حديثان ضعيفان! صححهما الألباني واحتج بهما على عدم كُفر تارك
الصلاة!!
·
الحديث الأول: «إِنَّ
لِلْإِسْلَامِ صُوًى وَمَنَارًا كَمَنَارِ الطَّرِيقِ...».
روى ثَوْرُ بنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ لِلْإِسْلَامِ صُوًى وَمَنَارًا كَمَنَارِ الطَّرِيقِ، مِنْ ذَلِكَ أَنْ
تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تُقِيمَ الصَّلَاةَ،
وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ،
وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتَسْلِيمُكَ عَلَى بَنِي آدَمَ إِذَا
لَقِيتَهُمْ، فَإِنْ رَدُّوا عَلَيْكَ رَدَّتْ عَلَيْكَ وَعَلَيْهِمُ
الْمَلَائِكَةُ، وَإِنْ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْكَ رَدَّتْ عَلَيْكَ الْمَلَائِكَةُ،
وَلَعَنَتْهُمْ أَوْ سَكَتَتْ عَنْهُمْ، وَتَسْلِيمُكَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ
إِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِمْ، فَمَنِ انْتَقَصَ مِنْهُنَّ شَيْئًا فَهُوَ سَهْمٌ
مِنَ الْإِسْلَامِ تَرَكَهُ، وَمَنْ تَرَكَهُنَّ فَقَدْ نَبَذَ الْإِسْلَامَ
وَرَاءَ ظَهْرِهِ».
·
تخريج الحديث:
أخرجه محمد بن نصر المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (1/411)
(405) عن مُحَمَّد بن بَشَّارٍ.
وأبو نُعيم في "حلية الأولياء" (5/217) من طريق مُحَمَّد
بن يُونُسَ الكُدَيْمِيّ.
كلاهما (محمد بن بشار والكديمي) عن رَوْح بن عُبَادَةَ.
وأخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (1/241) (429) عن مُحَمَّد
بن عَمْرِو بنِ خَالِدٍ الحَرَّانِيُّ، عن أَبِيه.
وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (ص: 136) (160) عن
أَبي عَرُوبَةَ، عن سُلَيْمَان بنُ عُمَرَ بنِ خَالِدٍ.
كلاهما (عمرو بن خالد وسليمان) عن عِيسَى بن يُونُسَ.
وأخرجه ابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك"
(ص: 140) (487) عن عَبْداللَّهِ بن سُلَيْمَانَ بنِ الْأَشْعَثِ، عن هَارُون بن
مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارِ بْنِ بِلَالٍ، عن مُحَمَّد بن عِيسَى بنِ سُمَيْعٍ.
وأخرجه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (1/70) (52)
و(53) من طريق مُحَمَّد بن أَبِي السَّرِيِّ العَسْقَلَانِيّ.
والشجري في "الأمالي
الخميسية" (1/50) (172) من طريق هِشَام بن عَمَّارٍ.
كلاهما (ابن أبي السري وهشام) عن الوَلِيد بن مُسْلِمٍ.
كلهم (روح وعيسى وابن سُميع والوليد) عن ثَوْر بن يَزِيدَ
الرَّحْبِيّ الحمصيّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، به،
بمثله.
وخالفهم يحيى بن سعيد القطان فزاد فيه رجلاً.
أخرجه أبو عُبيد القاسم بن سلاّم في كتاب "الإيمان" (3)،
قالَ: حَدَّثَني يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ القطّان، عَنْ ثَوْرِ بنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ
بنِ مَعْدَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكره.
ووقع في تحقيق الشيخ الألباني لهذا الكتاب: "يَحْيَى بن
سَعِيدٍ العَطَّار"!! وهو تصحيف! تصحف "القطان" إلى
"العطار" على الشيخ، وإلا ففي المخطوط "القطان" بوضوح. وبناء
على هذا التصحيف الشنيع للشيخ وقع له الخطأ في الحكم كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
ومن طريق أبي عُبيد أخرجه اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل
السنة والجماعة" (5/1005) (1688) أخرجه من طريق نَصْر بن دَاوُدَ بنِ طَوْقٍ،
قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ،
عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومن طريق اللالكائي أخرجه عبدالغني المقدسي في "الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر" (9).
وأخرجه ابن بشران في "أماليه" (الجزء الأول) (ص: 229)
(525) عن أَبي مُحَمَّدٍ جَعْفَر بن مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الْحَكَمِ الوَاسِطِيّ
المُؤَدِّب، عن جَعْفَر بن مُحَمَّدِ بْنِ اليَمَانِ المُؤَدِّب، قال: حدثنا أَبُو
عُبَيْدٍ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ ثورِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ
مَعْدَانَ، قَالَ: «إِنَّ لِلْإِسْلَامِ صُوًى وَمَنَارًا..».
فجعله من قول خالد بن معدان! وكأنه سقط من إسناده: "عن
رجل" و"عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم"؛ لأن هذا ثابت
في كتاب أبي عبيد، وهو هنا إنما يروي من كتابه!!
·
حكم العلماء على الحديث:
قال أبو نُعيم: "غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ خَالِدٍ، تَفَرَّدَ
بِهِ ثَوْرٌ، حَدَّثَ بِهِ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَالكُبَّارُ عَنْ رَوْحٍ".
قال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ
الْبُخَارِيِّ، فَقَدْ رَوى عَنْ مُحَمَّدِ بنِ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيِّ
وَاحْتَجَّ بِثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ الشَّامِيِّ، فَأَمَّا سَمَاعُ خَالِدِ بْنِ
مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَغَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ، فَقَدْ حَكَى
الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَقِيتُ
سَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَلَعَلَّ مُتَوَهِّمًا يَتَوَهَّمُ أَنَّ هَذَا مَتْنٌ شَاذُّ،
فَلْيَنْظُرْ فِي الْكِتَابَيْنِ لِيَجِدَ مِنَ الْمُتُونِ الشَّاذَّةِ الَّتِي
لَيْسَ لَهَا إِلَّا إِسْنَادٌ وَاحِدٌ مَا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ، ثُمَّ لِيَقِسْ
هَذَا عَلَيْهَا. حَدِيثٌ آخَرُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ".
·
الحكم على الحديث:
قلت: اختلف فيه على ثور بن يزيد:
فرواه روح بن عبادة، وعيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وابن
سُميع الدمشقي، والوليد بن مسلم، أربعتهم عن ثَوْر بن يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وخالفهم يحيى بن سعيد القطان فرواه عن ثور عَنْ خَالِدِ بنِ
مَعْدَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فزاد فيه رجلاً مُبهماً!
وعند الترجيح فالأصل ترجيح رواية الجماعة على الفرد، لكن هنا أقول
بأن كلا الروايتين محفوظة، وكأن ثور بن يزيد كان يُحدّث به على الوجهين، مرة
بزيادة رجل ومرة بدونها، وزيادة القطان للرجل في الإسناد يدلّ على مزيد تثبت، كيف
وهو جبل في الحفظ،
ويؤيده أن خالد بن معدان لم يسمع من أبي هريرة، فتكون رواية القطان هي الصحيحة.
فرواية الجماعة بدون الرجل منقطعة؛ لأن خالد بن معدان لم يسمع من
أبي هريرة.
قال ابن أبي حاتم في "المراسيل" (ص: 53) (187) سَمِعْتُ
أَبِي وَسَأَلْتُهُ عَنْ خَالِدُ بنُ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُتَّصِلٌ؟
فَقَالَ: "قَدْ أَدْرَكَ أَبَا هُرَيْرَة وَلَا يذكر سَماعاً".
والإدراك لا يعني أنه لقيه أو سمع منه. وأبو هريرة توفي هو وعائشة سنة
(57هـ) وخالد بن معدان توفي سنة (103هـ)، فالإدراك حاصل لكن اللقاء لم يثبت، وقد
اتفق أهل العلم أنه لم يسمع من عائشة، وأبو هريرة وعائشة كانا في المدينة، فالظاهر
أنه لم يلقهما، وكان أهل الشام يتأخرون في الرحلة في طلب العلم.
والحاكم صحح الحديث مع عدم جزمه بالسماع! فإنه قال: "سَمَاعُ
خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَغَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ"!
نعم، سماعه غير مستبعد لكنه لم يثبت.
·
خطأ للذهبي!
وقد قال الذهبي في "تاريخ الإسلام" (3/41): "وقَالَ
أَبُو حَاتِمٍ: لَمْ يَصِحَّ سَمَاعُهُ مِنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، فَخَالِدُ
بْنُ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ متّصلٌ قَدْ أَدْرَكَهُ".
قلت: هذا النقل من الذهبي - إن كان كذلك في المخطوط كما حققه بشار
معروف – خطأ! ولعله مبتوراً! أو أنه نقله من حفظه فوهم!! فأبو حاتم لم يحكم
باتصاله، وإنما سأله ابنه هل هو متصل؟ فأجاب بأنه أدركه فقط.
وقال الإمام البخاري في "التاريخ الكبير" (3/176):
"خَالِد بْن معدان الكلاعي... سَمِعَ أبا أمامة، وعمير بن الأسود، وجبير بن
نفير، والمقدام، وعن كثير بْن مرة.. وقال أَبُو مسهر: حدثنا إِسْمَاعِيل بن عياش
عَنْ عبدة بنت خَالِد: أن خَالِد بْن معدان أدرك سبعين من أصحاب مُحَمَّد صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..".
قلت: فالبخاري هنا لم يثبت سماعه من أبي هريرة بل لم يذكره أبداً،
وكأنه رجّح أن بينهما واسطة فلم يذكره، وأثبت سماعه من طبقة صغار الصحابة الذين
توفوا بعد (85هـ)، سمع من أبي أمامة (ت86هـ)، والمقدام بن معد كرب (ت87هـ)، وسمع
من بعض كبار التابعين كجبير بن نُفير (75هـ)، وعمير بن الأسود (مات في خلافة
معاوية).
فخالد بن معدان لم يسمع من كبار الصحابة، وإنما من بعض صغار
الصحابة الذين كانوا في الشام.
قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (3/351): "خالد
بن معدان الكلاعي، شامي، لقي من الصحابة: أبا أمامة (ت86هـ)، والمقدام بن معدي كرب
(ت87هـ)، وعتبة بن عبد (ت87هـ)، وابن أبي عميرة، وعبدالله بن بُسر (ت88هـ)،
والحارث بن الحارث الغامدي، وذا مخبر، وعتبة بن ندر، وأبا الغادية، وعبدالله بن
عائذ الثمالي، روى عنه بحير بن سعد وثور بن يزيد، سمعت أبي يقول ذلك".
قلت: وهذا واضح في أن خالد بن معدان قد لقي صغار الصحابة الذين
توفوا بعد سنة (85هـ).
·
هل لقي سبعين صحابياً؟!
وقد رُوي أنه لقي سبعين صحابياً! وفيه نظر!!
قال ابن حبان في "الثقات" (4/196): "خَالِدُ بْنُ
مَعْدَانَ بْنِ أَبِي كُرَيْبٍ الْكَلاعِيُّ، يَرْوِي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ
وَالْمِقْدَامِ بْنِ معد يكرب، وَلَقِيَ سَبْعِينَ رَجُلا مِنْ أَصْحَاب
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وقال في "مشاهير علماء الأمصار" (ص: 183): "خالد بن
معدان بن أبى كرب الكلاعي أدرك سبعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقال أبو أحمد الحاكم" "أبو عبدالله خالد بن معدان بن
أبي كرب الكلاعي الشامي الحمصي: سمع الصدي بن عجلان والمقدام بن معدي كرب، وحكى
أبو عمرو السكسكي عنه أنه قال: لقد لقيت سبعين رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم". [تاريخ دمشق: (16/193)].
وأبو عمرو السكسكي هو صفوان بن عمرو الحمصي وهو ثقة (ت155هـ).
وعليه اعتمد الذهبي في "تاريخ الإسلام" (3/41)، وفي
"تذكرة الحفاظ" (1/72)، قال: "قَالَ صَفْوَانُ: سَمِعْتُهُ
يَقُولُ: لَقِيتُ سَبْعِينَ صَحَابِيًّا".
ولم أقف على إسناد لهذا من طريق صفوان، والمحفوظ ما رواه ابن عساكر
في "تاريخه" (16/194) من طريق إِسْمَاعِيْل بن عَيَّاشٍ، قال: حَدَّثَتْنَا
عَبْدَةُ بِنْتُ خَالِدٍ، وَأُمُّ الضَّحَّاكِ بِنْتُ رَاشِدٍ مَوْلاَةُ خَالِدِ
بنِ مَعْدَانَ: أَنَّ خَالِدَ بنَ مَعْدَانَ قَالَ: "أَدْرَكْتُ سَبْعِيْنَ رجلاً
مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وهو ما اعتمده الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (4/537)
فذكره في ترجمة خالد بن معدان.
قلت: إن صح أنه أدركهم، فلا يعني أنه لقيهم أو سمع منهم! على أني
أستبعد صحة هذا الكلام عنه، وكأن البخاري أراد تضعيف ذلك، فإنه ذكر في ترجمته
سماعه من بعض الصحابة، ثم ساق هذه الرواية عن ابنته ومولاته! وابنته وإن ذكرها ابن
حبان في "الثقات" إلا أن الجوزجاني قال في "أحوال الرجال" (ص:
289): "أم عبدالله ابنة خالد بن معدان أحاديثها منكرة جداً"، ومولاته
مجهولة!
لكن قد نقل أبو أحمد الحاكم كما تقدم عن صفوان أنه قال ذلك، فتابع
ابنته ومولاته.
ويخالفهم ما ذكره الحاكم أنّ الوَلِيد بن مُسْلِمٍ روى عَنْ ثَوْرِ
بْنِ يَزِيدَ عَن خالد بن معدان أَنَّهُ قَالَ: "لَقِيتُ سَبْعَةَ عَشَرَ
رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وهذه الرواية أقرب، وكأنها هي الصواب. وقد يكون ما ذُكر عن صفوان
وابنة خالد ومولاته قد تحرّف! فبدل أن يكون في النُّسخ "سبعة عشر" قيل:
"سبعين"!! والله أعلم.
ثم لو رجّحنا روايته عن أبي هريرة، فتبقى علّة السماع، وخالد كباقي
الشاميين كان من عادتهم الإرسال!
قال الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (1/72): "وهو أحد
الأثبات غير أنه يُدلِّس ويُرسل".
وقال في "سير أعلام النبلاء" (4/537): "حَدَّثَ عَنْ:
خَلْقٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ مُرْسَلٌ".
ولو كان هذا الحديث عند أبي هريرة! فأين أصحابه الثقات الذين
لازموه سنوات عنه؟!! حتى يتفرد به خالد بن معدان ولا يُعرف أنه سمع منه!!
قال عليّ بن المديني: "أصحاب أبي هريرة هؤلاء الستة: سعيد بن
المسيب، وأبو سلمة، والأعرج، وأبو صالح، ومحمد بن سيرين، وطاوس، وكان همام بن منبه
يشبه حديثه حديثهم إلا أحرفاً".
أين هذا الحديث عنهم؟!!
والخلاصة: أنّ هذا الحديث ضعيف، وعلته: الانقطاع، فخالد بن معدان لم
يسمع من أبي هريرة، والصواب أنه يرويه عن رجلٍ مجهول عن أبي هريرة.
·
تصحيح الألباني للحديث! وأوهامه
في تحقيقه! واستدلاله به على عدم كُفر تارك الصلاة!!
ذكر الألباني هذا الحديث في "سلسلة الأحاديث الصحيحة"
برقم (333)، ثم قال: ["أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في "كتاب
الإيمان" (رقم الحديث 3 بتحقيقي) قال: حدثنيه يحيى بن سعيد العطار عن ثور بن يزيد
عن خالد بن معدان عن رجل عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن طريق أبي عبيد أخرجه ابن بشران في "الأمالي" (ق
98/2) وعبدالغني المقدسي في "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (ق 82/1)
وقال: "رواه الطبراني في السنة".
قلت: ويحيى بن سعيد هذا شامي ضعيف. وقد خالفه جماعة في إسناده فلم
يذكروا الرجل فيه. وهو الصواب.
فمنهم الوليد بن مسلم قال: حدثنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن
أبي هريرة به. أخرجه الحاكم (1/21) من طريق محمد بن أبي السري العسقلاني حدثنا
الوليد بن مسلم به. وقال: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري، فقد روى عن محمد
بن خلف العسقلاني، واحتج بثور بن يزيد الشامي...". قلت: لقد انتقل ذهن الحاكم
رحمه الله من محمد بن أبي السري العسقلاني إلى محمد بن خلف العسقلاني، ومع أن ابن
خلف ليس له دخل في هذا الحديث، فلم يرو عنه البخاري. وأما صاحب الحديث فهو ابن أبي
السري كما هو مصرح به في سنده فهو ضعيف وهو محمد بن المتوكل بن عبدالرحمن أبو عبدالله
بن أبي السري، قال الحافظ في "التقريب": "صدوق عارف له أوهام كثيرة".
ومنهم محمد بن عيسى بن سميع عن ثور بن يزيد به. أخرجه ابن شاهين في
"الترغيب والترهيب" (ق 317/1).
قلت: ومحمد هذا هو ابن عيسى بن القاسم بن سميع بالتصغير. قال
الحافظ: "صدوق يخطىء ويدلس".
ومنهم روح بن عبادة حدثنا ثور بن يزيد به. أخرجه أبو نعيم في
"الحلية" (5/217 - 218) وفي "أحاديث أبي القاسم الأصم" (12/2)
عن محمد بن يونس الكديمي حدثنا روح بن عبادة به.
قلت: والكديمي متهم، وفي "التقريب": "ضعيف".
قلت: لكنه لم يتفرد به، فقال أبو نعيم عقبه: "غريب من حديث
خالد، تفرد به ثور، حدث به أحمد بن حنبل، والكبار عن روح".
قلت: وبمتابعة أحمد وغيره صحّ الحديث. والحمد لله.
وله شاهد من حديث أبي الدرداء مرفوعاً بنحوه.
أخرجه ابن دوست في "الأمالي" (ق 118 / 2) من طريقين عن
عبدالله بن صالح قال: حدثني معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عنه.
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله كلهم ثقات رجال
الصحيح، لكن عبدالله بن صالح وإن أخرج له البخاري فهو كما قال الحافظ: "صدوق
كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة"].
ثم ذكر الشيخ في الاستدراكات (1/935) (13) الحديث (333): "كنت
ذكرت له هناك ثلاثة طرق عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أَبي هريرة. ثمَّ وجدث
له طريقًا رابعًا، يرويه عيسى بن يُونسَ -وهو ابن أبي إِسحاقَ السبيعيّ- عن ثور بن
يزيد به.
أَخرجه ابن السُّنّي في "عمل اليومِ والليلةِ" (56/157)
من طريق سليمان ابن عمر بن خالد، والطبراني في "مسند الشاميّين" (1/241)
(رقم: 429) من طريق عمرو بن خالد الحرّانيّ، قالا: حدثنا عيسى بن يونس به.
وهذا إِسنادٌ صحيح.
(فائدة): قوله صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكرَ بعد الإِيمانِ بالله
أَسهمًا من الإِسلامِ كالصلاةِ والزكاةِ: "فمن تركَ من ذلكَ شيئًا، فقد تركَ
سهمًا من الإِسلامِ، ومن تركهنَّ كلَّهنَّ فقد ولّى الإِسلامَ ظهرَه".
أَقولُ: فهذا نصٌّ صريحٌ في أنَّ المسلمَ لا يخرجُ من الإسلامِ
بتركِ شيءٍ من أَسهمِه ومنها الصلاة، فحسبُ التاركِ أنّه فاسق لا تقبلُ له شهادة،
ويُخشى عليه سوءُ الخاتمةِ، وقد تقدّمَ في بحثٍ مفصلٍ في حكمِ تاركِ الصلاةِ تحت الحديثِ
(87)، وهو من الأَدلةِ القاطعةِ على ما ذكرنا، ولذلك حاولَ بعضُهم أَن يَتنصلَ من
دلالتِه بمحاولةِ تضعيفِه، وهيهات، فقد رددنا عليه ذلك بالحجّةِ والبرهانِ، وبيانِ
من صححه من علماءِ الإِسلامِ، فراجعه"] انتهى كلام الشيخ.
قلت:
وقع الشيخ في جملة من الأوهام في كلامه:
أولاً: وهم الشيخ في جعله الحديث الذي عند أبي عبيد "عن يحيى
بن سعيد العطار"! وقد تصحّف عليه كما بينته سابقاً، وإنما هو
"القطان"، وعليه فكلامه لا يستقيم في رد رواية أبي عبيد التي في زيادة
رجل؛ لأنه ظنّ أنه العطار الضعيف وليس كذلك.
ثانياً: ما نقله عن عبدالغني المقدسي في آخر التخريج: "وقال: رواه
الطبراني في السنة"، يوهم أنه الطبراني المشهور صاحب المعاجم
الثلاثة! وليس كذلك، وقد وهم أيضاً في النقل! والذي في كتاب المقدسي:
"الطبري"، وليس هو الطبري المشهور صاحب التفسير، وإنما هو خرّجه من كتاب
أبي القاسم هبة الله الطبري اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة
والجماعة"، وقد خرّجه عن الحَافِظ أَبي طَاهِرٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ
السِّلَفِيّ، عن أَبي بَكْرٍ أَحْمَد بن عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بْنِ زَكَرِيَّا
الطُّرَيْثِيثِيّ، قال: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري
الحافظ، وساقه.
وقال في آخره: "رواه الطبري الحافظ في كتاب السنة كذلك"،
وهو اللالكائي في كتابه، وسماه: "السنة" اختصاراً؛ لأنهم كانوا يطلقون
على كتب الاعتقاد: "السنة" ككتاب السنة للخلال، والسنة لابن أبي عاصم،
ونحوهما.
ثالثاً: صحح الحديث باعتماده على كلام أبي نعيم: "حدث به أحمد
بن حنبل، والكبار عن روح"، قال: "قلت: وبمتابعة أحمد وغيره صحّ الحديث"!
قلت: أشك في صحة ما قاله أبو نُعيم – رحمه الله-! أو قد يكون النص
فيه خطأ! فربما قصد أن روحاً قد روى عنه أحمد والكبار، لا أن هذا الحديث رواه عن
روح أحمد والكبار!! لأنه لا يُعرف عن روح بن عبادة إلا من طريق الكديمي هذا! فأين
بقية الروايات عنه؟!!!
رابعاً: في استدراكه طريق يونس وقوله: "هذا إسنادٌ
صحيح"! نظر! لأن هذا الإسناد ليس بصحيح! بل هو منقطع كما بينته من قبل!
والشيخ لا يتنبه لمسألة السماعات كثيراً، فتراه يمشي على ظواهر
الأسانيد فيصححها دون النظر في الانقطاع أو الإرسال فيها!!
خامساً: الشاهد الذي ذكره رواه أيضاً الطبراني في "مسند
الشاميين" (3/140) (1954) عن بَكْر بن سَهْلٍ، قال: حدثَنَا عَبْدُاللَّهِ
بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ،
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِنَّ لِلْإِسْلَامِ صُوًى وَعَلَامَاتٍ كَمَنَارِ الطَّرِيقِ، فَرَأْسُهَا
وَجَمَالُهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَتَمَامُ
الْوضُوءِ، وَالْحُكْمُ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَطَاعَةُ ولَاةِ الْأَمْرِ، وَتَسْلِيمُكُمْ عَلَى
أَنْفُسِكُمْ، وَتَسْلِيمُكُمْ إِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتَكُمْ، وَتَسْلِيمُكُمْ
عَلَى بَنِي آدَمَ إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ».
وحكم الشيخ عليه بإنه "إسناد لا بأس فيه" ليس بصحيح!! بل
هو إسناد منقطع! فأَبُو الزاهرية حُدير بن كريب الحضرمي الحمصي (قيل: مات ما بين
99 – 100هـ، وقيل: 117هـ، وقيل: 129هـ) لم يدرك أبا
الدرداء (ت 32هـ).
قال ابن أبي حاتم في "المراسيل"
(ص: 49): وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: "أَبُو الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ مُرْسَلٌ".
وقال ابن حبان في "مشاهير علماء الأمصار" (ص:
284): "ولا يصح له عن صحابي سماع".
وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام" (3/575):
"وَأَرْسَلَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَغَيْرِهِ".
وقال في "سير أعلام النبلاء" (5/193): "وَأَرْسَلَ
عَنْ: أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَحُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ، وَجَمَاعَةٍ".
سادساً: هذا الشاهد ليس فيه ما احتج به الشيخ على عدم كفر تارك
الصلاة وهو قوله: «فَمَنِ انْتَقَصَ مِنْهُنَّ شَيْئًا فَهُوَ سَهْمٌ مِنَ
الْإِسْلَامِ تَرَكَهُ، وَمَنْ تَرَكَهُنَّ فَقَدْ نَبَذَ الْإِسْلَامَ وَرَاءَ
ظَهْرِهِ».
فلو صحّ حديث أبي الدرداء لم ينفع كشاهد هنا! كيف ولم يصح!! ولو صح
لكان أقرب إلى قول الصحابي ولا يُشبه كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
وأقرب منه ما رواه عبدالرزاق الصنعاني في "مصنفه" (3/125)
(5011) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ
زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى ثَمَانِيَةِ
أَسْهُمٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلِّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ
اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ،
وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالْجِهَادِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ
عَنِ الْمُنْكَرِ، وَقَدْ خَابَ مَنْ لَا سَهْمَ لَهُ".
وعليه فيبطل استدلال الشيخ بهذا الحديث على عدم كُفر تارك الصلاة!
·
الحديث الثاني: «يَدْرُسُ
الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْي الثَّوْبِ...».
وأما الحديث الآخر الذي أشار إليه الشيخ وذكره في "سلسلته
الصحيحة" برقم (87): "«يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْي
الثَّوْبِ، حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَامٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا نُسُكٌ،
وَيُسَرَى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي لَيْلَةٍ فَلَا يُتْرَكُ فِي
الْأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ، وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ فِيهِمُ الشَّيْخُ
الْكَبِيرُ، وَالْعَجُوزُ، يَقُولُونَ: أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ
الْكَلِمَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَنَحْنُ نَقُولُهَا».
أخرجه ابن ماجه (4049) والحاكم (4/473) من طريق أبي معاوية عن أبي
مالك الأشجعي عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان مرفوعاً، به، وزاد: "قال صِلَةُ
بْنُ زُفَرَ لحذيفة: ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام
ولا نسك ولا صدقة؟ فأعرض عنه حذيفة، ثم ردها عليه ثلاثا، كل ذلك يعرض عنه حذيفة،
ثم أقبل عليه في الثالثة فقال: يا صلة! تُنْجِيهِمْ من النار ثلاثا".
وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم". ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا. وقال البوصيري في "الزوائد" (ق
247/1): "إسناده صحيح، رجاله ثقات".
حكم تارك الصلاة:
هذا وفي الحديث فائدة فقهية هامة، وهي أن شهادة أن لا إله
إلا الله تنجي قائلها من الخلود في النار يوم القيامة ولو كان لا يقوم بشيء من
أركان الإسلام الخمسة الأخرى كالصلاة وغيرها، ومن المعلوم أن العلماء
اختلفوا في حكم تارك الصلاة خاصة، مع إيمانه بمشروعيتها، فالجمهور على أنه لا يكفر
بذلك، بل يفسق وذهب أحمد إلى أنه يكفر وأنه يقتل ردة، لا حداً، وقد صح عن الصحابة
أنهم كانوا لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. رواه الترمذي والحاكم، وأنا
أرى أن الصواب رأي الجمهور، وأن ما ورد عن الصحابة ليس نصاً على أنهم كانوا يريدون
بـ (الكفر) هنا الكفر الذي يخلد صاحبه في النار ولا يحتمل أن يغفره الله له، كيف
ذلك وهذا حذيفة بن اليمان - وهو من كبار أولئك الصحابة – يرد على صلة بن زفر وهو
يكاد يفهم الأمر على نحو فهم أحمد له، فيقول: ما تغني عنهم لا إله إلا الله، وهم
لا يدرون ما صلاة.... " فيجيبه حذيفة بعد إعراضه عنه: "يا صلة تنجيهم من
النار. ثلاثا".
فهذا نص من حذيفة رضي الله عنه على أن تارك الصلاة، ومثلها بقية
الأركان ليس بكافر، بل هو مسلم ناج من الخلود في النار يوم القيامة. فاحفظ هذا
فإنه قد لا تجده في غير هذا المكان.
وفي الحديث المرفوع ما يشهد له، ولعلنا نذكره فيما بعد إن شاء الله
تعالى. ثم وقفت على "الفتاوى الحديثية" (84 /2) للحافظ السخاوي، فرأيته
يقول بعد أن ساق بعض الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة وهي مشهورة معروفة: "ولكن
كل هذا إنما يحمل على ظاهره في حق تاركها جاحداً لوجودها مع كونه ممن نشأ بين
المسلمين، لأنه يكون حينئذ كافراً مرتداً بإجماع المسلمين، فإن رجع إلى الإسلام
قبل منه، وإلا قتل. وأما من تركها بلا عذر، بل تكاسلاً مع اعتقاد وجوبها،
فالصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور أنه لا يكفر، وأنه – على الصحيح أيضاً- بعد
إخراج الصلاة الواحدة عن وقتها الضروري، كأن يترك الظهر مثلا حتى تغرب الشمس أو
المغرب حتى يطلع الفجر - يستتاب كما يستتاب المرتد، ثم يقتل إن لم يتب، ويغسل
ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، مع إجراء سائر أحكام المسلمين عليه. ويؤول
إطلاق الكفر عليه لكونه شارك الكافر في بعض أحكامه. وهو وجوب العمل، جمعا بين هذه
النصوص وبين ما صح أيضا عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: خمس صلوات كتبهن الله -
فذكر الحديث. وفيه: "إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له" وقال أيضا: "من
مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة" إلى غير ذلك. ولهذا لم يزل
المسلمون يرثون تارك الصلاة ويورثونه ولو كان كافراً لم يغفر له، ولم يرث ولم يورث".
وقد ذكر نحو هذا الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله في "حاشيته
على المقنع"، (1/95 - 96) وختم البحث بقوله: "ولأن ذلك إجماع المسلمين،
فإننا لا نعلم في عصر من الأعصار أحداً من تاركي الصلاة، ترك تغسيله والصلاة عليه،
ولا منع ميراث موروثه مع كثرة تاركي الصلاة، ولو كفر لثبتت هذه الأحكام. وأما
الأحاديث المتقدمة، فهي على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار لا على الحقيقة، كقوله
عليه الصلاة والسلام: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر"، وقوله "من
حلف بغير الله فقد أشرك" وغير ذلك. قال الموفق: وهذا أصوب القولين".
أقول: نقلت هذا النص من "الحاشية" المذكورة، ليعلم بعض
متعصبة الحنابلة، أن الذي ذهبت إليه، ليس رأياً لنا تفردنا به دون أهل العلم، بل
هو مذهب جمهورهم، والمحققين من علماء الحنابلة أنفسهم، كالموفق هذا، وهو ابن قدامة
المقدسي، وغيره، ففي ذلك حجة كافية على أولئك المتعصبة، تحملهم إن شاء الله تعالى،
على ترك غلوائهم، والاعتدال في حكمهم.
بيد أن هنا دقيقة، قل من رأيته تنبه لها، أو نبه عليها، فوجب الكشف
عنها وبيانها.
فأقول: إن التارك للصلاة كسلاً إنما يصح الحكم بإسلامه، ما دام لا
يوجد هناك ما يكشف عن مكنون قلبه، أو يدل عليه، ومات على ذلك، قبل أن يستتاب كما هو
الواقع في هذا الزمان، أما لو خير بين القتل والتوبة بالرجوع إلى المحافظة على
الصلاة، فاختار القتل عليها، فقتل، فهو في هذه الحالة يموت كافراً، ولا يدفن في
مقابر المسلمين، ولا تجري عليه أحكامهم، خلافاً لما سبق عن السخاوي لأنه لا يعقل -
لو كان غير جاحد لها في قلبه - أن يختار القتل عليها، هذا أمر مستحيل، معروف
بالضرورة من طبيعة الإنسان، لا يحتاج إثباته إلى برهان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في "مجموعة
الفتاوى" (2/48): "ومتى امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل، لم يكن في
الباطن مقرا بوجوبها ولا ملتزماً بفعلها، وهذا كافر باتفاق المسلمين، كما استفاضت
الآثار عن الصحابة بكفر هذا، ودلت عليه النصوص الصحيحة.... فمن كان مُصراً على
تركها حتى يموت، لا يسجد لله سجدة قط، فهذا لا يكون قط مسلما مقراً بوجوبها، فإن
اعتقاد الوجوب واعتقاد أن تاركها يستحق القتل، هذا داع تام إلى فعلها، والداعي مع
القدرة يوجب وجود المقدور، فإذا كان قادرا ولم يفعل قط، علم أن الداعي في حقه لم يوجد"
انتهى كلامه.
·
التعليق على كلام الشيخ الألباني:
قلت:
·
نقل الشيخ الرواية المرفوعة
والإعراض عن الموقوفة!
أولاً: ساق الشيخ رواية الحديث المرفوعة، وأغفل الروايات الموقوفة!
والاختلاف في هذا الحديث بين الوقف والرفع!
فرواية ابن ماجه عن عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ الطنافسيّ عن أَبي
مُعَاوِيَةَ الضرير.
ورواية الحاكم من طريق أبي كُريب محمد بن العلاء عن أبي معاوية.
وأخرجه الحاكم أيضاً في موضع آخر من كتابه (4/587) (8636) من طريق مُحَمَّد
بن عَبْدِالجَبَّارِ، عن أَبُي مُعَاوِيَةَ، به.
وأخرجه البزار في "مسنده" (7/259) (2838) عن أَبي
كُرَيْبٍ، عن أَبي مُعَاوِيَةَ، به، مرفوعاً.
قال البزار: "وهَذَا الحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ
أَبِي مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ مَوْقُوفًا، وَلَا نَعْلَمُ
أَحَدًا أَسْنَدَهُ إِلَّا أَبُو كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ".
قلت: لم يتفرد أبو كريب برفعه! بل تابعه: عليّ بن محمد الطنافسي،
ومحمد بن عبدالجبّار العبدي النيسابوري.
وخالفهم نُعيم بن حماد! رواه في "الفتن" (2/598) (1665) عن
أَبي مُعَاوِيَةَ، به، موقوفاً من قول حذيفة.
قلت: فكأن أبا معاوية محمد بن خَازم الضرير كان يرفعه ويقفه!
وقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ
حُذَيْفَةَ مَوْقُوفًا كما قال البزار.
وأخرجه في "مسنده" (2839) من طريق أَبي عَوَانَةَ، عَنْ
أَبِي مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بِنَحْوِهِ مَوْقُوفًا.
وأخرجه موقوفًا أيضاً محمَّد بن فضيل بن غزوان في
"الدعاء" (15)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (2/290) [ترجمة 324]
من طريق خلف بن خليفة، كلاهما (محمَّد بن فضيل وخلف بن خليفة) عن أبي مالك الأشجعي،
به.
وعليه فالراجح هي رواية الوقف، ولا تصح رواية الرفع.
ولعل قائل يقول: لو رجّحنا الوقف فهذا مما لا يُقال بالرأي فله حكم
الرفع؟
فأقول: هذا الأمر ليس على إطلاقه، وهذه القاعدة بحاجة إلى ضوابط
إذا صحّ الإسناد دون علل. ومسألة الإخبار عما يحدث آخر الزمان بحاجة إلى توقف كبير
حتى لو ثبت الوقف.
·
حال أبي مالك الأشجعي:
ونتكلم على إسناد الحديث، فقد تفرد به سَعد بْن طارق بْن أَشيَم،
أَبو مالك، الأَشجَعيّ، الكُوفيّ.
وثقه أحمد وابن معين.
وقال أبو حاتم: "صالح الحديث، يُكتب حديثه" [الجرح
والتعديل (4/87)].
وقال ابن حبان في "مشاهير علماء الأمصار" (ص: 172):
"من جِلّة الكوفيين، وكان متقناً".
وأورد العقيلي في "الضعفاء" وساق له حديثاً تفرد به عن
أبيه في أنه صلى الله عليه وسلم لم يقنت قط، ثم قال العقيلي: "لا يُتابع على
حديثه في القنوت".
وساق بإسناده أنّ يحْيَى بن سَعِيدٍ القطان أَمْسَكَ عَنِ
الرِّوَايَةِ عَنْهُ.
قلت: الذي يظهر لي من مجموع أقوال النقاد أنه صدوق ولا يُقبل تفرده
حتى يُتابع على حديثه، وهذا معنى كلام أبي حاتم أنه صالح، يكتب حديثه للاعتبار حتى
يُتابع عليه.
·
روايات أخرى لأبي مالك في البابة
نفسها!
وله حديث آخر في البابة نفسها يتفرد به أيضاً!
أخرج ابن حبان في "صحيحه"، ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَنْ
وَصْفِ الرِّيحِ الَّتِي تَجِيءُ تَقْبِضُ أَرْوَاحَ النَّاسِ فِي آخِرِ
الزَّمَانِ (15/266) (6853) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
مُسْهِرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى تُبْعَثَ رِيحٌ حَمْرَاءُ مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ، فَيَكْفِتُ
اللَّهُ بِهَا كُلَّ نَفْسٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَمَا
يُنْكِرُهَا النَّاسُ مِنْ قِلَّةِ مَنْ يَمُوتُ فِيهَا: مَاتَ شَيْخٌ فِي بَنِي
فُلَانٍ، وَمَاتَتْ عَجُوزٌ فِي بَنِي فُلَانٍ، وَيُسَرَى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ،
فَيُرْفَعُ إِلَى السَّمَاءِ، فَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ،
وَتَقِيءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا
يَنْتَفِعُ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، يَمُرُّ بِهَا الرَّجُلُ فَيَضْرِبُهَا
بِرِجْلِهِ، وَيَقُولُ: فِي هَذِهِ كَانَ يَقْتَتِلُ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا،
وَأَصْبَحَتِ الْيَوْمَ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا".
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: "وَإِنَّ أَوَّلَ قَبَائِلِ
الْعَرَبِ فَنَاءً قُرَيْشٌ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ أَوْشَكَ أَنْ يَمُرَّ
الرَّجُلُ عَلَى النَّعْلِ وَهِيَ مُلْقَاةٌ فِي الْكُنَاسَةِ فَيَأْخُذُهَا
بِيَدِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: كَانَتْ هَذِهِ مِنْ نِعَالِ قُرَيْشٍ في الناس".
وهذا الأخير من قول أبي هريرة رُوي مرفوعاً!
أخرجه أحمد في "مسنده" (14/156) (8437) قال: حَدَّثَنَا
عُمَرُ بنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى – يَعْنِي: ابْنَ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي
زَائِدَةَ-، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَسْرَعُ
قَبَائِلِ الْعَرَبِ فَنَاءً قُرَيْشٌ، وَيُوشِكُ أَنْ تَمُرَّ الْمَرْأَةُ
بِالنَّعْلِ، فَتَقُولَ: إِنَّ هَذَا نَعْلُ قُرَشِيٍّ".
وأخرجه البزار في "مسنده" (17/145) (9745) عن إبراهيم بن
زياد الصائغ، عن أبي داود الحفري عمر بن سعد، به.
قال البزار: "وهَذَا الحديثُ لاَ نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ أَبِي
حازم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إلا أبو مالك، ولا عن أبي مالك
إلا يحيى بن زكريا ولا عن يحيى إلا أبو داود الحفري".
قلت: هذا الحديث المرفوع لا يصح، والأصوب ما رواه ابن حبان، لكن
تبقى العلة في تفرد أبي مالك عن أبي حازم سلمان الأشجعي عن أبي هريرة!! فلا يُعرف
هذا الحديث لا عن أبي هريرة! ولا عن أبي حازم!!!
وله طريق آخر بلفظ مُشابه للفظ حديث الباب، وهو ما أخرجه الحاكم في
"المستدرك" (4/552) (8544) من طريق عُثْمَان بن أَبِي شَيْبَةَ، قال: حدثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، قال: حدثَنَا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِي
حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «يُسْرَى عَلَى
كِتَابِ اللَّهِ فَيُرْفَعُ إِلَى السَّمَاءِ، فَلَا يُصْبِحُ فِي الْأَرْضِ آيَةٌ
مِنَ الْقُرْآنِ وَلَا مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَلَا الزَّبُورِ،
وَيُنْتَزَعُ مِنْ قُلُوبِ الرِّجَالِ فَيُصْبِحُونَ وَلَا يَدْرُونَ مَا هُوَ».
قال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ،
وَلَمْ يُخْرِجَاهُ".
قلت: وهذا أيضاً تفرد به أبي مالك عن أبي حازم، ولا يُعرف من حديث
أبي هريرة إلا من طريقه!
وهذه الروايات التي يتفرد بها أبو مالك الأشجعي وهي في نفس البابة
تقريباً يجعلنا نتوقف في حديثه ولا نقبله حتى نجد له متابعاً.
وعليه فلا يصح حديثه.
·
توجيه أثر حذيفة إن سلمنا –
جدلاً- بصحته، وبيان أن الألباني لم يفهمه على حقيقته وفي سياقه!
ثانياً: لو سلّمنا بصحة الأثر عن حذيفة لم يكن للشيخ الألباني حجة
فيه على أن تارك الصلاة لا يكفر! بل هو حجّة عليه في ذلك، وهذا
من وجهين:
الأول: أنّ الأثر يُخبر عن حالة في آخر
الزمان حيث تندرس معالم الإسلام، ولا يعرف الناس الأعمال، ويُرفع كتاب الله، وينشأ
ذلك الجيل دون قرآن ولا أعمال، ولا يعرفون عن ذلك شيئاً، وإنما يسمعوا من كبارهم
يقولون: "أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ، فَنَحْنُ نَقُولُهَا".
فحينها يكونون على التوحيد الفطري مع هذه الكلمة، فحالهم يختلف عن
حالنا حتى نعذر تارك الصلاة، والقرآن بيننا وأحكام الله معروفة، فلا يصح القياس في
هذا.
الثاني: ما فهمه صِلَة بن زُفَر من أنّ كلمة "لا إله إلا الله"
لا تنفعهم وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة؟ فهمٌ صحيح، وهذا يدلّ
على أن تارك هذه يكفر، وحذيفة قد أقره على هذا الفهم، ألا تراه أعرض عنه ثلاثًا،
ثم صحح له الفارق بيننا وبينهم أنهم لا يعرفون العمل؛ لأنه قد اندرس، ورفع القرآن،
وهذه الكلمة التي توارثوها تُنْجِيهِمْ من النّار، أيّ يكتفى منهم بالتوحيد
الفطري.
·
حديث ابن مسعود في رفع القرآن
وطرقه:
وحديث رفع القرآن آخر الزمان رُوي أيضاً عن عبدالله بن مسعود من
قوله! ورُوي عنه من عدة طرق جيدة لا بأس بها!
رواه عَبْدالعَزِيزِ بنِ رُفَيْعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ شَدَّادَ بْنَ
مَعْقِلٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ الْأَمَانَةُ، وَآخَرَ
مَا يَبْقَى الصَّلَاةُ، وَأَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ
يُوشِكُ أَنْ يُرْفَعَ»، قَالُوا: وَكَيْفَ يُرْفَعُ وَقَدْ أَثْبَتَهُ اللَّهُ
فِي قُلُوبِنَا وَأَثْبَتْنَاهُ فِي مَصَاحِفِنَا؟ قَالَ: «يُسْرَى عَلَيْهِ
لَيْلَةً فَيَذْهَبُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَمَا فِي مَصَاحِفِكُمْ»، ثُمَّ قَرَأَ:
{وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: 86].
رواه جماعة عن عبدالعزيز، منهم: ابن عيينة، والثوري، وإسرائيل بن
يونس، وأبو الأحوص سلام بن سليم، وزهير بن معاوية، وشعبة.
وهذا إسناد لا بأس به.
أخرجه سعيد بن منصور في "كتاب التفسير" من "سننه"
(2/335) (97)، ونُعيم بن حماد في "الفتن" (1669) و(1685)، كلاهما عن سُفْيَان
بن عيينة.
وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (4/549) (8538) من طريق الحُمَيْدِيّ،
عن ابن عيينة.
وأخرجه البيهقي في "الشعب" (4/589 – 590) (1869) من طريق
سعيد بن منصور.
وأخرجه عبدالرزاق في "المصنف" (3/362) (5980) عن سفيان
الثوري.
ومن طريق عبدالرزاق أخرجه الطبراني في "الكبير" (9/153) (8698).
وأخرجه عبدالرزاق أيضاً (3/363) (5981) عن إسرائيل.
ومن طريق عبدالرزاق أخرجه الطبراني في "الكبير" (9/141) (8700).
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/145) (30193)
و(7/505) (37585) عن أبي الأحوص.
وأخرجه البخاري في "خلق أفعال العباد" (ص117) (367) من
طريق زهير.
وأخرجه البيهقي في "سننه الكبرى" (6/289) من طريق شعبة.
كلهم عن عبدالعزيز بن رُفيع، به.
وأخرجه الطبري في "تفسيره" [ط هجر] (15/74) من طريق أَبي
بَكْرِ بن عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ شداد بن مَعْقِلٍ،
قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يُسْرَى عَلَى الْقُرْآنِ:
كَيْفَ وَقَدْ أَثْبَتْنَاهُ فِي صُدُورِنَا وَمَصَاحِفِنَا؟ قَالَ: يُسْرَى
عَلَيْهِ لَيْلًا، فَلَا يَبْقَى مِنْهُ فِي مُصْحَفٍ وَلَا فِي صَدْرِ رَجُلٍ،
ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: 86].
ووقع في المطبوع: "عن عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، [عَنْ
بُنْدَارٍ]، عَنْ مَعْقِلٍ"، وهذا تحريف! تحرفت "شداد" إلى
"بندار" و"بن" إلى "عن".
وله طريق آخر عن شدّاد بن معقل:
أخرجه عبدالرزاق في "المصنف" (3/362) (5980) عن سفيان بن
سعيد بن مسروق الثوري، عن أبيه، عَنِ المُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ شداد بن
معقل، به نحوه، ولم يذكر الصلاة والأمانة.
ومن طريق عبدالرزاق أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"
(9/141) (8698).
وأخرجه الطبري في "تفسيره" [ط هجر] (15/74) من طريق ابن
إِسْحَاقَ بنِ يَحْيَى، عَنِ المُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، [عن شداد بن معقل] عَنْ
عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: تَطْرُقُ النَّاسَ رِيحٌ حَمْرَاءُ مِنْ
نَحْوِ الشَّامِ، فَلَا يَبْقَى فِي مُصْحَفِ رَجُلٍ وَلَا قَلْبِهِ آيَةٌ. قَالَ
رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنِّي قَدْ جَمَعْتُ الْقُرْآنَ، قَالَ:
لَا يَبْقَى فِي صَدْرِكَ مِنْهُ شَيْءٌ. ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: {وَلَئِنْ
شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: 86].
وقد سقط من المطبوع: "عن شداد بن معقل"!
وهذا إسناد جيّد.
وقد توبع شداد عليه:
تابعه شقيق بن سلمة عن ابن مسعود:
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/144) (30192) من طريق
وَاصِلِ بنِ حَيَّانَ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ:
«كَيْفَ أَنْتُمْ إِذْ أُسْرِيَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَذَهَبَ بِهِ؟»، قَالَ:
يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ، كَيْفَ بِنَا فِي أَخَوَاتِ الرِّجَالِ؟، قَالَ:
«يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَتُلْفِتُ كُلَّ مُؤْمِنٍ».
وهذا إسناد صحيح.
وتابعه أبو الزعراء عبدالله بن هانئ الكوفي عن ابن مسعود:
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/260) (35878) عن ابن
نُمَيْرٍ، عن مَالِك بن مِغْوَلٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ
قَالَ: قَالَ عَبْدُاللَّهِ: «إن أَوَّلَ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ
الْأَمَانَةَ، وَآخِرُ مَا تَفْقِدُونَ الصَّلَاةَ».
وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/353) (9754) من
طريق عَمْرُو بن مَرْزُوق، عن شُعْبَة، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، نحوه.
وهذا إسنادٌ حسنٌ.
وتابعه زرّ بن حُبَيْش عن ابن مسعود:
أخرجه الدارمي في "سننه" (4/2106) (3386) عن عَمْرُو بن
عَاصِمٍ، عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ، قَالَ: «لَيُسْرَيَنَّ عَلَى الْقُرْآنِ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَلَا يُتْرَكُ
آيَةٌ فِي مُصْحَفٍ، وَلَا فِي قَلْبِ أَحَدٍ إِلَّا رُفِعَتْ».
وهذا إسناد ضعيف. فيه: عاصم ابن أبي النجود وهو ضعيف، لكن يُعتبر
به في المتابعات، وقد توبع عليه.
والخلاصة: أنّ رفع القرآن، وترك الناس لمعالم الدين، ولا يبقى مع بعضهم إلا
كلمة التوحيد حينها تقوم الساعة على شرار الخلق بعد أن يقبض الله ما بقي من أهل
التوحيد، كما أخرج مسلم في "صحيحه" (1/131) (148) من حديث ثَابِتٍ، عَنْ
أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا
تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ: اللهُ، اللهُ".
وما أخرجه أيضاً (3/1524) (1924) من حديث يَزِيد بن أَبِي حَبِيبٍ،
قال: حَدَّثَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ شِمَاسَةَ المَهْرِيُّ، قَالَ: كُنْتُ
عِنْدَ مَسْلَمَةَ بْنِ مُخَلَّدٍ، وَعِنْدَهُ عَبْدُاللهِ بْنُ عَمْرِو بنِ
الْعَاصِ، فَقَالَ عَبْدُاللهِ: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ
الْخَلْقِ، هُمْ شَرٌّ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَدْعُونَ اللهَ بِشَيْءٍ
إِلَّا رَدَّهُ عَلَيْهِمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ
عَامِرٍ، فَقَالَ لَهُ مَسْلَمَةُ: يَا عُقْبَةُ، اسْمَعْ مَا يَقُولُ عَبْدُ
اللهِ، فَقَالَ عُقْبَةُ: هُوَ أَعْلَمُ، وَأَمَّا أَنَا فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي
يُقَاتِلُونَ عَلَى أَمْرِ اللهِ، قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ
خَالَفَهُمْ، حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ»، فَقَالَ
عَبْدُ اللهِ: أَجَلْ «ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ رِيحًا كَرِيحِ الْمِسْكِ مَسُّهَا
مَسُّ الْحَرِيرِ، فَلَا تَتْرُكُ نَفْسًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنَ
الْإِيمَانِ إِلَّا قَبَضَتْهُ، ثُمَّ يَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ
تَقُومُ السَّاعَةُ».
·
الرد على الألباني في حمل كلام
الصحابة على غير حقيقته!
ثالثاً: قوله: "وقد صح عن الصحابة أنهم كانوا لا يرون شيئاً
من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. رواه الترمذي والحاكم، وأنا أرى أن الصواب رأي
الجمهور، وأن ما ورد عن الصحابة ليس نصاً على أنهم كانوا يريدون بـ (الكفر) هنا
الكفر الذي يخلد صاحبه في النار ولا يحتمل أن يغفره الله له، كيف ذلك وهذا حذيفة
بن اليمان - وهو من كبار أولئك الصحابة – يرد على صلة بن زفر وهو يكاد يفهم الأمر
على نحو فهم أحمد له، فيقول: ما تغني عنهم لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما
صلاة...." فيجيبه حذيفة بعد إعراضه عنه: "يا صلة تنجيهم من النار.
ثلاثا". فهذا نص من حذيفة رضي الله عنه على أن تارك الصلاة، ومثلها بقية
الأركان ليس بكافر، بل هو مسلم ناج من الخلود في النار يوم القيامة. فاحفظ هذا
فإنه قد لا تجده في غير هذا المكان" انتهى.
قلت: الأصل في الألفاظ أنها تحمل على حقيقتها ما لم تأت قرينة
تصرفه عن ذلك، فأيّ قرينة صرفت كلام الصحابة عن الكفر المخرج من الملة إلى غيره؟!
وكيف ما ورد ليس نصّاً في أنهم قصدوا الكفر المخرج عن الملة!
وما احتج به الشيخ من كلام حذيفة قد ناقشناه أنه لو صح فإنه حجة
عليه لا له؛ لأن الكلام ليس لأناس لا يزال القرآن بين أظهرهم ومعالم الشريعة
واضحة، وإنما لأناس في آخر الزمان يُرفع عنهم القرآن وتُدرس معالم الدين حتى لا
يعرفون منه شيئاً إلا أنهم كانوا يسمعون كلمة التوحيد من آبائهم.
وعليه ينهدم بُنيان الشيخ وما قاله في آخر كلامه: "فاحفظ
هذا فإنه قد لا تجده في غير هذا المكان"! ونقول: "بل احفظ ما
قلناه فإنك لن تجده في غير هذا المكان".
·
ترك الصلاة كسلاً! والنقل عن
الصحابة أن تاركها يكفر دون مخالف لهم.
رابعاً: قول الشيخ: "ومن المعلوم أن العلماء اختلفوا في حكم
تارك الصلاة خاصة، مع إيمانه بمشروعيتها، فالجمهور على أنه لا يكفر بذلك، بل
يفسق وذهب أحمد إلى أنه يكفر وأنه يقتل ردة، لا حداً".
ثم أتى بكلام السخاوي في أن تاركها بلا عذر تكاسلاً لا يكفر، ونقل
قوله: "ما صح أيضاً عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: خمس صلوات كتبهن الله -
فذكر الحديث. وفيه: "إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له" وقال أيضا: "من
مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة" إلى غير ذلك. ولهذا لم يزل
المسلمون يرثون تارك الصلاة ويورثونه ولو كان كافراً لم يغفر له، ولم يرث ولم يورث".
قلت: الكلام على مسألة تارك الصلاة يطول جداً، وترك الصلاة كسلاً
من أعجب العجب!! قد يكسل الإنسان في لحظة ما أو ساعة ما، لكن يترك الصلاة سنوات
ونقول عن ذلك إنه كسل عن الصلاة!! أيّ عاقل يقول بهذا؟!! وأيّ عالم يقول به؟!!
العلماء الذين قالوا بتركها كسلاً إنما قصدوا أنه ترك صلاة واحدة
كسلاً! أما أن يتركها بالكلية طوال عمره ونقول تركها كسلاً فهذا لا يقول به عالم!
فهلا كسل عن الطعام طوال حياته! وهلا كسل عن العمل طوال حياته!! وهلا وهلا..!! لم
الاستهانة بالصلاة فقط؟!
ويكفي ما قاله ابن عبدالبر في "التمهيد" (4/225): "فَرُوِيَ
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ
تَكْفِيرُ تَارِكِ الصَّلَاةِ، قَالُوا: مَنْ لَمْ يصل فهو كافر، وَعَنْ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: لَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ
الصَّلَاةَ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَلَا دِينَ لَهُ. وَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَأَيُّوبُ
السِّخْتِيَانِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ
بْنُ رَاهَوَيْهِ: مَنْ تَرَكَ صَلَاةً وَاحِدَةً مُتَعَمِّدًا حَتَّى يَخْرُجَ
وَقْتُهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَبَى مِنْ قَضَائِهَا وَأَدَائِهَا وَقَالَ لَا
أُصَلِّي فَهُوَ كَافِرٌ وَدَمُهُ وَمَالُهُ حَلَالٌ وَلَا يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ
مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَيُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَحُكْمُ مَالِهِ
مَا وَصَفْنَا كَحُكْمِ مَالِ الْمُرْتَدِّ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيُّ وَأَبُو خَيْثَمَةَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَقَالَ
إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: وَكَذَلِكَ كَانَ رَأْيُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ
لَدُنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا
إِنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا
كَافِرٌ إِذَا أَبَى مِنْ قَضَائِهَا وَقَالَ لَا أُصَلِّيهَا".
فهؤلاء كبار الصحابة يرون أن تارك الصلاة كافر دون مخالف لهم، وسأفصّل
في مسألة ترك الصلاة في مصنّف خاص أجيب فيه عن كلّ الشبهات ومناقشة كلّ الأدلة
بإذن الله تعالى.
·
الحديث الذي يحتج به من لم يكفر
تارك الصلاة: "ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء
أدخله الجنة"! وبيان ما فيه!
وأما الحديث
الذي احتج به السخاوي وأقره عليه الألباني فهو ما رواه مالك في "الموطأ"
(1/123) عن يحيى بن سعيد الأنصاريّ، أن محمد بن يحيى بن حبان أخبره: أن ابن محيريز
القرشي ثم الجمحي أخبره -وكان يسكن بالشام، وكان أدرك معاوية- أن المخدجي رجلٌ من
بني كنانة أخبره: أنّ رجلاً من الشام - وكانت له صحبة- يكنى أبا محمد أخبره: أنّ
الوتر واجب. قال المخدجي: فرحت إلى عبادة بن الصامت فاعترضت له، وهو رائحٌ إلى
المسجد فأخبرته بالذي قال أبو محمد! فقال عبادة: كذب أبو محمد! سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: "خمس صلوات كتبهن الله عز وجل على العباد، فمن جاء بهن
لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم
يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة".
وهذا الحديث
قد فصّلت فيه في بعض كتبي. وهو الدليل الأقوى لمن استدل به على عدم كُفر تارك
الصلاة، وفي هذا نظرٌ شديد! فإن يزيد بن هارون روى هذا الحديث عن يحيى بن سعيد،
وجاء في بعض الروايات عنه مثل ما جاء عند مالك، وجاء في بعضها كما هو عند ابن أبي
شيبة وغيره: "ومن أنقصهن من حقهن شيئاً جاء وليس له عند الله عهد إن شاء عذبه
وإن شاء ادخله الجنة".
ويؤيده ما
رواه شعبة عن عبدربه بن سعيد عن محمد بن يحيى وفيه: "ومن جاء بهن قد انتقص
منهن شيئاً استخفافاً بحقهن لم يكن له عند الله عهد"، وفي رواية ابن إسحاق عن
محمد بن يحيى: "ومن لقيه وقد انتقص منهن شيئاً استخفافاً بحقهن لقيه ولا عهد
له إن شاء عذبه وإن شاء غفر له".
فيُحمل ما جاء
في رواية مالك: "ومن لم يأت بهنّ" على أنه من لم يأت بهن دون نقصان، أي
أتى بهنّ ولكن انتقص من حقهن، لا أنه لم يأت بهن من أصلهن، بل إن سياق الحديث يدل
على وجوب الصلوات الخمسة، ومن ثم يفرق بين من يصليهن مع تمامهن وبين من يصليهن
وينتقص منهن، فمن أتى بهن كاملات كما أمر الله تعالى فله عهد عند الله أن يدخله
الجنة، ومن قصّر في تمامهن فهو في مشيئة الله، إما أن يغفر له ويدخله الجنة
ويسامحه على تقصيره في عدم إتمامهن، وإن شاء عذبه على ذلك التقصير. ويؤيده ما رواه
الطبراني في "مسند الشاميين" (3/248) عن العباس بن الفضل الأسفاطي، قال:
حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، قال: حدثني أخي، عن سليمان بن بلال، عن سعد بن إسحاق
بن كعب بن عجرة، عن محمد بن إبراهيم، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز، عن
المخدجي، عن عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: "خمس
صلوات كتبهن الله على العباد، فمن أتى بهن لم ينقص منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان
له عند الله عز وجل عهد أن يدخله الجنة، ومن أتى بهن وقد انتقص منهن شيئاً
استخفافاً بحقهن كان أمره إلى الله عز وجل إن شاء عذبه وإن شاء عفى عنه".
وقد روى
الحديث عن محمد بن يحيى بن حبان جماعة. رواه عنه باللفظ الأول يحيى بن سعيد
الأنصاري، ورواه عنه جماعة منهم: سفيان ومالك والليث ويزيد بن هارون. وخالف يحيى
بن سعيد في لفظه جماعة، منهم: عبد ربه بن سعيد، وسعد بن سعيد، وابن إسحاق، وابن
عجلان، فكلهم رووه عن محمد بن يحيى باللفظ الآخر، وهذا هو الصواب. وكأن يحيى بن
سعيد أخطأ في اللفظ؛ ومما يؤيد ذلك أن يزيد بن هارون رواه عنه باللفظين معاً،
ورواه هشيم عن يحيى بن سعيد بلفظ: "فمن جاء بهن وقد أكملهن ولم ينتقصهن
استخفافاً بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة. ومن جاء بهن وقد انتقصهن
استخفافاً بحقهن لم يكن له عند الله عهد. إن شاء عذبه وإن شاء غفر له".
· توريث
تارك الصلاة ودفنه مع المسلمين إنما هو بسبب وجود فتاوى عدم تكفيره!!
خامساً: وأما ما نقله الشيخ عن السخاوي: "ولهذا لم يزل
المسلمون يرثون تارك الصلاة ويورثونه ولو كان كافراً لم يغفر له، ولم يرث ولم يورث".
وكذلك نقله نحو هذا عن الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله في
"حاشيته على المقنع"، (1/95 - 96): "ولأن ذلك إجماع المسلمين،
فإننا لا نعلم في عصر من الأعصار أحداً من تاركي الصلاة، ترك تغسيله والصلاة عليه،
ولا منع ميراث موروثه مع كثرة تاركي الصلاة، ولو كفر لثبتت هذه الأحكام. وأما
الأحاديث المتقدمة، فهي على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار لا على الحقيقة، كقوله
عليه الصلاة والسلام: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر"، وقوله "من
حلف بغير الله فقد أشرك" وغير ذلك. قال الموفق: وهذا أصوب القولين"
انتهى.
قلت: هذه انتقائية في نقل الأقوال!! فالألباني أينما وجد نصّاً
يؤيد رأيه نقله وغمز مخالفه ونعتهم بالتعصب لرأيهم!!
وأقول: ما قاله السخاوي والشيخ سليمان ليس دليلاً على عدم كفر ترك
الصلاة! بل بالعكس مع وجود مثل هذه الفتاوى سيعتقد الناس أن تاركها ليس بكافر
وعليه يورثونه ويتوارثون ماله! ولو لم توجد مثل هذه الفتاوى لاختلف الأمر، فإن ما
ذكروه إنما هو تبعاً لوجود مثل هذه الفتاوى، وكذلك لعدم التشديد على مسألة الصلاة
بين الناس، والله المستعان.
وأما حمل أحاديث كفر تارك الصلاة على التغليظ فلا دليل عليه! كيف
والنقل عن الصحابة باتفاق أنها ليس كذلك، وإنما هي على ظاهرها كما تقدم النقل
عنهم، وعن جلّة التابعين. والله الموفق.
·
فوائد من البحث:
1- حديث خَالِدِ بنِ
مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلْإِسْلَامِ صُوًى وَمَنَارًا كَمَنَارِ الطَّرِيقِ،
مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تُقِيمَ
الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَالْأَمْرُ
بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتَسْلِيمُكَ عَلَى بَنِي آدَمَ
إِذَا لَقِيتَهُمْ، فَإِنْ رَدُّوا عَلَيْكَ رَدَّتْ عَلَيْكَ وَعَلَيْهِمُ
الْمَلَائِكَةُ، وَإِنْ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْكَ رَدَّتْ عَلَيْكَ الْمَلَائِكَةُ،
وَلَعَنَتْهُمْ أَوْ سَكَتَتْ عَنْهُمْ، وَتَسْلِيمُكَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ
إِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِمْ، فَمَنِ انْتَقَصَ مِنْهُنَّ شَيْئًا فَهُوَ سَهْمٌ
مِنَ الْإِسْلَامِ تَرَكَهُ، وَمَنْ تَرَكَهُنَّ فَقَدْ نَبَذَ الْإِسْلَامَ
وَرَاءَ ظَهْرِهِ».
حديث معلول! خالد بن معدان لم يسمع من أبي هريرة.
2- لا يصح استدلال الشيخ
الألباني بهذا الحديث في عدم كفر تارك الصلاة لأنه ضعيف! والشيخ صححه ولم يقف على
علته!
3- وقع الألباني في تحريف
أثناء تحقيقه لكتاب "الإيمان" لأبي عبيد القاسم بن سلام (رقم الحديث 3
بتحقيقي) قال: حدثنيه يحيى بن سعيد العطار عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن رجل
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وإنما هو: "يحيى بن سعيد القطان"، فتحرف إلى
"العطار"، والعطار ضعيف، فضعف الشيخ هذه الطريق مع أنها هي التي أعلت
الطرق الأخرى!
4- حكم الشيخ الألباني على
حديث عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ لِلْإِسْلَامِ صُوًى وَعَلَامَاتٍ
كَمَنَارِ الطَّرِيقِ، فَرَأْسُهَا وَجَمَالُهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ،
وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَتَمَامُ الْوضُوءِ، وَالْحُكْمُ بِكِتَابِ اللَّهِ،
وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَطَاعَةُ ولَاةِ
الْأَمْرِ، وَتَسْلِيمُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَتَسْلِيمُكُمْ إِذَا دَخَلْتُمْ
بُيُوتَكُمْ، وَتَسْلِيمُكُمْ عَلَى بَنِي آدَمَ إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ» بأنه لا
بأس به!
والصحيح أنه منقطع، فأبو الزاهرية لم يدرك أبا الدرداء!
5- حديث «يَدْرُسُ
الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْي الثَّوْبِ، حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَامٌ
وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا نُسُكٌ، وَيُسَرَى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي
لَيْلَةٍ فَلَا يُتْرَكُ فِي الْأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ، وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنَ
النَّاسِ فِيهِمُ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ، وَالْعَجُوزُ، يَقُولُونَ: أَدْرَكْنَا
آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَنَحْنُ
نَقُولُهَا» اختلف في وقفه ورفعه، والصواب الوقف، لكن تفرد به أبي مالك الأشجعي،
ولا يقبل تفرده، ولا بدّ له من متابع.
6- استند الشيخ إلى عدم
كفر تارك الصلاة بهذا الحديث وقال: "شهادة أن لا إله إلا الله تنجي قائلها من
الخلود في النار يوم القيامة ولو كان لا يقوم بشيء من أركان الإسلام الخمسة الأخرى
كالصلاة وغيرها".
واحتج بما جاء فيه: قال صِلَةُ بْنُ زُفَرَ لحذيفة: ما تغني عنهم
لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة؟ فأعرض عنه
حذيفة، ثم ردها عليه ثلاثا، كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه في الثالثة فقال:
يا صلة! تُنْجِيهِمْ من النار ثلاثا".
وقال: " وهذا حذيفة بن اليمان - وهو من كبار أولئك الصحابة –
يرد على صلة بن زفر وهو يكاد يفهم الأمر على نحو فهم أحمد له، فيقول: ما تغني عنهم
لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما صلاة.... " فيجيبه حذيفة بعد إعراضه عنه:
"يا صلة تنجيهم من النار. ثلاثا".
فهذا نص من حذيفة رضي الله عنه على أن تارك الصلاة، ومثلها بقية
الأركان ليس بكافر، بل هو مسلم ناج من الخلود في النار يوم القيامة. فاحفظ هذا
فإنه قد لا تجده في غير هذا المكان".
لكن هذا الكلام لا يصح والأثر ضعيف!!
7- لو سلّمنا بصحة الأثر
عن حذيفة لم يكن للشيخ الألباني حجة فيه على أن تارك الصلاة لا يكفر! بل هو حجّة
عليه في ذلك، وهذا من وجهين:
الأول: أنّ الأثر يُخبر عن حالة في آخر الزمان حيث تندرس معالم
الإسلام، ولا يعرف الناس الأعمال، ويُرفع كتاب الله، وينشأ ذلك الجيل دون قرآن ولا
أعمال، ولا يعرفون عن ذلك شيئاً، وإنما يسمعوا من كبارهم يقولون:
"أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،
فَنَحْنُ نَقُولُهَا".
فحينها يكونون على التوحيد الفطري مع هذه الكلمة، فحالهم يختلف عن
حالنا حتى نعذر تارك الصلاة، والقرآن بيننا وأحكام الله معروفة، فلا يصح القياس في
هذا.
الثاني: ما فهمه صِلَة بن زُفَر من أنّ كلمة "لا إله إلا
الله" لا تنفعهم وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة؟ فهم صحيح، وهذا
يدلّ على أن تارك هذه يكفر، وحذيفة قد أقره على هذا الفهم، ألا تراه أعرض عنه
ثلاثاً ثم أجابه، لكن صحح له الفارق بيننا وبينهم أنهم لا يعرفون العمل؛ لأنه قد
اندرس، ورفع القرآن، وهذه الكلمة التي توارثوها تُنْجِيهِمْ من النّار، أيّ يكتفى
منهم بالتوحيد الفطري.
8- حديث عَبْدَاللَّهِ
بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا تَفْقِدُونَ
مِنْ دِينِكُمُ الْأَمَانَةُ، وَآخَرَ مَا يَبْقَى الصَّلَاةُ، وَأَنَّ هَذَا
الْقُرْآنَ الَّذِي بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ يُوشِكُ أَنْ يُرْفَعَ»، قَالُوا:
وَكَيْفَ يُرْفَعُ وَقَدْ أَثْبَتَهُ اللَّهُ فِي قُلُوبِنَا وَأَثْبَتْنَاهُ فِي
مَصَاحِفِنَا؟ قَالَ: «يُسْرَى عَلَيْهِ لَيْلَةً فَيَذْهَبُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ
وَمَا فِي مَصَاحِفِكُمْ»، ثُمَّ قَرَأَ: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ
بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: 86]، حديث حسن لا بأس به.
9- حديث "خمس صلوات
كتبهن الله عز وجل على العباد، فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن
كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء
عذبه وإن شاء أدخله الجنة"، مختصر!!
والصواب:
"خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن أتى بهن لم ينقص منهن
شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عز وجل عهد أن يدخله الجنة، ومن أتى بهن
وقد انتقص منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان أمره إلى الله عز وجل إن شاء عذبه وإن
شاء عفى عنه".
10- "رُوِيَ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ
تَكْفِيرُ تَارِكِ الصَّلَاةِ، قَالُوا: مَنْ لَمْ يصل فهو كافر، وَعَنْ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: لَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ
الصَّلَاةَ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَلَا دِينَ لَهُ. وَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَأَيُّوبُ
السِّخْتِيَانِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ
بْنُ رَاهَوَيْهِ: مَنْ تَرَكَ صَلَاةً وَاحِدَةً مُتَعَمِّدًا حَتَّى يَخْرُجَ
وَقْتُهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَبَى مِنْ قَضَائِهَا وَأَدَائِهَا وَقَالَ لَا
أُصَلِّي فَهُوَ كَافِرٌ وَدَمُهُ وَمَالُهُ حَلَالٌ وَلَا يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ
مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَيُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَحُكْمُ مَالِهِ
مَا وَصَفْنَا كَحُكْمِ مَالِ الْمُرْتَدِّ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيُّ وَأَبُو خَيْثَمَةَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَقَالَ
إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: وَكَذَلِكَ كَانَ رَأْيُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ
لَدُنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا
إِنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا
كَافِرٌ إِذَا أَبَى مِنْ قَضَائِهَا وَقَالَ لَا أُصَلِّيهَا".
تلك عشرة كاملة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
وكتب: خالد الحايك
26 ذو القعدة 1438هـ.
محمد رضا الديدي :
نحبك في اللَّه شيخَنا
شاركنا تعليقك