«كشفُ الغِطاء» عن علّة حديث «فضل صوم يومي عرفة وعاشوراء».
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام
على مُعلّم الخير للناس أجمعين، وعلى آله وصحبه الغُرّ الميامين، ومن تبعهم بإحسان
إلى يوم الدِّين، وبعد:
فقبل أكثر من سبع سنوات ناقشت بعض الإخوة
في "ملتقى أهل الحديث" حول حديث تكفير صوم عرفة سنتين وصوم عاشوراء سنة،
فطال النقاش ثم انقطعنا مع ما تخلله من فوائد، إلا أن كلّ واحد بقي على رأيه، وكنت
كتبت كتاباً طويلاً حول هذا الحديث وأحاديث عاشوراء عموماً بعنوان: "تَسليط
الأَضواء على حديث فضل صوم يومي عَرفة وعَاشوراء"، وضمنته
الرد على ما كتبه الدكتور بسّام بن عبدالله العطاوي الغانم، في كتابه:
"النَّصفَة في رد تضعيف حديث مسلم في صيام يوم عرفة"، وكتابه في الردّ
على فوزي بن عبدالله الحميدي الأثري، يردّ عليه تضعيفه لهذا الحديث!
فنظرت في كلا الكتابين فوجدتهما قد حادا
عن الأصول، وأسرف البحريني في تعليله للحديث بعلل ليست حقيقية! وكان رد الدكتور
الغانم قائم على العاطفة في أغلبه!! ووقفت أيضاً على رد للشيخ خالد قاسم الردادي
يرد فيه على من ضعف الحديث أيضاً، فأدخلته في الرد لبيان أوهامه كذلك!
وهذا الكتاب كغيره لا يزال مخطوطاً منذ
سنوات وكثُر طلبه من طلبة العلم، فأحببت تجريده من الردود على الكتب المتقدمة،
والاقتصار على الأمور الحديثية المتعلقة بالحديث ونشره للاستفادة منه.
وسميته: «كشفُ الغِطاء» عن علّة حديث «فضل صوم يومي عرفة وعاشوراء».
وسيجد فيه طالب العلم فوائد وفرائد لا
يجدها في كتاب آخر، وكيفية كشف علّة الحديث بفتحٍ من الله، مع تتبع كيفية رواية
الراوي للحديث وسماع التلاميذ منه وما احتف الرواية من قرائن تدلّ على أنها
معلولة! وكيف مشت هذه العلّة على أهل العلم جميعهم.
فالحمد لله أولاً وأخيراً على نعمه
الكثيرة.
·
المبحث
الأول: تخريج حديث فضل صيام عرفة وعاشوراء.
نبدأ برواية الإمام مسلم التي أخرجها في:
"صحيحه"؛ لأنَّ غالب من صحح الحديث إنما صححه تبعاً للإمام مسلم في
تصحيحه.
قالَ الإمامُ مسلمٌ - رحمه الله-:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ جَمِيعاً،
عَنْ حَمَّادٍ - قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ غَيْلاَنَ،
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: رَجُلٌ
أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَيْفَ تَصُومُ؟
فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَى
عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- غَضَبَهُ، قَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبّاً
وَبِالْإِسْلَامِ دِيناً وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيّاً، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ
اللَّهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ، فَجَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يُرَدِّدُ
هَذَا الْكَلَامَ حَتَّى سَكَنَ غَضَبُهُ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
كَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ؟ قَالَ: «لا صَامَ وَلا أَفْطَرَ» - أَوْ
قَالَ: لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ- قَالَ: كَيْفَ مَنْ يَصُومُ يَوْمَيْنِ
وَيُفْطِرُ يَوْماً؟ قَالَ: «وَيُطِيقُ ذَلِكَ أَحَدٌ!» قَالَ: كَيْفَ مَنْ
يَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً؟ قَالَ: «ذَاكَ صَوْمُ دَاوُدَ عَلَيْهِ
السَّلَام». قَالَ: كَيْفَ مَنْ يَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْمَيْنِ؟ قَالَ: «وَدِدْتُ
أَنِّي طُوِّقْتُ ذَلِكَ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «ثَلاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ فَهَذَا
صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ. صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ
أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ،
وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ
الَّتِي قَبْلَهُ».
قال مسلمٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لِابنِ الْمُثَنَّى - قَالا:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ غَيْلاَنَ بنِ
جَرِيرٍ: سَمِعَ عَبْدَاللَّهِ بنَ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيَّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ
الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِهِ؟ قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رَضِينَا
بِاللَّهِ رَبّاً وَبِالْإِسْلَامِ دِيناً وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً وَبِبَيْعَتِنَا
بَيْعَةً، قَالَ: فَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ؟ فَقَالَ: «لَا صَامَ وَلَا
أَفْطَرَ - أَوْ: مَا صَامَ وَمَا أَفْطَرَ». قَالَ: فَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ
يَوْمَيْنِ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ؟ قَالَ: «وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ!»، قَالَ: وَسُئِلَ
عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمَيْنِ؟ قَالَ: «لَيْتَ أَنَّ اللَّهَ
قَوَّانَا لِذَلِكَ». قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ؟
قَالَ: «ذَاكَ صَوْمُ أَخِي دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام». قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ
صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ؟ قَالَ: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ
بُعِثْتُ - أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ». قَالَ: فَقَالَ: «صَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِنْ
كُلِّ شَهْرٍ وَرَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ صَوْمُ الدَّهْرِ». قَالَ: وَسُئِلَ
عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالبَاقِيَةَ».
قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ
الْمَاضِيَةَ».
قال مسلم: وَفِي هَذَا الحَدِيثِ مِنْ
رِوَايَةِ شُعْبَةَ قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ،
فَسَكَتْنَا عَنْ ذِكْرِ الْخَمِيسِ لَمَّا نُرَاهُ وَهْماً.
وحَدَّثَنَاه عُبَيْدُاللَّهِ بنُ
مُعَاذٍ: حَدَّثَنَا أَبِي [ح].
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ:
حَدَّثَنَا شَبَابَةُ [ح].
وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيمَ:
أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا
الْإِسْنَادِ.
وحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ سَعِيدٍ
الدَّارِمِيُّ: حَدَّثَنَا حَبَّانُ بنُ هِلالٍ: حَدَّثَنَا أَبَانُ الْعَطَّارُ:
حَدَّثَنَا غَيْلاَنُ بنُ جَرِيرٍ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ بِمِثْلِ حَدِيثِ
شُعْبَةَ، غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ الِاثْنَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الخَمِيسَ.
وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ:
حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُونٍ،
عَنْ غَيْلاَنَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ، عَنْ أَبِي
قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ الِاثْنَيْنِ؟ فَقَالَ: «فِيهِ
وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ».
·
هل وهم
شعبة في ذكر لفظ الخميس كما قال مسلم؟!
قلت:
1- هكذا روى مسلمٌ هذا الحديث في «صحيحه»،
كتاب الصيام (2/818-819) (1162)، وبيّن أن هناك علّة وقعت في رِوَايَةِ شُعْبَةَ،
وفيها: "قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ
وَالْخَمِيسِ".
قال مسلم: "فَسَكَتْنَا عَنْ ذِكْرِ
الخَمِيسِ لَمَّا نُرَاهُ وَهْماً". أي أنه لم يرد ذكر للسؤال عن
"الخميس"، وإنما جاء فقط السؤال عن ذكر: "الإثنين".
وتصرف الإمام مسلم فيه إيهام أن رواية
محمد بن جعفر عن شعبة هي التي فيها هذا الوهم، وليس كذلك، فقد روى الطبري في
«تهذيب الآثار» قال: حدثنا ابن المثنى: حدثنا محمد بن جعفر: حدثنا شعبة، عن غيلان
بن جرير: سمع عبدالله بن معبد الزماني، عن أبي قتادة الأنصاري، وفيه: (قال: وسئل
عن صوم الاثنين، فقال: «ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت - أو أنزل عليّ - فيه»).
وفي رواية يحيى بن سعيد عن شعبة عند أحمد:
«قَالَ صَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ قَالَ ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ
وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ».
وفي «مستخرج أبي عوانة» من طريق روح بن
عبادة، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت غيلان بن جرير يحدِّث، عن عبدالله بن معبد
الزماني، عن أبي قتادة. وفيه: قال: وسئل عن صوم يوم الاثنين والخميس، قال: «ذاك
يوم ولدت فيه، ويوم بعثت فيه، ويوم أنزل عليّ فيه».
ونبّه مسلم إلى أن رواية أبان العطّار عن
غيلان لم يذكر فيها «الخميس»! ولكن روى أبو عوانة في «مستخرجه» قال: حدثنا أبو
داود السجستاني: حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا مهدي بن ميمون. قال: وحدثنا مسلم:
وحدثني أحمد ابن سعيد الدارمي: حدثنا حبان بن هلال: حدثنا أبان كلاهما، عن غيلان
بن جرير، بإسناده نحوه، قالا فيه: قال: يا رسول الله، أرأيت صوم الاثنين والخميس؟
فقال: «فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ الْقُرْآنُ».
قلت: «يوم الخميس» ذكر فقط في رواية مهدي
بن ميمون ولم يبيّنه مسلم عندما روى حديثه، وظاهره أنه ذكر الاثنين فقط، وأما
رواية أبان فلم يذكره كما نبّه إليه الإمام مسلم، وقد يكون أبو عوانة وهم في ذلك
بسبب جمعه بين الروايتين؛ فإن أبا داود الذي أخرج الحديث من طريقه قال: حَدَّثَنَا
مُوسَى بنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ: حَدَّثَنَا غَيْلاَنُ، عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بِهَذَا
الْحَدِيثِ، زَادَ: قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْتَ صَوْمَ يَوْمِ
الِاثْنَيْنِ وَيَوْمِ الْخَمِيسِ؟ قَالَ: «فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ
عَلَيَّ الْقُرْآنُ».
وهذه الرواية فيها ذكر: «يوم الخميس»، وقد
رواها مسلم ولم يذكر ذلك، وكأنه حذفها.
والحاصل أن شعبة لَمْ يَهِمْ في هذا الحديث
كما هو ظاهر تصرف الإمام مسلم - رحمه الله-، بل إن الوهم من غيلان نفسه؛ فإنه لم
يضبط الحديث، والله أعلم.
·
فائدة
حول تخريج مسلم للعلل في "صحيحه" وحذفها أحياناً:
هناك خلافٌ بين أهل العلم في مسألة: هل
يورد الإمام مسلم علل بعض الأحاديث في صحيحه أم لا، تبعاً لكلامه رحمه الله في
المقدمة؟! وأغلب أهل العلم على أنه يفعل ذلك، ورجّح بعض المعاصرين وعلى رأسم
أستاذنا الدكتور حمزة المليباري إلى أنه يؤخر العلل في ترتيبه للأحاديث. وخالفهم
الدكتور ربيع المدخلي - وكان أول أمره على موافقتهم - خالفهم في ذلك فنفى أن يكون
في صحيح مسلم علل! وتحوله هذا إنما كان بعد ما حصل معه الدكتور حمزة المليباري من
خصومة! وكان بينهما نقاش أخرج الدكتور المليباري رأيه في كتابه "عبقرية
مسلم"، ورد عليه الدكتور ربيع في كتاب خاص!
وهذه المسألة قد شرّق فيها بعض طلبة العلم
وغرّبوا، وصنفت فيها رسائل علمية. والصواب الذي أميل إليه أن هناك أحاديث معلولة
في صحيح مسلم، بيّن هو بعضها كما هو واضح هنا، ومن خلال عرضه للأسانيد في بعض
الأحاديث لينبه على الاختلاف في الوصل والإرسال والرفع والوقف كما يفهمه أهل
العلم. وهناك أحاديث معلولة في صحيحه غابت عنه علتها، وهذا ليس طعناً فيه، وإنما
هو بشر يصيب ويخطئ. وقد بدأت قديماً في التصنيف حول هذه المسألة بالأدلة العلمية
حتى وصلت إلى هذه النتيجة، والحمد لله على توفيقه.
·
التنبيه
على ما وقع في بعض نسخ صحيح مسلم من خطأ!
2- جاء في نسخ صحيح مسلم: "يَحْيَى
بنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ جَمِيعاً، عَنْ حَمَّادٍ -
قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ غَيْلَانَ، عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: رَجُلٌ أَتَى
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ..."، فصار الرجل
الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم: "أبو قتادة"، وليس صحيحاً. فقد
أخرجه أبو نُعيم في «مستخرجه» (3/201) قال: أنبأنا عبدالله بن جعفر: حدثنا يونس: حدثنا
أبو داود [ح].
وحدثنا فاروق، قال: حدثنا أبو مسلم الكشي:
حدثنا حجاج بن المنهال، قالا: حدثنا حماد بن زيد [ح].
وحدثنا أحمد بن يوسف، قال: حدثنا الحارث
بن أبي أسامة: حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا حماد بن زيد[ح].
وحدثنا علي بن هارون، قال: حدثنا جعفر الفِريابي:
حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا حماد بن زيد - واللفظ لقتيبة -[ح].
وحدثنا حبيب، قال: حدثنا يوسف القاضي: حدثنا
أبو الربيع: حدثنا أبو محمد بن أبي بكر [ح].
وحدثنا حبيب، قال: حدثنا عمر بن حفص
السدوسي، قال: حدثنا عاصم بن علي، قالوا: حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا غيلان بن
جرير، عن عبدالله بن معبد، عن أبي قتادة قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل،
فقال: يا رسول الله كيف تصوم... الحديث.
·
غالب
الروايات عن أبي قتادة ليس منسوباً!
3- من خرّج الحديث:
الحديث رواهُ ابن أبي شيبة في «مصنفه»
(2/327) (9551) عن وكيع، عن مهدي بن ميمون، عن غيلان ابن جرير، عن عبدالله بن معبد
الزماني، عن أبي قتادة قال: قال رجلٌ: يا رسول الله، أرأيت رجلاً
يصوم الدهر كلّه؟ قال: «لا صام ولا أفطر - أو ما صام ولا أفطر».
ورواه أيضاً بالإسناد نفسه (2/341) (9714)
عن أبي قتادة: أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئل عن صيام عرفة؟
فقال: «أَحتسب على الله أن يكفر سنتين: سنة ماضية وسنة مستقبلة».
ورواهُ أبو داود الطيالسي في «مسنده» (630)
قال: حدثنا حماد بن زيد، وهشام، ومهدي، [قال حماد ومهدي: عن غيلان بن جرير]،
[وهشام عن قتادة، عن غيلان]، عن عبدالله بن معبد الزماني، عن أبي قتادة،
أنَّ أعرابياً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صومه، فغضب حتى عرف ذلك في
وجهه، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الحديث بطوله.
·
كيف حصلت
نسبة أبي قتادة في الحديث؟ من سؤال شعبة لشيخه!
ورواهُ الإمامُ أحمد في «مسنده» (5/296)
(22590) عن يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ القطّان، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا
غَيْلَانُ بنُ جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ، عَنْ
أَبِي قَتَادَةَ - قَالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ لِغَيْلَانَ: الْأَنْصَارِيِّ؟ فَقَالَ
بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ- أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِهِ فَغَضِبَ فَقَالَ عُمَرُ: رَضِيتُ أَوْ قَالَ
رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا. قَالَ: وَلَا أَعْلَمُهُ
إِلَّا قَدْ قَالَ: وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وَبِبَيْعَتِنَا بَيْعَةً. قَالَ:
فَقَامَ عُمَرُ أَوْ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَجُلٌ صَامَ
الْأَبَدَ؟ قَالَ: «لا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ -أَوْ مَا صَامَ وَمَا أَفْطَرَ».
قَالَ: صَوْمُ يَوْمَيْنِ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ؟ قَالَ: «وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ!»
قَالَ: إِفْطَارُ يَوْمَيْنِ وَصَوْمُ يَوْمٍ؟ قَالَ: «لَيْتَ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ قَوَّانَا لِذَلِكَ». قَالَ: صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ؟ قَالَ: «ذَاكَ
صَوْمُ أَخِي دَاوُدَ». قَالَ: صَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ؟ قَالَ: «ذَاكَ
يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ». قَالَ: «صَوْمُ ثَلَاثَةِ
أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ صَوْمُ الدَّهْرِ
وَإِفْطَارُهُ»، قَالَ: صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ قَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ
الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ»، قَالَ: صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ قَالَ: «يُكَفِّرُ
السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ».
ورواهُ أيضاً (5/299) (22603) عن
عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، قال: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُونٍ، عَنْ
غَيْلَانَ بنِ جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي
قَتَادَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ؟ فَقَالَ: «فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ
أُنْزِلَ عَلَيَّ».
ورواه أيضاً في «مسنده» (5/308) (22674) عن
عَفَّان، قال: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُونٍ: حَدَّثَنَا غَيْلَانُ بنُ
جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ، عَنْ أَبِي
قَتَادَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَرَأَيْتَ صِيَامَ عَرَفَةَ؟ قَالَ: «أَحْتَسِبُ عِنْدَ
اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ. قَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ صَوْمَ عَاشُورَاءَ؟ قَالَ: أَحْتَسِبُ عِنْدَ اللَّهِ
أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ».
ورواهُ الترمذيّ في «جامعه» (3/124) (749)،
و(3/126) (752)، و(3/138) (767) في ثلاثة مواضع عن قُتَيْبَةَ وَأَحْمَدَ بن
عَبْدَةَ الضَّبِّيِّ قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ غَيْلَانَ بنِ
جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ، عَنْ أَبِي
قَتَادَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صِيَامُ
يَوْمِ عَرَفَةَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ
الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ».
قالَ:"وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ".
قالَ:"حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ
حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقْدِ اسْتَحَبَّ أَهْلُ الْعِلْمِ صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَّا
بِعَرَفَةَ".
وفي الموضع الثاني: «أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ إِنِّي
أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ».
قال الترمذي: "وَفِي البَاب عَنْ
عَلِيٍّ وَمُحَمَّدِ بنِ صَيْفِيٍّ وَسَلَمَةَ بنِ الْأَكْوَعِ وَهِنْدِ بنِ
أَسْمَاءَ وَابنِ عَبَّاسٍ وَالرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابنِ عَفْرَاءَ
وَعَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ سَلَمَةَ الْخُزَاعِيِّ عَنْ عَمِّهِ وَعَبْدِاللَّهِ بنِ
الزُّبَيْرِ ذَكَرُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ حَثَّ عَلَى صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ".
قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي: "لَا
نَعْلَمُ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ قَالَ صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ
كَفَّارَةُ سَنَةٍ إِلَّا فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، وَبِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ
يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ".
وفي الموضع الثالث: «قِيلَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، كَيْفَ بِمَنْ صَامَ الدَّهْرَ؟ قَالَ: لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ - أَوْ
لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ».
قال الترمذي: "وَفِي الْبَاب عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرٍو وَعَبْدِاللَّهِ بنِ الشِّخِّيرِ وَعِمْرَانَ بنِ
حُصَيْنٍ وَأَبِي مُوسَى".
قَالَ: "حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ
حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ صِيَامَ الدَّهْرِ،
وَأَجَازَهُ قَوْمٌ آخَرُونَ، وَقَالُوا: إِنَّمَا يَكُونُ صِيَامُ الدَّهْرِ
إِذَا لَمْ يُفْطِرْ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى وَأَيَّامَ
التَّشْرِيقِ فَمَنْ أَفْطَرَ هَذِهِ الْأَيَّامَ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ حَدِّ
الْكَرَاهِيَةِ وَلَا يَكُونُ قَدْ صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ
مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
نَحْوًا مِنْ هَذَا، وَقَالَا: لَا يَجِبُ أَنْ يُفْطِرَ أَيَّامًا غَيْرَ هَذِهِ
الْخَمْسَةِ الْأَيَّامِ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْهَا يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى وَأَيَّامِ
التَّشْرِيقِ".
ورواهُ أبو داود في «سننه» (2/321) (53) عن
سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ وَمُسَدَّد، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ
غَيْلَانَ بنِ جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ، عَنْ
أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَصُومُ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عُمَرُ، الحديث
بطوله.
·
زيادة «عمر»
في الإسناد لا يصح!
ورواهُ النسائي في "الكبرى"
(2/124)، - وذكَرَ الِاخْتِلَاف عَلَى غَيْلاَنَ بنِ جَرِيرٍ فِيهِ -، فرواهُ عن
هَارُونَ بنِ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بنُ مُوسَى، قَالَ:
أَنْبَأَنَا أَبُو هِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا غَيْلَانُ - وَهُوَ ابنُ جَرِيرٍ - قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ - وَهُوَ ابنُ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيُّ - عَنْ
أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَرْنَا بِرَجُلٍ فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ،
هَذَا لَا يُفْطِرُ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا! فَقَالَ: «لاَ صَامَ وَلَا أَفْطَر».
وعن مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ غَيْلَانَ: أَنَّهُ
سَمِعَ عَبْدَاللَّهِ بنَ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيَّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِهِ،
فَغَضِبَ. فَقَالَ عُمَرُ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا
وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَسُئِلَ عَمَّنْ صَامَ الدَّهْرَ؟ فَقَالَ: «لَا صَامَ
وَلَا أَفْطَرَ - أَوْ مَا صَامَ وَمَا أَفْطَرَ».
ثُمَّ ذكرَ صَوْمُ ثُلُثَيْ الدَّهْرِ
واخْتِلَافِ النَّاقِلِينَ لِلْخَبَرِ فِي ذَلِكَ:
فرواهُ عن قُتَيْبَةَ بنِ سعيدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ غَيْلَانَ بنِ جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ
مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ، الحديث بطوله.
ورواهُ ابنُ ماجه في «سننه» (1/546)
(1713)، و(1/551) (1730)، و(1/553) (1738) في ثلاثة مواضع عن أَحْمَد بنِ
عَبْدَةَ، قال: أَنْبَأَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، قال: حَدَّثَنَا غَيْلَانُ بنُ
جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ، عَنْ أَبِي
قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ
يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالَّتِي بَعْدَهُ». قال: «صِيَامُ يَوْمِ
عَاشُورَاءَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي
قَبْلَهُ».
ورواهُ أبو يعلى الموصليّ في «مسنده»
(1/134) (144) عن شيبان، قال: حدثنا أبو هلالٍ، قال: حدثنا غيلان بن جرير، قال:
حدثني عبدالله بن معبد الزماني، عن عمر بن الخطاب، قال: كنا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذ أتى على رجل فقيل: ما أفطر مُذ كذا وكذا، قال: «لا صام
ولا أفطر، أو ما صام وما أفطر» شك غيلان، فلما رأى عمر غضب النبي
صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله، صوم يومين وإفطار يوم؟ قال: «ويطيق ذاك
أحد»؟ قال: قلت: يا رسول الله، صوم يوم وإفطار يوم ؟ قال: «ذاك صوم أخي داود» قال:
يا رسول الله، صوم يوم وإفطار يومين؟ قال: «ومن يطيق ذاك»؟ قال: يا رسول الله، صوم
يوم الاثنين؟ قال: «ذاك يوم ولدت فيه، ويوم أنزل عليّ النبوة». قال: يا رسول الله،
صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء، قال: «أحدهما يكفر، وقال: الآخر ما قبلها أو ما بعدها»،
شك أبو هلال.
·
خطأ
لشيبان بن فرّوخ! ووهم لمحقق مسند أبي يعلى!
قلت: كذا جاء الإسناد ليس فيه: "عن
أبي قتادة"، وذكره الحافظ ابن حجر في «المطالب العالية» (6/219) فقال:
"وقال أبو يعلى: حدثنا شيبان: حدثنا أبو هلال: حدثنا غيلان بن جرير: حدثني
عبدالله بن معبد الزماني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه...قلت - أي ابن حجر-:
المحفوظ بهذا إسناد عن عبدالله بن معبد عن أبي قتادة بطوله، أخرجه من ذلك الوجه
مسلم وأصحاب السنن" انتهى.
قلت: أخطأ فيه شيبان بن فروخ، فأسقط منه:
"عن أبي قتادة". وقد رواه الطبري في «تهذيب الآثار» (1/443) من طريق
الحسن بن موسى الأشيب عن أبي هلال عن غيلان عن الزماني عن أبي قتادة عن عمر، به.
وقد اغتر محقق مسند أبي يعلى الشيخ حسين
سليم أسد بهذا الإسناد، فقال: "إسناده ضعيف لانقطاعه. عبدالله بن معبد الزماني
قال أبو زرعة: لم يدرك عمر. وقال الحافظ: وأرسل عن عمر".
قلت: نعم هو يرسل عن عمر، ولكن هذا الحديث
ليس عن عمر، وإنما عن أبي قتادة عن عمر، وقد وهّموا أبا هلال في جعله: "عن
عمر"، كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
وقد سئل أبو زرعة (كما في علل ابن أبي
حاتم: 1/260) عن حديث اختلف فيه سليمان بن حرب وشيبان بن فروخ، روى سليمان بن حرب
عن أبي هلال عن غيلان بن جرير عن عبدالله بن معبد الزماني عن أبي قتادة: أن عمر
سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الاثنين؟ فقال: ذاك يوم ولدت فيه ويوم
أنزلت عليّ النبوة، وروى شيبان فقال: عن أبي هلال عن غيلان عن عبدالله بن معبد عن
عمر بن الخطاب، فقال أبو زرعة: "حديث سليمان أصح".
قلت: وحديث سليمان بن حرب أخرجه الرافعي
في «التدوين في أخبار قزوين» (1/305).
ورواهُ ابنُ خزيمة في «صحيحه» (3/296)
(2111) عن أحمد بن عبدة، حماد بن زيد، عن غيلان بن جرير، قال: حدثنا عبدالله بن
معبد الزماني، عن أبي قتادة، قال: قال عمر لرسول الله صلى الله عليه
وسلم، فكيف بمن يصوم يومين ويفطر يوماً؟ قال: «ويطيق ذلك أحد!»، قال: فكيف بمن
يصوم يوماً ويفطر يوماً؟ قال: «ذاك صوم داود». قال: فكيف بمن يصوم يوماً ويفطر
يومين؟ قال: «وددت أني طوقت ذلك».
ورواه أيضاً (3/298) (2117) عن محمد بن
بشار وأبي موسى قالا: حدثنا محمد بن جعفر: حدثنا شعبة [ح].
وعن بُندار أيضاً قال: حدثنا محمد بن
جعفر: حدثنا عبدالأعلى: حدثنا سعيد، عن قتادة [ح].
وعن جعفر بن محمد قال: حدثنا وكيع، عن
مهدي بن ميمون، كلهم عن غيلان بن جرير، عن عبدالله بن معبد الزماني، يعني عن
أبي قتادة الأنصاري قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل
عليه عمر، فقال: يا نبي الله، صوم يوم الاثنين؟ قال: «يوم ولدت فيه ويوم أموت فيه».
قال ابن خزيمة: "هذا حديث قتادة. وفي
حديث وكيع: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر عمر، وقال: فيه ولدت
وفيه أُوحي إليّ".
ورواهُ أيضاً (3/301) (2126) عن أحمد بن
عبدة، قال: أخبرنا حماد بن زيد: حدثنا غيلان ابن جرير: حدثنا عبدالله بن معبد
الزماني، عن أبي قتادة [ح].
وعن بندار قال: حدثنا محمد بن جعفر: حدثنا
شعبة، عن غيلان بن جرير: سمع عبدالله بن معبد الزماني، عن أبي قتادة
الأنصاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صوم ثلاثة أيام من كل
شهر صوم الدهر».
قال ابن خزيمة: "هذا لفظ حديث شعبة.
وفي حديث حماد بن زيد: صوم ثلاثة أيام من كل شهر ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر
كله".
وقال: "أَخْبَارُ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَعَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي هَذَا المَعْنَى خَرَّجْتُهُ فِي كِتَابِ
الْكَبِيرِ". قَالَ: "وَفِي خَبَرِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو: «فَإِنَّ كُلَّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا؛ فَإِنَّ ذَاكَ صِيَامُ
الدَّهْرِ كُلِّهِ»، وَكَذَاكَ فِي خَبَرِ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ
قَالَ: وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ
عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]".
ورواهُ ابن حبّان في «صحيحه» (8/394)
(3631) عن الحسن بن سفيان، قال: حدثنا محمد بن المنهال الضرير: حدثنا يزيد بن
زريع: حدثنا سعيد: حدثنا قتادة، عن غيلان بن جرير، عن عبدالله بن معبد، عن أبي
قتادة: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أرأيت
رجلاً يصوم يوم عاشوراء، قال: «ذاك صوم سنة»، قال: أرأيت رجلاً يصوم يوم عرفة، قال:
«يكفر السنة وما قبلها».
ورواهُ أيضاً (8/395) (3632) عن أحمد بن
علي بن المثنى - هو أبو يعلى الموصليّ- قال: حدثنا عبيدالله بن عمر القواريري:
حدثنا حماد بن زيد، عن غيلان بن جرير، عن عبدالله بن معبد، عن أبي قتادة،
عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر
السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر
السنة التي قبله».
ورواهُ أيضاً (8/401) (3639) عن أبي يعلى،
قال: حدثنا خلف بن هشام البزار: حدثنا حماد بن زيد، عن غيلان بن جرير، عن عبدالله
بن معبد، عن أبي قتادة: أن رجلاً أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم،
فقال: يا نبي الله، كيف تصوم؟ قال: فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأى ذلك
عمر، قال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً،
نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، وجعل يرددها حتى سكن من غضب النبي صلى الله
عليه وسلم. فقال: يا نبي الله، كيف من يصوم يومين ويفطر يوماً؟ قال: «ويطيق ذلك
أحد!»، قال: فكيف من يصوم يوماً ويفطر يوماً؟ قال: «ذاك صوم أخي داود»، قال: فكيف
بمن يصوم يوماً ويفطر يومين؟ قال: «وددت أني طوقت ذاك».
قال ابنُ حبّان: "لم يكن غضب النبيّ
صلى الله عليه وسلم من أجل مسألة هذا السائل عن كيفية الصوم، وإنما كان غضبه صلى
الله عليه وسلم؛ لأن السائل سأله قال: يا نبي الله، كيف تصوم؟ فكَرِهَ النبيّ صلى
الله عليه وسلم استخباره عن كيفية صومه مخافة أن لو أخبره يعجز عن إتيان مثله أو
خشي صلى الله عليه وسلم على السائل وأمته جميعاً أن يفرض عليهم ذلك فيعجزوا
عنه".
ورواهُ أيضاً (8/403) (3642) عن الحسن بن
سفيان، قال: حدثنا محمد بن المنهال الضرير: حدثنا يزيد بن زُريع: حدثنا سعيد بن
أبي عروبة: حدثنا قتادة، عن غيلان بن جرير، عن عبدالله بن معبد، عن أبي
قتادة: أنَّ أعرابياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم الدهر؟ فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صام ولا أفطر أو قال: لا أفطر ولا صام»، فقام غيره،
فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلاً يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قال: «ذاك صوم الدهر»،
قال: أرأيت رجلاً يصوم يوم الاثنين؟ قال: «ذاك يوم ولدت فيه ويوم أُنزل عليّ»،
قال: أرأيت رجلاً يصوم يوماً ويفطر يوماً؟ قال: «ذاك صوم أخي داود».
ورواهُ الطحاوي في «شرح معاني الآثار»
(2/72، 77) عن إبراهيم بن مرزوق البصريّ - نزيل مصر-، عن وهب بن جرير بن حازم،
قال: حدثنا أبي، قال: سمعت غيلان بن جرير يحدِّث عن عبدالله بن معبد الزماني، عن
أبي قتادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِني أحتسب على الله
في صيام يوم عرفة أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده».
·
وهمٌ
للحاكم!
ورواهُ الحاكم في «المستدرك» (2/658)
(4179) عن أبي عمرو بن السماك والحسن بن يعقوب العدل، قالا: حدثنا يحيى بن أبي
طالب: حدثنا عبدالوهاب بن عطاء: أنبأنا سعيد - هو ابن أبي عَروبة-، عن قتادة، عن
غيلان بن جرير، عن عبدالله بن معبد الزماني، عن أبي قتادة الأنصاري:
أن أعرابياً، سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الاثنين قال: «إن ذلك اليوم
الذي ولدت فيه وأنزل عليّ فيه».
قال الحاكم: "صحيحٌ على شرط الشيخين
ولم يخرجاه، إنما احتج مسلم بحديث شعبة عن قتادة بهذا الإسناد: صوم يوم عرفة يكفر
السنة وما قبلها".
قلت: هذا وهمٌ من الحاكم - رحمه الله-!
فإن مسلماً إنما احتج بحديث شعبة عن غيلان، ولم يروه من طريق قتادة.
ورواه الطبراني في «مسند الشاميين» (4/61)
عن أبي زرعة الدمشقي عن محمد ابن بكار: حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن عبدالله
بن معبد الزماني، عن أبي قتادة: أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أرأيت
من صام يوم عاشوراء؟ قال: «يكفر السنة والتي قبلها».
ورواهُ عبدالرزاق في «مصنفه» (4/284)
(7826) و(7831)، و(4/295) (7865) عن مَعمر، عن قتادة، عن عبدالله بن معبد، عن أبي
قتادة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن صيام يوم عرفة؟ فقال: «يُكفرالسنة
التي قبلها».
قلت: كذا رواه مَعمر عن قتادة عن عبدالله
بن معبد عن أبي قتادة. وقد اختلف على قتادة فيه: فقال منصور بن زاذان - كما عند
أحمد في المسند 5/295-، والحكم بن عبدالملك البصري، وسعيد بن بشير الدمشقي -صاحب
قتادة- عن قتادة عن عبدالله بن معبد عن أبي قتادة. وقال هشام الدستوائي وسعيد بن
أبي عروبة وحماد بن سلمة عن قتادة عن غيلان بن جرير عن عبدالله بن معبد الزماني عن
أبي قتادة.
فالحديث محفوظٌ عن قتادة عن غيلان بن جرير
عن الزمانيّ عن أبي قتادة.
·
رواية
قتادة عن عبدالله بن معبد الزماني!
ذكر الحافظ المزي في «تهذيب الكمال»
(23/501) في ترجمة "قتادة بن دِعامة" أنه روى عن عبدالله بن معبد
الزمَّانيّ (م)، ورمز إلى أن مسلماً خرّج له عنه! أي أن رواية قتادة عن عبدالله بن
معبد في صحيح مسلم، فلا يظنن ظانٌ أنه يقصد حديث عرفة هذا، وإنما روى له حديثاً
آخر. قال الإمام مسلمٌ في «صحيحه» (4/2321) رقم (3030): حَدَّثَنِي حَجَّاجُ بنُ
الشَّاعِرِ: حَدَّثَنَا عَبْدُالصَّمَدِ بنُ عَبْدِالْوَارِثِ: حَدَّثَنِي أَبِي:
حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ - هو ابن ذَكوان المعلَّم-، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عُتْبَةَ،
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ
إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ}، قَالَ: "نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنَ الْعَرَبِ
كَانُوا يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ الْجِنِّيُّونَ
وَالْإِنْسُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، فَنَزَلَتْ:
{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ
الْوَسِيلَةَ}[الإسراء: 57]".
ورواهُ الطبري في «تفسيره» (15/104) عن
عبدالوارث بن عبدالصمد، عن أبيه، عن جده، به. [وسقط من المطبوع: عن جده وهو
عبدالوارث]. ورواه الطبري أيضاً (15/105) عن بشر، قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد،
عن قتادة، عن عبدالله بن عتبة بن مسعود، عن حديث عمّه عبدالله بن مسعود قال: «نزلت
هذه الآية في نفر من العرب كانوا يعبدون نفراً من الجن فأسلم الجنيون والنفر من
العرب لا يشعرون بذلك».
ورواه البزار في «مسنده» (5/165) عن يوسف
بن موسى، عن عمرو بن حُمْران، عن سعيد ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن عبدالله بن
معبد الزماني، عن عبدالله بن عتبة، عن عمّه عبدالله بن مسعود قال: "نَزَلَتْ
هَذِهِ الْآيَةُ فِي نَفَرٍ مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ
الْجِنِّ فَأَسْلَمَ الْجِنِّيُّونَ وَالنَّفَرُ مِنَ الْعَرَبِ لَا يَشْعُرُونَ
فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا
يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا}[الإسراء: 56]،
الْآيَةَ".
قال البزار: "وهذا الحديث إنما
أدخلناه في مسند عبدالله؛ لأنه قال فيه: نزلت، ولا نعلم يروى في هذا المعنى حديثاً
عن النبي".
ورواه الطبراني في «المعجم الكبير»
(10/17) عن الْعَبَّاس بن الْفَضْلِ الأَسْفَاطِيِّ، قال: حَدَّثَنَا
عَبْدُالأَعْلَى بن حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ، قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن زُرَيْعٍ،
عَنْ سَعِيدِ بن أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بن مَعْبَدٍ
الزِّمَّانِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بن عُتْبَةَ بن مَسْعُودٍ، عَنْ حَدِيثِ
عَبْدِاللَّهِ بن مَسْعُودٍ، قَالَ: نَزَلَتْ، فذكره.
قلت: فتبيّن من هذا أن هناك سقط في مطبوع
الطبري، سقط منه اسم: "عبدالله بن معبد الزماني".
ورواه الطبري في «تفسيره» (15/105) من
طريق أبي العوام القطّان عمران بن داوَر، قال: أخبرنا قتادة، عن عبدالله بن معبد
الزماني، عن عبدالله بن مسعود قال: «كان قبائل من العرب يعبدون صنفاً من الملائكة
يقال لهم: الجن، ويقولون: هم بنات الله، فأنزل الله عز وجل: أولئك الذين يدعون
معشر العرب يبتغون إلى ربهم الوسيلة».
وأبو العوام ضعيف ولم يذكر عبدالله بن
عتبة، وكذلك جعل هؤلاء من الملائكة، وهو خطأ بيّن لا يُتابع عليه. قال الحافظ ابن
حجر في «الفتح»: "وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ
اِبْن مَسْعُود قَالَ: "كَانَ قَبَائِل الْعَرَب يَعْبُدُونَ صِنْفًا مِنْ
الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُمْ الْجِنّ، وَيَقُولُونَ هُمْ بَنَات اللَّه،
فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة" فَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهَا
نَزَلَتْ فِي الْفَرِيقَيْنِ، وَإِلَّا فَالسِّيَاق يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمْ قَبْلَ
الْإِسْلَام كَانُوا رَاضِينَ بِعِبَادَتِهِمْ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ مِنْ صِفَات
الْمَلَائِكَة".
ورواه عبدالرزاق في «تفسيره» (2/301) عن
معمر عن قتادة مرسلاً فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ
يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ}، قَالَ ابنُ مَسْعُودٍ: «هُمْ قَوْمٌ
عَبَدُوا الْجِنَّ فَأَسْلَمَ أُولَئِكَ الْجِنُّ» فَقَالَ اللَّهُ: {أُولَئِكَ
الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ}.
وكأنه للاختلاف في إسناد حديث قتادة لم
يخرّجه البخاري، وإنما روى في «صحيحه» (4/1748)، باب أولئك الذين يدعون يبتغون إلى
ربهم الوسيلة الآية، عن بِشْر بن خَالِدٍ، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي
مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي هَذِهِ الآيَةِ:
{الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ} قَالَ: «كَانَ
نَاسٌ مِنَ الجِنِّ يُعْبَدُونَ فَأَسْلَمُوا». ورواه مسلمٌ أيضاً من طرقٍ عن
سليمان الأعمش عن إبراهيم، نحوه.
·
هل سمع
قتادة من الزماني؟!
وهنا مسألة ملحة لا بدّ منها، وهي: هل سمع
قتادة من عبدالله بن معبد الزماني؟! فهذا الحديث رواه عنه بالعنعنة، وحديث عرفة
رُوي عنه عن عبدالله بن معبد مباشرة، ورُوي عنه عن عبدالله بن معبد بواسطة غيلان!
فهل يُقال: إنه سمع حديث عرفة بواسطة غيلان، ثُمّ لقي عبدالله بن معبد فسمعه منه
مباشرة؟
قد يستقيم هذا الفهم لو عمَّرَ قتادة بعد
غيلان بن جرير، ولكن قتادة مات سنة (118هـ)، وشيخه غيلان مات سنة (129هـ)، وهذا
يعني أنّ قتادة حدّث عن غيلان في حياة غيلان، فلو كان قتادة سمع من عبدالله بن
معبد مباشرة، فلِمَ يحدِّث عنه بواسطة غيلان؟ والذي أميل إليه أنه لا يثبت لقتادة سماع
من عبدالله بن معبدالزماني - مع المعاصرة المتحققة-، وإنما بينهما واسطة وهو
"غيلان بن جرير" كما ثبت في إسناد حديث عرفة، وعليه فيكون حديث مسلم في
تفسير الآية منقطعاً من حديث قتادة، والله أعلم. وكأن البخاري ومن تبعه كأبي حاتم
وابن حبان اعتمدوا هذه الرواية في ترجمة عبدالله بن معبد، فذكروا أن قتادة روى
عنه، وفي روايته عنه مباشرة نظر! ولم أجد له رواية عنه إلا في هذين الحديثين،
الأول ثبتت فيه الواسطة، والثاني رُوي بأسانيد مختلفة كما سبق بيانه، والله أعلم
وأحكم.
وأما ما رُوي عن قتادة عن عبدالله بن معبد
دون واسطة - وهو حديث عرفة- فيحتمل أن قتادة عند ما ذكره أمام من رواه عنه لم يذكر
الواسطة لأنه لم يكن في مجلس تحديث أو غير ذلك، فلم يحتج أن يذكر الواسطة، كما هو
ملاحظ في الحديث الثاني الذي أشرنا إليه عند مسلم، فقد رُوي عنه متصلاً - كما هو
ظاهر-، ورُوي عنه مرسلاً، وهو يتعلّق بالتفسير فكأنه رواه مرسلاً في مجلس التفسير،
وهذا تنويعٌ في الرواية يستخدمه الحفّاظ الكبار، والله أعلم. ومع أن معاصرة قتادة
لعبدالله بن معبد متحققة - كما أشرت سابقاً- إلا أن هذا لا يعني أنه سمع منه، فقد
قال الذهبي - رحمه الله- في «السير» (6/16): "مولده - أي أيوب السَختياني-
عام توفي ابنُ عبّاس، سنة ثمان وستين. وقد رأى أنس بن مالك، وما وجدنا عنه رواية،
مع كونه معه في بلد، وكونه أدركه وهو ابنُ بضعٍ وعشرين سنة".
·
سبب
الإسهاب في ذكر كلّ الروايات هنا.
لقد أسهبت في ذِكْر كلّ من روى هذا الحديث
في الكتب المشهورة لأُبيّن أن هؤلاء الأئمة قد سلّموا بهذا الحديث وخرّجوه في
كتبهم واحتجوا به في مواضع كثيرة، وأن أصحاب المسانيد ذكروه في "مسند أبي
قتادة الأنصاري"! وسيأتي تفصيل ذلك لاحقاً إن شاء الله في صُلب هذا البحث.
وكذلك لأبيّن ضعف بعض المعاصرين في علم
الحديث! كما بينته في الكتاب الأصل، فمن كان ضعيفاً في تخريج الحديث فكيف يتكلّم
في علم العلل؟!
فقد خرّج فوزي البحريني هذا الحديث في
"جزئه" (ص16-18) وعلى تخريجه ملاحظات:
1- أنه لم يبيّن الرواة الذين رووا الحديث
عن مدار الحديث وهو: غيلان بن جرير. وفي ذكر هؤلاء فائدة لكشف العلل التي تتعلق
ببعض الأسانيد ومخالفة أصحاب الراوي.
2- أنه لم يُراع الترتيب الزمني في
التخريج! فقدّم الجزري على ابن أبي شيبة وأبي نُعيم. وقدّم البيهقي على أبي عوانة،
وغير ذلك.
3- فاته في تخريجه مواضع كثيرة كما بينتها
في تخريجي. وهي إما مواضع لم يقف عليها، وإما مواضع ذكر جزءاً منها. فذكر البيهقي
في السنن الكبرى (ج4ص286)! والبيهقي أخرجه في مواضع أخرى، منها: (4/282) أخرجه من
طريق روح بن عبادة وعمرو بن حكام عن شعبة. وكذلك أخرجه في (4/300) من طريق مسلم بن
إبراهيم عن أبان بن يزيد عن غيلان، به. وفي (4/293) من طريق يعقوب بن سفيان الفسوي
عن أبي النعمان محمد بن الفضل والحجاج قالا: حدثنا مهدي بن ميمون: حدثنا غيلان بن
جرير.
4- ذكر في التخريج بعض الكتب التي يغني
عنها الكتب المشهورة! فخرّج الحديث من مخطوطة للجزري! ومن كتاب الطوسي! ومن طبقات
أبي يعلى! وغيرها من الكتب التي لا حاجة لذكرها هنا.
5- أن بعض المصادر التي ذكرها إنما خرّجت
الحديث ممن تقدمهم، فكان ينبغي التنبيه على ذلك. فمثلاً قال: "وابن حزم في
المحلى (ج7ص17)"! وابن حزم إنما أخرجه من طريق الإمام مسلم في صحيحه. وكان
ينبغي عليه حسب أصول التخريج أن يقول: أخرجه مسلم، ومن طريقه أخرجه فلان وفلان،
وهكذا.
6- بعض المصادر التي ذكرها على أنها خرجت
الحديث ليست كتباً مسندة. قال: "وضياء الدين المقدسي في فضائل الأعمال (ص258)".
وهذا الكتاب محذوف الأسانيد، وقد أشار الحافظ الضياء إلى أن مسلماً رواه.
7- قال: "وأبو يعلى في طبقات
الحنابلة (ج1ص326)"! قلت: هو القاضي أبو الحسين محمد ابن أبي يعلى، وكان
ينبغي له أن يقول: "القاضي ابن أبي يعلى" لئلا يظن بعض طلبة العلم أو
بعض القرّاء أنه أبو يعلى صاحب المسند.
وأما الشيخ خالد الردادي فإنه استفاد في
تخريجه للحديث (ص15) من تخريج فوزي البحريني، بل تابعه على معظم ما ذكره مع بعض
الاختصار! وتابعه في قوله: "وابن حزم في المحلى (7/17)"، وكذلك:
"والقاضي أبو يعلى في طبقات الحنابلة (1/326)"! واقتصر على ذكر بعض
المواضع التي ذكرها البحريني مع أنها في مواضع أخرى من الكتاب نفسه، فذكر:
"شرح معاني الآثار (2/77)" تبعاً للبحريني، مع أن الطحاوي أخرجه أيضاً
في الكتاب نفسه: (2/72).
·
خلاصة
التخريج، ووهم أبي هلال الراسبيّ في زيادة رجل في إسناده!
من خلال التخريج يتبيّن لنا أن هذا الحديث:
رواهُ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وشعبةُ، وأبانُ العطارُ، ومهديُّ بن ميمونٍ، وجريرُ بن
حازم، وقَتادة السدوسيّ، كلّهم عَنْ غَيْلاَنَ بن جريرٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ
مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وخالفهم أبو هلال الراسبيّ فرواهُ عن
غيلان بن جرير، عن عبدالله بن معبد الزماني، عن أبي قتادة، عن عمر بن الخطاب، عن
النبي صلى الله عليه وسلم.
فزاد في إسناده عمر بن الخطاب! فوهِم،
وأبو هلال محمد بن سُلَيم ليس بالقويّ.
وقد ذكر ابنُ عَدي هذا الحديث في ما أُنكر
عليه من ترجمته في «الكامل» (6/213)، فقال: حدَّثنا جعفر بن محمد بن الليث
الزيادي: حدثنا مسلم بن إبراهيم [ح].
وأخبرنا أبو يعلى: حدثنا شيبان: حدثنا أبو
هلال الراسبي: حدثنا غيلان بن جرير: حدثني عبدالله بن معبد، عن عمر بن الخطاب قال:
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتى على رجل، فقالوا: ما أفطر هذا منذ كذا
وكذا! قال: «لا صام ولا أفطر»، فلما رأى عمر غضب النبي عليه الصلاة والسلام،
قالوا: يا رسول الله، صوم يوم وإفطار يوم؟ قال: «ذاك صوم أخي داود»، قال: يا رسول
الله، صوم يوم وإفطار يومين؟ قال: «ومن يطيق ذلك!»، قال: يا رسول الله، صوم يوم
الاثنين؟ قال: «ذاك يوم ولدت فيه ويوم أنزلت عليّ النبوة»، قال: يا رسول الله، صوم
يوم عرفة ويوم عاشوراء؟ قال: «أحدهما يكفر السنة والآخر يكفر ما قبلها أو ما بعدها»،
شك أبو هلال.
قال ابنُ عدي: "هكذا رواه أبو هلال
فقال: عن عبدالله بن معبد عن عمر بن الخطاب، وإنما هو عن عبدالله بن معبد عن أبي
قتادة الأنصاري، وهو الصحيح".
وسُئِلَ الدارقطنيّ في «العلل» (6/145)
(1035) عن حديث أبي قتادة عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل صوم يوم
عاشوراء ويوم عرفة؟ فقال: "هو حديثٌ يرويه أبو هلال الراسبي محمد بن سليم عن
غيلان بن جرير عن عبدالله بن معبد الزماني عن أبي قتادة الأنصاري عن عمر عن النبي
صلى الله عليه وسلم. وغير أبي هلال يرويه عن غيلان بن جرير عن عبدالله بن معبد عن
أبي قتادة: أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم. فيكون من مسند أبي قتادة عن النبيّ
صلى الله عليه وسلم. كذلك قال شعبة وأبان العطار، وهو الصحيح".
قلت: اختلف على أبي هلال في إسناده كما
بينت سابقاً، فرواه بعضهم دون ذكر: "أبي قتادة"، ورواه الحسن بن موسى
الأشيب وغيره عن أبي هلال عن غيلان عن ابن معبد عن أبي قتادة عن عمر، فجعله أبو
هلال: عن عمر، ولا يصح.
ذكرُ الاختلاف على غيلان بن جرير ومن رواه
عنه!
سُئِلَ الإمام الحافظ الدارقطنيّ عن حديث
عبدالله بن معبد الزماني عن أبي قتادة: أنّ رسول الله سئل عن رجل صام الدهر، فقال:
«لا صام ولا أفطر»، وسئل عمن يصوم يومين ويفطر يوماً، قال: «وأيكم يطيق ذلك» الحديث
بطوله؟ فقال: "يرويه غيلان بن جرير عن عبدالله بن معبد الزماني، واختلف عنه:
فرواه قتادة، واختلف عنه: فقال سعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة - وقيل: عن شعبة-
عن قتادة عن غيلان عن عبدالله بن معبد عن أبي قتادة. ورواه منصور بن زاذان والحكم
بن هشام عن قتادة عن عبدالله بن معبد عن أبي قتادة، لم يذكر بينهما غيلان، وقيل:
عن الحكم عن أيوب عن عبدالله بن معبد، ولا يصح ذكر أيوب فيه.
ورواهُ شعبة بن الحجاج ومهدي بن ميمون
وأبان العطار وأبو هلال الراسبي وحماد بن زيد عن غيلان عن عبدالله بن معبد عن أبي
قتادة، إلا أن أبا هلال من بينهم جعله: عن أبي قتادة عن عمر بن الخطاب رضي الله
عنه، والصحيح عن أبي قتادة أنه سمع رجلاً سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن
الصيام، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، كيف من يصوم الدهر.
ورواهُ حجّاج بن الحجاج عن غيلان، واختلف
عنه: فرواه إبراهيم بن طهمان عن حجاج عن غيلان عن عبدالله بن معبد عن أبي قتادة،
وخالفه هارون بن مسلم العجلي - وكان ضعيفاً-، رواه عن حجاج عن غيلان عن عبدالله بن
معبد عن عبدالله بن أبي قتادة، ووهم في ذكر عبدالله بن أبي قتادة، والصواب قول
قتادة وشعبة ومن وافقهما".
·
المبحث
الثاني: كلام أهل العلم على الحديث.
لا شك أن كثيراً من أهل العلم تبعوا
الإمام مسلماً في تصحيحه، فإيراده له في صحيحه أغنى عن البحث في عِلته.
والحديث أيضاً صححه ابن حبان وابن خزيمة
والحاكم، والطبري، والبغوي، والطحاوي، وابن عبدالبر، وابن حزم، والنووي، وابن
تيمية، والذهبي، وابن القيّم، وابن حجر، والعيني، وغيرهم من أهل العلم.
وقد عدّه السيوطي ومحمد بن جعفر الكتّاني
من الأحاديث المتواترة.
اعتمد الطبري في «تهذيب الآثار» (1/289)
(مسند عمر بن الخطاب) رواية أبي هلال الراسبي الذي جعل الحديث عن عمر، ثم قال:
"ذكر خبرٍ آخر من أخبار عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما روى عنه أبو
قتادة الأنصاري"، وساقه من حديث الحسن بن موسى الأشيب عن أبي هلال.
ثم قال بعد أن خرّج روايات الحديث:
"وهذا خبرٌ عندنا صحيحٌ سندُه، لا عِلّةَ فيه تُوَهِّنه، ولا سَببَ
يُضَعِّفه؛ لعدالة مَنْ بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من نَقلته، وقد
يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيماً غير صحيح. وذلك أنه خبرٌ قد حدَّث به عن
غيلان بن جرير جماعةٌ، فجعلوه: عن أبي قتادة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثانية: أنه قد حدَّث به أيضاً عن أبي
قتادة غيرُ عبدالله بن معبد، فوافق فيه روايةَ من جعله عن أبي قتادة، عن النبي صلى
الله عليه وسلم، ولم يُدخل بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عمر.
والثالثة: أنه خبرٌ لا يعرف له عن عمر، عن
النبي صلى الله عليه وسلم، مخرجٌ إلا من هذا الوجه".
ثُمَّ ساقه الطبري من حديث قتادة وشعبة
ومهدي بن ميمون عن غيلان عن عبدالله بن معبد عن أبي قتادة الأنصاريّ. ثُمّ اعتنى
بإيراد الشواهد للنهي عن صيام الدهر فقط، والمعاني المتعلقة به، وخلاف أهل العلم
في صيامه!
ثُمّ قال: "وأما ما رُوي عن عمر بن
الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر الذي ذكرناه من حديث أبي
قتادة عنه في صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء، فلا أعرف أحداً من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم رُوي عنه الوِفاق له في رواية ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
من وجهٍ يصحُّ سنَدُه، ولكن ذلك قد رُوي عن بعضهم بأسانيد فيها نظرٌ عندنا"،
ثُمّ ساقها، وسيأتي الكلام عليها لاحقاً إن شاء الله تعالى.
وقال أبو عبدالرحمن النسائي في «السنن
الكبرى» (2/153) (2813) في حديث شعبة عن غيلان بعد أن بيّن الاختلاف في أسانيد
الحديث: "هذا أجود حديث في هذا الباب عندي، والله أعلم".
وقال الإمام الطحاوي في «شرح معاني الآثار»
(2/72) بعد أن ساق حديث غيلان: "فَثَبَتَ بهذَا الْأَثَرِ، عَن رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّرْغِيبُ فِي صَوْمِ يَوْمِ
عَرَفَةَ. فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ مَا كُرِهَ مِنْ صَوْمِهِ فِي الْآثَارِ
الْأُوَلِ، هُوَ لِلعَارِضِ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ الوُقُوفِ بِعَرَفَةَ،
لِشِدَّةِ تَعَبِهِمْ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ،
وَمُحَمَّدٍ، رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى".
وقال ابن عبدالبر في «التمهيد» (21/162):
"ولكنه صحيحٌ عن أبي قتادة من وجوه، روى شعبة عن غيلان بن جرير... وهذا
إسنادٌ حسنٌ صحيحٌ".
وقال الإمام الذهبي في «السير» (10/683):
"وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر بعرفة، وجاء النهي عن صوم يوم
عرفة بعرفة في السنن بإسنادٍ لا بأس به، وقال عليه السلام: «ليس من البر أن تصوموا
في السفر»، والأفضل للمسافر إفطار صوم الفرض، فالنافلة أولى فمن صام يوم عرفه بها
مع علمه بالنهي وبأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما صامه بها، ولا أحد من أصحابه
فيما نعلم لم يصب والله أعلم، ولا نقطع على الله بأن الله لا يأجره، ولكن لم يكن
صومه له مُكفراً لسنتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك في حقّ المقيم
لا المسافر".
وقال الشيخ الألباني في «الإرواء» (952):
"حديث أبي قتادة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: في صيام عاشوراء:
(إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده). رواه مسلم. ص229. صحيحٌ. أخرجه
مسلم (3/167)... وأخرج النسائي (1/324) الرواية الأولى دون صوم عرفة وعاشوراء،
والترمذي (1/144)... وقال الترمذي: (حديثٌ حسنٌ). كذا قال. وهو حديثٌ صحيحٌ رجاله
كلهم ثقات لا مغمز فيهم لا سيما وله طريق أخرى عن أبي قتادة. أخرجه البيهقي
(4/283) وأحمد (5/296 و304 و307) عن أبي حرملة: حرملة بن إياس الشيباني عنه بحديث
عرفة وعاشوراء فقط. وإسناده جيد في المتابعات وفي تسمية راويه عن أبي قتادة اختلاف
ذكره الحافظ في ترجمة حرملة هذا من (التهذيب)، والصواب كما قال أبو بكر بن زياد
النيسابوري أنه حرملة المذكور، ورواه ابن أبي شيبة (2/165/2) فأسقطه من الإسناد أو
هكذا وقعت الرواية له. وللحديث شاهدٌ أورده المنذري في (الترغيب 2/76، و78) عن أبي
سعيد الخدري مرفوعاً بلفظ: (من صام يوم عرفة غفر له سنة أمامه وسنة خلفه، ومن صام
عاشوراء غفر له سنة). وقال: (رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسنٍ)".
قلت: فالحديث صحيحٌ عند كثيرٍ من العلماء
ممن صرّح بذلك، أو نقله ولم يطعن فيه.
·
بعض من
أعلّ الحديث من المعاصرين.
وقد أعلّه بعض المعاصرين معتمدين على قولٍ
للإمام البخاريّ.
قال فوزي البحريني في «جزء تخريج حديث صوم
عرفة» (ص16)، (ص19-21): "حديثٌ معلولٌ ضعيف"، ثُم خرّجه وقال:
"وإسناد الحديث رجاله ثقات إلا أن عبدالله بن مَعبد الزّماني لم يصح له سماع
من أبي قتادة، فهو إسنادٌ منقطعٌ ضعيفٌ. وأبو
قتادة اختلف في وفاته فقيل مات سنة (28هـ) وهذا هو الراجح. وظاهر صنيع الحافظ
البخاري رحمه الله يدلّ على أنه مات بعد الخمسين فقد ذكر أبا قتادة في فصل من مات
بين الخمسين والستين. وأما عبدالله بن مَعبد الزّماني فلم يُذكر له تاريخ ولادة،
ولا تاريخ وفاة على وجه الدقة واليقين إلا أن الحافظ الذهبي رحمه الله قال: (مات
قبل المائة). ولم يبين حجته في هذا، وأظنه قال ذلك تخميناً وتقريباً لأني لم أجد
أحداً من العلماء ذكر لعبدالله بن معبد الزماني تاريخ وفاته. حتى الحافظ ابن حجرٍ
رحمه الله لم يذكر وفاته في التقريب. وقد نص الحافظ أبو زرعة رحمه الله أن عبدالله
بن معبد الزماني: (لم يدرك عمر). فمعاصرة عبدالله بن معبد الزماني لأبي قتادة غير
محتملة أو محتملة ولكن لا دليل عليها، ولا نستطيع تأكيدها والقطع بتحققها. ولذلك
أعله الحافظ البخاري رحمه الله بالانقطاع. وذكره الحافظ العقيلي رحمه الله والحافظ
ابن عدي رحمه الله والحافظ الذهبي رحمه الله في الضعفاء وذكره الحافظ العراقي رحمه
الله في المراسيل اعتماداً على قول البخاري رحمه الله في سماعه من أبي قتادة وهو
الصواب. فإسناد الحديث مداره على عبدالله بن معبد الزماني ولم يصرح بسماعه عند
جميع الرواة الذين رووا الحديث. مما يتبين بأن الإسناد من قسم المراسيل، ذكره
الحافظ العراقي في كتابه (تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل). ولذلك أنكر الحديث
بعض أهل العلم. قال الحافظ الطبري رحمه الله في تهذيب الآثار (ج1ص361): (...وإنكار
بعضهم - يعني أهل العلم- الخبر الذي رُوي عن أبي قتادة عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم في فضل صومه). اهـ يعني صوم يوم عرفة. قلت: وليس هذه أول علة تذكر في صحيح
مُسلمٍ المحكوم عليها بالانقطاع والإرسال فتنبه" انتهى.
ثُم ساق قول الإمام البخاري وغيره في
إثبات الانقطاع. وفي الكتاب الأصل الرد عليه بالتفصيل، وكذلك على ردّ الدكتور بسام
الغانم، وكذا رد الردادي. وهنا ثمة ملاحظات على كلام البحريني:
1- قوله: "وأبو قتادة اختلف...
والقطع بتحققها"! هو كلام الدكتور خالد الدريس في كتابه (موقف الإمامين
البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين) (ص228)،
نقله بحروفه البحريني ونسبه لنفسه! فهذه ليست أمانة علمية! [نبّه على هذا الدكتور
بسام العطاوي في ردّه على البحريني (ص20) (هامش 2، 3)، وقد تحرّفت سنة الوفاة
(28هـ)، والصواب: (38هـ) كما قال الدكتور العطاوي].
2- رجّح البحريني وفاة أبي قتادة سنة
(38هـ) وخالف البخاري الذي أورد وفاته بين (50-60)، وهو قد اعتمد على البخاري في
إعلاله بالانقطاع! فتصرف البخاري أنه عاصره، ولكن يبقى استغرابه لرواية عبدالله بن
معبد عن أبي قتادة!
3- عدم التفاته إلى تقدير الذهبي لوفاة
عبدالله بن معبد متابعاً الدريس لأنهما لا يعرفان مكانة الذهبي - رحمه الله- في
هذا الفن! فكم من راو لم ينص أهل العلم على ولادته أو وفاته فقدّر الذهبي ذلك
مستخدماً (علم الطبقات) فأصاب فيهم، فهو ذهبي عصره، وقد تتبعت كثيراً من هؤلاء
الذين قدّر الإمام الذهبي وفاتهم فما أخطأ في ذلك رحمه الله.
وأما أن نقول: لم يبين حجته وأنه قال ذلك
تخميناً! ففيه اتهام له بأنه يقول بلا حجة! ويُخمّن دون دليل! فمن عرفه حقّ
المعرفة لا يقول ذلك أبداً، والله المستعان.
4- قوله: إن البخاري أعله بالانقطاع بسبب
أنه لا دليل على معاصرة الزماني لأبي قتادة ولا نستطيع تأكيدها والقطع بتحققها فيه
تناقض! فأنت قد نقلت أن البخاري ذكره في فصل (50-60) فمعاصرتهما متحققة، ولكن قول
البخاري لا يتعلق بمسألة المعاصرة، وإنما بمسألة اللقاء والسماع، فهما مسألتان
مختلفتان، فالمعاصرة لا تعني السماع، فتنبه.
5- وأما ذكر العقيلي وابن عدي والذهبي له
في الضعفاء، فليس لأنه ضعيف، وإنما يذكرون في كتبهم الثقات من باب ما يسمى بـ «التراجم
المعللة»، فقول البخاري في أنه لا يعلم لعبدالله بن معبد سماعاً من أبي قتادة
جعلتهم يوردونه في كتبهم لبيان ما نبّه عليه الإمام البخاري، وسيأتي مزيد تفصيل
لذلك إن شاء الله تعالى.
·
مصطلح «التراجم
المُعللة».
أظهر هذا المصطلح في زماننا الدكتور
الفاضل أبو موسى همام سعيد في مقدمة تحقيقه لشرح علل الترمذي (1/46)، قال أثناء
كلامه على مناهج كتب العلل المتقدمة: "خامساً: ومنها ما كان على طريقة التراجم
المعللة، وقد تكون هذه التراجم إما على الطبقات أو على الترتيب الهجائي، وفيها
يعمد المصنف إلى الرواة فيذكرهم ويذكر بعض العلل التي عرف بها المترجم. وذلك
ككتاب العقيلي: الضعفاء الذي احتوى على تراجم مرتبة ترتيباً هجائياً، والكامل في
ضعفاء المحدثين وعلل الحديث لابن عدي كذلك".
وقد استفاد من هذه الإشارة أستاذنا أسعد
تيم في كتابه القيّم «علم طبقات المحدثين» (ص35) وكذا استفاد من كلام للمعلمي في
تقدمته للجرح والتعديل، فقال: "علم التراجم المعللة: وهو علمٌ دقيق متشعب، يبحث
في نواح تفصيلية من حياة الراوي، ونواح استنتاجية (تُستنتج من حديثه وطريقته في
التحديث). ومن مباحث هذا العلم: معرفة تاريخ ميلاد الراوي، وتاريخ طلبه للعلم،
وممن سمع في سِنِيِّ طلبه العلم، ومن هم الشيوخ الذين يحدث عنهم (من منهم حدث عنه
سماعاً، ومن دلس عنه شيئاً من الحديث، أو أرسل عنه)، وما مدة ملازمته لكلّ شيخ من
شيوخه، وكيف كان ذلك، وكم سمع منه من الأحاديث والآثار، وكم روى عنه بعد ذلك؛ وهل
في شيوخه كثير من الضعفاء والمجاهيل؟ ورحلاته العلمية وما سمع بها من الحديث، أو
ما حدّث به؛ ومتى حدّث، وكيف كان يحدِّث؟ (من حفظه، أم من كتابه؛ سماعٌ أم عرض؛
ومن المستملون والوراقون الذين استخدمهم؟)، وكيف كان إقبال الناس عليه، وكم كان
عدد الحاضرين عنده؟ وما هي الأوهام التي وقع فيها، والسَّقطات التي أُخذت عليه؟ ثم
أخلاق الراوي وعبادته ومهنته؛ وهل كان يأخذ أجراً على التحديث؟ وهل كان عَسِراً في
التحديث، أم سمحاً بعلمه، أم متساهلاً...؟".
6- وأما قول البحريني: "ولذلك أنكر
الحديث بعض أهل العلم" ثُم أحال إلى كلام الطبري: "وإنكار بعضهم – يعني
أهل العلم- الخبر..."، فهذا من الفهم غير السديد! فقوله: "يعني من أهل
العلم" من تفسير البحريني لكلام الطبري! والطبري رحمه الله لم يقصد ما أراده
البحريني، ولو كان هناك من أنكر الحديث وعلمه الطبري لذكره، ولكن طريقته في هذا
الكتاب معروفة، وهي أنه يورد العلل من باب إيراد حجة الخصم وإن لم يكن هناك خصم
حقيقة. فإنه لما ذكر هذا الحديث في مسند عمر بن الخطاب، قال رحمه الله:
"القول في علل هذا الحديث. وهذا خبرٌ عندنا صحيح سندُه، لا علة فيه توهنه،
ولا سبب يُضعفه، لعدالة من بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من نقلته، وقد
يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيماً غير صحيح وذلك...".
فهذه طريقة الطبري في كتابه، ولا يحقّ لمن
لا يعرف كتب أهل العلم وطرائق مؤلفيها فيها أن يخوض في علم العلل.
·
المبحث الثالث:
ترجمة عبدالله الزّمانيّ وتحقيق وفاة أبي قتادة الأنصاري، وكلام البخاريّ في
لقائهما.
قال البخاريّ في «التاريخ الكبير» (5/198):
"عبدُالله بنُ مَعبد الزمّانيُّ البصريُّ عن أبي قتادة، روى عنه: حجّاج بن
عتاب وغيلان بن جرير وقتادة، ولا نعرف سماعه من أَبي قتادة".
وقال ابنُ أبي حاتم في «الجرح والتعديل»
(5/173): "عبدالله بن معبد الزماني، روى عن عمر وأبي قتادة وأبي هريرة
وعبدالله بن عتبة، روى عنه قتادة وغيلان بن جرير وحجاج بن عتاب وثابت، سمعت أبي
يقول ذلك. سئل أبو زرعة عن عبدالله بن معبد؟ فقال: لَمْ يُدرك عُمَر".
وقال ابن حبّان في «الثقات»:
"عبدالله بن معبد الزماني، يَروي عن أبي قتادة، عِداده في أهل البصرة، روى
عنه قتادة وغيلان بن جرير".
وقال الذهبي في «السير» (4/206):
"عبدالله بن معبد الزماني، بصريٌّ، ثقةٌ، جليلٌ. روى عن ابن مسعود وأبي هريرة
وأبي قتادة. حدَّث عنه ثابت البناني وقتادة وغيلان بن جرير وآخرون. مات قبل
المئة".
وقال في «المُغني في الضعفاء» (1/358):
"عبدالله بن معبد الزماني عن أبي قتادة، ثقة. قال البخاري: لا يُعرف له سماعٌ
منه".
وذكر البخاريّ الحديث في تاريِخَيه «الأوسط»
و«الكبير»، فقال في «الأوسط» (1/266): "ورواه عبدالله بن معبد الزماني عن أبي
قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صوم عاشوراء، ولم يذكر سماعاً من أبي
قتادة".
وقال في «الكبير» (3/67): "وروى
غيلان بن جرير عن عبدالله بن معبد الزماني عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه
وسلم، ولا يُعرف سماع عبدالله بن معبد مِنْ أبي قتادة".
وقال ابنُ عَدي في ترجمة «عبدالله بن معبد
الزماني الأنصاريّ» من «الكامل» (4/224): "سمعتُ ابن حماد يقول: قال البخاري:
عبدالله بن معبد الزماني الأَنصاري عن أبي قتادة، لا يعرف له سماع من أبي
قتادة".
ثم قال: حدّثنا أبو يَعلى الموصلي ومحمّد
بن محمّد بن سُليمان، قالا: حدثنا عبدالأَعلى بن حمّاد: حدثنا حماد بن سلمة، عن
قتادة، عن غيلان بن جرير، عن عبدالله ابن معبد الزماني، عن أبي قتادة الأنصاري، عن
النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: «صوم يوم عاشوراء يُكفّر العام الذي قبله وصوم
عرفة يُكفّر العام الذي قبله، والذي بعده».
قال: حدّثنا عبدالرحمن بن أبي بكر: حدثنا
الحسين بن محمد بن الصباح: حدثنا عبدالوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن غيلان بن جرير،
عن عبدالله بن معبد، عن أبي قتادة، قال: سأَل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
صوم عاشوراء؟ فقال: «يكفر السنة، وقال: صوم يوم عرفة يكفر السنة وما قبلها»...
قال سعيد: قال قتادة: «وكان يقول: صوم يوم
عاشوراء كفارة لما ضيع الرجل من زكاة ماله».
ثم قال ابن عَدي: "وهذا الحديث هو
الحديث الذي أراده البخاري أن عبدالله بن معبد لا يعرف له سماع من أبي قتادة".
وقال العقيلي في «الضعفاء» (2/305):
"عبدالله بن معبد الزماني، روى عنه غيلان بن جرير".
قال: حدثني آدم بن موسى قال: سمعت البخاري
قال: "عبدالله بن معبد الزماني، روى عنه غيلان بن جرير وقتادة. يُحدّث عن أبي
قتادة، ولا يعرف سماعه من أبي قتادة".
ومن حديثه ما حدثناه محمد بن إسماعيل قال:
حدثنا الحسن بن بشير بن سلم، قال: حدثنا الحكم بن عبدالملك، عن قتادة، عن عبدالله
بن معبد الزماني، عن أبي قتادة، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صومه
فكره ذلك، فقال له عمر: يا رسول الله، فصوم ثلاثة أيام من كل شهر، قال: «ذاك صوم
الدهر».
قال العقيلي: "وفي صوم ثلاثة أيام من
كلّ شهر أحاديث ثابتة الأسانيد".
قلت: إيراد ابن عدي والعقيلي لعبدالله بن
معبد الزماني في كتابيهما من أجل قول البخاري السابق. وقوله رحمه الله يعني عدم
ثبوت اللقاء بين عبدالله بن معبد الزماني وأبي قتادة، وكثيراً ما يعلل البخاري
الأسانيد بهذه العبارة كما هو معلوم من منهجه.
·
قاعدة
مهمة في التعليل بعدم السماع مع وجود الإدراك وتباعد البلاد!
قال الحافظ ابن رجب في «جامع العلوم
والحكم» متعقباً الترمذي في تصحيحه لرواية معمر، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي
وائل، عن معاذ بن جبل: "وقال الترمذي: حسن صحيح. وفيما قاله - رحمه الله -
نظر من وجهين: أحدهما: أنَّه لم يثبت سماعُ أبي وائل من معاذ، وإنْ كان قد أدركه
بالسِّنِّ، وكان معاذٌ بالشَّام، وأبو وائل بالكوفة، وما زال الأئمةُ - كأحمد
وغيره - يستدلّون على انتفاء السَّماع بمثل هذا، وقد قال أبو حاتم الرازي في سماع
أبي وائل من أبي الدرداء: قد أدركه، وكان بالكُوفة، وأبو الدَّرداء بالشام، يعني:
أنَّه لم يصحَّ له سماع منه".
قلت: فهذه قاعدة متفق عليها عند الأئمة
النقاد في التعليل.
·
كتاب «الضعفاء
الصغير» للبخاري.
وأنبه هنا إلى أمرٍ مهم، وهو: أن ما نقله
ابن عدي والعقيلي عن البخاري إنما هو من كتاب الإمام البخاري «الضعفاء الصغير».
وهذا الكتاب رواه عن الإمام البخاريّ:
1- عليّ بن آدم الْخُواريّ. ورواه عنه
اثنان:
- أبو أحمد محمد بن الغِطْريف الرباطيّ
الجرجانيّ، وهذه هي طريق المطبوع المتداول بين أيدينا، رواه عنه محمد بن يوسف
البنّا الصوفي، وعنه الحافظ أبو نُعيم الأصبهانيّ، وعنه أبو عليّ الحسن بن أحمد
الحدّاد المقرئ.
- أبو جعفر العُقيليّ صاحب كتاب الضعفاء.
2- أبو بِشْر محمّد بن أحمد بن حَمّاد
الدَّوْلابيّ. ورواه عنه ابنُ عّدي في كتابه «الكامل».
قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء»
(12/470): "تاريخ البخاري يشتمل على نحو من أربعين ألفاً وزيادة. وكتابه
في الضعفاء دون السبع مئة نفس".
قلت: يقصد الذهبي الضعفاء الصغير، الموجود
بين أيدينا فيه (418) ترجمة بحسب ترقيم المحقق.
وهناك تراجم ذكرها العقيلي في كتابه وهي
لا توجد في الصغير المتداول بين أيدينا، وموجودة في رواية الدَّولابي عن البخاري
كما هي عند العقيلي عن الخواري عن البخاريّ.
وهذا يعني أن المطبوع الذي بين أيدينا هو
مختصرٌ من الكتاب الأصل الذي يرويه العقيلي، وما ذكره الذهبي من عدد المترجمين في
الكتاب يتوافق مع التراجم الزائدة - وإن لم تكن كلّها - التي ذكرها العقيلي ولا
توجد في المطبوع الذي بين أيدينا، والله أعلم.
والعقيلي لم يذكر كلّ ما هو عند البخاري،
وإنما انتقى من كتابه. فمثلاً ذكر ابن عدي في «الكامل» (2/21): "بشير بن
مهاجر الغنوي"، ثم قال: حدّثنا ابن حماد: حدثنا البخاري قال:"بشير بن
مهاجر الغنوي، رأى أنس، يُخالف في بعض حديثه".
وبشير هذا ترجم له العقيلي في كتابه «الكامل»
(1/143)، ولكنه لم ينقل قول البخاري فيه. وهو ليس موجوداً في الضعفاء المطبوع بين
أيدينا.
فإما أن يكون عند ابن عدي عن الدولابي
تراجم لا توجد في نسخة الخواري، وإما أن يكون العقيلي لم يستوعب النقل من الضعفاء،
والله أعلم.
·
مقصد
البخاري من إيراد بعض الثقات في كتابه الضعفاء!
فابن عدي والعقيلي تبعا البخاري في إيراده
في الضعفاء من باب التراجم المعللة كما أشرت سابقاً.
وهذا المقصد غاب عن كثير من أهل العلم
القدماء! فكيف بالمعاصرين! ولهذا لما ردّ خالد الردادي على فوزي البحريني في هذه
المسألة، قال (ص29-30): "ثانياً: دعواه أن بعض أئمة الحديث ذكروا عبدالله بن
معبد الزماني في كتب الضعفاء لعدم سماعه من أبي قتادة. والجواب عن هذا نقول: من
المعلوم أن أئمة الجرح والتعديل يذكرون ويوردون في مصنفاتهم في
"الضعفاء" كل من تكلم فيه سواء كان الكلام قادحاً في عدالته أو غير
قادح، والشواهد على هذا كثيرة، فها هو العقيلي يذكر الإمام الكبير علي بن المديني
في كتابه في الضعفاء، فتعقبه الذهبي مستنكراً عليه هذا الصنيع قائلاً: "ذكره
العقيلي في كتاب الضعفاء فبئس ما صنع... فما لك عقل يا عقيلي، أتدري فيمن تتكلم،
وإنما تبعناك في ذكر هذا النمط لنذب عنهم..." وبالجملة فالأمر كما قال ابن
حجر رحمه الله: وذكره ابن عدي من أجل قول البخاري". انتهى.
قلت: الأمر ليس في ذكر عبدالله بن معبد في
كتب الضعفاء! فهو متفقٌ على ثقته، ولكن الأمر كما بينته من مقصد البخاري من إيراده
في الضعفاء ليبين أنه لم يسمع من أبي قتادة، وقل إن شئت: لا يعرف له سماعاً من أبي
قتادة. وأما إيراد العقيلي لابن المديني في الضعفاء فلا يخرج من هذا المقصد الذي
فهمه من مقصد البخاري في ضعفائه، فهو ذكر ابن المديني لميله إلى ابن أبي دؤاد في
مسألة خلق القرآن، فأراد بيان ذلك، وإلا فقد أثنى على حديثه وقال بأنه مستقيم،
فحديثه شيء، وميله في تلك المسألة شيء آخر، وكم من ثقة ذكرهم البخاري في الضعفاء
من أجل بيان مذهبه لا من أجل تضعيفه. وقد تسرّع الذهبي رحمه الله في كلامه الشديد
في الإمام العقيلي، وهو معذور؛ لأنه يدافع عن إمام من أئمة الحديث، ولكنه لم يدرك
مقصد العقيلي من إيراده في كتابه كما لم يدرك أبو حاتم الرازي مقصد البخاري من
إيراد بعض الثقات في كتاب الضعفاء، فاستدرك عليه. فالله يرحمهم جميعاً.
·
إيراد
البخاري لبعض أسماء الصحابة في الضعفاء!
فالإمام البخاريّ يورد في كتابيه «الضعفاء
الكبير» و«الضعفاء الصغير» بعض الصحابة والثقات لا لتضعيفهم، وإنما للتنبيه على
ضعف الإسناد إليهم؛ لأن قصده في هذين الكتابين ذكر الأسانيد المعلولة، والتنبيه
على ضعف بعض الأسانيد المتداولة عند أهل العلم، والتنبيه على بدعة بعضهم. وليس
مقصده ترجمة الضعفاء من الناس فحسب، ولذا ذكر في كتابيه في الضعفاء عدداً ممن خرّج
لهم في الصحيح مثل «أيوب بن عائذ الطائي»، فقال في «الضعفاء الصغير» (ص18):
"أيوب بن عائذ الطائي: سمع الشعبي وقيس بن مسلم، روى عنه ابن عيينة. كان يرى
الإرجاء وهو صدوق". فذكره البخاري من أجل مذهبه في الإرجاء. وحديثه عنده في
الصحيح في باب (بعث أبي موسى ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما إلى اليمن قبل حجة
الوداع) (4/1579)، وغيره.
وذكر أيضاً بعض الصحابة في الضعفاء مثل: «هند
بن أبي هالة»، فقال في «الضعفاء الصغير» (ص118): "هند بن أبي هالة: وكان
وصَّافاً للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وروى عنه الحسن بن علي، ويتكلّمون في
إسناده". فإيراده له في الضعفاء من أجل تضعيف الإسناد إليه، لا أنه يضعّفه.
وذكر «حُيَيّ اللَّيثي»، فقال في «الضعفاء
الصغير»: "حُيَيّ اللَّيثيّ: له صحبة، روى عنه أبو تميم الجَيْشاني، ولم يصح
حديثه". فهنا أثبت صحبته، ونبّه إلى أن ما رُوي عنه لا يصح.
ولهذا لم يتنبه أبو حاتم الرازي لمقصد
الإمام البخاري في كتابه هذا، فكان يتعقبه بقول: "ذكره البخاري في الضعفاء
فيحوّل من هناك"! قد بينت وقد فصّلت ذلك - بحمد الله- في كتابي المخطوط عن «الضعفاء
الكبير والضعفاء الصغير للإمام البخاري».
·
شرط
البخاري وشرط مسلم.
والخلاصة أن الذي اعتمد على قول الإمام
البخاري له حجة قوية في تضعيف هذا الحديث، ومَنْ قَبِل تصحيح مسلم له فذلك لأنه أخرجه
في الصحيح اعتماداً على مذهبه في المعاصرة.
وهذه المسألة أثارها الإمام مسلمٌ في
مقدمة صحيحه، واختلف أهل العلم فيها، فنسبوا للبخاري شرط اللقاء من خلال كلامه في
الرواة، ومن خلال تخريجه للأحاديث في صحيحه. وكان مذهب الإمام مسلم الاكتفاء
بإمكانية اللقاء من خلال المعاصرة، وتبنى كثيرٌ من أهل العلم هذا المذهب حتى جمع
بعضهم أدلته في كتاب مفرد نقل فيه إجماع المحدّثين على ذلك، وعدّ منهم الإمام
البخاري!
والحقيقة أن هذه المسألة قد أساء الفهم
فيها بعضهم، وما ذكروه من أدلة عارضوا فيها الإمام البخاري ومن تبعه هي أدلة واهية
ليس هذا مكان تفصيلها. بل إن الإمام مسلماً في كثير من الأحايين يذهب إلى مسألة
اللقاء ولا يكتفي بالمعاصرة، والأحاديث التي اكتفى فيها بالمعاصرة منها ما أصاب
فيها، ومنها ما أخطأ فيها، فالله يرحمه ويغفر له، وقد فصّلت ذلك - بحمد الله- في
تصنيف خاص.
·
اختلاف
المعاصرين في توجيه كلام الإمام البخاريّ:
قال فوزي البحريني في «جزء فيه تخريج حديث
صوم يوم عرفة»: (ص31-32): "وهذا صريحٌ من الحافظ البخاريّ في تضعيفه للحديث
وذلك لإعلاله بالانقطاع، ولذلك لم يخرجه في صحيحه. وقول البخاري هذا ذكره الحافظ
الذهبي في الميزان، وابن حجر في التهذيب في ترجمة عبدالله بن معبد الزماني، ولم
يتعقباه بشيء... وقال الحافظ الذهبي رحمه الله في المغني في الضعفاء: (عبدالله بن
معبد الزماني عن أبي قتادة، ثقة، قال البخاري: لا يعرف له سماع منه). وأما ما ذكره
الحافظ الذهبي في ديوان الضعفاء بقوله: (قال البخاري: لا يعرف له سماع من أبي
قتادة، قلت: - الذهبي - لا يضره ذلك). قلت: وقوله (لا يضره ذلك) يعني بذلك بأنه
يبقى ثقة ولا يضره فيما قال في إرساله الحافظ الذهبي فتنبه. وتوثيق الراوي لا
يعارض تخطئته في حديث من حديثه في إرسال أو غيره فتنبه. ولذلك أورده في الضعفاء مع
كونه ثقة وذلك لعدم سماعه من أبي قتادة" انتهى.
قلت: عبارة البخاري تدلّ على أن عبدالله
بن معبد لم يسمع من أبي قتادة. ونقل الذهبي وابن حجر لعبارته دون تعقبه لا يعني
أنهما يوافقانه على أن هذا الحديث معلول! فقد نقلت فيما سبق أن الذهبي وابن حجر
يصححان الحديث، فكيف ننسب لهما قولاً لأنهما لم يتعقبا عبارة البخاري بعد نقلها؟!
وعادتهما أنهما ينقلان في ترجمة الراوي ما ذكره أهل العلم، وليس بالضرورة أن
يتعقبا كلّ شيء.
وأما تأويل البحريني لكلام الذهبي الذي
قاله في الديوان فلو فرضنا صحته، فإن ذلك لا يعني أن الذهبي يرى انقطاع الحديث
بدليل أنه صححه في آخر كتبه وهو كتاب السير كما نقلته عنه سابقاً.
قال الشيح الردادي في ردّه على البحريني
في (دعوى عدم سماع عبدالله بن معبد من أبي قتادة، فالإسناد منقطع): "وكلام
البخاريّ - رحمه الله- يُجاب عنه بما يأتي:
أ- قوله: (لا نعرف سماعه من أبي قتادة)
يعني به: أنه لم يقف على التصريح بالسماع لا أنه حكم على عدم السماع، وإلا لقال:
(لم يسمع منه)، أو قال: (مرسل) كما هي عادته - رحمه الله- وما أكثر قوله في
التاريخ: (فلان لا أعرف له سماعاً من فلان)، فتأمل هذه العبارة، وكونه لم يقل: (لم
يسمع)، ثم تأمل فائدة هذه العبارة وتكرار البخاري لها، فإنه ولا شك يرتب عليها
حكماً، وهو التوقف في مثل هذا الخبر المعنعن، وليست هذه العبارة منه إخباراً
محضاً.
ب- أن جماعة من الأئمة أثبتوا سماعه ولم
يروا قول البخاري شيئاً، كما دلّ عليه صنيع من صحح حديثه: مسلم والنسائي وابن
خزيمة وابن حبان وابن جرير الطبري وابن عبدالبر وغيرهم، والمثبت مقدم على النافي
كما يعلم، ولأنّ الإمام البخاري لا يكتفي بالمعاصرة، بل لا بد عنده من ثبوت
السماع، وربما أخرج الحديث في "صحيحه" لبيان السماع ويكون الحديث لا
تعلق له بالباب أصلاً كما هو معلوم من شرطه!
ج- إمكان اللقاء بين عبدالله بن مَعْبَد
الزِّمَّاني وأبي قتادة فقد عاصره، فأبو قتادة - رضي الله عنه- توفي سنة 54هـ على
الصحيح... وأمّا عبدالله بن معبد، فكانت وفاته كما قال الذهبي قبل المائة، وعلى
هذا فإمكان اللقاء بينهما غير مستبعد، وهو ما اشترطه مسلم في "صحيحه" ونصره
في "مقدمته"، وخاصة أنّه لا يُعرف عن الزِّماني تدليس، وعليه فالإسناد
متصل!
د- أن ابن أبي حاتم والدارقطني ذكروا هذا
الحديث في "العلل" مرجحين بين أوجه الاختلاف في أسانيده على غيلان بن
جرير ولم يعلّوه بالانقطاع وعدم سماع عبدالله بن مَعْبَد من أبي قَتَادَة مطلقاً، ولو
كانت هذه علّة لديهم لصاحوا بها...
هـ- قال ابن حزم - رحمه الله-: "وقد
تكلم في سماع عبدالله بن معبد الزماني من أبي قتادة". ثم أجاب عن هذا فقال - رحمه
الله-: "وأما سماع عبدالله بن معبد من أبي قتادة؛ فعبد الله ثقة والثقات
مقبولون لا يحل رد رواياتهم بالظنون".
و- الذي اعتمده ورجحه المزي، والذهبي وابن
حجر صحة سماعه من أبي قتادة. قال الذهبي - رحمه الله-: "قال البخاري: لا يعرف
له سماع من أبي قتادة، قلت - الذهبي -: لا يضره ذلك". وقال ابن حجر - رحمه
الله-: "عبدالله بن معبد الزماني البصري روى عن أبي قتادة وأبي هريرة وعبدالله
بن عتبة بن مسعود وأرسل عن عمر... قلت: وقال البخاري: لا يعرف سماعه من أبي
قتادة.." انتهى.
قلت:
1- تفريق الردادي بين مقصود عبارات
البخاري لا يتجه؛ لأن هذه العبارات ينوّع فيها البخاري، ومقصوده منها كلّها واحد
في النتيجة. فقوله: "لم يسمع منه" أو "مرسل" يدلّ على نفيه
للسماع، والعبارات الأخرى لا تخرج عن هذا المعنى مثل: "فلان لا أعرف له
سماعاً من فلان"، أو "لا يدرى سمع منه أم لا"، فهي ليست توقف كما
ذهب الردادي بل هو حكم منه، وورع البخاري معروف في عبارته، وحاصل ذلك أنه لم يجد
من قبله من الأئمة صرّح بأنه لم يسمع من فلان أو أنه مرسل، ففي هذه الحالة يقول
هذه العبارات، ومؤدّاها واحد، وهو نفي اللقاء، أي لم يسمع.
·
هل
يُفرّق البخاري بين عبارات نفي السماع؟!
يستخدم الإمام البخاري عن نفيه لسماع راو
من آخر بعدة عبارات...
* الجزم بنفي السماع لوجود دليل أو قرينة
على ذلك، ويُعبِّر عن ذلك بقوله: «لم يسمع من فلان»، أو «لا نعلم له سماعاً»، أو «لا
نعلم سماع فلان من فلان»، أو «لا يذكر سماعاً» أو «لم يذكر سماعاً».
* نفي السماع لمن هو مجهول العين أو مجهول
تاريخ الوفاة أو من ليس له إلا رواية واحدة عمن يروي عنه، ويُعبِّر عن ذلك بقوله: «لا
يُعرف له سماع من فلان» أو «لا نعرف لفلان سماعاً من فلان».
فهذه عبارات نفي للسماع، فإذا كان الراوي
لا نعرف له عمن يروي إلا رواية واحدة ولم يذكر فيها سماعاً، فكيف نثبته مع وجود
قرينة أنه لم يسمع منه!
* نفي السماع إذا لم يقم عنده دليل يجزم
به على السماع، ويُعبِّر عن ذلك بقوله: «لا أدري سمع فلان أم لم يسمع».
وهذه العبارة في ظاهرها تُحمل على أنه
ربما سمع وربما لم يسمع = السماع وعدمه متساويا! وليس كذلك؛ لأن الأصل هو نفي
السماع والدليل عليه زائد بخلاف السماع، فالدليل عليه أصل لا زائد.
فالأصل عدم السماع، فإذا أثبتنا السماع لا
بد من الدليل على ذلك، وإلا بقينا على الأصل.
* نفي السماع لمن هو مجهول العين أو من
ليس له من الرواية إلا القليل، ويُعبِّر عن ذلك بقوله: «لم يتبيّن سماع فلان من
فلان» أو «لم يتبين سماع بعضهم من بعض».
فهذا يدل على عدم السماع وهو الأصل، وهو
يشير بهذه العبارة إلى أنه بحث وفتش عن السماع فلم يتبين له.
وعليه فإن للإمام البخاري منهجا دقيقا في
إطلاق عبارات نفي السماع، ولم يرد أن يُفرّق بينها كما يقول بعض المعاصرين:
"قوله (فلان لم يسمع من فلان) واضح في نفيه للسماع، وأما قوله: (لا نعرف
لفلان سماع من فلان) فهو ينفي علمه فقط".
وقد قلّد كثير من المعاصرين هذا القول
بهذه التفرقة بين عبارات البخاري لأنهم لم يدركوا مغزى كلامه ولم نوّع في عباراته!
فمن ثبت أنه لم يسمع من فلان جزم به
البخاري، وأما من لم يثبت أنه سمع ولم يجد دليلا على السماع فنفى سماعه لكن بعبارة
أخرى.
فمن قال بأن البخاري نفى علْمه وعلِمه
غيره فعليه أن يأتي بالدليل، ولا تنفع المعاصرة في إثبات السماع؛ لأننا لو اعتددنا
بكل حديث يرويه معاصر لغيره دون تبيّن السماع لقبلنا أحاديث كثيرة فيها نكارة
وغيره!
فمن يُفرّق بين قوله: "فلان لم يسمع
من فلان"، وقوله "لا نعلم لفلان سماعا من فلان"، على أن الأولى جزم
بنفي السماع، والثانية لم يجزم، ومن صحح حديث من لا نعلم سماع من روى عنه فهنا المُثبت
مقدم على النافي"!! فهذا كلام كلّه مردود!!
فالبخاري إذا قال بأنه لا يعلم له سماع،
فأين المثبت؟!! هل المعاصرة هي الإثبات؟!! فلا فرق بين العبارتين، وإنما الثانية
من خلال الاستقراء يقولها البخاري إذا لم يوجد لهذا الراوي عمن روى عنه إلا حديثاً
واحداً، فلا يوجد غيره لمعرفة السماع، فالمؤدى واحد عنده وهو نفي السماع لكن بعبارة
أخرى ليفرّق بينهما بما قلناه.
2- قوله إنه يرتب على تكرار هذه العبارة
في كتابه: "فلان لا أعرف له سماعاً من فلان" حكماً وهو التوقف! فيه نظر!
فلم يقل أحد من أهل العلم إنه يتوقف في مثل هذه العبارات، وإنما هو إخبار بنفي
اللقاء والسماع.
3- الأئمة الذين ذكرهم بأنهم أثبتوا
السماع إنما تبعوا فيه الإمام مسلماً لتصحيحه الحديث؛ لأنه على شرطه في المعاصرة
وإمكانية اللقاء، وهذا لا يعني أن عندهم دليل قاطع على ثبوت اللقاء أو السماع،
وعليه فلا يصح استشهاده بهذه القاعدة: "المثبت مقدم على النافي"! فأين
دليل هؤلاء على ثبوت السماع حتى يُقدّم على من نفاه. ولا يجوز اعتبار مذهب مسلم في
مسألة المعاصرة هكذا وعدّه إثباتاً مطلقاً في مقابلة هذه العبارات التي يذكرها
البخاري في نفي السماع واستغرابه.
وأما ضمّه للإمام النسائي ضمن من صححوا
الحديث ففيه نظر! لأن الإمام النسائي قد عَرض للاختلاف الواقع في أسانيد هذا
الحديث، ثم وصف حديث غيلان بأنه أجود ما في الباب، وهذه العبارة لا تعني أنه
يصححه، وإنما هو أجود من غيره من بين هذه الاختلافات التي عرضها.
4- إمكانية اللقاء ليست كافية في إثباته،
وستأتي مناقشة ذلك قريباً إن شاء الله.
5- استشهاده بأن ابن أبي حاتم والدارقطني
ذكروا هذا الحديث في العلل مرجحين بين أوجه الاختلاف في أسانيده على غيلان ولم
يعلوه بالانقطاع وعدم السماع! غير متجه. فأنت ذكرت أنهما يرجحان بين الأسانيد، ولا
يحكمان على الأحاديث إلا نادراً جداً، فمقصدهم الترجيح بين الأسانيد فقط، وأما
الحكم على الأحاديث فليس من مقصد كتابيهما، وقد اغتر كثير من طلبة العلم بقول
الدارقطني في ترجيحه بين أسانيد بعض الأحاديث بقول: "والصواب كذا وكذا"
فها لا يعني تصحيحاً منه لما رجّحه أبداً، وإنما هو يبيّن أن هذا الإسناد من بين
هذه الأسانيد التي عُرضت عليه هي الصواب، ولا علاقة لمسألة التصحيح والتضعيف لأصل
الأحاديث في كتابه أو في كتاب ابن أبي حاتم.
ثُمّ الخلاف الذي ذُكر في كتاب ابن أبي
حاتم وهو سؤاله لأبي زرعة عن رواية شيبان بن فروخ وسليمان بن حرب واختلافهما على
أبي هلال الراسبي وكان السؤال فيها عن وجود "أبي قتادة" في الإسناد أم
لا؟ فرجح أبو زرعة رواية سليمان الذي ذكر فيها أبا قتادة، ولم يُشر إلى تصحيح أو
تضعيف الحديث.
6- وأما قول ابن حزم ففيه نظر! فالمسألة
لا تتعلق بقضية الثقة وأن حديثهم مقبول أم لا! فحديثهم مقبول، وإنما لا نعرف أن
هذا الثقة سمع من هذا الذي يروي عنه، وكم من ثقة سمع الحديث ممن لا يُعرفون! ولهذا
احتاط أهل العلم في ذلك وبحثوا في السماعات.
ورد رواية عبدالله بن معبد عن أبي قتادة
ليس بالظنون كما زعم ابن حزم -رحمه الله- وإنما قبولها يحتاج إلى دفع هذه الشبهة
بإثبات اللقاء.
ثُم إن قول ابن حزم: "وقد تُكلِّمَ
في سماع عبدالله بن معبد الزماني من أبي قتادة" فيه إثبات أن هناك من نفى
السماع، والذي نفاه البخاري وتبعه على ذلك ابن عدي والعقيلي. فابن حزم قد فهم من
قول البخاري نفيه للسماع فرده بأن عبدالله ثقة والثقات مقبولون، وابن حزم يتبع
مسلماً في مذهبه في المعاصرة وإمكانية اللقاء.
والحاصل أن ابن حزم لم يحمل كلام البخاري
إلا على نفي السماع، ولم يتوسع هذا التوسع العجيب من بعض المعاصرين في صرف كلامه
عن مقصده.
7- وأما ترجيح المزي والذهبي وابن حجر صحة
سماعه فهذا رأيهم؛ لأن الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه، فإن هم وافقوا الإمام
مسلماً، فقد خالفهم غيرهم في نفي السماع.
نعم، هم من جلّة أهل الحديث، ولكن كلامهم
وترجيحاتهم ليست صحيحة مطلقاً، وإنما هم يجتهدون كما يجتهد غيرهم، فالله يرحمهم
على ما قدموه لهذا الدِّين.
·
تحقيقُ
وفاة أبي قَتادة رضي الله عنه:
اختلف في اسم أبي قتادة، فقال
يحيى بن معين وأحمد بن حنبل والحميدي والبخاري: «الحارث بن رِبعي»، وهكذا قال غير
واحد من العلماء.
وقال الواقدي: «الحارث بن النعمان»،
ويُقال: «النعمان بن ربعي»، قاله الكلبي وابن إسحاق.
قال ابن إسحاق: "وأهله يقولون اسمه:
النعمان بن عمرو بن بلدمة". وبَلدمة بالفتح، وبُلدمة بالضم، وبُلذمة بالذال
المنقوطة والضم أيضاً.
وروى محمد بن سعد، عن الواقدي قال: قال
الهيثم بن عدي: "اسمه عمرو بن ربعي".
والأشهر أن اسمه: «الحارث بن ربعي بن
بلدَمة بن خُنَاس بن سنان بن عُبَيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سَلِمةَ بن سعد بن
علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج الأَنصاري الخزرجي السلمِي»، فارس
رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأمه كبشة بنت مطهر بن حَرَام بن سَوَاد بن غنم بن
كعب بن سَلِمة.
قال ابن حبّان في «الثقات» (3/73):
"الحارث بن ربعي بن رافع بن الحارث بن عمير بن الجد بن عجلان كنيته أبو
قتادة. وقد قيل: إنه الحارث بن ربعي بن بلدمة بن خناس بن سنان بن عبيد بن عدي بن
غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بنعلي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج أبو
قتادة الأنصاري السلمي. وقد قيل: إن اسم أبي قتادة النعمان بن ربعي، ويقال أيضاً:
عمرو بن ربعي".
واختلف في شهوده بدراً، فقال بعضهم: كان
بدرياً.
قال الحاكم أبو أحمد: "يُقال كان
بدرياً، ولا يصح".
ونُقلَ عن الشعبي أنه قال:"وكان
بدرياً"، ورجَّح هذا ابن القطان.
قال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (12/224):
"قلت: ولأن أحداً لم يوافق الشعبي على أنه شهد بدراً، والظاهر أن الغلط فيه
ممن دون الشعبي، والله تعالى أعلم".
وقال موسى بن عبدالله بن يزيد الخَطميّ
الأَنصاريّ: "وكان بدرياً". فتعقبه الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد»
(1/159) فقال: " قوله (وكان بدرياً) خطأ لا شبهة فيه؛ لأن أبا قتادة لم يشهد
بدراً، ولا نعلم أهل المغازي اختلفوا في ذلك".
وقال البخاريّ في «التاريخ الأوسط»
(1/105): "واسم أبي قتادة الحارث بن ربعي، ويقال: النعمان بن ربعي، الأنصاري،
شهد بدراً مع النبيّ صلى الله عليه وسلم، السُّلمي المدني".
قلت: أهل التاريخ والمغازي والسير كابن
عقبة، وابن إِسحاق، والواقدي، وغيرهم لم يذكروه في البدريين. واتفقوا على أنه شهد
أُحداً والخندق وما بعدها من المشاهد كلّها. وكأن عمدة من ذكره في البدريين
كالإمام البخاري قول موسى الخطمي، ولا يصحّ قوله كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
·
مذاهب
العلماء في سنة وفاة أبي قتادة الأنصاري.
وقد اختلف أهل العلم أيضاً في وفاة أبي
قتادة على ثلاثة مذاهب:
الأول: أنه
توفي سنة (38هـ) وهذا رُوي عن أهل الكوفة.
1- روى ابن أبي شيبة في «المصنف» (2/497)
(11459) عن عبدالله بن نُمير ووكيع.
ويعقوب الفسوي في «المعرفة والتاريخ»
(1/77) عن عُبيدالله بن موسى.
والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/496)
عن يزيد بن سنان، عن يَحْيَى بن سَعِيدٍ القَطَّان.
قالوا: حدّثنا إسماعيل ابن أبي خالد، عن
موسى بن عبدالله بن يزيد الخطمي قال: «صَلَّى عليٌّ عَلَى أَبي قَتَادَةَ
فَكَبَّرَ عَلَيْهِ سَبْعاً». وفي رواية عبيدالله: «وكان بدرياً».
2- روى أبو بِشْرٍ الدّولابي قال: أخبرني
محمد بن سعدان، عن الحسن بن عثمان قال: حدَّثنا هُشيمٌ، قال: حدَّثنا إسماعيل بن
أبي خالد وزكريا، عن الشعبيّ: «أنَّ علياً كبَّر على أبي قتادة ستاً، وكان بدرياً».
قال ابنُ عبدالبر في «الاستيعاب» (4/1732):
"هكذا قال ستاً، ورواه زياد بن أيوب وغيره عن هشيم، عن زكريا، عن الشعبي: أنّ
علياً كبر على أبي قتادة سبعاً، وكان بدرياً".
وقال أيضاً: "رُوي من وجوهٍ عن موسى
بن عبدالله بن يزيد الأنصاري وعن الشعبي أنهما قالا: صلى عليّ على أبي قتادة وكبير
عليه سبعاً. قال الشعبي: وكان بدرياً".
وقال البيهقي في «السنن الكبرى» (4/36):
"هكذا رُوي وهو غلط؛ لأن أبا قتادة رضي الله عنه بقي بعد عليّ - رضي الله عنه
- مدة طويلة، وروينا عن علي رضي الله عنه أنه كبر على يزيد ابن المكفف أربعاً".
وقال أيضاً: "رواية موسى والشعبي
غلطٌ لإجماع أهل التاريخ على أن أبا قتادة بقي إلى بعد الخمسين".
وقال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (12/224):
"قلت: ولأن أحداً لم يوافق الشعبي على أنه شهد بدراً، والظاهر أن الغلط فيه
ممن دون الشعبي. والله تعالى أعلم".
قلت: كذا رأي ابن حجر في «التهذيب» أنه
مات بعد الخمسين موافقاً للبيهقي! ولكن خالفه في كتاب آخر! فقال في «التلخيص
الحبير» (2/120) حيث قال: "وعنه - أي عليّ- أنه صلى على أبي قتادة فكبر عليه
سبعاً، رواه البيهقي وقال: إنه غلط لأن أبا قتادة عاش بعد ذلك. قلت: وهذه علة غير
قادحة؛ لأنه قد قيل إن أبا قتادة قد مات في خلافة علي، وهذا هو الراجح". وقال
أيضاً في «التهذيب»: "وحكى خليفة أن ذلك كان سنة ثمان وثلاثين، وهو
شاذ". وعَرَض ابن حجر لوفاة أبي قتادة في «الفتح» (2/307) ولم يرجّح أو يجزم
بشيء!
وقال البيهقي في «معرفة السنن والآثار»
(2/431) بعد أن ذكر ما يؤيد أنه أبا قتادة تأخرت وفاته بعد موت عليّ رضي الله عنه:
"وفي كلّ ذلك دلالة على خطأ رواية موسى بن عبدالله، ومن تابعه في موت أبي
قتادة في خلافة علي، ويشبه أن يكون راويه غلط من قتادة بن النعمان، أو غيره، ممن
تقدم موته إلى أبي قتادة، فقتادة بن النعمان قديم الموت، وهو الذي شهد بدراً
منهما، إلا أن الواقدي ذكر أنه مات في خلافة عمر، وصلّى عليه عمر، وذكر هذا الراوي
أن أبا قتادة صلى عليه عليّ، والجمع بينهما متعذر، وهذا الراوي ذكر أنه كان
بدرياً، وأبو قتادة الحارث بن ربعي لم يشهد بدراً، وأسامي من شهد بدراً من الصحابة
عندنا مدونة في كتاب عروة بن الزبير، والزهري، وموسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق بن
يسار، وغيرهم من أهل المغازي، وقد نظرت في جميع ذلك فلم أجد في شيء من كتبهم أن
أبا قتادة شهد بدراً، فإما أن يكون مخطئاً في قوله: صلى عليّ على أبي قتادة، أو في
قوله: وكان بدرياً! وكيف يجوز رد رواية أهل الثقة بمثل هذه الرواية الشاذة؟".
·
هل أخطأ
إسماعيل بن أبي خالد؟!
قلت: مدار هذا الخبر: إسماعيل بن أبي خالد
عن موسى بن عبدالله بن يزيد الخطمي. ورواية الشعبي اختلف فيها عليه: فقال الحسن بن
عثمان: عن هُشيم عن إسماعيل بن أبي خالد وزكريا، عن الشعبيّ. وقال زياد بن أيوب
وغيره عن هشيم عن زكريا عن الشعبي.
والاختلاف على الشعبي لم أجده إلا فيما
رواه ابن عبدالبر عن الدولابي، وذكره لرواية زياد بن أيوب البغدادي.
والذي أراهُ أنه لم يصح عن الشعبي، وإنما
هذه الروايات كلها ترجع إلى إسماعيل بن أبي خالد، والخطأ فيها منه! وقد اشتبه عليه
هذا بما رُوي عن وفاة سهل بن حنيف.
فسهل بن حنيف مات بالكوفة بعد انصرافهم من
صفين سنة ثمان وثلاثين، وصلّى عليه عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
روى ابنُ أبي شيبة في «المصنف» (2/497) عن
وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن ابن معقل: "أنّ علياً كبّر على
سهل بن حنيف سِتاً".
ورواهُ عن هشيم، عن حصين، عن الشعبي: "أن
علياً صلى على سهل بن حنيف، فكبر عليه ستاً".
ورواه عن وكيع، عن شعبة، عن ابن
الأصبهاني، عن عبدالله بن معقل، عن علي أنه كبر على سهل بن حنيف ستاً.
وروى عبدالرزاق في «مصنفه» عن ابن عيينة،
عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن عبدالله بن معقل: "أن علياً رضي الله
عنه صلّى على سهل بن حنيف، فكبَّر عليه ستاً، ثم التفت إلينا فقال: إنه من أهل بدر".
قلت: فهذه الأسانيد التي ذَكَرَت أن علياً
كبّر ستاً على سهل بن حنيف لا اختلاف فيها، وقد اتفق على أنه مات سنة (38هـ). وأما
ما رُوي في تكبيره على أبي قتادة، ففيه خلاف، فبعضهم قال: ستاً، وبعضهم قال:
سبعاً. وهذا الاختلاف يدلّ على وقوع الوهم والخلط بين سهل بن حنيف وأبي قتادة،
والصواب أن علياً كبّر ستاً على سهل بن حنيف.
ويؤيد هذا أنه لم يجيء أن علياً كبّر على
أحد ستاً إلا على سهل بن حنيف. فكيف يكبّر على أبي قتادة، وفي السنة نفسها؟! فلو
لم يجيء ما يُخالف هذا لاحتملناه، ولكن أهل العلم ينفون أنه مات بالكوفة.
ولعل ما جاء في أنّ أبا قتادة كان بدرياً
إنما كان بسبب هذا الخلط الذي حصل في رواية الكوفيين! والصواب أن هذا في سهل بن
حنيف.
روى ابن أبي شيبة في «المصنف» (2/495) عن
أبي معاوية، عن الأعمش، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبدالله بن معقل بن مقرن قال: "كبَّرَ
عليّ في سلطانه أربعاً أربعاً على الجنازة، إلا على سهل بن حنيف، فإنه كَبَّرَ
عليه ستاً، ثُمَّ التفت إليهم فقال: إنه بدري".
وهذا يدفع ما رُوي أنه كبّر على أبي
قتادة.
ومما يؤيد خطأ ما رُوي عن الشعبي أن علياً
كبّر على أبي قتادة سبعاً: أنّ الشعبي قال: "دخل أبو قتادة بن ربعي على
معاوية"، كما سيأتي سرد هذه القصة، فإن كان روى أنه مات في خلافة عليّ وصلى
عليه، فكيف يروي أنه دخل على معاوية؟!!
فتحصّل من هذا أنه حصل خلطٌ بين رواية
الشعبي وغيره في صلاة عليّ على سهل بن حنيف سنة (38هـ)، وجعل ذلك لأبي قتادة
أيضاً، ولا يصحّ.
·
شذوذ
الهيثم بن عدي في ذكر الوفيات!
3- قال ابن سعد: وأنبأنا الهيثم بن عدي
قال: "توفي أبو قتادة بالكوفة وعليّ بها وهو صلّى عليه" أي سنة ثمان
وثلاثين. [تاريخ بغداد: 1/161].
قال ابن كثير في تاريخه: "وهذا
غريبٌ".
قلت: الهيثم بن عدي الطائي يشذ كثيراً في
ذكر الوفيات، فلا يعتمد إذا خالف غيره.
·
سقط من
المطبوع من كتاب «تاريخ بغداد»!
4- روى الخطيب في «تاريخ بغداد» (1/161) من
طريق حنبل بن إسحاق قال: "وبلغني أنه توفي أبو قتادة الحارث بن ربعي سنة ثمان
وثلاثين في خلافة عليّ، وصلَّى عليه عليّ بالكوفة".
قلت: وهكذا وقع الإسناد في طبعة الدكتور
بشار عواد (1/504). ولكن جاء عند ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (67/152): "قال
حنبل بن إسحاق: حدثنا غسان بن الربيع قال: وبلغني أنه توفي أبو
قتادة سنة ثمان وثلاثين في خلافة عليّ، وصلّى عليه عليّ". فجعل هذا القول
لغسّان بن الربيع الموصلي! وكأنه سقط "غسان بن الربيع" من بعض نسخ تاريخ
بغداد! وهذا يؤكد ما كنت أعتقده مراراً أن بشاراً لم يبذل الجهد الكبير في تحقيقه
لكتاب الخطيب! وإنما الغالب هو إعادة نسخ فقط مع وجود نفس الأخطاء في المطبوع منه!
قلت: وهذا لا يصحّ أيضاً؛ لأنه منقطعٌ،
يقول فيه: "وبلغني"!
ومِمن ذهب من أهل العلم إلى وفاة أبي
قتادة في خلافة عليّ: الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/260)، والعيني في «عمدة
القاري» (18/53)، وهما إنما ذهبا إلى ذلك لطعنهما في حديث رواه محمد بن عمرو بن
عطاء عن أبي حميد، وفيه: «أنه حضر أبا حميد وأبا قتادة»، فقالا: هذا الحديث غير
متصل، ووفاة أبي قتادة قبل ذلك بدهر طويل؛ لأنه قتل مع علي رضي الله عنهما، وصلَّى
عليه عليٌّ رضي الله عنه، فأَين سن محمد بن عمرو بن عطاء من هذا؟!
قلت: سيأتي ذكر هذا الحديث وأنه صحيح إن
شاء الله تعالى.
والعجب أن ابن حجر رجّح هذا أيضاً في بعض
كتبه!
قال في «التلخيص» (2/120): "وعن
عَلِيٍّ أَنَّهُ صلّى على أبي قَتَادَةَ فَكَبَّرَ عليه سَبْعًا، رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ
وقال: إنَّهُ غَلِطَ؛ لِأَنَّ أَبَا قَتَادَةَ عَاشَ بَعْدَ ذلك. قُلْت: وَهَذِهِ
عِلَّةٌ غَيْرُ قَادِحَةٍ لِأَنَّهُ قد قِيلَ إنَّ أَبَا قَتَادَةَ قد مَاتَ في
خِلَافَةِ عَلِيٍّ، وَهَذَا هو الرَّاجِحُ".
الثاني: أنه
توفي سنة (40هـ): وصاحب هذا القول هو: أبو حسَّان الحسنُ ابنُ عثمان الزيادي (وكان
من كبار أصحاب الواقدي).
قال الحسن بن عثمان: "مات أبو قتادة
سنة أربعين، وشهد مع علي رضي الله تعالى عنه مشاهده كلها في خلافته، ومات بالكوفة
وهو ابن سبعين سنة". [الإصابة: 7/329].
قلت: لم يتابع أحد من أهل العلم الحسن بن
عثمان على هذا القول!
الثالث: أنه
توفي في المدينة سنة (54هـ)، وهذا رأي جمهور أهل العلم.
قال إبراهيمُ بن المُنذر المدنيّ، ويحيى
بن بُكير، ومحمّد بن عبدالله بن نُمَير، والليث بن سعد، وابنُ أبي عاصم، وابنُ
حِبَّان، والمدائني، وسعيد بن عفير، وشَباب خليفة بن خيّاط، وأبو جعفر الفلاّس:
"توفي أبو قتادة بالمدينة سنة أربع وخمسين، وسنّه سبعون سنة".
قال محمد بن سعد: نبأنا محمد بن عمر - هو
الواقدي-: نبأنا يحيى بن عبدالله ابن أبي قتادة قال: "توفي أبو قتادة
بالمدينة سنة أربع وخمسين، وهو ابن سبعين سنة".
كذا في «تاريخ بغداد» (1/161)، وكذا ذكر
ابن عساكر في «تاريخه» (67/153) عن الواقدي. وذكر البيهقي في «معرفة السنن»
(2/431) قال: "وذَكَرَ الوَاقِدِيُّ عَنْ يَحْيَى بنِ عَبْدِاللَّهِ بنِ
أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَة خَمْس
وَخَمْسِينَ، وَهُوَ اِبن سَبْعِينَ سَنَة".
وقال الواقدي:"ولمْ أَرَ بين ولد أبي
قتادة وأهل البلد عندنا اختلافاً أن أبا قتادة توفي بالمدينة". ثُم ذكر
حديثاً، ثُم قال: "في هذا الحديث خصلتان: موته بالكوفة، وإنما مات بالمدينة
سنة خمس وخمسين، وبين هذا وبين ما يقولون ثماني عشرة سنة، وقبره ببني سلمة معروف
ليس بين أحد فيه اختلاف، وليس من أهل بدر". [تاريخ دمشق: 67/152].
ويؤيد ذلك أَنَّ البخاريّ ذكره في
«الأوسط» في فصل من مات بعد الخمسين إلى الستين، واستدل على ذلك بأمور:
1- قال (1/104): حدَّثنا إِبراهيمُ بنُ
حمزةَ، قالَ: حدَّثنا موسى بنُ شَيبةَ- مِنْ وَلد كعبِ بنِ مالكٍ- عَنْ عَبْدِاللَّهِ
بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِاللَّهِ بنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ: "أَنَّ
مَرْوَانَ بنَ الْحَكَمِ أَرْسَلَ إِلَى أَبِي قَتَادَةَ وَهُوَ عَلَى
الْمَدِينَة: أَنْ اُغْدُ مَعِي حَتَّى تُرِينِي مَوَاقِف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه، فَانْطَلَقَ مَعَ مَرْوَانَ حَتَّى قَضَى حَاجَته".
وَمَرْوَانُ إِنَّمَا وَلِيَ المَدِينَة
فِي أَيَّام مُعَاوِيَةَ ثُمَّ نُزِعَ عَنْهَا سَنَة ثَمَان وَأَرْبَعِينَ،
وَاسْتُعْمِلَ عَلَيْهَا سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ، ثُمَّ نُزِعَ سَعِيدُ بنُ العَاصِ
سَنَة أَرْبَع وَخَمْسِينَ وَأُمِّرَ عَلَيْهَا مَرْوَانُ. [معرفة السنن والآثار:
2/432].
2- وقال: حدَّثني أَحمدُ بنُ أبي بكرٍ، عن
موسى بن شيبةَ بنِ عمرو بن عبدِالله ابن كعبِ بن مالكٍ، عن أُمّهِ، عن جدته
خَالدةَ بنتِ عبدِاللهِ بنِ أُنَيْسٍ: "أَنَّ أَباها ماتَ بعد أَبي قتادةَ
بنصفِ شَهرٍ".
وقال في «التاريخ الكبير» (5/15): قال
إِبراهيمُ بن حمزة: حدَّثني مُوسى بنُ شَيبةَ، عن أُمِّ سلمةَ بنتِ معقل، عن جدتها
خالدة بنت عبدالله بن أُنيس قالت: "جَاءت أُمُّ البَنين ابنة أَبي قتادة بعد
موت أَبيها بنصف شهر إلى عبدِالله بن أُنيس - وهو مريض- فقالت: يا عمّ، أَقرأ أَبي
مني السَّلام. فما ردَّ عليها في ذلك شيئاً أو قال نعم".
قلت: والمعروف أنَّ عبدالله بن أُنيس
الجهني أبا يحيى المدنيّ مات بالشَّام في خلافة معاوية سنة أَربع وخمسين.
[الإصابة: 4/16].
ومما يؤيد أيضاً أن وفاة أبي قتادة كانت
بعد وفاة عليّ رضي الله عنه بمدة طويلة:
1- ما رواه عبدالرَّزاق في «مصنفه»
(11/61) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيل بنِ أبي
طالبٍ: "أَنَّ مُعَاوِيَةَ بنَ أَبِي سُفْيَانَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَة لَقيه
أبو قتادةَ الأَنصاريّ، فقال: تلقَّاني النَّاس كلّهم غيركم يا مَعشر الأَنصار،
فما منعكم أَن تلقوني؟ قال: لَمْ تكن لنا دوَّاب. قال معاوية: فأَينَ النَّواضح؟
قال أَبو قتادة: عَقرْنَاها في طَلبِكَ وطلب أَبيك يوم بدر. قال: ثُمَّ قال أبو
قتادة: إِنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم قال لنا: إِنا لنرى بعده أَثرة. قال
معاوية: فَما أَمركم؟ قال: أَمَرنا أَن نَصبرَ حتى نَلقاه. قال: فاصبروا حتى
تلقوه.
قال: فقالَ عبدُالرحمن بن حسَّان حينَ
بَلغهُ ذلك:
أَلا أَبلغ مُعاوية بن حرب
أَمير المؤمنين لنا كلام
فإِنا صابرون ومنظروكم
إلى يوم التغابن والخصام.
قلت: وهذا إسنادٌ حسنٌ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ
مُعَاوِيَةَ إِنَّمَا قَدِمَ المدينةَ حَاجّاً قَدْمَته الأُولَى فِي خِلَافَته
سَنَة أَرْبَع وَأَرْبَعِينَ.
2- قال ابنُ عساكرٍ في «تاريخ دمشق»
(67/152): قالَ الشعبيُّ: دَخل أبو قتادة بن ربعي على معاويةَ، وعنده عبدالله بن
مسعدة بن حكمة بن مالك بن حذيفة بن بدر الفزاري، فجلسَ فوقع رداء أَبي قتادة على
ظهر عبدالله، فنفضه نفضاً شديداً، فقال أبو قتادة: مَنْ هذا يا أمير المؤمنين؟
قال: بَخ هذا عبدالله بن مسعدة بن حكمة. قال: نعم، أنا والله دفعت بحصين أبي هذا
في بطنه يوم أَغار على سرح المدينة.
كذا ذكره ابن عساكر في تاريخه دون إسناد.
وقال ابن حجر في «الإصابة» (4/232): "وقال ابن الكلبي: حدثنا عبدالله بن
الأجلح عن أبيه عن الشعبي..." فساقه. وابن الكلبي متّهم في الحديث، ولكنه
إخباريّ مشهور.
3- قال أَبو زُرعة الدمشقيّ: "قَدِم
علينا دمشق من الأَنصار في إِمرة معاوية: أبو أيوب، وأبو قتادة الحارث بن ربعي".
4- قَالَ النَّسَائِيُّ فِي «سُنَنه
الكبرى» (1/641) (2105): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا
عَبْدُالرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا اِبْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْت نَافِعاً يَزْعُم:
"أَنَّ اِبْنَ عُمَرَ صَلَّى عَلَى تِسع جَنَائِز جَمِيعاً، فَجَعَلَ
الرِّجَال يَلُونَ الْإِمَام، وَالنِّسَاء يَلِينَ الْقِبْلَة، فَصَفّهنَّ صَفّاً
وَاحِداً، وَوُضِعَتْ جِنَازَة أُمِّ كُلْثُومَ اِبْنَةِ عَلَيّ، اِمْرَأَهُ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنٍ لَهَا يُقَال لَهُ زَيْدٌ وُضِعَا جَمِيعاً،
وَالْإِمَام يَوْمَئِذٍ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ. وَفِي النَّاس: اِبْنُ عَبَّاسٍ
وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ وَأَبُو قَتَادَةَ، فَوضِعَ الْغُلَام مِمَّا
يَلِي الْإِمَام، فَقَالَ رَجُل فَأَنْكَرْت ذَلِكَ، فَنَظَرْت إِلَى اِبْنِ
عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي قَتَادَةَ، فَقُلْت: مَا هَذَا؟
قَالُوا: هِيَ السُّنَّة".
قال البيهقي: "وفي هذا الحديث الصحيح
شَهَادَة نَافِعٍ بِشُهُودِ أَبِي قَتَادَةَ هَذِهِ الجِنَازَة، التي صلّى عليها
سَعِيدُ بنُ العَاصِ في إمارته على المدينة. وفي كلّ ذلك دلالة على خطأ رواية موسى
بن عبدالله، ومن تابعه في موت أبي قتادة في خلافة عليّ". [معرفة السنن
والآثار: 2/432].
وكَانَتْ إِمْرَة سعيد بن العاص على
المدينة فِي خِلافَة مُعَاوِيَةَ سَنَة ثَمَان وَأَرْبَعِينَ إِلَى سَنَة أَرْبَع
وَخَمْسِينَ، عزله معاوية وأمَّر عليها مروان بن الحكم، كَمَا هو متفقٌ عليه عند
أهل النَّقل.
5- ما رواه عَبْدُالحَمِيدِ بنُ جَعْفَرٍ،
قالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَمرو بنِ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
حُمَيْدٍ السَّاعِدِيَّ فِي عَشْرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحدُهُمْ أَبُو قَتَادَةَ بن رِبعي، قَالَ أَبُو
حُمَيْدٍ: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالُوا فَلِمَ فَوَاللَّهِ مَا كُنْتَ بِأَكْثَرِنَا لَهُ تَبَعًا وَلَا
أَقْدَمِنَا لَهُ صُحْبَةً قَالَ بَلَى قَالُوا فَاعْرِضْ قَالَ كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ يَرْفَعُ
يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ يُكَبِّرُ حَتَّى يَقِرَّ
كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا ثُمَّ... الحديث بطوله.
رواهُ الإمام أحمد في «مسنده» (5/424) عن
يحيى بن سعيد. وابن الجارود (كما في المنتقى) (ص57) عن محمد بن يحيى عن أبي عاصم
الضحاك ابن مخلد. والترمذي في «الجامع» (2/105) عن محمد بن بشار ومحمد بن المثنى
عن يحيى بن سعيد القطان. وأبو داود في «السنن» باب افتتاح الصلاة، (1/194) رقم
(730) عن أحمد بن حنبل عن أبي عاصم، وعن مسدد عن يحيى. وفي باب من ذكر التورك في
الرابعة (1/252) رقم (963) عن أحمد عن أبي عاصم. وابن ماجة في «سننه» باب رفع
اليدين إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع، (1/280) رقم (862) عن محمد بن بشار عن
يحيى بن سعيد. وابن خزيمة في «صحيحه» (1/298) رقم (588) عن بندار ومحمد بن يحيى
وأحمد بن سعيد الدارمي عن أبي عاصم. وابن حبان في «صحيحه» (5/178) رقم (1865) عن
إبراهيم بن علي الهزاري عن عمرو بن علي الفلاس عن يحيى بن سعيد القطان. وفي
(5/195) رقم (1876) عن محمد بن إسحاق بن إبراهيم عن محمد بن يحيى الأزدي عن أبي
عاصم. كلاهما (أبو عاصم الضحاك ويحيى القطان عن عبدالحميد بن جعفر، به.
قال الترمذي: "هذا حديثٌ حسنٌ
صحيحٌ". وهو عند البخاري في «صحيحه»، باب سنة الجلوس في التشهد، (1/284) رقم
(794) عن يحيى بن بكير عن الليث عن خالد بن سعيد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد
بن عمرو بن عطاء أنه كان جالساً مع نفرٍ من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم،
فذكرنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو حميد الساعدي: أنا أحفظكم...
فذكره. ولم يذكر أسماء أحد من هؤلاء النفر. وانظر الكلام على هذا الحديث مفصلاً
عند البيهقي في «معرفة السنن والآثار» (2/433-434).
·
استخدام
علم الطبقات في ترجيح الوفيات.
6- من خلال النّظر في طبقة تلاميذ أبي
قتادة وجدت أنهم كلّهم مدنيون، وهذا يدلّ على أنه توفي بالمدينة. ومن هؤلاء:
عبدالله بن أبي قتادة المدني (ت95هـ) في خلافة الوليد بن عبدالملك، وعطاء بن يسار
مولى ميمونة أم المؤمنين، المدني (ت94هـ)، ومَعبد بن كعب بن مالك السلميّ الأنصاري
المدني (توفي سنة بضع وتسعين)، وأبو سلمة بن عبدالرحمن بن عوف المدني (ت94هـ).
وروايات هؤلاء في الصحيحين وغيرهما.
ثُمّ وجدت أن وفياتهم سنة بضع وتسعين،
وهذه طبقة تلاميذ جابر بن عبدالله الأنصاري (78هـ)، وعبدالله بن عمر (74هـ)، وابن
عباس (68هـ)، وأبو هريرة (57هـ)، فدلّ على أنّ هؤلاء التلاميذ لم يدركوا طبقة عليّ
رضي الله عنه. وهذا يدلّ على تأخر وفاة أبي قتادة.
قَالَ البيهقي في «معرفة السنن والآثار»
(2/431): "وَالَّذِي يَدُلّ عَلَى هَذَا أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بنَ عَبْدِالرَّحْمَنِ
وَعَبْدَاللَّهِ بنَ أَبِي قَتَادَةَ وَعَمْرَو بنَ سُلَيْمٍ الزُّرْقِيَّ
وَعَبْدَاللَّهِ بْنَ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيَّ رَوَوْا عَنْ أَبِي قَتَادَةَ،
وَإِنَّمَا حَمَلُوا العِلْم بَعْد أَيَّام عَلِيٍّ فَلَمْ يَثْبُت لَهُمْ عَنْ
أَحَد مِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي أَيَّام عَلِيٍّ سَمَاع".
قلت: وعطاء بن يسار لم يدرك أبا الدرداء
(ت32هـ)، وهذا يدلّ على أنه لم يُدرك أبا قتادة لو كانت وفاته سنة (38هـ).
وأيضاً أبو سلمة بن عبدالرحمن بن عوف
(22-94هـ) روى عن أبي قتادة، وروى عن عطاء بن يسار الهلالي، وعطاء يروي أيضاً عن
أبي قتادة، وهذا يدلُّ على تأخر وفاة أبي قتادة؛ لأنه لو فرضنا أنه توفي سنة
(38هـ) فيكون عمره آنذاك (16) سنة، وهذا السنّ ليس سنّ سماع.
والخلاصة أن الراجح في وفاة أبي قتادة
الأنصاري سنة (54هـ)، وهذا يدلّ على أن عبدالله بن معبد الزّماني قد عاصره، ومن
هنا أخرج الإمام مسلمٌ حديثه في صيام عرفه وصححه، وتبعه على ذلك آخرون.
وكذلك كلام الإمام البخاريّ الذي يرى
معاصرتهما في نفيه أن يكون عبدالله سمع من أبي قتادة.
·
إلزام
مسلم في مسألة المعاصرة!
ويُنتقد على مسلم هذا التصحيح بكلامه هو
نفسه - رحمه الله- لما تكلّم في حديث: «لعن الله زوّارات القبور»!
قال ابن رجب في «فتح الباري» (2/403):
"وقال مسلم في «كتاب التفصيل»: هذا الحديث ليس بثابت، وأبو صالح باذام قد اتّقى
الناس حديثه، ولا يثبت له سماع من ابن عباس".
قلت: نفى مسلم السماع مع تحقق المعاصرة،
بل واللقاء؛ لأن أبا صالح كان مولى لأم هانئ أخت عليّ بن أبي طالب، وهي بنت عمّ
عبدالله بن عبّاس! وهو يعيش عندهم في بيتهم، فيلزم الإمام مسلم تصحيحه هذا الحديث
بالمعاصرة مع عدم ثبوت السماع!!
·
المبحث الرابع:
مُتابعة لعبد الله بن مَعبد الزمانيّ عن أبي قَتادة.
بعض من صحح هذا الحديث قال بأَن له متابعة
من حديث إياس بن حرملة عن أبي قتادة، وقد سبق قول الشيخ الألباني: "إنه إسناد
جيد في المتابعات".
وقال عنه فوزي البحريني في «جزئه حول حديث
عرفة» (ص34): "وقد رُوي حديث أبي قتادة هذا من طريق آخر منكر فيه
اضطراب شديد جعل الحافظ الدراقطني بعد أن ذكر الاختلاف فيه يقول: (هو
مضطرب ولا أحكم فيه بشيء). ومع ذلك فإن هذه الطرق تدور على حرملة بن أبي إياس - وقيل
إِياس بن حَرملة - الذي يرويه عن أبي قتادة، وقد قال الحافظ البخاري رحمه الله في
حرملة هذا (لا يُعرف له سماع من أبي قتادة). فالحديث كذلك فيه اضطراب في الإسناد
ذكره الحافظ الدارقطني رحمه الله وغيره من الحفاظ".
قلت: لكن رجّح الدارقطني بعض أسانيد هذا
الحديث، فلا يجوز إهمال ذلك أيضاً. ولنخرِّج الحديث أولاً، ثُم نتكلّم عليه.
قال النسائي في «السنن الكبرى» (2/150):
"صوم يوم عرفة والفضل في ذلك، وذكر اختلاف الناقلين لخبر أبي قتادة فيه".
ثم قال: أَنبأنا عُبيدالله بن سعيد، قال:
حدَّثنا يحيى، عن سفيان، قال: حدَّثني منصور، عن مجاهد، عن إِياس بن حرملة، عن
أَبي قتادة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «صوم عاشوراء يكفر السنة الماضية،
وصوم عرفة يكفر السنتين الماضية والمستقبلة».
قال: أَنبأَنا محمود بن غيلان، قال:
حدَّثنا عبدالرزاق قال: حدَّثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن حرملة بن إياس،
عن أبي قتادة: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بنحوه.
قال: أَنبأنا عيسى بن محمد الرملي أَبو
عُمير قال: حدَّثنا الفِريابي، عن سفيان، عن منصور، عن أبي الخليل، عن حرملة بن
إياس، عن أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
قال: أَخبرنا محمود بن غَيلان، قال:
حدَّثنا أبو داود، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن أبي الخليل، عن حرملة، عن
مولى لأَبي قتادة قال.
وحدَّثنا معاوية، عن الثوري، عن منصور،
عن أبي الخليل، عن حرملة بن إياس، عن مولى لأَبي قتادة، عن أبي قتادة، عن
النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
قال: أَنبأنا موسى بن عبدالرحمن المسروقي
الكوفي، قال: حدّثنا حسين بن علي الجُعفي، عن زائدة، عن منصور، عن أبي الخليل،
عن إياس بن حرملة السدوسي، عن أبي قتادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: «صوم يوم عرفة كفارة سنتين سنة قبله وسنة بعده، وصوم يوم عاشوراء كفارة سنة».
قال: أَنبأنا القاسم بن زكريا قال:
حدَّثنا إسحاق بن منصور، عن شَريك، عن منصور، قال: ذهبت أَنا ومجاهد إلى أَبي
الخليل فذكر: عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صيام عرفة كفارة
سنة قبله وسنة بعده».
قال: أَخبرنا محمد بن الصيفي قال: حدَّثنا
معاوية بن حفص، عن الحكم بن هشام، عن قتادة، عن أَبي الخليل، عن عبدالله بن
أَبي قتادة، عن أَبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوم عرفة كفارة
سنتين سنة ماضية وسنة مستقبلة، وصوم عاشوراء كفارة سنة».
قال: أَنبأَنا محمد بن عبدالله بن يزيد
المقرئ، قال: أَنبأَنا سفيان، عن داود، عن أبي قزعة، عن أبي الخليل، عن أبي
حرملة، عن أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صوم يوم عاشوراء يكفر
السنة، وصوم يوم عرفة يكفر السنة والتي تليها».
قال: أَنبأنا مسعود بن جويرية الموصلي
والحسين بن عيسى وهارون بن عبدالله قالوا: أنبأنا سفيان، عن داود بن شابور، عن
أبي قزعة، عن أبي الخليل، عن أبي حرملة، عن أبي قتادة نحوه. قال هارون في
حديثه سمعناه من داود.
قال: أَخبرني محمد بن عبيدالله، قال:
حدَّثني الحسن بن بشر - ليس بالقوي- قال: حدثنا زهير، عن أبي الزبير، عن أبي
الخليل، عن أبي حرملة، عن أبي قتادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوم
عاشوراء كفارة سنة، وصوم عرفة كفارة سنتين ماضية ومستقبلة».
قال: أَنبأنا محمد بن عبدالله بن يزيد، عن
أَبيه قال: حدثنا هشام، عن قتادة قال: حدَّثني أبو الخليل، عن حرملة بن إياس،
عن أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يعدل صوم يوم عرفة سنتين، وصوم
عاشوراء يعدل سنة».
قال: أَنبأنا من قبلكم: حدّثني صالح
أبو الخليل، عن حرملة بن إياس، عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم نحوه.
قال: أَنبأنا حَاجب بن سليمان المنبجي، عن
وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن أبي الخليل، عن أَبي قتادة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «صوم عاشوراء كفارة سنة، وصوم عرفة كفارة سنتين ماضية
ومستقبلة».
قال: أَنبأَنا عبدالرحمن بن محمد بن سلام،
قال: حدَّثنا محمد بن ربيعة، عن ابن أَبي ليلى، عن عطاء، عن أبي الخليل، عن أبي
قتادة نحوه.
قال: أَخبرني إبراهيم بن الحسن المصيصي
قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عطاء، عن أبي الخليل، عن أبي قتادة
قوله.
قال: أَنبأ هلال بن العلاء بن هلال قال:
حدّثنا أَبي، قال: حدثنا عُبيدالله، عن عبدالكريم، عن عطاء، عن كعب نحوه.
قال: أَنبأ أَحمد بن إبراهيم بن محمد قال:
حدّثنا أَبو النَّضر، قال: حدَّثنا صدقة، قال: حدَّثني عثمان بن الأسود، عن عطاء
ومجاهد قالا: "كنا لا نصوم يوم عرفة حتى قَدِم علينا عبدالكريم بن أبي
المخارق، فأخبرنا أن صومه كفارة للسنة الماضية وأجر للسنة المستقبلة". قال
عثمان: "فلقيتُ عبدالكريم، فَلَقِيَني بمثل ذلك".
ورواهُ ابن سعدٍ في «الطبقات الكبرى»
(7/277) عن العباس بن الفضل الأزرق قال: حدثنا همام بن يحيى، عن قتادة، عن صالح
بن أبي الخليل، عن حرملة بن إياس، عن أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال: «صوم عرفة يعدل سنتين، وصوم عاشوراء يعدل سنة».
قال ابن حجر في «المطالب العالية»
(6/160): "وقال أبو يعلى: حدثنا عبدالأعلى: حدثنا حماد عن قتادة عن أبي
الخليل عن إياس بن حرملة عن أبي قتادة قال: إن أعرابياً سأل النبي عن صوم يوم عرفة
ويوم عاشوراء، فقال: «يوم عاشوراء يكفر العام الذي قبله والذي بعده، وصوم عرفة
يكفر العام الذي قبله». قلت: هذا إسناده مقلوب ومتن مقلوب، أما الإسناد فالصواب:
حرملة بن إياس، هكذا أخرجه أحمد وغيره، وأما المتن فالصواب أن يوم عرفة هو الذي
يكفر السنتين وعاشوراء يكفر سنة، كذا أخرجه مسلم وغيره من وجه آخر عن أبي قتادة
رضي الله عنه".
فهذه بعض وجوه الاختلاف في هذا الحديث.
وقد سُئِلَ الدّارقطنيّ عنه في «العلل»
(6/148) سؤال رقم (1037)؟ فقال: "يرويه عطاء بن أَبي رباح ومجاهد ومنصور
ابن المعتمر، واختلف عنهم:
فأَما عطاء، فرواه
عنه: همام بن يحيى، واختلف عنه أيضاً، فقال أبو الوليد وعبدالله بن رجاء ومسلم بن
إبراهيم: عن همام: سمعت عطاء يُحدِّث عن أبي الخليل، عن حرملة بن إياس الشيباني،
عن أبي قتادة.
وقال يزيد بن هارون: عن همام فيه عن إياس
بن حرملة قَلَبَهُ عن أبي قتادة.
ورواهُ ابن جريح، عن عطاء، عن أبي الخليل،
عن أبي قتادة، ولم يذكر بينهما حرملة. وكذلك قال ابن أبي ليلى: عن عطاء.
ورواهُ عبدالله بن مسلم بن هرمز، عن عطاء
ومجاهد، عن مولى لأَبي قتادة، عن أبي قتادة، ولم يذكر أبا الخليل ولا حرملة،
وعبدالله بن مسلم ليس بالقوي.
ورواهُ الثوري عن ليث، واختلف عنه: فقال
الأشجعي، عن الثوري، عن ليث، عن عطاء، عن أبي الخليل، عن أبي قتادة.
وخالفه عليّ بن الجعد عن الثوري فقال: عن
ليث، عن مجاهد، عن أبي الخليل، عن أبي قتادة. وكذلك قال يزيد بن إبراهيم التستري
وأبو بكر بن عياش: عن ليث عن مجاهد.
ورواهُ الحسن بن مسلم بن يناق، عن مجاهد،
عن مولى لأبي قتادة، عن أبي قتادة.
ورواهُ منصور بن المعتمر واختلف
عنه: فقال يحيى بن سعيد القطان وعبدالرزاق: عن الثوري، عن منصور، عن حرملة بن
إياس، عن أبي قتادة.
وقال يحيى بن آدم: عن سفيان، عن منصور، عن
مجاهد، عن أبي الخليل، عن أبي قتادة.
وقال ابن المبارك: عن الثوري، عن منصور:
حدثني أبو الخليل، عن حرملة بن إياس الشيباني، عن أبي قتادة أو مولى لأبي قتادة،
عن أبي قتادة. وكذلك قال الفريابي عن الثوري ولم يذكر الشك.
وقال عليّ بن الجعد: عن الثوري، عن منصور،
عن مجاهد، عن أبي قتادة.
ورواهُ زائدة: عن منصور، عن أبي الخليل،
عن حرملة بن إياس، عن مولى لأبي قتادة، عن أبي قتادة -أو عن أبي قتادة. وتابعه
فضيل بن عياض وأبو حفص الأبّار وأبو عوانة وعبيدة بن حميد.
ورواهُ جرير: عن منصور، عن أبي الخليل أو
عن مجاهد، عن أبي الخليل، عن حرملة بن إياس، عن أبي قتادة أو عن مولى لأبي قتادة،
عن أبي قتادة. والشك فيه من جرير.
وقال ورقاء: عن منصور، عن أبي الخليل، عن
حرملة بن إياس، عن أبي قتادة.
وقال الجراح بن مليح: عن منصور، عن أبي
الخليل، عن إياس بن حرملة أو حرملة بن إياس، عن أبي قتادة".
قال الدّارقطني:"هو مضطرب! لا أحكم
فيه بشيء".
قال: "وروى هذا الحديث سفيان بن
عيينة عن داود بن شابور، عن أبي قزعة، عن أبي الخليل، عن أبي حرملة، عن أبي قتادة.
وهو المحفوظ عن ابن عيينة. قال ذلك عنه: الحميدي وسعيد بن منصور ونصر بن علي وأبو
الأحوص وعبدالله بن أيوب المخرمي وغيرهم من أصحاب ابن عيينة الحفّاظ عنه.
ورواهُ إبراهيم بن بشار عن ابن عيينة،
فخلط فيه وقدَّم وأَخَّر، وأظن الوهم فيه من إبراهيم أو ممن رواه عنه.
وأَحسَنُها إسناداً قولُ من قال: عن
أبي الخليل، عن حرملة بن إياس، عن أبي قتادة.
ورواهُ مسلم بن مسلم العجلي عن مجاهد، عن
أبي حرملة، عن أبي قتادة.
ورُويَ عن زيد... مجاهد عن أبي قتادة
مرسلاً. وقيل: عن حماد بن زيد عن سليمان التيمي، عن عطاء، عن أبي الخليل، عن أبي
قتادة. ولا يثبت هذا.
وقيل: عن قيس بن الربيع، عن ابن أبي ليلى،
عن عطاء، عن أبي الطفيل، عن أبي قتادة. وهذا وهم ممن رواه عن قيس بن الربيع، وإنما
هو: عن أبي الخليل.
ورواهُ أبان بن أبي عياش عن أبي الخليل،
عن إياس بن حرملة، عن أبي قتادة. وإنما هو حرملة بن إياس.
ورُويَ عن ابن لهيعة عن أبي الزبير، عن
أبي قتادة مرسلاً.
وقال حماد بن شعيب عن أبي الزبير، عن أبي
الخليل، عن حرملة، عن أبي قتادة. وهو أصح من قول ابن لهيعة".
وقال البخاري في «التاريخ الأوسط» (1/266)
في «فصل من مات من مائة إلى عشر ومائة»: "حدّثنا محمد بن كثير، عن همام، عن
عطاء، عن أبي الخليل، عن حرملة بن أبي إياس، عن أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه
وسلم في صوم عاشوراء.
وقال بعضهم: حرملة بن إياس الشيباني.
وقال بعضهم: عن مولى أبي قتادة.
وقال بعضهم: أبو حرملة، ولا يُعرف له سماع
من أبي قتادة.
ورواهُ عبدالله بن معبد الزماني عن أبي
قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صوم عاشوراء. ولم يذكر سماعاً من أبي قتادة".
·
ترجمة
العلماء لحرملة بن إياس.
وقال في «التاريخ الكبير» (3/67):
"حرملة بن إياس الشيباني عن أبي قتادة، وعن مولى أبي قتادة، عن النبي صلى
الله عليه وسلم في الصوم، قاله ابن جريج عن منصور عن أبي الخليل البصري. وقال صدقة
عن يحيى عن سفيان، وروى عبدالرزاق عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن حرملة بن إياس
الشيباني عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال قبيصة عن سفيان عن منصور
عن حرملة عن أبي الخليل عن مولى لأبي قتادة، وهذا وهم. وقال قبيصة عن سفيان عن ليث
عن عطاء عن أبي الخليل عن أبي قتادة. وقال محمد بن كثير عن همام: حدثنا عطاء: قال
أبو الخليل عن حرملة بن إياس عن أبي قتادة. وقال عليّ وعبدالله بن محمد عن ابن
عيينة عن داود بن شابور عن أبي قزعة عن أبي الخليل عن حرملة عن أبي قتادة، وزاد
عبدالله عن أبي حرملة مولى أبي قتادة، ولم يصح إسناده. وروى غيلان بن جرير عن
عبدالله بن معبد الزماني عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف سماع
عبدالله بن معبد من أبي قتادة".
وقال ابن عبدالبر في «التمهيد» (21/162):
"وهذا الحديث اختلف في إسناده اختلافاً يطول ذكره، وأبو الخليل وأبو حرملة لا
يُحتج بهما، وطائفة تقول: أبو حرملة، وطائفة تقول: حرملة بن إياس الشيباني، ولكنه
صحيح عن أبي قتادة من وجوه...".
قلت: أبو الخليل هو: صالح بن أبي مريم
الضبعي البصري، وهو ثقة، خرّج له البخاري ومسلم.
وقد ذكر الذهبي في «الميزان» (2/215) أن
البخاري ذكر حرملة هذا في الضعفاء.
قال: "حرملة بن إياس الشيباني عن أبي
قتادة أو عن مولى أبي قتادة مرفوعاً في الصوم. ذكره البخاري في كتاب الضعفاء،
فقال: اختلفوا في إسناده ولم يصح إسناده، وقد رواه ابن عيينة عن داود بن شابور
فقال: عن أبي قزعة عن أبي خليل عن أبي حرملة عن أبي قتادة. وقال محمد بن جبير: عن
هشام عن عطاء قال: قال أبو الخليل عن حرملة بن إياس عن أبي قتادة، ورواه منصور عن
مجاهد عن حرملة عن أبي قتادة".
وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل»
(3/273): "حرملة بن إياس الشيباني، روى عن أبي قتادة، وروى بعضهم فقال: حرملة
بن إياس عن مولى لأبي قتادة عن أبي قتادة، روى عنه أبو الخليل. سمعت أبي يقول ذلك".
وقال ابن حبّان في «الثقات» (4/173):
"حرملة بن إياس الشيباني، يروي عن أبي قتادة، روى عنه مجاهد، وقد قيل: إياس
بن حرملة".
وقال ابن حجر في «التقريب» (ص155):
"حرملة بن إياس، ويقال: إياس بن حرملة، ويقال: أبو حرملة، والأول أشهر.
مقبول. مِن الرابعة. س".
وقال (ص632): "أبو حرملة الشيباني،
اسمه إياس بن حرملة، وقيل: حرملة بن إياس. مجهول. من الثالثة. س".
وكأنه تبع الذهبي في ذلك، فإنه قال في «الكاشف»
(2/418): "أبو حرملة الشيباني، وقيل: حرملة بن إياس عن أبي قتادة، وعنه صالح
أبو الخليل. مجهول".
قلت: هكذا اختلفوا في اسمه تبعاً للاختلاف
في الأسانيد التي ذُكر فيها في هذا الحديث!
فقيل: حرملة بن إياس، وقيل: إياس بن
حرملة، وقيل: أبو حرملة الشيباني. ولأن البخاري ذكره في فصل من مات من مائة إلى
عشر ومائة في التاريخ الأوسط، ففي سماعه منه نظر، ولهذا استبعده رحمه الله. وهو
بصريّ مستور الحال، وأخطأ ابن عبدالبر بالكلام فيه، وحفيده السري بن يحيى إياس بن
حرملة بن إياس الشيباني بصريّ ثقة.
ولمّا نظرت في اختلاف أسانيد هذا الحديث
تبيّن لي:
1- أن الراجح في اسمه: حرملة بن إياس.
2- أن الصواب في إسناده: عن أبي الخليل
عن حرملة بن إياس عن أبي قتادة، وهذا الذي مالَ إليه الدارقطني. فكلّ الأسانيد
التي اختلف فيها على منصور وعطاء جزءٌ مشترك وهو هذا الإسناد. ويؤيده إسناد سفيان
ابن عُيينة الذي رواه عنه الحفاظ: عن داود بن شابور عن أبي قزعة عن أبي الخليل عن
أبي حرملة عن أبي قتادة، ولم يضبط ابن عيينة اسم حرملة فقال: "عن أبي
حرملة"، وهذا لا يضر الحديث؛ لأن غيره ضبطه، ونسبوهُ أيضاً. وقد روى الحميدي
هذا الحديث بهذا الإسناد في مسنده؛ لأنه يراه مقبولاً، ومسنده مسندٌ نظيفُ
الأسانيد في غالبه.
3- أن الأسانيد التي ذُكر فيها: "عن
مولى لأبي قتادة" كلّها حصل فيها أوهام، وقد بيّن ذلك الدارقطني أثناء كلامه،
والأسانيد الأخرى بيّن عللها كذلك.
·
متى
يُحكم على الحديث بالاضطراب؟!
ومن هنا أقول: إن هذا الحديث ليس بمضطرب؛
لأن الأئمة يحكمون على الحديث بالاضطراب إذا لم يستطيعوا أن يستخرجوا من اختلاف
أسانيد الحديث الطريق الصواب، كأن تتساوى كلّ طرقه.
أما من يستطيع استخراج الطريق الصواب من
بين الأسانيد المختلف فيها، فحينها لا نسمي هذا اضطراباً.
ومن ذلك أن الترمذي روى في «جامعه» من
طريق أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بن مسعود، قَالَ:
خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ، فَقَالَ: «الْتَمِسْ
لِي ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ فَأَخَذَ
الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ إِنَّهَا رِكْسٌ».
ثُم ساق الاختلاف في أسانيده، ثُمّ قال:
"وَهَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اضْطِرَابٌ"، ثُمّ قال: "وَسَأَلْتُ
مُحَمَّداً عَنْ هَذَا فَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَكَأَنَّهُ رَأَى حَدِيثَ
زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَبْدِاللَّهِ أَشْبَهَ وَوَضَعَهُ فِي كِتَابِ الجَامِعِ".
قلت: فالبخاريّ استطاع أن يستخرج الرواية
الصحيحة ورجّحها، وأخرجها في صحيحه، ودفع عنها الاضطراب.
قال الحافظ ابن حجر في «مقدمة الفتح»:
"الِاخْتِلَافَ عَلَى الحُفَّاظِ فِي الْحَدِيثِ لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ
مُضْطَرِبًا إِلَّا بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا اِسْتِوَاءُ وُجُوهِ الِاخْتِلَافِ
فَمَتَى رَجَحَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ قُدِّمَ، وَلَا يُعَلُّ الصَّحِيحُ بِالمَرْجُوحِ،
وَثَانِيهِمَا مَعَ الِاسْتِوَاءِ أَنْ يَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ عَلَى قَوَاعِدِ
الْمُحَدِّثِينَ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ ذَلِكَ الْحَافِظَ لَمْ
يَضْبِطْ ذَلِكَ الْحَدِيثَ بِعَيْنِهِ، فَحِينَئِذٍ يُحْكَمُ عَلَى تِلْكَ
الرِّوَايَةِ وَحْدَهَا بِالِاضْطِرَابِ، وَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْحُكْمِ بِصِحَّةِ
ذَلِكَ الْحَدِيثِ لِذَلِكَ".
وفي حديث حرملة هذا استطعنا أن نتبيّن
الإسناد الصواب، وننفي عنه الاضطراب.
فحرملة بن إياس الشيباني قد تابع عبدالله
بن معبد الزماني في رواية هذا الحديث عن أبي قتادة. وحرملة والزماني كلاهما بصريّ.
وحُكْمُ البخاري عليه بأن حرملة لا يعرف
له سماع من أبي قتادة هو كإسناد الحديث الأول: لا يعرف لعبدالله بن معبد الزماني
سماعاً من أبي قتادة.
وكلامه - رحمه الله- متجه؛ لأن أبا قتادة
مدنيّ، فكيف يتفرد بهذا الحديث عنه راويان بصريان! ولا يوجد عند أصحابه المدنيين.
فابنه عبدالله بن أبي قتادة من المُكثرين عن أبيه، وأخرج له البخاري ومسلم أحاديث
كثيرة عن أبيه، ولا يوجد عنده حديث صوم عرفة!
وكذلك عطاء بن يسار، وعمرو بن سُليم
الزّرقي، وأبو سعيد الخدري الصحابي، وأبو سلمة بن عبدالرحمن، لا يوجد عندهم هذا
الحديث! فمن أين جاء عبدالله بن معبد الزّماني وحرملة به؟!
·
منهج
البخاري في مسألة السماع عندما يتفرد راو في بلد عن آخر في بلد آخر!
فالبخاريّ رحمه الله نَظَرَ إلى علاقات
الرواية ومواطنها، فهذا مدني وأصحابه كُثُر، وذاك بصريّ، ولا يوجد الحديث إلا
عندهما! فهذا محلّ ارتياب، فقال البخاري هذه المقولة من أجل ذلك.
ومن خلال النظر في تعامل الأئمة في
روايتهم لهذا الحديث، وتصنيفاتهم، وجدتهم أنهم على إجماع أن راويه هو أبو قتادة
الأنصاريّ! ومن هنا جاءت بعض الروايات في حديث حرملة عن مولى لأبي قتادة؛ لأن
مولاه يُعرف بالرواية عنه!
·
النسبة
الخطأ في الأسانيد! وكيف حصل ذلك في حديث أبي قتادة!
ولكني أرى أن هناك خللٌ حصل في نسبة
"أبي قتادة" الوارد في الحديث؛ لأن كلّ الروايات التي خرجتها فيما سبق -
تقريباً- على عدم نسبته بالأنصاريّ.
ثُمّ وجدت كيف نُسب «أبا قتادة» في
الإسناد:
فقد روى الإمامُ أحمد في «مسنده» (5/296) عن
يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا غَيْلاَنُ بنُ
جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ -قَالَ
شُعْبَةُ: قُلْتُ لِغَيْلاَنَ: الْأَنْصَارِيِّ؟ فَقَالَ بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ
- أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
صَوْمِهِ فَغَضِبَ، الحديث.
وفي «مستخرج أبي عوانة» من طريق روح بن
عبادة، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت غيلان بن جرير يحدِّث، عن عبدالله بن معبد
الزماني، عن أبي قتادة. قلت: الأَنصاريّ؟ قال: الأَنصاريّ، أنَّ
رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صومه فغضب، الحديث.
قلت: فالظاهر أن غيلان بن جرير عندما كان
يُحدِّث به عن عبدالله بن معبد لا ينسبه، فاحتاط شعبة لذلك - وهو معروف بتثبته-،
فسأله عن أبي قتادة هذا، من هو؟ فقال له شعبة: الأنصاري - أي هل هذا أبو قتادة:
الأنصاري الصحابي؟ لأنه جاء اسمه بعد ذكر التابعي، والمشهور في الصحابة ممن اسمه
أبو قتادة: الأنصاري - فهزَّ غيلان برأسه، أي نعم هو. ومن هنا جاءت نسبة أَبي
قتادة في هذا الحديث في الروايات عن شعبة، ثُم تصرف أصحاب الأصناف في الروايات كما
تصرف الرواة فنسبوه بناءً على ما سأل شعبة شيخه.
ولكن يبقى السؤال: هل أصاب غيلان في
نسبته؟ أو: لو لم يقل شعبة له: الأنصاري، فماذا كان سيقول؟! ففعل شعبة هذا أشبه ما
يكون بالتلقين، وإن فارقه في عدم تقصّد شعبة لذلك، وإنما خطر في ذهنه الأنصاري
ظناً منه أن أبا قتادة هذا صحابي، وأشهر الصحابة الذين يعرفون بهذه الكنية هو
الأنصاري، فذكره له، فوافقه شيخه غيلان.
وغيلان - وإن كان ثقة- لكن قوله هذا لا
يستقيم مع غرابة الإسناد عن أبي قتادة الأنصاري؛ لأن أبا قتادة مدنيّ، والزمانيّ
بصريّ، وكذلك حرملة بصريّ. وهذا الحديث لا يُعرف إلا في البصرة.
فقد روى الإمام أحمد في «مسنده» (5/307)
(2669) قال: حَدَّثَنَا عَفَّانُ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: سُئِلَ عَطَاءُ بْنُ
أَبِي رَبَاحٍ - وَأَنَا شَاهِدٌ - عَنْ الْفَضْلِ فِي صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ،
فَقَالَ: جَاءَ هَذَا مِنْ قِبَلِكُمْ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ. حَدَّثَنِيهِ
أَبُو الخَلِيلِ عَنْ حَرْمَلَةَ بنِ إِيَاسٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَلِمَةً تُشْبِهُ عَدْلَ
ذَلِكَ قَالَ: «صَوْمُ عَرَفَةَ بِصَوْمِ سَنَتَيْنِ، وَصَوْمُ عَاشُورَاءَ
بِصَوْمِ سَنَةٍ».
وهذا الإسناد موافق للإسناد الذي رجّحناه
فيما سبق.
·
أغلب
الرواة سمعوا الحديث من غيلان وهو شيخٌ كبير!
والملاحظ أن بعض أسانيد الروايات عن غيلان
بن جرير (ت129هـ) نازلة! وأقدم من رواه عنه قتادة (ت118هـ). وغيلان سمع من أنس بن
مالك (ت92هـ)، فرواية قتادة عنه قديمة وتوفي قتادة قبله بسنين، ولم ينسب قتادة:
"أبا قتادة" في روايته.
ورواهُ عنه شعبة (ت161هـ)، وأبان العطار
(ت في حدود الستين ومائة)، ومحمد بن سليم أبو هلال الراسبي (ت167هـ)، وجرير بن
حازم (ت170هـ)، ومهدي بن ميمون (ت172هـ)، وحماد بن زيد (ت179هـ).
والظاهر أن غيلان حدّث هؤلاء بهذا الحديث
في أَواخر حياته، ولهذا كان يشك في بعض الألفاظ كما مرّ بيانه أثناء التخريج،
ومنها: "ذكر الخميس" في بعض الروايات.
روى الرامهرمزي في «المحدّث الفاصل»
(ص236-237)، وابن حبان في «صحيحه» (10/441) من طريق عمر بن يزيد السياري قال: دخلت
على حمّاد بن زيد - وهو شاكٍ- فقلت: حدثني بحديث غيلان بن جرير، فقال: يا بُني،
سألت غيلان بن جرير وهو شيخٌ كبيرٌ، ولكني حدثني أيوب. قلت: حدّثني
به عن أيوب. قال: حدثنا أيوب عن غيلان بن جرير، عن زياد بن رياح القيسي، عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة
فمات فميتة جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها لا يتحاشى من مؤمنها ولا
يفي بذي عهدها فقتلة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية يقاتل لعصبة أو يغضب لعصبة
فقتله قتلة جاهلية»
وفي رواية: "يا بني سمعت غيلان
وهو شيخٌ كبيرٌ".
فالظاهر أن الذين سمعوه منه - غير قتادة -
سمعوه وهو شيخ كبير فلم يضبطه، وعندما سأله شعبة ونسبه له وافقه، والله أعلم
وأحكم.
ومما يدلُّ على أن هؤلاء سمعوه من غيلان
في أواخر عمره: أنّ سؤال شعبة له يدلّ على أنه كان شيخاً له معرفة جيدة في الحديث،
وقد حاولت تتبع رحلات شعبة، ودخوله البصرة، ومتى سمع منه!
فقد دخل شعبة - وهو واسطيّ، ولد ونشأ فيها
-، البصرة عدّة مرات للقاء الحسن البصري وغيره، ويبدو أن سماعه لهذا الحديث من
غيلان في دخلته الأخيرة للبصرة عندما استقر بها وكان شيخاً معروفاً عند أهل العلم
في كثيرٍ من البلاد، فقد روى عفّان، قال: حدّثنا حمّاد بن زيد، قال: قال أيوب: "الآن
يقدم عليكم رجلٌ من أهل واسط، يقال له: شعبة، هو فارسٌ في الحديث، فإذا قدم فخذوا
عنه، قال حمّاد: فلما قَدِم أخذنا عنه".
وحمّاد بن زيد ممن سمع هذا الحديث من
غيلان كما سمعه شعبة، وحماد بن زيد وجرير بن حازم - وهو من أقران شعبة- ممن روى عن
شعبة، وهذا فيه إشارة إلى أنهما سمعا الحديث من غيلان في الفترة التي سمعها منه
شعبة.
وحمّاد بن زيد (98-179هـ) أشار إلى أنه
سمع من غيلان وهو شيخٌ كبير، ولذلك حدّثهم في ذلك بواسطة أيوب السختياني (ت131هـ)،
وأيوب كان من أقران وأصحاب غيلان، ولم يرو حديث عرفة عنه.
قال حماد بن زيد: "جالست أيوب عشرين
سنة".
قلت: فهذا يعني أنه جالس أيوب وهو صغير،
فلمّا تشبّع من علم أيوب، سمع بعض الأحاديث من صاحبه غيلان بن جرير، وهكذا كان
طلبة الحديث يكون في المدينة كثير من المحدّثين، ولكنهم يلازمون أشهرهم وأكثرهم
حديثاً وإتقاناً حتى يأخذوا علمه، ثُم يدورون على المشايخ الآخرين يسمعون منهم بعض
الأحاديث، وبعض الفوائد، وحديث فضل صوم عرفة هذا يُعدّ منها.
·
أخطاء
غيلان في هذا الحديث!
وقول حماد إنه سمع من غيلان وهو شيخٌ كبير
لا يعني أن غيلاناً فيه شيء في الرواية، ولكن كان أهل العلم يفضّلون السماع من
الشيخ قبل أن يكبر ويتقدّم في السنّ؛ لأنه قد ينسى أو يضطرب أو يُخطئ، ولا شك أن
هذا الحديث فيه إشارات إلى أن غيلاناً كان يشك في بعض ألفاظه، ولهذا عندما سأله
شعبة عن أبي قتادة، فقال له: الأنصاري، فوافقه. وهذا من شعبة يدلّ على أنه كان
شيخاً عارفاً بالحديث، وقد سمع من غيلان وهو شيخ، كما سمعه قتادة من قبل وهو شيخ،
وقد روى قتادة وشعبة هذا الحديث؛ لأنه يتعلق بفضل يوم عظيم، ولا يوجد في هذا الباب
إلا هذا الحديث، فلذلك روياه. رواه قتادة في حياة غيلان، وكأنه سُئِل عن صيامه في
بعض مجالسه أو غير ذلك فحدّث به عن غيلان. وكذلك شعبة.
وقد تتبعت رواية قتادة وشعبة عن غيلان،
فلم أجد لقتادة إلا حديثاً آخر بجانب حديث صيام عرفة، وحديثين آخرين لشعبة، وهذا
يعني ويؤكد ما قلته بأنهما سمعا منه وهما شيخان عندهما حديث كثير، وحديث عرفة
مرغوبٌ كونه في الفضائل كما أشرت، ولا يوجد إلا عند البصريين، وهو من الفوائد التي
يسمعها الأقران بعضهم من بعض.
ويؤكد هذا أيضاً أن شعبة روى عن غيلان
بواسطة خالد الحذّاء، وكأنه سمع من الحذاء قبل أن يذهب إلى البصرة ويسمع من غيلان،
وشعبة ومثله من الكبار ينتقون من أمثال هؤلاء الشيوخ فيسمعون أو يسألونهم عن حديث
أو اثنين أو ثلاثة؛ لأنهم ليسوا في مرحلة الطلب، بل يُرحل إليهم في سماع الحديث.
روى ابن أبي الدّنيا في كتاب «الصمت»
(ص201) من طريق محمد بن جعفر. وعبدالله ابن أحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (1/383)
عن أبيه عن محمد بن جعفر. وأبو نُعيم في «الحلية» (2/203) من طريق عبدالرحمن بن
مهدي، كلاهما عن شعبة قال: سمعت خالداً - يعني الحذاء- عن غيلان بن جرير، عن مطرف
قال: «لا تقل إن الله يقول ولكن قل إن الله قال. قال وأحدهم يكذب مرتين، إذا سئل
من هذا؟ قال: لا شيء، ألا شيء ليس بشيء».
ورُبّ سائل يسأل: فإِن كان حماد بن زيد
سمع من غيلان في آخر عمره، فلم خرّج البخاري بعض أحاديثه عن غيلان؟
أقول: روى البخاري عن حماد بن زيد عن
غيلان خمسة أحاديث، كرر اثنين منها، وكلّها لها أصلٌ عند غير غيلان، وهي صحيحةٌ،
فلا مشكلة في غيلان إن شاء الله إلا في شكّه في بعض الألفاظ أَو عدم ضبطها، ولهذا
لا يُعتمد في تصحيح نسبة أبي قتادة بأَنه الأنصاريّ عندما سأله شعبة، أما روايته
في الحديث فمستقيمة إن شاء الله.
والذي أَراهُ أن «أبا قتادة» الذي في هذا
الحديث ليس هو: «أبو قتادة الأنصاريّ»، وإنما هو: «أبو قتادة العدويّ البصريّ»،
وهو تابعيّ كبير.
فإسناد عبدالله بن معبد الزماني البصري
وحرملة بن أبي إياس البصري عن أبي قتادة البصري، فحصل وهم في نسبة أبي قتادة،
فتتابع العلماء قديماً وحديثاً على هذا الخطأ!
·
قرائن
أخرى على أن الحديث مرسل!
وعليه فيكون هذا الحديث مرسل؛ لأن
أبا قتادة البصري تابعيّ، ولغة الحديث تشبه لُغَةُ المراسيل، والمراسيل تأتي
على ما يشتهيه الناس وما يحبونه؛ فجاء في هذا الحديث كلّ أنواع صوم النوافل، وفي
بعضها رتّب أجوراً عليها.
·
لغة
المراسيل.
وأقصد بهذا: كيف هي لغة الحديث سواءا ما
يتعلق بالألفاظ أو طريقة الكلام.
والحديث المرسل لا يكون بالقوة التي يُروى
بها الحديث الصحيح، أو يكون مجموعاً من عدة أحاديث، أو مرويّ بالمعنى أو فهم لبعض
الرواة الذين لا يُعرف عنهم شيء في الحديث، فيسمع بعض أهل العلم ذلك الحديث - وهو
يظن السلامة في راويه- فيرويه عنه في مجلسه أو يحدِّث به غيره، فينتشر الحديث بين
الناس ويشتهر؛ لأن مثل هذا الحديث يشتهيه الناس لما فيه من الأجر العظيم على صيام
عرفة وعاشوراء، فلا يتنبهون إلى أصله.
والمراسيل كانت واسعة الانتشار في عصر
التابعين قبل انتشار الكذب في الحديث، فكان أهل العلم ينشرون ما يسمعون من أجل حثّ
الناس على العمل بما يروونه.
ومما يدلّ على أن هذا الحديث مرسلٌ ما جاء
فيه من جمع صيام النوافل جُلّها في هذا الحديث، وهذا لا يكون إلا في مثل هذه
المراسيل.
·
حديث «أَرْحَم
أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ...» أصله مرسلٌ إلا قطعة منه!
ومن النظائر لهذا الحديث المرسل الذي جمع
كل أنواع صيام النوافل، والذي لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم، بل هذا لا يوجد
إلا في مثل هذه المراسيل حيث تُجمع أحاديث الباب الواحد وما يتعلق به، أو في موضوع
واحد: الحديث المشهور الذي يُروى عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو
بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً
عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالحَلَالِ وَالحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ
جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ
الجَرَّاحِ».
فهذا الحديث يتحدث عن صفات في بعض
الصحابة، وأصل الحديث مرسل إلا ما جاء في وصف أبي عبيدة، فهو صحيح مرفوع عن النبي
صلى الله عليه وسلم، فدخل المرسل في المرفوع فرفعه بعضهم لتشابه الكلام فيه عن
أوصاف الصحابة.
والحديث يُروى عن أبي قلابة واختلف على
أصحابه في وصله وإرساله، فبعضهم رواه بهذا الإسناد مرفوعاً، وبعضهم أرسله عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم، وبعضهم فصّل فيه، وبعضهم روى المرفوع منه فقط كما أخرجه
البخاري في «صحيحه» (5/172) (4382) من حديث شُعْبَة، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي
قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
«لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ
الجَرَّاحِ».
ويُروى أيضاً عن قتادة عن النبي صلى الله
عليه وسلم مرسلاً.
وقد سُئل الدارقطني في «العلل» (12/248) (2676)
عن هذا الحديث؟ فقال: "يرويه خالد الحذاء، وعاصم الأحول واختلف عنهما:
فأما حديث خالد الحذاء، فرواه إسماعيل ابن
علية، عن خالد، عن أبي قلابة مرسلاً.
واختلف عَنِ الثَّوْرِيِّ:
فَرَوَاهُ قَبِيصَةُ، عَنِ الثَّوْرِيِّ،
عَنْ خالد، وعاصم، عن أبي قلابة، عن أنس.
وخالفه معلى بن عبدالرحمن، فرواه عن
الثوري، عن عاصم، عن أبي قلابة، عن ابن عمر.
وعن خالد، عن أبي قلابة، عن أنس.
ورواه وكيع، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ
خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عن أنس.
ورواه ابن عيينة، وحماد بن سلمة، وحماد بن
زيد، عن عاصم، عن أبي قلابة مرسلاً.
ورواه أبو قحذم: النضر بن معبد، عن أبي
قلابة مرسلاً أيضاً.
وروى شعبة من هذا الحديث كلمة، وهي فضيلة
أبي عبيدة بن الجراح، خاصة، عن خالد، عن أبي قلابة، عن أنس.
واختلف عن شعبة في ذلك:
فقيل: عن سليمان بن حرب، عن شعبة، عن
ثابت، عن أنس.
وقيل: عن أَبِي عَلِيٍّ: عُبَيْدِاللَّهِ
بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الحنفي، عن شعبة، عن عاصم الأحول، عن أنس.
وقيل: عن أبي عمر الحوضي، عن شعبة، عن
قتادة، عن أنس.
وأصحها: عن شعبة، عن خالد، عن أبي قلابة،
عن أنس".
قلت: فمثل هذا ينتشر بين الناس وهو مرسل
ومرغوب فيكون مجموعاً لأنه متعلق بموضوع واحد فيرفعوه إلى النبي صلى الله عليه
وسلم. وقد فصّلت هذا كلّه في كتاب خاص لا يزال مخطوطاً.
·
نزول
إسناد الحديث!
وكذلك مما يدلّ على أنه مرسل: نزول
الإسناد.
فعادة يكون أيضاً في المراسيل، فإذا جمعت
كلّ هذه الدقائق الفريدة مع غرابة أن يكون راويه «أبو قتادة الأنصاري المدني» مع
توافر تلاميذه، وليس عندهم هذا الحديث، أُرجّح أنه «أبا قتادة البصري»، وهو
حديثٌ مرسلٌ.
وأبو قتادة هذا تابعي مشهور، وإذا أُطلق دون
نسبة عند البصريين فيكون هو.
فقد روى يعقوب الفَسوي في «المعرفة
والتاريخ» (2/29) عن أَبي بشر، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدّثنا أبي، قال:
سمعت حميد بن هلال قال: قال لنا أبو قتادة: «عليكم بهذا الشيخ - يعني
الحسن بن أبي الحسن- فإني والله، ما رأيت رجلاً قط أَشبه رأياً بعمر بن الخطاب منه».
ورواهُ أيضاً عن أحمد بن الخليل، قال: حدثنا
شُريح بن النعمان، قال: حدثنا مهدي بن ميمون، عن محمد بن أبي يعقوب، عن مُوَرِّق
العِجلي قال: قال لي أبو قتادة: "الزم هذا الشيخ وخذ عنه، والله ما رأيت
رجلاً أشبه رأياً بعمر بن الخطاب منه - يعني الحسن البصري".
وروى الإمام مسلم في «صحيحه» (4/2266) رقم
(2946) من طريق أَيُّوب، عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلَالٍ، عَنْ رَهْطٍ مِنْهُمْ أَبُو
الدَّهْمَاءِ وَأَبُو قَتَادَةَ قَالُوا: كُنَّا نَمُرُّ عَلَى هِشَامِ بْنِ
عَامِرٍ نَأْتِي عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ...
·
نصٌّ
قاطع من ابن معين على صحة ما ذهبت إليه.
ثُم وجدت نصّاً لابن معين يؤيد ما ذهبت
إليه بحمد الله.
قال العبّاس الدوري، قال يحيى بن معين:
«أبو قتادة العدوي اسمه: تميم بن نذير».
قال: وسمعت يحيى يقول: «كلّ شيء
يُروى عن ابن سيرين، وعن البصريين، عن أبي قتادة، فهو أبو قتادة العَدوي».
[تاريخ ابن معين (رواية الدوري) 4/114، 202].
قلت: لله درّ هذا الإمام الناقد، فقوله
هذا يَحسم الأمر إن شاء الله؛ لأن الذي روى حديث صوم عرفة عن أبي قتادة هما: عبدالله
بن معبد الزماني، وحرملة، وهما بصريان.
وبسبب عدم تنبّه بعض أهل العلم لما نصّ
عليه ابن معين وقعوا في أوهام!
فقد روى عبدُالرزاق في «المصنف» (11/90)
(20007) عن مَعمر، عن أَيوب، عن ابن سيرين، قال: تَعشَّى أَبو قتادةَ
فوق ظهر بيتٍ لنا، فرُمي بِنجمٍ، فنظرنا إِليه، فقال: «لا تتبعوه أَبصاركم، فإِنّا
قد نُهِينا عن ذلك».
وقال الفضلُ بن محمد الشَّعرانيُّ: حدّثنا
عمرو بن عون: حدّثنا هُشيم: حدّثنا منصور بن زاذان، عن ابن سيرين،
قال: «نَزلَ بنا أبو قتادة، فبينا هو على سطحٍ لنا - قال: ونحن عشرة من ولد
سيرين- فانقضَّ كوكبٌ من السماء، فأتبعناه أَبصارنا، فنهانا أَبو قتادة عن ذلك».
[سير أعلام النبلاء: 4/611].
قلت: بحسب كلام ابن معين - وهو الصواب-
فإنّ أبا قتادة هذا الذي كان في بيت آل سيرين هو أبو قتادة العدويّ، وقد اغترّ أبو
حاتم الرازي - رحمه الله- فظنَّ أنه: «الأنصاريّ الصحابي»، فوهم وهماً شديداً!
·
وهمٌ
لأبي حاتم الرازي!
قال عبدُالرَّحمن ابنُ أبي حاتم في «الجرح
والتعديل» (7/281): سمعتُ أبي يقول: "قد سَمعَ ابن سيرين مِنْ أَبي قَتادة
الأَنصاريّ حديثاً أنه قال: إذا انقضّ الكوكب فلا تتبعوه أبصاركم. وكان أَبو قتادة
نَزل على ابن سيرين".
قلت: اغتر أبو حاتم الرازي بما جاء في
رواية منصور بن زاذان: "نزل بنا"، فظنّ أنه «أبو قتادة الأنصاريّ»، وليس
كذلك، وإنما هو: «أبو قتادة العدوي البصري التابعيّ».
والشخص إذا كان بنفس المدينة وزار بيتاً
وأقام فيه، فيصلح أن يُقال: "نزل عند فلان"، فهذا اللفظ لا يقتضي أنه
كان من بلدٍ آخر، وإنما يقتضي أنه من مكانٍ بعيد، ففهم أبو حاتم من هذا أنه ليس من
البصرة، والمشهور عند أهل العلم هو أبو قتادة الأنصاري، فظنّه أبو حاتم هو،
فَوَهِم.
ورواية أيوب واضحة في أن نزوله عندهم، أَي
زارهم، وهذا يعني أن مسكنه كان بعيداً عنهم، والتنقل في ذلك الزمان كان يحتاج إلى
أيام، ولو بالمدينة نفسها، فزارهم، وتعشّى عندهم تلك الليلة، ولو كان أبو قتادة
هذا الأنصاريّ الصحابي لما تركه آل سيرين ولسمعوا منه أحاديث كثيرة؛ لأنهم بيت
علم، ولكان لهذه الزيارة وقعٌ وانتشار عند أهل البصرة.
وربما يكون معنى أنه نزل عندهم أنه كان
مسافراً أو في غزو أو نحوه، فلما جاء البصرة نزل عندهم، والله أعلم.
وهذا الأثر رواه أيضاً ابن أبي شيبة في «مصنفه»
(5/334) (26631) عن عبدالرحيم بن سليمان الطائي، عن عاصم، عن ابن سيرين، قال: «نزل
علينا أبو قتادة الأنصاري، فانقض كوكب، فأتبعناه أبصارنا، فنهانا عن
ذلك».
ثم رواه عن قبيصة، عن سفيان، عن هشام بن
حسّان، عن ابن سيرين، عن عبدالله بن الحارث، عن أبي قتادة، مثل حديث عبدالرحيم، عن
عاصم.
قلت: ما جاء في الإسناد «الأنصاري» خطأ!!
وهو تحريف! والصواب: «البصري».
كما حدث فيما نُقل عن البخاري في مطبوع
كتاب ابن عدي!
قال ابن عدي في «الكامل» (5/372): "سمعتُ
ابن حماد يقول: قال البُخارِيّ: عَبدالله بن معبد الزماني الأنصاري،
عَن أبي قتادة لا يعرف له سماع من أبي قتادة".
قلت: هذا تحريف!! والصواب: «البصري» كما
هو في «التاريخ الكبير» للبخاري، فإنه قال (5/198): "عَبْداللَّه بن مَعْبد
الزماني البَصْرِيّ عَنْ أَبِي قتادة، روى عَنْهُ حجاج بن عتاب، وغيلان بن جرير،
وقتادة، ولا نعرف سماعه من أبي قتادة".
أو أن بعض الرواة نسبه «الأنصاري»! ولم
يأت منسوباً إلا في رواية عبدالرحيم بن سليمان الطائي عن عاصم الأحول!! وبقية
الرواة لا ينسبونه!!
وربما يظن ظان أن رواية هشام فيها ذكر «الأنصاري»!
لأن ابن أبي شيبة لما ساقها قال: "مثل حديث عبدالرحيم، عن عاصم".
لكن رواية هشام رواها أحمد في «مسنده» (37/244)
(22549) قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ، قال: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ
مُحَمَّدٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي قَتَادَةَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِنَا، فَرَأَى
كَوْكَبًا انْقَضَّ فَنَظَرُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: "إِنَّا
قَدْ نُهِينَا أَنْ نُتْبِعَهُ أَبْصَارَنَا".
فلم يُنسب هنا!
لكن العجب أن أحمد أورده في «أحاديث أبي
قتادة الأنصاري»!! وهذا وهم منه!
والأثر رواه ابن أبي شيبة كذلك من حديث
ابن سيرين عن عَبداللَّهِ بن الحَارِث الأَنْصارِيّ أَبي الوَلِيد البَصْرِيّ نسيب
مُحَمَّد بن سيرين، وختنه عَلَى أخته، عن أبي قتادة.
فابن سيرين يرويه عن أبي قتادة مباشرة
وبواسطة.
وكعادة ابن أبي شيبة في سرد الآثار فإنه
ساق أثر أبي قتادة في النهي، ثم ساق أثر الحسن في جواز ذلك.
رواه عن معاذ بن معاذ، عن أشعث، عن الحسن:
«أنه كان لا يرى بأسا أن يتبع الرجل بصره الكوكب إذا رأى به».
ولا يثبت شيء مرفوع في هذا الباب عن النبي
صلى الله عليه وسلم.
وروى الترمذيُّ في «الجامع» (3/320)
(995)، وابن ماجه في «سننه» (1/473) (1474) عن مُحَمَّد بنِ بَشَّارٍ، قالَ:
حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ يُونُسَ، قالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، عَنْ
هِشَامِ بنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا وَلِيَ
أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ».
قال الترمذيّ: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ
غَرِيبٌ".
واغتَّرَ بذلك الحافظُ المزيّ فذكر في «تهذيب
الكمال» (25/347): أَن ابن سيرين يروي عن أبي قتادة الأنصاري!
وتابعه على ذلك ابن حجر في «تهذيب التهذيب»!
وقال الحسيني في «البيان والتعريف» (1/81): "«إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه»،
أخرجه الإمام أحمد ومسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، والترمذي وابن ماجه عن
أبي قتادة رضي الله عنه". وقال الشوكاني في «نيل الأوطار» (4/68): "حديث
أبي قتادة حسنه الترمذي ورجال إسناده ثقات"!!
قلت: بل هو عن أبي قتادة العدوي التابعي،
وهو مرسلٌ.
·
لم يسمع
محمد بن سيرين من أبي قتادة ولا من أبي الدرداء!
ثمّ إنّ محمد بن سيرين لم يسمع من أبي
قتادة الأنصاري. لما مات أبو قتادة كان عمر محمد بن سيرين (19) سنة! ولم يرحل حتى
يسمع منه! ولهذا قال أبو حاتم الرازي سمع منه حديثاً واحداً لما نزل عندهم! وبينت
وهمه في ذلك.
قال ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص: 187):
سُئِلَ أَبِي عَنِ ابْنِ سِيرِينَ سَمِعَ مِنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ؟ قَالَ: "قَدْ
أَدْرَكَهُ وَلَا أَظُنُّهُ سَمِعَ مِنْهُ، ذَاكَ بِالشَّامِ وَهَذَا
بِالْبَصْرَةِ".
قلت: أبو الدرداء مات في أواخر خلافة
عثمان (35هـ)، ومحمد بن سيرين وُلد قبل وفاة عثمان بسنتين (33هـ)، فكيف يدركه؟!!
فالأصل في نص أهل العلم على الإدراك يعنون به قُرب السماع لا هذا الإدراك! والذي
نريد أن ننبه عليه هنا هو قول أبي حاتم: "ذاك بالشام وهذا بالبصرة"، وهو
نظرة أهل النّقد لاختلاف مواطن الرواة واعتبارها وخاصة إذا كان الكلام على حديث
واحد يتفرد به راو ما عن شيخ في بلد آخر!
والحديثُ مرسلٌ! فأبو قتادة هذا هو
العدوي، وهو يُرسل عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وهذا الجزء من
الحديث محفوظ من طريق آخر صحيح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أخرجَه مسلمٌ في
«صحيحه» (2/651) من طريق حجّاج بن محمد، قال: قال ابنُ جُريجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو
الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بنَ عَبْدِاللَّهِ يُحَدِّثُ: أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْماً، فَذَكَرَ رَجُلاً
مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِضَ، فَكُفِّنَ فِي كَفَنٍ غَيْرِ طَائِلٍ، وَقُبِرَ لَيْلاً،
فَزَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ
بِاللَّيْلِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ إِلاَّ أَنْ يُضْطَرَّ إِنْسَانٌ إِلَى
ذَلِكَ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَفَّنَ
أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ».
·
زيادة «يتزاورون
في أكفانهم» زيادة منكرة!
ولكن هناك تكملة للحديث، لا تصحّ، تدلّ
على أنه مرسلٌ!!
روى البيهقي في «شُعب الإيمان» (7/10) من
طريق محمّدِ بنِ غالبٍ تَمْتَام، قال: حدَّثنا سَلْمُ بنُ إِبراهيمَ الوَرَّاقُ،
قال: حدَّثنا عِكرمة بن عمَّار، قال: حدَّثنا هشامُ بن حسَّان، عن ابن سيرين، عن
أَبي قتادة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: «من ولي أخاه فليحسن كفنه، فإنهم
يتزاورون فيه».
ورواهُ عبدُالرَّزاق في «مصنفه» (3/431)،
عن الثوري، عن هشام، عن ابن سيرين قال: «كان يُقال: من ولي أَخاه فليحسن كفنه.
وإِنه بلغني: أَنهم يتزاورون في أَكفانهم».
ورواهُ ابنُ أَبي شيبةَ في «مصنفه» (2/468)
عن بِشر بن مفضل، عن سلمة بن علقمة، عن ابن سيرين، قال: «كان يُحبّ حسن الكفن.
ويقال: أنهم يتزاورون في أكفانهم».
قلت: فكان ابن سيرين أحياناً يحدّث به عن
أبي قتادة هكذا، وأحياناً لا يسنده عنه، ولو كان أبو قتادة هذا هو الأنصاري
الصحابي لما تخلّى ابن سيرين عن إسناده، ولكنهم كانوا لا يسندون بعض الأحاديث إذا
كانت مرسلة مثل هذا الحديث. وهذه الزيادة: «يتزاورون في أَكفانهم» منكرة! لا تصحّ.
·
تصحيح
الألباني لهذه الزيادة المنكرة!!
وقد ذكرها الشيخ الألباني في «صحيح الجامع
الصغير» رقم (845). وفي «أحكام الجنائز» (35)، وقال: "وروى الجملة الأخيرة
منه الترمذي (2/133)، وابن ماجه من حديث أَبي قتادة، وقال الترمذي: "حديث
حسن". قلت: بل هو حديثٌ صحيحٌ، فإن إسناده عن جابر صحيح، فكيف إذا انضم إليه
حديث أبي قتادة؟"
وذكره أيضاً في «السلسلة الصحيحة» (1425)
"إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه، فإنهم يبعثون في أكفانهم ويتزاورون في أكفانهم".
وخرّجه من بعض الطرق الهالكة، ثُم ذكر رواية سَلْم عند البيهقي، ثُم قال: "فالحديث
عندي حسنٌ بمجموع هذه الطرق. والله أعلم. ثُم وجدت للوراق متابعاً قوياً، فقال ابن
السماك في "حديثه" (2/95/2): حدثنا عبدالملك: حدثنا إسماعيل بن سنان أبو
عبيدة العصفري: حدثنا عكرمة بن عمار قال: حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن
أبي قتادة مرفوعاً به. وهكذا أخرجه أبو عمرو بن منده في "المنتخب من
الفوائد" (ق 254/1) عن أبي قلابة الرقاشي: حدثنا إسماعيل بن سنان أبو عبيدة
العصفري به. قلت: وهذا إسناد جيد في الشواهد والمتابعات، رجاله رجال مسلم غير
العصفري. قال أبو حاتم: ما بحديثه بأس، وغير أبي قلابة عبدالملك بن محمد الرقاشي
قال الحافظ: "صدوق يخطىء، تغير حفظه لما سكن بغداد". قلت: فيرتقي الحديث
بهذه الطريق إلى مرتبة الصحيح لغيره. والله أعلم". انتهى كلام الشيخ.
قلت: رواية إسماعيل بن سنان رواها عنه
إسحاق بن إبراهيم الصواف، أخرجها الرافعي في «التدوين في أخبار قزوين» (3/69)،
والحديث ليس بصحيح، بل ليس بحسن، وهو مرسلٌ ضعيف بهذا المتن كما سبق بيانه، والجزء
الأول صحّ من طريق أخرى كما هو عند الإمام مسلم، وتقدّم أيضاً.
·
أوهام
أخرى في نسبة أبي قتادة!
ومما يدلّ على أنهم كانوا ينسبون «أبا
قتادة» التابعي البصري بالأنصاري ظناً أنه الصحابي، ما قاله ابن أبي حاتم في «العلل»
(3/96): سألت أبي عن حديثٍ؛ رواه محمد بن بكَّار، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن
عياش بن عبدالله اليشكري، عن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري، أنه قال: «ما
من يوم أحبّ إليّ من أن أصومه من يوم الجمعة، ولا أكره أن أصومه من يوم الجمعة،
فقيل له: وكيف ذلك؟ قال: يعجبني أن أصوم الجمعة لما أعرف من فضله، وأكره أن أصومه
لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه»؟
قال أبي: "إنما هو: عن أبي قتادة
العدوي من التابعين، موقوف".
وقال في موضع آخر (3/127): سألت أبي عَن
حدِيثٍ؛ رواهُ سعِيدُ بنُ بشِيرٍ، عن قتادة، عن عيّاشٍ اليشكُرِيِّ، عن أبِي
قتادة بنِ رِبعِيٍّ، عنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أنّهُ نهى عن صومِ
يومِ الجُمُعةِ»؟
فقال أبِي: "رواهُ سعِيدُ بنُ أبِي
عرُوبة، عن قتادة، عن عيّاشٍ، عن أبِي قتادة العدوِيِّ، موقُوف".
قال أبِي: "وأبُو قتادة العدوِيُّ
مِن التّابِعِين".
قلت: فهذا الحديث ظنّ راويه أن أبا قتادة
هو الصحابي الأنصاري، وإنما هو العدوي التابعي، وهذا يؤكد قول ابن معين أن كلّ من
روى من البصريين عن أبي قتادة فهو العدوي؛ لأن عيّاش اليشكري بصري.
فالذي حصل في حديث عرفة هو النسبة الخطأ
من غيلان بن جرير لما سأله شعبة عن «أبي قتادة» من هو؟! «الأنصاري»؟ فهزّ برأسه:
أي نعم! فوهم في ذلك - رحمه الله-.
·
مثال آخر
على حدوث النسبة الخطأ في اسم الراوي!
ولهذا نظائر في بعض الأحاديث. فقد أخرج
الإمام مسلم في «صحيحه» (4/2196) عن الحَكَم ابن مُوسَى، قالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى
بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ: حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بْنُ
عَامِرٍ: حَدَّثَنِي المِقْدَادُ بنُ الْأَسْوَدِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ مِنْ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ... الحديث».
فعلّق عليه أُستاذنا أسعد تيِّم في كتابه
«علم طبقات المحدّثين» تحت عنوان: (فوائد مستفادة من علم الطبقات): "ومنها:
الكشف عن بطلان السماع الذي لا يصح"، وذكر من أمثلة هذا (ص87) قال: "قلت:
قوله: «سمعت المقداد» خطأٌ شنيعٌ من بعض الرواة، فإن المقداد مات في زمن عثمان،
وأما سُليم بن عامر فسمع من أبي أمامة الباهلي (-86)، وجبير بن نفير (-80)، وهذه
الطبقة؛ فبينه وبين المقداد طبقتان". انتهى كلامه.
قلت: أصاب أستاذنا في نفيه السماع بين
سُليم بن عامر وبين المقداد بن الأسود، فسليم لم يدركه، وبناءًا عليه فإن حديث
مسلم هذا منقطع! ولكن هناك مشكلة في إسناد الحديث لم يتنبه لها الأستاذ، والحديث
صحيحٌ، والسماع الوارد فيه ليس خطأً شنيعاً كما قال!
وإنما الخطأ في الحديث هو ما جاء فيه:
"سمعت المقداد بن الأسود"، والصواب: "سمعت المقدام"، وهو
المقدام بن معدي كرب، وقد سمع منه سليم بن عامر، والحديث صحيح، ولا مدخل للمقداد
بن الأسود فيه. وقد خَفي ذلك على الإمام مسلم، بل وعلى الإمام أحمد من قبله، فإنه
ذكر هذا الحديث في مسند المقداد بن الأسود، وذكره المزي في التحفة في مسنده كذلك،
وكلّ ذلك وهم.
قال ابن أبي حاتم في «علل الحديث»
(2/218): سألت أبي عن حديث رواه الحكم بن موسى عن يحيى بن حمزة عن عبدالرحمن بن
يزيد بن جابر عن سليم بن عامر قال: حدثني المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار
ميل؟ قال أبي: "هذا خطأ! إنما هو مقدام بن معدي كرب، وسليم بن عامر لم يدرك
المقداد بن الأسود".
·
قاعدة
مهمة في اختصار أهل الشام لأسماء بعض الصحابة.
والذي حصل أن أهل الشام كانوا يختصرون اسم
«المقدام بن معدي كرب» ويقولون عنه «المقداد»، فيأتي بعضهم وينسبه خطأ، فيقول: «المقداد
بن الأسود»؛ لأن المشهور في الصحابة فيمن اسمه «المقداد» هو: «ابن الأسود».
قال الحافظ ابن رجب في «فتح الباري» (4/52):
"والشاميون كانوا يسمون المقدام بن معد يكرب: المقداد، ولا ينسبونه - أحياناً،
فيظن من سمعه غير منسوب أنه ابن الأسود، وإنما هو ابن معد يكرب وقد وقع هذا
الاختلاف لهم في غير حديث من رواياتهم".
وقد فصّلت ذلك بالأمثلة في غير هذا
المكان، ولله الحمد.
·
ترجمةُ
أبي قتادةَ العدويّ البصريّ:
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (2/151):
"تَميمُ بنُ نُذَير أبو قتادة، ويُقال: الزبير، العدويُّ البصريُّ: سمعَ منه:
حميد بن هلال ومُوَرِّق، يروي عن عمر، وعُبادة بن قُرْصٍ".
وقال ابنُ أبي حاتم في «الجرح والتعديل»
(2/441): "تميم بن نذير أبو قتادة العدوي، بصري، روى عن عمر، وعمران بن حصين،
وعبادة بن قرص، روى عنه: حميد بن هلال، وإسحاق بن سويد العدوي، سمعت أبي يقول
ذلك".
ونقل عن ابن معين أنه قال فيه: "ثقة
ثقة".
وقال مسلم في «الكنى والأسماء» (1/696):
"أبو قتادة تميم بن نذير العدوي، عن عمر وعبادة بن قرص، روى عنه حميد بن هلال
ومورق".
وقال خليفة في «الطبقات» (ص193):
"وأبو قتادة اسمه مُذَير بن قُنْفُذ، ويقال: تميم بن نذير من ولد خزيمة بن جل
بن عدي".
لكن قال ابن معين: "اسمه تميم بن
نذير"، وقال غيره: "ابن الزبير". والصحيح أنه «تميم»، وبذلك جزم
أبو نُعيم في «المستخرج».
وقال ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (7/130):
"أبو قتادة العدوي واسمه تميم بن نذير، وكان ثقة قليل الحديث".
وقال ابن حبان في «الثقات» (4/85) - وذكره
في التابعين-: "تميم بن نذير العدوي أبو قتادة البصري، يروي عن عمر بن
الخطاب، روى عنه حميد بن هلال".
·
هل لأبي
قتادة العدوي صحبة؟!
وقال ابن منده: "له صحبة".
قال ابن حجر في «الإصابة» (1/378):
"تميم بن نذير العدوي، يكنى أبا قتادة، مشهور بكنيته، وقيل: اسمه نذير بن
قنفذ، حكاه خلفية. قال البزار: أدرك الجاهلية، وسمع من عمر بن الخطاب، وروى
عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مرسلاً. وأخرجه الباوردي وابن السكن في الصحابة،
وأخرجا من طريق حميد بن هلال عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ياأَيها
الناس ابتاعوا أنفسكم من الله من مال الله، الحديث»، ورجاله ثقات. قال ابن السكن:
ليس في حديثه ما يدلّ على صحبته، وقد أدخله جماعة في المسند. وذكره ابن حبان في
الثقات وابن سعد في الأولى من تابعي البصريين ممن أَدرك عمر. قلت: حديثه عن عمر في
صحيح مسلم".
وقال أبو زُرعة العراقي في «تحفة التحصيل
في رواة المراسيل» (ص41): "تميم بن نذير أبو قتادة العدوي البصري. قال أبو
حاتم: روايته عن بلال مرسلة، وأورده العلائي في الكنى، ولم يذكر كلام أبي حاتم
أصلاً، وإنما قال: مختلفٌ في صحبته، أثبتها له ابن منده، وابن معين جعله من
التابعين ووثقه، وهو الأصح".
·
وهم لابن
حجر! وهل سمع تميم بن نُذير من عمر بن الخطاب؟!
قلت: هو تابعيٌّ كبير، ويُرسل عن النبيّ
صلى الله عليه وسلم، وأما سماعه من عمر فلا يصحّ! وقول ابن حجر: "إن حديثه عن
عمر في صحيح مسلم" وهم! ولم يعلّم له الحافظ المزي في «تهذيب الكمال»
(34/197) أن روايته عن عمر في صحيح مسلم، وإنما قال: "رَوَى عَن: أسير بْن
جابر (م)، وعبادة بْن قرص، وعُمَر بن الخطاب، وعِمْران بن حصين (م
د)..."، وقد تتبعت رواياته فلم أجد فيها شيئاً عن عمر! وقد يكون أدرك عمر،
لكن لا يثبت له سماع منه.
قال ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص20):
سألت أَبي عن أَبي قتادة الذي يروي عنه حميد بن هلال؟ قال: "هو أبو قتادة
العدوي، وروايته عن بلال مرسلة".
فإذا كانت روايته عن بلال (ت20هـ) مرسلة،
فما أظنه سمع من عُمر (ت23هـ)، والأشبه في طبقته أنهم الذين سمعوا من: عُبادة بن
قرص (ت41هـ)، وعمران بن حُصين (ت52هـ)، ويُسَيْر بن جابر، ويُقال: ابن عمرو
(ت85هـ).
وما نقله ابن حجر عن البزار: "أدرك
الجاهلية، وسمع من عمر بن الخطاب"! فيه نظر شديد! فلا أظنه أدرك الجاهلية!
وكأن من قال بأنه سمع عمر اعتمد قوله
مخاطباً بعض أهل البصرة: «عليكم بهذا الشيخ - يعني الحسن بن أبي الحسن -، فخذوا
عنه فوالله ما رأيت قط رجلاً أشبه رأياً بعمر بن الخطاب منه».
فإن اعتمدوا عليه فهو استدلال لا ينهض؛
لأن هذه الرؤية ليست عينية، وإنما هو رأي له من خلال النظر في سيرة عمر - رضي الله
عنه - وأخباره، ولا تدل العبارة على أنه رآه أو سمع منه.
والأشبه أنه أدرك زمان عمر، ولكنه لم يسمع
منه، والإدراك لا يعني الرؤية، فكونه أدرك زمان عمر يعني أنه كان صغيراً، وعادة
النّاس في ذلك الزمان أنهم يطلبون العلم بعد البلوغ، وقد تتبعت أحاديث وأخبار أبي
قتادة العدوي فلم أجد له رواية عن كبار الصحابة أو رحلات له يمكن أن يُتوصل إلى
شيء من طلبه للعلم، ويشبه أنه سمع من الصحابة الذين كانوا بالبصرة كما أشرت
سابقاً، والأَشبه في وفاته بعد سنة (85هـ)، والله أعلم.
ولاحظ أَن اللذين رويا عنه حديث عرفة:
عبدالله الزماني توفي قبل سنة (100هـ)، وحرملة بن إياس توفي بين سنة (100-110هـ)،
فثلاثتهم تقريباً من الأقران، والحديث إسناده نازلٌ.
ومن حديث أبي قتادة: ما روى الإمامُ أَحمد
في «مسنده» (5/79) (20771) قال: حَدَّثَنَا عَفَّانُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ
المُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ: حَدَّثَنَا أَبُو قَتَادَةَ، عَنْ
عُبَادَةَ بنِ قُرْصٍ أَوْ قُرْطٍ: «إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ الْيَوْمَ أَعْمَالاً
هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنْ الشَّعْرِ كُنَّا نَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُوبِقَاتِ». فَقُلْتُ
لأَبِي قَتَادَةَ: فَكَيْفَ لَوْ أَدْرَكَ زَمَانَنَا هَذَا؟! فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ:"لَكَانَ
لِذَلِكَ أَقْوَلَ".
قال ابن حبان في «الثقات» (3/303):
"عبادة ابن قرص الليثي سكن البصرة، يروي عنه حميد بن هلال، وكان أيوب يقول:
عبادة بن قرط، والصحيح بالصاد. قتل بالبصرة سنة إحدى وأربعين في وقعة ابن عامر بن
سهم بن غالب الهجيمي". قلت: كذا! يروي عنه حميد! ويُروى عنه عن أبي قتادة
العدوي، وحميد يروي عن أبي قتادة.
ورواهُ الدارمي في «سننه» (2/407) من طريق
حماد بن زيد عن أيوب عن حميد بن هلال عن عبادة بن قرظ، به.
ورواه أحمد في «المسند» (3/470) عن
إسماعيل عن أيوب عن حميد بن هلال، قال: قال عبادة بن قرط، به. لم يذكرا: "أبا
قتادة"!
ولعل قول ابن حبان السابق كان معتمداً على
إسناد أيوب.
ورواه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني»
(2/190) عن شيبان بن فروخ عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن أبي قتادة،
قال: قال عبادة، به.
ورواه أبو داود الطيالسي في «المسند»
(ص193) عن قرة بن خالد وسليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن أبي قتادة العدوي عن
عبادة بن قرط -أو قال: سليمان بن قرط وكانت له صحبة-، به.
كذا قال أبو داود فجعل رواية قرة مثل
رواية سليمان بن المغيرة! ولكن في «الحلية» (2/16) عند أبي نُعيم من طريق ابن بكار
عن قرة بن خالد عن حميد بن هلال قال: قال عبادة بن قرص. فلم يذكر: "أبا قتادة"!
ويُحتمل أنه سقط من المطبوع!
وقد أشار البخاري في «التاريخ الكبير»
(6/93) في ترجمة عبادة بن قرط إلى الاختلاف في الإسناد بين أيوب وسليمان بن مغيرة
على حميد. فكأن الأشبه بالصواب وجود أبي قتادة في الإسناد.
ورواه الحاكم في «المستدرك» (4/290) من
طريق عبدان، قال: أخبرنا سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن عبدالله بن
الصامت، عن أبي قتادة قال: قال عبادة - يعني بن قرط -: "إنكم لتعملون اليوم
أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم من الموبقات"، قال: فقلت لأبي قتادة: فكيف لو أدرك زماننا هذا؟
قال:"هو ذا كذلك أقول". قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم
يخرجاه".
قلت: زاد في إسناده: "عبدالله بن
الصامت"! وهو من المزيد في متصل الأسانيد، وزيادته وهم.
والخلاصة أن حديث فضل صوم يومي عرفة
وعاشوراء هو حديث أبي قتادة الأنصاريّ، وهو مرسلٌ.
·
ما أصل
الحديث المرسل؟ وكيف دخل في المرفوع؟
بيّنت فيما سبق أن فضل صوم يومي عرفة
وعاشوراء أصله من المراسيل، وهذا يعني أنه كان منتشراً بين الناس، فلما حدّث به
أبو قتادة العدوي البصري التابعي جمع كلّ أنواع صيام النوافل في حديث واحد ونسبه
للنبيّ صلى الله عليه وسلم، ومنه المرفوع الذي صحّ من طرق أخرى، ومنه المرسل الذي
لا يصح مرفوعاً.
والظاهر أن أبا قتادة كان أحياناً لا يرفع
الحديث المرسل، وإنما كان يقوله موقوفاً من قوله هو كما رواه عبدالرزاق في «مصنفه»
(4/285) (7828) عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي الخَلِيلِ، عَنْ
أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ فِي صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ: «يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ».
ورواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2/341) (9713)
عن وَكِيع، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي الخَلِيلِ، عَنْ
أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَوْمُ
عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ: سَنَةٍ مَاضِيَةٍ، وَسَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ».
ولعل أصل تكفير صوم عرفة لسنتين هو ما كان
منتشراً بين الناس من أن صيامه يعدل سنتين!
فقد روى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (3/196)
(13388) عن وَكِيع، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ
قَالَ: ذَكَرْتُ لِطَاوُسٍ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ أَنَّهُ يَعْدِلُ صَوْمَ
سَنَتَيْنِ، فَقَالَ: «أَيْنَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنْ ذَلِكَ؟».
قلت: وهذا إسناد صحيح. ويدلّ على أنه كان
منتشراً بين الناس أن صيام عرفة يكفّر سنتين، فرد ذلك طاوس اليماني (ت106هـ) بأن
هذا لو كان معروفاً لروي عن الكبار كأبي بكر وعمر.
وروى أَبُو يُوسُفَ يعقوب بن إبراهيم بن
حبيب الأنصاري (ت 182هـ) في كتاب «الآثار» (ص177) (804) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ،
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ قَالَ: «صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يَعْدِلُ
صَوْمَ سَنَةٍ، وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يَعْدِلُ صَوْمَ سَنَتَيْنِ».
فإنّ صحت هذه الرواية فيكون أيضاً هذا
القول منتشراً بين الناس؛ لأن سعيد بن جبير توفي سنة (95هـ).
وقد أنكر الحسن البصري (ت110هـ) على من
يقول بأن صوم عرفة يعدل صيام سنة!
روى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2/342) (9722)
عن يَزِيد بن هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، قَالَ: ذُكِرَ
عِنْدَ الحَسَنِ: أَنَّ صِيَامَ عَرَفَةَ يَعْدِلُ صِيَامَ سَنَةٍ، فَقَالَ الحَسَنُ:
«مَا أَعْلَمُ لِيَوْمٍ فَضْلًا عَلَى يَوْمٍ، وَلَا لِلَيْلَةٍ عَلَى لَيْلَةٍ
إِلَّا لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَإِنَّهَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، وَلَقَدْ
رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ صَامَ يَوْمَ عَرَفَةَ، يَرُشُّ عَلَيْهِ
الْمَاءَ مِنْ إِدَاوَةٍ مَعَهُ يَتَبَرَّدُ بِهِ».
قلت: وكأن هذا الفضل لصيام عرفة إنما كان
لمن حجّ كما هو ظاهر تبويب ابن أبي شيبة في «مصنفه» وإيراده هذا الأثر وغيره في «باب
فِي صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِمَكَّةَ».
وأورد الأثر أنّ عَائِشَةَ «كَانَتْ
تَصُومُ عَرَفَةَ» في هذا الباب، وفي باب «مَا قَالُوا فِي صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ
بِغَيْرِ عَرَفَةَ»!
·
كيفية
التعامل مع الآثار التي يكررها ابن أبي شيبة في كتابه في أكثر من باب!
فالأمر غير واضح هل هذا الفضل الذي كان
منتشراً في صيامه في عرفة أم بغير عرفة! ولهذا نجد اختلافاً عند العلماء في ذلك
كما هو الظاهر عند ابن أبي شيبة فإنه أورد بعض الآثار في البابين، وهذا من منهجه؛
لأن ذلك غير بيّن بخلاف لو كان الأمر واضحاً عنده فإنه يورده في الباب الذي يخصه.
وأيضاً فإنه قد يورد بعض الآثار في بابين: باب يدل فيه الأثر على العموم أو
الإطلاق، وباب يدل فيه الأثر على الخصوص أو التقييد، وهذا لا يُعدّ تناقضاً، وإنما
يروي الآثار كما سمعها، وحينها يُحمل الخاص على العام، والمطلق على المقيد، فقد
رُوي عن عائشة أنها كانت تصوم عرفة مطلقاً دون تحديد ذلك، ورُوي أنها كانت تصومه
في الحج، فيُحمل المطلق على المقيد وهو أنه كانت تصومه في الحجّ، ولو كان عندها
أيّ حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم لأخبرت به.
روى ابن أبي شيبة في «مصنفه» في باب «مَا
قَالُوا فِي صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِغَيْرِ عَرَفَةَ» (2/341) (9715) عن
وَكِيع، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ هُزَيْلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ
عَائِشَةَ «كَانَتْ تَصُومُ عَرَفَةَ».
ثم روى عن غُنْدَر، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ
أَبِي قَيْسٍ، عَنْ هُزَيْلٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا مِنَ السَّنَةِ
يَوْمٌ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصُومَهُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ».
ثم روى في باب «فِي صَوْمِ يَوْمِ
عَرَفَةَ بِمَكَّةَ» (3/196) (13394) عن وَكِيع، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي
قَيْسٍ، عَنْ هُزَيْلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّهَا كَانَتْ
تَصُومُ يَوْمَ عَرَفَةَ».
قلت: فالأثر نفسه عن عائشة أورده ابن أبي
شيبة في البابين! والذي يُقدّم هنا أن ذلك كان في الحج، فيحمل المطلق على المقيّد.
وقد جاء هذا واضحاً فيما رواه مالك في «الموطأ»،
بَابُ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ، (1/ 75) (133) عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ القَاسِمِ
بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ «تَصُومُ يَوْمَ
عَرَفَةَ».
قال القَاسِمُ: "وَلَقَدْ
رَأَيْتُهَا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، يَدْفَعُ الْإِمَامُ ثُمَّ تَقِفُ حَتَّى
يَبْيَضَّ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ مِنَ الْأَرْضِ، ثُمَّ تَدْعُو
بِشَرَابٍ فَتُفْطِرُ".
·
من رُوي
عنه الحديث موقوفاً عليه!
وقد رُوي هذا الحديث من قول بعض التابعين.
قال الطبري في «تهذيب الآثار» (1/344):
"ولكن مثل الذي رُوي عن أبي قتادة، عن عمر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في
ذلك، قد رُوي عن بعض التابعين".
ثم قال: حدَّثنا ابنُ حمُيدٍ، قالَ:
حدَّثنا يَحيى بن واضحٍ، قال: حدَّثنا عيسى بن عُبيدٍ، عن إِبراهيم الصائغ، عن
حمَّاد – هو: ابن أبي سليمان الأشعري الكوفي-، عن إبراهيم - هو النخعي-، قال:
«صيامُ عرفة يَعْدِل سنةً قبله، وسنةً بعده».
وقال: حدَّثنا ابنُ حُميدٍ، قالَ: حدَّثنا
الحكمُ بنُ بشيرِ بنِ سَلْمان، قالَ: حدَّثنا عُمرُ بنُ ذَرٍّ، عن مجاهد، قال:
«صيام عرفة يَعدِل سنة قبله، وسنة بعده».
قلت: هذان الإسنادان لا بأس بهما وإن كان
محمد بن حميد - شيخ الطبري- راويهما فيه كلام! ولكن لأنهما ليسا بمرفوعين فأهل
العلم يقبلونهما.
وقد احتجّ الإمام الطبري بهما في تقوية
حديث أبي قتادة المرفوع! وهذه طريقةٌ حسنةٌ لو كان المرفوع محفوظاً عن النبي صلى
الله عليه وسلم، ولكن لما أثبتنا أن حديث أبي قتادة مرسلٌ، وهذان الأثران عن
إبراهيم النخعي (ت95هـ)، ومجاهد ابن جَبْر (ت103هـ)، يقويان الإرسال؛ لأنه لو كان
هذا الحديث المرفوع له أصلٌ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما حدَّث به إبراهيم
ومجاهد دون إسناده المرفوع مع قربهما إلى عهده صلى الله عليه وسلم، وكأن الحديث
لما كان منتشراً بالإرسال لم يجدا بأساً في روايته هكذا دون إسناد.
والذي أَرسل الحديث هو أبو قتادة العدوي
(ت بعد 85هـ). فهؤلاء الثلاثة - وهم قريبون في الطبقة- أحدهم يرسل الحديث،
والآخران يقفانه دون إسناد، وهذا يدلّ على أن الحديث لا يُعرف له أصلٌ عن النبي
صلى الله عليه وسلم مع أنه يُشتهى لعظم أجره، وهكذا المراسيل يشتهيها الناس.
والخلاصة أن هذان الأثران لا يقويان حديث
أبي قتادة المرفوع - الذي هو حقيقة مرسل- بل يزيدانه ضعفاً، والله تعالى أعلم.
·
وهم في
رواية ابن خزيمة!
وجاء عند ابن خزيمة في «صحيحه» (3/298)
(2117) عن محمد بن بشار وأبي موسى قالا: حدثنا محمد بن جعفر: حدثنا شعبة [ح].
وعن بُندار أيضاً قال: حدثنا محمد بن
جعفر: حدثنا عبدالأعلى: حدثنا سعيد، عن قتادة [ح].
وعن جعفر بن محمد قال: حدثنا وكيع، عن
مهدي بن ميمون، كلهم عن غيلان بن جرير، عن عبدالله بن معبد الزماني، يعني عن
أبي قتادة الأنصاري قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل
عليه… الحديث.
قلت: هذا اللفظ لا يصحّ! وقد رُوي هذا
الحديث عن شعبة وقتادة ومهدي ابن ميمون من طرق كثيرة - كما خرّجته في بداية
الكتاب-، ولم يذكر أحد: "بينما نحن عند رسول الله"! إلا في هذا الجمع
عند ابن خزيمة! وكلّ الروايات: "عن أبي قتادة: أن رجلاً سأل النبي صلى الله
عليه وسلم".
ومتن الحديث فيه بعض الإشكالات بيّنتها في
الكتاب الأصل لما رددت على فوزي البحريني لما أعلّه بعلل لا يُعلّ الحديث بمثلها!!
·
المبحث الخامس:
شواهد الحديث.
· كلمة في التصحيح بالشواهد!
إن مسألة تصحيح الحديث وتحسينه بالشواهد
والمتابعات من أعوص مسائل علم الحديث، وقد تهاون فيها كثير من أهل العلم وطلبته!
فإذا أراد الواحد منهم تصحيح حديث أو تحسينه حشد هذه الشواهد والمتابعات ولو كانت
واهية، ورواتها لا يُحتج بهم، أو هي أحاديث معلولة، لا تقوي ما يذهبون إليه! أو
تجدهم يقولون: هذا الحديث في الفضائل، وأهل العلم يتساهلون في الفضائل! وهذا
الفِعل الذي أصبح حقيقة مسلّمة قد جرّ الويلات على الأحاديث فصححوا وحسنوا
المنكرات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وهذا لا يعدّ من التشدد في التصحيح
والتضعيف - كما يزعم بعض المخالفين-، وإنما الاحتجاج بالضعيف في الفضائل له ذوقٌ
يعرفه من خبُر الأسانيد والمتون والرّجال، وعاش مع أهل الحديث، لا سلوك طريق قواعد
المصطلح الجامدة!
وحديث أبي قتادة - الذي أثبت أنه مرسلٌ -
قد صححه أهل العلم تبعاً لتصحيح مسلم له، ومع ذلك قد ذكر بعض طلبة العلم له شواهد
يتقوّى بها - زعموا-.
قال خالد الردادي في معرض ردِّه على فوزي
البحريني: "رابعاً - دعواه أنّ شواهد الحديث ضعيفة واهية لا تصلح لتقويته!
ولا ريب أنّ هذا تعسف وقلة دراية من الكاتب - هداه الله- في الحكم على جميع شواهد
الحديث بالضعف وعدم القبول، وإليك البيان: فقد جاء فضل صيام يوم عرفة من حديث
جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم- وهم: سهل بن سعد، وأبو سعيد الخدري، وقتادة ابن
النعمان، وعبدالله بن عمر، وزيد بن أرقم، وعبدالله بن عباس، وعائشة".
ثُمّ ذكر هذه الأحاديث وخرّجها. وسأذكر
هذه الأحاديث وأتكلّم عليها، وبيان هل تصلح هذه الأحاديث لأن ترقى بحديث أبي قتادة
إلى الاحتجاج به.
·
لا يُحتج
بأحكام الهيثمي على الأحاديث!
والملاحظ على طريقة الردادي أنه في قبوله
لكثيرٍ من هذه الأحاديث إنما احتج بأقوال الهيثمي! والهيثمي من أهل العلم ولا شكّ
في ذلك-، ولكنه في علم الحديث ليس بذاك المحقق كما قال تلميذه ابن حجر، وقد بيّنت
حاله في غير هذا الموضع، وخلاصة الكلام فيه كما قال الحافظ ابن حجر: أنه لا يعرف
في علم الحديث إلا الفنّ الذي درّبه عليه شيخه العراقي، ويقصد ابن حجر بذلك: «علم
الزوائد»! وهذا العلم لا يرقى بصاحبه أن يكون علماً في هذا العلم الجليل، فيصحح
ويضعف، ويحتجّ بأقواله؛ لأنه يحكم على ظواهر الأسانيد دون النظر في العلل، أو
أحوال الرّجال كما سأبيّنه إن شاء الله تعالى.
·
الشاهد
الأول: ما رُوي عن سَهلِ بن سَعدٍ:
قالَ أَبو بكر ابن أَبِي شَيبةَ في «مصنفه»
(2/341) (9717): حدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ هِشَامٍ، قالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
حَفْصٍ الطَّائِفِيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ يَوْمَ عَرَفَةَ
غُفِرَ لَهُ ذَنْبُ سَنَتَيْنِ مُتَتابِعَتَيْنِ».
ورواهُ أبو يعلى في «مسنده» (13/542)،
وعبد بن حميد (كما في المنتخب من مسنده) (ص170) (464) كلاهما عن أبي بكر ابن أبي
شيبة، به. ورواه الطبري في «تهذيب الآثار» (مسند عمر) (1/343) (558) عن محمد بن
إبراهيم الأنماطي عن أبي بكر عبدالله بن أبي شيبة، به. ورواه الطبراني في «المعجم
الكبير» (6/179) (5923) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة وعثمان بن أبي شيبة، كلاهما
عن معاوية بن هشام، به.
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/189):
"رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح".
وصححه الشيخ الألباني معتمداً على كلام
الهيثمي في «صحيح الترغيب» (1012).
قلت:
1- كيف يكون رجاله رجال الصحيح؟ وأبو حفص
الطائفي عبدالسلام بن حفص لم يخرج له البخاري ولا مسلم؟! ومعاوية بن هشام أخرج له
مسلم فقط متابعة؟!
2- تفرّد به عن أبي حازم سلمة بن دينار:
أبو حفص عبدالسلام بن حفص الطائفي! وتفرد عن الطائفي: معاوية بن هشام القصّار
الكوفيّ!!
قال يحيى بن معين: "عبدالسلام مولى
قريش: ثقة مديني".
وقال عبدالرَّحمن بن أبي حاتم في «الجرح
والتعديل» (6/45): سألت أبي عن عبدالسلام بن حفص؟ فقال: "ليس بمعروف".
وقال الذهبي في «المغني» (2/394):
"ثقة، ولكنه يأتي بغرائب".
قلت: عبدالسلام بن حفص أبو حفص وأبو مصعب
المدني أو الطائفي، قيل هما اثنان، وعدّه البخاري واحداً، وهو صدوق، ولكنه يتفرد
عن المشهورين بالغرائب. وهذا الحديث منها، فأين أصحاب أبي حازم كسفيان بن عيينة
وسفيان الثوري وحماد بن زيد وغيرهم من الثقات المعروفين، أين هم عن هذا الحديث - إن
ثبت أنه رواه عن أبي حازم-؟!
وأما معاوية بن هشام القصار الكوفي، فقال
ابن معين: "صالح، وليس بذاك". [الكامل: 6/407].
وذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال: "ربما
أخطأ".
وقال ابن شاهين في «الثقات»: قال عثمان بن
أبي شيبة: "معاوية بن هشام رجل صدق، وليس بحجة".
وقال الساجي: "صدوق يَهِم. قال أحمد
بن حنبل: هو كثير الخطأ". [تهذيب التهذيب: 10/196].
وقال ابن حجر في «التقريب» (ص538):
"صدوقٌ له أوهام. من صغار التاسعة. مات سنة أربع ومائتين. (بخ م 4)".
قلت: أخرج له مسلمٌ في صحيحه أربعة أحاديث
مما تُوبع عليه. فحديثه لا يُحتج به إذا انفرد به؛ لأنه كثير الخطأ.
والخلاصة أن هذا الحديث لا يُحتج به، ولا
يصلح لأن يكون شاهداً؛ لأن اثنين ممن تُكلِّم فيهم تفردا به في طبقتين من الطبقات،
فالثقة إذا تفرد في طبقة من هاتين الطبقتين قد يكون حديثه شاذّاً عن الأئمة
النقاد، فكيف بهذين؟!
·
الشاهد
الثاني: ما رُوي عن قتادةَ بنِ النعمَان وأبي سعيدٍ الخدريّ:
روى إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ أَبي
فَرْوَةَ، عَنْ عِيَاضِ بنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنْ
قَتَادَةَ بنِ النُّعْمَانِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَوْمَ عَرَفَةَ غُفِرَ لَهُ سَنَةٌ
أَمَامَهُ وَسَنَةٌ بَعْدَهُ».
أخرجه ابن ماجه في «السنن»، باب صيام يوم
عرفة، (1/551) (1731) عن هشام بن عمَّار عن يَحيى بن حمزة عن إسحاق، به. وأخرجه
الطبراني في «المعجم الكبير» (19/4) عن أحمد بن محمد الخزاعي الأصبهاني عن محمد بن
بُكير الحضرمي عن سُويد بن عبدالعزيز الدمشقي، و(19/5) عن أحمد بن المعلى الدمشقي
عن هشام بن عمار عن يحيى بن حمزة، كلاهما عن إسحاق، به. ورواهُ ابن عبدالبر في
«التمهيد» (21/162) من طريق عمر بن عبدالواحد، عن إسحاق، به.
ورواهُ عبدُ بن حُميد (كما في المنتخب من
مسنده) (ص299) (299) عن يحيى بن إسحاق عن ابن لهيعة عن إسحاق بن عبدالله بن أبي
فروة عن عياض بن عبدالله بن سعد عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فذكره. ورواه ابن عساكر في «تاريخه» (43/230) من طريق عبدالله بن وهب، عن ابن
لهيعة، به.
وذكر ابن حجر في «المطالب العالية»
(6/171) إسناد عبد بن حميد، ثم قال: "رواه ابن ماجه من هذا الوجه فزاد: عن
أبي سعيد عن قتادة بن النعمان. وإسحاق ضعيف جداً".
قلت: الزيادة ليست من ابن ماجه، وقد تابعه
غيره كما تقدم في التخريج. والصواب أنه: «عن أبي سعيد عن قتادة بن النعمان». ولم
يتنبه لهذا الهيثمي والمنذري، فقالا: "وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم"! وكذلك لم يتنبه لهذا الأخ الردادي، فخرّج الحديث
فقال: "أخرجه ابن ماجه وعبد بن حميد... عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن
قتادة بن النعمان رضي الله عنه"! مع أن رواية عبد بن حميد ليس فيها:
"قتادة بن النعمان"!!
قال ابن عبدالبر في «التمهيد» (21/163):
"إسحاق هذا هو إسحاق بن أبي فروة، وهو ضعيف. والفضائل يُتسامح في أسانيدها".
وقال البوصيريّ في «مصباح الزجاجة» (2/75):
"هذا إسناد ضعيف، لضعف إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة. لكن لم ينفرد بها إسحاق
بن عبدالله عن عياض بن عبدالله، فقد تابعه على ذلك: زيد بن أسلم كما رواه البزار
في مسنده عن محمد بن عمر بن هياج عن عبيدالله بن موسى، عن عمر بن صَهْبَان، عن زيد
بن أسلم، عن عياض بن عبد الله، بلفظ: (من صام يوم عرفة غفر له سنة أمامه وسنة خلفه
الحديث)، إلا أنه لم يذكر قتادة. وكذلك رواه الطبراني في (الأوسط) عن أحمد بن
زهير، عن يوسف ابن موسى القطان، عن سلمة بن الفضل، عن حجاج بن أرطأة، عن عطية، عن
أبي سعيد به. وله شاهد في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي قتادة".
وصححه الشيخ الألباني في «صحيح سنن ابن
ماجة» رقم (1731). وفي المطبوع: "عن أحمد بن زاهر"، وهو خطأ! والصواب:
"أحمد بن زهير".
وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/189) عن
حديث أبي سعيد مرفوعاً: "رواه البزار، وفيه عمر بن صهبان، وهو متروك.
والطبراني في الأوسط باختصار يوم عاشوراء، وإسناد الطبراني حسن".
وقال المنذري في «الترغيب والترهيب»
(2/71): "رواه الطبراني بإسناد حسن".
قال الشيخ الألباني في «صحيح الترغيب
والترهيب» عن حديث قتادة بن النعمان (1011): "صحيح لغيره". وكذلك قال عن
حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه الطبراني في الأوسط، (1013) و(1021)!!
قلت: أما إسحاق بن أبي فروة فليس بضعيف
بحيث يمكن قبوله في الشواهد والمتابعات كما صوّر حاله ابن عبدالبر - غفر الله له-!
بل قد أجمع الأئمة على تركه، واتهمه بعضهم. فكيف يُستشهد بحديثه، أو يُقال إسناده
ضعيف فقط؟!
قال يحيى بن معين: "إسحاق بن أبي
فروة لا شيء، كذّاب".
وقال البخاري في «التاريخ الكبير» (1/396):
"إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة أبو سليمان مولى عثمان بن عفان، قرشي مديني،
تركوه... نَهى ابن حنبل عن حديثه".
وقال أبو حاتم الرازي: "إسحاق بن
عبدالله بن أبى فروة متروك الحديث". وقال أبو زُرعة: "ذاهب الحديث،
متروك الحديث". [الجرح والتعديل: 2/227].
وقال الفلاَّس والنسائي وعلي بن الجنيد
والدارقطني: "متروك الحديث". [الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي: 1/102].
وقال ابن حبان في «المجروحين» (1/131):
"كان يقلب الأَسانيد ويرفع المراسيل، وكان أحمد بن حنبل ينهى عن حديثه".
وأما ما ذكره البوصيري من متابعة زيد بن
أسلم له من رواية عمر بن صَهْبَان، فهذا مما لا ينقضي منه العجب!! فعمر بن صهبان
هذا مجمعٌ على تركه كذلك! فهل المتروك يتقوّى بمثله؟!
وأما إسناد رواية الطبراني في «الأَوسط»
فليس بِحَسَنٍ كما زعموا! فهو إسنادٌ مسلسلٌ بالضعفاء الذين لا يُحتج بحديثهم.
قال الطبراني في «المعجم الأوسط» (2/308)
(2065): حدَّثنا أحمد بن زهير قال: حدّثنا يوسف بن موسى القطان، قال: حدثنا سلمة
بن الفضل قال:حدثنا الحجاج بن أرطاة، عن عطية بن سعد، عن أبي سعيد الخدري قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوم يوم عرفة كفارة السنة الماضية والسنة
المستقبلة».
وذكر الدارقطني في «الغرائب والأفراد»
[كما في الأطراف: 2/120، 4875] حديثاً: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صيام
عرفة كفارة سنة».
قال: "تفرد به الحجاج بن أرطأة عن
الحسنابن مكرم عن مجاهد. ولم أجده إلا عند سلمة بن الفضل".
قلت: حجاج وسلمة كلاهما لا يُحتج به. فحجّاج
يدلس كثيراً عن الضعفاء، وهو مضطرب الحديث، ليس بالقوي، كثير الخطأ، قد ترك بعض
الأئمة حديثه. وخرّج له مسلم مقروناً بغيره؛ لأنه صالح في نفسه، ولم يكن يتعمد
الخطأ.
وسلمة بن الفضل الأبرش الرازي، ضعفه إسحاق
بن راهويه. قال علي بن المديني: "رمينا بحديثه قبل أن يخرج من الري". وقال
البخاريّ: "عنده مناكير وفيه نظر".
وقال أبو حاتم الرازي في: "صالحٌ،
محله الصدق. في حديثه إنكار، ليس بالقوي، لا يمكن أن أطلق لساني فيه بأكثر من هذا.
يُكتب حديثه، ولا يُحتج به".
وقال ابن حزم في «المحلى» (9/156):
"ساقطٌ مُطرّح".
وقال ابن حجر في «التقريب» (ص248):
"صدوقٌ كثير الخطأ".
وأما عطية بن سعد العوفي فهو تابعيّ
مُجمعٌ على ضعفه.
قال عبدالله بن أحمد بن محمد بن حنبل:
سمعت أبي - وذكر عطية العوفي- فقال: "هو ضعيف الحديث. بلغني أن عطية كان يأتي
الكلبي فيأخذ عنه التفسير، وكان الثوري وهشيم يضعفان حديث عطية".
وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم في «الجرح
والتعديل» (6/382): سألت أبي عن عطية العوفي؟ فقال: "ضعيف الحديث. يُكتب
حديثه. وأبو نضرة أحب إليّ من عطية". وسئل أبو زرعة عنه، فقال: "كوفي
ليِّن".
وقال ابن حبّان في «المجروحين» (6/176):
"سمع من أبي سعيد الخدري أحاديث، فلما مات أبو سعيد جعل يجالس الكلبي، ويحضر
قصصه، فإذا قال الكلبي: قال رسول الله بكذا فيحفظه، وكناه أبا سعيد، ويروي عنه،
فإذا قيل له: من حدّثك بهذا، فيقول: حدثني أبو سعيد، فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد
الخدري، وإنما أراد به الكلبي، فلا يحلّ الاحتجاج به، ولا كتابة حديثه إلا على جهة
التعجب".
وقال الحاكم في «المستدرك» (4/581) بعد أن
خرَّجَ له حديثاً: "تفرد به عطية بن سعد عن أبي سعيد الخدري، ولم يحتج
الشيخان بعطية".
وقال ابن حجر في «التقريب» (ص393):
"صدوقٌ يُخطىء كثيراً، وكان شِيعياً مُدلساً".
قلت: فهل بعد هذا الإسناد الواهي يُحتج به
أو يُقال: إنه حسن!!
·
تنبيه
على خلط وقع في مطبوع «مسند الطيالسي»!
أنبه هنا إلى خلطٍ وقع في مطبوع «مسند
الطيالسي» (ص84) رقم (602)، قال أبو داود: حدثنا وهيب، عن داود بن أبي هند، عن أبي
نضرة، عن أبي سعيد قال: «لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطباء الأنصار
فجعل بعضهم يقول: يا معشر المهاجرين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث
رجلاً منكم قرنه برجل منا، فنحن نرى أن يلي هذا الأمر رجلان، رجل منكم ورجل منا. فقام
زيد بن ثابت فقال: يا رسول الله، فما نقول في صوم يوم عرفة قال: إني لأحتسب على
الله عز وجل أن يكفر السنة التي قبلها والسنة التي بعدها».
كذا في المطبوع! ولا يصح! فإنّ ما في
المطبوع إلى قوله: "فقام زيد بن ثابت فقال.."، ثُم بياض، ثُم جاء بعد في
سطر جديد: "يا رسول الله، فماذا نقول في صوم..."! وما بعد البياض ليس من
الحديث، وإنما من حديث آخر، اختلط في المطبوع.
والحديث رواه ابن عساكر في «تاريخه»
(19/314) من مسند الطيالسي، فرواه من طريق يونس بن حبيب - راوي مسند الطيالسي -
قال: حدثنا أبو داود سليمان بن داود: حدثنا وهيب، عن داود بن أبي هند، عن أبي
نضرة، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: «لَمَّا
تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ خُطَبَاءُ
الأَنْصَارِ، فَجعل بعضهم يقول: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، إِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا بَعَثَ رَجُلاً مِنْكُمْ
قَرَنَهُ بِرَجُلٍ مِنَّا، فَنَحْنُ نَرَى أَنْ يَلِيَ هَذَا الأَمْرَ رَجُلانِ
رَجُلٌ مِنْكُمْ وَرَجُلٌ مِنَّا، فَقَامَ زَيْدُ بن ثَابِتٍ، فَقَالَ: إِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ،
وَكُنَّا أَنْصَارَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما يكون
الإمام من المهاجرين ونحن أنصاره كما كنا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا
مِنْ حَيٍّ يَا مَعْاشرَ الأَنْصَارِ، وَثَبَّتَ قَائِلُكُمْ، وَاللَّهِ لَوْ
قُلْتُم غَيْرَ ذَلِكَ مَا صَالَحْنَاكُمْ».
وكذا رواه الطبراني في «المعجم الكبير»
(5/114) (4785) عن أحمد بن القاسم بن المساور الجواهري، قال: حدثنا عفان بن مسلم: حدثنا
وهيب بن خالد، به.
قلت: فتبيّن من هذا أن الخلط في مطبوع
مسند الطيالسي، ورغبت أن أنبه إلى هذا لئلا يأتي أحد طلبة العلم، فيخرّج الحديث من
مسند الطيالسي من خلال «الموسوعات الحاسوبية» فيظن أنه من رواية زيد بن ثابت أو
أبي سعيد الخدري؛ لأن الذين أدخلوا هذه الكتب في هذه الموسوعات لا علم لهم بعلوم
الشريعة، وإنما هم مدخلو معلومات فقط، فليحذر طلبة العلم من الوقوع في شِراك هذه
الموسوعات. ولا يعني هذا أنني أقلل من أهمية هذه الموسوعات وإيجابياتها الكبيرة،
ولكن ينبغي لطالب العلم أن يأخذ المعلومة منها فقط، لسرعة الوصول إليها، ثم يرجع
إلى الأصول، وبغير هذا لن يتقدّم في هذا العلم أو العلوم الشرعية الأخرى.
·
الشاهد الثالث:
ما رُوي عن عبدِالله بنِ عُمر:
روى الطبرانيُّ في «المعجم الأوسط» (1/229)
(751) قالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن بشيرٍ، قَالَ: حدثنا يَحْيَى بن مَعِينٍ،
قَالَ: حدثنا مُعْتَمِرُ بن سُلَيْمَانَ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى الفُضيلِ بن
مَيْسَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَرِيزٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بن
جُبَيْرٍ، يَقُولُ: سَأَلَ رَجُلٌ عَبْدَاللَّهِ بن عُمَرَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ
عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: «كُنَّا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعْدِلُهُ بِصَوْمِ سَنةٍ».
قال الطبرانيُّ: "لَمْ يَرْوِ هَذَا
الحَدِيثَ عَنْ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، إِلا أَبُو حَرِيزٍ".
وفي المطبوع: «بصوم سنتين»! وهو خطأ.
وقد أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار»
(2/72) عن علي بن عبدالرحمن عن يحيى بن معين، به. بلفظ: «كنا ونحن مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم نعدله بصوم سنة».
قال الطحاوي: "فثبت بهذا الأثر عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم الترغيب في صوم يوم عرفة، فدلّ ذلك أن ما كره من
صومه في الآثار الأول هو للعارض الذي ذكرنا من الوقوف بعرفة لشدة تعبهم، وهذا قول
أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى".
قلت: بل هذا الأثر لا يثبت. وهذا الأثر قال
عنه المنذري في «الترغيب والترهيب» (2/69): "رواه الطبراني في الأوسط بإسناد
حسن". وتبعه الشيخ الألباني فذكره في «صحيح الترغيب» رقم (1014)، وقال:
"حسن لغيره"! وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/190): "رواه
الطبراني في الأوسط وهو حديثٌ حسنٌ"! ونقل الأخ الردادي قول المنذري والهيثمي
موافقاً لهما! ومالَ إلى صحته أيضاً الحافظ ابن عبدالبر في «التمهيد» (21/163)!
وكلّ ذلك خطأ.
ورواهُ الطبريُّ في «تهذيب الآثار» (مسند
عمر بن الخطاب): (1/343) (557) عن محمد بن عبدالأعلى الصنعاني، عن المعتمر بن
سليمان، به.
ثم قال: "إسناده فيه نظر".
وساقه ابنُ عَدي في «كاملِه» ضمن الأحاديث
التي أُنكرت من رواية فُضيل عنه.
قال: حدّثنا ابن مكرم، قال: حدثنا محمد بن
صدران: حدثنا معتمر، مثله.
ثُم قال: "وهذه الأحاديث عن معتمر عن
فضيل عن أبي حريز التي ذكرتها عامتها مما لا يُتابع عليه".
وقد ساق ابن عدي لأَبي حريز اثني عشر
حديثاً، وقال: "ولأبي حريز هذا من الحديث غير ما ذكرته، وعامّة ما يرويه لا
يُتابعه أَحد عليه". [الكامل: 4/159].
ورواه النسائي في «السنن الكبرى» (2/155) عن
محمد بن عبدالأعلى عن المعتمر، به. ثُم قال: "أبو حريز ليس بالقوي واسمه
عبدالله بن حسين قاضي سجستان، وهذا حديث منكر".
قال عبدالله بن أحمد: سمعت أبي يقول: "أبو
حَريز اسمه عبدالله بن حسين، حديثُهُ حديثٌ منكرٌ. روى معتمر عن فضيل عن أبي حريز
أَحاديث مناكير، وكان أبو حريز قاضياً بسجستان".
وقال حرب بن إسماعيل الكرماني: سئل أحمد
بن حنبل عن أبي حريز، فذكر أن يحيى - يعني ابن سعيد- كان يَحمل عليه، ولا أراه إلا
كما قال.
واختلف قول ابن معين فيه: فوثقه مرة،
وضعّفه أخرى.
ووثقه أبو زرعة. وقال أبو حاتم الرازي:
"هو حسن الحديث، ليس بمنكر الحديث، يُكتب حديثه". [الجرح والتعديل:
5/34].
وضعّفه النسائي.
وقال سعيد بن أبي مريم: "ليس في
الحديث بشيء".
وقال يعقوب بن شيبة: سمعت عليّ يقول: قال
يحيى بن سعيد: قلت لفضيل بن ميسرة أبي معاذ: أحاديث أبي حريز؟ قال: "سمعتها
فذهب كتابي. فأَخذ بها بعد من إنسان".
·
سبب وقوع
الخطأ في حديث فضيل عن أبي حريز!
قلت: فكأن العلّة في الأحاديث التي رواها
فضيل عن أبي حريز ليست من أبي حريز، وإنما من فُضيل؛ لأنه ضيّع كتابه، وهو قد سمع
منه، ولكنه بعد فقده لكتابه أخذها من إنسانٍ لا نعرفه، فلا ندري كيف كان كتابه!
فيحتمل أن المناكير جاءت من قبله، فالله أعلم.
فهذه قصة نفيسة فعضّ عليها بنواجذك؛ لأنها
تبيّن لنا كيف تدخل المنكرات على حديث الراوي.
وفُضيل لم يحتج به البخاري ومسلم، وهو
صدوقٌ صالحٌ في نفسه، ولكن لا يُحتج به إذا انفرد.
ولأبي حريز موضع واحد عند البخاري في
الشهادات متابعة.
روى البخاري في «صحيحه» (2/938)، (باب لا
يشهد على شهادة جور إذا أشهد) من طريق أبي حيان التيمي عن الشعبي عن النعمان بن
بشير رضي الله عنهما قال: «سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله، ثم بدا له فوهبها
لي، فقالت: لا أرضى حتى تشهد النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي وأنا غلام، فأتى
بي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة لهذا،
قال: ألك ولد سواه؟ قال: نعم. قال: فأراه قال: لا تشهدني على جور». وقال أبو
حريز عن الشعبي: «لا أشهد على جور».
وقد ذكر ابن حجر في «أَماليه» (ص141)
متابعةً لهذا الحديث، فرواهُ من طريق أَبي إسماعيل الترمذي قال: حدَّثنا هارون بن
صالح قال: حدّثنا عبدالرحمن بن زيد بن أَسلم، عن أَبيه، عن ابن عمر - رضي الله
تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام يوم عرفة غفر له ما
تقدم من ذنبه سنة، وما تأَخر سنة».
ثم قال: "هذا حديثٌ حسنٌ رجاله
موثقون إلا عبدالرحمن، فكان من علماء أهل المدينة، لكنه ضعيفٌ في الحديث. وقد وجدت
للحديث عن ابن عمر أَصلاً أخرجه الطبراني بإسنادٍ جيّدٍ من رواية سعيد بن جبير عن
ابن عمر، بلفظ: «صوم يوم عرفة كفارة سنتين»، وهي متابعة ناقصة، ولذا حسنته. وأصل
الحديث في مسلم من رواية أبي قتادة".
قلت: أما حديث الطبراني فقد بيّنت أنه
منكر! فأنّى له الجودة! وهو لا يقوي حديث عبدالرحمن بن زيد الضعيف.
وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم يروي عن أبيه
أحاديث منكرة جداً! وقد أجمع أهل العلم على ضعفه، وخاصة أهل المدينة بلدييه.
وقد ضعفه أحمد وعلي بن المديني والبخاريّ
وأبو داود والترمذي وأبو زرعة وأبو حاتم الرازي والنسائي والساجي والدارقطني
والطحاوي.
وقال ابن حبان في «المجروحين» (2/57):
"كان ممن يقلب الأَخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك في روايته من رفع المراسيل
وإسناد الموقوف فاستحق الترك".
وقال الحاكم وأَبو نُعيم: "روى عن
أبيه أحاديث موضوعة". [تهذيب التهذيب: 6/161].
وقال ابن خُزيمة في «صحيحه» (3/233):
"وعبدالرحمن بن زيد ليس هو ممن يحتج أهل التثبيت بحديثه لسوء حفظه للأسانيد،
وهو رجلٌ صناعته العبادة والتقشف والموعظة والزهد، ليس من أَحلاس الحديث الذي يحفظ
الأَسانيد".
قلت: والراوي عنه هارون بن صالح الطلحي
صدوقٌ يُخطئ.
ذكر الذهبي في «الميزان» حديثاً رواه
هارون بن صالح، عن عبدالله بن زيد بن أسلم، عن ربيعة الرأي، عن محمد بن إبراهيم
التيمي: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يحجّ أحد عن أحد إلا ولد عن والده».
قال الذهبي: "هارون بن صالح
مجهول".
فتعقبه الحافظ ابن حجر في «اللسان» (4/59)
فقال: "قلت: الرجل أَجل من ذلك، لكنه يغلط".
قلت: لا يُحتج به إذا انفرد.
·
الشاهد الرابع:
ما رُوي عن زَيدِ بنِ أَرْقَمَ:
روى الطبرانيُّ في «المعجم الكبير»
(5/202) (5089) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن رِشْدِينَ المِصْرِيُّ، قال: حَدَّثَنِي
أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَمْرِو بن الْحَارِثِ، عَنْ عُمَرَ بن
قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ زَيْدِ بن أَرْقَمَ، عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صِيَامِ
عَرَفَةَ؟ قَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا وَالسَّنَةَ الَّتِي
بَعْدَهَا».
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/190):
"رواه الطبراني في الكبير، وفيه رشدين بن سعد، وفيه كلام، وقد وُثّق".
قلت: نعم، هو حديثٌ منكرٌ. ورِشدين بن سعد
قد أجمع أهل العلم على تضعيفه - ابن معين وأبو حاتم الرازي وأبو زرعة والنسائي والجوزجاني
وابن يونس وابن سعد وأبو داود والدارقطني، وغيرهم-، وعدم الاحتجاج به؛ لأنه كان لا
يبالي ما دُفع إليه فيقرأه! وكان مغفلاً.
قال ابن حبان في «المجروحين» (1/303):
"كان ممن يُجيب في كلِّ ما يُسأل، ويَقرأ كلّ ما يُدفع إليه سواء كان ذلك
حديثه أو من غير حديثه، ويقلب المناكير في أخباره على مستقيم حديثه".
·
الشاهد الخامس:
ما رُوي عن عبدِاللهِ بنِ عبَّاس:
روى الطبرانيُّ في «المعجم الكبير»
(11/72) (11081) و«المعجم الصغير» (2/164) (963) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن رُزَيْقِ
بن جَامِعٍ الْمِصْرِيُّ، قال: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بن حَبِيبٍ: حَدَّثَنَا
سَلامُ الطَّوِيلُ: عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، عَنْ لَيْث بن أبي سُليمٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ يَوْمَ عَرَفَةَ
كَانَ لَهُ كَفَّارَةَ سَنَتَيْنِ، ومَنْ صَامَ يَوماً مِنَ الْمُحَرَّمِ فَلَهُ بِكُلِّ
يَوْمٍ ثَلاثِينَ يوماً».
قال الطبراني في «الصغير»: "لم يروه
عن حمزة الزيات إلا سلام الطويل، تفرد به الهيثم بن حبيب".
وقال المنذري في «الترغيب والترهيب»
(2/70): "رواه الطبراني في الصغير، وهو غريبٌ، وإسناده لا بأس به، والهيثم بن
حبيب وثقه ابن حبان".
وقد تعقّبه الشيخ الألباني في «السلسلة
الضعيفة» (412)، وتعقّب أيضاً الهيثمي. وقد أعلّه الشيخ بسلاّم الطويل، وحكم على
الحديث بالوضع.
·
حديث
واحد جعله الألباني حديثين!
والحديث ذكره الألباني في «الضعيفة» رقم
(412) "من صام يوم عرفة كان له كفارة سنتين، ومن صام يوماً من المحرم فله بكل
يومثلاثون يوماً". ثُمَّ قال: "موضوع. أخرجه الطبراني في "المعجم
الصغير" (ص 200) من طريق الهيثم بن حبيب: حدثنا سلام الطويل عن حمزة الزيات
عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعاً. وقال: تفرد به الهيثم بن
حبيب". ثُم أعلّه، ثُم ذكر بعده برقم (413) "من صام يوماً من المحرم فله
بكل يوم ثلاثون حسنة". ثُمّ قال: "موضوع. أخرجه الطبراني في
"الكبير" (3/109/1): حدثنا محمد بن رزيق بن جامع: حدثنا الهيثم بن حبيب:
أخبرنا سلام الطويل عن حمزة الزيات عن ليث عن مجاهد عنابن عباس مرفوعاً. قلت: وهذا
إسناد موضوع، وله علل ثلاث تقدم بيانها في الحديث الذي قبله. ومع أن إسنادهما
واحد، فالمتن مختلف، ففي هذا قال: "ثلاثون حسنة" وفي ذاك قال:
"ثلاثون يوماً"، وهذه علة أخرى تُضم إلى ما قبلها!" انتهى كلامه.
قلت: الحديثان حديث واحد، وإسنادهما واحد
كما ذكر الشيخ، فأما الذي عند الطبراني في "الصغير" فساقه بتمامه، وأما
في "الكبير" فإنه ذكر أولاً الشطر الأول منه، ثم ذكر الشطر الثاني
بالإسناد نفسه، وهذا يدلّ على أنهما حديث واحد، والمتن ليس بمختلف كما توهّم
الشيخ، وإنما حصل خللٌ في النسخ، فجاء في "الكبير" "حسنة" بدل
"يوماً". وكان ينبغي على الألباني جمعهما لا تفريقهما على أنهما حديثان!
وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/190):
"رواه الطبراني في الصغير وفيه الهيثم بن حبيب عن سلام، وسلام ضعيف، وأما
الهيثم بن حبيب فلم أَرَ من تكلَّم فيه غير الذهبي، اتهمه بخبرٍ رواه، وقد وثقه
ابن حبان".
وذكره ابن حجر في «الأمالي» (ص22) ونقل
كلام الطبراني، ثُم نقل كلام المنذري، ثُمّ تعقّبه بقوله: "وهو يُوهم أنه ليس
في الإسناد من يُنظر في حاله إلا الهيثم! وليس كذلك؛ فإنّ ليث بن أبي سليم مُتكلّم
في حفظه، وكذا حمزة. وأما سلام: فقال علي بن المديني وأبو زرعة: ضعيف. وقال أحمد
بن حنبل ويحيى بن معين: أحاديثه منكرة. وقال البخاري وأبو حاتم: تركوه. وقال
الجوزجاني والنسائي: ليس بالثقة. وقال ابن خِراش: كذاب. وقال ابن حبان والحاكم:
روى أحاديث موضوعة. وقال ابن عدي: لا يُتابع على حديثه. وأما الهيثم فلم أَر
للمتقدمين فيه كلاماً، وهو في ثقات ابن حبان كما قال، لكن شيخ شيوخنا الذهبي ذكره
في الميزان، وذكر له حديثاً عن ابن عيينة، وقال: إنه باطل والآفة فيه من الهيثم. فظهرَ
بمجموع ما ذكرت أن بإسناده كلّ البأس".
قلت: هو حديثٌ موضوعٌ، والعهدة فيه على
الهيثم بن حبيب شيخ ابن رُزيق، وإن كان الطويل متّهم أيضاً، فالأَولى أن تلصق
التهمة بمن هو متأخر إذا تفرد بالحديث، وإنما لم يجعلوا العهدة على الهيثم لأنهم
ظنوا أن ابن حبان ذكره في الثقات، وليس كذلك!
·
تعقّب من
نَسب لابن حبان ذكره للهيثم بن حبيب صاحب هذا الحديث في الثقات!
قال الذهبي في «ميزان الاعتدال» (7/106):
"الهيثم بن حبيب عن سفيان بن عيينة بخبرٍ باطلٍ في المهدي، هو المتهم به.
رواه أبو نعيم عن الطبراني عن محمد بن رزيق بن جامع عنه. أما الهيثم بن حبيب عن
عكرمة والحكم بن عتيبة، وعنه شعبة وأبو عوانة وجماعة فوثقه أبو حاتم".
قال ابن حجر في «لسان الميزان» (6/205)
بعد أن نقل كلام الذهبي المتقدّم: "والهيثم بن حبيب المذكور ذكره ابن حبان في
الطبقة الرابعة من الثقات".
قلت: تبع في ذلك المنذري! وهو وهم! فإنَّ
الذي في ثقات ابن حبان آخر متقدّم عن هذا، وهو الذي ذكره الذهبي بعد أن ذكر هذا
المتهم. وهو الهيثم بن حبيب الصيرفي الكوفي، ذكره ابن حبان في طبقة أتباع
التابعين، روى عنه أبو حنيفة وأهل العراق. وأما هذا الذي يروي عنه شيخ الطبراني
فهو متأخر، ولا يُعرف، وهو صاحب الحديث الموضوع الذي ذكره الذهبي في الميزان.
وقذ ذكر في حديث عند ابن عساكر في
«تاريخه» (51/18) ونُسب: "الهيثم بن حبيب الخراساني". والعجب من ابن حجر
يذكر في اللسان والأمالي أن ابن حبان ذكره في الثقات تبعاً للمنذري، وهو نفسه قد
فرّق بينهما في كتابين آخرين له، وأن المتقدم الثقة هو الذي ذكره ابن حبان. فذكر
في «تهذيب التهذيب» (11/81): "الهيثم بن حبيب وهو الهيثم بن أبي الهيثم
الصيرفي الكوفي أخو عبد الخالق بن حبيب روى عن عكرمة... وقال أبو زرعة وأبو حاتم
ثقة في الحديث صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات". ثُم ذكر: "(تمييز)
الهيثم بن حبيب آخر، روى عن ابن عيينة بإسناد صحيح خبراً طويلاً ظاهر البطلان في
ذكر المهدي وغير ذلك، أورده الطبراني في الأوسط عن محمد بن رزيق بن جامع عنه،
فالهيثم هو المتهم به، قاله صاحب الميزان، وذكرته للتمييز بينه وبين الذي قبله
فإنه متأخر عنه".
وقال في «تقريب التهذيب» (ص577):
"الهيثم بن حبيب الصيرفي الكوفي صدوق من السادسة، ذكره عبدالغني ولم يذكر من
أخرج له، وجوَّز المزي أن يكون له في (مد)"، ثُم ذكر: "الهيثم بن حبيب
شيخ لمحمد بن رزيق شيخ الطبراني: متروك من العاشرة (تمييز)".
وجاء في نسخة الشيخ عبدالفتاح أبو غدة من
«لسان الميزان» (8/354) زيادة عما في المطبوع المتداول في ترجمة «الهيثم بن حبيب»،
وفيها: "وفي الكبير للطبراني: عن محمد بن رزيق، عن الهيثم المذكور، عن سلام
الطويل، عن حمزة، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس رفعه: «من صام يوم عرفة كان له
كفارة سنتين» وسلام متروك".
فجعل العهدة على سلام!
·
الشاهد السادس:
ما رُوي عن عَائشةَ:
رَوى الإمامُ أحمد في «مسنده» (6/128)
(25014) قالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَطَاءٌ الخُرَاسَانِيُّ: أَنَّ عَبْدَالرَّحْمَنِ بنَ أَبِي
بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهِيَ صَائِمَةٌ والمَاءُ يُرَشُّ
عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهَا عَبْدُالرَّحْمَنِ: أَفْطِرِي. فَقَالَتْ: أُفْطِرُ،
وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ
صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ العَامَ الَّذِي قَبْلَهُ».
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/189):
"رواه أحمد وعطاء لم يسمع من عائشة بل قال ابن معين: لا أعلمه لقي أحداً من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وبقية رجاله رجال الصحيح".
قلت: بالإضافة إلى أنه لم يسمع من أحد من
الصحابة، فهو كثير الخطأ، ويُرسل ويُدلّس، وهذه القصة منكرة.
وروى السهميّ في «تاريخ جُرجان» (ص142) في
ترجمة «أبي إسحاق إسماعيل بن سعيد الشالنجي الكسائي الجرجاني»، قال: أخبرنا أبو
طلحة محمد بن العوام السيرافي بالبصرة: حدثنا عبدالله بن أسد: حدثنا حاتم بن يونس
الجرجاني: حدثنا إسماعيل بن سعيد - وكان ثقة مأموناً فقيهاً عالماً رحمه الله-:
حدثنا يحيى بن الضريس، عن سفيان - هو الثوري-، عن يحيى بن سعيد - هو الأنصاريّ-،
عن القاسم بن محمد - ابن أبي بكر الصدّيق- قال: دخل عبدالرحمن بن أبي بكر في عرفة
على عائشة، وهي تصب الماء على رأسها، فقال لها أفطري. فقالت: كيف أفطر وقد سمعت
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «صوم يوم عرفة يكفر السنة الماضية».
قلت: تفرَّد به إسماعيل هذا، وهو غريبٌ من
حديث الثوري بهذا اللفظ! ولهذا أورده السهمي في ترجمته، وكان أورد له قبل هذا
حديثاً آخر تفرد به أيضاً!! وقال عنه: "يُقال إن هذا الحديث تفرد إسماعيل بن سعيد
الكسائي بهذا الإسناد".
وظاهر إسناده لا بأس به، لكنه غير مشهور
عن هؤلاء الرواة المشهورين، وهذا التفرد الغريب في هذه الطبقة لا يقبله أهل النقد!
لأن الحديث ينبغي أن يكون منتشراً في مثل هذه الطبقات! ولهذا يورد السهمي وغيره في
مصنفاتهم الغرائب والمناكير كما يفعل الخطيب البغدادي أيضاً في تاريخه! ومن لا
يعرف كيف يصنّف هؤلاء كتبهم ومنهجهم يهجم على التصحيح بظواهر الأسانيد!
وما يبيّن علّة هذا الحديث: ما رواه
الإمام مالك في «الموطأ» (1/375) عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد: «أن عائشة
أم المؤمنين كانت تصوم يوم عرفة». قال القاسم: "ولقد رأيتها عشية عرفة يدفع
الإمام ثم تقف حتى يبيض ما بينها وبين الناس من الأرض، ثم تدعو بشرابٍ فتفطر".
ورواهُ ابنُ أبي شيبة في «مصنفه» (3/196)
عن أبي خالد الأحمر، عن يحيى بن سعيد، مثله.
وبهذا يتبيّن أن الصواب عن يحيى بن سعيد
أن عائشة كانت تصوم يوم عرفة بعرفة، دون ذكر هذا الأجر الذي في رواية السهمي، وهي
رواية معلولة منكرة.
وأخشى أن يكون إسماعيل بن سعيد دخل له متن
حديث عطاء المتقدم في متن هذا الحديث! والله أعلم.
وقول الراوي في الإسناد عن إسماعيل:
"وكان ثقة مأمونا فقيهاً" لا يعني قبول حديثه الذي يتفرد به في هذه
الطبقة التي من شأنها أن يكون الحديث منتشراً.
وهو رحمه الله ليس مشاركة كبيرة في
الحديث، وقد قال عنه الإمام أحمد: "فقيه عالم"، وله مسائل كثيرة عن أحمد.
وروى الوليدُ بنُ مُسلمٍ، قال: حدثني أبو
داود سليمان بن موسى الكوفي، قال: حدثنا دَلْهَمُ بنُ صالح، عن أبي إسحاق، عن
مسروق: «أنه دخل على عائشة يوم عرفة، فقال: اسقوني. فقالت عائشة: يا غلام اسقه
عسلاً، ثُم قالت: وما أنت يا مسروق بصائم؟ قال: لا، إني أتخوف أن يكون يوم الأضحى.
فقالت عائشة: ليس كذلك إنما الأضحى يوم يضحي الإمام - وفي رواية: ويوم النحر يوم
ينحر الإمام-، والتعريف يوم يعرف الإمام - وفي رواية: ويوم عرفة يوم يعرف الإمام-،
أو ما سمعت يا مسروق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَعدله بصيام ألف يوم».
رواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (7/44)،
ثم قال:"لم يروه عن أبي إسحاق إلا دلهم، ولا عن دلهم إلا سليمان، تفرد به
الوليد".
وقال المُنذري في «الترغيب والترهيب»
(2/68): "رواه الطبراني في الأَوسط بإسنادٍ حسنٍ والبيهقي".
وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/190):
"رواه الطبراني في الأوسط، وفي إسناده دلهم بن صالح، ضعفه ابن معين وابن حبان".
وحكم ابن حجر بغرابته في «أماليه» (ص142)،
ثُم قال: "قلت: رواته موثقون إلا أن في دلهم مقالاً، والمستغرب منه العدد
المذكور. وقد روى الفاكهي في «كتاب مكة» من طريق عبدالرَّحمن بن يزيد بن جابر، عن
أبيه، عن عطاءٍ، قال: «صيام يوم عرفة بألف يوم»، وإسناده قويّ، ومثله لا يقال
بالرأي، فإن كان عطاء تلقاه عن عائشة فهي متابعة جيدة. ويجمع بينه وبين الخبر
المشهور - أي خبر أبي قتادة - بأنه قصد بالألف المبالغة، والأصل سبع مئة وشيء فجبر
الكسر تجوزاً، والله أعلم".
قلت: الذي يُفهم من كلام الحافظ - رحمه
الله- تليين خفيف في دلهم! وليس كذلك، فهو نفسه قال عنه في «التقريب» (ص201): "ضعيف"،
وهذا المصطلح يقوله ابن حجر في الراوي الذي لا يجد فيه ما يقوّيه.
وضعفه أبو داود والنسائي وأبو زرعة وابن
حبان والساجي، وغيرهم، وهو ليس من الرواة المشهورين عن أبي إسحاق حتى يتفرد
بأَحاديث عنه! وهو منكر الحديث.
قال النسائي في «الضعفاء» (ص38):
"دلهم بن صالح: ليس بالقوي".
وقال أبو زُرعة في «سؤالات البرذعي»
(ص431): "دلهم بن صالح: ضعيف الحديث".
وقال ابن حبّان في «المجروحين» (1/294):
"منكرُ الحديث جداً، ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأَثبات".
وأما مرسل عطاء بن يَسار فلو كان تلقاه من
عائشة لما عدل عن التحديث به عنها! ولا دليل على أنه تلقاه منها، ولو كان مثله لا
يُقال بالرأي، فقد يكون سمعه من بعض الضعفاء، أو هو مما انتشر بين الناس وهكذا هي
المراسيل!
وقد تفرّد به الوليد بن مسلم كما تفرد
بالحديث السابق! فإن الفاكهي رواه في «أخبار مكة» (5/28) عن يعقوب بن حميد قال:
حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا ابن جابر، عن أبيه، عن عطاء قال: «صيام يوم عرفة
كصيام ألف يوم».
والمعروف أن عائشة رضي الله تعالى عنها
كانت تصوم يوم عرفة بعرفة، وهذا ثابتٌ عنها، ولو كان عندها في ذلك نصٌّ عن النبيّ
صلى الله عليه وسلم لذكرته، فيبقى الأمر اجتهاد منها في صومه، وقد ثبت أن النبيّ
صلى الله عليه وسلم لم يصمه.
وحديث مسروق رُوي من وجهٍ آخر عنه عن
عائشة أنها قالت: «ما من السنة يومٌ أحبُّ إليَّ من أن أصومَ من يوم عرفة».
رواهُ غُندر محمد بن جعفر (كما عند ابن
أبي شيبة في مصنفه: 2/341)، وبشر بن المفضل (كما عند الطبري في تهذيب الآثار:
1/365)، وشبابة بن سَوَّار (كما عند الطبري في تهذيب الآثار: 1/366)، وعبدالرّحمن
بن مهدي (كما عند الفاكهي في أخبار مكة: 5/29)، كلهم عن شعبة، عن أبي قَيس الأوْدي
عبدالرّحمن بن ثَرْوَان، عن هُزَيْل بن شُرحبيل، عن مسروق، عن عائشة، به.
ورواهُ وكيع، عن شعبة، عن أبي قيس، عن
هزيل، عن مسروق، عن عائشة: «كانت تصوم عرفة».
·
هل أثر
مسروق عن عائشة ضعيف؟!
وهذا الأثر ضعّفه فوزي البحريني بأن
عبدالرحمن بن ثروان لين الحديث ويخالف في أحاديثه فلا يحتج به إذا انفرد. وكذلك
قال إن هذا الأثر مخالف لما روت عائشة في صحيح مسلم!
وقد ردّ عليه خالد الردادي، وقال إن
إسناده صحيح، وتوثيق البحريني لما نقله من تهذيب الكمال فيه تدليس منه - هداه
الله- كما قال.
قلت: نعم، هو ليّن الحديث كما قال الأئمة،
وهو يخالف في حديثه، ولا يحتج به كما قال الإمام أحمد، ومن هنا فهم البحريني أنه
لا يحتج بما انفرد به، وهو استدلال صحيح، ودفاع الردادي عنه بتوثيق الذهبي له في
الكاشف غير سديد، سيما وهو نقل عن ابن حجر قوله فيه: "صدوق ربما خالف"،
وهذا يعني أنه لا يحتج بما انفرد به، وهذا إنما يكون في الأحاديث المسندة المرفوعة
لا في مثل هذه الآثار الموقوفة على الصحابة.
ثمّ إنّ الأثر صحيح في جملته، ولم ينفرد
به عبدالرحمن، فقد رُوي بأسانيد صحيحة أخرى عن عائشة كما سبق بيانه، فمثل هذا الأثر
من عبدالرحمن يُقبل، ولا يرد.
وحديث عبدالرحمن هذا ذكر أن عائشة كانت
تصوم عرفة مطلقاً، ولكن رواية يحيى بن سعيد عن القاسم أنها كانت تصوم عرفة بعرفة،
فيُحمل المطلق الذي في رواية عبدالرحمن بن ثروان على المقيّد الذي عند يحيى بن
سعيد، فتكون رواية عبدالرحمن مقبولة في الجملة، لكن لا يُحتج بها وحدها في أن
عائشة كانت تصوم عرفة في غير الحج لأنه لم يذكر في حديثه في الحج أو في غيره؛ فإذا
حملنا روايته على رواية يحيى بن سعيد فعندها تكون روايته مقبولة، وكأنه بسبب ضعفه
لم يضبط الرواية ولم يذكر أن صيام عائشة كان في الحج. وأما في الأحاديث المسندة
المرفوعة فقد ردّ له أهل العلم حديث المسح على الجوربين؛ لأنه خالف الثقات فيه كما
هو مبسوط في مكانه في كتب الأئمة.
وأثر عبدالرحمن بن ثروان رواه عنه شعبة،
وروى شعبة كذلك أثر القاسم بن محمد، وجاء هذا الأثر مفسر في رواية عبدالوهاب ومالك
وغيرهما عن يحيى بن سعيد عن القاسم أن ذلك الصوم كان في عرفة، وبهذا يكون هذا
الأثر صحيحاً، ولكنه مقيّد.
ويوضّح ذلك تبويب الإمام مالك لهذا
الحديث، فإنه قال: «بَاب صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ»، ثُم ساق حديث أُمِّ الْفَضْلِ
بِنْتِ الحَارِثِ: «أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي
صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
هُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ. فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ
بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ فَشَرِبَ».
ثُمّ ساق حديث القاسم بن محمد. وهذا يدلّ
على أن المقصود هو صيام يوم عرفة بعرفة.
والملاحظ أن شعبة - رحمه الله- روى حديث
مسروق بلفظين، واحد منهما يوافق لفظ حديث القاسم، وهذا يدلّ على أنّ شعبة قد روى
حديث مسروق مرة بلفظ حديث القاسم، وإن كان المعنى واحد، لكن اللفظ يختلف، وعليه فكأن
المحفوظ من حديث مسروق الذي رواه عبدالرحمن بن ثروان عن هزيل عنه عن عائشة، قالت: «ما
من السّنة يومٌ أَحبُّ إِليَّ من أن أصوم من يوم عرفة»، والله أعلم.
وأما قول البحريني أن هذا الأثر مخالف لما
رواه مسلم عن عائشة، فيقصد به ما رواه الأسود عن عائشة قالت: «أن النبي صلى الله
عليه وسلم لم يصم العشر»! وهذا الاستدلال سقيم منه؛ لأن فعلها هذا لا يخالف
الحديث، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يصم العشر، وصومها لعرفة إنما كان في عرفة
اجتهاداً منها، فإذا صامته فلا يعني أنها خالفت الحديث، سيما وأنها لم تحجّ كثيراً
بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فهي إنما صامت عرفة بعرفة إذا حجّت اجتهاداً منها
للحديث الذي ذكرته في الأصل، فليس هناك مخالفة، وإنما المخالفة في فهم بعض الناس،
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثمّ إن هذا الحديث معلول ولا يصح عن
عائشة، والصواب فيه الإرسال كما بينته في موضع آخر.
والخلاصة أنّ شواهد حديث أجر صيام عرفة
كلها واهية معلولة، ولا تصلح لأن تشدّ بعضها بعضاً كما ذهب
إليه بعض المعاصرين الذين أسرفوا في تقوية الأحاديث بالشواهد الواهية والمنكرة!!
والله المستعان.
وبعد: فهناك أشياء أخرى كثيرة منها ما يتعلق
بمتن الحديث أفضت في الكلام عليها في كتابي الكبير «تَسليط الأَضواء على حديث
فضل صوم يومي عَرفة وعَاشوراء»، وكذلك تخريج أحاديث صيام عاشوراء وبيان
ما يتعلق ببعضها من علل، وغيرها من الفوائد الكثيرة، ولله الحمد.
·
خلاصة
البحث وفوائده:
هذا البحث بفضل الله تعالى يحوي فوائد
كثيرة لا نستطيع إيرادها كلها في هذه الخلاصة، وإنما نختار الأهم منها.
الرد على من صحح الحديث باعتبار الراوي هو
«أبو قتادة الأنصاري الصحابي»:
صّحّح الإمام مسلم حديث فضل صوم يومي عرفة
وعاشوراء للمعاصرة بين عبدالله بن معبد الزماني وأبي قتادة الأنصاري.
ويُعترض عليه بالآتي:
1- نفي البخاري لسماع عبدالله بن معبد
الزماني من أبي قتادة الأنصاري بقوله: "لا نعرف سماعه من أَبي قتادة"،
وقال في موضع آخر: "ولم يذكر سماعاً من أبي قتادة".
2- من ادّعى أن مسلماً عنده زيادة علم في
مسألة السماع فليأت بالدليل! وكذلك لا يُقال هنا: المثبت مقدّم على النافي! لأن
المثبت لم يذكر السماع ولم يأت بدليل عليه! وإنما مشى على المعاصرة فقط! وليس كل
من عاصر شخصاً التقى به وسمع منه! فهو على الاحتمال.
3- أبو قتادة مدنيّ، فكيف يتفرد بهذا
الحديث عنه راويان بصريان! ولا يوجد عند أصحابه المدنيين!! فابنه عبدالله بن أبي
قتادة من المُكثرين عن أبيه، وأخرج له البخاري ومسلم أحاديث كثيرة عن أبيه، ولا
يوجد عنده حديث صوم عرفة! وهو حديث مطلوب ويتكرر كلّ سنة! وكذلك عطاء بن يسار،
وعمرو بن سُليم الزّرقي، وأبو سعيد الخدري الصحابي، وأبو سلمة بن عبدالرحمن، لا
يوجد عندهم هذا الحديث! فمن أين جاء عبدالله بن معبد الزّماني وحرملة به؟!
4- كلام البخاري "لا نعلم لفلان
سماعاً من فلان" هو نفيّ للسماع كما هو في عبارته الصريحة "فلان لم يسمع
من فلان". وليس معناها كما ذهب كثير من المعاصرين على أنها ليس جزماً في نفي
السماع! بل لا فرق بين العبارتين، وإنما من خلال الاستقراء يقولها البخاري إذا لم
يوجد لهذا الراوي عمّن روى عنه إلا حديثاً واحداً، فلا يوجد غيره لمعرفة السماع،
فالمؤدى واحد عنده وهو نفي السماع لكن بعبارة أخرى.
5- لم يزل أهل العلم يعلّون باختلاف مواطن
الرواة مع تحقق الإدراك والمعاصرة. فهذا أبو وائل لم يثبت سماعه من معاذ، وإنْ كان
قد أدركه بالسِّنِّ، وكان معاذٌ بالشَّام، وأبو وائل بالكوفة، وما زال الأئمةُ -
كأحمد وغيره - يستدلّون على انتفاء السَّماع بمثل هذا، وقد قال أبو حاتم الرازي في
سماع أبي وائل من أبي الدرداء: قد أدركه، وكان بالكُوفة، وأبو الدَّرداء بالشام،
يعني: أنَّه لم يصحَّ له سماع منه.
6- من قال بأن عبدالله بن معبد قد توبع
على حديث عن أبي قتادة تابعه حرملة بن إياس، فيُقال له: هذا الحديث حكم عليه
الدارقطني بالاضطراب لكثرة الاختلاف في أسانيده، ومع ذلك لا نوافقه على ذلك، وإنما
نُرجّح الطريق التي قال عنها بأنها أحسنها وهي: عن أبي الخليل، عن حرملة بن إياس،
عن أبي قتادة.
وهذه متابعة جيدة لحديث عبدالله بن معبد
الزماني. وحرملة بن إياس البصري مستور الحال، وتوفي ما بين سنة (100) و(110هـ)،
وهو من طبقة عبدالله بن معبد الزماني (ت بعد سنة 100هـ).
لكن أعلّ البخاري هذه الطريق أيضاً بقوله:
"لا يعرف لحرملة سماعاً من أبي قتادة". وذلك لأن أبا قتادة مدني، وحرملة
بصري.
7- يلزم الإمام مسلم في تصحيحه لهذا
الحديث بالمعاصرة: تصحيحه لحديث "زوّارات القبور"، لتحقق المعاصرة أيضاً
بين راويه أبي صالح باذام وبين ابن عباس. فإن مسلماً قال: "هذا الحديث ليس
بثابت، وأبو صالح باذام قد اتّقى الناس حديثه، ولا يثبت له سماع من ابن عباس".
فنفى مسلم السماع مع تحقق المعاصرة، بل
واللقاء؛ لأن أبا صالح كان مولى لأم هانئ أخت عليّ بن أبي طالب، وهي بنت عمّ
عبدالله بن عبّاس! وهو يعيش عندهم في بيتهم، فيلزم الإمام مسلم تصحيحه هذا الحديث
بالمعاصرة مع عدم ثبوت السماع!
تضعيف الحديث على اعتبار أن الراوي هو: «أبو
قتادة العدوي البصري التابعي»:
غالب روايات الحديث "عن أبي
قتادة" ليس منسوباً. والخلل الذي حدث في الروايات هو من نسبته، وحصلت النسبة
خطأ من راويه "غيلان بن جرير"، وكان غيلان بن جرير يروي الحديث عن شيخه
الزماني عن أبي قتادة دون نسبة حتى سأله شعبة عن نسبة أبي قتادة.
قال شُعْبَة: حَدَّثَنَا غَيْلَانُ بنُ
جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ، عَنْ أَبِي
قَتَادَةَ – قَالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ لِغَيْلَانَ: الْأَنْصَارِيِّ؟ فَقَالَ
بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ.
وفي رواية: قال شعبة: سمعت غيلان بن جرير
يحدِّث، عن عبدالله بن معبد الزماني، عن أبي قتادة. قلت: الأَنصاريّ؟ قال:
الأَنصاريّ.
فغيلان عندما كان يُحدِّث به عن عبدالله
بن معبد لا ينسبه، فاحتاط شعبة لذلك – وهو معروف بذلك-، فسأله عن أبي قتادة هذا،
من هو؟ فقال له شعبة: الأنصاري، أي: هو أبو قتادة الأنصاري الصحابي؟ فهز غيلان
برأسه، أي نعم هو. ومن هنا جاءت نسبة أَبي قتادة في هذا الحديث في الروايات عن
شعبة، ثُم تصرف أصحاب الأصناف في الروايات كما تصرف الرواة فنسبوه بناءً على ما
سأل شعبة شيخه.
وما فعله شعبة أشبه ما يكون بالتلقين، وإن
فارقه في عدم تقصد شعبة لذلك، وإنما خطر في ذهنه الأنصاري ظناً منه أن أبا قتادة
هذا صحابي بعد أن ذكر شيخه التابعي، وأشهر الصحابة الذين يعرفون بهذه الكنية هو
الأنصاري، فذكره له، فوافقه شيخه غيلان.
وعليه فإن الصواب في الحديث ليس عن أبي
قتادة الأنصاري، وإنما هو: "عن أبي قتادة" وهو العدوي البصري التابعي،
وحينها تستقيم الرواية لأن من روى عنه هذا الحديث من أهل البصرة: عبدالله الزماني
وحرملة بن إياس.
وعليه فهذا الحديث مرسل. ولم أجد من ذهب
إلى هذا من قبلي، وقد مشى جميع الأئمة على أنه الأنصاري الصحابي! فهذه علّة
الحديث، وهذا من فضل الله عليّ فله الحمد سبحانه.
ونؤيد هذا بعدة قرائن:
1- الحديث لا يُعرف إلا في البصرة.
قال هَمَّام: سُئِلَ عَطَاءُ بنُ أَبِي
رَبَاحٍ - وَأَنَا شَاهِدٌ - عَنْ الْفَضْلِ فِي صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَقَالَ:
جَاءَ هَذَا مِنْ قِبَلِكُمْ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ. حَدَّثَنِيهِ أَبُو
الْخَلِيلِ عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ إِيَاسٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَلِمَةً تُشْبِهُ عَدْلَ ذَلِكَ قَالَ:
«صَوْمُ عَرَفَةَ بِصَوْمِ سَنَتَيْنِ، وَصَوْمُ عَاشُورَاءَ بِصَوْمِ سَنَةٍ».
2- نزول بعض أسانيد الروايات عن غيلان بن
جرير (ت129هـ)! وأقدم من رواه عنه قتادة (ت118هـ). وغيلان سمع من أنس بن مالك
(ت92هـ)، فرواية قتادة عنه قديمة وتوفي قتادة قبله بسنين، ولم ينسب قتادة:
"أبا قتادة" في روايته.
ورواهُ عنه شعبة (ت161هـ)، وأبان العطار
(ت في حدود الستين ومائة)، ومحمد بن سليم أبو هلال الراسبي (ت167هـ)، وجرير بن
حازم (ت170هـ)، ومهدي بن ميمون (ت172هـ)، وحماد بن زيد (ت179هـ).
ونزول الإسناد عادة يكون في المراسيل.
3- تحديث قتادة (ت118هـ) بهذا الحديث عن
غيلان (ت129هـ) في حياة غيلان ووفاة غيلان بعده بأكثر من عشر سنين يدل على أن
الحديث من باب الفوائد التي يأخذها الأقران أو الشيوخ عن التلاميذ بعضهم عن بعض،
ولا تعرف إلا من طريق واحد لهذا يسمعها الشيخ من التلميذ أو القرين من قرينه.
4- كلّ من سمع الحديث من غيلان إنما سمعه
منه في أَواخر حياته باستثناء قتادة، ولهذا كان يشك غيلان في بعض الألفاظ، ومنها:
"ذكر الخميس" في بعض الروايات. ومن هنا وافق شعبة في أن أبا قتادة هو
الأنصاري لما قال ذلك شعبة له.
5- سمع شعبة - وكان قدم البصرة وهو شيخ- وحماد
بن زيد وجرير بن حازم - وهو من أقران شعبة - الحديث من غيلان في الفترة التي سمعها
منه شعبة. وحمّاد بن زيد (98 - 179هـ) أشار إلى أنه سمع من غيلان وهو شيخٌ كبير،
ولذلك حدّثهم في ذلك بواسطة أيوب السختياني (ت131هـ)، وأيوب كان من أقران وأصحاب
غيلان، ولم يرو حديث عرفة عنه.
6- قول حماد إنه سمع من غيلان وهو شيخٌ
كبير لا يعني أن غيلاناً ضعيف، ولكن كان أهل العلم يفضّلون السماع من الشيخ قبل أن
يكبر ويتقدّم في السنّ؛ لأنه قد ينسى أو يضطرب أو يخطئ، ولا شك أن هذا الحديث فيه
إشارات إلى أن غيلاناً كان يشك في بعض ألفاظه، ولهذا عندما سأله شعبة عن أبي
قتادة، فقال له: الأنصاري، وافقه. وهذا من شعبة يدلّ على أنه كان شيخاً عارفاً
بالحديث، وقد سمع من غيلان وهو شيخ، كما سمعه قتادة من قبل وهو شيخ، وقد روى قتادة
وشعبة هذا الحديث؛ لأنه يتعلق بفضل يوم عظيم، ولا يوجد في هذا الباب إلا هذا
الحديث، فلذلك روياه. ورواه قتادة في حياة غيلان، وكأنه سُئِل عن صيامه في بعض
مجالسه أو غير ذلك فحدّث به عن غيلان. وكذلك شعبة. وقد تتبعت رواية قتادة وشعبة عن
غيلان، فلم أجد لقتادة إلا حديثاً آخر بجانب حديث صيام عرفة، وحديثين آخرين لشعبة،
وهذا يعني ويؤكد ما قلته بأنهما سمعا منه وهما شيخان عندهما حديث كثير، وحديث عرفة
مرغوبٌ كونه في الفضائل، ولا يوجد إلا عند البصريين.
7- لغة الحديث تشبه لُغَةُ المراسيل،
والمراسيل تأتي على ما يشتهيه الناس وما يحبونه؛ فجاء في هذا الحديث كلّ أنواع صوم
النوافل، وفي بعضها رتّب أجوراً عليها. وليس من هديه صلى الله عليه وسلم أن تكون
أحاديثه هكذا وخاصة في الصيام!
8- التصريح من ابن معين أنّ كلّ من روى من
البصريين عن أبي قتادة فهو التابعي العدوي.
قال العبّاس بن محمد: سمعت يحيى بن معين يقول:
"كلّ شيء يُروى عن ابن سيرين، وعن البصريين، عن أبي قتادة، فهو أبو قتادة
العَدوي".
وعبدالله بن معبد الزماني وحرملة اللذان
رَويا حديث صوم عرفة عن أبي قتادة بصريان.
9- هناك روايات تدلّ على أن أبا قتادة كان
يحدّث بالحديث من قوله ولا يرفعه! وهذا يدلّ على أنه لم يسمعه من صحابي وأنه مرسل.
ففي رواية أَبِي الخَلِيلِ، عَنْ أَبِي
قَتَادَةَ قَالَ فِي صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ: «يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ».
10- فضل صيام عرفة كان معروفاً ومنتشراً
بين الناس، وكان ينكره أهل العلم من التابعين!
قال سُلَيْمَان الْأَحْوَل: ذَكَرْتُ
لِطَاوُسٍ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ أَنَّهُ يَعْدِلُ صَوْمَ سَنَتَيْنِ، فَقَالَ:
«أَيْنَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنْ ذَلِكَ؟».
وهذا يدلّ على أنه كان منتشراً بين الناس،
فرد ذلك طاوس اليماني (ت106هـ) بأن هذا لو كان معروفاً لروي عن الكبار كأبي بكر
وعمر.
وقال حُمَيْد الطَّوِيلُ: ذُكِرَ عِنْدَ
الحَسَنِ: أَنَّ صِيَامَ عَرَفَةَ يَعْدِلُ صِيَامَ سَنَةٍ، فَقَالَ الحَسَنُ:
«مَا أَعْلَمُ لِيَوْمٍ فَضْلًا عَلَى يَوْمٍ، وَلَا لِلَيْلَةٍ عَلَى لَيْلَةٍ
إِلَّا لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَإِنَّهَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ..». والحسن من
البصرة التي خرج منها حديث فضل صوم عرفة.
11- مما يدل على انتشار هذا الحديث مرسلاً
أن بعض التابعين كانوا يروونه دون إسناد.
فروي عن إبراهيم النخعي الكوفي (ت95هـ)
أنه قال: «صيامُ عرفة يَعْدِل سنةً قبله، وسنةً بعده».
ورُوي عن مجاهد المكي (ت102) أنه قال:
«صيام عرفة يَعدِل سنة قبله، وسنة بعده».
ومن فوائد البحث العامّة:
1- حديث فضل صوم يومي عرفة وعاشوراء رواه
جماعة من الرواة، منهم: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وشعبةُ، وأبانُ العطارُ، ومهديُّ بن
ميمونٍ، وجريرُ بن حازم، وقَتادة السدوسيّ، كلّهم عَنْ غَيْلاَنَ بن جريرٍ، عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عن النبيّ صلى
الله عليه وسلم.
2- لا أعرف أحداً من أهل العلم صحح الحديث
قبل الإمام مسلم حيث أخرجه في "صحيحه"، وتبعه على ذلك من بعده، فصححه: ابن
حبان، وابن خزيمة، والحاكم، والطبري، والبغوي، والطحاوي، وابن عبدالبر، وابن حزم،
والنووي، وابن تيمية، والذهبي، وابن القيّم، وابن حجر، والعيني، وغيرهم من أهل
العلم، والمعاصرون. وحسّنه الترمذي وغيره، وقد عدّه السيوطي ومحمد بن جعفر
الكتّاني من الأحاديث المتواترة.
3- كلّ من صحح الحديث أو نقله اتفقوا على
أنّ أبا قتادة هذا هو الأنصاري الصحابي. ومن هنا جاءت بعض الروايات في حديث حرملة
عن مولى لأبي قتادة؛ لأن مولاه يُعرف بالرواية عنه!
4- عبدالله بن معبد الزماني تابعي ثقة، وإيراد
ابن عدي والعقيلي له في كتابيهما من أجل قول البخاري في عدم ثبوت سماعه من أبي
قتادة الأنصاري، وهذا ما يُعرف بالتراجم المُعلّلة.
5- جاء في بعض روايات الحديث: "عَنْ
أَبِي قَتَادَةَ: رَجُلٌ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ..."، فصار الرجل الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم: "أبو
قتادة"، وليس صحيحاً.
والصواب: "عَنْ أَبِي قَتَادَةَ
الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ
عَنْ صَوْمِهِ؟..".
6- جاء في بعض الروايات: عن عَبْداللَّهِ
بن مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيُّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ عُمَرَ،
قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَمَرَرْنَا بِرَجُلٍ...
وفي رواية: عَنْ أَبِي قَتَادَةَ،
قَالَ: قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ
الدَّهْرَ كُلَّهُ.. وزيادة عمر في الإسناد لا يصح. والوهم فيه من أبي هلال
الراسبيّ.
7- جاء في رواية ابن خزيمة بجمعه لبعض
الشيوخ عن غيلان بن جرير، عن عبدالله بن معبد الزماني، يعني عن أبي قتادة
الأنصاري قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل عليه…
الحديث.
وهذا اللفظ لا يصحّ! وقد رُوي هذا الحديث
عن شعبة وقتادة ومهدي بن ميمون من طرق كثيرة، ولم يذكر أحد: "بينما نحن عند
رسول الله"! إلا في هذا الجمع عند ابن خزيمة!
8- كتاب الضعفاء الصغير للبخاري الذي بين
أيدينا هو مختصرٌ من الكتاب الأصل الذي يروي العقيلي منه في كتابه.
9- الإمام البخاريّ يورد في كتابيه
«الضعفاء الكبير» و«الضعفاء الصغير» بعض الصحابة والثقات لا لتضعيفهم، وإنما
للتنبيه على ضعف الإسناد إليهم؛ لأن قصده في هذين الكتابين ذكر الأسانيد المعلولة،
والتنبيه على ضعف بعض الأسانيد المتداولة عند أهل العلم، والتنبيه على بدعة بعضهم.
وليس مقصده ترجمة الضعفاء من الناس فحسب، ولذا ذكر في كتابيه في الضعفاء عدداً ممن
خرّج لهم في الصحيح مثل «أيوب بن عائذ الطائي». وذكر «حُيَيّ اللَّيثي»، فقال في
«الضعفاء الصغير»: "حُيَيّ اللَّيثيّ: له صحبة، روى عنه أبو تميم الجَيْشاني،
ولم يصح حديثه". فهنا أثبت صحبته، ونبّه إلى أن ما رُوي عنه لا يصح.
ولهذا لم يتنبه أبو حاتم الرازي لمقصد
الإمام البخاري في كتابه هذا، فكان يتعقبه بقول: "ذكره البخاري في الضعفاء
فيحوّل من هناك"!
10- اختلف أهل العلم في شهود أبي قتادة
الأنصاري بدراَ! والصواب أنه لم يشهدها.
11- اختلف أهل العلم في وفاة أبي قتادة
الأنصاري: فقال أهل الكوفة توفي سنة (38هـ) وصلى عليه عليّ، والصواب أنه توفي سنة
(54هـ) بالمدينة. وقد اشتبه على إسماعيل بن أبي خالد في ذلك! والصواب أن البدري
والذي توفي سنة (38هـ) وصلى عليه عليّ هو: سهل بن حنيف.
12- الهيثم بن عدي الطائي يشذ كثيراً في
ذكر الوفيات، فلا يعتمد إذا خالف غيره.
13- ظاهر تصرف الإمام مسلم - رحمه الله-
في تخريج الحديث يوحي أن ذكر لفظ "الخميس" في الحديث وهم من شعبة! وليس
كذلك، بل الوهم من غيلان نفسه؛ فإنه لم يضبط الحديث.
14- هناك أحاديث معلولة في صحيح مسلم،
بيّن هو بعضها تصريحاً، ومن خلال عرضه للأسانيد في بعض الأحاديث لينبه على
الاختلاف في الوصل والإرسال والرفع والوقف كما يفهمه أهل العلم. وهناك أحاديث
معلولة في صحيحه غابت عنه علتها، وهذا ليس طعناً فيه، وإنما هو بشر يصيب ويخطئ.
15- روى قتادة عن عبدالله بن معبد الزماني
حديثاً، وروى عنه حديث عرفة بواسطة غيلان بن جرير، وقتادة مات سنة (118هـ)، وشيخه
غيلان بن جرير مات سنة (129هـ)، وهذا يعني أنّ قتادة حدّث عن غيلان في حياة غيلان،
فلو كان قتادة سمع من عبدالله بن معبد مباشرة، فلِمَ يحدِّث عنه بواسطة غيلان؟ والذي
أميل إليه أنه لا يثبت لقتادة سماع من عبدالله بن معبدالزماني - مع المعاصرة المتحققة،
وإنما بينهما واسطة وهو "غيلان بن جرير" كما ثبت في إسناد حديث عرفة.
16- روى البخاري عن حماد بن زيد عن غيلان
خمسة أحاديث، كرر اثنين منها، وكلّها لها أصلٌ عند غير غيلان، وهي صحيحةٌ، فلا
مشكلة في غيلان إن شاء الله إلا في شكّه في بعض الألفاظ أَو عدم ضبطها، ولهذا لا
يُعتمد في تصحيح نسبة أبي قتادة بأَنه الأنصاريّ عندما سأله شعبة، أما روايته في
الحديث فمستقيمة إن شاء الله.
17- وهم أبو حاتم الرازي في قوله: "قد
سَمعَ ابن سيرين مِنْ أَبي قَتادة الأَنصاريّ حديثاً أنه قال: إذا انقضّ الكوكب
فلا تتبعوه أبصاركم. وكان أَبو قتادة نَزل على ابن سيرين".
وقد اغتر أبو حاتم بما جاء في رواية منصور
بن زاذان: "نزل بنا"، فظنّ أنه «أبو قتادة الأنصاريّ»، وليس كذلك، وإنما
هو: «أبو قتادة العدوي البصري التابعيّ».
18- حسّن الترمذي حديث مُحَمَّدِ بنِ
سِيرِينَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا وَلِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ».
ظنّاً منه أن أبا قتادة هذا هو الأنصاري الصحابي! وليس كذلك، وإنما هو العدوي
البصري التابعي.
وللحديث زيادة منكرة «فإنهم يتزاورون فيه».
وقد وهم الألباني في تصحيحها! فالحديث مرسل.
19- لم يسمع محمد بن سيرين من أبي قتادة
ولا من أبي الدرداء.
20- كان بعض الرواة يخطئ فيظن أن أبا
قتادة في روايات البصريين هو الصحابي فيسميه!
كما في الأثر المروي عن عياش بن عبدالله
اليشكري، عن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري.. وهذا إنما هو أبو قتادة
العدوي التابعي كما قال أبو حاتم الرازي.
21- حديث مسلم في "صحيحه" من
طريق سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: حَدَّثَنِي المِقْدَادُ بنُ الْأَسْوَدِ
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تُدْنَى
الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ
كَمِقْدَارِ مِيلٍ... الحديث» عللّه أستاذنا أسعد تيّم بالانقطاع بين سليم بن عامر
والمقداد لأنه لم يدركه!
والصحيح أن الحديث عن سليم عن المقدام بن
معدي كرب، أخطأ فيه بعض الشاميين فنسب المقدام وكانوا يقولون عنه
"المقداد" اختصاراً، فظنوه: ابن الأسود، وليس كذلك. وقد تتابع على هذا
الخطأ جلّة من الأئمة فذكروه في مسند المقداد بن الأسود كالإمام أحمد، وذكره
الترمذي في كتابه كذلك!
22- الصحيح في اسم أبي قتادة العدوي: تَميمُ
بنُ نُذَير، ولم تثبت له صحبة، وإنما هو تابعي، وهو ثقة.
23- لم يثبت أن أبا قتادة العدوي سمع من
عمر، ووهم من قال بأنه أدرك الجاهلية!
24- يورد ابن أبي شيبة في
"مصنفه" أحياناً بعض الآثار في بابين: باب يدل فيه الأثر على العموم أو
الإطلاق، وباب يدل فيه الأثر على الخصوص أو التقييد، وهذا لا يُعدّ تناقضاً، وإنما
يروي الآثار كما سمعها، وحينها يُحمل الخاص على العام، والمطلق على المقيد، فقد
رُوي عن عائشة أنها كانت تصوم عرفة مطلقاً دون تحديد ذلك، ورُوي أنها كانت تصومه
في الحج، فيُحمل المطلق على المقيد وهو أنه كانت تصومه في الحجّ.
25- لا يُحتج بأحكام الهيثمي على
الأحاديث، وننقل كلامه لبيان ضعفها!
26- شواهد حديث عرفة كلها ضعيفة وواهية
معلولة ولا تصلح لترقية الحديث!
27- يُسرف الألباني وكثير من المعاصرين في
ترقية الأحاديث بالشواهد الواهية المعلولة!!
28- يتساهل ابن حجر في تحسين الأحاديث
الضعيفة كثيراً!
29- خلط كثير ممن خاض في مسألة صيام عرفة
بين الصوم الذي رُوي عن بعض السلف، وبين مسألة الأجر على هذا الصيام الوارد في
حديث أبي قتادة!
فالصوم ثبت عن بعض السلف سواء في الحج أم
في غير الحج، لكن لا نستطيع الجزم بأن صيامهم كان من أجل ما جاء من فضل في حديث
أبي قتادة!
30- ثبت أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لم
يصم عرفة في الحج لحديث أم الفضل، ولم يثبت أنه صامه في غير عرفة (في المدينة). وكذلك
أبو بكر وعمر وعثمان لم يصوموا في الحجّ، ولم يُروى عنهم أنهم صاموا عرفة في غير
الحج، ولم يكن ذلك معروفاً عندهم.
وبعض من يخالف هذا يحتج بكلام ابن حجر في حديث
أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الحَارِثِ: «أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ
عَرَفَةَ فِي صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ
بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ. فَأَرْسَلْتُ
إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ فَشَرِبَ».
وهذا الحديث رواه البخاري في «كتاب الحج» «بَاب
صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ» ولم يذكر غيره في هذا الباب. ثم رواه في «كتاب الصوم» «بَابُ
صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ».
فنلاحظ أنّ البخاري ذكره في كتاب الحج وهل
يصومه الحاج؟ ثم ذكره في كتاب الصوم وهل يصومه الناس غير الحجيج؟ والظاهر من فعله
بإيراد الحديث نفسه أنه لا يصح في ذلك شيء، والله أعلم.
قال ابن حجر في «فتح الباري» (4/237):
"(قَوْلُهُ بَابُ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ) أَيْ مَا حُكْمُهُ؟ وَكَأَنَّهُ
لَمْ تَثْبُتِ الْأَحَادِيثُ الوَارِدَةُ فِي التَّرْغِيبِ فِي صَوْمِهِ عَلَى
شَرْطِهِ، وَأَصَحُّهَا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ يُكَفِّرُ سَنَةً آتِيَةً
وَسَنَةً مَاضِيَةً أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ".
ثم قال: (قَوْله فِي صَوْمِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ صَوْمَ يَوْمِ
عَرَفَةَ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ مُعْتَادًا لَهُمْ فِي الْحَضَرِ".
قلت: هذا الحديث ليس فيه دلالة على أن صوم
عرفة كان معروفاً عندهم معتاداً لهم في الحضر كما ذهب إليه ابن حجر! وإنما اختلاف
الصحابة في صوم النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم عرفة أو عدمه إنما كان نابعاً من
رصدهم لحركات النبيّ صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأقواله في ذلك اليوم. فهو يوم
عظيم، وهو اليوم الذي حجّ فيه صلى الله عليه وسلم، وهو اليوم الذي قال فيه لهم: «خذوا
عني مناسككم»، فلما رأوه أنه توجّه من مِنى يوم التاسع من ذي الحجة إلى عرفة، ثُم
دخوله عرفة، ولم يشاهدوه أكل أو شرب ظنّ بعضهم أنه صائم، فتماروا في ذلك، فأزالت
ذلك هذه الصحابية بعبقريتها فأرسلت إليه بقدح لبن فشرب منه صلى الله عليه وسلم.
وكون أن بعض الصحابة اعتقدوا أنه لم يكن
صائم ذلك اليوم يشعر أنهم لم يعتادوا صيامه بخلاف ما ذكر ابن حجر. ولو كان صيام
ذلك اليوم معروفاً عندهم ومعتاداً لهم في الحضر لنُقل عنه صلى الله عليه وسلم أو
نقل عن بعض أصحابه، سيما ويوم عرفة من الأيام المشهودة عند المسلمين في كلّ عام.
31- ثبت عن بعض الصحابة والتابعين أنهم
صاموا عرفة بعرفة، ومنهم: عائشة رضي الله عنها، والحسن البصري، وعثمان بن أبي
العاص، وعروة بن الزبير، وسعيد بن جبير.
32- ليس كلّ حديث اختلف في أسانيده
اختلافاً كثيراً يكون مضطرباً! ويستطيع الناقد أن يستخلص من هذه الاختلافات الطريق
الصواب.
ومن ذلك أن الترمذي روى في «جامعه» من
طريق أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بن مسعود، قَالَ:
خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ، فَقَالَ: «الْتَمِسْ
لِي ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ
وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ إِنَّهَا رِكْسٌ».
ثُم ساق الاختلاف في أسانيده، ثُمّ قال:
"وَهَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اضْطِرَابٌ"، ثُمّ قال: "وَسَأَلْتُ
مُحَمَّداً عَنْ هَذَا فَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَكَأَنَّهُ رَأَى حَدِيثَ
زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ الْأَسْوَدِ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَبْدِاللَّهِ أَشْبَهَ وَوَضَعَهُ فِي كِتَابِ الجَامِعِ".
فالبخاريّ استطاع أن يستخرج الرواية
الصحيحة ورجّحها بعد عقود من سؤال الترمذي له عن الحديث، وأخرجها في صحيحه، ودفع
عنها الاضطراب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
وكتب: أبو صهيب خالد الحايك
تم اختصاره من الكتاب الأصل في الرابع عشر من ذي الحجّة لسنة
ألف وأربعمائة وثمان وثلاثين من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
14 ذو الحجة 1438هـ.
شاركنا تعليقك