«المائة الثانية» من «الأَجوبة الحايكية»
على «الأسئلة الحديثية»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين،
وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدّين، وبعد:
فهذه «المائة الثانية» من «الأَجوبة الحايكية» على «الأسئلة
الحديثية» في صفحتي في برنامج «Ask»، وأسأل الله أن ينفع بها.
حديث: «مات ولم يترك وارثاً..!»
سؤال(101) أريد منك يا شيخ قولاً
فصلاً في هذا الحديث: عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلاً مات على عهد النبي صلى
الله عليه وسلم ولم يترك وارثاً إلا عبداً هو أعتقه فأعطاه ميراثه. الحديث. رواه
الخمسة إلا النسائي، وحسّنه الترمذي، وهو من رواية عوسجة عن ابن عباس؟
هذا الحديث لا يصح، وهو مرسل.
رواه حماد بن سلمة وسفيان بن عيينة كلاهما
عن عمرو بن دينار عن عوسجة عن ابن عباس: «أن رجلاً توفي على عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انظروا هل له وارث؟ فقالوا: لا،
إلا غلاما كان له فأعتقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادفعوا إليه ميراثه».
وخالفهما حماد بن زيد، فرواه عن عمرو بن
دينار عن عوسجة مولى ابن عباس: «أن رجلا مات على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم..»، هكذا رواه حماد بن زيد مرسلاً لم يبلغ به ابن عباس.
وكذلك رواه روح بن القاسم عن عمرو بن
دينار مرسلاً.
قال البخاري: "عوسجة مولى ابن عباس،
روى عنه عمرو بن دينار، ولم يصح حديثه".
وعوسجة ليس بذاك المشهور وحديثه فيه نكرة!
قال ابن قُتيبة في كتاب «مشكل الحديث»:
"الفقهاء على خلاف حديث عوسجة هذا، إما لاتهامهم عوسجة؛ فإنه ممن لا يثبت به
فرض ولا سنة، وإما التحريف في التأويل، وإما النسخ".
وذكره ابن عدي في الكامل، وقال: "عند
ابن عيينة عن عمرو عن عوسجة عن ابن عباس عدة أحاديث".
وقال الذهبي: "هو نكرة".
«كتب السيرة النبوية»
سؤال(102) كنت أحبّ أن أعرف أكثر كتاب مرجح بالنسبة لكم، وأفضلها من
حيث التخريج في السيرة النبوية؟
حقيقة
لم أجد كتاباً يشفي الغليل في هذا.. وقمت بفضل الله بجمع «مغازي عروة بن الزبير» (ت91هـ) وهي أول مغازي في الإسلام، ورتبتها على أحداث السيرة
وتكلمت عليها بتفصيل، وقدمت لها بمقدمة في كيفية التعامل مع أحداث السيرة، والكتاب
لا زال مخطوطاً، نسأل الله أن يُيسر طبعه.
حديث: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران...»
سؤال(103) شيخنا حديث: الحاكم إذا اجتهد وأصاب
فله أجران، صحيح؟
الحديث
صحيح.
رواه
البخاري ومسلم في «صحيحيهما» من حديث عَمْرِو
بن العَاصِ أَنَّهُ سمع رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ
أَجْرَانِ، وإذا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ».
والمقصود
بالحاكم: القاضي الذي عنده علم.. فلا يجوز للجاهل أن يجتهد ثم نقول له أجر واحد؛
لأنه أخطأ!! بل هو آثم لأنه اجتهد بغير علم، وهو بهذا يُفسد الأمور على الناس.
كتابا: «صحيح السيرة النبوية» و«ما شاع ولم يثبت في السيرة»
سؤال(104) شيخنا: أريد سؤالكم عن كتابين
ودقة تخريج الأحاديث بهما: كتاب: صحيح السيرة النبوية لإبراهيم العلي، تقديم
الدكتور عمر الأشقر، وكتاب: ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية لمحمد بن عبدالله
العوشن؛ لأن هناك بعض النصوص الذي نقل الكتاب الثاني عدم صحتها أوردت في الكتاب
الأول! وما حكم الاستشهاد بها، وما أصح كتاب في ذلك؟
أولاً: لا يُعجبني تصنيف ما في السيرة إلى «صحيح» و«ضعيف» بحيث يحصر بعضهم ما رآه صحيحاً في كتاب ويسميه: «صحيح السيرة»!
فهذه
الصحة من وجهة نظره! مع الاختلاف في كيفية تعامل أهل العلم مع أحداث السيرة، فإن
أحداثها غالباً ما تُروى مرسلة لا مسندة، فإذا أهدرنا ما رُوي فيها مرسلاً، لم يبق
لنا شيئاً منها!
والضابط
في قبول مراسيل السيرة وعدمه هو وجود النكارة في ما يُروى وهذا لا يعرفه إلا
الناقد الجهبذ الذي تضلع من علم العلل.
وقلّ
من يتنبه لهذا المنهج في التعامل مع أحداث السيرة.. والعجيب أنهم يوردون في «صحيح السيرة» بعض المناكير والروايات الضعيفة، ولا يوردون ما روي مرسلاً
وخاصة من «مغازي عروة بن الزبير» بحجة أنها مرسلة، والمرسل ضعيف!!
ثانياً: وهذا ما أنكره على كتاب الشيخ إبراهيم العلي - رحمه الله- فإنه ذكر
روايات كثيرة منكرة وصححها على منهج المتأخرين بالمتابعات والشواهد الواهية وغير
ذلك!
والعجب
أن الكتاب راجعه الدكتور همام سعيد، والشيخ عالم بعلم العلل! فكيف وافق على مثل
هذا المنهج!!
ومن
أمثلة ذلك ما ذكره الشيخ في (ص51) "فترة الوحي" قال: "وعند الإمام
أحمد زيادة لطيفة في شدة حزن النبي لفتور الوحي، تقول الزيادة: وَفَتَرَ الوحي
فتره حتى حَزِنَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا بَلَغَنَا حُزْناً غَدَا
منه مِرَاراً كي يَتَرَدَّى من رؤوس شَوَاهِقِ الجِبَالِ...".
وفي
الحاشية عزا هذه الرواية للبخاري ومسلم!
قلت: هذه الزيادة التي وصفها الشيخ بأنها لطيفة هي زيادة منكرة! والذي
أراده البخاري بيان أنها ضعيفة، ولهذا أوردها بعد حديث بدء الوحي عن الزهري
بلاغاً!
وكان
ينبغي على الشيخ التدقيق في ذلك! وكذلك نسبتها لمسلم غير صحيح، فمسلم لم يخرجها في
كتابه.
ثالثاً: ترتيب كتاب الشيخ إبراهيم وإن كانت العناوين اعتمد فيها على كتاب
السيرة إلا أن إيراده للأحاديث المفرقة جعل هناك فجوة في أحداث السيرة! والأصل في
ذكر أحداث السيرة أن تكون مرتبطة بعضها ببعض فيحسّ القارئ برونقها.
رابعاً: وأما كتاب العوشن فهو سيء في كل شيء!! فحشد أشياء في الكتاب ليست
مما شاع كما هو عنوان كتابه! وكذلك ضعّف أحداثاً كثيرة؛ لأنه لا يعرف منهج أهل
العلم في التعامل مع السيرة! وتصنيفه ليس متقناً... والله المستعان.
«تسمية الكتب الستة المسندة بالصحيح والسنن»
سؤال(105) لماذا سُمي كتابي البخاري ومسلم
بالصحيحين، بينما سُميت كتب الترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه بالسنن؟
لأن
البخاري ومسلما اشترطا في كتابيهما أن يخرجا الأحاديث الصحيحة فقط، وأما الترمذي
والنسائي وأبو دواد وابن ماجه فلم يشترطوا إخراج الصحيح فقط بل أخرجوا الضعيف
أيضاً... فلا يجوز تسمية كتبهم بالصحاح، ونظراً لأنهم أخرجوا الأحاديث على الأبواب
الفقهية سميت كتبهم بالسنن.
حديث ابن مسعود الطويل: «إن من علامات الساعة وأشراطها...»
سؤال(106) يا شيخ: أريد أن أعرف صحة الحديث: «يا ابن مسعود: إن من
علامات الساعة وأشراطها..»؟
هذا الحديث يرويه الطبراني من طريق سيف بن مسكين الأسواري، قال:
حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن عتي السعدي، قال عتي: خرجت في طلب العلم حتى
قدمت الكوفة، فإذا بعبدالله بن مسعود بين ظهراني أهل الكوفة، فسألت عنه فأرشدت
إليه، فإذا هو في مسجد الأعظم، فأتيته فقلت: أبا عبدالرحمن، إني جئت أضرب إليك
أقتبس منك علما، لعل الله أن ينفعنا به بعدك، فقال لي: ممن الرجل؟ فقلت: رجل من
أهل البصرة، فقال: ممن؟ قلت: من هذا الحي من بني سعد، فقال لي: يا سعدي، لأحدثن
فيكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأتاه رجل فقال: يا رسول الله، ألا أدلك على قوم كثيرة أموالهم، كثير شوكتهم،
تصيب منهم مالاً دثراً، أو قال: كثيراً، فقال: «من هم؟» فقال: هم هذا الحي من بني
سعد من أهل الرمال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإن بني سعد عند الله ذو
حظ عظيم» ، سل يا سعدي، فقلت: أبا عبد الرحمن، هل للساعة من علم تعرف به الساعة؟
وكان متكئا فاستوى جالسا، فقال: يا سعدي، سألتني عما سألت عنه رسول الله صلى الله
عليه وسلم، قلت: يا رسول الله، هل للساعة من علم تعرف به الساعة؟ فقال لي: «يا ابن
مسعود، إن للساعة أعلاما، وإن للساعة أشراطا، ألا وإن من أعلام الساعة وأشراطها أن
يكون الولد غيظا، وأن يكون المطر قيظا، وأن تفيض الأشرار فيضا، يا ابن مسعود إن من
أعلام الساعة وأشراطها أن يصدق الكاذب، وأن يكذب الصادق، يا ابن مسعود، إن من
أعلام الساعة وأشراطها أن يؤتمن الخائن، وأن يخون الأمين، يا ابن مسعود، إن من
أعلام الساعة وأشراطها أن تواصل الأطباق، وأن تقاطع الأرحام، يا ابن مسعود، إن من
أعلام الساعة وأشراطها أن يسود كل قبيلة منافقوها، وكل سوق فجارها، يا ابن مسعود،
إن من أعلام الساعة وأشراطها أن تزخرف المساجد، وأن تخرب القلوب، يا ابن مسعود، إن
من أعلام الساعة وأشراطها أن يكون المؤمن في القبيلة أذل من النقد، يا ابن مسعود،
إن من أعلام الساعة وأشراطها أن يكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء، يا ابن
مسعود، إن من أعلام الساعة وأشراطها أن تكثف المساجد وأن تعلو المنابر، يا ابن مسعود،
إن من أعلام الساعة وأشراطها أن يعمر خراب الدنيا، ويخرب عمرانها، يا ابن مسعود،
إن من أعلام الساعة وأشراطها أن تظهر المعازف، وتشرب الخمور، يا ابن مسعود، إن من
أعلام الساعة وأشراطها شرب الخمور، يا ابن مسعود، إن من أعلام الساعة وأشراطها
الشرط والغمازون واللمازون، يا ابن مسعود، إن من أعلام الساعة وأشراطها أن يكثر
أولاد الزنى» . قلت: أبا عبدالرحمن، وهم مسلمون؟ قال: نعم، قلت: أبا عبدالرحمن،
والقرآن بين ظهرانيهم؟ قال: «نعم» ، قلت: أبا عبدالرحمن، وأنى ذاك؟ قال: «يأتي على
الناس زمان يطلق الرجل المرأة، ثم يجحد طلاقها فيقيم على فرجها، فهما زانيان ما
أقاما».
قلت: هذا حديث منكر!
تفرد به سيف بن مسكين ولم يُتابع عليه، وهو ضعيف لا يُحتج به.
قال ابن حبان في ترجمته من «الضعفاء»: "يأتي بالمقلوبات
والأشياء الموضوعات! لا يحلّ الاحتجاج به لمخالفته الأثبات في الروايات على قلتها".
وقد أورد الذهبي حديثه هذا في ترجمته من «الميزان» ليبين نكارته!
لفظة: «آمين»
سؤال(107) شيخنا كيف ترد على من قال: "إن
لفظة: آمين، ليست من الدين بشيء"؟!
الأحاديث
في ذلك كثيرة، وأشهرها ما رواه أبو هُرَيْرَةَ: أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم
قال: «إذا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا
فإنه من وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من
ذَنْبِهِ». وقال ابن شِهَابٍ - راوي
الحديث-: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آمِينَ).
وهو
لفظ متواتر نُقل في الصلاة عبر القرون، فكيف يُزعم أنه ليس من الدين؟!! الله
المستعان.
أثر عمر: «أميتوا الباطل بهجره..!»
سؤال(108) شيخ: هل صحيح الأثر المنسوب
للفاروق - رضي الله عنه-: (أميتوا الباطل بهجره)؟
هذا
الأثر مشهور بهذا اللفظ! وقد رُوي بغير لفظ الأمر «أميتوا» كجزء من خطبة منسوبة لعمر رضي الله عنه، وفيها
ضعف.
أخرجها
الحافظ أبو نُعيم في «حلية الأولياء» قال: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عِلَّانَ
الوَرَّاقُ، قال: حدثَنَا عَبْدُاللهِ بنُ عُبَيْدٍ الْمُقْرِئُ، حدثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ، حدثَنَا يُوسُفُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ الثَّقَفِيُّ،
حدثَنَا الحَكَمُ بنُ هِشَامٍ، عَنْ عَبْدِالمَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابنِ
الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «إِنَّ لِله عِبَادًا
يُمِيتُونَ الْبَاطِلَ بِهَجْرِهِ، وَيُحْيُونَ الْحَقَّ بِذِكْرِهِ، رَغِبُوا
فَرَعِبُوا، وَرَهِبُوا فَرَهِبُوا، خَافُوا فَلَا يَأْمَنُونَ، أَبْصَرُوا مِنَ
الْيَقِينِ مَا لَمْ يَعَاينُوا فَخَلَطُوهُ بِمَا لَمْ يُزَايِلُوهُ،
أَخْلَصَهُمُ الْخَوْفُ فَكَانُوا يَهْجُرُونَ مَا يَنْقَطِعُ عَنْهُمْ لِمَا
يَبْقَى لَهُمُ، الْحَيَاةُ عَلَيْهِمْ نِعْمَةٌ وَالْمَوْتُ لَهُمْ كَرَامَةٌ،
فَزُوِّجُوا الْحُورَ الْعَيْنَ، وَأُخْدِمُوا الْوِلْدَانَ الْمُخَلَّدِينَ».
وقال
أبو يوسف القاضي في كتاب «الخراج»: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَشْيَاخِنَا، عَنْ
عَبْدِالمَلِكِ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ عَطَاءٍ الْكِلاعِيِّ، عَنْ
أَبِيهِ، قالَ : خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ فَحَمَدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ،
ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي
يَبْقَى وَيَهْلِكُ مَنْ سِوَاهُ... أَلا وَإِنَّ اللَّهَ فَرَضَ الصَّلاةَ
وَجَعَلَ لَهَا شُرُوطًا، فَمِنْ شُرُوطِهَا: الْوُضُوءُ وَالْخُشُوعُ وَالرُّكُوعُ
وَالسُّجُودُ.... وَاعْلَمُوا أَنَّ لِلَّهِ عِبَادًا يُمِيتُونَ البَاطِلَ
بِهَجْرِهِ، وَيُحْيُونَ الْحَقَّ بِذِكْرِهِ...".
قلت:
وهذا إسناد فيه جهالة! وأما الإسناد الأول ففيه بعض الضعف، فهشام بن الحكم مشّاه
جماعة، وقال أبو حاتم: "لا يُحتج به". وعبدالملك بن عمير الكوفي صدوق
تكلموا في حفظه بأخرة!
ولو
صح الأثر فإنه لا يعني أن يُترك الكلام على الباطل عموماً، فإن "كان مغمورًا
غير مشتهر ولم يسمع به إلا القليل فالأولى السكوت عنه وتركه حتى لا يشتهر، أما إذا
ظهر واشتهر واغتر به كثيرون فلا يجوز السكوت عنه بل يجب فضحه وتعريته حتى يحذره
الناس ويجتنبوه وهذا ما تدل عليه نصوص الشرع المطهر، فقد ذكر الله في القرآن بعض
مقولات أهل الباطل - مع شدة قبحها - للرد عليها وتفنيدها، كقول اليهود {يد الله
مغلولة} وقولهم: {إن الله فقير ونحن أغنياء}، وقول النصارى: {إن الله هو المسيح ابن
مريم}، {إن الله ثالث ثلاثة} وغيرها من مقولات أهل الشرك والإلحاد، وهي باقية في
كتاب الله ويتلوها المسلمون ضمن سياقها التي وردت فيه إلى أن يأتي أمر الله.
والأولى عند رد مقولات أهل الباطل إهمال ذكر أسمائهم بقدر الإمكان لأن في ذكرها
إشهارًا لهم وربما فرحوا به، ولينتظم الرد هؤلاء وغيرهم ممن قد يأتي بعدهم، لكن
إذا اقتضى الحال أوالمصلحة ذكر الأسماء فلا حرج، فقد ذكر الله في كتابه أسماء بعض أهل
الباطل من الطواغيت وغيرهم" [هذا النص بين علامتي تنصيص منقول].
فالباطل
إذا خرج من إنسان لا يؤبه به فهنا يُهجر لئلا يشتهر ويشتهر صاحبه، وأما إذا كان
ممن له حظوة فلا بدّ من ردّه وإبطاله حتى لا يأخذه الناس مسلماً لشهرة صاحبه.
حديث: «من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته..!»
سؤال(109) ما صحة حديث : «من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته..»؟
الحديث يُروى بلفظ: «لا تتبعوا عورات المسلمين فإن من تتبع
عورات المسلمين تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في جوف بيته»، وهو ضعيف من كلّ طرقه.
ولا شك في تحريم تتبع عورات المسلمين وفضحهم، ولا يدخل في ذلك
من أراد بيان الحقّ في قول ما أو فعل معين نصحاً لله ولرسوله وللمسلمين.
«قصة الإمام الشافعي مع ابنة الإمام أحمد!»
سؤال(110) ما صحة قصة الإمام الشافعي مع ابنة الإمام أحمد؟
قصة الشافعي مع ابنة الإمام أحمد ومبيته في بيت أحمد قصة باطلة!
ومتن القصة
منكر! فكيف لابنة الإمام أحمد أن تراقب الشافعي طوال الليل! ثم تستهزئ به!!
فبحسب القصة قالت: "يا أبتاه... أهذا هو الشافعي الذي كنت
تحدثني عنه؟ فقال: نعم يا ابنتي! فقالت: سمعتك تعظم الشافعي وما رأيت له هذه
الليلة.. لا صلاة ولا ذكراً ولا ورداً!
وقد لاحظت عليه ثلاثة أمور عجيبة، قال: وما هي يا بنية؟ قالت: "أنه
عندما قدمنا له الطعام أكل كثيراً على خلاف ما سمعته عنه، وعندما دخل الغرفة لم
يقم ليصلي قيام الليل، وعندما صلى بنا الفجر صلى من غير أن يتوضأ!!"
وهذا منكر جداً!!
ثم إن القصة باطلة تاريخياً! فالشافعي توفي سنة (204هـ)، وأحمد
ولد سنة (164هـ)، ولم يتزوج إلا بعد الأربعين بعد أن تشبّع من العلم. قال
الخَلاَّلُ: أَخبرنا المَرُّوْذِيُّ: أَنَّ أَبَا عَبْدِاللهِ قال: "مَا
تَزَوَّجتُ إِلاَّ بَعْدَ الأَرْبَعِيْنَ"، فيكون الإمام أحمد تزوج بعد وفاة
الإمام الشافعي، فكيف حدثت هذه القصة مع ابنته؟!!
بل إن ابنة الإمام أحمد الوحيدة ولدت بعد وفاة الشافعي بأربعين
سنة تقريباً! فالإمام أحمد أولى زوجاته كانت العباسة بنت الفضل، وقد عاشت معه
ثلاثين سنة، وأنجبت منه ولدهما صالحاً. قال المروذي: «سمعت أبا عبدالله يقول:
أقامت معي أم صالح ثلاثين سنة فما اختلفتُ أنا وهي في كلمة»، ولما توفيت أم صالح
تزوج أحمد زوجته الثانية ريحانة، وأنجبت منه ولداً واحداً هو عبدالله، فلما ماتت
أم عبدالله اشترى جاريةً اسمها حُسْن، فأنجبت له زينب، ثم توأمين هما الحسن
والحسين، فماتا بعد ولادتهما، ثم وَلدت الحسن ومحمداً، ثم وَلدت بعد ذلك سعيداً.
وللأسف فهذه القصة مشتهرة على ألسنة الوعاظ والقُصّاص ويحكونها
للناس على أنها مسلّمة!! وعادة ما يزيد القصاص في مثل هذه القصص نتيجة الحماس وبهر
الناس!
وكذلك الأسلوب الذي يقدمون فيه مثل هذه القصص! فالعريفي –
مثلاً- يقول: "كان أحمد يحدث أولاده دائماً عن الشافعي.. والله الشيخ الشافعي
أمس سئل عن كذا فقال كذا.. ودائما يُبيّن لأولاده شرف هذا الإمام حتى اشتاقوا
لرؤيته، ففي أحد الأيام جاء الشافعي لأحمد زائراً.."!!!
فكيف اشتاقوا لرؤيته وهو ميت!! ثم جاء لزيارتهم!!
ثم زاد العريفي الطين بِلّة عندما زاد في هذه القصة شيئاً ونسبه
للشافعي! فإنه لما ساق القصة الباطلة وكان يبيّن الشافعي لأحمد ما حدث معه في تلك
الليلة لما وضع رأسه على الوسادة فتذكر حديث «أبي عُمير» وأنه استخرج منه (70)
فائدة!!
فخلط العريفي في هذا! وزاد في القصة - مع بطلانها- شيئاً ليس
منها!
فالذي استخرج هذه الفوائد - وهي 60 فائدة- من هذا الحديث هو شيخ
الشافعية الإمام ابن القاص (أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري الفقيه الشافعي) (ت335هـ).
وقد أشار لهذا الحافظ ابن حجر في «الفتح» عند شرحه لحديث «أبا
عُمير: ما فعل النُّغير»، قال: "وقد جمعت في هذا الموضع طرقه وتتبعت ما في
رواية كل منهم من فائدة زائدة، وذكر ابن القاص في أول كتابه: أن بعض الناس عاب على
أهل الحديث أنهم يروون أشياء لا فائدة فيها ومثل ذلك بحديث أبي عمير هذا، قال: وما
درى أن في هذا الحديث من وجوه الفقه وفنون الأدب والفائدة ستين وجهاً ثم ساقها
مبسوطة فلخصتها مستوفياً مقاصده، ثم أتبعته بما تيسر من الزوائد عليه".
«إقامة النبيّ صلى الله عليه وسلم لحدّ الرجم على الزاني المُحصن»
سؤال(111) بعض الناس يردد: "أن النبيّ
عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أنه ردّ المرأة التي أتته وتقول طهرني، ولم يُقم
عليها الحدّ"! كيف نرد شيخنا؟
بل
أقام عليها الحد.. ففي «صحيح مسلم»: «جَاءَتْهُ
امْرَأَةٌ من غَامِدٍ من الْأَزْدِ فقالت يا رَسُولَ اللَّهِ: طَهِّرْنِي. فقال:
وَيْحَكِ ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إليه. فقالت: أَرَاكَ تُرِيدُ
أَنْ تُرَدِّدَنِي كما رَدَّدْتَ مَاعِزَ بن مَالِكٍ. قال: وما ذَاكِ؟ قالت:
إِنَّهَا حُبْلَى من الزِّنَى. فقال: آنْتِ؟ قالت: نعم. فقال لها حتى تَضَعِي ما
في بَطْنِكِ. قال: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ من الْأَنْصَارِ حتى وَضَعَتْ، قال: فَأَتَى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد وَضَعَتْ الْغَامِدِيَّةُ، فقال: إِذًا لَا
نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا ليس له من يُرْضِعُهُ، فَقَامَ رَجُلٌ من
الْأَنْصَارِ فقال إلي رَضَاعُهُ يا نَبِيَّ اللَّهِ. قال: فَرَجَمَهَا».
وإنما
كان النبي صلى الله عليه وسلم يرد من جاء معترفاً ستراً له، فالله قد ستر عليه
فليستر على نفسه، ولكن إن أبى وأراد أن يُقام عليه الحد فيُقام.
حديث: «الرعد مَلَك...»
سؤال(112) ما علة الأحاديث التي فيها: «أن
الرعد ملك..» بارك الله فيك.
حديث «الرعد
مَلَك» من الإسرائيليات التي كان يُحدّث بها كعب الأحبار وأبو الجَلَد البصري من
كتب الأوائل، وهو قولٌ منكرٌ!
وتجد
تفصيل ذلك في بحثي في الحديث المرفوع: «الرعد مَلَك» في موقعي: «دار الحديث
الضيائية».
حديث: «استجابة الدعاء عند نزول المطر...»
سؤال(113) هل يثبت حديث استجابة الدعاء عند
المطر شيخنا؟
لم
يثبت. ولا يصح في هذا الباب شيء.
حديث: «دلّني على عمل يعدل الجهاد...»
سؤال(114) هل يصح هذ الحديث: «يا رسول الله،
دلني على عمل يعدل الجهاد؟ قال صلوات ربي وسلامه علية: لو صمت ولم تفطر وقمت الليل
ولم تفتر ولن تقدر لن تعادل أجر الجهاد»؟ وجزاك الله خيراً.
روى
البخاري في «صحيحه» من حديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: «جاء رَجُلٌ إلى
رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: دُلَّنِي على عَمَلٍ يَعْدِلُ الجِهَادَ؟
قال: لَا أَجِدُهُ. قال: هل تَسْتَطِيعُ إذا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ
مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ ولا تَفْتُرَ، وَتَصُومَ ولا تُفْطِرَ. قال: وَمَنْ
يَسْتَطِيعُ ذلك!».
قال
أبو هُرَيْرَةَ: «إِنَّ فَرَسَ المُجَاهِدِ لَيَسْتَنُّ في طِوَلِهِ فَيُكْتَبُ له
حَسَنَاتٍ».
«الرد على مُنكر السُّنة»
سؤال(115) ما هو رد فضيلتكم على من يُنكر صحة
نقل الأحاديث والآثار، ويُشكك في ذلك!! حتى إذا ما قلت: قال الرسول، رأيته ﻻ يتعظ!
ويقول: من قال إن هذه الحديث يصح أن قائلها النبي؟!!
الله
عزّ وجلّ ما كان ليترك دينه هكذا.. فأنزل القرآن وأوجب اتباع رسوله صلى الله عليه
وسلم، ولا شك أن القرآن قد حوى أحكاماً مجملة ومطلقة، وهذه الأحكام جاءت مفصلة
ومقيدة في السنة، ونقلها أصحابه صلى الله عليه وسلم، ونشأ علم الحديث وهو علم دقيق
شارك فيه عشرات الآلاف من أهل العلم عبر العصور، فمن لم يصدق هذا فقد ضلّ عن
الطريق! وإذا أنكر السنة فهو كافر؛ لأنه أنكر المصدر الثاني من التشريع الذي أشار
إليه القرآن {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.
قال
السيوطي في حكم من يجحد السنة: "اعلموا رحمكم الله أن من أنكر أن كون حديث
النبي صلى الله عليه وسلم قولا كان أو فعلا بشرطه المعروف في الأصول حجة - كفر
وخرج عن دائرة الإسلام وحشر مع اليهود والنصارى أو مع من شاء الله من فرق
الكفرة".
«أحكام الشيخ العدوي على الأحاديث»
سؤال(116) ما رأيك في أحكام الشيخ مصطفى
العدوي على الأحاديث، وهل هو ممن يعمل بمنهج المتقدمين أو المتأخرين؟
الشيخ
العدوي أحكامه جيدة على الأحاديث عموماً، وهو يُصيب ويُخطئ كغيره من أهل العلم،
وهو يعمل بمنهج المتقدمين لكن أحياناً تجده يعمل بمنهج المتأخرين في أحكامه على
بعض الأحاديث وخاصة في مسألة المتابعات والشواهد.
حديث: «ثم تكون خلافة..!!»
سؤال(117) يا شيخ خالد: ذكرت أن حديث
"ثم تكون خلافة" ضعيف! ورغم ذلك قلت: إن الخلافة آتية إن شاء الله تعالى،
فهل من أحاديث أخرى دلت على ذلك أم هو تمني، قد يحدث وقد لا يحدث؟
الأصل
إيجاد الخلافة، فقد كانت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم واستمرت قروناً، ولهذا
قال أهل العلم إن إيجادها واجب على الأمة؛ لأنه بدون الخلافة لا يكون تحكيم لشرع
الله.
فتضعيف
الحديث أخي لا يدل بحال على عدم عودة الخلافة، فالخلافة آتية إن شاء الله تعالى.
والمصيبة أن كثيراً من الناس يخضعون الأحاديث لوقائع معينة أو يريدون أن يخضعوها
لوقائع يتوهمونها بحيث إذا صار هناك خُلف وقع على الأحاديث التي اعتقدنا صحتها
ردهاً من الزمان!! فهذا الحديث فيه نكارة، وتطبيقه على بعض الأزمان فيه خلاف كما
تعلم!! فالخلافة التي كانت على منهاج النبوة هي الخلافة الراشدة، ثم أخبر الحديث
أنها سترفع ثم سيكون ملكاً عاضّاً ثم ملكاً جبرياً ثم تأتي الخلافة التي على منهاج
النبوة مرة أخرى! فهل هذه الأخيرة هي التي ينتظرها المسلمون؟! وماذا نسمي الخلافة
التي كانت بعد الخلافة الراشدة لعقود طويلة؟!! ثم هل ستأتي خلافة على منهاج النبوة
كما كانت الخلافة الراشدة؟! هذا لن يكون أبداً، فتلك القرون هي خير القرون كما
أخبر صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا لا يمنع أن تكون خلافة إسلامية يحكم فيها شرع
الله. والخلاصة أن هذا الحديث فيه ما فيه من النكارة، وتضعيفه لا يدل بحال على عدم
عودة الخلافة. وأصل هذا الحديث محرف عن حديث حذيفة المشهور: ((كان الناس يسألون رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني...))
الحديث، وهو في الصحيحين.
أثر عمر: «لو كان سالم مولى حذيفة حيّ لوليته الخلافة!»
سؤال(118) سمعت أن من شروط الخلافة: أن يكون
قرشيا، وهذا يتعارض مع قول عمر بن الخطاب وهو على فراش الموت: "لو كان كان
سالم مولى حذيفة حي لوليته الخلافة"؟!
أولاً:
يجب تحرير العبارة الصحيحة التي قالها عمر رضي الله عنه. ثم ثانياً: بيان معنى قول
عمر.
فهذا
الأثر روي عنه أنه قال: "لَوْ كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ حَيًّا
اسْتَخْلَفْتُهُ، فَإِنْ سَأَلَنِي رَبِّي قُلْتُ: سَمِعْتُ نَبِيَّكَ يَقُولُ:
إِنَّ سَالِمًا شَدِيدُ الْحُبِّ لِلَّهِ".
وهذا
روي عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عمر، ولما رواه ابن عساكر قال: "شهر بن حوشب
لم يدرك عمر". ورُوي أيضا عن قتادة عن عمر دون ذكر شهر بن حوشب، وشهر فيه
ضعف.
ورُوي
بلفظ: "لو كان سالم حيا ما جعلته شورى"
وروي
أيضاً بلفظ: "لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً ما تخالجني فيه الشك".
والأقرب
هذا الأخير ومعناه: ما خالجني الشك في تقديمه للصلاة بالناس إلى أن يتفق أصحاب
الشورى على تقديم رجل منهم، ثم قدّم صهيباً، ولهذا المعنى شاهد يأتي.
وقد
أجاب عن هذه الشبهة ابن قتيبة في كتابه "تأويل مختلف الحديث" فقال:
"قالوا: رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الأئمة من قريش)،
ورويتم أن أبا بكر الصديق احتج بذلك على الأنصار يوم سقيفة بني ساعدة. ثم رويتم عن
عمر رضي الله عنه أنه قال عند موته: (لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً ما تخالجني
فيه الشك). وسالم ليس مولى لأبي حذيفة، وإنما هو مولى لامرأة من الأنصار وهي
أعتقته وربته ونسب إلى أبي حذيفة بحلف، فجعلتم الإمامة تصلح لموالي الأنصار، ولو
كان مولى لقريش لأمكن أن تحتجوا بأن مولى القوم منهم ومن أنفسهم! قالوا: وهذا
تناقض واختلاف".
قال
ابن قتيبة: "ونحن نقول إنه ليس في هذا القول تناقض، وإنما كان يكون تناقضاً
لو قال عمر: (لو كان سالم حياً ما تخالجني الشك في توليته عليكم أو في تأميره)،
فأما قوله: (ما تخالجني الشك فيه) فقد يحتمل غير ما ذهبوا إليه، وكيف يظن بعمر رضي
الله عنه أنه يقف في خيار المهاجرين والذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالجنة فلا يختار منهم، ويجعل الأمر شورى بينهم، ولا يتخالجه الشك في توليته
سالماً عليهم رضي الله عنه! هذا خطأ من القول وضعف في الرأي، ولكن عمر لما جعل
الأمر شورى بين هؤلاء ارتاد للصلاة من يقوم بها أن يختاروا الإمام منهم وأجلهم في
الاختيار ثلاثاً، وأمر عبدالله ابنه أن يأمرهم بذلك فذكر سالماً، فقال: (لو كان
حيا ما تخالجني فيه الشك) وذكر الجارود العبدي فقال: (لو كان أعيمش بني عبد القيس
حياً لقدمته) وقوله (لقدمته) دليل على أنه أراد في سالم مثل ذلك من تقديمه للصلاة
بهم، ثم أجمع على صهيب الرومي، فأمره بالصلاة إلى أن يتفق القوم على اختيار رجل
منهم. قالوا حديث يكذبه النظر والخبر" انتهى.
وقال
ابن عبدالبر في معنى قول عمر: (لو كان سالما حَيًّا لَمَا جَعَلْتُهَا شُورَى):
"مَعْنَاهُ أنَّه كَانَ يَصْدُرُ عَنْ رَأْيِهِ فِيمَنْ يُوَلِّيهِ
الْخِلَافَةَ" - أي لأكتفى عمر برأي سالم في من يُولّي بعده، لا أنه يريد
استخلافه هو.
«كيف أطلب علم الحديث؟»
سؤال(119) علم الحديث أُراه علما صعبا
و"معقدا"! ولست أعني بهذا الذم, ولكن الحفظ فيه كثير والفهم له يحتاج
وقت أكثر وهذا يتعارض مع الحال من الدراسة وغيرها... كيف أطلب هذا العلم، وكيف
أسير في طلبه، وبماذا أبدأ ؟
علم
الحديث ليس بالعلم السهل ويحتاج لتفرغ شديد ومتابعة دائمة، فمن كان يدرس علماً آخر
فلا بأس من معرفة أصول هذا العلم عن طريق الأخذ عن المشايخ الثقات..
تبدأ
بمصطلح الحديث لمعرفة مصطلحات القوم، ثم تقرأ في كتب الرواية كالصحيحين وغيرهما،
وهذا يحتاج لبرنامج شامل يمكنك الاستعانة ببعض ما كُتب على النت في ذلك. وفقك
الله.
كتاب «تيسير علوم الحديث لعمرو عبدالمنعم»
سؤال(120) هل كتاب "تيسير علوم الحديث
للمبتدئين" لمؤلفه عمرو عبدالمنعم سليم على مذهب المتقدمين أم المتأخرين؟ وهل
تنصح بقرائته، وما هي ملاحظاتك على الكتاب؟ نفع الله بكم شيخنا الحبيب.
الكتاب
في الجملة محاولة لطرح علوم الحديث على منهج المتقدمين في بعض مباحثه، ولا بأس
بقرائته والاستفادة منه للمبتدئين.
«ضبط لفظة في حديث...»
سؤال(121) حديث جرير في قصة مجتابي النمار
قال فيه: "حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كَأَنَّهُ
مُذْهَبَةٌ" هل هي (مُذْهَبة أو مَذْهبه)، ومالفرق؟
قال الإمام النووي في «شرح
صحيح مسلم»: "مذهبة: ضبطوه بوجهين، أحدهما وهو المشهور وبه جزم القاضي،
والجمهور مذهبة بذال معجمة وفتح الهاء وبعدها باء موحدة، والثاني ولم يذكر الحميدى
في الجمع بين الصحيحين غيره مدهنة بدال مهملة وضم الهاء وبعدها نون، وشرحه الحميدى
في كتابه غريب الجمع بين الصحيحين فقال: هو وغيره ممن فسر هذه الرواية إن صحت: المدهن
الاناء الذي يدهن فيه، وهو أيضاً اسم للنقرة في الجبل التي يستجمع فيها ماء المطر
فشبه صفاء وجهه الكريم بصفاء هذا الماء وبصفاء الدهن والمدهن. وقال القاضي عياض في
المشارق وغيره من الأئمة: هذا تصحيف وهو بالذال المعجمة والباء الموحدة وهو
المعروف في الروايات. وعلى هذا ذكر القاضي وجهين في تفسيره أحدهما معناه فضة مذهبة
فهو أبلغ في حسن الوجه وإشراقه، والثاني شبهه في حسنه ونوره بالمذهبة من الجلود
وجمعها مذاهب وهي شيء كانت العرب تصنعه من جلود وتجعل فيها خطوطا مذهبة يرى بعضها
أثر بعض".
فالعلماء على اختلاف في هذا: فمن
رجّح أنها (كأنه مذهبة) بالذال: يشير إلى لون الذهب وإشراقه كأن المعنى: كأنه مرآة
مذهبة، أي مطلية بالذهب.
ومن قال أنها (كأنه مدهنة) بالدال: شبه صفاء وجهه بإشراق السرور بصفاء الماء
المستنقع في الحجر أو بصفاء الدهن.
والأشهر عند العلماء بالذال،
وعلى الوجهين المقصود صفاء وجهه صلى الله عليه وسلم واستنارته.
حديث: «إنّ لله عباداً وراء الأندلس...»
سؤال(122) ما صحة حديث: «إِنَّ لله عِبَادًا
وَرَاءَ الأَنْدَلُسِ كَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الأَنْدَلُسِ، مَا يَرَوْنَ أَنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَصَاهُ مَخْلُوقٌ، رِضْرَاضُهُمُ الدُّرُّ وَالْيَاقُوتُ،
وَجِبَالُهُمُ الذَّهَبُ والفِضَّة.. إلى آخر الحديث»؟ وهل يجوز إذا كان الإسناد مقطوعا
أن نتداوله؟
هذا
ليس بحديث! وإنما يُروى من قول الإمام الشعبي.
رواه
يَحْيَى بنُ مَعِينٍ، عن عَلِيّ بن ثَابِتٍ الجزريّ، عن القَاسِم بن سليمَانَ،
قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، يَقُولُ: «إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
عِبَادًا وَرَاءَ الْأَنْدَلُسِ كَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْأَنْدَلُسِ، مَا
يَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَصَاهُ مَخْلُوقٌ، رِضْرَاضُهُمُ الدُّرُّ
وَالْيَاقُوتُ، وَجِبَالُهُمُ الذَّهَبُ والفِضَّةُ، لا يَحْتَرِثُونَ وَلا
يَزْرَعُونَ، وَلا يَحْتَرِفُونَ وَلا يَعْمَلُونَ عَمَلًا، لَهُمْ شَجَرٌ عَلَى
أَبْوَابِهِمْ لَهَا ثَمَرٌ هِيَ طَعَامُهُمْ، وَشَجَرٌ لَهَا أَوْرَاقٌ عِرَاضٌ
هِيَ لِبَاسُهُمْ».
وعلي
بن ثابت الجزري شيخ ابن مَعِين صدوق، وقال فيه ابن معين: "ثقة إذا حدّث عن
ثقة"، وشيخه "القاسم بن سليمان" لا يُعرف! فالأثر لا يصح عن
الشعبي، وسواء صح عنه أم لا فلا يجوز الاحتجاج به.
حديث: «من حرّق حرقناه...»
سؤال(123) شيخنا حديث: «من حرّق حرقناه، ومن
قتل قتلناه». هل يصح بوجه؟
لا
يصح بوجه من الوجوه! ويُروى «من عرض عرضنا له، ومن حرق حرقناه، ومن غرق غرقناه»
وإسناده مجهول!
قال
ابن الجوزي: "لا يثبت عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، إنما قاله زياد
في خطبته" - يعني هو من قول زياد بن أبيه في بعض خُطبه. وكأنه مُستفاد من آية
القِصاص، وهذا معروف في كتب الفقهاء.
حديث: «العجن في الصلاة..!» ولعن الكافر المعيَّن.
سؤال(124) يا شيخ: ما حكم لعن الكافر المعين؟
و ما صحة حديث العجن في الصلاة. بارك الله
فيكم وفي علمكم.
يجوز
لعن الكافر المعين، فقد كان صلى الله عليه وسلم يقنت ويقول: «اللهم العن فلاناً وفلاناً
وفلاناً»، وكان يقول: «اللهم الْعَنْ شَيْبَةَ بن رَبِيعَةَ وَعُتْبَةَ بن
رَبِيعَةَ وَأُمَيَّةَ بن خَلَفٍ كما أَخْرَجُونَا من أَرْضِنَا إلى أَرْضِ
الوَبَاءِ».
وأما
حديث العجن فهو حديث ضعيف! وقد صححه الشيخ الألباني وفي تصحيحه نظر!
والعجن
هو: أَن يقوم المصلي من ركعة إِلى أُخرى على هيئة العاجن، وهو أَن يجمع يديه ويتكئ
على ظهورهما عند القيام كحال من يعجن العجين. وقد عدّها الشيخ الألباني من السنة!
وليست كذلك، وإنما هي هيئة أَعجمية.
والاعتماد
على اليدين في القيام بعد السجود لا بأس به.
بوّب
البخاري في «صحيحه»: «باب كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة»، ثم ساق حديث
أيوب السختياني عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث قال: «إني لأصلي بكم وما أريد
الصلاة، ولكن أريد أن أريكم كيف رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي»، قال أيوب:
فقلت لأبي قلابة: وكيف كانت صلاته؟ قال: "مثل صلاة شيخنا هذا - يعني عمرو بن
سلمة-"، قال أيوب: "وكان ذلك الشيخ يتم التكبير، وإذا رفع رأسه من
السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام".
حديث: «داووا مرضاكم بالصدقة»
سؤال(125) حيّاك الله شيخ خالد، ما درجة
حديث «داووا مرضاكم بالصدقة»، وما علته إن وجدت؟ وحفظكم الله تعالى.
حديث
ضعيف جداً!
رواه
موسى بن عمير الكوفي عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم عن الأسود بن يزيد عن عبدالله
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «داووا مرضاكم بالصدقة، وحصنوا أموالكم بالزكاة،
وأعدوا للبلاء الدعاء».
وقد
تفرد به موسى بن عمير، وهو ليس بشيء! متروك، متّهم بالكذب! وهذا المتن إنما يعرف
عن الحسن البصري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، ومراسيل الحسن ضعيفة لا
يُحتج بها.
«كم كان عمره صلى الله عليه وسلم عندما تزوج خديجة...»
سؤال(126) شيخنا: قلت: أن النبيّ صلى الله
عليه وسلم تزوج عائشة وهي تكبره بسنين وهذا لا يصح سنداً! ما رأيك؟
أنا
لم أقل هذا! بل قلت: «تزوج خديجة وهي تكبره بسنوات».
وهذا
ثابت بعدة روايات: بعضها أنه تزوجها وهي في الأربعين من عمرها وهو المشهور، وهناك
بعض الروايات التي تدل على أنه تزوجها وهي تزيد عنه بثلاث سنين فقط أو كانت قريبة
من سنّه صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي أميل إليه أنها كانت في سنه أو تكبره بثلاث
سنوات = (25 أو 28 سنة)؛ لأن المرأة في الأربعين قد تُنجب ولدا أو اثنين.. لكن
خديجة أنجبت له صلى الله عليه وسلم ستة من الأولاد (اثنين من الذكور وأربع من الإناث)
وهذا يؤيد أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي قريبة من سنّه، والله أعلم.
حديث: «لا يزال الجهاد حلواً خضراً...»
سؤال(127) روى ابن عساكر عن زيد بن أسلم عن أبيه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الجهاد حلواً خضراً ما قطر القطر
من السماء، وسيأتي على الناس زمان يقول فيه قراء منهم: ليس هذا بزمان جهاد! فمن أدرك
ذلك الزمان فنعم زمان الجهاد، قالوا: يا رسول الله، أو أحد يقول ذلك؟! قال: نعم، من
لعنه الله والملائكة والناس أجمعون» ما صحته؟
هذا
حديث مرسل ضعيف..! وفي الصحيح ما يُغني عنه.
حديث: «يَكُونُ في آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ بِالسَّوَادِ...»
سؤال(128) شيخي: ما علّة حديث: كحواصل الطير
الذي رواه أبو داود في سننه؟
الحديث
رواه عبدالكَرِيمِ عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ قال: قال رسول اللَّهِ
صلى اللَّهُ عليه وسلم: «يَكُونُ في آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ
بِالسَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الطَّيْرِ لا يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الجَنَّةِ».
وقد
اختلف أهل العلم في عبدالكريم هذا، هل هو: الجزري الثقة، أو: ابن أبي المُخارق
الضعيف!
فالحديث
معظم طرقه جاء ليس منسوباً، ونسبه بعضهم بأنه الجزري، والراجح أنه ابن أبي المخارق
لأنه روى الحديث عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعاً، كذا رواه عنه هشام الدستوائي،
وللحديث أصل عن مجاهد من قوله رواه عنه خلاد بن عبدالرحمن.
والحديث
لا يُعرف عن سعيد بن جبير، وقد سأل أيوب السختياني سعيد بن جبير عن صبغ اللحية
بالوسمة، فقال: "يعمد أحدكم إلى نور جعله الله في وجهه فيطفئه"، فلو كان
حديث الصبغ عنده لاحتج به عندما سأله أيوب عن الصبغ.
فالحديث منكر!
«الأحاديث الضعيفة في الصحيحين...»
سؤال(129) سمعت من أحد الشيوخ أنه يوجد القليل
من الأحاديث الضعيفة عند الشيخين (البخاري ومسلم). كيف أجد هذه الأحاديث؟ وجزاك الله
خيراً.
اختلف
أهل النقد رحمهم الله في بعض الأحاديث التي في الصحيحين، فضعفها بعضهم وصححها
آخرون، وهي عموماً قليلة، ولو راجعت كتاب الدارقطني «الإلزامات والتتبع» تجدها.
وهناك أحاديث لم يتكلم عليها الدارقطني وهي منثورة في كتب العلل والرّجال.
حديث: «إذا قام العبد من الليل وترك فراشه...»
سؤال(130) عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أن
العبد إذا قام في الليل من عند زوجه لكي يتعبد ويتذلل لله ويناديه ويناجيه، يقول
الله: يا ملائكتي عبدي ما الذي أقامه من حبه وزوجه وفراشه؟ قالوا: يرجو رحمتك
ويخشى عذابك، قال: أشهدكم أني أمنته من عذابي وأصبته برحمتي»، ما صحة الحديث
شيخنا؟
هذا
لا يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يُروى عن بعض الصحابة بإسناد ضعيف.
رواه
عبدالرزاق عن مَعمر عن سعيد الجريري عن أبي العلاء بن عبدالله بن الشخير عن أبي ذر
قال: «ثلاثة يستنير الله إليهم: رجل قام من الليل وترك فراشه ودفاءه، ثم قام
يتوضأ، فأحسن الوضوء، ثم قام إلى الصلاة، فيقول الله للملائكة: ما حمل عبدي على
هذا أو على ما صنع؟ فيقولون: أنت أعلم! فيقول: أنا أعلم، ولكن أخبروني؟ فيقولون:
خوفته شيئا فخافه، ورجيته شيئا فرجاه. قال: فيقول: فإني اشهدكم أني قد أمنته مما
خاف وأعطيته ما رجا. ورجل كان في سرية فلقي العدو فانهزم أصحابه وثبت حتى قتل أو
فتح الله عليهم، فيقول الله للملائكة: ما حمل عبدي على هذا - أو على ما صنع -؟
فيقولون: أنت أعلم به! فيقول: أنا أعلم به، ولكن أخبروني؟ فيقولون: خوفته شيئا
فخافه ورجيته شيئا فرجاه. قال: فيقول: أشهدكم أني قد أمنته مما خاف وأعطيته ما
رجا. ورجل أسرى ليلة حتى إذا كان في آخر الليل نزل فنام أصحابه فقام هو يصلي، قال:
فيقول الله عز وجل للملائكة: ما حمل عبدي على هذا أو على ما صنع؟ فيقولون: رب أنت
أعلم! فيقول: أنا أعلم ولكن أخبروني؟ قال: فيقولون خوفته شيئا فخافه ورجيته شيئا
فرجاه. قال: فيقول: فإني أشهدكم أني أمنته مما خاف وأعطيته ما رجا».
ورواه ابن المبارك عن معمر عن رجل عن أبي العلاء بن الشخير عن أبي ذر قال: «ثلاثة
يضحك الله تعالى إليهم ويتبشبش الله لهم رجل قام من الليل وترك فراشه.. ».
والرجل
المجهول قد سماه عبدالرزاق عن معمر، لكن الأثر منقطع؛ فإن أبا العلاء يزيد بن
عبدالله بن الشخير لم يسمع من أبي ذر.
حديث: «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم»
سؤال(131) يا شيخ، ما صحة هذا الحديث «العلم
فريضة على كل مسلم»؟
هذا
حديث ضعيف من كلّ طرقه.
لكن
طلب العلم الشرعي الذي يحتاجه المسلم في دينه كأحكام الصلاة والطهارة وغيرهما واجب
على كل مسلم ومسلمة، ولعل هذا هو أصل هذا الحديث، فهو أمر معروف عند العلماء أنه
لا بد للمسلم والمسلمة أن يعرفوا العلم الشرعي الواجب الذي يحتاجونه فصار فرضاً
عليهم بهذا الاعتبار.
حديث: «نزول الخلافة الأرض المقدسة...»
سؤال(132) يا شيخنا: هل حديث ابن حوالة في نزول
الخلافة الأرض المقدسة يصح؟
هذا
الحديث لا يصح! وفيه نكارة!!
وقد
رواه جماعة عن مُعَاوِيَة بن صالح، عَنْ ضَمْرَةَ بنِ حَبِيبٍ: أَنَّ ابنَ زُغْبٍ
الْإِيَادِيَّ حَدَّثَهُ قَالَ: نَزَلَ عَلَيَّ عَبْدُ للهِ بنُ حَوَالَةَ
الْأَزْدِيُّ فَقَالَ لِي: وَإِنَّهُ لَنَازِلٌ عَلَيَّ فِي بَيْتِي بَعَثَنَا
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ عَلَى
أَقْدَامِنَا لِنَغْنَمَ، فَرَجَعْنَا وَلَمْ نَغْنَمْ شَيْئًا، وَعَرَفَ
الْجَهْدَ فِي وُجُوهِنَا فَقَامَ فِينَا فَقَالَ: (اللهُمَّ لَا تَكِلْهُمْ
إِلَيَّ فَأَضْعُفَ، وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا،
وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى النَّاسِ فَيَسْتَأْثِرُوا عَلَيْهِمْ). ثُمَّ قَالَ:
(لَيُفْتَحَنَّ لَكُمُ الشَّامُ وَالرُّومُ وَفَارِسُ أَوِ الرُّومُ وَفَارِسُ
حَتَّى يَكُونَ لِأَحَدِكُمْ مِنَ الْإِبِلِ كَذَا وَكَذَا، وَمِنَ الْبَقَرِ
كَذَا وَكَذَا، وَمِنَ الْغَنَمِ حَتَّى يُعْطَى أَحَدُهُمْ مِائَةَ دِينَارٍ
فَيَسْخَطَهَا). ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي، أَوْ هَامَتِي، فَقَالَ: (يَا
ابنَ حَوَالَةَ، إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتِ الْأَرْضَ
الْمُقَدَّسَةَ فَقَدْ دَنَتِ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَايَا وَالْأُمُورُ
الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ إِلَى النَّاسِ مِنْ يَدَيَّ هَذِهِ
مِنْ رَأْسِكَ).
وقد
تفرد به معاوية بن صالح وهو صدوق إلا أن له إفرادات غريبة لا يرويها غيره ولا
يُتابع عليها! وابن زغب هذا في عداد المجاهيل! فإسناده ضعيف.
حديث: «الحثّ على سُكنى الشام..»
سؤال(133) هل طلب معاوية من النبيّ أن يختار
له بلدا يسكنها فأشار عليه النبي بالشام؟ إذا نعم، أريد الحديث بارك الله فيك.
لا
أصل لهذا!
لكن
ورد في حديث ابن حوالة «إِنَّكُمْ سَتُجَنِّدُونَ أَجْنَادًا فَجُنْدًا بِالشَّامِ
وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ, وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ» فَقَالَ ابن حوالة: يَا رَسُولَ
اللَّهِ خِرْ لِي، قَالَ: «عَلَيْكَ بِالشَّامِ».
وهذا الحديث مضطرب لا يصح كما بينته في بحثي: «القولُ الحسن حول حديث: إِنَّكُمْ
سَتُجَنِّدُونَ أَجْنَادًا فَجُنْدًا بِالشَّامِ، وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ،
وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ».
حديث: «كأجر حجّة وعمرة تامة...»
سؤال(134) ما صحة حديث: «من صلى الفجر في جماعة
ثم جلس حتى تطلع الشمس فصلى ركعتين كانت كأجر حجة وعمرة تامة». أو نحو هذا الحديث؟
جزاكم الله خير.
هذا
حديث منكر!
أخرجه
الترمذي وغيره من طريق أبي ظِلَالٍ القسملي، عن أَنَسِ بن مَالِكٍ قال: قال رسول
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «من صلى الْغَدَاةَ في جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ
يَذْكُرُ اللَّهَ حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ كانت له
كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ. قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تَامَّةٍ
تَامَّةٍ تَامَّةٍ».
قال
أبو عِيسَى الترمذي: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ".
وصححه
الشيخ الألباني وغيره!
قلت:
تفرّد به أبو ظلال وهو هلال بن أبي هلال البصري ليس بشيء!! منكر الحديث.
قال
ابن معين: "ليس بشيء".
وقال
البخاري: "عنده مناكير".
وقال أبو
حاتم الرازي: "ضعيف الحديث".
وقال
النسائي والأزدي: "ضعيف".
وقال
ابن عدي: "عامة ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه".
وقال
ابن حبان: "كان شيخاً مغفلاً يروي عن أنس ما ليس من حديثه! لا يجوز الاحتجاج
به بحال".
فالحديث
الذي يحوي هذا الأجر لا يصح، وهو منكر، وله شواهد كلها ضعيفة ومنكرة!
لكن
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم يجلس في مصلاه بعد الصلاة حتى تطلع الشمس لكن لم يذكر
أنه كان يصلي في تلك الجلسة، وكأنه كان يواظب على الذكر، وكان يستمع لأصحابة وهو
يتحدثون وهو يبتسم لهم.
فقد
روى مسلم في «صحيحه» من حديث سِمَاكِ بن حَرْبٍ قال: قلت لِجَابِرِ بن سَمُرَةَ:
أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قال: «نعم كَثِيرًا، كان
لَا يَقُومُ من مُصَلَّاهُ الذي يُصَلِّي فيه الصُّبْحَ حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ،
فإذا طَلَعَتْ قام. وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ في أَمْرِ
الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ صلى الله عليه وسلم».
حديث: «المسح على الجوربين...!»
سؤال(135) شيخنا: ما صحة أحاديث المسح على
الجوربين؟
لا
يصح أي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الجوربين، وذكر «الجوربين»
في حديث المغيرة المشهور شاذ!
والحديث
رواه أبو قَيْسٍ الأودي، عن هُزَيْلِ بن شُرَحْبِيلَ، عن الْمُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ
قال: «تَوَضَّأَ النبي صلى الله عليه وسلم وَمَسَحَ على الْجَوْرَبَيْنِ
وَالنَّعْلَيْنِ».
قال
الترمذي: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ". قال: "وهو قَوْلُ غَيْرِ
وَاحِدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ يقول سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وابن
المُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وإسحاق، قالوا: يَمْسَحُ على
الجَوْرَبَيْنِ وَإِنْ لم تَكُنْ نَعْلَيْنِ إذا كَانَا ثَخِينَيْنِ".
قلت:
لم يُتابع الأودي على هذا الحديث، والمشهور في حديث المغيرة أنه (مسح على الخفين)
كذا رواه عن المغيرة: أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة.
قال
ابن معين: "الناس كلهم يروونه على الخفين غير أبي قيس".
وقال
أبو عبدالرحمن النسائي: "ما نعلم أن أحدا تابع أبا قيس على هذه الرواية
والصحيح عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين".
واستنكره
أحمد وابن المديني ومسلم كما بيّنه في كتاب «التمييز».
وقال
أبو دَاوُد: "كان عبدالرحمن بن مَهْدِيٍّ لَا يحدث بهذا الحديث لِأَنَّ
الْمَعْرُوفَ عن الْمُغِيرَةِ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مَسَحَ على
الخُفَّيْنِ". قال: "وَرُوِيَ هذا أَيْضًا عن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ
عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مَسَحَ على الجَوْرَبَيْنِ وَلَيْسَ
بِالْمُتَّصِلِ ولا بِالْقَوِيِّ"، قال: "وَمَسَحَ على الجَوْرَبَيْنِ
عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ وابن مَسْعُودٍ وَالْبَرَاءُ بن عَازِبٍ وَأَنَسُ بن
مَالِكٍ وأبو أُمَامَةَ وَسَهْلُ بن سَعْدٍ وَعَمْرُو بن حُرَيْثٍ، وَرُوِيَ ذلك
عن عُمَرَ بن الخَطَّابِ وابن عَبَّاسٍ".
قلت:
قد ثبت المسح على الجوربين من جمع من الصحابة كما نقل أبو داود، وكذلك عن جمع من
التابعين كسعيد بن المسيب والحسن البصري وإبراهيم النخعي ونافع وعطاء وغيرهم.
ومن
ثم اختلف العلماء في شروط المسح على الجوربين، فأجازه بعضهم إذا كان صفيقاً، وأجازه
بعضهم مطلقا، والأمر فيه سعة، وأرى أن المصلي إذا كان في مكان يصعب عليه خلع
الجوربين أو في الشتاء حيث البرد فإن مسح فلا بأس، وإن كان في سعة خلعهما وغسلهما،
وهذا أولى خروجاً من الخلاف.
حديث: «حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين..!»
سؤال(136) يا شيخ: هل هذا الحديث صحيح: «لا تقوم
الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين»؟ وهل المرتدين في زماننا هذا ينطبق
عليهم هذا الحديث، وهذا ما قصده رسولنا عليه الصلاة والسلام؟
الحديث
رواه أَبو قِلاَبَةَ الجرمي، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَقُومُ
السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالمُشْرِكِينَ، وَحَتَّى
يَعْبُدُوا الأَوْثَانَ، وَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي ثَلاَثُونَ كَذَّابُونَ
كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لاَ نَبِيَّ
بَعْدِي».
وهو
حديث صحيح.
واللحاق
بالمشركين بدأ بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بردّة القبائل التي حاربها أبو بكر
الصديق والصحابة، ويدخل فيها الردة الحاصلة من بعض القبائل في زماننا أيضاً.
واللحوق
بالمشركين يكون بتركهم الإسلام ومحاربته أو بتولي المشركين ودعمهم في محاربة
المسلمين، ويدخل فيه كثرة الملحدين والليبراليين كذلك.
وعبادة
الأوثان تكون بعبادة الأصنام حقيقة كما جاء في حديث صحيح آخر: «لا تقوم الساعة حتى
تُعبد اللات والعُزَّى من دون الله»، وكذلك: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى تَضْطَرِبَ
أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ على ذِي الخَلَصَةِ» - "وَذُو الخَلَصَةِ:
طَاغِيَةُ دَوْسٍ التي كَانُوا يَعْبُدُونَ في الجَاهِلِيَّةِ".
وقد
بوّب البخاري في صحيحه على هذا الحديث: «باب تغيير الزمان حتى تُعبد الأوثان».
نسأل
الله أن يميتنا على شهادة التّوحيد.
«هل التدليس ذمّ؟»
سؤال(137) يا شيخ: كلمة "مدلس" في
علم الحديث، ما معناها؟ هل هي ذم؟ هل من يستخدم العنعنة قد يكون مدلساً؟ لكن
العنعنة استخدمها كبار علم الحديث من سلفنا الصالح. أرجو التوضيح يا شيخ جزيت
خيراً.
الكلام
في التدليس طويل وله أحكام كثيرة.. لكن عموما: الحديث المدلّس هو الحديث الذي أسقط
فيه الراوي من سمع منه الحديث أو شيخ شيخه وروايته بالعنعنة يقول: "عن فلان
عن فلان" دون ذكر لفظ التحديث موهما أنه سمع من ذلك الراوي الذي روى عنه
الحديث...
والتدليس
في الأصل ذمّ لما فيه من الإيهام، وله سلبيات كثيرة، وأما استخدام بعض المحدثين له
فهذا لا يطعن فيهم لأنه لا يدلّس دائماً، وإنما قد تدفعه بعض الأسباب لذلك، وهو
ليس كذباً، والأصل عدمه، لكن كان شهوة عند بعض أهل الحديث...
حديث: «اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك...»
سؤال(138) ما صحة حديث «اللهم إني عبدك وابن
عبدك وابن أمتك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك...» الحديث؟ وما علته؟ وهل تكلَّم
فيه أحد من المتقدمين؟
الحديث
صححه ابن حبان وغيره، وذكره الشيخ الألباني في «سلسلة الأحاديث الصحيحة» برقم
(199). وإنما صححوه ظنا منهم أن راويه "أبا سلمة الجهني" هو "موسى
الجهني" الثقة! وليس كذلك. فأبو سلمة الجهني غير موسى الجهني الثقة. وقد وهم
من جمع بينهما، وأئمة النقد وحفاظ الكوفة لم يجمعوا بينهما، ولم يذكروا أن موسى له
كنية أخرى وهي «أبو سلمة»! وهو مجهول لا يُعرف!
وقد
سئل الدارقطني في «العلل» (5/200) عن هذا الحديث؟ فقال: "يرويه القاسم بن
عبدالرحمن، واختلف عنه، فرواه فضيل بن مرزوق عن أبي سلمة الجهني عن القاسم بن
عبدالرحمن عن أبيه عن ابن مسعود. وتابعه محمد بن صالح الواسطي، رواه عن عبدالرحمن
بن إسحاق عن القاسم عن أبيه عن ابن مسعود. وخالفهما علي بن مسهر، فرواه عن
عبدالرحمن بن إسحاق عن القاسم عن ابن مسعود مرسلاً. وإسناده ليس بالقوي".
«الشيخ الألباني – رحمه الله-...»
سؤال(139) بارك الله فيكم، أنا مسلم بسيط
كنت أسمع كثيرا من الأحاديث التي صححها الشيخ الألباني ونعتقدها ونعمل بها ونستشهد
بها، ثم لما قرأت تضعيفك لكثير من الأحاديث! لا أخفيك أنه أصابني هم وغم حتى إني
لم أعرف أن أنام الليل حيث كثير من الأحاديث كنت أعمل بها وادعوا الناس لها، وأجادل
المخالفين من أصحاب البدع بها، فماذا أفعل؟!
لا
بأس عليك.. فأنت قلّدت واحداً من أهل العلم، ولك الأجر على نيتك الحسنة إن شاء
الله.. واتبع ما تقتنع به ضمن الأدلة والحجج..
وفقك الله.
هل يجوز أن أعمل بالأحاديث التي صححها الشيخ الألباني واعتقدها دينا؟
التصحيح
والتضعيف اجتهاد، وكما ذكرت لك إذا اقتنعت أن الشيخ قد أصاب في تصحيحه وأتى بأدلة
مقنعة فاعمل بها، وإن غيره ردّ تصحيحه بالدليل والحجة وبكلام الأئمة المتقدمين
فالأصل أن لا تعمل بها... والشيخ - رحمه الله- واسع الخطو في تصحيح الأحاديث
الضعيفة!
ولكن يا شيخ: أنا لست أهلاً أن أعرف هل أصاب الشيخ الألباني في
تصحيحه للأحاديث أم أخطأ! كيف أعرف؟
قلت
لك: الشيخ متساهل جداً في التصحيح.. ولا أعتمد تصحيحاته..
هل أغلب الأحاديث التي صححها هي ضعيفه بارك الله فيكم؟
كثير
منها.. ولي مصنّف كبير في تتبع تصحيحاته.. ربنا يُيسر إتمامه.
شيخنا الكريم: هل الشيخ الألباني - رحمه الله - ضعّف حديثا صحيحا؟ العكس
يعني!
نعم
قد ضعّف الشيخ رحمه الله بعض الأحاديث التي في صحيح البخاري وأظنها أربعة عشر
حديثاً، وأكثرها إنما ضعف أسانيدها وصححها بشواهد أخرى، يعني هي صحيحة في النهاية.
حديث: «الرؤيا على جناح طائر...»
سؤال(140) ما هي علّة حديث: «الرؤيا على
جناح طائر أو الرؤيا على رجل طائر»؟ جزاك الله خيراً.
الحديث
رواه يَعْلَى بن عَطَاءٍ، عن وَكِيع بن عُدُسٍ، عن أبي رَزِينٍ العُقَيْلِيِّ قال:
قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «رُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ من أَرْبَعِينَ
جُزْءًا من النُّبُوَّةِ، وَهِيَ على رِجْلِ طَائِرٍ ما لم يَتَحَدَّثْ بها فإذا
تَحَدَّثَ بها سَقَطَتْ - قال: وَأَحْسَبُهُ قال: ولا يحدث بها إلا لَبِيبًا أو
حَبِيبًا».
وصححه
الترمذي وابن حبان والحاكم وغيرهم.
وقد
تفرد به يعلى بن عطاء عن وكيع هذا! ويعلى - وإن كان ثقة- إلا أنه كما قال ابن
المديني: "له أحاديث لم يروها غيره، ورجال لم يرو عنهم غيره منهم وكيع بن
عدس، وأهل الحجاز لا يعرفونه وإنما روى عنه قوم بواسط"!
ووكيع
بن عدس مجهول الحال، والحديث فيه زيادة لا توجد في الحديث الصحيح الذي رواه أبو
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «رُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ من سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ
جُزْءًا من النُّبُوَّةِ».
فحديث
أبي هريرة أصح من الحديث المروي عن أبي رزين. ولا يُقال: إن اختلاف المخرج لا يقدح
في صحة الزيادة! وهذا يكون صحيحاً لو كان الإسناد مشهوراً صحيحاً، لكن تفرد يعلى
بن عطاء عن وكيع بن عدس، وتفرد ابن عدس عن أبي رزين مع جهالة حاله لا يُقبل.
فالحديث
ضعيف.
وكأن
أصل الحديث هو مرسل أبي قلابة في «مصنف عبدالرزاق»: «الرؤيا تقع على ما يعبر مثل
ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها»، والله أعلم.
حديث: «تخفيف العذاب عن أبي لهب كلّ اثنين..!»
سؤال(141) شيخنا: نشرت على توتيتر هذه
التغريدة "حديث (أن العذاب يُخفف عن أبي لهب كل يوم اثنين بسبب اعتاقه لثويبة
مولاته لما بشرته بمولد النبي صلى الله عليه وسلم) لا أصل له! وهو كذب".
فعلّق أحد الإخوة سائلاً "واللفظ الذي قال عروة: غير أني سقيت هذه بعتاقاتي
ثويبة"؟!
هذا
اللفظ الذي قاله عروة أخرجه البخاري بعد أن روى رواية، فقال: "قال عُرْوَةُ:
وثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ كان أبو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَتْ
النبي صلى الله عليه وسلم فلما مَاتَ أبو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بشر
خيبة، قال له: مَاذَا لَقِيتَ؟ قال أبو لَهَبٍ: لم أَلْقَ بَعْدَكُمْ غير أَنِّي
سُقِيتُ في هذه بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ".
فهذا
الذي رواه عروة مرسل لم يسنده، وهو رؤية لرجل مجهول لا نعرفه، والرؤية يُستأنس بها
ولا نأخذ منها حكما فكيف بشيء غيبي؟!!
وفي
بعض الروايات: "قال أبو لهب: لم نذق بعدكم رخاء غير أني سقيت في هذه بعتاقي
ثويبة - وأشار إلى النقيرة التي بين الإبهام والتي تليها من الأصابع".
فالذي
فيه أنه سقي شيئاً يسيراً بسبب عتاقه لثويبة التي أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم
لما وُلد.. فليس فيه أن هذه السقيا دائمة كل اثنين، وإنما مرة واحدة!!
وعموماً فهذه الرواية مرسلة وهي منام لرجل مجهول لا يُعرف!
حديث: «إن أذن الله لك بالشفاعة..!»
سؤال(142) ما هو تخريج هذا الحديث، فإني وجدت
الشيخ مصطفى العدوي يستشهد به ولم أجد له أثرا في النت! لفظ الحديث: «إن من الله عليك
بالجنة وأذن الله لك بالشفاعة وخيرك الله بين من تشفع فاشفع لي»؟
لا
أعرفه، وأول مرة أسمع به من الشيخ العدوي! فلو يسأله أحد الإخوة عنه نستفيد منه في
هذا.
لفظة: «وثقه ابن حبان»
سؤال(143) سئل الشيخ المحدّث عبدالله السعد:
[هل يُقال لمن ذكره ابن حبان في كتابه الثقات: "وثقه ابن حبان"؟ فقال:
لا، لا يُقال ذلك إلا فيمن نص ابن حبان على توثيقه]! نريد توضيحاً أو تعليقاً على
كلام الشيخ السعد حفظه الله لنستفيد أكثر.
ابن
حبّان قلما ينص على توثيق الرواة.. وهو رحمه الله قد صنّف كتاباً في «الضعفاء»،
وصنَّف كتاباً في «الثقات»، وكان أحياناً يتردد في بعض الرواة فيذكرهم في
الكتابين، وأحياناً يذكره في الثقات ثم يقول: "أستخير الله فيه"..
فالأصل
أننا نقول لمن ذكرهم في كتابه «الثقات»: "وثقه ابن حبان" وهذا ما عليه
أهل العلم.. فإذا كان لا يجوز لنا قول هذا، فلم ذكره ابن حبان في الثقات!!
فكلام
الشيخ السعد فيه نظر! فمن ذكرهم ابن حبان في ثقاته هم ثقات عنده، ولكن لتوسعه في
مفهوم الثقة نعته بعض العلماء بأنه متساهل في ذلك، فكانوا يقولون: "ذكره ابن
حبان في ثقاته"، أو "وُثّق" - إشارة إلى ذكر ابن حبان له في ثقاته.
حديث: «الخير في السيف...»
سؤال(144) ما صحة هذا الحديث: قال رسول
اللّه صلى الله عليه وسلم: «الخَير في السَّيف والخيرُ مع السيف والخير بالسيف»؟
هذا ليس
بحديث، ولا أصل له فيما أعلم.
وقد
ورد هذا في رؤية ذكرها ياقوت الحموي في «معجم البلدان» (4/474) قال: قال ابن
الفقيه: ذكر أبو زيد بن أبي عتاب قال: "رأيت فيما يرى النائم سنة (342هـ) إذ
أنا بمدينة الري، وقد بتنا على فكر في الاختلاف بين القائلين بالسيف وبين أصحاب
الإمامة، فقال قائل منا: قد قال أمير المؤمنين: الخير بالسيف والخير في السيف
والخير مع السيف، فأجابه مجيب: والدين بالسيف، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه
وسلم أن يقيم الدين بالسيف، ثم تفرقنا، فلما كان من الليل وأخذت مضجعي من النوم
رأيت في منامي قائلاً يقول: هذا ابن زيد أتاكم ثائرا حنقا يقيم بالسيف دينا، واهي
العمد يثور بالشرق في شعبان منتضيا سيف النبي، صفي الواحد الصمد فيفتح السهل
والأجبال مقتحما من الكلار إلى جرجان فالجلد وآملا ثم شالوسا وبحرهما إلى الجزائر
من أربان فالشهد، ويملك القطر من حرشاء ساكنه ما لاح في الجو نجم آخر الأبد".
وكأن
هذه الرؤيا هي أصل هذا الحديث المنسوب للنبي صلى الله عليه وسلم، جاءت نسبته لأمير
المؤمنين، ثم نُسب بعد ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
وإقامة
الدّين بالسيف لحمايته قد قرره الأئمة كابن تيمية في مقولته المشهورة: «فَمَنْ
عَدَلَ عَن الْكِتَابِ قُوِّمَ بِالحَدِيدِ؛ ولهذا كَانَ قِوَامُ الدِّينِ
بِالمُصْحَفِ وَالسَّيْفِ».
حديث: «من قال حين ينصرف من المغرب...»
سؤال(145) شيخنا ما صحة هذا الحديث: «من قال
حين ينصرف من المغرب: اللهم أجرني من النار سبع مرات، نجاه الله منها إن مات من
ليلته، ومن قالها حين يصبح نجّاه الله منها إن مات من يومه»؟
حديث
ضعيف.
رواه
الحَارِثِ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِيهِ مُسْلِمِ بنِ الحَارِثِ التَّمِيمِيِّ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهِ
فَقَالَ: «إِذَا انْصَرَفْتَ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقُلْ: اللَّهُمَّ
أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ ثُمَّ
مِتَّ فِي لَيْلَتِكَ كُتِبَ لَكَ جِوَارٌ مِنْهَا، وَإِذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ
فَقُلْ كَذَلِكَ، فَإِنَّكَ إِنْ مِتَّ فِي يَوْمِكَ كُتِبَ لَكَ جِوَارٌ مِنْهَا».
وصححه
ابن حبان.
والحارث
بن مسلم وقيل: مسلم بن الحارث مختلف في اسمه واسم أبيه!
قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" بعد أن ذكر هذا الاختلاف: "ومحصل
ذلك الاختلاف في الصحابي: هل هو الحارث بن مسلم أو مسلم بن الحارث، وفي التابعي
كذلك، ولم أجد في التابعين توقيفاً إلا ما اقتضاه صنيع ابن حبان حيث أخرج الحديث
في صحيحه، وقد جزم الدارقطني بأنه مجهول، والحديث الذي رواه أصله تفرد به ما رأيته
إلا من روايته، وتصحيح مثل هذا في غاية البعد، لكن ابن حبان على عادته في توثيق من
لم يرو عنه إلا واحد إذا لم يكن فيما رواه ما يُنكر".
ولكن الحافظ ابن حجر حسّنه في «نتائج الأفكار».
قلت:
الحديث ضعيف؛ لأن الحارث بن مسلم هذا مجهول الحال، ولم تثبت صحبة والده إلا من
طريقه! وراوي الحديث عنه: عبدالرحمن بن حسان الكناني أبو سعيد الفلسطيني وهو لا
بأس به، وقد تفرد به عن الحارث! وتبقى العلة في جهالة حال الحارث هذا!
حديث: «قراءة آية الكرسي دبر الصلاة..»
سؤال(146) ما صحة حديث قراءة آية الكرسي دبر
كلّ صلاة؟
حديث
ضعيف لا يصح.
«حمّاد بن سلمة...»
سؤال(147) حسن السقاف يقول: إن حماد بن سلمة
ضعفه مشهور، ويقول: "نحن نغمز حماد بن سلمة أشد الغمز وخصوصاً في أحاديثه في
الصفات وعلى ذلك أهل العلم".. ذكر ذلك في تعليقاته على كتاب دفع شبه التشبيه
بأكف التنزيه فهل كلامه صحيح؟ أرجو الإجابة يا شيخ.
حماد
بن سلمة البصري أخرج له الإمام مسلم في الأصول، وأما البخاري فاستشهد به فقط، وهو
ليس بضعيف، وإنما هو صدوق يُخطئ، فلا نردّ حديثه مطلقاً ولا نقبله مطلقاً.
وأما
قول (السخّاف) فلا يقبل منه فهو رجل جاهل لا يفقه في الحديث أي شيء بله العلوم
الشرعية الأخرى! وما أصاب فيه في بعض كتبه إنما هو لمن كان يشتغل له كتبه وإلا
فالرجل جهله معروف.
وعموماً
فحماد بن سلمة إذا روى حديثا منكرا نرده وإن أصاب في حديثه نقبله ضمن الشروط
والضوابط النقدية عند أهل الحديث.
لكن هل كما قال يا شيخ: أن حماد بن سلمة يرد له جميع أحاديث
الصفات؟
الذي
يرد أحاديثه كلها في الصفات الأشاعرة والمتصوفة كالغماري ومن تبعه كالسقاف..
وأحاديثه في الصفات لا تُرد كلها ولا تقبل كلها، فبعد تخريجها ننظر في أمرها.
نقل الشيخ العلوان في أحد كتبه عبارة عن أحمد بن حنبل رحمه الله
أنه قال: "إذا رأيت الرجل يغمز في حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام فإنه كان
شديد على المبتدعة" هل تصح عن أحمد؟
نعم، صح
هذا عن أحمد وابن معين كذلك.. والمقصود بالغمز محاولة إسقاطه لشدته على أهل البدع،
وأما من تكلّم في حديثه وفق الضوابط النقدية فلا يدخل في ذلك.
حديث: «يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل...»
سؤال(148) روى أحمد والترمذي في جامعه من طريق ابن جريج عن أبي الزبير
المكي عن أبي صالح عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: «يوشك أن يضرب الناس
أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أعلم من عالم المدينة»، رجَّح الإمام أحمد وقف
هذا الخبر على أبي هريرة وله حكم المرفوع. وقال أبو عيسى الترمذي عقبه: "هذا
حديث حسن". وقال سفيان وجماعة: يراد به الإمام مالك واختاره شيخ الإسلام ابن
تيمية.. الكلام السابق وهذا للشيخ العلوان ثبته الله.. أحسن الله إليك يا شيخ،
ماهو تعليقك على هذا الكلام؟ وهل يوجد من ضعّف الحديث؟
هذا الحديث لا يثبت، وهو
ضعيف. وقد فصّلت فيه في الدرس الثاني من شرح موطأ الإمام مالك.
«تحريق اللوطي!»
سؤال(149) هل صحيح أن أبا بكر أحرق رجلاً
لممارسته اللواط؟
رُوي:
أن خالد بن الوليد، كتب إلى أبى بكر الصديق رضي الله عنهما أنه وجد رجلا في نواحي
العرب ينكح كما تنكح المرأة، وقامت عليه بذلك البينة، فجمع أبو بكر لذلك أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم: علي بن أبى طالب رضي الله عنهم، فقال علي: إن
هذا ذنب لم تعمل به أمة إلا أمة واحدة، ففعل الله بهم ما قد علمتم، أرى أن يحرق
بالنار، فاجتمع رأي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرق بالنار، فأمر أبو
بكر أن يحرق بالنار.
وقيل:
وقد حرقهم ابن الزبير، وهشام بن عبدالملك، ثم حرقهم القسري بالعراق.
قلت:
وهذه القصة لا تصح، فإن في إسنادها انقطاع واضطراب. ولم يثبت عن ابن الزبير أو
هشام أو القسري أنهم حرّقوا اللوطي، والله أعلم.
حديث: «الصّلح مع الروم...»
سؤال(150) هل حديث الصُّلح مع الروم صحيح؟
هذا
الحديث رواه البخاري في «صحيحه» من حديث عَوْف بن مَالِكٍ قال: أَتَيْتُ النبي صلى
الله عليه وسلم في غَزْوَةِ تَبُوكَ وهو في قُبَّةٍ من آدم فقال: «اعْدُدْ سِتًّا
بين يَدَيْ السَّاعَةِ: موتى، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مُوْتَانٌ
يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ المَالِ حتى يعطي
الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى
بَيْتٌ من الْعَرَبِ إلا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ
بَنِي الْأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً
تَحْتَ كل غَايَةٍ أثنا عَشَرَ أَلْفًا».
وهناك
زيادات على هذا الحديث في كتاب «الفتن» لنُعيم بن حمّاد، ولا تصح.
حديث: «رجلاً يزحف على الصراط..!»
سؤال(151) ما صحة هذا الحديث: «ورأيت رجلاً
من أمتي يزحف على الصراط يحبوا أحياناً ويتعلق أحياناً فجائته صلاته عليه فأقامته
على قدميه وأنقذته»؟
هذا
حديث منكر مضطرب!
وقد
ذكر طرقه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» وضعفها كلها.
حديث: «أكثر منافقي أمتي قراؤها»
سؤال(152) ما صحة حديث «أكثر منافقي أمتي
قراؤها»؟
أرى
أنه حسن.
قال
الإمام مالك في هذا الحديث: "قد يقرأ القرآن من لا خير فيه والعيان في هذا الزمان
على صحة معنى الحديث كالبرهان".
وفي
الأثر: «وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه كثير قراؤه يحفظ فيه حروف القرآن وتضيع
حدوده»!
«الحكم على الآثار»
سؤال(153) كيف أحكم على صحة أو ضعف الآثار
إذا كنت ملزمة بها في رسالة؟
الحكم
على الآثار يختلف عن الحكم على الأحاديث المسندة للنبيّ صلى الله عليه وسلم،
فيُتنبه لهذا أثناء الحكم عليها. فنحكم على أسانيدها لكن لا نُشدِّد على رواتها
ممن وصف بالضعف كشرَيك مثلاً، فهو لا يُحتج بما انفرد به، لكنه كان فقيهاً وقاضياً
كبيراً، فروايته للآثار لا ترد بمجرد أنه ضُعّف، فلا نرد ذلك إلا إذا كان الأثر
الذي يرويه فيها نكارة أو مخالفة لما هو ثابت.
حديث: «الله ربي لا أشرك به شيئاً»
سؤال(154) ما صحة حديث الكرب: «الله ربي لا أشرك به شيئاً»؟
الحديث لا يصح مرفوعاً،
والصواب فيه الإرسال.
حديث: «كتبت له براءتان...»
سؤال(155) الحديث: «مَن صلى لله أربعين
يومًا في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كُتبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من
النفاق». أريد أن أعمل بهذا الحديث لكن بعض الشيوخ يقولون إنه ضعيف، وآخرون يقولون
إنه صحيح. صححه الألباني، فهل أعمل به وإن شاء نأخذ براءة، أو لا أعمل به؟
الحديث
لا يصح مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من قول أنس رضي الله عنه.
والأصل
في المسلم أن يدرك تكبيرة الإحرام دائماً ليس فقط في أربعين يوماً.. ولا شك أن من
يحافظ على الصلاة لا يكون منافقاً؛ لأن المنافقين لا يحافظون عليها ويتثاقلون
منها، ومن حافظ عليها إن شاء الله يدخل الجنة بإذن الله.
حديث: «الجنّة تحت أقدام الأمهات»
سؤال(156) سمعت من أستاذتنا أنها تقول حديث «الجنة
تحت أقدام الأمهات» ضعيف سنده؟ هل هذا صحيح؟
نعم،
هو حديث منكر! ولا يصح.
حديث: «الخالة والدة»
سؤال(157) هل ثبتت أحاديث عن الخالة؟ وهل
يصح حديث «الخالة والدة»؟
أما
حديث: «الخالة والدة» فلا يصح بهذا اللفظ، وإنما الذي صح: «الخالة بمنزلة الأم»
كما في حديث البراء الذي أخرجه البخاري في «صحيحه» في قصة ابنة حمزة لما خرج النبي
صلى الله عليه وسلم من مكة ومكث فيها ثلاثة أيام بعد كتابة الصلح مع قريش
تَبِعَتْهُمْ، فقالت: «يا عَمِّ، يا عَمِّ، فَتَنَاوَلَهَا عَلِيُّ، فَأَخَذَ
بِيَدِهَا، وقال لِفَاطِمَةَ: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ، احمليها، فَاخْتَصَمَ فيها
عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ! فقال عَلِيٌّ: أنا أَحَقُّ بها وَهِيَ ابْنَةُ
عَمِّي، وقال جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي، وقال زَيْدٌ:
ابْنَةُ أَخِي. فَقَضَى بها النبي صلى الله عليه وسلم لِخَالَتِهَا، وقال: الْخَالَةُ
بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ».
قال
الحافظ ابن حجر: "(قوله: وقال: الخالة بمنزلة الأم) أي: في هذا الحكم الخاص؛
لأنها تقرب منها في الحنو والشفقة والاهتداء إلى ما يصلح الولد لما دل عليه
السياق، فلا حجة فيه لمن زعم أن الخالة ترث؛ لأن الأم ترث، وفي حديث علي وفي مرسل
الباقر: (الخالة والدة)، وإنما الخالة أم، وهي بمعنى قوله بمنزلة الأم لا أنها أم
حقيقة، ويؤخذ منه أن الخالة في الحضانة مقدمة على العمة؛ لأن صفية بنت عبد المطلب
كانت موجودة حينئذ، وإذا قدمت على العمة مع كونها أقرب العصبات من النساء فهي
مقدمة على غيرها، ويؤخذ منه تقديم أقارب الأم على أقارب الأب، وعن أحمد رواية أن
العمة مقدمة في الحضانة على الخالة، وأجيب عن هذه القصة بأن العمة لم تطلب، فإن
قيل: والخالة لم تطلب، قيل قد طلب لها زوجها فكما أن للقريب المحضون أن يمنع
الحاضنة إذا تزوجت فللزوج أيضاً أن يمنعها من أخذه فإذا وقع الرضا سقط
الحرج".
«أحاديث السّفياني»
سؤال(158) هل ثبت في أمر السفياني شيء؟
لم
يثبت شيء في السفياني، وأحاديثه موضوعة!
انظر
رسالتي: «تحقيقُ الأماني» لمن سأل عن أحاديث «السُّفياني».
«حديث أصحاب الدّولة!»
سؤال(159) يا شيخ: ما قولك في حديث أصحاب
الدولة؟ النصّ في كتاب الفتن لنُعيم بن حماد.
حديث
موضوع، والمقصود بالدولة: «الدولة العباسية»، وقد وُضع الحديث عليها من قِبل
أعدائهم.
وتفصيله
في رسالتي: «منح الودود في طرق أحاديث الرايات السُّود».
«الدعاء بعد ختم القرآن!»
سؤال(160) يا شيخ: هل صحيح أن هناك دعوة
مستجابة بعد ختم قراءة القرآن؟ أقصد مثلاً أنني أقرأ القرآن كاملاً في شهر أو أقل
أو أكثر، وبعد أن أنتهي من قراءته تكون لي دعوة مستجابة؟
لم يثبت
أي شيء في هذا، وأُراه بدعة.
حديث: «إذا خرج ثلاثة في سفر...»
سؤال(161) ما صحة حديث: «إذا خرج ثلاثة في
سفر فليؤمروا أحدهم»؟
الحديث
له طرق فيها كلام، وأصحها أنه من قول عمر رضي الله عنه.
وقد
سئل الدارقطني عن حديث زيد بن وهب عن عمر: «إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم،
ذاك أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم»؟ فقال: "هو حديث يرويه القاسم
بن مالك المزني والحسين بن علوان - وهو ضعيف - عن العمش عن زيد بن وهب عن عمر
قوله، وخالفهما عبدالواحد بن زياد وأبو معاوية وغيرهما، فرووه عن الأعمش عن زيد بن
وهب عن عمر قوله، وهو الصواب".
حديث: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه»
سؤال(162) شيخنا ما صحة حديث: «إذا أتاكم
كريم قوم فأكرموه»؟
الحديث
له عدة طرق فيها مقال، والصواب أنه من مرسل الشعبيّ – رحمه الله-.
«أحاديث السيرة»
سؤال(163) لماذا تكثر الأحاديث الموضوعة
والضعيفة في كتب السير؟
ذلك للتساهل
في الرواية؛ ولأن السير فيها سرد للقصص والحوادث، ولهذا لا يُشدد أهل العلم في
التعامل مع روايات السيرة، وهذا لا يعني قبول الموضوع فيها، وإنما قد يقبلون ما في
إسناده ضعف إن لم يكن منكراً.
حديث: «اللَّهُمَّ الْقَ طَلْحَةَ وَيَضْحَكُ إِلَيْكَ»
سؤال(164) يا شيخ.. هل الهيثمي رجاله ثقات؟
روى حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما تلقى خبر وفاة البراء بن معرور
استقبل القبلة، وقال : «اللهم الق البراء تضحك إليه ويضحك إليك».
الهيثمي
لم يرو الحديث وإنما أورده في كتابه الذي جمع فيه أحاديث بعض الكتب. ولا يُعتمد في
الحكم على الأحاديث؛ لأنه لا يلتفت لعلل الأحاديث، وأحكامه غالباً على ظواهر
الأسانيد.
وهذا
الحديث رواه عِيسَى بن يُونُسَ، عن سَعِيدِ بن عُثْمَانَ البَلَوِيِّ، عن عُرْوَةَ
بن سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، عن أبيه، عن حُصَيْنِ بن وَحْوَحٍ: «أَنَّ طَلْحَةَ بن
البَرَاءِ لَمَّا لَقِيَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال: يا رَسُولَ اللَّهِ،
مُرْنِي بِمَا أَحْبَبْتَ وَلا أَعْصِي لك أَمْرًا، فَعَجِبَ لِذَلِكَ النبي صلى
اللَّهُ عليه وسلم وهو غُلامٌ، فقال له عِنْدَ ذلك: اذْهَبْ فَاقْتُلْ أَبَاكَ.
قال: فَخَرَجَ مُوَلِّيًا لِيَفْعَلَ فَدَعَاهُ فقال له: أَقْبِلْ، فَإِنِّي لم
أُبْعَثْ بِقَطِيعَةِ رَحِمٍ فَمَرِضَ طَلْحَةُ بَعْدَ ذلك، فَأَتَاهُ النبي صلى
اللَّهُ عليه وسلم يَعُودُهُ في الشِّتَاءِ في بَرْدٍ وغَيْمٍ فلما انْصَرَفَ، قال
لأَهْلِهِ: لا أَرَى طَلْحَةَ إِلا قد حَدَثَ فيه الْمَوْتُ فَآذِنُونِي بِهِ حتى
أَشْهَدَهُ وَأُصَلِّيَ عليه وعَجِّلُوهُ فلم يَبْلُغِ النبي صلى اللَّهُ عليه
وسلم بني سَالِمِ بن عَوْفٍ حتى تُوُفِّيَ وجَنَّ عليه اللَّيْلُ فَكَانَ فِيمَا
قال طَلْحَةُ ادْفِنُونِي وَأَلْحِقُونِي بِرَبِّي عز وجل وَلا تَدْعُوا رَسُولَ
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنِّي أَخَافُ الْيَهُودَ أَنْ يُصَابَ في
سَبَبِي، فَأُخْبِرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حين أَصْبَحَ فَجَاءَ حتى وَقَفَ
على قَبْرِهِ فَصَفَّ الناس معه ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فقال: اللَّهُمَّ الْقَ
طَلْحَةَ وَيَضْحَكُ إِلَيْكَ».
وهذا
الحديث تفرد به عيسى بن يونس بهذا الإسناد! وسعيد والد عروة مجهول!
«قصة الشيطان مع الإمام أحمد عندما كان يحتضر!»
سؤال(165) يا شيخ: هل صحيحة قصة أحمد بن حنبل
عند احتضاره أنه رأى ابليس في زواية البيت وقد عض أصبعه، يريد ردّه عن التوحيد! وكان
يقول: لا بعد، لابعد؟!
هذه
القصة رواها البيهقي في «شعب الإيمان» قال: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان:
أخبرنا محمد بن عبدالله بن عمرويه قال: قال لي عبدالله بن أحمد بن حنبل [ح]
وأخبرنا أبو عبدالله الحافظ، قال: أخبرني أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن عمرويه
الصفار - ببغداد - قال: قال لي صالح بن أحمد بن حنبل: "لما حضرت أبي الوفاة
فجلست عنده والخرقة بيدي أشد بها لحيته. قال: فجعل يغرق، ثم يفيق ويفتح عينيه
ويقول بيده هكذا - لا بعد، لا بعد، لا بعد - ففعل هذا مرة وثانية، فلما كان في
الثالثة، قلت له: يا أبه، إيش هذا الذي لهجت به في هذا الوقت؟ فقال: يا بني، أما
تدري! قلت: لا، فقال: إبليس لعنه الله، قائم بحذائي عاض على أنامله، يقول: يا أحمد،
فتني! فأقول: لا، حتى أموت".
قال
البيهقي: "ولأحمد بن حنبل رحمه الله في ذلك سلف حق وهو فيما أخبرنا الإمام
أبو عثمان: أخبرنا زاهر بن أحمد: حدثنا محمد بن معاذ: حدثنا الحسين بن الحسن
المروزي: حدثنا ابن المبارك: أخبرنا سفيان، عن رجل - قال: أراه عن عطاء بن يسار -
قال: "تبدي إبليس لرجل عند الموت، فقال: نجوت! فقال: ما نجوت وما أمنتك
بعد".
قلت:
كأن البيهقي يقبل هذه الحكاية!!
وقد
تفرد بها محمد بن عبدالله بن عمرويه، ويعرف بابن علم. قال الخطيب: "وكان جميع
ما عنده عنهما - أي: محمد بن إسحاق الصاغاني وأحمد بن أبي خيثمة - جزء واحد، وفي
آخره حكايات عن صالح وعبدالله ابني أحمد بن حنبل". ثم قال: "ولم أسمع
أحداً من أصحابنا يقول فيه إلا خيراً".
وذكر
الذهبي هذه الحكاية في «سير أعلام النبلاء» ثم قال: "فهذه حكاية غريبة تفرد
بها ابن علم، فالله أعلم".
وقال
في ترجمة ابن علم من «السير»: "قلت: حكايته عن عبدالله بن أحمد في قول أبيه
لا تعد منكرة".
قلت:
فالذهبي حكم بغرابتها ثم قال بأن ما يذكره من حكايات عن عبدالله لا تُعدّ منكرة!
والذي أميل إليه أنها منكرة!! والله أعلم.
حديث: «لا تكون جابياً ولا عريفاً ولا شُرطياً..!»
سؤال(166) ما صحة هذا الحديث، و هل ينزل على
واقعنا الحالي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة،
ووزارء فسقة، وقضاة خونة، وفقهاء كذبة، فمن أدرك ذلك الزمان منكم فلا يكون لهم
جابياً ولا عريفاً ولا شرطياً».
لا
يصح شيء في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما صحّ عن بعض الصحابة تحذيرهم من
أن يكون البعض جابياً أو عريفاً أو شرطياً عند الظلمة لما رأوه من تغير الحال.
وفي
زماننا الأمر أشد مما كان عليه من قبل! فلولا مساعدة هؤلاء للظلمة لما وجدنا هذا
الظلم الكبير.
وفي
الحديث الصحيح عن هؤلاء الشُّرط من حديث أبي هُرَيْرَةَ قال: سمعت رَسُولَ الله
صلى الله عليه وسلم يقول: «إن طَالَتْ بِكَ مُدَّةٌ أَوْشَكْتَ أَنْ تَرَى قَوْمًا
يَغْدُونَ في سَخَطِ اللَّهِ وَيَرُوحُونَ في لَعْنَتِهِ في أَيْدِيهِمْ مِثْلُ
أَذْنَابِ البَقَرِ».
حديث: «اتقوا أذى المجاهدين..»
سؤال(167) ما صحة هذا الحديث: عن أبي موسى
الأشعري: «اتقوا أذى المجاهدين فإن الله يغضب لهم كما يغضب للرسل ويستجيب دعاءهم
كما يستجيب دعاء الرسل»؟
حديث
منكر!
حديث: «إن أهل بيتي سيلقون بلاء وتطريداً..!»
سؤال(168) ما صحه حديث: «إن أهل بيتي سيلقون
من بعدي بلاء وتطريداً وتشريداً.. »؟
حديث
ضعيف.
حديث: «الحارث بن حرّاث..!»
سؤال(169) ما صحه حديث الحارث بن حرّاث الذي
في مسند الإمام أحمد؟
كل
حديث في ذكر (الحارث بن حرّاث) فهو منكر باطل.
قول مالك: «لا يحلّ لأحد أن يقيم ببلد يسبّ فيها السلف»
سؤال(170) هل صح عن الإمام مالك أنه قال:
"لا يجلس في أرض يُسبّ فيها أبو بكر وعمر"؟
المحفوظ
عن مالك قوله: «لا يحلّ لأحد أن يقيم ببلد يُسبّ فيها السلف» كذا رواه عنه ابن
القاسم.
ولا
شك أن أولى الناس بالدخول في مفهوم السلف (أبو بكر وعمر)، وكأنه يشير - رحمه الله-
إلى سبّ الروافض لهما ولغيرهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلعنة
الله على الرافضة.
حديث: «من حُسن إسلام المرء...»
سؤال(171) ما درجة صحة الحديث «من حسن إسلام
المرء تركه ما لا يعنيه»؟
لا
يصح مرفوعاً، والمحفوظ أنه من مراسيل عَلِيِّ بن حُسَيْنِ بن عَلِيِّ بن أبِي
طَالِبٍ: أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال.. فذكره.
قال
الحافظ ابن رجب الحنبلي في «جامع العلوم والحكم»: "هذا الحديث خرجه الترمذي
وابن ماجه من رواية الأوزاعي عن قرة بن عبدالرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي
هريرة رضي الله عنهم، وقال الترمذي: غريب. وقد حسنه الشيخ المصنف - يعني النووي-
رحمه الله؛ لأن رجال إسناده ثقات، وقرة بن عبدالرحمن بن حيوة وثقة قوم وضعفه
آخرون.
وقال
ابن عبدالبر: هذا الحديث محفوظ عن الزهري بهذا الإسناد من رواية الثقات. وهذا
موافق لتحسين الشيخ له رضي الله عنه. وأما أكثر الأئمة فقالوا: ليس هو محفوظاً
بهذا الإسناد، إنما هو محفوظ عن الزهري عن علي بن حسين عن النبي صلى الله عليه
وسلم مرسلا، كذلك رواه الثقات عن الزهري منهم مالك في الموطأ ويونس ومعمر وإبراهيم
بن سعد إلا أنه قال: (من إيمان المرء تركه ما لا يعنيه).
وممن
قال إنه لا يصح إلا عن علي بن حسين مرسلاً: الإمام أحمد ويحيي بن معين والبخاري
والدارقطني، وقد خلط الضعف في إسناده عن الزهري تخليطاً فاحشاً، والصحيح فيه
المرسل.
ورواه
عبدالله بن عمرو العمري عن الزهري عن علي بن حسين عن أبيه عن النبي صلى الله عليه
وسلم فوصله، وجعله من مسند الحسين بن علي، وخرجه الإمام أحمد في مسنده من هذا
الوجه، والعمري ليس بالحافظ، وخرجه أيضاً من وجه آخر عن الحسين عن النبي صلى الله
عليه وسلم، وضعفه البخاري في تاريخه من هذا الوجه أيضاً، وقال: (لا يصح إلا عن علي
بن حسين مرسلا)، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أخر وكلها
ضعيفة".
حديث: «سفعاء الخدين...»
سؤال(172) ما درجة صحة الحديث: «و كانت سفعاء
الوجه»؟
هذه
زيادة مدرجة في الحديث، ولا تصح.
حديث: «نصرت بالرعب بين يدي الساعة!!»
سؤال(173) ما صحة حديث: «نصرت بالرعب بين
يدي الساعة»؟
هذا
الحديث بهذا اللفظ «بين يدي الساعة» لا أصل له! ولا يوجد في أيّ كتاب من كتب
الحديث وغيرها!
والصحيح
بلفظ: «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ» وفي رواية عند مسلم في صحيحه: «وَنُصِرْتُ
بِالرُّعْبِ بين يَدَيْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ».
«البخاري ليس بمعصوم..!»
سؤال(174) يا شيخ، كيف نرد على من يقولون:
وهل البخاري معصوم؟
نعم،
هو ليس بمعصوم، هو يصيب ويخطئ، ونقول لهم: أثبتوا لنا ما أخطأ فيه بالدليل والحجّة
ونحن معكم إن كنتم أهل تخصص، فلا يصلح أن يتكلم عن البخاري من لا يعرف علم الحديث
ومنهج البخاري ومنهج أهل النقد وغير ذلك.
«كتاب بستان الواعظين..!»
سؤال(175) يا شيخ، ابن الجوزي في كتابه
«بستان الواعظين» جلّ اﻷحاديث التي ذكرها موضوعة! ومع ذلك ألف كتاباً أسماه
«الموضوعات»، ما التوجيه لذلك؟
كتاب «بستان
الواعظين» كتاب وعظي، وأهل العلم عندما يصنفون في الوعظ والقصص وما شابه ذلك
يتساهلون في ذكر الأحاديث الضعيفة بل والموضوعة، ولكن لما صنّف كتاباً في
الموضوعات فاختلف الأمر فهذا خصصه لإيراد الأحاديث الموضوعة، وربما يكون تساهل في
بعض مصنفاته، ثم ترك ذلك، والله أعلم.
حديث: «فما فاتكم فاقضوا..»
سؤال(176) هل تصح رواية: «فما فاتكم فاقضوا»؟
لا
تصح.
روى
البيهقي من طريق أحمد بن سلمة، قال: سمعت مسلم بن الحجاج يقول: "لا أعلم هذه
اللفظة رواها عن الزهري غير ابن عيينة «واقضوا ما فاتكم»". قال مسلم:
"أخطأ ابن عيينة في هذه اللفظة".
حديث: «أي شيء أَخْوَفُ على أُمَّتِكَ مِنَ الدَّجَّالِ قال
الأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ»
سؤال(177) ما صحة حديث «أخوف على أمتي من
الدّجال: الأئمة المضلين»؟
حديث
ضعيف. رواه ابن لهيعة وهو ضعيف.
حديث: «النّضر بن الحارث..!»
سؤال(178) لماذا قتل (الشهيد) النضر بن
الحارث؟
شهيد!!
قبّح الله من يهذي بهذا! فلا يقول ذلك إلا الملحدين واللادينيين! لعنهم الله.
يقولون هو شهيد الكلمة الحرة! وما عرفوا أنه كان يحقد على نبينا صلى الله عليه
وسلم فكان يذهب للحيرة لتعلم سجع الكهان ليعارض به القرآن!! كفّار مجانين!
قال
محمد بن إسحاق بن يسار رحمه الله في كتاب السيرة: "وجلس رسول الله صلى الله
عليه وسلم فيما بلغني يوماً مع الوليد بن المغيرة في المسجد، فجاء النضر بن الحارث
حتى جلس معهم وفي المسجد غير واحد من رجال قريش، فتكلم رسول الله صلى الله عليه
وسلم فعرض له النضر بن الحارث فكلمه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم
حتى أفحمه، وتلا عليه وعليهم {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها
واردون}".
وقال
ابن كثير عنه وعن عقبة بن أبي معيط: "كان هذان الرجلان من شر عباد الله،
وأكثرهم كفرا، وعنادا، وبغيا، وحسدا، وهجاء للإسلام وأهله، لعنهما الله، وقد
فعل".
حديث: «وَعَدَنِي رَبِّي سُبْحَانَهُ أَنْ يُدْخِلَ الجَنَّةَ من
أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عليهم ولاعذاب مع كل أَلْفٍ سَبْعُونَ
أَلْفًا...»
سؤال(179) ما صحة حديث ثوبان الذي عند
الطبراني والإمام أحمد عن ثوبان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن
ربي عز وجل وعدني من أمتي سبعين ألفاً لا يحاسبون مع كل ألف سبعون ألفاً»، هل هذا
الحديث ضعيف أو حسن بما أن له شواهد عند البزار عن أنس وأبي أمامة عند الترمذي
وابن ماجة وعند ابن ابي عاصم في السنة عن أبي سعيد؟
هذا
ضعيف. والصحيح أنهم سبعون ألفاً فقط كما في الصحيح من حديث ابن عَبَّاسٍ: أَنَّ
رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ من أُمَّتِي سَبْعُونَ
أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ ولا يَتَطَيَّرُونَ
وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ».
«هل قتلت الجنّ سعد بن عُبادة؟»
سؤال(180) كيف قتلت الجنّ سعد بن عبادة؟
ذكر
بعض التابعين أن الجن هم من قتلوا سعد بن عبادة! ورُوي هذا عن عطاء وابن سيرين:
(أن سعد بال وهو قائم فمات فسمع قائلا يقول : قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة).
وقال
ابن عبدالبر في ترجمة سعد بن عبادة: "وقالوا أنه وجد ميتا في مغتسله وقد
اخّضر جسده ولم يشعروا بـموتـه حتى سمعوا قائلا يقول ولا يرون أحدا:
قتلنا
سيد الخزرج سعد بن عبادة *** ورميناه بسهم فلم يخط فؤاده .
ويُقال
: إن الجن قتلته".
قلت: وهذا
لم يثبت، ولا يوجد أسانيد صحيحة لهذه القصة.
حديث: «العنوهنّ فإنهنّ ملعونات»
سؤال(181) ما صحة حديث: «العنوهن فإنهنّ
ملعونات»؟
هذا
حديث منكر!
رواه
عَبْدُاللَّهِ بنُ عَيَّاشِ بنِ عَبَّاسٍ القِتْبَانِيُّ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي،
قال: سَمِعْتُ عِيسَى بنَ هِلَالٍ الصَّدَفِيَّ وَأَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ بنَ
عَبْدِاللَّهِ الْخَطْمِيَّ (ابنَ يَزِيدَ الْحُبُلِيَّ) يَقُولَانِ: سَمِعْنَا
عَبْدَاللَّهِ بنَ عَمْرٍو يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سَيَكُونُ آخِرُ أُمَّتِي نِسَاءً كَاسِيَاتٍ
عَارِيَاتٍ عَلَى رُؤُسِهِنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ، الْعَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ
مَلْعُونَاتٌ».
قال
الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ
يُخْرِجَاهُ" وفي بعض النسخ: "على شرط مسلم".
وصححه
ابن حبان، وصححه أيضاً الشيخ أحمد شاكر، وحسّنه الشيخ الألباني وحسين سليم أسد
الداراني.
والحديث
تفرد به عبدالله بن عياش، فقال الطبراني في «المعجم الصغير»: "لا يُرْوَى
هَذَا الحَدِيثُ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرٍو إِلَّا بِهَذَا
الْإِسْنَادِ".
وقال
في «المعجم الأوسط»: "لا يُرْوَى هَذَا الحَدِيثُ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُالله بنُ
عَيَّاشٍ".
قلت:
وعبدالله بن عياش أكثر أهل النقد على تضعيفه.
قال
أبو حاتم: "ليس بالمتين، صدوق يكتب حديثه، وهو قريب من ابن لهيعة".
وقال
أبو داود والنسائي: "ضعيف".
وقال
ابن يونس إمام أهل مصر والعمدة فيهم: "منكر الحديث".
وذكره
ابن حبان في الثقات.
قلت:
حديثه يُكتب ويُعتبر به، فإذا وافق الثقات فيُقبل ومن هذا الباب أخرج له مسلم
حديثاً واحداً توبع عليه. وعدّه ابن حجر أنه رواه له في الشواهد لا في الأصول.
ولا
يُحتج بما انفرد به؛ لأنه ضعيف، وتفرده لا يُحتمل، وقول ابن يونس فيه وهو أخبر
الناس بالمصريين يدل على أن أحاديثه في أغلبها مناكير، وهذا منها.
وقد روى
الإمام مسلم هذا الحديث من غير اللعن، فدلّ على شذوذ هذه اللفظة!!
«منهجية المتقدمين والمتأخرين...»
سؤال(182) هل صحيح أن منهجية المتقدمين من
علماء الحديث: أنهم لا يتوسعون في التحسين بالشواهد؟ وهل عند المتأخرين توسع شديد؟
وما الفرق بين المنهجين؟
نعم..
المتقدمون دائرة التحسين بالشواهد عندهم ضيّقة، وقد توسع فيها المتأخرون، وفرق كبير
بين المنهجين؛ لأن المتأخرين بتوسعهم هذا قد حسّنوا الكثير من الأحاديث الضعيفة
والمنكرة! والكلام على الفرق بين المنهجين له ذيول كثيرة.
«منهج المتأخرين!»
سؤال(183) يا شيخ: المتأخرون ألا يعرفون أن
المتقدمين من علماء الحديث مثل البخاري ومسلم أعلم منهم بالحديث؟ من أين جيء بهذا
المنهج؟
التباين
جاء لأسباب كثيرة، منها: جمود العلم وعدم العناية بأقوال أئمة النقد وعلم العلل
وغير ذلك مما أدى إلى نشوء منهج التوسع في التحسين والتصحيح فصار هو المشهور عندهم
حتى جاء الحافظ ابن رجب فأرجع روح هذا العلم إلى الحياة بكتابه العظيم «شرح علل
الترمذي».
حديث: «لا تسبُّوا ورقة...»
سؤال(184) هل يصح حديث «لا تسبُّوا ورقة فإني رأيت له
الجنة أو جنتين»؟ وهل يُعتبر ورقة بن نوفل من الصّحابة رضي الله عنهم أجمعين؟ وبارك
الله فيكم ونفع بكم الأمّة.
هذا
الحديث الصواب فيه أنه مرسل ضعيف، وهو منكر المتن! إذ يدل على أن بعض الصحابة
كانوا يسبونه فنهى النبيّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك!! وهم لم يكونوا يسبّونه.
وأما
عدّه من الصحابة فهو كذلك كما ذهب أكثر أهل العلم.
«ربيع المدخلي.. إمام التجريح!»
سؤال(185) ما رأيك أبا صهيب في من يقول عن
ربيع المدخلي بأنه إمام الجرح والتعديل في هذا العصر؟
هذه
ذُكر أن الشيخ الألباني قالها! وأستغرب - إن صحت عنه- كيف يقولها والشيخ نفسه كان
لا ينازعه أحد في الحديث! والمدخلي كان يعوم على الشاطئ وقتها!!
ويمكن
أن يُطلق على ربيع المدخلي بأنه "إمام التجريح"! فإنه لم يُبق أحداً إلا
جرّحه!! ولا يوجد عنده "تعديل"!! ومن تعلم منه طريقة التجريح انقلبوا
عليه فجرّحهم وجرّحوه!! والله المستعان.
حديث: «صوموا تصحّوا»
سؤال(186) ما صحة حديث: «صوموا تصحُّوا»؟
حديث
ضعيف جداً.
أحاديث: «النّوم على البطن!»
سؤال(187) هل ثبت في الحديث أن النوم على
البطن هو نوم أهل النار؟
لم
يثبت في ذلك شيء.
حديث الخوارج: «كلما خرج منهم قرن..!»
سؤال(188) ما صحة حديث: «كلما خرج منهم قرن
قطعه الله»؟
حديث
ضعيف.
«تفنيد شبهة في حديث (وإن جلد ظهرك وأخذ مالك)... (سماع أبي سلام من
عُبادة)!»
سؤال(189) شيخنا: بالنسبة لتضعيفك حديث: «وإن
أخذ مالك وضرب ظهرك» بالانقطاع بين أبي سلاَّم وحذيفة، فقد تم الرد عليه بأنه ثبت
سماع أبي سلام من عبادة وهو أقدم موتاً من حذيفة في تهذيب الكمال والمستدرك! فهل لك
جواب على هذا؟!
اعترض
بعض طلبة العلم عليَّ بتضعيفي لرواية أبي سلاّم ممطور الحبشي عن حذيفة بقول
الدارقطني، وكذلك بنفي أئمة النقد سماعه من ثوبان، بقولهم: "أما قول الدارقطنى:
(لأن حذيفة توفي بعد قتل عثمان رضي الله عنه بليال) فهذا يدل أن العمدة عند
الدارقطني في نفي السماع هو قدم موت حذيفة رضي الله عنه, فيستبعد وقوع السماع لأن
حذيفة لم يُعمر طويلا بحيث يدركه أبو سلام! وإذا كان الأمر كذلك فيُقدم صنيع
الإمام مسلم رضي الله عنه على استبعاد الدارقطني, لأنه قد ثبت سماع أبي سلام ممن
هو أقدم موتاً من حذيفة رضي الله عنه فسماعه من حذيفة رضي الله عنه حينئذ غير
مستبعد, فقد سمع عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه, وعبادة مات سنة 34هجرية, وحذيفة
بن اليمان مات سنة 36هجرية.
قال الحافظ الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (4/356): "وقد ذكر أبو
مسهر أن أبا سلام سمع من عبادة بن الصامت ببيت المقدس" انتهى الاعتراض.
قلت:
ما ذكره الذهبي عن أبي مُسهر رواه أبو زرعة الدمشقي في «تاريخه» قال: قُلْتُ
لِأَبِي مُسْهِرٍ: فَأَبُو سَلَّامٍ سَمِعَ مِنْ عَبِادَةَ بنِ الصَّامِتِ وَمِنْ
كَعْبٍ؟ فقَالَ: نَعَمْ، حَدَّثَنِي عَبَّادٌ الْخَوَّاصُ عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي
عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ عَنِ ابنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي سَلَّامٍ قالَ: «كُنْتُ
إِذَا قَدِمْتُ بَيْتَ المَقْدِسِ نَزَلْتُ عَلَى عُبَادَةِ بْنِ الصَّامِتِ،
فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَوَجَدْتُهُ وَكَعْبًا جَالِسَيْنِ، فَسَمِعْتُ كَعْبًا
يَقُولُ: إِذَا كَانَتْ سَنَةُ سِتِّينَ، فَمَنْ كَانَ عزباً فلا يتزوج».
قال
أبو زرعة: قُلْتُ لِأَبِي مُسْهِرٍ: فسَمِعَ من كعب؟ قال: "نعم".
قال
أبو زرعة: فَأَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ مَرْوَانَ بنِ مُحَمَّدٍ قال: قُلْتُ
لِمُعَاوِيَةَ بنِ سَلَّامٍ: سَمِعَ جَدُّكَ مِنْ كعب؟ قال: "لا أدري".
قلت:
استدل أبو مُسهر على سماع أبي سلام من عُبادة بهذه القصة التي رواها عن عبّاد الخواص
وأنه لقيه هو وكعب الأحبار.
لكن
اللقاء إن ثبت لا يعني السماع! فقد يكون لقيه في بيت المقدس، لكن السؤال: هل سمع
منه؟!
على
أن أبا زرعة كأنه أراد أن يبيّن عدم صحة ذلك؛ لأنه أتبع هذه القصة بسؤال مروان بن
محمد لمعاوية بن سلام عن سماع جدّه من كعب!
ويؤيد
هذا أن أبا زرعة قال أيضاً في موضع آخر: وسَأَلْتُ أَبَا مُسْهِرٍ قُلْتُ:
مُعَاوِيَةُ بنُ سَلَّامٍ سَمِعَ مِنْ أَبِي سَلَّامٍ؟ فقَالَ: "نَعَمْ،
حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بنُ سَلَّامٍ قال: سَمِعْتُ جَدِّي أَبَا سَلَّامٍ
يَقُولُ: قالَ كَعْبٌ: مَنْ قالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَتَيْ
مَرَّةٍ، غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ، وَلَوْ كَانَ مِثْلُ زَبَدِ الْبَحْرِ".
قال
أبو زرعة: فَأَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ مَرْوَانَ قالَ: قُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ بنِ
سَلَّامٍ فِي هذَا الحَدَيِثِ: قال أَبُو سَلَّامٍ: سَمِعْتُ كَعْبًا؟ قال:
"قالَ كعب".
قلت:
فهذا يعني أن استدلال أبا مسهر على سماع أبي سلام من كعب فيه نظر! فلم يذكر السماع
في روايته، والظاهر من جواب حفيده أنه استبعده، فلم يثبت السماع في الرواية.
فإن
كان أبا سلاّم لم يسمع من كعب فهو لم يسمع من عبادة أيضاً؛ لأن القصة فيها أنه كان
يأتي بيت المقدس فيدخل المسجد فيجد عبادة وكعباً جالسين!
وما رُوي عن كعب منكرٌ جداً!
قال المعافى بن عمران في «الزهد» عن عَبَّادٍ الأُرْسُوفِيِّ - هو الخواص -، قالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة - هو يحيى السيباني-، عنِ ابنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ أَبِي
سَلامٍ الحَبَشِيِّ، قالَ: قَدِمْتُ بَيْتَ المَقْدِسِ فَرَأَيْتُ عُبَادَةَ بنَ
الصَّامِتِ وكَعْبًا جَالِسَيْنِ فِي نَاحِيَةِ المَسْجِدِ، فسَمِعْتُ كَعْبًا
يُحَدِّثُه: «إذَا كَانَ سَنَةَ سِتِّينَ
فمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَلْيَجْمَعْهُ، ومَنْ كَانَتْ لَهُ أَيِّمٌ
فَلْيُعَلِّقْهَا مُعَلَّقًا، ومَنْ كانَ عَزَبًا فلا يَتَزَوَّجْ، فإِنَّهُ لا
خَيْرَ فِي وَلَدٍ يُولَدُ بَعْدَ يَوْمَئِذ».
ولم أجد لأبي سلام عن عبادة إلا رواية واحدة ذكرها الحافظ
الضياء المقدسي في كتابه «الأحاديث المختارة» (8/359) من طريق الطَّبَرَانِيُّ، قال: حدثَنَا
جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفرْيَابِيّ، قال: حدثَنَا صَفْوَان بن صَالح المؤذن،
قال: حدثنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ، قال: حدثَنَا عَلِيُّ بنُ حَوْشَبٍ
الْفَزَارِيُّ، قالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلامٍ الأَسْوَدَ يُحَدِّثُ عَنْ عُبَادَةَ
بْنِ الصَّامِتِ قالَ: «بَصُرَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ فِي مُؤَخِّرِ مَسْجِدٍ عَلَيْهِ
مَلْحَفَةٌ مُعَصْفَرَةٌ، فقَالَ: أَلا رَجُلٌ يَسْتُرُ بَيْنِي وَبَيْنَ هذِهِ
النَّارِ! فَفَعَلَ ذَلِك رجل».
ورواه الطبراني أيضاً عن أَبي عَامر النَّحْوِيّ، قال: حدثَنَا
سُلَيْمَان بن عبدالرَّحْمَن، قال: أنبانا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ، قال: حدثَنَا
عَلِيُّ بنُ حَوْشَبٍ، قالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلامٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُبَادَةَ بنَ
الصَّامِتِ يقولُ: «بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبٌ مُعَصْفَرٌ
مُشَبَّعٌ، فقَالَ: أَلا رَجُلٌ يَسْتُرُ بَيْنِي وَبَيْنَ هذِهِ النَّار».
ورواه ابن عساكر في «تاريخ مدينة دمشق» (41/455) من طريق محمد بن وزير الدمشقي، قال: حدثنا
الوليد، قال: حدثنا علي بن حوشب الفزاري أنه سمع أبا سلام الأسود يحدث عن عبادة بن
الصامت، به.
قال ابن عساكر: "تابعه سليمان بن عبدالرحمن عن
الوليد".
قلت: الظاهر في هذه الروايات أن أبا سلام حدّث عن عبادة دون
إثبات السماع كما في روايتي صفوان بن صالح ومحمد بن وزير عن الوليد! ولا يمكن
الاعتماد على ورود لفظ السماع الوارد في حديث سليمان بن عبدالرحمن لأنه قد يكون من
النساخ أو وقع خطأ.
على أن هذا الحديث منكر! ومعروف بإسناد آخر عند الشاميين!
رواه الطبراني في «مسند الشاميين» (1/314) من طريق
عبدالرحمن بن عبيد الحلبي، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل بن مسلم
الخولاني: أنّ شُفْعَةُ السَّمَعِيُّ، قال: «أتيت
بيت المقدس لأصلي فيه، فدفعت إلى عبدالله بن عمرو بن العاص وعليّ ثوبان معصفران،
فقال: إني أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعليّ ثوبان مثل ثوبيك هذين،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآني: من يحول بيني وبين هذه النار! فقام
رجل فحال بيني وبينه، فقلت: يا رسول الله، ما أصنع بهما؟ فقال: أحرقهما بالنار».
قال
البخاري في «التاريخ الكبير» (4/267): "شفعة السمعي: (أنه أتى بيت المقدس
فدفعت إلى عبدالله بن عمرو، فقال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم
وعليّ ثوبان معصفران، فقال حين رآني: من يحول بيني وبين هذه النار! فقام رجل فحال
بيني وبينه، قلت: ما أصنع بهما؟ قال: أحرقهما بالنار). قاله لنا هيثم بن خارجة عن
إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن شفعة".
قلت:
شفعة هذا لا يُعرف إلا في هذا الحديث، وهو مجهول، وشيخه شرحبيل بن مسلم فيه لِين،
ضعّفه ابن معين، ووثقه أحمد.
وهناك
رواية لأبي سلام عن عبادة بواسطة!
روى
سُلَيْمَان بن مُوسَى الأشدق، عن مَكْحُولٍ، عن أبي سَلاَّمٍ، عن أبي أُمَامَةَ،
عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ، قال: (أَخَذَ النبي صلى الله عليه وسلم وَبَرَةً من
جَنْبِ بَعِيرٍ، فقال: أَيُّهَا الناس، أنه لا يَحِلُّ لي مِمَّا أَفَاءَ الله
عَلَيْكُمْ قَدْرَ هذه إِلاَّ الخُمُسُ والخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ,
وعَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ في سَبِيلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فإنه بَابٌ من
أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يُذْهِبُ الله بِهِ الهَمَّ وَالْغَمَّ).
وهذا
الحديث اختلف فيه على أبي سلام اختلافاً كثيراً:
فرواه
مكحول عنه، عن أبي أمامة، عن عبادة.
ورواه
عبدالله بن العلاء بن زبر، عن أبي سلام، عن عمرو بن عبسة.
ورواه
أبو بكر بن أبي مريم، عن أبي سلام، عن المقداد بن معدي: أنه جلس مع عبادة بن
الصامت وأبي الدرداء والحارث بن معاوية فتذاكرنا حديث رسول الله، فقال أبو
الدرداء: يا عبادة، أعد عليّ كلمات رسول الله في غزوة كذا وكذا... الحديث.
ورواه
أبو يزيد غيلان مولى كنانة، عن أبي سلام الحبشي، عن المقدام بن معدي كرب، عن
الحارث بن معاوية الكندي، قال: حدثنا عبادة بن الصامت وعنده أبو الدرداء...
الحديث.
ورواه
دَاوُدُ بنُ عَمْرٍو، عن أَبي سَلَّامٍ، عن أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عن
النبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقد
رجّح البخاري رواية داود بن عمرو المرسلة، فإنه ساقها في "التاريخ
الكبير" في ترجمة أبي سلام، ثم قال: "وقال عبدالرحمن بن الحارث عَنْ
سُلَيْمَان بْن مُوسَى عَنْ مكحول عَنْ أَبِي سلام عَنْ أَبِي إمامة عَنْ
عُبَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وداود أحفظ".
قلت:
الظاهر أن الاختلاف من أبي سلام نفسه، وكأنه كان يضطرب فيه، وهذا إنما ينشئ من عدم
حفظ الحديث المرسل، فإن عادة الشاميين كانت الإرسال، وهذا يؤكد أن أبا سلام لم
يسمع من عبادة.
ولما
ذكرت أن أهل النقد اتفقوا على أنه لم يسمع من ثوبان الذي كان في حمص وتوفي سنة
(54هـ) فمن باب أولى أنه لم يسمع من عبادة الذي توفي قبله بسنوات.
قال
يحيى بن معين وعليّ بن المديني: "لم يسمع من ثوبان".
وقال
أحمد بن حنبل: "ما أراه سمع منه".
وقال
أبو حاتم: "قد روى عنه فلا أدري سمع منه أم لا!".
وقال
أبو حاتم أيضاً: "روى عن ثوبان والنعمان بن بشير وأبي امامة وعمرو بن عبسة:
مرسل".
وقال
العلائي: "روى عن حذيفة وأبي مالك الأشعري وذلك في صحيح مسلم، وقال
الدارقطني: لم يسمع منهما".
وأبو
سلام توفي سنة نيف ومئة كما قال الإمام الذهبي، ومثله لا يكون سمع ممن مات قبل
الستين؛ وذلك لأن أهل الشام كانوا يتأخرون في السماع، وكانوا يطلبون الحديث
وأعمارهم ما بين (25-30)، وكان الإرسال شائعا فيهم، ولهذا قال عنه الذهبي:
"غالب رواياته مرسلة، ولذا ما أخرج له البخاري".
فطبقة
سماع أبي سلام من الصحابة ممن مات بعد سنة (60هـ) كأبي أمامة الباهلي (ت86هـ)،
والنعمان بن بشير (ت66هـ).
وقد
روى عن عبدالله بن عمر (ت74هـ) وأبي هريرة (ت59هـ) بواسطة: الحَكَم بن مِينَاءَ.
وبهذا
نخلص إلى أن أبا سلام لم يثبت سماعه من عبادة بن الصامت (34هـ)، وعلى فرض أنه سمع
منه، فهذا لا يدل على أنه سمع من حذيفة الذي كان في المدائن! فإن الدراقطني لما
نفى سماعه من حذيفة (ت 36هـ) قال "أبو سلام لم يسمع من حذيفة ولا من نظرائه
الذين نزلوا العراق"، وهذا نفي لسماعه ممن نزل العراق من الصحابة؛ لأنه لم
يرحل إلى هناك وهو شامي، وهذا يدلّ على دقة الإمام الدارقطني – رحمه الله تعالى-.
حديث: «اللهمّ إني أُحرّج حق الضعيفين...»
سؤال(190) يا شيخ أريد أن أسأل عن حديث: «اللهم
إني أحرج حق الضعيفين: المرأة واليتيم»، هل هو صحيح؟ ومن راويه؟ بورك فيكم.
رواه
أحمد والنسائي وابن ماجه وغيرهم من حديث محمد بن عَجْلَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي
سَعِيدٌ - هو المقبري-، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: اليَتِيمِ
والمَرْأَةِ».
وهذا
إسناد ضعيف، تفرد به ابن عجلان، ولا يُحتج بما انفرد به.
حديث: «أكثر من يموت من أمتي بالأنفس...»
سؤال(191) ما صحة حديث: «أكثر من يموت من أمتي
بعد قضاء الله وقدره بالأنفس»، قرأت أن في سنده طالب بن حبيب وهو ضعيف؟ رفع الله
قدركم كما أعليتم راية السنة.
نعم،
الحديث رواه طالب بن حبيب وقد ضعفه الإمام البخاري، واستنكر له هذا الحديث وكذلك استنكره
العُقيلي.
قال
البخاري: "طالب بن حبيب بن سهل بن قيس جده ضجيع حمزة بن عبد المطلب المدني
الأنصاري. سمعت عبدالرحمن بن جابر بن عبدالله، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه
وسلم: «أكثر من يموت من أمتي بالأنفس بعد كتاب الله» قاله لنا موسى: حدثنا طالب بن
حبيب بن سهل بن قيس ضجيع حمزة. فيه نظر".
قال
البخاري: "قال بعض أصحابنا: الأنفس هو: العين".
حديث: «يأتي على الناس زمان لا يبقى فيه مؤمن إلا لحق بالشام»
سؤال(192) ما صحة هذا الحديث: «يأتي على
الناس زمان لا يبقى مؤمن إلا لحق بالشام»؟ وهل يمكن تنزيله على زماننا هذا؟
هذا
رواه الأعمش عن خيثمة عن عبدالله بن عمرو بن العاص، قال: «يأتي على الناس زمان لا
يبقى فيه مؤمن إلا لحق بالشّام».
قال
الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".
قلت:
نعم، إسناده صحيح، ولكنه موقوف على عبدالله بن عمرو، ولم يرفعه. وكان عبدالله بن
عمرو يأخذ من الكتب الإسرائيلية! فلا نستطيع تنزيل هذه الرواية على الواقع، والله
أعلم.
«منْ مؤلف كتاب الباعث الحثيث؟»
سؤال(193) هل «الباعث الحثيث» من صنع ابن كثير
أم أحمد شاكر؟ وبارك الله فيك.
المعروف
المشهور بين طلبة العلم أن مختصر ابن كثير يسمى: «الباعث الحثيث إلى اختصار علوم
الحديث»، فمن أهل العلم من أقر هذه التسمية ومنهم من قال بأن هذه التسمية هي لشرح
الشيخ أحمد شاكر محقق الكتاب!!
أما
من ينسب هذه التسمية للحافظ ابن كثير فاحتج بما ذكره الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة في
طبعته لهذا الكتاب، فسماه: «الباعث الحثيث إلى معرفة علوم الحديث»
ولهذا
قال الشيخ أحمد شاكر في مقدمة الطبعة الثانية لهذا الكتاب سنة (1370هـ-1951م):
"ثم رأيت أن أصل كتاب ابن كثير عرف باسم "اختصار علوم الحديث"، وأن
الأخ العلامة الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة جعل له عنواناً آخر في طبعته الأولى بمكة،
فسماه (اختصار علوم الحديث، أو الباعث الحثيث إلى معرفة علوم الحديث) التزاماً
للسجع الذي أُغرم به الكاتبون في القرون الأخيرة. وأنا اكره التزام السجع وانفر
منه، ولكن لا أدري كيف فاتني أن أغير هذا في الطبعة الثانية التي أخرجتها، ثم
اشتهر الكتاب بين أهل العلم باسم (الباعث الحثيث)، وليس هذا اسم كتاب ابن كثير،
وليس من اليسير أن اعرض عن الاسم الذي اشتهر به أخيراً. فرأيت من حقي – جمعاً بين المصلحتين: حفظ الأمانة في تسمية الملف كتابَه،
والابقاء على الاسم الذي اشتهر به الكتاب – أن أجعل (الباعث الحثيث) علماً على الشرح الذي هو من قلمي ومن عملين
فيكون اسم الكتاب (الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث). والأمر في هذا كله قريب".
ومن هذا
يتبين لنا أن الشيخ أحمد شاكر لا يوافق على أن تسمية كتاب ابن كثير هو «الباعث الحثيث»
ويعتقد أن هذه الإضافة لعنوان الكتاب هي من عمل الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة، فأراد
أن يجمع بين مصلحتين كما ذكر.
ولكن بعض طلبة العلم في زماننا المعاصر تعصبوا لرأي الشيخ عبدالزراق وقالوا بأن ما
قاله أحمد شاكر فيه نظر!!
ثم
قال بعضهم فيما بعد بأن ابن كثير هو الذي سمى كتابه بهذا الاسم وليس الشيخ
عبدالرزاق، واستدلوا بما ذكره صدِّيق حسن خان القَنوجي المتوفى سنة (1307هـ) في
كتابه (أبجد العلوم في بيان أحوال العلوم) (3/89) عند ذكره لابن كثير، قال:
"وصحب شيخ الاسلام ابن تيمية ومدحه في كتاب الباعث الحثيث أحسن مدح".
وصديق حسن توفي قبل مولد الشيخ أحمد شاكر (ولد في 1309هـ).
أقول:
إن معرفة أسامي الكتب تكون من خلال ما ينقله أهل العلم الكبار في تراجم العلماء،
وكل العلماء الذين كانوا في عصر الحافظ ابن كثير وكذلك تلاميذه ذكروا أنه اختصر
علوم الحديث لابن الصلاح دون تسميته بأي تسمية. وهذا الذي نمشي عليه.
ولعل
الذي جعل الشيخ عبدالرزاق أن يطلق عليه هذا العنوان: "الباعث الحثيث" هو
ما كتبه صديق خان، ولكن تسمية صديق خان له بهذا الاسم لا دليل عليه! نعم، ربما كان
منتشراً عندهم بهذا العنوان، وكان بعض أهل العلم قديماً إذا رأوا كتابا مختصراً
لبعض أهل العلم يسمونه باسم ليكون علماً عليه، فلعل هذا هو الذي حصل.
والخلاصة
أنه لم يصح ان كتاب ابن كثير اسمه (الباعث الحثيث) ولم يسمه ابن كثير بهذه
التسمية، فأراد الشيخ أحمد شاكر أن يبقي على هذه التسمية التي اشتهر بها في شرحه،
فسمى الشرح بهذا الاسم مع التنبه إلى أن الفرق بين تسمية الشيخ عبدالرزاق حمزة
وبين تسمية الشيخ شاكر وجود كلمة: "إلى معرفة" في عنوان الشيخ حمزة،
ووجود كلمة: "شرح اختصار" في تسمية الشيخ شاكر؛ لأن الشيخ أحمد شاكر
يشرح هذا الكتاب المختصر، والله أعلم.
حديث: «سيخرج قوم ينتحلون حُبنا... الرافضة!»
سؤال(194) ما صحة حديث: «يا علي، سيخرج قوم في
آخر الزمان يدّعون و ينتحلون حبنا آل البيت، لهم نبز يسمّوا الرافضة فاقتلوهم إنهم
مشركون»؟ حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما عند الطبراني.
حديث
منكر!
وكل
حديث فيه تسمية الفِرق كالرافضة أو القدرية أو الجبرية فهو باطل.
حديث: «جلسة المغضوب عليهم!»
سؤال(195) حديث «جلسة المغضوب عليهم»، هل
يصح؟
هذا
الحديث رواه أحمد وابو داود وابن حبان والحاكم وغيرهم من طريق عيسى بن يونس، قال:
حدثنا ابن جريج، عن إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه الشريد بن سويد،
قال: مر بي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنا جالس هكذا، وقد وضعت يدي
اليسرى، وأتكأت على ألية يدي، فقال: «أتقعد قعدة المغضوب عليهم»؟!
وخالفه
عبدالرزاق في سنده ومتنه، فرواه عن ابن جريج قال: أخبرني إبراهيم بن ميسرة: أنه
سمع عمرو بن الشريد: يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه كان يقول في وضع
الرجل شماله إذا جلس في الصلاة هي قعدة المغضوب عليهم».
فخالف
عبدالرزاق عيسى بن يونس فرواه مرسلاً، وجعله في الصلاة لا في غيرها!
والصواب
هو ما رواه عبدالرزاق، وعيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي من كبار الثقات لكنه قد
يخطئ كغيره، وكان يُسند حديث الهدية والناس يرسلونه، وهو حديث: هشام بن عروة عن
أبيه عن عائشة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة»،
والناس يحدثون به مرسل.
وهذا
الحديث الظاهر أنه أسنده وهو مرسل، وخالف في متنه كذلك.
ومما يؤيد أنه في الصلاة وأنه لا يصح مرفوعا والصواب فيه الوقف ما رواه عبدالرزاق
عن ابن جريج، قال: أخبرني نافع أن ابن عمر رأى رجلاً جالساً معتمداً على يديه،
فقال: «ما يجلسك في صلاتك جلوس المغضوب عليهم؟».
وأخرج
عبدالرزاق موقوفاً أيضاً عن ابن عيينة، عن محمد بن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر أنه
رأى رجلاً جالساً معتمداً بيده على الأرض، فقال: «إنك جلست جلسة قوم عُذِّبوا».
والخلاصة
أن الحديث لا يصح مرفوعاً، والصواب أنه من قول ابن عمر، وأن المنهي عنه هذه الجلسة
في الصلاة. والله أعلم.
«هل عطّل عمر حدّ السرقة عام الرمادة؟!»
سؤال(196) هل صحّ أن عمر بن الخطاب عطّل حد
السرقة عام الرمادة؟
لم
يصح ذلك.
حديث: «زمزم لما شُرب له!»
سؤال(197) بالنسبة لماء زمزم هو لما شرب له
كما ذكر في الحديث طبعاً، ولكن كيف هي طريقة الشرب؟ بعضهم يقول: تشرب حتى تتضلع
منه كل يوم مرة، وبعضهم يقول: كاسة كل يوم، فما الصحيح؟ وكم هي مدة الشرب شهر
شهرين أو أكثر؟ وهل يجوز أن أسقي ابني (سنة ونصف) وأنوي عنه؟
حديث «زمزم
لما شُرب له» حديث ضعيف. والصحيح لفظ: «إنها طعام طُعم» كما في صحيح الإمام مسلم.
ولا
يوجد طريقة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. والشرب حتى يتضلع منها من السنن
الواردة عند أداء العمرة.
وعموما
فإن أسقيته كاسة أو أكثر بنية الشفاء أو غيره فلا يضر إن شاء الله، فبعض أهل العلم
شربوها بنية أن يرزقهم الله العلم والحفظ فأصبحوا من العلماء الحفاظ.
حديث: «الحكمة ضالّة المؤمن!»
سؤال(198) ما صحة هذا الحديث: «الحكمة ضالة
المؤمن»؟
الحديث
ضعيف من كل طرقه، وقد رُوي مرسلاً عن زيد بن أسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الحكمة
ضالة المؤمن حيثما وجد المؤمن ضالته فليجمعها إليه».
وكأن
هذا هو قول لأحدهم رُفع للنبي صلى الله عليه وسلم، وأرسله بعضهم لانتشاره بين
الناس، والله أعلم.
«هل كلّ أحاديث مسلم صحيحة؟»
سؤال(199) هل جميع الأحاديث الواردة في صحيح
مسلم صحيحة؟ فقد سمعت بعض أهل العلم يضعف عدداً منها، وقرأت مرة أن الدارقطني يرى
ضعف قرابة العشرين حديثاً من الصحيح! فما صحة ذلك، بارك الله فيكم؟
غالب
الأحاديث التي في صحيح مسلم صحيحة، وهناك أحاديث هو نفسه أخرجها في كتابه لبيان
عللها، وهناك نزاع بين أهل العلم في مسألة تخريج الإمام مسلم للعلل في صحيحه،
وهناك أحاديث أوردها مسلم على أنها صحيحة ضعفها غيره كالإمام البخاري والعقيلي
والدارقطني وغيرهم.. وهذا كله يرجع إلى الاجتهاد في التصحيح والتضعيف، ونحن ندور
مع قوة الدليل والحجة، فمن أبان عن علة حديث بأدلة قوية ومنهجية فلا شك أن اتباعه
أولى من غيره، والله أعلم.
حديث: «لا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا إلا قالت زَوْجَتُهُ من
الْحُورِ العِينِ: لا تُؤْذِيهِ قَاتَلَكِ الله فَإِنَّمَا هو عِنْدَكِ دَخِيلٌ
أَوْشَكَ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا!»
سؤال(200) أود سؤالك بارك الله فيك تفرد به
إسماعيل بن عياش عن بَحير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن عن حديث: «لا تؤذي
امرأة زوجها إلا قالت زوجته من الحور العين.. الحديث»، أظنه مرة عن معاذ مرفوعاً،
هل نقول الحديث حسن على الأقل باعتبار رواية إسماعيل هنا عن شاميّ؟
إسماعيل
بن عيّاش الحمصي اتفق اهل العلم على أن روايته عن غير أهل بلده من الحجازيين
والعراقيين فيها أوهام ومناكير، فلا يُحتج بها، وقالوا: هو صدوق في روايته عن أهل
بلده، ومن هنا حسن حديثه الذهبي إذا روى عن أهل بلده كما في هذا الحديث.
ولكن
هذا الأمر ليس على إطلاقه بحيث نحتج بكلّ ما يرويه عن أهل بلده، وإنما ننظر في
حديثه إن لم يكن فيه نكارة، وذلك أن بعض أهل النقد ضعفه مطلقا كأبي حاتم والنسائي
وابن حبان، وتكلّم فيه أبو إسحاق الفزاري ومنع الكتابة عنه! ورموه أيضاً بالتدليس
والاختلاط!
فلو
كان حجة مطلقا في حديثه عن أهل بلده لروى له البخاري ومسلم من هذه الأحاديث،
ولكنهما اجتنبا حديثه كله!
وهذا
الحديث لم يروه عن بحير غير إسماعيل بن عياش!
وقال
أبو نُعيم في «الحلية»: "غَرِيبٌ من حَدِيثِ خَالِدٍ عن كَثِيرٍ، تَفَرَّدَ
بِهِ بَحِيرٌ".
قلت:
والحديث فيه نكارة! فليس كل رجل في الدنيا له زوجة من الحور العين، بل الغالب أن
من أدخله الله الجنة وكذلك زوجته تكون هي زوجته أيضاً في الجنة.
فالحديث
منكر. والله أعلم.
تمت المائة الثانية بحمد الله ومنّه
وكرمه.
24/5/1436هـ.
شاركنا تعليقك