«تَحصيلُ المرام»
في الأحاديث
الواردة في قضاء الحائض للصيام
بِسّم
الله الرّحمن الرحيم
الحمد
لله ربّ العالمين، والصلاة والسّلام على خير المرسلين، وعلى آله وصحبه، ومن سار
على نهجهم إلى يوم الدِّين، وبعد:
فقد
أرسل لي بعض الإخوة رسالة من "مصر" لبعض طلبة العلم يذهبون فيها إلى أنه
لم يصحّ أيّ دليل في وجوب قضاء المرأة الحائض ما أفطرته في رمضان بسبب حيضها.
والرسالة
بعنوان: "هل تقضي الحائض الصوم"؟
وذهبوا
إلى أن الحائض لا تقضي الصوم، واستدلوا لذلك بعدّة أدلة، وهي:
أولاً: الحديث المتفق عليه في
الصحيحين: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ
أَهْلِ النَّارِ» فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «تُكْثِرْنَ
اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ
أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ»، قُلْنَ: وَمَا
نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ
المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ» قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكِ
مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ»
قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا».
قالوا:
لو كانت الحائض تقضي الصيام ما دخلت في نقصان الدين!
ثانياً: القائلون بأن الحائض تقضي
الصيام استدلوا بحديث عائشة قالت: «كنّا نحيض على عهد رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمّ نطهر، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا
نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ».
وهو
حديث ضعيف!
ولفظة
«فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» انفرد بها
مَعمر، وهو إسناد ضعيف.
قال
البخاري: "ما أعجب حديث معمر عن غير الزهري، فإنه لا يكاد يوجد فيه حديث
صحيح" [شعب الإيمان للبيهقي: 6/458].
وقال
ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: "إذا حدثك معمر عن العراقيين فخفه،
إلا عن الزهري، وابن طاوس، فإن حديثه عنهما مستقيم، فأما أهل الكوفة والبصرة فلا،
وما عمل في حديث الأعمش شيئاً" [تاريخ ابن أبي خيثمة: 3/1/325].
وقد
تفرد عبدالرزاق بهذا اللفظ عن معمر، وعبدالرزاق لا يُحتج به!
ثالثاً: استدلوا أيضاً بحديث آخر عن أبي
سلمة بن عبدالرحمن أنه سمع عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: «إن كان
ليكون عليّ الصيام من رمضان، فما أستطيع أصومه حتى يأتي شعبان».
ولا
يوجد في الحديث ما يدلّ على أنها تقضي الحيض!
وردّوا
عليهم بالآية {فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ
أَيَّامٍ أُخَرَ}.
يعني
أن الآية ذكرت المرض والسفر، ولم تذكر الحيض!
رابعاً: حديث عليّ بن مسهر عن سعيد بن
أبي عروبة عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ، أَنَّ امْرَأَةً
سَأَلَتْ عَائِشَةَ، أَتَقْضِي الْحَائِضُ الصَّلَاةَ إِذَا طَهُرَتْ؟ فَقَالَتْ:
«أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قَدْ كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَطْهُرُ فَيَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّوْمِ،
وَلَا يَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ».
فهذا
الحديث لم يصرح سعيد بن أبي عروبة ولا قتادة بالسماع في أي رواية.
خامساً: حديث عَلِيّ بن مُسْهِرٍ، عَنْ
عُبَيْدَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّا
نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ
نَطْهُرُ، فَيَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصِّيَامِ، وَلاَ يَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ
الصَّلاَةِ.
لا
يصح! عبيدة هو: عبيدة بن مُعتِّب، أبو عبدالكريم الكوفي الضرير، ضعيف، واختلط
بأخرة، من الثامنة، وما له في البخاري سوى موضع واحد في الأضاحي. (خت د ت ق).
متروك.
هذا
ملخص ما ذكروه من أدلة، ونسبوا هذه المسألة لأبي أيوب البرقاوي تلميذ بديع الدين
السندي، ومحب الله شاه الرشيدي!! ولا أدري ما صحة نسبة ذلك إليهم.
قلت:
سأتكلّم
أولاً على حديث عائشة، ثم الكلام على بقية الأحاديث، ثمّ الكلام على حكم هذه
المسألة.
·
حديث عائشة:
عَنْ
مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ، أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: أَتَقْضِي
إِحْدَانَا الصَّلَاةَ أَيَّامَ مَحِيضِهَا؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَحَرُورِيَّةٌ
أَنْتِ؟ قَدْ «كَانَتْ إِحْدَانَا تَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لَا تُؤْمَرُ بِقَضَاءٍ».
أخرجه
أبو داود الطيالسي (3/149) (1675) عن شُعْبَة. وأحمد في "مسنده" [ط
الرسالة] (42/337) (25520) عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن مَهْدِيٍّ. والدارمي في "سننه"
(1/677) (1028) عن سَعِيد بن الرَّبِيعِ. ومسلم في "صحيحه" (الطهارة 1/265
[335]) عن مُحَمَّد بن الْمُثَنَّى، عن مُحَمَّد بن جَعْفَرٍ غُنْدَر، كلهم
(الطيالسي وابن مهدي وسعيد وغندر) عن شعبة.
ومسلم
في "صحيحه" (الطهارة 1/265 [335]) عن أبي الربيع الزهراني، عن حماد بن
زيد، كلاهما (شعبة وحماد) عَنْ يَزِيدَ أَبِي الْأَزْهَرِ الضُّبَعِيِّ
الْقَسَّامِ الرِّشْكِ.
وأخرجه
إسحاق بن راهويه في "مسنده" (3/767) (1384) عن عَبْدالْوَهَّابِ
الثَّقَفِيّ. وأحمد في "مسنده" (40/39) (24036) عن إِسْمَاعِيل بن
عُليّة. والدارمي في "سننه" (1/675) (1020) عن أَبي النُّعْمَانِ، عن
حَمَّاد بن زيد. ومسلم في "صحيحه" (الطهارة 1/265 [335]) عن أبي الربيع
الزهراني، عن حماد بن زيد. والترمذي في "جامعه" (الطهارة 1/193 [130])
عن قُتَيْبَة، حَمَّاد بن زَيد. وأبو داود في "سننه" (الطهارة 1/188
[262]) عن موسى بن إسماعيل، عن وُهَيب بن خالد الباهلي. والنسائي في "السنن
الصغرى" (الطهارة 1/191 [382]) عن عَمْرُو بن زُرَارَةَ، عن إِسْمَاعِيل بن
علية. وعبد الرزاق الصنعاني في "مصنفه" (1/331) (1277) عَنْ مَعْمَرٍ.
خمستهم (عبدالوهاب وابن علية وحماد ووهيب ومَعمر) عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي
قِلَابَةَ.
كلاهما
(يَزِيد الرِّشْك وأبو قِلابة) عن مُعاذة به.
وهذا
الحديث هو المشهور بهذا اللفظ. وهو حديث صحيح.
قال
الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".
·
حديث قتادة عن مُعاذة عن عائشة:
وقد
تابعهما عليه: قتادة بن دعامة السدوسي الحافظ، إلا أن في بعض طرقه زيادة، ولهذا
أفردته بالكلام هنا.
روى
قَتَادَةُ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي مُعَاذَةُ، أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِعَائِشَةَ:
أَتَجْزِي إِحْدَانَا صَلاَتَهَا إِذَا طَهُرَتْ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ
أَنْتِ؟ «كُنَّا نَحِيضُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَلاَ يَأْمُرُنَا بِهِ» أَوْ قَالَتْ: فَلاَ نَفْعَلُهُ. وفي رواية: «قَدْ كُنَّا
نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ
نَطْهُرُ، فَلَا يَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ».
أخرجه
أحمد في "مسنده" (41/179) (24633) عن بَهْز بن أسد العَمّي، و(42/45) (25109)
عن يَزِيد بن هارون، و(41/379) (24886) عن عَفَّان بن مُسلم. والبخاري في
"صحيحه" (الطهارة 1/71 [321]) عن مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، كلهم عن هَمَّام
بن يَحْيَى العَوذي.
وأخرجه
ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/124) (7238) عن عَلِيّ بن مُسْهِرٍ. ومن
طريق ابن أبي شيبة أخرجه ابن ماجه في "سننه" (1/207) (631). وأخرجه أحمد
في "مسنده" (41/201) (24660) عن مُحَمَّد بن جَعْفَرٍ. وأخرجه إسحاق بن
راهويه في "مسنده" (3/769) (1387 و1388) عن عِيسَى بن يُونُسَ وعَبْدَة
بن سُلَيْمَانَ، كلهم عن سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ.
كلاهما
(همام وابن أبي عروبة) عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ، به، مثله.
وليس
في هذه الروايات كلها عن يزيد الرشك وأبي قلابة وقتادة تَعَرُّضٌ لِقَضَاءِ
الصَّوْمِ.
·
وهم في زيادة «فَيَأْمُرُنَا
بِقَضَاءِ الصَّوْمِ»!
وقد
سبق طعن أصحاب المقال الأصلي في حديث قتادة بأن سعيد بن أبي عروبة وقتادة لم يصرحا
بالسماع في الحديث!!!
وهذا
كلام من لم يُحقق المسائل! فأنت ترى أن همام بن يحيى قد تابع سعيد بن أبي عروبة
عليه، وأما قتادة، فنعم، هناك خلاف بين أهل العلم في سماعه من معاذة، لكنه قد توبع
عليه: تابعه يزيد وأبو قلابة.
ذكر
ابنُ أبي حاتم في «المراسيل» (636) عن أبي بكر محمد بن خلاد، عن يحيى بن سعيد
القطان، قال: "قتادة لم يصحّ عن معاذة". يعني: لم يصحّ سماعُهُ.
ونقل
الميموني عبد الملك بن عبد الحميد بن ميمون في "مسائله عن أحمد"، أنه
قال: "قتادة لم يسمع من معاذة".
لكن
الحديث أخرجه البخاريُّ وأحمد كما سبق من طريقين عن همام بن يحيى، قال: حدثنا
قتادة، قال: حدثتني معاذة، أنَّ امرأةً قالت لعائشة: أتجزيء إحدانا صلاتها إذا
طهرت؟ فقالت: أحرروية أنت؟.. الحديث.
وأخرجه
مسلم في "صحيحه" (179/79) من طريق سعيد بن أبي عروبة: حدثنا قتادة:
أن معاذة حدثتهم عن عائشة، قالت "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي
الضحى أربعًا، ويزيد ما شاء الله؟".
ففي
هذه الروايات التصريح بالسماع. وكما سبق ذكره فقد توبع قتادة عليه.
لكن
الذين اعترضوا على حديث قتادة وضعفوه لم ينظروا إلى روايات الحديث، وإنما ذكروا
الرواية التي فيها قضاء الصوم فقط، ثم ضعفوها بعدم تصريح قتادة بسماعه له من
معاذة، وغمزوا سعيد بن أبي عروبة!
وهو
ما رواه النسائي في «السنن الكبرى» (3/164) (2639) قال: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ
حُجْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ - يعني ابْنَ مُسْهِرٍ-، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ، أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ عَائِشَةَ،
أَتَقْضِي الْحَائِضُ الصَّلَاةَ إِذَا طَهُرَتْ؟ فَقَالَتْ: «أَحَرُورِيَّةٌ
أَنْتِ؟ قَدْ كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَطْهُرُ فَيَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّوْمِ،
وَلَا يَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ».
فقوله:
«فَيَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّوْمِ» زيادة شاذة في حديث قتادة الذي
رواه عنه همام وسعيد بن أبي عروبة.
وقد
سبق ذكر رواية عليّ بن مُسهر عن سعيد عند أبي بكر بن أبي شيبة وليس فيها هذه
الزيادة! والذي يظهر أن الذي زادها هو عليّ بن حُجر فخالف في ذلك ابن أبي شيبة،
وكان علي بن حجر من الثقات المتقنين، ولا أدري كيف وقع الوهم منه. وربما يكون
الوهم من شيخه علي بن مُسهر، وهو أيضاً من كبار الثقات الحفاظ وكان قد دفن كتبه،
فيحتمل أنه حدث به مرة بالزيادة ومرة بدونها، ولعل هذا الخبر اشتبه على ابن مسهر
بروايته الحديث الآخر عن عبيدة بن مُعتّب، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: «كنا
نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نطهر فيأمرنا بقضاء الصيام ولا
يأمرنا بقضاء الصلاة»، وهذا الحديث يرويه أيضاً عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، عن عَلِيّ بن
مُسْهِرٍ، وسيأتي الكلام عليه. ويُحتمل أن الوهم من عليّ بن حجر نفسه، فهو يروي
كلا الحديثين عن عليّ بن مُسهر، والله أعلم.
وكذلك
هذه اللفظة ليست موجودة في حديث سعيد بن أبي عروبة من رواية مُحَمَّد بن جَعْفَرٍ
وعِيسَى بن يُونُسَ وعَبْدَة بن سُلَيْمَانَ.
فهؤلاء
الثلاثة رووه عن ابن أبي عروبة ولم يذكروها، والصواب في رواية علي بن مسهر كما
رواه الجماعة دونها.
·
رواية مَعْمَرٍ، عَنْ عَاصِمٍ
الْأَحْوَلِ، عَنْ مُعَاذَةَ! رواية ضعيفة.
وأما
حديث مَعْمَرٍ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ مُعَاذَةَ العَدَوِيَّةِ قَالَتْ:
سَأَلْتُ عَائِشَةَ، فَقُلْتُ: مَا بَالُ الحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا
تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ: «أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟» قُلْتُ: لَسْتُ
بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ قَالَتْ: «قَدْ كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ
الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ».
أخرجه
عبدالرزاق الصنعاني في «مصنفه» (1/331) (1277) عَنْ مَعْمَرٍ، به.
ومن
طريق عبدالرزاق أخرجه: إسحاق بن راهويه في «مسنده» (3/768) (1385)، وأحمد في «مسنده»
(43/105) (25951).
وأخرجه
مسلم في «صحيحه» (1/265) (335) عن عَبْد بن حُمَيْدٍ، عن عَبْدالرَّزَّاقِ، به.
ولما
روى أبو داود حديث أبي قلابة المتقدم روى (263) عن الحسن بن عَمرو، عن سُفيان بن
عبدالملك، عن ابن المُبارَك، عن مَعمَر، عن أيوب، عن مُعاذة العَدَويَّةِ، عن
عائشة بهذا الحديث.
وقال:
"زادَ فيه: «فنُؤمَرُ بقضاءِ الصَّومِ، ولا نُؤمَرُ بقضاءِ الصَّلاةِ»".
لم
يذكر «أبا قلابة» في الإسناد! والصواب ذكره في هذا الإسناد، لكن دون هذه الزيادة.
وهذه
الزيادة في حديثنا هنا عن معمر عن عاصم الأحول عن معاذة تفرّد بها مَعمر عن عاصم
الأحول! بل إن الحديث كلّه لا يُعرف عن عاصم الأحول، ولم يروه أحد من أصحاب عاصم
الثقات الكبار عنه كإسرائيل بن يونس، وإسماعيل بن زكريا، وإسماعيل بن علية البصري،
وجرير بن عبدالحميد، وحفص بْن غياث، وحماد بن زيد، وسفيان الثوري، وسفيان بْن
عُيَيْنَة، وشعبة بن الحجاج، وغيرهم!!!
بل
إنّ عبدة بن سُلَيْمان، وعلي بن مسهر اللذين رويا الحديث السابق عن ابن أبي عروبة
عن قتادة من الرواة عن عاصم الأحول، وحديثهما عنه في مسلم، ولم يرويا هذا الحديث
عنه! ومَعمر ليس بمكثر من الحديث عن عاصم الأحول، وأحاديث عاصم المعروفة موجودة
عند أصحابه في الصحيحين وغيرهما إلا هذا الحديث!!
ومعمر
أصله بصري، نزل صنعاء، ولا يُنكر سماعه من عاصم الأحول البصري، لكن هذا الحديث لا
يُعرف عن عاصم الأحول إلا من طريق معمر! وقد تكلّم أهل النّقد رواية مَعمر عن
العراقيين.
قَالَ
أَبُو بكر بن أبي خَيْثَمَة في "تاريخه" (1194): سَمِعت يحيى بن معِين
يَقُول: "إذا حدثك مَعْمَر عَنِ العراقيين فخَفْه؛ إِلا عَنِ الزُّهْرِيّ،
وابن طاووس؛ فإن حديثه عنهما مستقيم، فأما أهل الكوفة والبصرة فلا".
كذا
هذا النص في الكتب وهو محرّف، وصوابه:
"إِذَا
حَدَّثَكَ مَعْمَرٌ عَنِ الحِجَازيِّيْنَ، فَخَفهُ - أو فخافه -، إِلاَّ عَنِ ابنِ
طَاوُوْسٍ وَالزُّهْرِيِّ، فَإِنَّ حَدِيْثَهُ عَنْهُمَا مُسْتقِيْمٌ، فَأَمَّا
أَهْلُ الكُوْفَةِ وَالبَصْرَةِ فَلَهُ. وَمَا عَمِلَ فِي حَدِيْثِ الأَعْمَشِ
شَيْئاً".
قلت:
وهذا لا يعني تضعيف كل ما رواه عن أهل الكوفة والبصرة، بل له روايات مستقيمة عنهم.
قال
أبو حاتم الرازي: "معمر بن راشد ما حدث بالبصرة ففيه أغاليط، وهو صالح الحديث".
[الجرح والتعديل: (8/257)].
قلت:
يعني في الأحاديث التي حدّث بها في البصرة.
قال
الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (7/12): "وَمَعَ كَوْنِ مَعْمَرٍ ثِقَةً
ثَبْتاً فَلَهُ أَوهَامٌ لاَ سِيَّمَا لَمَّا قَدِمَ البَصْرَةَ لِزِيَارَةِ
أُمِّهِ، فإنه لم يكن معه كتبه، فحدث عن حِفْظِه فَوَقَعَ لِلْبَصْرِيِّيْنَ
عَنْهُ أَغَالِيْطُ، وَحَدِيْثُ هِشَامٍ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْهُ أَصَحُّ؛
لأَنَّهُم أَخَذُوا عَنْهُ مِنْ كُتُبِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ".
قلت:
لكن حديثنا هذا يرويه عنه عبدالرزاق الصنعاني لا أهل البصرة، لكن كلام الذهبي فيه
نظر! لأنه كان يُحدث في اليمن من حفظه غالباً لا من كتبه.
قَالَ
يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: قَالَ هِشَامُ بنُ يُوْسُفَ: "أَقَامَ مَعْمَرٌ
عِنْدَنَا عِشْرِيْنَ سَنَةً، مَا رَأَيْنَا لَهُ كِتَاباً". قال الذهبي نفسه
مُعلقاً على هذا (7/8): "يَعْنِي: كَانَ يُحَدِّثُهُم مِنْ حِفْظِهِ".
والظاهر
أنه حدّث بهذا الحديث من حفظه فوهم في إسناده ومتنه، فكأنه لما حدّث بالحديث وذكر
ترك الحائض للصوم والصلاة ذكر الحكم في ذلك؛ لأنه متعلق بالحائض.
فالحكم
عندهم معروف ومجمع عليه كما سيأتي بيانه، والضعيف أحياناً يكون لحكم مجمع عليه لكن
ليس في إسناد، فيدخل في بعض الأحاديث التي تشبهه كالنظائر.
وهنا
الأحاديث الصحيحة تتكلم على عدم قضاء الحائض للصلاة، والصوم قرين ذلك لأنها تتركه
أيضاً وهي حائض، فوهم بعض الرواة وذكروا الحكم في الحديث.
وهذا
ما يُعبر عنه الترمذي عندما يخرّج الحديث الضعيف في «جامعه» ثم ينصّ على ضعفه، ثم
يقول: "والعمل عليه عند أهل العلم".
والعمل
ليس على الضعيف ابتداء، وإنما العلماء يعملون بالحكم دون وجود الإسناد لتواتر ذلك
عندهم، وجاء الحديث الضعيف بعد ذلك مطابقاً للعمل مع ضعفه.
ومعمر
يَعرف أنه لا يوجد إسناد لهذا الحكم المجمع عليه. فقد روى عبدالرزاق الصنعاني في «مصنفه»
(1/332) (1280) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أنه قَالَ: «الحَائِضُ تَقْضِي
الصَّوْمَ»، قُلْتُ: عَمَّنْ؟ قَالَ: «هَذَا مَا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ
وَلَيْسَ فِي كُلِّ شَيْءٍ نَجِدُ الْإِسْنَادَ».
فالزهريّ
لما ذكر حكم المسألة في أن الحائض تقضي الصوم سأله معمر عن إسناد هذا الحكم؟ فقال
له بأن هناك أشياء قد اجتمع الناس على العمل بها، ولا يوجد فيها إسناد؛ لأنها لا
تحتاج لذلك سيما في زمن الصحابة والتابعين؛ لأن الأحكام منتشرة بينهم.
ومن
احتج بالحديث احتج بتصحيح الإمام مسلم له؛ لأنه أخرجه في «صحيحه»، ولولا صحته لما
أودعه في صحيحه!
وهذه
مسألة مختلف فيها بين أهل العلم: هل كلّ ما في صحيح مسلم صحيح، أم أنه يودع فيه
بعض الأحاديث الضعيفة لبيان ضعفها؟!
فهناك
من يرى أن كل ما في مسلم صحيح، وهناك من يرى أنه يورد الضعيف بناء على كلامه في
مقدمة صحيحه أنه يورد العلل ويؤخرها في الباب!
وفي
هذا الباب وهو ما يتعلق بقضاء المرأة الحائض للصلاة أورد الإمام مسلم أولاً حديث أَبِي
قِلَابَةَ ويَزِيدَ الرِّشْكِ، عَنْ مُعَاذَةَ، عن عائشة، في عدم قضاء الصلاة فقط،
وليس فيه قضاء الصوم.
ثم
ثنّى بحديث شعبة عن يزيد عن معاذة، في الصلاة فقط.
ثم
ختم ذلك بحديث معمر عن عاصم عن معاذة، وفيه ذكر قضاء الصوم!
فعلى
مذهب من يقول بأن مسلماً يُخرّج العلل في «صحيحه» فهذا منها؛ لأنه أخّرها في نهاية
الباب، وهذا محتمل، والله أعلم. والمسألة لها ذيول كثيرة ليس هذا مكان تفصيلها.
والحديث
معلول عندي لوجود قرائن تدلّ على ذلك.
ومَعمر
له أحاديث عن عاصم بن أبي النَّجود الكوفي الضعيف، فيُحتمل أن الحديث عنه، وقد
نُسب خطأ في الإسناد فقيل: عاصم الأحول، والله أعلم.
·
وهم آخر لمعمر في هذا الحديث!
لما
أخرج عبدالرزاق هذا الحديث عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ
مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، فَقُلْتُ: مَا بَالُ
الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ:
«أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟» قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ
قَالَتْ: «قَدْ كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ
الصَّلَاةِ».
قال
عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ
مُعَاذَةَ، عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ.
يعني
أن معمراً حدّث به أيضاً عن أيوب عن أبي قلابة عن معاذة عن عائشة باللفظ نفسه.
وهذه أيضاً زيادة في حديث أيوب عن أبي قلابة، وقد نصّ على ذلك أبو داود؛ فإنه أخرج
حديث وهيب، حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن معاذة، أن امرأة سألت عائشة: أتقضي
الحائض الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ لقد «كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه
وسلم فلا نقضي، ولا نؤمر بالقضاء»، ثم أخرج من طريق عبدالله بن المبارك، عن معمر،
عن أيوب، عن معاذة العدوية، عن عائشة، بهذا الحديث.
قال
أبو داود: وزاد فيه: «فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة».
أيّ
زاد معمر في هذا الحديث عن أيوب «فنؤمر بقضاء الصوم»! وهذه الزيادة ليست محفوظة في
حديث أيوب، ولم يروها إلا معمر بن راشد!
والحديث
رواه - كما سبق - عبدالوهاب الثقفيّ، وابن عُلية، وحماد، ووهيب بن خالد، كلهم عَنْ
أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، بدون هذه الزيادة!! فأراد أبو داود التنبيه على
وهم معمر بذكره لهذه الزيادة في حديث أيوب!!
فمعمر
- رحمه الله - تفرد برواية الحديث عن عاصم الأحول بهذه الزيادة! ثم تفرد بها في
روايته عن أيوب!! وهذا يدلّ على وهمه في حديثه عن العراقيين كما قال أهل العلم،
فروايته هنا عن البصريين، وقد تقدّم قول ابن معين بأن روايته عن أهل الكوفة
والبصرة ليست مستقيمة.
ويُحتمل
أن معمراً لما رجع البصرة لزيارة أمّه سمع بعض الأحاديث هناك، ثم لمّا رجع إلى
اليمن حدّث بها من حفظه فأخطأ في بعضها مثل هذا الحديث، والله أعلم.
·
حديث عُبَيْدَةَ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ! حسّنه الترمذي وهو ضعيف!
وروى
عُبَيْدَةُ بنُ مُعَتِّبٍ الضَّبِّيُّ الكُوفِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ
الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَطْهُرُ، فَيَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ
الصِّيَامِ، وَلاَ يَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّلاَةِ».
أخرجه
الترمذي في «جامعه» (2/146) (787) من طريق عَلِيّ بن مُسْهِرٍ. وابن ماجه في «سننه»
(1/534) (1670) من طريق عَبْدِاللَّهِ بن نُمَيْرٍ، كلاهما عَنْ عُبَيْدَةَ، به،
مثله.
قال
الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاذَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ أَيْضًا وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ لاَ نَعْلَمُ
بَيْنَهُمْ اخْتِلاَفًا، أَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي الصِّيَامَ وَلاَ تَقْضِي الصَّلاَةَ".
قلت:
عبيدة ضعيفٌ جداً، وإنما حسّن الترمذي حديثه اعتماداً على الرواية الأخرى عن
معاذة!
قال
عمرو بن علي الفلاس: "كان يحيى بن سعيد وعبدالرحمن بن مهدي لا يحدثان عن
عبيدة الضبي".
وترك
ابن المبارك حديثه.
وقال
يحيى بن معين: "عبيدة بن معتب ليس بشيء". وقال أيضاً: "عبيدة ومحمد
بن سالم وجابر الجعفي ضعفاء وما أقرب حديث بعضهم من بعض".
وقال
عمرو بن علي: "كان عبيدة الضبي ضريراً سيئ الحفظ متروك الحديث".
وقال
أبو حاتم: "ضعيف الحديث".
وقال
أبو زرعة: "ليس بقوي". الجرح والتعديل (6/94)].
وقال
ابن حبان في "المجروحين" (2/173): "كانَ مِمَّن اخْتَلَط بِأخرَة
حَتَّى جعل يحدث بالأشياء المقلوبة عَن أَقوام أَئِمَّة، وَلم يتَمَيَّز حَدِيثه
الْقَدِيم من حَدِيثه الْجَدِيد فَبَطل الِاحْتِجَاج بِهِ".
وقد
أخرج الترمذي هذا الحديث في «العلل الكبير»، باب فِي قَضَاءِ الْحَائِضِ الصِّيَامَ
دُونَ الصَّلَاةِ، (ص: 126)، ثم قال: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ؟
فَقَالَ: "أَرْجُو أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا"، قَالَ مُحَمَّدٌ: "وَعُبَيْدَةُ
بنُ مُعَتِّبٍ الضَّبِّيُّ يُكْنَى: أَبَا عَبْدِ الْكَرِيمِ وَهُوَ قَلِيلُ الحَدِيثِ،
وَأَنَا أَرْوِي عَنْهُ".
قلت:
قول الإمام البخاري: "أرجو أن يكون محفوظاً" لا يعني قبوله للحديث،
وإنما يستغربه! وعبارته هذه تدلّ على أنه ليس بمحفوظ، وإنما يُعرف من هذه الطريق
الغريبة كما يدلّ عليه كلامه في غير هذه الأحاديث بهذه العبارة، وقد فصّلت ذلك في
بحثٍ خاص.
وقول
البخاري: "وأنا أروي عنه" يعني يكتب حديثه، لكن لا يحتج به، ويدلّ على
ذلك أنه روى في ترجمته في «التاريخ الكبير» (6/128) من طريق أَبي دَاوُد الطيالسي عَنْ
شُعْبَة، قال: أَخْبَرَنِي عُبَيْدة قبل أن يتغير.
فهو
هنا ينقل بأنه قد تغيّر، مع قلة حديثه، فكيف يُحتج بحديثه الذي لا يُحفظ إلا من
طريقه.
والظاهر
أن عبيدة أخطأ في هذا الحديث مما يدلّ على تغيّره.
فالحديث
كما سبق رواه عنه: عَلِيّ بن مُسْهِرٍ وعَبْداللَّهِ بن نُمَيْرٍ، وفيه "ذكر
قضاء الصيام"، لكن رواه عنه يَعلى بن عُبيد الطنافسي ولم يذكر ذلك، وذكر فيه
الصلاة فقط.
رواه
الدارمي في «سننه» (1/674) (1019) قال: أَخْبَرَنَا يَعْلَى، حَدَّثَنَا
عُبَيْدَةُ بْنُ مُعَتِّبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كُنَّا نَحِيضُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا يَأْمُرُ امْرَأَةً مِنَّا بِرَدِّ الصَّلَاةِ».
قلت:
فهذا يدلّ على أن عبيدة كان يضطرب فيه، وذكره لقضاء الصوم إنما هو لانتشار هذا
الحكم عندهم بقرنه مع الصلاة.
وأصل
الحديث عن إبراهيم أنه مرسل، وقد وهم عبيدة في رفعه أيضاً.
رواه
ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2/124) (7240) عن حُمَيْد بن عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنِ الحَسَنِ
بنِ صَالِحٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «كُنَّا بَنَاتُ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجُهُ يَحِضْنَ،
فَيَأْمُرُهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَضَاءِ
الصِّيَامِ، وَلَا يَأْمُرُهُنَّ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ».
وهذا
من مراسيل إبراهيم النخعي.
والخلاصة
أنه لم يصح أيّ حديث في ذكر قضاء الحائض الصوم!
لكن
نقل أهل العلم الإجماع على قضاء الحائض الصوم، وعليه بوّب أئمة الحديث بعض الأبواب
في كتبهم، ولا يوجد من خالف ذلك، وهناك بعض القرائن التي تدلّ عليه.
ومن
ذلك:
أولاً: ما نقله الإمام الحافظ الفقيه
محمد بن شهاب الزهري من الإجماع على ذلك مع تصريحه بعدم وجود إسناد لذلك.
روى
عبدالرزاق الصنعاني في «مصنفه» (1/332) (1280) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أنه
قَالَ: «الحَائِضُ تَقْضِي الصَّوْمَ»، قُلْتُ: عَمَّنْ؟ قَالَ: «هَذَا مَا
اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِي كُلِّ شَيْءٍ نَجِدُ الْإِسْنَادَ».
فالزهري
إمام زمانه توفي سنة (124هـ)، وقد عاصر بعض الصحابة وسمع من بعضهم، ونقله لهذا
الإجماع في حقيقته نقل لما كان عليه النّاس زمن الصحابة والتابعين.
قَالَ
الشَّافِعِيُّ: "وَكَانَ عَامًّا فِي أَهْلِ العِلْمِ: أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرِ الْحَائِضَ بِقَضَاءِ صَلَاةٍ،
وَعَامًّا أَنَّهَا أُمِرَتْ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ". [معرفة السنن والآثار: 6/284].
وقال
الترمذي في «جامعه» (1/193) بعد أن خرّج حديث معاذة عن عائشة: "وَقَدْ رُوِيَ
عَنْ عَائِشَةَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّ الحَائِضَ لاَ تَقْضِي الصَّلاَةَ. وَهُوَ
قَوْلُ عَامَّةِ الفُقَهَاءِ لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ الحَائِضَ
تَقْضِي الصَّوْمَ وَلاَ تَقْضِي الصَّلاَةَ".
ثانياً: ما رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه»
(2/124) (7240) من طريق إِبْرَاهِيمَ النخعي، قَالَ: «كُنَّا بَنَاتُ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجُهُ يَحِضْنَ، فَيَأْمُرُهُنَّ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَضَاءِ الصِّيَامِ، وَلَا
يَأْمُرُهُنَّ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ».
وإبراهيم
النَّخعي الكوفي إمام حافظ وهو فقيه العراق، مات سنة (96هـ) سمع خَاله الأسود بن
يزيد، وَمَسْرُوْق، وَعَلْقَمَةَ بنِ قَيْس، وَعَبِيْدَة السَّلْمَانِيّ، وغيرهم
من كبار التابعين. وإرساله لهذا يدلّ على انتشار هذا الأمر دون نكير.
ثالثاً: ما رُوي عن الحسن البصري في
ذلك.
روى
ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2/71) (6597) عن حَفْص بن غِيَاثٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ
الحَسَنِ، قَالَ: «الْمُغْمَى عَلَيْهِ يَقْضِي الصِّيَامَ وَلَا يَقْضِي الصَّلَاةَ،
كَمَا أَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ».
فهذا
الحسن البصري الحافظ المحدث الفقيه مات سنة (110هـ) روى عن خلقٍ من الصحابة، وخلقٍ
من التابعين، ولولا أنه تلقّى هذه الفتوى منهم لما صرّح بها، بل سياق كلامه يدلّ
على أن هذا هو المعمول به دون إنكار، فهو إنما قاس مسألة قضاء المغمى عليه الصيام
على قضاء الحائض لذلك، وكأنه مشهور ومعروف عندهم.
رابعاً: ما ذكره البخاريّ عن أبي الزِّنَادِ
عَبْداللهِ بن ذَكْوَانَ القُرَشِيّ المَدَنِيّ.
بوّب
البخاري في «صحيحه» (3/35): "بَابٌ: الحَائِضُ تَتْرُكُ الصَّوْمَ
وَالصَّلاَةَ. وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: "إِنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الحَقِّ
لَتَأْتِي كَثِيرًا عَلَى خِلاَفِ الرَّأْيِ، فَمَا يَجِدُ المُسْلِمُونَ بُدًّا
مِنَ اتِّبَاعِهَا، مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الحَائِضَ تَقْضِي الصِّيَامَ وَلاَ
تَقْضِي الصَّلاَةَ".
ثم
ساق حديث عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ
تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ، فَذَلِكَ نُقْصَانُ دِينِهَا».
قلت:
ذهب البخاري إلى أن الحائض لا تصوم ولا تصلي، وقد بوّب على عدم قضاء الحائض
للصلاة، لكنه لم يُشر إلى قضائها للصوم إلا في هذا الموضع.
فالذي
يُفهم من تصرف الإمام البخاري بعد أن ذكر ترك الحائض للصلاة والصوم، وإتيانه بقول
أبي الزناد: أن الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة؛ لأنه لم يصح عنده حديث في
ذلك، فناسب أن يذكر قول أبي الزناد للإشارة إلى أن حكم قضاء الحائض للصوم ثابت وإن
لم يرد فيه أيّ حديث صحيح؛ فكأنه أراد أن يُبيّن أن ما جاء في حديث أبي سعيد
الخدري من أن الحائض لا تصوم ولا تصلي وهذا من نقصان دينها مسألة، ومسألة القضاء
مسألة أخرى فيما يتعلق بقضاء الصوم.
فكأنه
يردّ بهذا على من يريد أن يستدل بحديث أبي سعيد على عدم قضاء الحائض الصوم لمساواة
ذلك بالصلاة.
وأبو الزِّنَادِ إِمَام، فَقِيْه، حَافِظ، مُفْتِي، مات سنة (130هـ)،
وقد سمع من كبار التابعين.
قالَ
الزَّيْنُ ابنُ المُنِيرِ: "نَظَرَ أَبُو الزِّنَادِ إِلَى الحَيْضِ
فَوَجَدَهُ مَانِعًا مِنْ هَاتَيْنِ الْعِبَادَتَيْنِ وَمَا سَلَبَ الْأَهْلِيَّةَ
اسْتَحَالَ أَنْ يَتَوَجَّهَ بِهِ خِطَابُ الِاقْتِضَاءِ، وَمَا يَمْنَعُ صِحَّةَ
الْفِعْلِ يَمْنَعُ الْوُجُوبَ فَلِذَلِكَ اسْتَبْعَدَ الْفَرْقَ بَيْنَ
الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَأَحَالَ بِذَلِكَ عَلَى اتِّبَاعِ السُّنَّةِ
وَالتَّعَبُّدِ الْمَحْضِ".
قال
ابن حجر: "وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الحَيْضِ سُؤَالُ مُعَاذَةَ مِنْ
عَائِشَةَ عَنِ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ، وَأَنْكَرَتْ عَلَيْهَا عَائِشَةُ
السُّؤَالَ وَخَشِيَتْ عَلَيْهَا أَنْ تَكُونَ تَلَقَّنَتْهُ مِنَ الْخَوَارِجِ
الَّذِينَ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِاعْتِرَاضِ السُّنَنِ بِآرَائِهِمْ وَلَمْ
تَزِدْهَا عَلَى الْحَوَالَةِ عَلَى النَّصِّ، وَكَأَنَّهَا قَالَتْ لَهَا دَعِي
السُّؤَالَ عَنِ الْعِلَّةِ إِلَى مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا وَهُوَ
الِانْقِيَادُ إِلَى الشَّارِعِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي
الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ وَاعْتَمَدَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْحِكْمَةَ
فِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَتَكَرَّرُ فَيَشُقُّ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ
الَّذِي لَا يَقَعُ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً وَاخْتَارَ إِمَامُ
الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْمُتَّبَعَ فِي ذَلِكَ هُوَ النَّصُّ وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ
ذَكَرُوهُ مِنَ الْفَرْقِ ضَعِيفٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ... وَقَوْلُ أَبِي
الزِّنَادِ إِنَّ السُّنَنَ لَتَأْتِي كَثِيرًا عَلَى خِلَافِ الرَّأْيِ كَأَنَّهُ
يُشِيرُ إِلَى قَوْلِ عَلِيٍّ (لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ بَاطِنُ
الْخُفِّ أَحَقَّ بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فِي
الشَّرْعِيَّاتِ كَثِيرٌ" [فتح الباري 4/192].
خامساً: ما بوّب به أهل العلم في كتبهم.
بوّب
الترمذي في «جامعه» (2/146): "بَابُ مَا جَاءَ فِي قَضَاءِ الحَائِضِ
الصِّيَامَ دُونَ الصَّلاَةِ".
وبوّب
ابن ماجه في «سننه» (1/533): "بَابُ مَا جَاءَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ"،
ثم ذكر حديث عَائِشَة: «إِنْ كَانَ لَيَكُونُ عَلَيَّ الصِّيَامُ مِنْ شَهْرِ
رَمَضَانَ، فَمَا أَقْضِيهِ حَتَّى يَجِيءَ شَعْبَانُ».
وبوّب
الدارمي في «سننه» (1/674): "بَابٌ فِي الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا
تَقْضِي الصَّلَاةَ".
وبوّب
البيهقي في «السنن الكبير» (1/460): "بَابُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ
وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ".
وبوّب
في «السنن الصغير» (2/103): "بَابُ الْحَائِضِ لَا تُصَلِّي وَلَا تَصُومُ،
وَإِذَا طَهُرَتْ قَضَتِ الصَّوْمَ دُونَ الصَّلَاةِ".
وبوّب
في «معرفة السنن والآثار» (6/284): "الحَائِضُ تَقْضِي الصَّوْمَ، وَلَا
تَقْضِي الصَّلَاةَ".
سادساً: ما رُوي عن عَائِشَةَ، قالت: «إِنْ
كَانَ لَيَكُونُ عَلَيَّ الصِّيَامُ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَمَا أَقْضِيهِ
حَتَّى يَجِيءَ شَعْبَانُ».
أخرجه
مالك في «الموطأ» "جَامِعُ قَضَاءِ الصِّيَامِ" (3/443) عَنْ يَحْيَى
بْنِ سَعِيدٍ.
وأخرجه
أبو داود في «سننه» (2/315) (2399) من طريق القعنبي، عن مالك.
وأخرجه
ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2/342) (9725) عن حَفْص بن غياث. وعبدالرزاق في «مصنفه»
(4/246) (7677) عَنِ سفيان الثَّوْرِيِّ. والبخاري في «صحيحه»، بَابٌ: مَتَى
يُقْضَى قَضَاءُ رَمَضَانَ، (3/35) (1950)، ومسلم في «صحيحه» (2/802) (1146) من
طريق زُهَيْر بن معاوية الجُعفيّ، كلهم (مالك وحفص والثوري وزهير) عن يَحْيَى بن
سعيد الأنصاري، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمنِ، عن عَائِشَةَ، به.
وفي
رواية زهير في آخره: "قَالَ يَحْيَى: الشُّغْلُ مِنَ النَّبِيِّ أَوْ
بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وأخرجه
ابن ماجه في «سننه» (1/533) (1669) عن عَلِيّ بن المُنْذِرِ، عن سُفْيَان بن
عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ،
به.
وقد
سبق جواب المعترضين في أن هذا الحديث لا دلالة فيه على قضاء الحائض للصوم، وأنّ
عائشة لم تذكر أن القضاء كان بسبب الحيض! وعارضوه أيضاً بالآية في أن القضاء يكون
لمن أفطر بسبب المرض أو السفر، ولم يذكر الحيض منها!!
قلت:
لا وجه لهم في كلّ ما ذكروه! بل إن هذا الحديث فيه دلالة واضحة على أن القضاء
للحائض، إذ أنّ هذا هو السبب الرئيس في إفطار المرأة في رمضان، والحيض يصيب النساء
كلهنّ شهرياً، ويبعد أن يكون قصد عائشة أن ما عليها من الصيام بسبب المرض أو السفر
لأن هذا نادر ولا يصيب كلّ النساء! بل إن كثيراً من النساء يمرضن في رمضان ولا
يفطرن، وسفرهنّ يكون قليلاً.
وأما
عدم ذكر ذلك في الآية، فإن الآية موجهة لجميع الأمة من رجال ونساء، وعذر النساء
بالحيض مما تعمّ به البلوى فلا وجه لذكره هنا مع ما يصيب الرجال والنساء معاً من
الأعذار المشتركة، فجاء حكم القضاء في نصّ آخر أخبرت عنه عائشة بقولها هذا، وهذا
له نظائر كثيرة في السنة، تكون الآية عامة فيها حكم ما، وفي السنة حكم آخر مُخصص.
وكلام
عائشة واضح في أن هذا مما يصيبها في كلّ رمضان وهو الحيض، إذ لو كان الأمر متعلق
بالمرض أو السفر لقالت أنها لم تتمكن من قضاء الأيام التي مرضتها أو سافرتها إلا
في شعبان.
والخلاصة
أنه لم يصح أيّ حديث في قضاء الحائض للصوم! لكن هناك إجماع على القضاء نقله
الزهري، وذكره الحسن البصري وأبو الزناد وهم من كبار الفقهاء الثقات من الأئمة
المتقدمين، ولا ينقلون حكماً كهذا إلا إذا كان معمولاً به دون نكير، ومأخوذاً عن
الصحابة الذين أخذوا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وهناك
أيضاً قرائن تدلّ على هذا الحكم كحديث عائشة الأخير، وهذا هو المعمول به، وهو الذي
نراه.
وآخر
دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
وكتب:
د. خالد الحايك
23
شوّال 1438هـ.
أسامة أبو الوليد :
فتح الباري عليك شيخي الطيب، يعلم الله ما أدخل هنا أو إلى الفيس أو التلغرام إلا وأنتفع انتفاعا كبيرا، أكرمك الله بخيري الدنيا والآخرة وزادك علما وعملا وقبولا ورزقا واسعا...
شاركنا تعليقك