«حَدِيثُ أَبْرَصَ وَأَعْمَى وَأَقْرَعَ في بَنِي إِسْرَائِيلَ»
وتعليل العُقيلي له، وهو في «الصحيحين»!
أخرج البخاري في «صحيحه»، كتاب
الأنبياء، باب: (حَدِيث أَبْرَص وَأَعْمَى وَأَقْرَع في بَنِي إِسْرَائِيلَ)،
(3/1276) برقم (3277) قال: حدثني أَحْمَدُ بن إِسْحَاقَ، قال: حدثنا عَمْرُو بن
عَاصِمٍ، قال: حدثنا هَمَّامٌ، قال: حدثنا إِسْحَاقُ بن عبداللَّهِ، قال: حدثني
عبدالرحمن بن أبي عَمْرَةَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حدثه: أَنَّهُ سمع النبيّ صلى
الله عليه وسلم.
وحدثني مُحَمَّدٌ، قال: حدثنا عبداللَّهِ
بن رَجَاءٍ، قال: أخبرنا هَمَّامٌ، عن إِسْحَاقَ بن عبداللَّهِ، قال: أخبرني عبدالرحمن
بن أبي عَمْرَةَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - حدّثه أَنَّهُ سمع
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ ثَلَاثَةً في بَنِي إِسْرَائِيلَ
أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى بَدَا لِلَّهِ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ
إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى الْأَبْرَصَ فقال: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟
قال: لَوْنٌ حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ، قد قَذِرَنِي الناس. قال: فَمَسَحَهُ
فَذَهَبَ عنه، فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا، فقال: أَيُّ
الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قال: الْإِبِلُ - أو قال: الْبَقَرُ، هو شَكَّ في ذلك:
أن الْأَبْرَصَ وَالْأَقْرَعَ قال أَحَدُهُمَا: الْإِبِلُ، وقال الْآخَرُ:
الْبَقَرُ- فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ، فقال: يُبَارَكُ لك فيها.
وأَتَى الْأَقْرَعَ، فقال: أَيُّ
شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قال: شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّي، هذا قد قَذِرَنِي
الناس. قال: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا. قال: فَأَيُّ
الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قال: الْبَقَرُ، قال: فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلًا،
وقال: يُبَارَكُ لك فيها.
وَأَتَى الْأَعْمَى، فقال: أَيُّ
شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ، قال: يَرُدُّ الله إلي بَصَرِي فَأُبْصِرُ بِهِ الناس،
قال: فَمَسَحَهُ فَرَدَّ الله إليه بَصَرَهُ، قال: فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ
إِلَيْكَ؟ قال: الْغَنَمُ، فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا فَأُنْتِجَ هَذَانِ
وَوَلَّدَ هذا، فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ من إِبِلٍ، وَلِهَذَا وَادٍ من بَقَرٍ،
وَلِهَذَا وَادٍ من الغنم.
ثُمَّ إنه أتى الْأَبْرَصَ في
صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فقال: رَجُلٌ مِسْكِينٌ تَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبَالُ في سَفَرِي
فلا بَلَاغَ الْيَوْمَ إلا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ
اللَّوْنَ الحَسَنَ وَالجِلْدَ الْحَسَنَ وَالمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عليه في
سَفَرِي، فقال له: إِنَّ الحُقُوقَ كَثِيرَةٌ! فقال له: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ!!
أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ الناس فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ الله! فقال: لقد
وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عن كَابِرٍ. فقال: إن كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ الله إلى ما
كُنْتَ.
وَأَتَى الْأَقْرَعَ في صُورَتِهِ
وَهَيْئَتِهِ، فقال له مِثْلَ ما قال لِهَذَا، فَرَدَّ عليه مِثْلَ ما رَدَّ عليه
هذا، فقال: إن كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ الله إلى ما كُنْتَ.
وَأَتَى الْأَعْمَى في صُورَتِهِ،
فقال: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وابن سَبِيلٍ وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبَالُ في سَفَرِي فلا
بَلَاغَ الْيَوْمَ إلا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ
بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بها في سَفَرِي. فقال: قد كنت أَعْمَى فَرَدَّ الله
بَصَرِي، وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي فَخُذْ ما شِئْتَ فَوَاللَّهِ لا
أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ. فقال: أَمْسِكْ مَالَكَ فَإِنَّمَا
ابْتُلِيتُمْ فَقَدْ رضي الله عَنْكَ وَسَخِطَ على صَاحِبَيْكَ».
وأخرجه البخاري أيضاً في كِتَاب
الأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَاب: (لا يقول ما شَاءَ الله وَشِئْتَ، وَهَلْ يقول
أنا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ؟)، (6/2451) برقم (6277) معلقاً، قال: وقال عَمْرُو بن
عَاصِمٍ، قال: حدثنا هَمَّامٌ، قال: حدثنا إِسْحَاقُ بن عبداللَّهِ بن أبي
طَلْحَةَ، قال: حدثنا عبدالرحمن بن أبي عَمْرَةَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حدثه
أَنَّهُ سمع النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «إِنَّ ثَلَاثَةً في بَنِي
إِسْرَائِيلَ أَرَادَ الله أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ مَلَكًا فَأَتَى
الْأَبْرَصَ فقال تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فلا بَلَاغَ لي إلا بِاللَّهِ ثُمَّ
بِكَ» فذكر الحديث.
وأخرجه مسلمٌ في «صحيحه»، كِتَاب
الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ، (4/2275) برقم (2964) قال: حدثنا شَيْبَانُ بن فَرُّوخَ،
قال: حدثنا هَمَّامٌ، به: «إِنَّ ثَلَاثَةً في بنى إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ
وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى فَأَرَادَ الله أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ
مَلَكًا فَأَتَى...» الحديث بطوله.
وأخرجه ابن حبان في «صحيحه»، ذكر
الإخبار عما يجب على المرء من الشكر لله جل وعلا بأعضائه على نعمه ولا سيما إذا
كانت النعمة تعقب بلوى تعتريه، (2/13) برقم (314) قال: أخبرنا أبو يعلى، قال:
حدثنا شيبان بن فروخ، به.
وأخرجه البيهقي في «شُعب الإيمان»
(3/228) من طريق محمد بن إبراهيم البوشنجي، عن شيبان بن فروخ، به.
وأخرجه اللالكائي في «كرامات
الأولياء» برقم (38) من طريق أَحْمَد بن زُهَيْرٍ، عن أَبِيه، عن عَمْرو بن
عَاصِمٍ، عن همَّام، به.
وأخرجه السهمي في «تاريخ جرجان» (ص465)
من طريق موسى بن عمر الجرجاني، عن عبدالله بن رجاء، عن همام، به.
وأخرجه البزار في «مسنده» (14/379)
برقم (8097) عن إبراهيم بن عَبدالله الرازي، عن عَبدالله بن رجاء، عن هَمَّام، به.
قال البزار: "وهذَا
الْحَدِيثُ لاَ نعلمُهُ يُرْوَى عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم
إلاَّ مِنْ هَذَا الوجه بهذا الإسناد".
قلت: هذا الحديث تفرّد به همام بن
يحيى العَوْذيّ البصريّ، رواه عنه: عبدالله بن رجاء الغداني البصري، وعمرو بن عاصم
الكِلابي البصري، وشَيْبَانُ بن فَرُّوخَ الأُبُلِّيُّ، البَصْرِيُّ.
وخالفه عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ
اليماميّ، فرواه عن إِسْحَاق بن عَبْدِاللَّهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ قالَ: «كَانَ ثَلَاثَةٌ
فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ»، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، موقوفاً عليه.
فجعله عكرمة من قول إسحاق بن أبي
طلحة ولم يرفعه، وتفرّد همام برفعه. ولهذا أعلّه العقيلي، فإنه ساق الحديث في
ترجمة «همَّام بن يَحْيَى العَوْذِيّ» (4/367).
وكان همام قد أُتي من حفظه رحمه
الله، فكان يزيد في الأسانيد فيرفع الموقوف، ولا يرجع لكتابه.
قال مُحَمَّدُ بنُ المِنْهَالِ:
سَمِعْتُ يَزِيدَ بنِ زُرَيْعٍ، مَا تَقُولُ فِي هَمَّامٍ؟ قالَ: "كِتَابُهُ
صَالِحٌ، وَحِفْظُهُ لَا يَسْوَى شَيْئًا".
قال أَحْمَدُ بنُ عَبْدِاللَّهِ
بنِ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ أَبَا حَفْصٍ يَقُولُ: كَانَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ
مَهْدِيٍّ، يَقُولُ: "إِذَا حَدَّثَ هَمَّامٌ، مِنْ كِتَابِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ"،
وكَانَ يَحْيَى لَا يَرْضَى كِتَابَهُ، ولا حِفْظَهُ.
وقال أَحْمَد: "لمْ يَرْوِ
يَحْيَى عَنْ هَمَّامِ بنِ يَحْيَى شَيْئًا".
وقال عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ الفلاّس:
"كانَ يَحْيَى لا يُحَدِّثُ عَنْ هَمَّامٍ، وَكَانَ عَبْدُالرَّحْمَنِ
يُحَدِّثُ عَنْهُ".
قال عَبْدُاللَّهِ بنُ أَحْمَدَ:
سَمِعْتُ أَبِي وَذُكِرَ هَمَّامٌ، فَقَالَ: "كَانَ يَحْيَى يُنْكِرُ عَلَى
هَمَّامٍ أَنْ يَزِيدَ فِي الْإِسْنَادِ، فَلَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ وَافَقَهُ عَلَى
بَعْضِ تِلْكَ الأَحَادِيثِ هِشَامٌ".
قَال عبدالرَّحْمَنِ بن أَبي
حَاتِم: سئل أبي عن همام، وأبان العطار من تقدم منهما؟ قال: "همام أحبّ إليّ
ما حدث من كتابه، وإذا حدث من حفظه فهما متقاربان فِي الحفظ والغلط".
وَقَال أيضاً: سَأَلتُ أبي عَنْ
همام؟ فَقَالَ: "ثقة صدوق، فِي حفظه شيء، وهو فِي قتادة أحبّ إليّ من حماد بن
سلمة، ومن أبان العطار".
ثمّ هو نفسه قد أقرّ بأنه كان
يُخطئ ويَهم في أحاديثه.
قال عَفَّان بن مُسلم صاحبه:
"كَانَ هَمَّامٌ لَا يَكَادُ يَرْجِعُ إِلَى كِتَابِهِ، وَلَا يَنْظُرُ فِيهِ،
وَكَانَ يُخَالَفُ فَلَا يَرْجِعُ إِلَى كِتَابِهِ، وَكَانَ يَكْرَهُ ذَلِكَ"،
قالَ: "ثُمَّ رَجَعَ بَعْدُ فَنَظَرَ فِي كُتُبِهِ، فَقَالَ: يَا عَفَّانُ،
كُنَّا نُخْطِئُ كَثِيرًا، فَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ".
وهذا الحديث لم يروه عنه عفّان،
فدلّ ذلك على أنه حدّث به قديماً قبل أن يعرف أنه كان يُخطىء فيما يحدث به ولا
يرجع لكتابه.
وقد نقل العقيلي في ترجمته كلام
أهل النّقد فيه، ثم ساق له هذا الحديث المرفوع، ثم ساق مخالفة عِكْرِمَة بن عَمَّارٍ
له وأنه وقفه على إِسْحَاق بن عَبْدِاللَّهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، وأن همام بن يحيى
أخطأ في رفعه! ثمّ بيّن أن أصل هذا الحديث هو من قصص عُبيد بن عُمير قاصّ مكة.
فساق من طريق الحُمَيْدِيّ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ
دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بنَ عُمَيْرٍ، يَقُولُ: كَانَ ثَلَاثَةٌ:
أَعْمَى، وَمُقْعَدٌ، وَآخَرُ بِهِ زَمَانَةٌ، قَدْ ذَكَرَ لَنَا عَمْرٌو فَنَسِيتُهَا،
وَكَانُوا مُحْتَاجِينَ، فَأُعْطِيَ هَذَا بَقَرَةً، وَهَذَا شَاةً، وَذَكَرَ
الحَدِيثَ.
قالَ أَبُو جَعْفَرٍ
العُقَيْلِيُّ: "وهذَا أَصْلُ الحَدِيثِ مِنْ كَلَامِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ،
وقصَصُهُ كَانَ يَقُصُّ بِهِ".
والخلاصة أن همام بن يحيى إذا زاد
في حديث وخالفه ثقة آخر فلم يزد فالحكم لمن نقص لقرائن:
الأولى: ما عُرف من أخطاء يحيى
وأوهامه قديماً قبل أن يرجع لكتابه.
الثانية: نصّ الأئمة أنه كان يزيد
في الإسناد، أي: يصل المرسل، أو يرفع الموقوف.
وعليه فالصواب في الحديث الوقف،
وكأن من سمعه من همام من أهل البصرة سمعوه قديماُ، ولم يروه عفان الذي نقل عنه أنه
كان يخطئ قديماً.
وكأن عكرمة بن عمار اليمامي -
الذي خالف فيه العوذي - سمعه من إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة الأنصاري المدني في
اليمامة؛ لأنه نزل اليمامة وبقي بها إلى زمن بني هاشم، وهذا يدلّ على أن إسحاق
حدّث به موقوفاً، ولو كان عنده مرفوعاً لحدث به. وهنا ترجح رواية عكرمة على رواية
همام.
ويُحتمل أن عبدالرحمن بن أبي عمرة
- وكان قاصّ أهل المدينة - أخذه من عبيد بن عمير قاصّ مكة، فلما سمع إسحاق الحديث
من عبدالرحمن من قصصه لم يُسنده له؛ لأنه ليس مرفوعاً، فصار موقوفاً عليه.
ولو كان هذا الحديث حدّث به أبو
هريرة لوجدناه عند أصحابه الستة الكِبار: سَعِيد بن المُسَيَّب، وأبو سلمة،
والأعرج، وأبو صالح السمّان، ومحمد بن سيرين، وطاوس، وهمام بن مُنبّه. والله أعلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ
العالمين
وكتب: أبو صهيب خالد الحايك.
شاركنا تعليقك