لكن هذا لا يعني عدم استنكاره لوجود مناكير في حديثه!
سابعاً: قوله
"والأمر في شَريك بن عبدالله بن أبي نَمِر أخف؛ لأنه أوثق من خالد فلا نطيل
الكلام عليه"! إعراض عن علة في إسناد هذا الحديث قد أشار إليها بعض أهل العلم.
فشريك وإن كان أوثق من خالد إلا أنه يهم، وقد أشار إليه ابن حجر بقوله: "وهو
راوي حديث المعراج الذي زاد فيه ونقص وقدَّم وأخر، وتفرد فيه بأشياء لم يُتابع
عليها". فلو ثبت أن الحديث رواه شريك ابن أبي نمر لعددنا هذا من منكراته لأنه
لم يتابع عليه! ولكن الأولى أن يعلّ بخالد بن مخلد.
ثامناً: وأما قوله إن
البخاري أخرجه في كتاب الرقاق باب التواضع، ومثل هذه المتون لا يتشدد فيها
المحدثون بخلاف أحاديث العقائد أو الحرام والحلال، مع وجود شواهد للحديث وإن كانت
ضعيفة!! فهذا مما لا ينقضي منه العجب من بعض أهل العلم الذين يحاولون أن ينسبوا
مذهباً للبخاري هو نفسه لا يقول به!! فلو ثبت هذا المذهب عنده للزم عليه أن يخرج
في كتابه أحاديث أحسن حالاً من هذا الحديث، ولكنه أعرض عنها! ففي هذا التعليل لهذا
التخريج نسبة مذهب للبخاري - رحمه الله - وهذا لا يجوز؛ لأن البخاري لا يرى هذا المذهب، وهو التساهل في غير
الحلال والحرام أو العقائد، إذا كان للحديث شواهد وإن كانت ضعيفة!!
تاسعاً: كان الأولى
بالدكتور أن يدرس حال هذه الشواهد المتهالكة لا أن يكتفي بنقل كلام ابن حجر فيها،
وابن حجر معروف بهذا التساهل أثناء شرحه للأحاديث رحمه الله.
عاشراً: وأما ما يتعلق
بغرابة المتن وأن ما يكون غريباً عند إمام لا يكون غريباً عند غيرهن أو ما يستشكله
إمام لا يستشكله آخر فهذا واقع، ولكن يبقى بيان من أصاب منهم! فالحديث لما كان في
صحيح البخاري - ومعاذ الله أن نقلل من هذا الكتاب العظيم- لهذا جهد أهل العلم في الاجتهاد للإجابة عن الاستشكالات في متنه!!
ولهذا تجد لهم أقوالا كثيرة في ذلك - سأوردها
في نهاية البحث إن شاء الله - وعندي أن فيها بعض التكلف من أجل
الدفاع عن صحة هذا الحديث، والله أعلم.
حادي عشر: ما نقله
الدكتور عن المعلمي اليماني في ردّه على (أبو رية) يؤيد أن المعلمي يرى صحة الحديث
والدفاع عنه وأن أهل العلم قد فسروا معناه وزال الاشكال فيه! وهذا صحيح لا غبار
عليه، ولكن كيف يوفق الدكتور بين كلام المعلمي هذا وبين كلامه الذي نقلناه عنه في
بداية البحث من كتابه «رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله» وكذلك رأيه في أن هذا
الحديث فيه نكارة تؤيد بدعة التشيع عند خالد بن مخلد؟!!
فأقول: قد اختلف رأي
الإمام المعلمي في هذا الحديث، فلما أن كان يدافع عن أبي هريرة عندما طعن فيه ذلك
المبتدع (أبو رية) دافع عن هذا الحديث بما تحصل له حينها، ثم لما حقق الحديث بعد
ذلك اختلف رأيه، فكان ينبغي على الدكتور أن يحقق ذلك لا أن يأتي بما يوافقه من
كلام المعلمي ويترك ما ينسخ كلامه السابق.
· - علي نايف الشحود:
وقال علي بن نايف الشحود
في كتابه «الخلاصة في شرح حديث الولي» (ص96): "وأما قول الإمام الذهبي في
الميزان والسير: فهو مردود على الذهبي - رحمه الله -، فليس هذا الحديث غريباً كما
زعم!! وخالد بن مخلد إذا كان له مناكير لا يعني أن يكون هذا الحديث منها أصلاً،
لأن الإمام البخاري روى له ما لم ينكر عليه، وقد ذكر ابن عدي في ترجمته ما أنكر
عليه، ولم يذكر هذا الحديث وقال: "قد اعتبرت حديثه ما روى عنه من الكوفيين
محمد بن عثمان بن كرامة، ومن الغرباء أحمد بن سعيد الداري وعندي من حديثهما صدر
صالح، ولم أجد في كتبه أنكر مما ذكرته، فلعله توهماً منه أو حملاً على الحفظ وهو
عندي إن شاء الله لا بأس به ". وقد حدَّث عن خالد كبارُ أهل العلم منهم
البخاري ومسلم وابن أبي شيبة وأبو داود في مسند مالك والترمذي والنسائي وابن
ماجه.. فهو ثقة له أفراد، وقد اعتمد حديث الولي وقواه شيخ الإسلام ابن تيمية -
رحمه الله - في كتابه القيم الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، بل وسائر
كتبه وفتاواه. وذكره في الفتاوى الكبرى واحتج به في مواضع عديدة، وفي الصارم
المسلول. وأفرده العلامة الشوكاني بكتاب ضخم تخريجاً وشرحاً في كتابه النفيس
(القطر الجلي شرح حديث الولي). بل هو مما تلقته الأمةُ بالقبولِ، واحتجَّ به جميعُ
الأئمة دون نكير، فيكون إجماعاً على صحَّتهِ" انتهى.
قلت: بل كلامك هو
المردود لا كلام الذهبي. وتخريج الأئمة له لا يعني أن كل حديث يرويه صحيح، بل إن
ابن عدي أورد له مناكير لا أصول لها وعزا ذلك إلى الوهم في الحفظ، وهذا ما أيده
المعلمي اليماني في هذا الحديث. وأما الأئمة الذين احتجوا به فذلك منهم لأن
البخاري خرجه وعدّه صحيحاً، وأما الإجماع المزعوم فمردود، فلا إجماع في مثل هذه
الأمور القائمة على الاجتهاد ضمن منهج أهل النقد.
الإشكالات
في متن الحديث
ورد على هذا الحديث
استشكالات كثيرة! واختلف العلماء في الجواب عنها! وهذا يدلّ على أن الحديث فيه
شيء! فلو كان إشكالاً واحداً لهان الأمر، لكن أن يكون فيها أكثر من استشكال! فهذا
يُضعف الحديث!
أولاً: أن
هذا الحديث يدلّ على الحلول والاتحاد ويستدل به الصوفية على ذلك!
يعتقد غلاة الصوفية ممن
يرون أن الأولياء أعظم من الأنبياء أن الله تعالى إنما يحل في الولي فيكون الولي
مظهراً من مظاهر الله تعالى، أو يكون الولي عين الله تعالى؛ فيكون يد الولي وسمعه
وبصره: يد الله وسمعه وبصره؛ وعليه فإن طلب المدد من الولي والاستغاثة به هو في
الحقيقة طلب من الله تعالى واستغاثة به؛ لأن الله قد حلّ في الولي. وهذا زندقة
وإلحاد!!
قال ابن عربي:
"أخبر محمد صلى الله عليه وسلم عن الحق تعالى: بأنه
عين السمع، والبصر، واليد، والرجل، واللسان، أي هو عين الحواس".
وقال الحلاّج:
يا عين عين وجودي يا مدى
هممي // يا منطقي وعباراتي وإيمائي
يا كل كلي ويا سمعي ويا
بصري // يا جملتي وتباعيضي وأجزائي
وقد ردّ أهل العلم
استدلال الصوفية بهذا الحديث! ونفوا عنه الحلول والاتحاد، وأوّلوه.
قال محمد رشيد رضا في
«تفسير المنار» (11/343): "وَإِنَّنَا لَمْ نَرَ فِي الْأَحَادِيثِ
الصَّحِيحَةِ فِي الْأَوْلِيَاءِ مَا هُوَ أَقْرَبُ إِلَى كَلَامِ الصُّوفِيَّةِ
مِنْهُ إِلَى كَلَامِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَدِيثَ: «مَنْ عَادَى لِي
وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِحَرْبٍ» إِلَخْ. وَقَدِ انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ
وَفِي سَنَدِهِ غَرَابَةٌ كَمَتْنِهِ. قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ: هَذَا
الْحَدِيثُ تَفَرَّدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ دُونَ بَقِيَّةِ أَصْحَابِ
الْكُتُبِ... وساق كلامه وكلام الذهبي.
ثم قال: "أَقُولُ:
وَأَمَّا الْغَرَابَةُ فِي مَتْنِ هَذَا الحَدِيثِ فَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: «ولا
يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا
أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ» إِلَى آخَرِ الَّذِي
اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ، وَقَدْ أَوَّلَهُ
الْعُلَمَاءُ وَبَيَّنْتُ أَمْثِلَةَ تَأْوِيلٍ لَهُ عِنْدِي فِي الْكَلَامِ عَلَى
حُبِّ اللهِ تَعَالَى مِنْ تَفْسِيرِ (9/24، 10/214 - ط الْهَيْئَةِ) فَرَاجِعْهُ
يُغْنِكَ عَنْ ذِكْرِهِ كُلِّهِ هُنَا".
وقال ابن تيمية:
"الاتحادية يَزْعُمُونَ أَنَّ قُرْبَ النَّوَافِلِ: يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ
عَيْنُ الْحَقِّ عَيْنَ أَعْضَائِهِ وَأَنَّ قُرْبَ الْفَرَائِضِ: يُوجِبُ أَنْ
يَكُونَ الْحَقُّ عَيْنَ وُجُودِهِ كُلِّهِ وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ
بَلْ كُفْرٌ صَرِيحٌ".
وقال أيضاً:
"وَهَذَا الحَدِيثُ يَحْتَجُّ بِهِ أَهْلُ الْوَحْدَةِ وَهُوَ حُجَّةٌ
عَلَيْهِمْ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ: مِنْهَا: أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ عَادَى لِي
وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ} فَأَثْبَتَ نَفْسَهُ وَوَلِيَّهُ
وَمُعَادِي وَلِيِّهِ وَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ، ثُمَّ قَالَ: {وَمَا تَقَرَّبَ
إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاء مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ وَلَا يَزَالُ عَبْدِي
يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ} فَأَثْبَتَ عَبْدًا
يَتَقَرَّبُ إلَيْهِ بِالْفَرَائِضِ ثُمَّ بِالنَّوَافِلِ وَأَنَّهُ لَا يَزَالُ
يَتَقَرَّبُ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى يُحِبَّهُ فَإِذَا أَحَبَّهُ كَانَ الْعَبْدُ
يَسْمَعُ بِهِ. وَيُبْصِرُ بِهِ وَيَبْطِشُ بِهِ وَيَمْشِي بِهِ. وَهَؤُلَاءِ هُوَ
عِنْدَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَقَرَّبَ بِالنَّوَافِلِ وَبَعْدَهُ: هُوَ عَيْنُ
الْعَبْدِ وَعَيْنُ غَيْرِهِ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ فَهُوَ بَطْنُهُ وَفَخِذُهُ لَا
يَخُصُّونَ ذَلِكَ بِالْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ
فَالْحَدِيثُ مَخْصُوصٌ بِحَالِ مُقَيَّدٍ وَهُمْ يَقُولُونَ بِالْإِطْلَاقِ
وَالتَّعْمِيمِ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ هَذَا".
وقال الحافظ ابن حجر
في «فتح الباري» (11/343): "وَقَدِ اسْتُشْكِلَ: كَيْفَ
يَكُونُ الْبَارِي جَلَّ وَعَلَا سَمْعَ الْعَبْدِ وَبَصَرَهُ إِلَخْ؟
وَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا: أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى سَبِيلِ
التَّمْثِيلِ، وَالْمَعْنَى: كُنْتُ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ فِي إِيثَارِهِ أَمْرِي
فَهُوَ يُحِبُّ طَاعَتِي وَيُؤْثِرُ خِدْمَتِي كَمَا يُحِبُّ هَذِهِ الْجَوَارِحَ.
ثَانِيهَا: أَنَّ الْمَعْنَى كُلِّيَّتَهُ مَشْغُولَةٌ بِي فَلَا يُصْغِي
بِسَمْعِهِ إِلَّا إِلَى مَا يُرْضِينِي وَلَا يَرَى بِبَصَرِهِ إِلَّا مَا أَمرته
بِهِ. ثَالِثهَا: الْمَعْنى أجعَل لَهُ مَقَاصِدَهُ كَأَنَّهُ يَنَالُهَا
بِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، إِلَخْ. رَابِعُهَا: كُنْتُ لَهُ فِي النُّصْرَةِ
كَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَيَدِهِ وَرِجْلِهِ فِي الْمُعَاوَنَةِ عَلَى عَدُوِّهِ.
خَامِسُهَا: قَالَ الْفَاكِهَانِيّ وَسَبقه إِلَى مَعْنَاهُ ابن هُبَيْرَةَ: هُوَ
فِيمَا يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَالتَّقْدِيرُ: كُنْتُ
حَافِظَ سَمْعِهِ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ فَلَا يَسْمَعُ إِلَّا مَا يَحِلُّ
اسْتِمَاعُهُ، وَحَافِظُ بَصَرِهِ كَذَلِكَ، إِلَخْ. سَادِسُهَا: قَالَ
الْفَاكِهَانِيُّ: يَحْتَمِلُ مَعْنًى آخَرَ أَدَقَّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ،
وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى سَمْعِهِ مَسْمُوعَهُ لِأَنَّ المَصْدَرَ قَدْ جَاءَ
بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، مِثْلُ فُلَانٌ أَمَلِي بِمَعْنَى مَأْمُولِي،
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ إِلَّا ذِكْرِي وَلَا يَلْتَذُّ إِلَّا
بِتِلَاوَةِ كِتَابِي وَلَا يَأْنَسُ إِلَّا بِمُنَاجَاتِي وَلَا يَنْظُرُ إِلَّا
فِي عَجَائِبِ مَلَكُوتِي وَلَا يَمُدُّ يَدَهُ إِلَّا فِيمَا فِيهِ رِضَايَ
وَرِجْلَهُ كَذَلِكَ، وَبِمَعْنَاهُ قَالَ ابن هُبَيْرَةَ أَيْضًا. وَقَالَ
الطُّوفِيُّ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ أَنَّ هَذَا
مَجَازٌ وَكِنَايَةٌ عَنْ نُصْرَةِ الْعَبْدِ وَتَأْيِيدِهِ وَإِعَانَتِهِ حَتَّى
كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُنَزِّلُ نَفْسَهُ مِنْ عَبْدِهِ مَنْزِلَةَ الْآلَاتِ
الَّتِي يَسْتَعِينُ بِهَا وَلِهَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ (فَبِي يَسْمَعُ وَبِي
يُبْصِرُ وَبِي يَبْطِشُ وَبِي يَمْشِي) قَالَ: وَالِاتِّحَادِيَّةُ زَعَمُوا
أَنَّهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَنَّ الْحَقَّ عَيْنُ الْعَبْدِ وَاحْتَجُّوا
بِمَجِيءِ جِبْرِيلَ فِي صُورَةِ دِحْيَةَ! قَالُوا: فَهُوَ رُوحَانِيٌّ خَلَعَ
صُورَتَهُ وَظَهَرَ بِمَظْهَرِ الْبَشَرِ، قَالُوا: فَاللَّهُ أَقْدَرُ عَلَى أَنْ
يَظْهَرَ فِي صُورَةِ الْوُجُودِ الْكُلِّيِّ أَوْ بَعْضِهِ تَعَالَى اللَّهُ
عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا!! وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذِهِ
أَمْثَالٌ، وَالْمَعْنَى: تَوْفِيقُ اللَّهِ لِعَبْدِهِ فِي الْأَعْمَالِ الَّتِي
يُبَاشِرُهَا بِهَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَتَيْسِيرُ الْمَحَبَّةِ لَهُ فِيهَا بِأَنْ
يَحْفَظَ جَوَارِحَهُ عَلَيْهِ وَيَعْصِمَهُ عَنْ مُوَاقَعَةِ مَا يَكْرَهُ
اللَّهُ مِنَ الْإِصْغَاءِ إِلَى اللَّهْوِ بِسَمْعِهِ وَمِنَ النَّظَرِ إِلَى مَا
نَهَى اللَّهُ عَنْهُ بِبَصَرِهِ وَمِنَ الْبَطْشِ فِيمَا لَا يَحِلُّ لَهُ
بِيَدِهِ وَمِنَ السَّعْيِ إِلَى الْبَاطِلِ بِرِجْلِهِ. وَإِلَى هَذَا نَحَا
الدَّاوُدِيُّ وَمِثْلُهُ الْكَلَابَاذِيُّ وَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ: أَحْفَظُهُ
فَلَا يَتَصَرَّفُ إِلَّا فِي مَحَابِّي لِأَنَّهُ إِذَا أَحَبَّهُ كَرِهَ لَهُ
أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا يَكْرَهُهُ مِنْهُ. سَابِعُهَا: قَالَ الْخَطَّابِيُّ
أَيْضًا: وَقَدْ يَكُونُ عَبَّرَ بِذَلِكَ عَنْ سُرْعَةِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ
وَالنُّجْحِ فِي الطَّلَبِ وَذَلِكَ أَنَّ مَسَاعِيَ الْإِنْسَانِ كُلَّهَا
إِنَّمَا تَكُونُ بِهَذِهِ الجَوَارِحِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
وَهُوَ مُنْتَزَعٌ مِمَّا تَقَدَّمَ لَا يَتَحَرَّكُ لَهُ جَارِحَةٌ إِلَّا فِي
اللَّهِ وَلِلَّهِ فَهِيَ كُلُّهَا تَعْمَلُ بِالْحَقِّ لِلْحَقِّ، وَأَسْنَدَ
الْبَيْهَقِيُّ فِي الزُّهْدِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الْحِيرِيِّ أَحَدِ أَئِمَّةِ
الطَّرِيقِ قَالَ: (مَعْنَاهُ كُنْتُ أَسْرَعَ إِلَى قَضَاءِ حَوَائِجِهِ مِنْ
سَمْعِهِ فِي الْأَسْمَاعِ وَعَيْنِهِ فِي النَّظَرِ وَيَدِهِ فِي اللَّمْسِ
وَرِجْلِهِ فِي الْمَشْيِ)، وَحَمَلَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الصُّوفِيَّةِ عَلَى
مَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ مَقَامِ الْفِنَاءِ وَالْمَحْوِ وَأَنَّهُ الْغَايَةُ
الَّتِي لَا شَيْءَ وَرَاءَهَا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا بِإِقَامَةِ اللَّهِ
لَهُ مُحِبًّا بِمَحَبَّتِهِ لَهُ نَاظِرًا بِنَظَرِهِ لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ
تَبْقَى مَعَهُ بَقِيَّةٌ تُنَاطُ بِاسْمٍ أَوْ تَقِفُ عَلَى رَسْمٍ أَوْ
تَتَعَلَّقُ بِأَمْرٍ أَوْ تُوصَفُ بِوَصْفٍ! وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ
يَشْهَدُ إِقَامَةَ اللَّهِ لَهُ حَتَّى قَامَ وَمَحَبَّتَهُ لَهُ حَتَّى
أَحَبَّهُ وَنَظَرَهُ إِلَى عَبْدِهِ حَتَّى أَقْبَلَ نَاظِرًا إِلَيْهِ
بِقَلْبِهِ وَحَمَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الزَّيْغِ عَلَى مَا يَدْعُونَهُ مِنْ أَنَّ
الْعَبْدَ إِذَا لَازَمَ الْعِبَادَةَ الظَّاهِرَةَ وَالْبَاطِنَةَ حَتَّى
يُصَفَّى مِنَ الكُدُورَاتِ أَنَّهُ يَصِيرُ فِي مَعْنَى الْحَقِّ تَعَالَى
اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَفْنَى عَنْ نَفْسِهِ جُمْلَةً حَتَّى يَشْهَدَ
أَنَّ اللَّهَ هُوَ الذَّاكِرُ لِنَفْسِهِ الْمُوَحِّدُ لِنَفْسِهِ الْمُحِبُّ
لِنَفْسِهِ، وَأَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ وَالرُّسُومَ تَصِيرُ عَدَمًا صَرْفًا
فِي شُهُودِهِ وَإِنْ لَمْ تُعْدَمْ فِي الْخَارِجِ، وَعَلَى الْأَوْجُهِ كُلِّهَا
فَلَا مُتَمَسَّكَ فِيهِ لِلِاتِّحَادِيَّةِ وَلَا الْقَائِلِينَ بِالْوَحْدَةِ
الْمُطْلَقَةِ لِقولِهِ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ (وَلَئِنْ سَأَلَنِي وَلَئِنِ
اسْتَعَاذَنِي) فَإِنَّهُ كَالصَّرِيحِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ".
وقال الحافظ ابن كثير:
"مَعْنَى الحَدِيثِ: أَنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْلَصَ الطَّاعَةَ صَارَتْ
أَفْعَالُهُ كُلُّهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا يَسْمَعُ إِلَّا اللَّهَ،
وَلَا يُبْصِرُ إِلَّا اللَّهَ، أَيْ: مَا شَرَعَهُ اللَّهُ لَهُ، وَلَا يَبْطِشُ
وَلَا يَمْشِي إِلَّا فِي طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مُسْتَعِينًا بِاللَّهِ
فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ فِي غَيْرِ
الصَّحِيحِ، بَعْدَ قَوْلِهِ: "وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا":
"فَبِي يَسْمَعُ، وَبِي يُبْصِرُ، وَبِي يَبْطِشُ، وَبِي يَمْشِي"؛
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {قُلْ هُوَ
الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ
قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ وَإِلَيْهِ
تُحْشَرُونَ}".
قلت: الحديث في ظاهره
يُفهم منه الحلول والاتحاد ولهذا وقع في ذلك الصوفية! وقد احتاج العلماء لبيان
معناه وصرفه عن ظاهره! ولست بصدد الحديث عن ذلك بعد أن بيّنت أن إسناده منكر لا
يصح!
لكن قد يحتج بعضهم بأن
ما جاء في الحديث له أصل في الشريعة بحيث ننفي عنه ما يظنه الصوفية وغيرهم من أنه
يدلّ على الحلول والاتحاد كالحديث الصحيح الذي يرويه أَنَس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ، قَالَ:
«إِذَا تَقَرَّبَ العَبْدُ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا،
وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِذَا أَتَانِي
مَشْيًا أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً»، ونحوه من الأحاديث!
لكن هذا الحديث وأمثاله
ليس فيها ما يدلّ عليه حديث الولي، وإنما هو في الحث على العبادة والذكر والدعاء
والتقرّب إلى الله، ومعناه واضح لا على حقيقته التي قد يفهمها بعض الناس، ومع ذلك
ليس فيه أي حلول أو اتحاد، وإنما تشترك هذه الأحاديث في نفي المعنى الظاهر
وتأويلها وصرفها إلى معانٍ أخرى!
نعم، يمكن تفسير حديث
الولي بما فسره بعض أهل العلم ممن نقلنا أقوالهم آنفاً، لكن يبقى الاختلاف بينهم
في حمل الحديث على معنى واحد يدلّ على أصل الاستشكال، والله أعلم.
ثانياً:
استشكال وجود أحد يعاديه لأن المعاداة إنما تقع من الجانبين!
قال الحافظ ابن حجر في
«فتح الباري» (11/342): "وَقَدِ اسْتُشْكِلَ وُجُودُ أَحَدٍ يُعَادِيهِ
لِأَنَّ المُعَادَاةَ إِنَّمَا تَقَعُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَمَنْ شَأْنِ
الوَلِيِّ الحِلْمُ وَالصَّفْحُ عَمَّنْ يَجْهَلُ عَلَيْهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ
الْمُعَادَاةَ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي الْخُصُومَةِ وَالْمُعَامَلَةِ
الدُّنْيَوِيَّةِ مَثَلًا بَلْ قَدْ تَقَعُ عَنْ بُغْضٍ يَنْشَأُ عَنِ
التَّعَصُّبِ كَالرَّافِضِيِّ فِي بُغْضِهِ لِأَبِي بَكْرٍ، وَالْمُبْتَدِعِ فِي
بُغْضِهِ لِلسُّنِّيِّ فَتَقَعُ الْمُعَادَاةُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ أَمَّا مِنْ
جَانِبِ الْوَلِيِّ فَلِلَّهِ تَعَالَى وَفِي اللَّهِ، وَأَمَّا مِنْ جَانِبِ
الْآخَرِ فَلِمَا تَقَدَّمَ وَكَذَا الْفَاسِقُ الْمُتَجَاهِرُ بِبُغْضِهِ
الْوَلِيَّ فِي اللَّهِ وَبِبُغْضِهِ الْآخَرَ لِإِنْكَارِهِ عَلَيْهِ
وَمُلَازَمَتِهِ لِنَهْيِهِ عَنْ شَهَوَاتِهِ، وَقَدْ تُطْلَقُ الْمُعَادَاةُ
وَيُرَادُ بِهَا الْوُقُوعُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بِالْفِعْلِ وَمِنَ
الْآخَرِ بِالْقُوَّةِ. قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: قَوْلُهُ (لِي) هُوَ فِي الْأَصْلِ
صِفَةٌ لِقولِهِ (وَلِيًّا) لَكِنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ صَار حَالا. وَقَالَ ابن
هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ: قَوْلُهُ (عَادَى لِي وَلِيًّا) أَيِ اتَّخَذَهُ
عَدُوًّا وَلَا أَرَى الْمَعْنَى إِلَّا أنه عَادَاهُ من أجل ولَايَته وَهُوَ وإن
تَضَمَّنَ التَّحْذِيرَ مِنْ إِيذَاءِ قُلُوبِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ لَيْسَ عَلَى
الْإِطْلَاقِ بَلْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إِذَا كَانَتِ الْحَالُ تَقْتَضِي
نِزَاعًا بَيْنَ وَلِيَّيْنِ فِي مُخَاصَمَةٍ أَوْ مُحَاكَمَةٍ تَرْجِعُ إِلَى اسْتِخْرَاجِ
حَقٍّ أَوْ كَشْفِ غَامِضٍ فَإِنَّهُ جَرَى بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ
مُشَاجَرَةٌ وَبَيْنَ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ
الْوَقَائِعِ انْتَهَى مُلَخَّصًا مُوَضَّحًا، وَتَعَقَّبَهُ الْفَاكِهَانِيُّ
بِأَنَّ مُعَادَاةَ الْوَلِيِّ لِكَوْنِهِ وَلِيًّا لَا يُفْهَمُ إِلَّا إِنْ
كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْحَسَدِ الَّذِي هُوَ تَمَنِّي زَوَالِ وِلَايَتِهِ وَهُوَ
بَعِيدٌ جِدًّا فِي حَقِّ الْوَلِيِّ فَتَأَمَّلْهُ. قُلْتُ: وَالَّذِي
قَدَّمْتُهُ أَوْلَى أَنْ يُعْتَمَدَ، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: وَيُسْتَفَادُ مِنْ
هَذَا الْحَدِيثِ تَقْدِيمُ الْإِعْذَارِ عَلَى الْإِنْذَارِ وَهُوَ
وَاضِحٌ".
ثالثاً:
استشكال وُقُوع الْمُحَارَبَة مِنَ الْجَانِبَيْنِ مَعَ أَنَّ الْمَخْلُوقَ فِي
أَسْرِ الْخَالِقِ!
قال ابن حجر:
"وَقَدِ اسْتُشْكِلَ وُقُوعُ الْمُحَارَبَةِ وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنَ
الْجَانِبَيْنِ مَعَ أَنَّ الْمَخْلُوقَ فِي أَسْرِ الْخَالِقِ! وَالْجَوَابُ
أَنَّهُ مِنَ الْمُخَاطَبَةِ بِمَا يُفْهَمُ فَإِنَّ الْحَرْبَ تَنْشَأُ عَنِ
الْعَدَاوَةِ وَالْعَدَاوَةُ تَنْشَأُ عَنِ الْمُخَالَفَةِ وَغَايَةُ الْحَرْبِ
الْهَلَاكُ وَاللَّهُ لَا يَغْلِبُهُ غَالِبٌ، فَكَأَنَّ الْمَعْنَى فَقَدْ
تَعَرَّضَ لِإِهْلَاكِي إِيَّاهُ فَأَطْلَقَ الْحَرْبَ وَأَرَادَ لَازِمَهُ أَيْ
أَعْمَلُ بِهِ مَا يَعْمَلُهُ الْعَدُوُّ الْمُحَارَبُ. قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ:
فِي هَذَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ لِأَنَّ مَنْ حَارَبَهُ اللَّهُ أَهْلَكَهُ، وَهُوَ
مِنَ الْمَجَازِ الْبَلِيغِ لِأَنَّ مَنْ كَرِهَ مَنْ أَحَبَّ اللَّهُ خَالَفَ
اللَّهَ وَمَنْ خَالَفَ اللَّهَ عَانَدَهُ وَمَنْ عَانَدَهُ أَهْلَكَهُ وَإِذَا
ثَبَتَ هَذَا فِي جَانِبِ الْمُعَادَاةِ ثَبَتَ فِي جَانِبِ الْمُوَالَاةِ فَمَنْ
وَالَى أَوْلِيَاءَ اللَّهِ أَكْرَمَهُ اللَّهُ. وَقَالَ الطُّوفِيُّ: لَمَّا
كَانَ وَلِيُّ اللَّهِ مَنْ تَوَلَّى اللَّهَ بِالطَّاعَةِ وَالتَّقْوَى
تَوَلَّاهُ اللَّهُ بِالْحِفْظِ وَالنُّصْرَةِ وَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ
بِأَنَّ عَدُوَّ الْعَدُوِّ صِدِّيقٌ وَصِدِّيقَ الْعَدُوِّ عَدُوٌّ فَعَدُوُّ
وَلِيِّ اللَّهِ عَدُوُّ اللَّهِ فَمَنْ عَادَاهُ كَانَ كَمَنْ حَارَبَهُ وَمَنْ
حَارَبَهُ فَكَأَنَّمَا حَارَبَ اللَّهَ".
رابعاً:
استشكال بأن النوافل هي التي ينتج عنها محبة الله للعبد والفرائض مقدمة عليها فكيف
لا تنتج المحبة!
قال ابن حجر:
"قَوْلُهُ (بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أَحْبَبْتُهُ) فِي رِوَايَةِ
الْكُشْمِيهَنِيِّ (أُحِبَّهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَعَالَى
لِلْعَبْدِ تَقَعُ بِمُلَازَمَةِ الْعَبْدِ التَّقَرُّبَ بِالنَّوَافِلِ، وَقَدِ
اسْتُشْكِلَ بِمَا تَقَدَّمَ أَوَّلًا أَنَّ الْفَرَائِضَ أَحَبُّ الْعِبَادَاتِ
الْمُتَقَرَّبِ بِهَا إِلَى اللَّهِ فَكَيْفَ لَا تُنْتِجُ الْمَحَبَّةَ!
وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ النَّوَافِلِ مَا كَانَتْ حَاوِيَةً
لِلْفَرَائِضِ مُشْتَمِلَةً عَلَيْهَا وَمُكَمِّلَةً لَهَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ
فِي رِوَايَة أبي أُمَامَة: (ابن آدَمَ إِنَّكَ لَنْ تُدْرِكَ مَا عِنْدِي إِلَّا
بِأَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْكَ) وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: مَعْنَى
الْحَدِيثِ أَنَّهُ إِذَا أَدَّى الْفَرَائِضَ وَدَامَ عَلَى إِتْيَانِ
النَّوَافِلِ مِنْ صَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَغَيْرِهِمَا أَفْضَى بِهِ ذَلِكَ إِلَى
مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ ابن هُبَيْرَةَ: يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ مَا
تَقْرَبَ إِلَخْ أَنَّ النَّافِلَةَ لَا تُقَدَّمُ عَلَى الْفَرِيضَةِ لِأَنَّ
النَّافِلَةَ إِنَّمَا سُمِّيَتْ نَافِلَةً لِأَنَّهَا تَأْتِي زَائِدَةً عَلَى
الْفَرِيضَةِ فَمَا لَمْ تُؤَدَّ الْفَرِيضَةُ لَا تَحْصُلُ النَّافِلَةُ، وَمَنْ
أَدَّى الْفَرْضَ ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ النَّفْلَ وَأَدَامَ ذَلِكَ تَحَقَّقَتْ
مِنْهُ إِرَادَةُ التَّقَرُّبِ، انْتَهَى. وَأَيْضًا فَقَدْ جَرَتِ الْعَادَةُ
أَنَّ التَّقَرُّبَ يَكُونُ غَالِبًا بِغَيْرِ مَا وَجَبَ عَلَى الْمُتَقَرِّبِ
كَالْهَدِيَّةِ وَالتُّحْفَةِ بِخِلَافِ مَنْ يُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ مِنْ خَرَاجٍ
أَوْ يَقْضِي مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ، وَأَيْضًا فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا
شُرِعَتْ لَهُ النَّوَافِلُ جَبْرُ الْفَرَائِضِ كَمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ
الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ: (انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ
فَتَكْمُلُ بِهِ فَرِيضَتُهُ) الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ
الْمُرَادَ مِنَ التَّقَرُّبِ بِالنَّوَافِلِ أَنْ تَقَعَ مِمَّنْ أَدَّى
الْفَرَائِضَ لَا مَنْ أَخَلَّ بِهَا كَمَا قَالَ بَعْضُ الْأَكَابِرِ مَنْ
شَغَلَهُ الْفَرْضُ عَنِ النَّفْلِ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَمَنْ شَغَلَهُ النَّفْلُ
عَنِ الْفَرْضِ فَهُوَ مَغْرُورٌ".
خامساً: كيف
يوصَف الله بالتردد؟!
اعتمد أهل العلم على هذا
الحديث في إثبات صفة "التَّرَدُّد"، وقالوا: بأنها صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ
ثابتةٌ لله تعالى على ما يليق به.
وقد سُئِل شيخ الإسلام
ابن تيمية عن معنى التردد؟ فأجاب: "هذا حديث شريف، قد رواه البخاريُّ من حديث
أبي هريرة، وهو أشرف حديث رُوِي في صفة الأولياء، وقد ردَّ هذا الكلام طائفة
وقالوا: إنَّ الله لا يوصف بالتَّردُّد، وإنما يتردَّد من لا يعلم عواقب الأمور،
والله أعلم بالعواقب، وربما قال بعضهم: إنَّ الله يعامل معاملة المتردِّد.
والتحقيق: أنَّ كلام رسوله حقٌّ وليس أحد أعلم بالله من رسوله ولا أنصح للأمَّة
منه ولا أفصح ولا أحسن بياناً منه، فإذا كان كذلك كان المتحذلق والمنكر عليه من
أضلِّ النَّاس وأجهلهم وأسوئهم أدباً، بل يجب تأديبه وتعزيره، ويجب أن يُصان كلام
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الظُّنون الباطلة والاعتقادات الفاسدة،
ولكنَّ المتردِّد منَّا وإن كان تردُّده في الأمر لأجل كونه ما يعلم عاقبة الأمور
لا يكون ما وصف الله به نفسه بمنزلة ما يوصف به الواحد منا؛ فإنَّ الله ليس كمثله
شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، ثم هذا باطل؛ فإنَّ الواحد منَّا
يتردَّد تارة لعدم العلم بالعواقب، وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد؛
فيريد الفعل لما فيه من المصلحة ويكرهه لما فيه من المفسدة، لا لجهله منه بالشَّيء
الواحد الذي يُحَبُّ من وجه ويُكرَه من وجه، كما قيل:
الشَّيْبُ كُرْهٌ
وكُرْهٌ أَنْ أفَارِقَهُ ... فاعْجَبْ لِشَيْءٍ عَلى البغضاءِ محبوبُ
وهذا مثل إرادة المريض
لدوائه الكريه، بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصَّالحة التي تكرهها النَّفس
هو من هذا الباب، وفي «الصَّحيح»: «حُفَّت النَّار بالشَّهوات، وحُفَّت الجنَّة
بالمكاره»، وقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ...} الآية.
ومن هذا الباب يظهر معنى
التردُّد المذكور في هذا الحديث؛ فإنَّه قال: «لا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ
بالنَّوافل حتَّى أحبَّه»؛ فإنَّ العبد الذي هذا حاله صار محبوباً للحقِّ محبّاً
له، يتقرَّب إليه أوَّلاً بالفرائض وهو يحبُّها، ثمَّ اجتهد في النَّوافل التي يحبُّها
ويحبُّ فاعلها، فأتى بكلِّ ما يقدر عليه من محبوب الحقِّ؛ فأحبَّه الحقُّ لفعل
محبوبه من الجانبين بقصد اتِّفاق الإرادة بحيث يحبُّ ما يحبُّه محبوبه ويكره ما
يكرهه محبوبه، والرَّبُّ يكره أن يسوء عبده ومحبوبه؛ فلزم من هذا أن يكره الموت
ليزداد من محابِّ محبوبه. والله سبحانه وتعالى قد قضى بالموت؛ فكلُّ ما قضى به فهو
يريده ولا بدَّ منه، فالرَّبُّ مريد لموته لما سبق به قضاؤه، وهو مع ذلك كاره
لمساءة عبده وهي المساءة التي تحصل له بالموت؛ فصار الموت مراداً للحقِّ من وجه
مكروهاً له من وجه، وهذا حقيقة التَّردُّد، وهو أن يكون الشَّيء الواحد مراداً من
وجه مكروهاً من وجه، وإن كان لا بدَّ من ترجُّح أحد الجانبين كما ترجَّح إرادة
الموت، لكن مع وجود كراهة مساءة عبده، وليس إرادته لموت المؤمن الذي يحبُّه ويكره
مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته" انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر:
"قال الخَطَّابِيُّ: التَّرَدُّدُ فِي حَقِّ اللَّهِ غَيْرُ جَائِزٍ
وَالبَدَاءُ عَلَيْهِ فِي الْأُمُورِ غَيْرُ سَائِغٍ، وَلَكِنْ لَهُ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يُشْرِفُ عَلَى الْهَلَاكِ فِي أَيَّامِ
عُمُرِهِ مِنْ دَاءٍ يُصِيبُهُ وَفَاقَةٍ تَنْزِلُ بِهِ فَيَدْعُو اللَّهَ
فَيَشْفِيهِ مِنْهَا وَيَدْفَعُ عَنْهُ مَكْرُوهَهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ
فِعْلِهِ كَتَرَدُّدِ مَنْ يُرِيدُ أَمْرًا، ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فِيهِ
فَيَتْرُكُهُ وَيُعْرِضُ عَنْهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ لِقَائِهِ إِذَا بَلَغَ
الْكِتَابُ أَجَلَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ الْفَنَاءَ عَلَى خَلْقِهِ
وَاسْتَأْثَرَ بِالْبَقَاءِ لِنَفْسِهِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَا
رَدَدْتُ رُسُلِي فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ كَتَرْدِيدِي إِيَّاهُمْ فِي نَفْسِ
الْمُؤْمِنِ كَمَا رَوَى فِي قِصَّةِ مُوسَى وَمَا كَانَ مِنْ لَطْمَةِ عَيْنَ
مَلَكِ الْمَوْتِ، وَتَرَدُّدِهِ إِلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى. قَالَ:
وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى عَلَى الْوَجْهَيْنِ عَطْفُ اللَّهِ عَلَى الْعَبْدِ
وَلُطْفُهُ بِهِ وَشَفَقَتُهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْكَلَابَاذِيُّ مَا حَاصِلُهُ:
أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ صِفَةِ الْفِعْلِ بِصِفَةِ الذَّاتِ، أَيْ عَنِ التَّرْدِيدِ
بِالتَّرَدُّدِ وَجَعَلَ مُتَعَلَّقَ التَّرْدِيدِ اخْتِلَافَ أَحْوَالِ الْعَبْدِ
مِنْ ضَعْفٍ وَنَصَبٍ إِلَى أَنْ تَنْتَقِلَ مَحَبَّتُهُ فِي الْحَيَاةِ إِلَى
مَحَبَّتِهِ لِلْمَوْتِ فَيُقْبَضُ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ: وَقَدْ يُحْدِثُ اللَّهُ
فِي قَلْبِ عَبْدِهِ مِنَ الرَّغْبَةِ فِيمَا عِنْدَهُ وَالشَّوْقِ إِلَيْهِ
وَالْمَحَبَّةِ لِلِقَائِهِ مَا يَشْتَاقُ مَعَهُ إِلَى الْمَوْتِ فَضْلًا عَنْ
إِزَالَةِ الْكَرَاهَةِ عَنْهُ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَيَسُوءُهُ
وَيَكْرَهُ اللَّهُ مُسَاءَتَهُ فَيُزِيلُ عَنْهُ كَرَاهِيَةَ الْمَوْتِ لِمَا
يُورِدُهُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْوَالِ فَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ وَهُوَ لَهُ مُؤْثِرٌ
وَإِلَيْهِ مُشْتَاقٌ. قَالَ: وَقَدْ وَرَدَ تَفَعَّلَ بِمَعْنَى فَعَلَ مِثْلَ
تَفَكَّرَ وَفَكَّرَ وَتَدَبَّرَ وَدَبَّرَ وَتَهَدَّدَ وَهَدَّدَ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ. وَعَنْ بَعْضِهِمْ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَرْكِيبُ الْوَلِيِّ
يَحْتَمِلُ أَنْ يَعِيشَ خَمْسِينَ سَنَةً وَعُمُرُهُ الَّذِي كُتِبَ لَهُ
سَبْعُونَ فَإِذَا بَلَغَهَا فَمَرِضَ دَعَا اللَّهَ بِالْعَافِيَةِ فَيُحْيِيهِ
عِشْرِينَ أُخْرَى مَثَلًا فَعَبَّرَ عَنْ قَدْرِ التَّرْكِيبِ وَعَمًّا انْتَهَى
إِلَيْهِ بِحَسب الاجل الْمَكْتُوب بالتردد. وَعبر ابن الْجَوْزِيِّ عَنِ
الثَّانِي بِأَنَّ التَّرَدُّدَ لِلْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَقْبِضُونَ الرُّوحَ
وَأَضَافَ الْحَقُّ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ تَرَدُّدَهُمْ عَنْ أَمْرِهِ،
قَالَ: وَهَذَا التَّرَدُّدُ يَنْشَأُ عَنْ إِظْهَارِ الْكَرَاهَةِ، فَإِنْ قِيلَ:
إِذَا أُمِرَ الْمَلَكُ بِالْقَبْضِ كَيْفَ يَقَعُ مِنْهُ التَّرَدُّدُ؟
فَالْجَوَابُ: أَنه يتَرَدَّد فِيمَا لم يُحَدُّ لَهُ فِيهِ الْوَقْتُ كَأَنْ
يُقَالَ: لَا تَقْبِضْ رُوحَهُ إِلَّا إِذَا رَضِيَ. ثُمَّ ذَكَرَ جَوَابًا
ثَالِثًا: وَهُوَ احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى التَّرَدُّدِ اللُّطْفَ بِهِ
كَأَنَّ الْمَلَكَ يُؤَخِّرُ الْقَبْضَ فَإِنَّهُ إِذَا نَظَرَ إِلَى قَدْرِ
الْمُؤْمِنِ وَعِظَمِ الْمَنْفَعَةِ بِهِ لِأَهْلِ الدُّنْيَا احْتَرَمَهُ فَلَمْ
يَبْسُطْ يَدَهُ إِلَيْهِ فَإِذَا ذَكَرَ أَمْرَ رَبِّهِ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنِ
امْتِثَالِهِ. وَجَوَابًا رَابِعًا: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ هَذَا خِطَابًا لَنَا
بِمَا نَعْقِلُ وَالرَّبُّ مُنَزَّهٌ عَنْ حَقِيقَتِهِ بَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ
قَوْلِهِ (وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) فَكَمَا أَنَّ
أَحَدَنَا يُرِيدُ أَنْ يَضْرِبَ وَلَدَهُ تَأْدِيبًا فَتَمْنَعُهُ الْمَحَبَّةُ
وَتَبْعَثُهُ الشَّفَقَةُ فَيَتَرَدَّدُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ كَانَ غَيْرَ
الْوَالِدِ كَالْمُعَلَّمِ لَمْ يَتَرَدَّدْ بَلْ كَانَ يُبَادِرُ إِلَى ضَرْبِهِ
لِتَأْدِيبِهِ فَأُرِيدَ تَفْهِيمُنَا تَحْقِيقَ الْمَحَبَّةِ لِلْوَلِيِّ
بِذِكْرِ التَّرَدُّدِ. وَجَوَّزَ الْكِرْمَانِيُّ احْتِمَالًا آخَرَ: وَهُوَ
أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَقْبِضُ رُوحَ الْمُؤْمِنِ بِالتَّأَنِّي
وَالتَّدْرِيجِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ
قَوْلِ (كُنْ) سَرِيعًا دَفْعَةً".
إشكال في إيراد هذا الحديث في كتاب الرقاق، باب التواضع!
قال ابن حجر:
"أَشْكَلَ وَجْهُ دُخُولِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ التَّوَاضُعِ حَتَّى
قَالَ الدَّاوُدِيُّ: لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنَ التَّوَاضُعِ فِي شَيْءٍ!
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُنَاسِبُ إِدْخَالُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ
وَهُوَ مُجَاهَدَةُ الْمَرْءِ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِذَلِكَ
تَرْجَمَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الزُّهْدِ، فَقَالَ: (فَصْلٌ فِي الِاجْتِهَادِ فِي
الطَّاعَةِ وَمُلَازَمَةِ الْعُبُودِيَّةِ) وَالْجَوَابُ عَنِ الْبُخَارِيِّ مِنْ
أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ بِالنَّوَافِلِ لَا
يَكُونُ إِلَّا بِغَايَةِ التَّوَاضُعِ لِلَّهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ
الْكِرْمَانِيُّ. ثَانِيهَا: ذَكَرَهُ أَيْضًا فَقَالَ: قِيلَ التَّرْجَمَةُ
مُسْتَفَادَةٌ مِمَّا قَالَ: كُنْتُ سَمْعَهُ وَمِنَ التَّرَدُّدِ، قُلْتُ:
وَيَخْرُجُ مِنْهُ جَوَابٌ ثَالِثٌ، وَيَظْهَرُ لِي رَابِعٌ: وَهُوَ أَنَّهَا
تُسْتَفَادُ مِنْ لَازِمِ قَوْلِهِ (مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا) لِأَنَّهُ
يَقْتَضِي الزَّجْرَ عَنْ مُعَادَاةِ الْأَوْلِيَاءِ الْمُسْتَلْزِمِ لِمُوَالَاتِهِمْ،
وَمُوَالَاةِ جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ لَا تَتَأَتَّى إِلَّا بِغَايَةِ
التَّوَاضُعِ إِذْ مِنْهُمُ الْأَشْعَثُ الْأَغْبَرُ الَّذِي لَا يُؤْبَهُ لَهُ
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَثِّ عَلَى التَّوَاضُعِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ
لَكِنْ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى شَرْطِهِ فَاسْتَغْنَى عَنْهَا بِحَدِيثَيِ
الْبَابِ، مِنْهَا: حَدِيثُ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ رَفَعَهُ: «إِنَّ اللَّهَ
تَعَالَى أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى
أَحَدٍ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا، وَمِنْهَا: حَدِيثُ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: «وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ تَعَالَى إِلَّا
رَفَعَهُ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَالتِّرْمِذِيُّ، وَمِنْهَا: حَدِيثِ
أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ: «مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ حَتَّى
يَجْعَلَهُ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ» الحَدِيثُ، أَخْرَجَهُ ابن ماجه وَصَححهُ ابن
حبَان".
أقول:
الإجابة على هذه الإشكالات فيها نوع من التعسف والتكلّف، واختلاف العلماء في
الإجابة عنها يدلّ على أن هذا المتن مشكل حقيقة! وهو منكرٌ!
وهناك من
أهل العلم من يرى بأن البخاريّ لا يفوته هذا التفرد، ومن أجل هذا وضعه في كتاب
الرقاق، وفي باب التواضع لموافقته لبعض الأصول في الشريعة! وهذا أيضاً فيه نظر،
والله أعلم.
«بُلُوغ الأماني»
في تخريج البخاريّ لأحاديث خالد بن
مَخلد القطواني
قال ابن عبدالهادي في
«الصارم المنكي في الرد على السبكي»: "وأعلم أن كثيراً ما يروي أصحاب الصحيح
حديث الرجل عن شيخ معين لخصوصيته به ومعرفته بحديثه وضبطه له، ولا يخرجون من حديثه
عن غيره لكونه غير مشهور بالرواية عنه، ولا معروف بضبط حديثه، أو لغير ذلك، فيجيء
من لا تحقيق عنده، فيرى ذلك الرجل المخرج له في الصحيح قد روى حديثاً عمن خرج له
في الصحيح من غير طريق ذلك الرجل، فيقول: هذا على شرط الشيخين، أو على شرط
البخاري، أو على شرط مسلم، لأنهما احتجا بذلك الرجل في الجملة. وهذا فيه نوع
تساهل، فإن صاحبي الصحيح لم يحتجا به إلا في شيخ معين لا في غيره فلا يكون على
شرطهما، وهذا كما يخرج البخاري ومسلم حديث خالد بن مخلد القطواني عن سليمان بن
بلال، وعلي بن مسهر وغيرهما، ولا يخرجان حديثه عن عبدالله بن المثنى، وإن كان
البخاري قد روى لعبدالله بن المثنى من غير رواية خالد عنه. فإذا قال قائل في حديثه
عن عبدالله بن المثنى: هذا على شرط البخاري كما قاله بعضهم في حديثه عنه عن ثابت
البناني عن أنس بن مالك قال: أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب
احتجم وهو صائم، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفطر هذا ثم رخص النبي بعد
في الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم، كان في كلامه نوع مساهلة، فإن خالداً
غير مشهور بالرواية عن عبدالله بن المثنى".
قلت: هذا كلام صحيح في
الجملة، ولكن إذا احتجا بحديث راو في شيخ معين فهذا لا يعني أن كل حديثه في ذلك
الشيخ صحيح، نعم، قد يكون ذلك صحيحاً في غالب حديث الثقات الكبار، وأما من تكلِّم
فيهم مثل خالد بن مخلد، فهما ينتقيان من حديثه ما صح عندهما، وهذا الانتقاء قائم
على الاجتهاد لاعتبارات معينة، وسندرس هنا أحاديثه التي أخرجها له البخاري.
خالِدُ بنُ مَخْلَدٍ
أَبُو الهَيْثَمِ الْكُوفِيُّ، وَيُعْرَفُ بِالْقَطَوَانِيِّ، سَمِعَ: مَالِكَ بنَ
أَنَسٍ، وَسُلَيْمَانَ بنَ بِلالٍ، وَعَبْدَاللَّهِ بنَ جَعْفَرٍ المَخْرَمِيَّ،
وَنَافِعَ بنَ أَبِي نُعَيْمٍ القَارِيَّ، وَيَزِيدَ بنَ عَبْدِالْمَلِكِ
النَّوْفَلِيَّ، وَعَبْدَاللَّهِ بنَ عُمَرَ الْعَمْرِيَّ، وَمُوسَى بنَ يَعْقُوبَ
الزَّمْعِيَّ.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ
بنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ كَرَامَةَ
الْعِجْلِيُّ، وَعَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَازِمِ بنِ
أَبِي غَرَزَةَ الْغِفَارِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.
أخرج له البخاري واحد
وثلاثون حديثاً أخر غير حديثنا هذا، وهي:
الحديث الأول
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب العلم»، «بَاب طَرْحِ الْإِمَامِ الْمَسْأَلَةَ على أَصْحَابِهِ
لِيَخْتَبِرَ ما عِنْدَهُمْ من الْعِلْمِ»، رقم (62): حدثنا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ،
قال: حدثنا سُلَيْمَانُ، قال: حدثنا عبداللَّهِ بن دِينَارٍ، عن ابن عُمَرَ، عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ من الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ
وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، حَدِّثُونِي ما هِيَ؟ قال: فَوَقَعَ
الناس في شَجَرِ الْبَوَادِي، قال عبداللَّهِ: فَوَقَعَ في نَفْسِي أنها
النَّخْلَةُ، ثُمَّ قالوا: حَدِّثْنَا ما هِيَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: هِيَ
النَّخْلَةُ».
قلت: هذا الحديث رواه
البخاري أيضاً برقم (61) من طريق إِسْمَاعِيل بن جَعْفَرٍ، وبرقم (131) من طريق
مَالِك، عن عبداللَّهِ بن دِينَارٍ، به.
فقد توبع سليمان بن بلال
عليه من رواية خالد بن مخلد عنه، تابعه: إسماعيل بن جعفر ومالك.
الحديث الثاني
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب الوضوء»، «بَاب الْوُضُوءِ من التَّوْرِ»، رقم (196): حدثنا خَالِدُ بن
مَخْلَدٍ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ، قال: حدثني عَمْرُو بن يحيى، عن أبيه، قال:
«كان عَمِّي يُكْثِرُ من الْوُضُوءِ، قال لِعَبْدِاللَّهِ بن زَيْدٍ: أخبرني
كَيْفَ رَأَيْتَ النبي صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ؟ فَدَعَا بِتَوْرٍ من
مَاءٍ، فَكَفَأَ على يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثَ مِرَارٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ
يَدَهُ في التَّوْرِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ من غَرْفَةٍ
وَاحِدَةٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاغْتَرَفَ بها فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ إلى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ،
ثُمَّ أَخَذَ بيده مَاءً فَمَسَحَ رَأْسَهُ فَأَدْبَرَ بِهِ وَأَقْبَلَ، ثُمَّ
غَسَلَ رِجْلَيْهِ، فقال: هَكَذَا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ».
قلت: رواه البخاري أيضاً
برقم (184) عن مُوسَى بن إسماعيل التبوذكي. وبرقم (189) عن سليمان بن حربٍ، كلاهما
عن وُهَيْب بن خالد، عن عَمرٍو، عن أبيه: شَهِدْتُ عَمْرَو بن أبي حَسَنٍ سَأَلَ
عَبْدَاللَّهِ بن زَيْدٍ عن وُضُوءِ النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر مثله.
فقد توبع سليمان عليه،
تابعه: وهيب بن خالد.
الحديث الثالث
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب الوضوء»، «بَاب الْوُضُوءِ من غَيْرِ حَدَثٍ»، رقم (212): حدثنا خَالِدُ بن
مَخْلَدٍ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ، قال: حدثني يحيى بن سَعِيدٍ، قال: أخبرني
بُشَيْرُ بن يَسَارٍ، قال: أخبرني سُوَيْدُ بن النُّعْمَانِ، قال: «خَرَجْنَا مع
رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ خَيْبَرَ حتى إذا كنا بِالصَّهْبَاءِ صلى
لنا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَصْرَ فلما صلى دَعَا بِالْأَطْعِمَةِ
فلم يُؤْتَ إلا بِالسَّوِيقِ فَأَكَلْنَا وَشَرِبْنَا، ثُمَّ قام النبي صلى الله
عليه وسلم إلى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ، ثُمَّ صلى لنا الْمَغْرِبَ ولم
يَتَوَضَّأْ».
قلت: رواه البخاري أيضاً
برقم (5069) و(5139) عن عَلِيّ بن عبداللَّهِ بن المديني، عن سُفْيَان ابن عُيينة،
عن يحيى بن سَعِيدٍ الأنصاريّ، به.
فقد توبع سليمان بن بلال
عليه، تابعه: ابن عيينة.
الحديث الرابع
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب الوضوء»، «بَاب: يُهَرِيقُ المَاءَ عَلَى البَوْلِ»، رقم (221): حَدَّثَنَا
خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ يَحْيَى بنِ
سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ
فِي طَائِفَةِ المَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ، «فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ».
قلت: رواه البخاري قبله
برقم (218) عن عَبْدَان عبدالله بن عثمان، عن عبداللَّه بن المبارك، عن يحيى بن
سَعِيدٍ، به.
فقد توبع سليمان بن بلال
عليه، تابعه: ابن المبارك.
الحديث الخامس
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب الصلاة»، «بَاب من أَخَفَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصَّبِيِّ»، رقم
(676): حدثنا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ بن بِلَالٍ، قال: حدثنا
شَرِيكُ بن عبداللَّهِ، قال: سمعت أَنَسَ بن مَالِكٍ يقول: «ما صَلَّيْتُ وَرَاءَ
إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً ولا أَتَمَّ من النبي صلى الله عليه وسلم، وَإِنْ
كان لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَيُخَفِّفُ مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ».
قلت: رواه البخاري برقم
(677) عن عَلِيّ بن المديني، عن يَزِيد بن زُرَيْعٍ. وبرقم (678) عن محمد بن
بَشَّارٍ، عن محمد بن أبي عَدِيٍّ، كلاهما عن سَعِيد بن أبي عروبة، عن قَتَادَةَ،
عن أَنَسِ بن مَالِكٍ، نحوه.
ورواه الإمام مسلم برقم
(469) عن يحيى بن يحيى وَيَحْيَى بن أَيُّوبَ وَقُتَيْبَة بن سَعِيدٍ وعلي بن
حُجْرٍ، كلهم عن إسماعيل بن جَعْفَرٍ، عن شَرِيكِ بن عبداللَّهِ بن أبي نَمِرٍ،
به.
فقد توبع سليمان بن بلال
عليه، تابعه إسماعيل بن جعفر.
الحديث السادس
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب الحج»، «باب من جَمَعَ بَيْنَهُمَا ولم يَتَطَوَّعْ»، برقم (1590) قال:
حدثنا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ بن بِلَالٍ، قال: حدثنا يحيى
بن سَعِيدٍ، قال: أخبرني عَدِيُّ بن ثَابِتٍ، قال: حدثني عبداللَّهِ بن يَزِيدَ
الْخَطْمِيُّ، قال: حدثني أبو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم جَمَعَ في حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ
بِالْمُزْدَلِفَةِ».
قلت: رواه مسلم في
«صحيحه» برقم (1287) قال: حدثنا يحيى بن يحيى، قال: أخبرنا سُلَيْمَانُ بن
بِلَالٍ، به.
قال: وحدثناه قُتَيْبَةُ
وابن رُمْحٍ، عن اللَّيْثِ بن سَعْدٍ، عن يحيى بن سَعِيدٍ بهذا الإسناد.
فقد توبع سليمان عليه،
تابعه: الليث بن سعد.
الحديث السابع
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب الحج»، «باب ما يَأْكُلُ من الْبُدْنِ وما يَتَصَدَّقُ»، برقم (1633) قال:
حدثنا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ، قال: حدثني يحيى، قال:
حَدَّثَتْنِي عَمْرَةُ، قالت: سمعت عَائِشَةَ - رضي الله عنها- تَقُولُ:
«خَرَجْنَا مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِخَمْسٍ بَقِينَ من ذِي
الْقَعْدَةِ ولا نُرَى إلا الْحَجَّ حتى إذا دَنَوْنَا من مَكَّةَ أَمَرَ رسول
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من لم يَكُنْ معه هَدْيٌ إذا طَافَ بِالْبَيْتِ أن
يَحِلُّ. قالت عَائِشَةُ - رضي الله عنها-: فَدُخِلَ عَلَيْنَا يوم النَّحْرِ
بِلَحْمِ بَقَرٍ، فقلت: ما هذا؟ فَقِيلَ: ذَبَحَ النبي صلى الله عليه وسلم عن
أَزْوَاجِهِ. قال يحيى: فَذَكَرْتُ هذا الحديث لِلْقَاسِمِ، فقال: أَتَتْكَ
بِالْحَدِيثِ على وَجْهِهِ».
قلت: رواه البخاري برقم
(1623) عن عبداللَّهِ بن يُوسُفَ التنّيسيّ، وبرقم (2793) عن عبدالله بن مَسلمة،
كلاهما عن مَالِك، عن يحيى بن سَعِيدٍ، به.
ورواه الإمام مسلم برقم
(1211) قال: وحدثنا عبداللَّهِ بن مَسْلَمَةَ بن قَعْنَبٍ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ
- يَعْنِي ابن بِلَالٍ، عن يحيى - وهو ابن سَعِيدٍ- عن عَمْرَةَ، به.
فقد توبع عليه سليمان،
تابعه: مالك، وتوبع خالد بن مخلد عليه، تابعه: عبدالله بن مسلمة القعنبي.
الحديث الثامن
قال البخاري في «صحيحه»،
«أَبْوَابُ الإحصار وجزاء الصيد»، «بَاب الْحِجَامَةِ لِلْمُحْرِمِ»، برقم (1739)
قال: حدثنا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ بن بِلَالٍ، عن
عَلْقَمَةَ بن أبي عَلْقَمَةَ، عن عبدالرحمن الْأَعْرَجِ، عن ابن بُحَيْنَةَ - رضي
الله عنه – قال: «احْتَجَمَ النبي صلى الله عليه وسلم وهو مُحْرِمٌ بِلَحْيِ
جَمَلٍ في وَسَطِ رَأْسِهِ».
قلت: رواه
البخاري برقم (5373) عن إِسْمَاعِيل بن أبي أُويس، عن سُلَيْمَان بن بلال، به.
ورواه مسلم برقم (1203)
قال: حدثنا أبو بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ، قال: حدثنا المُعَلَّى بن مَنْصُورٍ، قال:
حدثنا سُلَيْمَانُ بن بِلَالٍ، به.
فقد توبع خالد بن مخلد
عليه: تابعه إسماعيل بن أبي أويس، والمعلّى بن منصور.
الحديث التاسع
قال البخاري في «صحيحه»،
«أَبْوَابُ فضائل المدينة»، «بَاب الْمَدِينَةُ طَابَةٌ»، برقم (1773) قال: حدثنا
خَالِدُ بن مَخْلَدٍ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ، قال: حدثني عَمْرُو بن يحيى، عن
عَبَّاسِ بن سَهْلِ بن سَعْدٍ، عن أبي حُمَيْدٍ - رضي الله عنه- قال: «أَقْبَلْنَا
مع النبي صلى الله عليه وسلم من تَبُوكَ حتى أَشْرَفْنَا على الْمَدِينَةِ، فقال:
هذه طَابَةٌ».
قلت: رواه البخاري أيضاً
برقم (1411) عن سَهْل بن بَكَّارٍ، قال: حدثنا وُهَيْبٌ، عن عَمْرِو بن يحيى، مثله
في حديث طويل.
ورواه الإمام مسلم برقم
(1392) قال: حدثنا عبداللَّهِ بن مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، قال: حدثنا
سُلَيْمَانُ بن بِلَالٍ، به.
فقد توبع سليمان عليه،
تابعه: وهيب، وقد توبع خالد عليه، تابعه: القعنبي.
الحديث العاشر
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب الصوم»، «باب الرَّيَّانُ لِلصَّائِمِينَ»، برقم (1797) قال: حدثنا خَالِدُ
بن مَخْلَدٍ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ بن بِلَالٍ، قال: حدثني أبو حَازِمٍ، عن
سَهْلٍ - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ في الْجَنَّةِ
بَابًا يُقَالُ له: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ منه الصَّائِمُونَ يوم الْقِيَامَةِ،
لَا يَدْخُلُ منه أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ،
فَيَقُومُونَ، لَا يَدْخُلُ منه أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فإذا دَخَلُوا أُغْلِقَ فلم
يَدْخُلْ منه أَحَدٌ».
قلت: رواه مسلم أيضاً
برقم (1152) عن أبي بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ، عن خَالِد بن مَخْلَدٍ
الْقَطَوَانِيّ، به.
ورواه الإمام أحمد في
«المسند» برقم (22869) عن أَحْمَد بن عبدالْمَلِكِ، عن حَمَّاد بن زَيْدٍ. وبرقم
(22870) عن عفّان، عن بشر بن الْمُفَضَّلِ، عن عبدالرحمن بن إِسْحَاقَ، كلاهما عن
أبي حَازِمٍ، به.
ورواه أيضاً برقم
(22893) عن سُلَيْمَان بن دَاوُدَ الهاشمي وَإِسْحَاقُ بن عِيسَى، قَالاَ: حدثنا
سَعِيدُ بن عبدالرحمن، عن أبي حَازِمٍ، به.
ورواه ابن ماجة في
«سننه» برقم (1640) عن عبدالرحمن بن إبراهيم الدِّمَشْقِيّ، عن ابن أبي فُدَيْكٍ،
عن هِشَام بن سَعْدٍ، عن أبي حَازِمٍ، به.
ورواه محمد بن عثمان بن
كرامة عن خالد بن مخلد [كما هو عند ابن حبان في «صحيحه» برقم (3420)].
فهذا الحديث رواه
البخاري عن خالد بن مخلد مباشرة، وهو عند محمد بن عثمان بن كرامة عن خالد أيضاً.
وقد توبع سليمان بن بلال
عليه، تابعه: حَمَّاد بن زَيْدٍ، وعبدالرحمن بن إِسْحَاقَ، وسعيد بن عبدالرحمن،
وهشام بن سعد.
الحديث الحادي عشر
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب الهبة وفضلها»، «باب من اسْتَسْقَى»، برقم (2432) قال: حدثنا خَالِدُ بن
مَخْلَدٍ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ بن بِلَالٍ، قال: حدثني أبو طُوَالَةَ - اسْمُهُ
عبداللَّهِ بن عبدالرحمن -، قال: سمعت أَنَسًا - رضي الله عنه - يقول: «أَتَانَا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في دَارِنَا هذه
فَاسْتَسْقَى فَحَلَبْنَا له شَاةً لنا، ثُمَّ شُبْتُهُ من مَاءِ بِئْرِنَا هذه
فَأَعْطَيْتُهُ وأبو بَكْرٍ عن يَسَارِهِ وَعُمَرُ تُجَاهَهُ وَأَعْرَابِيٌّ عن
يَمِينِهِ، فلما فَرَغَ، قال عُمَرُ: هذا أبو بَكْرٍ فَأَعْطَى الْأَعْرَابِيَّ
فَضْلَهُ، ثُمَّ قال: الْأَيْمَنُونَ الْأَيْمَنُونَ، ألا فَيَمِّنُوا. قال
أَنَسٌ: فَهِيَ سُنَّةٌ، فَهِيَ سُنَّةٌ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ».
قلت: رواه مسلم برقم
(2029) قال: حدثنا عبداللَّهِ بن مَسْلَمَةَ بن قَعْنَبٍ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ
- يَعْنِي ابن بِلَالٍ-، به.
وقال: حدثنا يحيى بن
أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَعَلِيُّ بن حُجْرٍ، قالوا: حدثنا إسماعيل - وهو ابن
جَعْفَرٍ-، عن عبداللَّهِ بن عبدالرحمن بن مَعْمَرِ بن حَزْمٍ أبي طُوَالَةَ
الْأَنْصَارِيِّ، نحوه.
فقد تابع خالد بن مخلد
عليه: القعنبي.
الحديث الثاني عشر
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب الهبة وفضلها»، «باب الهَدِيَّةِ لِلْمُشْرِكِينَ»، برقم (2476) قال: حدثنا
خَالِدُ بن مَخْلَدٍ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ بن بِلَالٍ، قال: حدثني عبداللَّهِ
بن دِينَارٍ، عن ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قال:
«رَأَى عُمَرُ حُلَّةً على رَجُلٍ تُبَاعُ، فقال لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:
ابْتَعْ هذه الْحُلَّةَ تَلْبَسْهَا يوم الْجُمُعَةِ وإذا جَاءَكَ الْوَفْدُ،
فقال: إنما يَلْبَسُ هذا من لَا خَلَاقَ له في الْآخِرَةِ، فَأُتِيَ رسول اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم منها بِحُلَلٍ فَأَرْسَلَ إلى عُمَرَ منها بِحُلَّةٍ، فقال
عُمَرُ: كَيْفَ أَلْبَسُهَا وقد قُلْتَ فيها ما قُلْتَ! قال: إني لم أَكْسُكَهَا
لِتَلْبَسَهَا تَبِيعُهَا أو تَكْسُوهَا فَأَرْسَلَ بها عُمَرُ إلى أَخٍ له من
أَهْلِ مَكَّةَ قبل أَنْ يُسْلِمَ».
قلت: رواه البخاري برقم
(5636) قال: حدثنا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، قال: حدثنا عبدالعَزِيزِ بن مُسْلِمٍ،
قال: حدثنا عبداللَّهِ بن دِينَارٍ، به.
ورواه برقم (846) عن
عبداللَّهِ بن يُوسُفَ، وبرقم (2470) عن عبدالله بن مسلمة القعنبي، كلاهما عن
مَالِك، عن نَافِعٍ، عن عبداللَّهِ بن عُمَرَ، نحوه.
ورواه أيضاً برقم (906)
عن أبي اليَمَانِ، عن شُعَيْب، وبرقم (2889) عن يحيى بن بُكير، عن الليث، عن
عُقيل، كلاهما عن الزُّهْرِيِّ، عن سَالِم بن عبداللَّهِ، عن عَبْدَاللَّهِ بن
عُمَرَ، به.
فقد تابع سليمان عليه:
عبدالعَزِيزِ بن مُسْلِمٍ.
الحديث الثالث عشر
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب بدء الخلق»، «باب إذا وَقَعَ الذُّبَابُ في شَرَابِ أَحَدِكُمْ
فَلْيَغْمِسْهُ فإن في إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وفي الْأُخْرَى شِفَاءً»، برقم
(3142) قال: حدثنا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ بن بِلَالٍ، قال:
حدثني عُتْبَةُ بن مُسْلِمٍ، قال: أخبرني عُبَيْدُ بن حُنَيْنٍ، قال: سمعت أَبَا
هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يقول: قال النبي صلى الله عليه
وسلم: «إذا وَقَعَ الذُّبَابُ في شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ، ثُمَّ
لِيَنْزِعْهُ فإن في إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالْأُخْرَى شِفَاءً».
قلت: رواه البخاري برقم
(5445) قال: حدثنا قُتَيْبَةُ، قال: حدثنا إِسْمَاعِيلُ بن جَعْفَرٍ، عن عُتْبَةَ
بن مُسْلِمٍ مولى بَنِي تَيْمٍ، به.
ورواه ابن الجارود في
«المنتقى» برقم (55) قال: حدثنا محمد بن يحيى وعلان بن المغيرة، قالا: حدثنا ابن
أبي مريم محمد - هو: ابن أبي حفصة - وسليمان بن بلال، قالا: حدثنا
عتبة بن مسلم، به.
فقد تابع خالد بن مخلد
عليه: ابن أبي مريم.
الحديث الرابع عشر
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب الأنبياء»، «باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ
سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إنه أَوَّابٌ}»، برقم (3242) قال: حدثنا خَالِدُ بن
مَخْلَدٍ، قال: حدثنا مُغِيرَةُ بن عبدالرحمن، عن أبي الزِّنَادِ، عن الْأَعْرَجِ،
عن أبي هُرَيْرَةَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «قال سُلَيْمَانُ بن
دَاوُدَ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ على سَبْعِينَ امْرَأَةً تَحْمِلُ كُلُّ
امْرَأَةٍ فَارِسًا يُجَاهِدُ في سَبِيلِ اللَّهِ، فقال له صَاحِبُهُ: إن شَاءَ
الله، فلم يَقُلْ ولم تَحْمِلْ شيئا إلا وَاحِدًا سَاقِطًا أَحَدُ شِقَّيْهِ! فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: لو قَالَهَا لَجَاهَدُوا في سَبِيلِ اللَّهِ».
قلت: تفرد به خالد بن
مخلد عن المغيرة بن عبدالرحمن المدني، والمغيرة متكلّم فيه!
والحديث رواه البخاري
برقم (6263) عن أبي اليَمَانِ، عن شُعَيْب، عن أبي الزِّنَادِ، به.
الحديث الخامس عشر
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب فضائل الصحابة»، «باب مَنَاقِبِ الزُّبَيْرِ بن الْعَوَّامِ»، برقم (3512)
قال: حدثنا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ، قال: حدثنا عَلِيُّ بن مُسْهِرٍ، عن هِشَامِ بن
عُرْوَةَ، عن أبيه، قال: أخبرني مَرْوَانُ بن الحَكَمِ قال: «أَصَابَ عُثْمَانَ بن
عَفَّانَ رُعَافٌ شَدِيدٌ سَنَةَ الرُّعَافِ حتى حَبَسَهُ عن الْحَجِّ وَأَوْصَى،
فَدَخَلَ عليه رَجُلٌ من قُرَيْشٍ، قال: اسْتَخْلِفْ، قال: وَقَالُوهُ؟ قال: نعم،
قال: وَمَنْ؟ فَسَكَتَ، فَدَخَلَ عليه رَجُلٌ آخَرُ أَحْسِبُهُ الحَارِثَ، فقال:
اسْتَخْلِفْ، فقال عُثْمَانُ: وَقَالُوا؟ فقال: نعم، قال: وَمَنْ هو؟ فَسَكَتَ،
قال: فَلَعَلَّهُمْ قالوا الزُّبَيْرَ، قال: نعم، قال: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي
بيده إنه لَخَيْرُهُمْ ما عَلِمْتُ وَإِنْ كان لَأَحَبَّهُمْ إلى رسول اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم».
قلت: رواه البخاري في
«التاريخ الكبير» (7/368) عن محمد بن سعيد بن الأصبهاني، عن علي بن مسهر، به.
ورواه ابن شبّة في
«أخبار المدينة» (2/154) عن سويد بن سعيد، عن علي بن مسهر، به.
ورواه أحمد في «فضائل
الصحابة» (2/734) عن حماد بن أسامة، عن هشام بن عروة، به.
فقد توبع خالد بن مخلد
عليه: تابعه محمد بن سعيد الأصبهاني وسويد بن سعيد.
الحديث السادس عشر
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب فضائل الصحابة»، «باب مَنَاقِبِ زَيْدِ بن حَارِثَةَ»، برقم (3524)، قال:
حدثنا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ، قال: حدثني عبداللَّهِ بن
دِينَارٍ، عن عبداللَّهِ بن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قال: «بَعَثَ النبي صلى الله عليه وسلم بَعْثًا وَأَمَّرَ عليهم
أُسَامَةَ بن زَيْدٍ فَطَعَنَ بَعْضُ الناس في إِمَارَتِهِ، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم: إن تَطْعُنُوا في إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُونَ في
إِمَارَةِ أبيه من قَبْلُ، وَايْمُ اللَّهِ إن كان لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ،
وَإِنْ كان لَمِنْ أَحَبِّ الناس إلي، وَإِنَّ هذا لَمِنْ أَحَبِّ الناس إلي
بَعْدَهُ».
قلت: رواه البخاري أيضاً
برقم (6764) عن مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، عن عبدالْعَزِيزِ بن مُسْلِمٍ، عن
عبداللَّهِ بن دِينَارٍ، به.
ورواه مسلم برقم (2426)
قال: حدثنا يحيى بن يحيى وَيَحْيَى بن أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وابن حُجْرٍ - قال
يحيى بن يحيى: أخبرنا، وقال الْآخَرُونَ: حدثنا إسماعيل - يَعْنُونَ ابن
جَعْفَرٍ-، عن عبداللَّهِ بن دِينَارٍ، به.
الحديث السابع عشر
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب فضائل الصحابة»، «بَابُ فَضْلِ دُورِ الأَنْصَارِ»، برقم (3580)، قال:
حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي
عَمْرُو بنُ يَحْيَى، عَن عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ، عَن أَبِي حُمَيْدٍ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ خَيْرَ دُورِ
الأَنْصَارِ دَارُ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي
الحَارِثِ، ثُمَّ بَنِي سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ»
فَلَحِقَنَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ: أَبَا أُسَيْدٍ أَلَمْ تَرَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ الأَنْصَارَ فَجَعَلَنَا
أَخِيرًا؟ فَأَدْرَكَ سَعْدٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خُيِّرَ دُورُ الأَنْصَارِ فَجُعِلْنَا آخِرًا،
فَقَالَ: «أَوَ لَيْسَ بِحَسْبِكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنَ الخِيَارِ».
قلت: رواه مسلم برقم
(1392) عن عبداللَّهِ بن مَسْلَمَةَ بن قَعْنَبٍ، عن سُلَيْمَان بن بِلَالٍ، به،
مطولاً.
فقد توبع عليه خالد بن
مخلد عن سليمان.
الحديث الثامن عشر
قال البخاري في «صحيحه»،
«بَابُ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ إِلَى
المَدِينَةِ»، قال: حَدَّثَنِي زَكَرِيَّاءُ بنُ يَحْيَى، عَن أَبِي أُسَامَةَ،
عَن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَن أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا-: أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَتْ:
فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ فَأَتَيْتُ المَدِينَةَ فَنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ
فَوَلَدْتُهُ بِقُبَاءٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ، ثُمَّ «دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا، ثُمَّ
تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ حَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ ثُمَّ دَعَا لَهُ،
وَبَرَّكَ عَلَيْهِ وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلاَمِ».
قال البخاري: تَابَعَهُ
خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ مُسْهِرٍ، عَن هِشَامٍ، عَن أَبِيهِ، عَن
أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا هَاجَرَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حُبْلَى.
قلت: رواه مسلم برقم
(2146) قال: حدثنا أبو بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ، قال: حدثنا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ،
عن عَلِيِّ بن مُسْهِرٍ، عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ، عن أبيه، عن أَسْمَاءَ بِنْتِ
أبي بَكْرٍ أنها هَاجَرَتْ إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ حُبْلَى
بِعَبْدِاللَّهِ بن الزُّبَيْرِ، فذكر نحو حديث أبي أُسَامَةَ.
الحديث التاسع عشر
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب المغازي»، «بابُ غَزْوَةِ الحُدَيْبِيَةِ»، برقم (3916)، قال: حَدَّثَنَا
خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قال: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، عَن عُبَيْدِاللَّهِ بنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ
زَيْدِ بنِ خَالِدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ، فَأَصَابَنَا
مَطَرٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الصُّبْحَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَاذَا
قَالَ رَبُّكُمْ؟». قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ: " قَالَ
اللَّهُ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي، فَأَمَّا مَنْ
قَالَ: مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَبِرِزْقِ اللَّهِ وَبِفَضْلِ اللَّهِ،
فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي، كَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا
بِنَجْمِ كَذَا، فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ كَافِرٌ بِي".
قلت: رواه البخاري برقم
(810) عن عبداللَّهِ بن مَسْلَمَةَ، وبرقم (991) عن إسماعيل بن أبي أُويس، كلاهما
عن مَالِكٍ، عن صَالِحِ بن كَيْسَانَ، به.
الحديث العشرون
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب المغازي»، «بابُ نُزُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الحِجْرَ»، برقم (4160)، قال: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، قال: حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ يَحْيَى، عَن عَبَّاسِ بنِ سَهْلِ بنِ
سَعْدٍ، عَن أَبِي حُمَيْدٍ، قَالَ: «أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، حَتَّى إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى
المَدِينَةِ قَالَ: هَذِهِ طَابَةُ، وَهَذَا أُحُدٌ، جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ».
قلت: رواه البخاري أيضاً
برقم (1411) عن سَهْل بن بَكَّارٍ، قال: حدثنا وُهَيْبٌ، عن عَمْرِو بن يحيى، مثله
في حديث طويل.
ورواه الإمام مسلم برقم
(1392) قال: حدثنا عبداللَّهِ بن مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، قال: حدثنا
سُلَيْمَانُ بن بِلَالٍ، به.
فقد توبع عليه خالد بن
مخلد.
الحديث الحادي والعشرون
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب التفسير»، «باب {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ
آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ} إلى قَوْلِهِ {إِنَّكَ إِذًا لَمِنْ
الظَّالِمِينَ}»، برقم (4220)، قال: حدثنا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ، قال: حدثنا
سُلَيْمَانُ، قال: حدثني عبداللَّهِ بن دِينَارٍ، عن ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما-
قال: «بَيْنَمَا الناس في الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ جَاءَهُمْ رَجُلٌ، فقال: إِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قد أُنْزِلَ عليه اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَأُمِرَ
أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ ألا فَاسْتَقْبِلُوهَا، وكان وَجْهُ الناس إلى
الشام فَاسْتَدَارُوا بِوُجُوهِهِمْ إلى الْكَعْبَةِ».
قلت: رواه البخاري برقم
(395) عن عبداللَّهِ بن يُوسُفَ، وبرقم (4221) عن يحيى بن قَزَعَةَ، وبرقم (4224)
عن قتيبة بن سعيد، وبرقم (6824) عن إسماعيل بن أبي أويس، كلهم عن مَالِك، عن
عبداللَّهِ بن دِينَارٍ، به.
الحديث الثاني والعشرون
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب التفسير»، «باب تفسير سُورَةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم»، برقم (4552)،
قال: حدثنا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ، قال: حدثني مُعَاوِيَةُ
بن أبي مُزَرِّدٍ، عن سَعِيدِ بن يَسَارٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه- عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خَلَقَ الله الْخَلْقَ فلما فَرَغَ منه قَامَتْ
الرَّحِمُ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرحمن، فقال له: مَهْ قالت هذا مَقَامُ الْعَائِذِ
بِكَ من الْقَطِيعَةِ، قال: ألا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ من وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ من
قَطَعَكِ! قالت: بَلَى يا رَبِّ، قال: فَذَاكِ». قال أبو هُرَيْرَةَ: {اقرؤوا إن
شِئْتُمْ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إن تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا في الأرض
وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}.
قال: حدثنا إِبْرَاهِيمُ
بن حَمْزَةَ، قال: حدثنا حَاتِمٌ عن مُعَاوِيَةَ، قال: حدثني عَمِّي أبو
الْحُبَابِ سَعِيدُ بن يَسَارٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ بهذا، ثُمَّ قال رسول اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم: {اقرؤوا إن شِئْتُمْ فَهَلْ عَسَيْتُمْ}.
قال: حدثنا بِشْرُ بن
مُحَمَّدٍ، قال: أخبرنا عبداللَّهِ، قال: أخبرنا مُعَاوِيَةُ بن أبي الْمُزَرَّدِ
بهذا، قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {واقرؤوا إن شِئْتُمْ فَهَلْ
عَسَيْتُمْ}.
قلت: رواه ابن وهب في
«الجامع» برقم (148) قال: أخبرني سليمان بن بلال، به.
ورواه الطبري في «تهذيب
الآثار» (الجزء المفقود) برقم (179) قال: وحدثني ابن عبدالرحيم البرقي، قال: حدثنا
ابن أبي مريم، قال: أخبرنا محمد بن جعفر وسليمان بن بلال قالا: حدثنا معاوية، به.
قال سليمان في حديثه:
"قال أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض
وتقطعوا أرحامكم}".
فقد توبع خالد بن مخلد
عليه.
الحديث الثالث والعشرون
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب النكاح»، «باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ على
النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ إلى قَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ
كان عَلِيًّا كَبِيرًا}»، برقم (4905)، قال: حدثنا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ، قال:
حدثنا سُلَيْمَانُ، قال: حدثني حُمَيْدٌ، عن أَنَسٍ - رضي الله عنه- قال: «آلَى
رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من نِسَائِهِ شَهْرًا وَقَعَدَ في مَشْرُبَةٍ له
فَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ آلَيْتَ على
شَهْرٍ! قال: إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ».
قلت: رواه البخاري أيضاً
برقم (1812) و(6306) عن عبدالعَزِيزِ بن عبداللَّهِ، عن سُلَيْمَان بن بِلَالٍ،
به.
ورواه برقم (4984) عن
إِسْمَاعِيل بن أبي أُوَيْسٍ، عن أَخِيهِ، عن سُلَيْمَانَ، به.
فقد توبع خالد بن مخلد
عليه.
الحديث الرابع والعشرون
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب الطب»، «باب النَّفْثِ في الرُّقْيَةِ»، برقم (5415)، قال: حدثنا خَالِدُ بن
مَخْلَدٍ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ، عن يحيى بن سَعِيدٍ، قال: سمعت أَبَا سَلَمَةَ،
قال: سمعت أَبَا قَتَادَةَ يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول:
«الرُّؤْيَا من اللَّهِ وَالْحُلْمُ من الشَّيْطَانِ، فإذا رَأَى أحدكم شيئا
يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفِثْ حين يَسْتَيْقِظُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَتَعَوَّذْ من
شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ».
وقال أبو سَلَمَةَ:
"وَإِنْ كنت لَأَرَى الرُّؤْيَا أَثْقَلَ عَلَيَّ من الْجَبَلِ فما هو إلا
أَنْ سمعت هذا الحديث فما أُبَالِيهَا".
قلت: رواه البخاري برقم
(6583) عن أَحْمَد بن يُونُسَ، عن زُهَيْر، عن يحيى، به.
ورواه مسلم برقم (2261)
عن عبداللَّهِ بن مَسْلَمَةَ بن قَعْنَبٍ، عن سُلَيْمَان بن بِلَالٍ، به.
فقد توبع خالد بن مخلد
عليه.
الحديث الخامس والعشرون
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب الأدب»، «باب من وَصَلَ وَصَلَهُ الله»، برقم (5642)، قال: حدثنا خَالِدُ بن
مَخْلَدٍ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ، قال: حدثنا عبداللَّهِ بن دِينَارٍ، عن أبي
صَالِحٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
«إِنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ من الرحمن، فقال الله: من وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ وَمَنْ
قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ».
قلت: رواه ابن أبي عاصم
في «السنة» برقم (536) قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، قال: حدثنا هَاشِمُ
بنُ الْقَاسِمِ، عَن عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَن
أَبِيهِ، عَن أَبِي صَالِحٍ، به.
ورواه ابن وهب في
«الجامع» برقم (96) قال: وَأَخْبَرَنِي حَفْصُ بنُ مَيْسَرَةَ، عَن مُوسَى بنِ
عُقْبَةَ، عَن عَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، به.
قلت: لم يذكر فيه:
"عن أبي صالح"!
والحديث فيه اختلاف على
أبي هريرة بيّنه الدارقطني في «العلل» (11/10) رقم (2088).
الحديث السادس والعشرون
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب الأدب»، «باب التَّكَنِّي بِأَبِي تُرَابٍ وإن كانت له كُنْيَةٌ أُخْرَى»،
برقم (5851)، قال: حدثنا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ، قال: حدثني
أبو حَازِمٍ، عن سَهْلِ بن سَعْدٍ، قال: «إن كانت أَحَبَّ أَسْمَاءِ عَلِيٍّ - رضي
الله عنه- إليه لَأَبُو تُرَابٍ، وَإِنْ كان لَيَفْرَحُ أَنْ يُدْعَى بها، وما
سَمَّاهُ أبو تُرَابٍ إلا النبي صلى الله عليه وسلم غَاضَبَ يَوْمًا فَاطِمَةَ
فَخَرَجَ فَاضْطَجَعَ إلى الْجِدَارِ في الْمَسْجِدِ، فَجَاءَهُ النبي صلى الله
عليه وسلم يَتْبَعُهُ، فقال: هو ذَا مُضْطَجِعٌ في الْجِدَارِ، فَجَاءَهُ النبي
صلى الله عليه وسلم وَامْتَلَأَ ظَهْرُهُ تُرَابًا، فَجَعَلَ النبيّ صلى الله عليه
وسلم يَمْسَحُ التُّرَابَ عن ظَهْرِهِ وَيَقُولُ: اجْلِسْ يا أَبَا تُرَابٍ».
قلت: رواه البخاري برقم
(3500) عن عبداللَّهِ بن مَسْلَمَةَ، عن عبدالْعَزِيزِ بن أبي حَازِمٍ، عن أبيه،
به.
ورواه الطبراني في
«المعجم الكبير»، (5808) عن الْحُسَيْن بن إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيّ، عن يحيى
الْحِمَّانِيّ، عن سُلَيْمَان بن بِلالٍ، به.
فقد توبع خالد بن مخلد
عليه.
الحديث السابع والعشرون
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب الدعوات»، «باب الِاسْتِعَاذَةِ من الْجُبْنِ وَالْكَسَلِ كُسَالَى
وَكَسَالَى وَاحِدٌ»، برقم (6008)، قال: حدثنا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ، قال: حدثنا
سُلَيْمَانُ، قال: حدثني عَمْرُو بن أبي عَمْرٍو، قال: سمعت أنساً قال: كان النبي
صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من الْهَمِّ وَالْحَزَنِ
وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ
الرِّجَالِ».
قلت: رواه البخاري أيضاً
برقم (6002) عن قُتَيْبَة بن سَعِيدٍ، عن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَرٍ، عن عَمْرِو بن
أبي عَمْرٍو، به.
ورواه أحمد في «مسنده»
برقم (13548) عن أبي سَعِيدٍ عبدالرحمن بن عبدالله بن عبيد البصري، عن سُلَيْمَان
بن بِلاَلٍ، به.
فقد توبع خالد بن مخلد
عليه.
الحديث الثامن والعشرون
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب الحدود»، «باب الرَّجْمِ في الْبَلَاطِ»، برقم (6433)، قال: حدثنا محمد بن
عُثْمَانَ، قال: حدثنا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ، عن سُلَيْمَانَ، قال: حدثني
عبداللَّهِ بن دِينَارٍ، عن ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما- قال: «أتى رسول اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّةٍ قد أَحْدَثَا جميعاً، فقال لهم:
ما تَجِدُونَ في كِتَابِكُمْ؟ قالوا: إِنَّ أَحْبَارَنَا أَحْدَثُوا تَحْمِيمَ
الْوَجْهِ والتجبية. قال عبداللَّهِ بن سَلَامٍ، ادْعُهُمْ يا رَسُولَ اللَّهِ
بِالتَّوْرَاةِ فأتى بها فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ على آيَةِ الرَّجْمِ وَجَعَلَ
يَقْرَأُ ما قَبْلَهَا وما بَعْدَهَا، فقال له ابن سَلَامٍ: ارْفَعْ يَدَكَ فإذا
آيَةُ الرَّجْمِ تَحْتَ يَدِهِ فَأَمَرَ بِهِمَا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
فَرُجِمَا». قال ابن عُمَرَ: "فَرُجِمَا عِنْدَ الْبَلَاطِ فَرَأَيْتُ
الْيَهُودِيَّ أَجْنَأَ عليها".
قلت: لم أجده من حديث
عبدالله بن دينار، ولا من حديث سليمان بن بلال!! ورواه الخطيب في «تاريخه» (4/257)
من طريق الحسين بن إسماعيل المحاملي، قال: حدثنا محمد بن عثمان بن كرامة، قال:
حدثنا خالد بن مخلد، به.
والحديث معروف من طريق
آخر عند أهل المدينة، رواه البخاري برقم (3436) عن عبداللَّهِ بن يُوسُفَ. وبرقم
(6450) عن إسماعيل بن عبدالله، كلاهما عن مَالِك بن أَنَسٍ، عن نَافِعٍ، عن
عبداللَّهِ بن عُمَرَ، نحوه.
ورواه برقم (4280) عن
إِبْرَاهِيم بن المُنْذِرِ، قال: حدثنا أبو ضَمْرَةَ، قال: حدثنا مُوسَى بن
عُقْبَةَ، عن نَافِعٍ، به.
ورواه برقم (7104) عن
مُسَدَّد، قال: حدثنا إِسْمَاعِيلُ، عن أَيُّوبَ، عن نَافِعٍ، به.
وهذه الأحاديث عن نافع
ليس فيها: "فَرُجِمَا عِنْدَ الْبَلَاطِ"! ولكن رُوي من طرق اخرى عن
نافع.
أخرجه النسائي في «السنن
الكبرى» (4/294) برقم (7215) قال: أخبرنا محمد بن معدان بن عيسى، قال: حدثنا الحسن
بن الحسين، قال: حدثنا موسى - هو: ابن عقبة-، عن نافع، عن ابن
عمر: «أن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل منهم وامرأة قد
زنيا. قال: فقال: كيف تفعلون فيمن زنا منكم؟ قال: نضربهما. قال: ما تجدون في
التوراة؟ قالوا: ما نجد فيها شيئاً! فقال عبدالله بن سلام: كذبوا، في التوراة
الرجم، فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين، فجاؤوا بالتوراة فوضع مدرسها الذي
يدرسها منهم كفه على آية الرجم، فطفق يقرأ ما دون يده وما ورائها لا يقرأ آية
الرجم، فضرب عبدالله بن سلام يده، فقال: ما هذه؟ قال: آية الرجم، فأمر بهما رسول
الله صلى الله عليه وسلم فرجما قريباً من حيث توضع الجنائز. قال
عبدالله: فرأيت صاحبها يحني عليها ليقيها الحجارة».
قلت: وموضع الجنائز هو
المكان المسمى بالبلاط، ولهذا أتبعه النسائي، بقوله: أخبرنا محمد بن بشار، قال:
حدثنا عبدالرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن عبدالكريم الجزري، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم رجم يهودياً ويهودية بالبلاط.
قلت: وعبدالكريم الجزري
ضعيف.
الحديث التاسع والعشرون
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب التنمي»، «باب قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَيْتَ كَذَا وَكَذَا»، برقم
(6804)، قال: حدثنا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ بن بِلَالٍ، قال:
حدثني يحيى بن سَعِيدٍ، قال: سمعت عَبْدَاللَّهِ بن عَامِرِ بن رَبِيعَةَ قال:
قالت عَائِشَةُ، «أَرِقَ النبي صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فقال: لَيْتَ
رَجُلًا صَالِحًا من أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ إِذْ سَمِعْنَا صَوْتَ
السِّلَاحِ، قال: من هذا؟ قيل سَعْدٌ يا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُ أَحْرُسُكَ.
فَنَامَ النبي صلى الله عليه وسلم حتى سَمِعْنَا غَطِيطَهُ».
قلت: رواه مسلم برقم
(2410) قال: حدثنا عبداللَّهِ بن مَسْلَمَةَ بن قَعْنَبٍ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ
بن بِلَالٍ، به.
فقد توبع خالد بن مخلد
عليه.
الحديث الثلاثون
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب التوحيد»، «باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فلا يُظْهِرُ
على غَيْبِهِ أَحَدًا}..»، برقم (6944)، قال: حدثنا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ، قال:
حدثنا سُلَيْمَانُ بن بِلَالٍ، قال: حدثني عبداللَّهِ بن دِينَارٍ، عن ابن عُمَرَ
- رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ
خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إلا الله لَا يَعْلَمُ ما تَغِيضُ الْأَرْحَامُ إلا الله
ولا يَعْلَمُ ما في غَدٍ إلا الله ولا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدٌ
إلا الله ولا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إلا الله ولا يَعْلَمُ مَتَى
تَقُومُ السَّاعَةُ إلا الله».
قلت: رواه البخاري برقم
(4420) قال: حدثني إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ، قال: حدثنا مَعْنٌ، قال: قال
حدثني مَالِكٌ، عن عبداللَّهِ بن دِينَارٍ، به.
الحديث الحادي والثلاثون
قال البخاري في «صحيحه»،
«كتاب التوحيد»، «باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ
وَالرُّوحُ إليه} وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إليه يَصْعَدُ الْكَلِمُ
الطَّيِّبُ}»، برقم (6993): وقال خَالِدُ بن مَخْلَدٍ: حدثنا سُلَيْمَانُ، قال:
حدثني عبداللَّهِ بن دِينَارٍ، عن أبي صَالِحٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «من تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ من كَسْبٍ طَيِّبٍ
ولا يَصْعَدُ إلى اللَّهِ إلا الطَّيِّبُ فإن اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ،
ثُمَّ يُرَبِّيهَا لصاحبها كما يُرَبِّي أحدكم فُلُوَّهُ حتى تَكُونَ مِثْلَ
الْجَبَلِ».
وَرَوَاهُ وَرْقَاءُ عن
عبداللَّهِ بن دِينَارٍ، عن سَعِيدِ بن يَسَارٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ، عن النبي صلى
الله عليه وسلم: «ولا يَصْعَدُ إلى اللَّهِ إلا الطَّيِّبُ».
قلت: هذا الحديث علقه
البخاري ثم أشار إلى الاختلاف في إسناده! وأراد التنبيه إلى أن ورقاء قد خالف فيه.
وقد رواه برقم (1344)
قال: حدثنا عبداللَّهِ بن مُنِيرٍ: سمع أَبَا النَّضْرِ: حدثنا عبدالرحمن - هو ابن
عبداللَّهِ بن دِينَارٍ -، عن أبيه، عن أبي صَالِحٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ، به.
قال: "تَابَعَهُ
سُلَيْمَانُ عن ابن دِينَارٍ. وقال وَرْقَاءُ: عن ابن دِينَارٍ عن سَعِيدِ بن
يَسَارٍ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وَرَوَاهُ
مُسْلِمُ بن أبي مَرْيَمَ وَزَيْدُ بن أَسْلَمَ وَسُهَيْلٌ عن أبي صَالِحٍ عن أبي
هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم".
قلت: فالحديث محفوظ عن
عبدالله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة، ولهذا أراد البخاري أن ينبه على وهم
ورقاء إذ جعله عن عبدالله بن دينار عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة!
وبعد فهذه إحدى وثلاثون
حديثاً أخرجها الإمام البخاري في «صحيحه» لخالد بن مخلد القطواني غير حديث الولي.
فمجموعها: اثنان وثلاثون
حديثاً، ثلاثون منها رواها خالد عن سليمان بن بلال.
وهذه الأحاديث قد أخرج
البخاري في مواضع من كتابه متابعات لخالد عن سليمان، أو متابعات لسليمان نفسه، وكل
هذه الأحاديث معروفة عند أهل المدينة. باستثناء حديث رقم (28) فإنه رواه عن محمد
بن عُثْمَانَ بن كرامة، عن خَالِد بن مَخْلَدٍ، عن سُلَيْمَانَ، عن عبداللَّهِ بن
دِينَارٍ، عن ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما- قال: «أتى رسول اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّةٍ...» الحديث.
والحديث لا يُعرف عن
سليمان ولا عن عبدالله بن دينار، وإنما يعرف من حديث نَافِعٍ، عن عبداللَّهِ بن
عُمَرَ، وقد أخرجه كذلك البخاري في مواضع من صحيحه.
واثنان منها علقهما
البخاري (حديث رقم 18 و31) عن خالد عن سليمان، وأخرجها في مواضع أخرى متصلة من طرق
أخرى، وهي كذلك معروفة عند أهل المدينة.
واثنان رواها خالد عن
غير سليمان بن بلال.
حديث رقم (14) عن خَالِد
بن مَخْلَدٍ، عن مُغِيرَة بن عبدالرحمن، عن أبي الزِّنَادِ. وأخرجه أيضاً من غير
هذا الطريق عن أبي الزناد.
وحديث رقم (15) عن
خَالِد بن مَخْلَدٍ، عن عَلِيّ بن مُسْهِرٍ. والحديث معروف عن علي بن مسهر.
والغريب أن
الحديثين الغريبين بين هذه الأحاديث رواهما البخاري عن خالد بن مخلد بواسطة محمد
بن عثمان بن كرامة! وهما حديث رجم اليهوديين، وحديث الولي. وقد تفرد بهما ابن
كرامة!
وحديث رجم اليهوديين عند
البلاط يُعرف عند أهل المدينة من طريق ضعيف!!
قال ابن حجر في «فتح
الباري» (12/128): "َهُوَ غَرِيبٌ ضَاقَ عَلَى الْإِسْمَاعِيلِيِّ مَخْرَجُهُ
فَأَخْرَجَهُ عَن عَبْدِاللَّهِ بنِ جَعْفَرٍ الْمَدِينِيِّ أَحَدِ الضُّعَفَاءِ،
وَلَوْ وَقَعَ عَن سُلَيْمَانَ بنِ بِلَالٍ لَمْ يَعْدِلْ عَنْهُ، وَكَذَا ضَاقَ
عَلَى أَبِي نُعَيْمٍ فَلَمْ يَسْتَخْرِجْهُ! بَلْ أَوْرَدَهُ بِسَنَدِهِ عَنِ
الْبُخَارِيِّ، وَخَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ أَكْثَرَ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ
وَبِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ فِي الرِّقَاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ
عُثْمَانَ بنِ كَرَامَةَ عَن خَالِدِ بنِ مَخْلَدٍ حَدِيثٌ، وَتَقَدَّمَ فِي
الْعِلْمِ وَالْهِبَةِ وَالْمَنَاقِبِ وَغَيْرِهَا عِدَّةُ أَحَادِيثَ، وَكَذَا
يَأْتِي فِي التَّعْبِيرِ وَالِاعْتِصَامِ عَنْ خَالِدِ بنِ مَخْلَدٍ بِغَيْرِ
وَاسِطَةٍ".
وقال العيني في «عمدة
القاري» (23/294): "وَمُحَمّد بن عُثْمَان شيخ البُخَارِيّ، زَاد فِيهِ أَبُو
ذَر: ابن كَرَامَة الْعجلِيّ الْكُوفِي، وَهُوَ من أَفْرَاده، وخَالِد بن مخلد،
بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة بَينهمَا، الْقَطوَانِي
الْكُوفِي، وَهُوَ أَيْضاً أحد مَشَايِخ البخاري، روى عَنهُ فِي مَوَاضِع بِلَا
وَاسِطَة، وَسليمَان هُوَ ابن بِلَال أَبُو أَيُّوب مولى عبدالله بن أبي
عَتيق".
قلت: نعم، هو غريب لا
يُعرف إلا من حديث ابن كرامة عن خالد!! وقول ابن حجر إن البخاري أكثر عن خالد
بواسطة وغير واسطة ليس دقيقاً!! لأن الذي أخرجه عنه بغير واسطة حديثين اثنين فقط.
وأما الثاني
وهو حديث الولي فغريب سنداً ومتناً!! ولم نجد له أي متابعة أو شاهد أبداً، ولا
أدري كيف خرّجه البخاري بعد كل هذا الانتقاء لحديث خالد بن مخلد؟!!
وأصحاب سليمان بن بلال
لا يوجد عندهم هذا الحديث والذي قبله! ولا كذلك يوجد عند أصحاب شريك بن أبي نَمِر.
ولا شك - عندي- أن خالداً وهم فيه. وله أحاديث عن سليمان بن بلال عن شَريك بن
ابي نَمِر. وكأنه دخل له إسناد في إسناد.
روى ابن أبي شيبة في
«المصنّف» (5/37) برقم (23480) قال: حدثنا خالد بن مخلد، قال: حدثنا سليمان بن
بلال، قال: حدثنا شريك بن عبدالله بن أبي نمر، عن عبدالله بن محمد بن أبي عتيق، عن
عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في عجوة العالية: «شفاء وإنها
ترياق في أول البكرة على الرِّيق».
وأخرجه أحمد في «المسند»
(6/77) برقم (24528) عن مَنْصُور بن سَلَمَةَ، عن سُلَيْمَان بن بِلاَلٍ، به.
كيف خرّج
مسلم أحاديث خالد بن مَخْلد؟
خرّج له مسلم أربعة
وعشرين حديثاً، ثمانية عشر حديثاً عن سليمان بن بلال وكلها مما توبع عليه عن
سليمان بن بلال باستثناء حديثين تفرد بهما! وتخريج مسلم لهما كأنه يشير إلى غرابتهما!
وستة أحاديث عن غير
سليمان وكذلك أخرجها في المتابعات، فدلّ ذلك على أن مسلماً - رحمه الله - كان حذراً من حديثه فانتقى له.
حديثان
غريبان لخالد بن مخلد في صحيح مسلم!
والحديثان اللذان أشار
مسلم إلى تفرد خالد بهما: الأول في التصاوير.
فقد ساق مسلم الروايات
الصحيحة في مسألة عدم دخول الملائكة البيت الذي فيه تصاوير أو تماثيل، فساق حديث
ابن عباس، ثم حديث أبي طلحة الأنصاري، ثم حديث عائشة.
ثم ساق حديث ابن عمر، ثم
حديث ابن مسعود في أنّ أَشَدُّ الناس عَذَابًا يوم الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ.
ثم ختم بحديث أبي هريرة!
قال مسلم برقم (2111):
حدثنا أبو بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بن عبداللَّهِ بن نُمَيْرٍ وأبو
كُرَيْبٍ - وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ – قالوا:
حدثنا ابن فُضَيْلٍ، عن عُمَارَةَ، عن أبي زُرْعَةَ، قال: دَخَلْتُ مع أبي
هُرَيْرَةَ في دَارِ مَرْوَانَ فَرَأَى فيها تَصَاوِيرَ، فقال: سمعت رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله عز وجل: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ
ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أو لِيَخْلُقُوا
حَبَّةً أو لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً».
قال: وحدثنيه زُهَيْرُ
بن حَرْبٍ، قال: حدثنا جَرِيرٌ، عن عُمَارَةَ، عن أبي زُرْعَةَ، قال: دَخَلْتُ أنا
وأبو هُرَيْرَةَ دَارًا تُبْنَى بِالْمَدِينَةِ لِسَعِيدٍ أو لِمَرْوَانَ، قال:
فَرَأَى مُصَوِّرًا يُصَوِّرُ في الدَّارِ، فقال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم بمثله، ولم يذكر: «أو لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً».
قال: حدثنا أبو بَكْرِ
بن أبي شَيْبَةَ، قال: حدثنا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ، عن سُلَيْمَانَ بن بِلَالٍ، عن
سُهَيْلٍ، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فيه تَمَاثِيلُ أو تَصَاوِيرُ».
قال: حدثنا أبو كَامِلٍ
فُضَيْلُ بن حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ، قال: حدثنا بِشْرٌ - يَعْنِي ابن مُفَضَّلٍ-
قال: حدثنا سُهَيْلٌ، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم قال: «لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فيها كَلْبٌ ولا جَرَسٌ».
وحدثني زُهَيْرُ بن
حَرْبٍ، قال: حدثنا جَرِيرٌ [ح]
وحدثنا قُتَيْبَةُ، قال:
حدثنا عبدالْعَزِيزِ - يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ - كلاهما عن سُهَيْلٍ بهذا
الإسناد.
قال: وحدثنا يحيى بن
أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وابن حُجْرٍ قالوا: حدثنا إسماعيل - يَعْنُونَ ابن
جَعْفَرٍ- عن الْعَلَاءِ، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم، قال: «الْجَرَسُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ».
قلت: مسلم - رحمه الله - ساق حديث عُمَارَةَ، عن أبي
زُرْعَةَ، قال: دَخَلْتُ مع أبي هُرَيْرَةَ في دَارِ مَرْوَانَ فَرَأَى فيها
تَصَاوِيرَ، من طريقين، وهذا هو المعروف عن أبي هريرة عند أهل المدينة، ثم ساق
حديث خالد بن مخلد عن سليمان، عن سُهَيْلٍ، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال
رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فيه تَمَاثِيلُ
أو تَصَاوِيرُ»، وهذا حديث غريب! فهذا المتن لا يحفظ من حديث سهيل عن أبيه عن أبي
هريرة، ولا يعرف من حديث أبي هريرة، وإنما المحفوظ عن أبي هريرة كما رواه أبو
زرعة.
والمحفوظ عن سليمان بن
بلال ما رواه عن الْعَلَاءِ بن عبدالرحمن، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ
النبي صلى الله عليه وسلم قال في الْجَرَسِ مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ.
رواه أبو داود برقم
(2556) عن محمد بن رَافِعٍ، عن أبي بَكْرِ بن أبي أُوَيْسٍ، عن سُلَيْمَان بن
بِلَالٍ.
ورواه ابن حبان برقم
(4704) من طريق ابن وهب عن سليمان بن بلال عن العلاء.
وهذا هو الحديث الذي
ساقه مسلم في الأخير.
فكأنه دخل لخالد بن مخلد
إسناد في إسناد وحديث في آخر، فجاء بهذا الحديث الغريب!!
والحديث
الثاني الذي أشار مسلم إلى تفرده:
ساق مسلم حديث عائشة في
قصة بريرة من طرق كثيرة، ثم ختم هذه الأحاديث بحديث من طريق أبي هريرة لا يعرف إلا
من طريق خالد بن مخلد!!
روى مسلم برقم (1505):
وحدثنا أبو بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ: حدثنا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ، عن سُلَيْمَانَ بن
بِلَالٍ، قال: حدثني سُهَيْلُ بن أبي صَالِحٍ، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ قال:
«أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تُعْتِقُهَا فَأَبَى أَهْلُهَا
إلا أَنْ يَكُونَ لهم الْوَلَاءُ فَذَكَرَتْ ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم فقال: لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكِ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ».
قلت: وهذا الحديث لا
يعرف عن أبي هريرة إلا من حديث خالد! وهو غريب جداً! ولهذا ضاق مخرجه على أبي
عوانة في مستخرجه، فأخرجه من حديث خالد بن مخلد.
قال (3/236) برقم (98):
حدثني إسحاق بن باحويه الترمذي - بترمذ - قال:
حدثنا خالد بن مخلد القطواني، عن سليمان بن بلال، به.
ورواه أيضاً (3/245)
برقم (4834) عن إسحاق باحويه الترمذي، به.
ترجمة محمد
بن عثمان بن كرَامة وحديثه عن خالد بن مخلد
قال الذهبي:
"الإمام المحدث الثقة أبو جعفر محمد بن عثمان بن كرامة العجلي مولاهم الكوفي
الوراق، وقيل: أبو عبدالله ورَّاق عبيدالله بن موسى. سمع عبدالله بن نمير وأبا
أسامة ومحمد بن بشر العبدي وحسين بن علي الجعفي ويعلى بن عبيد وأخاه محمد بن عبيد
وعدة، وقيل: إنه روى عن غندر ولم يصح. حدّث عنه البخاري وأبو داود والترمذي وابن
ماجة وابن أبي الدنيا وابن أبي داود ويحيى بن صاعد ومحمد بن مخلد والسراج
وجماعة". [سير أعلام النبلاء: 12/296].
قال أبو حاتم:
"صدوق".
وقال ابن عقدة: سمعت محمد
بن عبد الله بن سليمان وداود بن يحيى يقولان: "كان صدوقاً".
وقال أبو محمد بن
الجارود ذكرته لمحمد بن يحيى فأحسن القول فيه.
وذكره ابن حبان في
الثقات.
قال الذهبي في «الكاشف»
(2/200): "صاحب حديث صدوق".
وقال ابن حجر في
«التقريب» (ص496): "ثقة".
قال عبدالباقي بن قانع:
"مات بالكوفة سنة أربع وخمسين ومائتين". وقال محمد بن عبدالله الحضرمي
مُطين: "مات في رجب سنة ست وخمسين ومئتين"، قال الخطيب: "وهو
الصواب".
قال المزي في «تهذيب
الكمال» (26/97) بعد أن ساق له حديث الولي: "وليس له عنه- أي البخاري- في الصحيح غيره".
وقال ابن حجر في «تهذيب
التهذيب» (9/301): "روى عنه البخاري في الصحيح حديثاً واحداً".
وفي الزهرة: "روى
عنه البخاري أربعة أحاديث".
قلت: بل روى عنه البخاري
حديثين: حديث الولي وحديث الرجم كما سبق بيانه.
وقد ساق له الذهبي
حديثاً في ترجمته من «السير» (12/298) قال: قرأت على علي بن محمد الفقيه وجماعة:
سمعوا عبدالله بن عمر، قال: أخبرنا سعيد بن أحمد حضوراً ولي أربع سنين، قال:
أخبرنا أبو نصر الزينبي، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر، قال: حدثنا يحيى بن
محمد، قال: حدثنا محمد بن عثمان بن كرامة، قال: حدثنا قبيصة، قال: حدثنا سفيان، عن
منصور، عن إبراهيم، عن علقمة قال: زلزلت فسا على عهد عبدالله - رضي الله عنه - فقال: «إنا كنا نرى الآيات مع رسول صلى الله عليه وسلم بركات وأنتم
تعدونها تخويفاً».
قال الذهبي:
"إسناده جيد وله علة. فبالإسناد إلى يحيى قال: حدثناه إبراهيم بن سعيد
الجوهري ومحمد بن إسحاق قالا: حدثنا قبيصة عن سفيان عن الأعمش بإسناده نحوه".
قلت: لا شك أن محمد بن
عثمان بن كرامة من أهل الصدق والثقة، وربّ سائل يقول: كيف يتفرد بأحاديث عن خالد
بن مخلد، ولا توجد عند شيخ سواه؟!
والبخاري قد أكثر عن
خالد ولكنه اضطر أن يروي عن محمد بن عثمان وهو من أقرانه ويعدّ من صغار شيوخه! فلم
لم يسمع البخاري منه هذه الأحاديث التي تفرد بها ابن كرامة وقد سمع منه غيرها
الكثير؟!
أقول: يُحتمل أن البخاري
لما سمع منه انتقى من حديثه فسمع ما انتقاه، أو أنه لم تسنح له الفرصة إلا أن يسمع
جزءاً من حديثه، فلما احتاج إلى حديثه من غير ما سمعه اضطر أن يرويها عنه بواسطة،
والله أعلم.
وتفرد ابن كرامة بهذه
الأحاديث عن خالد ليس بمستنكر، فربما يكون استنزف حديث خالد كله بخلاف غيره، وكان
التحديث في ذلك الوقت قائماً على الانتقاء لكثرته وانتشاره في الصحف والنسخ، أو
يكون ابن كرامة قد سمع من خالد في أواخر عمره هذه الأحاديث التي تفرد بها
عنه. وهناك جملة من الأحاديث قد توبع ابن كرامة عليها عن خالد، وقد روى
البخاري بعضها عن غير ابن كرامة عن خالد، وهذا يؤيد ما قلناه إن البخاري لم يسمع
كل حديث خالد بن مخلد.
روى ابن عساكر في
«تاريخه» (9/30) من طريق محمد بن مخلد العطار، قال: أخبرنا محمد بن عثمان بن
كرامة، قال: أخبرنا خالد بن مخلد، قال: حدثني سليمان بن بلال، قال: حدثني شريك بن
عبدالله بن أبي نمر، عن إسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاص، عن عبيدالله بن أبي
رافع، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل لم
يبعث نبياً إلا وله حواريون، فيمكث بين أظهرهم ما شاء الله يعمل فيهم بكتاب الله
عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإذا انقرضوا كان من بعدهم أمراء يركبون
رؤوس المنابر، يقولون ما تعرفون ويعملون ما تنكرون، فإذا رأيتم أولئك فحق على كل
مؤمن يجاهدهم بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع بلسانه فبقلبه ليس وراء ذلك
إسلام».
ورواه البخاري في
«التاريخ الكبير» (1/368) عن محمد بن مهران الرازي، قال: حدثنا خالد بن مخلد، قال:
حدثنا سليمان، عن شريك بن عبدالله بن أبي نمر، عن إسماعيل بن عمرو بن سعيد بن
العاص، عن عبيدالله عن ابن مسعود، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بعث الله
نبياً إلا له حواري، فذكر الخلفاء.
قلت: وهذا الحديث تفرد
به خالد عن سليمان بهذا الإسناد!! وهو معروف من غير هذا الطريق وفي ألفاظه بعض
الاختلاف.
رواه الإمام مسلم في «صحيحه»
(1/69) برقم (50) قال: حدثني عَمْرٌو النَّاقِدُ وأبو بَكْرِ بن النَّضْرِ
وَعَبْدُ بن حُمَيْدٍ - واللفظ لِعَبْدٍ- قالوا: حدثنا يَعْقُوبُ بن إبراهيم بن
سَعْدٍ، قال: حدثني أبي، عن صَالِحِ بن كَيْسَانَ، عن الحَارِثِ، عن جَعْفَرِ بن
عبداللَّهِ بن الْحَكَمِ، عن عبدالرحمن بن الْمِسْوَرِ، عن أبي رَافِعٍ، عن
عبداللَّهِ بن مَسْعُودٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قال: «ما من
نَبِيٍّ بَعَثَهُ الله في أُمَّةٍ قَبْلِي إلا كان له من أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ
وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا
تَخْلُفُ من بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ ما لا
يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بيده فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ
بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ،
وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلك من الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ». قال أبو رَافِعٍ:
فَحَدَّثْتُ عَبْدَاللَّهِ بن عُمَرَ فَأَنْكَرَهُ عَلَيَّ فَقَدِمَ ابن مَسْعُودٍ
فَنَزَلَ بِقَنَاةَ فَاسْتَتْبَعَنِي إليه عبداللَّهِ بن عُمَرَ يَعُودُهُ
فَانْطَلَقْتُ معه فلما جَلَسْنَا سَأَلْتُ ابن مَسْعُودٍ عن هذا الحديث
فَحَدَّثَنِيهِ كما حَدَّثْتُهُ ابن عُمَرَ، قال صَالِحٌ: وقد تُحُدِّثَ بِنَحْوِ
ذلك عن أبي رَافِعٍ.
قال مسلم: وحدثنيه أبو
بَكْرِ بن إسحاق بن مُحَمَّدٍ، قال: أخبرنا ابن أبي مَرْيَمَ، قال: حدثنا
عبدالْعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ، قال: أخبرني الْحَارِثُ بن الْفُضَيْلِ الْخَطْمِيُّ،
بهذا الإسناد مِثْلَ حديث صَالِحٍ ولم يذكر قُدُومَ ابن مَسْعُودٍ وَاجْتِمَاعِ
ابن عُمَرَ معه.
وروى خالد بن مخلد عن
سليمان عن شريك حديثاً آخر يشبه هذا الحديث؛ فكأنه كان يدخل له أسانيد في أسانيد،
ولهذا قلنا إن حديث الولي حصل له فيه هذا.
روى ابن أبي شيبة في
«مصنفه» (7/526) برقم (37721) قال: حدثنا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ، عن سُلَيْمَانَ بن
بِلاَلٍ، قال: حدثني شَرِيكُ بن عبداللهِ بن أبي نَمِرٍ، عن الأَعْشَى بن
عبدالرحمن بن مُكْمِلٍ، عن أَزْهَرَ بن عبداللهِ، قال: أَقْبَلَ عُبَادَةُ بن
الصَّامِتِ حَاجًّا من الشَّامِ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فَأَتَى عُثُمَّانَ بن
عَفَّانَ، فقال: يا عُثْمَان، أَلاَ أُخْبِرُك شيئاً سَمِعْته من رسول اللهِ صلى
الله عليه وسلم، قال: بَلَى، قُلْت: فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه
وسلم يقول: «سَتَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَأْمُرُونَكُمْ بِمَا تَعْرِفُونَ
وَيَعْمَلُونَ ما تُنْكِرُونَ فَلَيْسَ لأولئك عَلَيْكُمْ طَاعَةٌ».
وراه البخاري في
«التاريخ الكبير» (1/458) قال: قال خالد بن مخلد: حدثنا سليمان بن بلال، به.
ورواه الحاكم في «المستدرك»
(3/402) برقم (5531) عن أبي العباس محمد بن يعقوب، عن العباس بن محمد الدوري، قال:
حدثنا خالد بن مخلد، قال: حدثنا سليمان بن بلال، قال: حدثني شريك بن عبدالله بن
أبي نمر، عن عبدالرحمن بن مكمل، عن أزهر بن عبدالله قال: أقبل عبادة بن الصامت
حاجاً من الشام فحج، ثم قدم المدينة فأتى عثمان بن عفان متظلماً، وذكر الحديث.
كذا فيه: "عن
عبدالرحمن بن مكمل"، وسقط منه: "الأعشى"، وهو: سعيد الأعشى ابن
عبدالرحمن بن مكمل.
قلت: فهذا الحديث تفرد
به خالد بن مخلد بهذا الإسناد، والحديث الذي ذكرناه في الأصل أيضاً تفرد به، وفي
ألفاظهما تقارب، فكأن خالداً لم يكن يضبط الأحاديث بما ينبغي، ولهذا كان يأتي
بالمناكير.
وحديث الولي لا يُعرف
عند أهل المدينة من حديث شريك، وقد جمع علي بن حجر السعدي حديث إسماعيل بن جعفر
المدني عن شريك بن عبدالله بن أبي نمر في جزء، ولا يوجد فيها هذا الحديث.
ترجمة خالد
بن مخلد القطواني، والأحاديث المنكرة التي أوردها له ابن عَدي في ترجمته
هو: خالد بن مَخلد أبو
الهيثم القطواني، كوفي، بجلي، روى عن مالك بن أنس، وموسى بن يعقوب، وسليمان بن
بلال، وغيرهم. روى عنه: ابن نُمير، وعثمان وعبدالله ابنا أبي شيبة، والإمام
البخاري، وابن كرامة، وغيرهم.
قال مُطين وابن سعد:
"مات سنة ثلاث عشرة ومئتين". وقال ابن قانع: "سنة أربعة عشر".
وذكره البخاري في الأوسط من مات فيما بين سنة أحد عشر وخمسة عشر ومائتين.
من وثقه من
أهل العلم
قال عثمان بن سعيد
الدارمي: سألت يحيى بن معين عن خالد بن مخلد القطواني؟ فقال: "ما به
بأس".
وقال صالح بن محمد جزرة:
"ثقة في الحديث، إلا أنه كان متهماً بالغلو".
وقال الآجري عن أبي
داود: "صدوق، ولكنه يتشيع".
وقال ابن شاهين في
الثقات: قال عثمان بن أبي شيبة: "هو ثقة صدوق".
وقال العجلي: "ثقة،
فيه قليل تشيع، وكان كثير الحديث".
وذكره ابن حبان في
الثقات.
من ضعفه أو
ضعف بعض حديثه من أهل العلم
وقال عبدالله بن أحمد بن
حنبل: سألت أبي عن خالد بن مخلد؟ فقال: "له أحاديث مناكير".
وقال عبدالرحمن ابن أبي
حاتم: سمعت أبي يقول: "خالد بن مخلد يُكتب حديثه". وزاد الذهبي في
الميزان: "ولا يُحتج به".
وحكى أبو الوليد الباجي
في رجال البخاري عن أبي حاتم أنه قال: "لخالد بن مخلد أحاديث مناكير، ويُكتب
حديثه".
وقال الأزدي: "في
حديثه بعض المناكير، وهو عندنا في عداد أهل الصدق".
وقال ابن سعد:
"منكر الحديث، وكتبوا عنه ضرورة".
وذكره الساجي والعقيلي
في الضعفاء.
اتهامه
بالتشيع والغلو فيه!!
قال صالح بن محمد جزرة:
"ثقة في الحديث، إلا أنه كان متهماً بالغلو".
وقال الآجري عن أبي
داود: "صدوق، ولكنه يتشيع".
وقال ابن سعد:
"كانت عنده أحاديث عن رجال أهل المدينة وكان متشيعاً.. وكان منكر الحديث، في
التشيع مفرطاً، وكتبوا عنه ضرورة".
وقال الجوزجاني وهو يذكر
بعض الغلاة في مذاهبهم: "وخالد بن مخلد: كان شتاماً معلناً بسوء مذهبه.
وأمثالهم كثير فما روى هؤلاء مما يقوي مذهبهم عن مشايخهم المغموزين وغير الثقات
المعروفين فلا ينبغي أن يغتر بهم الضنين بدينه الصائن لمذهبه خيفة أن يختلط الحق المبين
عنده بالباطل الملتبس فلا أجد لهؤلاء قولاً هو أصدق من هذا".
وقال الأعين: قلت له،
عندك أحاديث في مناقب الصحابة؟ قال: "قل في المثالب أو المثاقب" - يعني
بالمثلثة لا بالنون. [تهذيب التهذيب: 3/101].
وقد رد ابن حجر على ما
قيل في خالد بن مخلد، فقال في «مقدمة الفتح» (ص400): "أما التشيع فقد قدمنا
أنه إذا كان ثبت الأخذ والأداء لا يضره لا سيما ولم يكن داعية إلى رأيه، وأما
المناكير فقد تتبعها أبو أحمد بن عدي من حديثه، وأوردها في كامله وليس فيها شيء
مما أخرجه له البخاري، بل لم أر له عنده من أفراده سوى حديث واحد، وهو حديث أبي
هريرة: من عادى لي ولياً الحديث، وروى له الباقون سوى أبي داود".
قلت: أما بدعة التشيع
فليس مما يُردّ به حديث الراوي على الراجح، على أننا نقلنا عن الإمام المعلمي أن
حديثه في الولي مما يقوي بدعته.
وأما فيما يتعلق
بمنكراته فذكر ابن عدي لعشرة أحاديث منكرة في ترجمته لا يعني أن هذه كل أحاديثه
المنكرة، وقد وجدنا أحاديث منكرة وأفراداً غيرها وغير حديث الولي، وهذا يدل على أن
ابن عدي لم يتتبع كل حديثه.
نعم، هو صدوق، وعنده
تشيع. ولكنه يأتي بغرائب وبمناكير، فلا يحتج بحديثه إلا إذا توبع عليه. وما انفرد
به فلا يحتج به.
قال الذهبي في «تذكرة
الحفاظ» (1/407): "وهو شيعي صدوق، يأتي بغرائب وبمناكير".
ووصفه في «السير»
(10/217) بـ "المُغْرِب"، أي صاحب الغرائب، فقال: "الإمام
المحدِّث الحافظ المُكثر المُغْرِب".
وقال ابن حجر في
«التقريب» (ص190): "صدوق يتشيع، وله أفراد".
قول ابن رجب
في شرح العلل
ذكر ابن رجب في «شرح علل
الترمذي» (2/732) "في ذكر قوم من الثقات لا يذكر أكثرهم غالباً في أكثر كتب
الجرح وقد ضعف حديثهم إما في بعض الأوقات أو في بعض الأماكن أو عن بعض
الشيوخ".
وقال: "النوع
الثاني: من ضعف حديثه في بعض الأماكن دون بعض وهو على ثلاثة أضرب"، ثم قال:
"الضرب الثاني: من حدث عن أهل مصر أو إقليم فحفظ حديثهم وحدث عن غيرهم فلم
يحفظ"، وذكر من هؤلاء، قال: "ومنهم خالد بن مخلد القطواني. ذكر الغلابي
في تاريخه قال: القطواني يؤخذ عنه مشيخة المدينة وابن بلال فقط. يريد سليمان بن
بلال، ومعنى هذا أنه لا يؤخذ عنه إلا حديثه عن أهل المدينة وسليمان بن بلال منهم
لكنه أفرده بالذكر".
قلت: احتج بهذا بعض أهل
العلم بأن حديثه عن أهل المدينة وخاصة عن سليمان بن بلال مستقيم! وهذا في الغالب
صحيح، وقواعد أهل العلم حينما يطلقونها عادة تدل على الأغلبية، وليس في كل حديث
حديث، ولهذا وجدنا بعض المناكير يرويها عن سليمان بن بلال، فليس كل ما رواه عن
سليمان قد حفظه، وقد بينا أن البخاري ومسلم كانا ينتقيان من حديثه عن سليمان ما
توبع عليه، إلا في الحديثين اللذين رواهما البخاري، وهما محل النظر في هذا البحث.
المناكير
التي ساقها ابن عدي له
ذكره ابن عدي في
«الكامل» (3/34) ثم ساق له تسعة أحاديث استنكرها!! وهي:
الحديث
الأول:
قال ابن عدي: حدثنا ابن
حماد، قال: حدثنا أبو أمية الطرسوسي، قال: حدثنا خالد بن مخلد، قال: حدثنا مالك،
عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«السَّفَرُ قِطْعَةٌ من الْعَذَابِ، فإذا قَضَى أحدكم نَهْمَتَهُ من سفره
فَلْيُسرع الرجوع إلى أَهْلِهِ».
قال ابن عدي: "وهذا
لا يُعرف لمالك عن سهيل، إنما يرويه مالك في الموطأ عن سُمَيٍّ عن أبي صالح".
الحديث
الثاني:
قال ابن عدي: حدثنا
زكريا بن يحيى بن حيويه، قال: حدثنا يوسف بن موسى القطان، قال: حدثنا خالد بن
مخلد، قال: حدثنا مالك، عن أبي الزناد، عن الْأَعْرَجِ، عن أبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَمْنَعن أحدكم جَارَهُ أَنْ يَضع
خَشَبَةً في جِدَارِهِ». ثمّ قال أبو هُرَيْرَةَ: «ما لي أَرَاكُمْ عنها
مُعْرِضِينَ والله لَأَرْمِيَنَّ بها بين أَكْتَافِكُمْ».
قال ابن عدي: "وهذا
الحديث لا يُعرف عن مالك عن أبي الزناد إلا من رواية خالد عنه! ورواه مالك في
الموطأ عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة".
الحديث
الثالث:
قال ابن عدي: حدثنا أحمد
بن محمد بن الحسن الذهبي البلخي، قال: حدثنا محمد بن عثمان بن كرامة، قال: حدثنا
خالد بن مخلد، قال: حدثنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال
النبي صلى الله عليه وسلم: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا».
قال ابن عدي: "وهذا
لا يُعرف عن مالك عن أبي الزناد إلا من رواية خالد عنه! وعند مالك في الموطأ عن
نافع عن ابن عمر".
الحديث
الرابع:
قال ابن عدي: حدثنا وصيف
بن عبدالله الحافظ بأنطاكية، قال: حدثنا ابن أبي العنْبَس، قال: حدثنا خالد بن
مخلد، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: «أنَّ النبي صلى الله
عليه وسلم قطعَ في مِجن قيمته ثلاثة دراهم».
قال ابن عدي: "ولا
يعرف هذا الحديث عن مالك عن أبي الزناد إلا من رواية خالد عنه! ولم أكتبه إلا عن
وصيف، وهذا في الموطأ عن مالك عن نافع عن ابن عمر".
الحديث
الخامس:
قال ابن عدي: أخبرنا
عبدالرحمن بن عبدالمؤمن، قال: أخبرنا محمد بن بندار أبو عبدالله السباك، قال:
حدثنا خالد بن مخلد القطواني، قال: حدثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «كلُّ مُسكرٍ حرام، وكلّ مسكر خمر».
قال ابن عدي: "وهذا
قد رفعه عن خالد عن مالك: عبدالعزيز الماجشون وعصام بن يوسف وغيرهما، وهو في
الموطأ موقوف".
الحديث
السادس:
قال ابن عدي: حدثنا عيسى
بن أحمد الصدفي، قال: حدثنا أبو أمية الطرسوسي، قال: حدثنا خالد بن مخلد، قال:
حدثنا مالك، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حقها، وَعَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ فإن الأَرْضَ
تطوي بِاللَّيْلِ».
حدثناه موسى بن العباس،
قال: حدثنا أبو أيوب بن إسحاق بن سافري، قال: حدثنا خالد بن مخلد، قال: حدثنا
مالك، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إذا سَافَرْتُمْ في الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الْإِبِلَ حَظَّهَا من الأرض، وإذا
سَافَرْتُمْ في الجَدب فَأَسْرِعُوا عليها السَّيْرَ».
وبإسناده قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «إذا عَرَّسْتُمْ بالليل فَاجْتَنِبُوا الطَّرق فَإِنَّهَا
مَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ».
قلت: يريد ابن عدي أن
هذا الحديث لم يروه عن مالك بهذا الإسناد إلا خالد بن مخلد! وهو ليس في الموطأ.
والحديث معروف من غير
طريق مالك عن سهيل، رواه جَرِيرٌ وعبدالعزيز بن محمد الدراوردي - كما في صحيح مسلم- عن سُهَيْلٍ، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ، مرفوعاً
بالمتنين الأخيرين عند ابن عدي، فهما في حديث واحد.
والحديث رواه ابن
عبدالبر في «التمهيد» (24/158) من طريق خالد بن عبدالله، قال: حدثنا سهيل بن أبي
صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، به.
قال ابن عبدالبر:
"ورواه مالك بن أنس عن سهيل بإسناده مثله سواء، وليس في الموطأ".
قلت: اعتمد ابن عبدالبر
على رواية خالد بن مخلد عن مالك، وهي منكرة كما أشار ابن عدي.
وكذلك اعتد بها الطحاوي،
ولم يتنبه إلى نكارتها عن مالك، فأورد الحديث في «شرح مشكل الآثار» ثم قال:
"وقد رُوِيَ عنه - أي النبي صلى الله عليه وسلم- في
ذلك أَيْضًا مِمَّا يَدْخُلُ في هذا الْمَعْنَى ما قد حدثنا أبو أُمَيَّةَ: حدثنا
خَالِدُ بن مَخْلَدٍ: حدثنا مَالِكٌ، عن سُهَيْلٍ، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ،
قال: قال رسول اللهِ عليه السلام: إذَا سَافَرْتُمْ في الْخِصْبِ فَأَعْطُوا
الإِبِلَ حَقَّهَا وَعَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ فإن الأَرْضَ تُطْوَى
بِاللَّيْلِ".
قلت: وهذا حديث منكر
بهذا الإسناد! لم يروه عن مالك إلا خالد بن مخلد.
الحديث
السابع:
قال ابن عدي: حدثنا
قُسطنطين بن عبدالله الرومي مولى المعتمد على الله أمير المؤمنين، قال: حدثنا
عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا خالد بن مخلد، قال: حدثنا سليمان بن بلال، قال:
حدثني عمارة بن غزية الأنصاري، قال: سمعت عبدالله بن علي بن الحسن يُحدِّث عن
أبيه، عن جدّه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الْبَخِيلَ من
ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فلم يُصَلِّ عَلَيّ».
قال ابن عدي: "وهذا
الحديث بهذا الإسناد يرويه سليمان بن بلال وأظن أن غير خالد قد رواه عنه
أيضاً".
قلت: قد رواه غير خالد
عن سليمان.
أخرجه الإمام أحمد في
«المسند» (1/201) عن أبي عامر العقدي عبدالْمَلِكِ بن عَمْرٍو وأبي سَعِيدٍ،
قَالاَ: حدثنا سُلَيْمَانُ بن بِلاَلٍ، به.
وأخرجه الطبراني في
«المعجم الكبير» (3/127) من طريق يحيى الْحِمَّانِيّ، عن سُلَيْمَان بن بِلالٍ،
به.
فالحديث معروف عن سليمان
بن بلال، وهو ليس بمنكر من طريق خالد بن مخلد، فقد توبع خالد عليه.
الحديث
الثامن:
قال ابن عدي: حدثنا أحمد
بن محمد الشرقي، قال: حدثنا أحمد بن يوسف - أملى من أصله مراراً- قال: حدثنا خالد
بن مخلد، قال: حدثني سليمان بن بلال، قال: حدثني سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كتب الله على العباد خمس صلوات، فمن أتى بهنّ وقد
أدى حقهن كان له عند الله عهداً أن يدخله الجنة، ومن أتى بهنّ وقد ضيع حقهنّ
استخفافاً بهن لم يكن له عهد وإن شاء عذبه وإن شاء رحمه».
قال ابن عدي: قال لنا
الشرقي: سألت صالح جزرة عن هذا الحديث؟ فقال: "هذا ليس له أصل عن سهيل، وأخاف
أنه دخل لحمدان السلمي إسناد في إسناد".
قلت: صالح جزرة يرى أن
الذي دخل له إسناد في إسناد هو أحمد بن يوسف السلمي المعروف بحمدان، ولكن خالفه
ابن عدي بأن هذا من منكرات خالد بن مخلد ولهذا ذكره هنا في منكراته، وقوله صواب؛
لأن حمدان السلمي ثقة نبيل، وقد أشار الشرقي إلى أن حمدان السلمي أملاه من أصله
مراراً، وهذا يبعد أن يكون قد دخل له إسناد في إسناد؛ لأنه في أصله هكذا، ولو أنه
حدث به من حفظه لكان ذلك محتملاً، والله أعلم.
الحديث
التاسع:
قال ابن عدي: حدثنا ابن
منيع، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا خالد بن مخلد القطواني، قال:
حدثنا مُوسَى بن يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ، قال: أخبرني عبدُاللَّهِ بن كَيْسَانَ،
قال: أخبرني عبدالله بن شدَّاد بن الهاد، عن أبيه، عن ابن مسعود: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «أَوْلَى الناس بِي يوم الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ
صَلَاةً».
قال ابن عدي: "وهذا
أيضاً يرويه خالد عن موسى بن يعقوب في الصلاة على النبيّ، وحدَّث قسطنطين الذي
تقدم أيضاً في الصلاة على النبي، يرويه خالد عن سليمان".
قلت: رواه الترمذي في
«الجامع» (2/354) برقم (484) عن محمد بن بَشَّارٍ بُنْدَار، قال: حدثنا محمد بن
خَالِدٍ بن عَثْمَةَ، قال: حدثني مُوسَى بن يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ، قال: حدثني
عبداللَّهِ بن كَيْسَانَ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بن شَدَّادٍ: أخبره عن عبداللَّهِ
بن مَسْعُودٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال، فذكره.
قال الترمذي: "هذا
حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ".
ورواه البيهقي في «شعب
الإيمان» (2/212) من طريق أبي القاسم ابن أبي الزناد عن موسى بن يعقوب، عن عبدالله
بن كيسان، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عتبة، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه
وسلم.
قال البيهقي: "كذا
قال! ورواه عباس بن أبي شملة، عن موسى، عن عبدالله بن كيسان، عن عتبة بن عبدالله،
عن عبدالله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الدارقطني - وسئل عن هذا الحديث في «العلل» (5/112) -: "يرويه موسى بن يعقوب
الزمعي، واختلف عنه: فرواه خالد بن مخلد عن موسى عن عبدالله بن كيسان عن عبدالله
بن شداد عن أبيه عن ابن مسعود، ورواه محمد بن خالد بن عتمة عن موسى بهذا الإسناد،
إلا أنه لم يقل فيه (عن أبيه)، ورواه القاسم بن أبي الزناد عن موسى عن عبدالله بن
كيسان عن سعيد بن سعيد عن ابن عتبة بن مسعود عن عبدالله بن مسعود، والاضطراب فيه
من موسى بن يعقوب، ولا يحتج به".
قلت: فهذا الاضطراب في
هذا الحديث من موسى، وعليه فلا عهدة في هذا الحديث على خالد بن مخلد، وهو ليس من
منكراته، وقد أصاب ابن عدي في إيراده في منكرات موسى في ترجمته من «الكامل».
وقد ختم ابن عدي ترجمة
«خالد بن مخلد» بقوله: "وخالد بن مخلد القطواني له عن مالك وسليمان بن بلال
وغيرهما، وله شيوخ ونسخ كثيرة، وعنده نسخة عن مغيرة بن عبدالرحمن عن أبي الزناد عن
الأعرج عن أبي هريرة نحو من مائة حديث، وله عن يوسف بن عبدالرحمن المدني عن العلاء
نسخة، وله عن عبدالعزيز بن الحصين نسخة، وهو من المكثرين في محدثي أهل الكوفة،
وهذه الأحاديث التي ذكرتها عن مالك وعن غيره لعله توهماً منه أنه كما يرويه أو حمل
على حفظه؛ لأني قد اعتبرت حديثه ما روى الناس عنه من الكوفيين محمد بن عثمان بن
كرامة ومن الغرباء أحمد بن سعيد الدارمي وعندي من حديثهما عن خالد صدر صالح، ولم
أجد في كتبه أنكر مما ذكرته، فلعله توهماً منه أو حملاً على الحفظ، وهو عندي إن
شاء الله لا بأس به".
قلت: من خلال ما ساقه
ابن عدي من منكرات لخالد بن مخلد، فإن أكثرها عن مالك، وهي ستة أحاديث،
فكأنه - رحمه الله - اعتنى بما رواه عن مالك فوجد هذه
المنكرات عنه، وفي هذا ردّ على من ظنّ أن ابن عدي لم يجد إلا ما ذكره من منكرات
لخالد، وهذا يدل على ما لم يذكره فليس بمنكر!! فابن عدي لم يستوعب منكراته، وهو
عادة لا يستوعب من كان حديثه كثيراً مثل خالد بن مخلد، ومما يؤيد هذا أنه ذكر
حديثاً له ضمن هذه المنكرات عن سليمان بن بلال ثم قال: "وأظن أن غير خالد قد
رواه عنه أيضاً"، وقد بينا من رواه غير خالد، فهو لم يستوعب وإلا لبحث عمن رواه
غير خالد وذكره.
ثم هو قد استنكر حديثاً
آخر لخالد عن سليمان بن بلال، وخالد مكثر عن سليمان، وابن عدي لم يتتبع كل حديثه
عنه، وطالما أنه وجد حديثاً منكراً لخالد عن سليمان فهذا يعني أنه ليس كل حديث
رواه خالد عن سليمان فقد أتقنه كما فهم بعض أهل العلم من النص الذي ذكره ابن رجب
عن ابن معين، وتكلمنا عليه.
ومما يؤيد أيضاً أن ابن
عدي لم يتتبع كل حديث خالد بن مخلد أنه ذكر الحديث الأخير من منكراته وهو ليس
كذلك، وساقه أيضاً في ترجمة موسى بن يعقوب الزمعي، وهو من منكرات موسى. وهذا يحدث
كثيراً لابن عدي بأن يورد حديثاً في أكثر من ترجمة والحديث يصلح أن يكون في ترجمة
واحدة فقط.
فإن احتج محتج بقوله: قد
قال ابن عدي: "إنه قد اعتبر حديثه ما روى الناس عنه من الكوفيين محمد بن
عثمان بن كرامة ومن الغرباء أحمد بن سعيد الدارمي وعندي من حديثهما عن خالد صدر
صالح، ولم أجد في كتبه أنكر مما ذكرته.."، فهذا تصريح منه بأنه راجع كل حديثه
وهذا ما وجده من منكراته فقط؟!
أقول: مسألة الاعتبار
عند ابن عدي تحتاج إلى دراسة، فهو كثيراً ما يذكر ذلك وعند مراجعة أحاديث الراوي
نجد له منكرات غير التي ذكرها، وهذا يدل على أنه - رحمه
الله - كان يتسامح في هذه المقولة، فالاعتبار عنده - والله أعلم - أنه ينظر في حديثه نظرة سريعة، فما
يجد أنه منكر عنده ذكره بحسب ما يحفظه أو ما يراجعه في كتبه وكتب أهل العلم.
وأما ما قاله بالنسبة
للمنكرات إنه لم يجد في كتبه أنكر مما ذكره، فهذا يعني أنه قد يكون هناك منكرات
أخرى له، ولكن ابن عدي أورد أشدها نكارة بحسب تعبيره: "أنكر". وكذلك هو
قيّد ذلك: "ولم أجد في كتبه"، وهذا راجع إلى هذه النسخ التي ذكرها، وهي
نسخ مستقيمة، وأما الأحاديث المنكرة له مما ذكره هنا وعند غيره فليست في هذه
النسخ، والله تعالى أعلم وأحكم.
وقد أورد
الذهبي - رحمه الله - حديثاً آخر في ترجمة خالد، قال إنه
من أفراده!
قال في «الميزان»
(2/426): "وما انفرد به ما رواه الدارقطني في «السنن»: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيدٍ، قال: حدثنا أَبُو شَيْبَةَ إبراهيم بن عبدالله، قال:
حدثنا خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ بنُ بِلَالٍ، عَنْ عَمْرِو
بنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، مرفوعاً: «لَيْسَ
عَلَيْكُمْ فِي مَيِّتِكُمْ غُسْلٌ إِذَا غَسَّلْتُمُوهُ»".
قلت: ظاهر كلام الذهبي
أن خالداً تفرد بهذا الحديث عن سليمان بن بلال، ولم يروه غيره. وفي هذا نظر، فقد
رواه عن سليمان: عبدالله بن وهب.
رواه البيهقي في «السنن
الكبرى» (3/398) برقم (6460) من طريق الرّبيع بن سليمان، عن عبدالله بن وهب، عن
سليمان بن بلال، عن عمرو مولى المطلب، عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: «لَيْسَ
عَلَيْكُمْ فِي مَيِّتِكُمْ غُسْلٌ إِذَا غَسَّلْتُمُوهُ».
وتابعه أبو سلمة منصور
بن سلمة الخزاعي.
رواه ابن شاهين في «ناسخ
الحديث ومنسوخه» (ص58) برقم (39) من طريق محمد بن إسحاق الصغاني، قال: حدثنا أبو
سلمة، قال: حدثنا سليمان بن بلال، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس
موقوفاً.
فجعلا الحديث من قول ابن
عباس.
فإن أراد الذهبي أن
خالداً تفرد برفعه فهذا صحيح، وإن أراد أنه تفرد بروايته عن سليمان فليس بصحيح.
وقد أورده في ترجمة
«عمرو بن أبي عمرو» من «الميزان» (5/337) فقال: "ومن غرائبه عن أبيه في
«سنن الدارقطني» إن ثبت الإسناد إليه حديثه: ليس عليكم في ميتكم غسل حسبكم أن
تغسلوا أيديكم".
قلت: وهذا يؤيد أن
الذهبي قصد في الحديث السابق أنه من أفراد خالد، أي تفرد به عن بلال، ولم يقصد
تفرده برفعه؛ لقوله: "إن ثبت الإسناد إليه"! يعني لو ثبت أن سليمان بن
بلال رواه عنه؛ لأن الذهبي يرى أن خالد بن مخلد تفرد به عنه، فلو ثبت أن خالد بن
مخلد لم يتفرد به، فيكون من غرائب عمرو هذا!
وما جاء في المطبوع في
هذا الإسناد: "عن أبيه" خطأ، وهو تحريف. والصواب: "عن عكرمة"،
فالحديث رواه عمرو عن عكرمة، ولم يروه عن أبيه.
· ملخص وفوائد البحث:
1- حديث الوليّ تفرد
بإخراجه البخاري في «صحيحه» دون بقية أصحاب الكتب الستة عن مُحَمَّد بن عُثْمَانَ
بنِ كَرَامَةَ، عن خَالِد بن مَخْلَدٍ، عن سُلَيْمَان بن بِلالٍ، عن شَرِيك بن
عَبْدِاللَّهِ بنِ أَبِي نَمِرٍ، عَن عَطَاءٍ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النبيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عن اللَّه عزّ وجلّ.
2- صحح الحديث كثير من
أهل العلم تبعاً لإخراج البخاري له في «صحيحه»، وصححه ابن حبان، والخطيب، والبغوي،
وقوام السنة الأصبهاني، والسمعاني، وابن تيمية، وغيرهم من المتأخرين والمعاصرين.
وقد عدّه بعض المتأخرين من الأحاديث المتواترة.
3- ضعف الألباني سند
البخاري، ثم صححه بالشواهد.
4- جازف بعض المتأخرين
والمعاصرين بأن هذا الحديث من الأحاديث المتواترة، ولا مجال للطعن في رجاله!
5- الحديث ليس في مسند
أحمد مع أن خالد بن مخلد القطواني تكلَّم فيه الإمام أحمد! ومسنده من أكبر
المسانيد وأجمعها!
6- خالد بن مَخلد القطواني
صدوق يَهم ويُخطئ، ويأتي بالمناكير، ولا يُقبل ما انفرد به. وقد تفرد بحديث الولي!
7- حديث الولي فيه تهمة
تأييد مذهب غلاة الرافضة في الاتحاد والحلول.
8- شَريك بن أبي نَمِر
صدوق يُخطئ.
9- أصل حديث الولي بعض
مراسيل الإسرائيليات. فقد رواه أربعة من كبار التابعين: الحسن البصري (ت 110هـ)،
وحسان بن عطية الشامي (توفي من120-130هـ)، ووهب بن مُنبه الصنعاني (ت 110هـ)،
وطاوس اليماني (ت 106هـ)، وكانوا مشهورين برواية المراسيل ومنها ما يختص بالعبادة
والزهد من الكتب القديمة، وأربعتهم كانوا من العبّاد الزّهاد.
10- من أهم القواعد في
العلل أن الحديث إذا تفرد به أحد الرواة في طبقة متأخرة بإسناد غريب وكان له أصل
مرسل، فإن الصواب هو المرسل، فتعلّ روايته بهذا المرسل.
فحديث الولي له أصل من
طرق أربعة من التابعين يروونه من كتب أهل الكتاب، ويتفرد به خالد بن مخلد القطواني
في عدّة طبقات مما لا يُحتمل تفرده في تلك الطبقة.
11- شواهد حديث الولي
كلها ضعيفة وواهية ومنكرة!
12- الحافظ ابن حجر
يتسامح في تحسين الأحاديث الضعيفة!
13- كلام المعاصرين في
الدفاع عن تخريج البخاري لهذا الحديث فيه خلط واضطراب وتعسّف!
14- الذي أميل إليه أن
البخاريّ لما سمع من خالد لم يسمع منه حديث الولي، ولهذا رواهما عنه بواسطة! وقد
يكون هذا بسبب أن البخاري كان يختار من أحاديث شيوخه من أصولهم فيسمع بعض
الأحاديث، ويترك بعضها، أو أن هذا الحديث لم يكن عند خالد عندما سمع منه البخاري،
ولما سمع منه ابن كرامة خلط في إسناده، والله أعلم!
15- التحقيق في مسألة
الرواية عن المبتدع الداعي لبدعته على منهج جماعة من المتقدمين: قبول خبر المبتدع
ولو كان داعية، فقد صح إخراج البخاري ومسلم لجماعة من المبتدعة وللدعاة أيضًا
منهم، مثل: شبابة بن سوّار، وعبدالمجيد بن عبدالعزيز بن أبي روّاد وهما من دعاة
المرجئة، وأيضًا: عبدالله بن أبي نجيح وهو من دعاة القدر، وأيضًا من دعاة
التَّشَيُّع مثل: عدي بن ثابت.
لكن يشترط في قبول رواية
المبتَدِع ولو كان داعية لمذهبه عدة شروط:
أولًا: ألَّا يكون
مُكَفَّرًا ببدعته على التعيين.
ثانيًا: ألا يكون
معانِدًا، يعني أن يكون مُتَؤَوِّلًا غير معاند.
ثالثًا: ألا يروي حديثًا
منكرًا يؤيد البدعة.
وبهذه الشروط الثلاثة
ينحل إشكال رواية المبتدع - ولو كان داعية- في الصحيحين.
16- دعوى بعض المعاصرين:
أنّ البخاري لا يتشدد في أحاديث الفضائل ونحوها بخلاف أحاديث العقائد أو الحرام
والحلال، مع وجود شواهد للحديث وإن كانت ضعيفة!! دعوى خطيرة! تنسب له رأياً لم
يقله ولم يُفكّر فيه!! ولو ثبت هذا المذهب عنده للزم عليه أن يخرج في كتابه أحاديث
أحسن حالاً من هذا الحديث، ولكنه أعرض عنها.
17- حديث الولي عليه
استشكالات كثيرة، وجواب العلماء عنها فيه تكلّف! وكثرة هذه الاستشكالات واختلاف
العلماء في الإجابة عنها دليل على نكارة الحديث!
18- أخرج البخاري لخالد
بن مخلد اثنين وثلاثين حديثاً في «صحيحه»، ثلاثون منها عن خالد عن سليمان بن بلال،
واثنان معلقان، واثنان بواسطة محمد بن عثمان بن كرامة، واثنان عن خالد عن غير
سليمان، وهذه الأحاديث قد أخرج البخاري في مواضع من كتابه متابعات لخالد عن
سليمان، أو متابعات لسليمان نفسه، وكل هذه الأحاديث معروفة عند أهل المدينة
باستثناء حديث رجم اليهوديين عند البلاط وحديث الولي، فقد رواهما البخاري عن خالد
بن مخلد بواسطة محمد بن عثمان بن كرامة! وقد تفرد بهما ابن كرامة! وكلاهما غريب!!
19- خرّج له مسلم (24)
حديثاً، (18) حديثاً عن سليمان بن بلال وكلها مما توبع عليه عن سليمان بن بلال
باستثناء حديثين تفرد بهما! وتخريج مسلم لهما كأنه يشير إلى غرابتهما! و(6) أحاديث
عن غير سليمان وكذلك أخرجها في المتابعات، فدلّ ذلك على أن مسلماً - رحمه الله - كان حذراً من حديثه فانتقى له.
20- حديث الولي لا يُعرف
عند أهل المدينة من حديث شريك، وقد جمع علي بن حجر السعدي حديث إسماعيل بن جعفر
المدني عن شريك بن عبدالله بن أبي نمر في جزء، ولا يوجد فيها هذا الحديث.
21- ذكر ابن عدي عشرة
أحاديث منكرة في ترجمة "خالد بن مخلد"، وهذا لا يعني أن هذه كل أحاديثه
المنكرة، وقد وجدت أحاديث منكرة وأفراداً غيرها وغير حديث الولي، وهذا يدل على أن
ابن عدي لم يتتبع كل حديثه. وهناك أحاديث جعلها في منكرات خالد والنكارة ليست منه؛
لأنه قد توبع على بعضها.
والحمد لله الذي بنعمته
تتم الصالحات.
وآخر دعوانا أن الحمد
لله ربّ العالمين.
وكتب: خالد الحايك
12 رجب 1432هـ.
شاركنا تعليقك