عندما
يستسلم الشيخ للهوى! - «د. محمد سعيد حوى» نموذجاً!
قد يناقض المرء كلامه في بعض الأحيان نتيجة لعدم تحقيقه لكلامه
السابق عن اللاحق، لكن أن يناقض منهجه! فهذا لا بدّ أن يكون له سبب آخر! = وهو
الهوى!
قبل سنوات استمعت لخطبة جمعة للدكتور محمد سعيد حوى بعنوان «فقه
التيسير وأثره في وحدة الأمة» طرح فيها مواضيع لا يجوز طرحها أمام العوام! ومنها
إنكاره لحدّ الزاني المحصن، وكذلك حد شارب الخمر، وخلص إلى أن ما يُروى في السنة
هو سبب التشديد على الأمة وهو السبب في تفرقها، وهذا مضمون عنوان خطبته!
وبثّ سمومه في تلك الخطبة من خلال طرح الاختلاف في بعض المسائل بين
الفقهاء - كغطاء الوجه والموسيقى وغيرها-، وأن هذا يرجع إلى طبيعة النصوص من ناحية
الدلالة القطعية، وقال: "عندما تقوم الأمة على أساس القطعي المتفق عليه لن
تجد اختلافاً". ثم قال: "التيسير جاء في هذا الدين أنه لم تنقل لنا هذه
الأمور نقلاً قطعياً ليبقى الإنسان منشغلاً بحقائق هذا الدين وجوهره وإقامة ما جاء
في القرآن قطعاً أو مما لا خلاف فيه في السنة".
ثم ولج في موضوع حد الزنا للمحصن، فقال: "بل تجد أموراً أعجب
من ذلك بكثير في كتاب الله تعالى عندما تقف مع حد الزنا، لماذا القرآن ينص نصاً
صريحاً واضحاً {الزانية والزاني فاجلدوا...}، ألا يعلم الله أن من الزناة من هو
محصن ومَن هو من ليس بمحصن؟!!"
ثم قال: "وعندما تأتي لحد مثل حد الخمر تجد - مع التشديد على
تحريم الخمر في كتاب الله- لا تجد إطلاقاً ذكراً لحد الخمر، حد شارب الخمر،
إطلاقاً، وتجد السنة مختلفة في مقدار هذا الحد، لنرى أنه ليس هناك حداً حقيقياً
على مجرد شرب الخمر، لأنه أمر تربوي، أمر لا يمكن أن يأتي بالضرب، أمر يأتي
بالتربية والإيمان".
وبعد التشكيك في بعض الأحكام! قال: "عندما تجد أن الأمة تسير
بهذا المنهج، قطعاً هي تسير نحو إقامة الدين لأنه قائم على التخفيف والتيسير،
وقطعاً هي تسير نحو إقامة الوحدة في شأنها لأنه عندئذٍ الأمور القطعية كل المسلمين
يأخذون بها، ولن تجد مشكلة في التآلف والتقارب والتحاب والتواد".
هكذا في خطبته خط منهجه في أن حد المحصن الزاني ليس الرجم كما جاء
في السنة! فالقرآن لم يفرّق بين الزاني المحصن وغير المحصن! وصار يتكلف الإجابة
عما ورد من رجم النبي صلى الله عليه وسلم لماعز والغامدية بأن الآية قد تكون نزلت
بعد حوادث الرجم دون تقديم الدليل على ذلك!
وضرب عرض الحائط بما ثبت عن الخلفاء أنهم رجموا بعده صلى الله عليه
وسلم، وترك أحاديث كثيرة في ذلك وأخذ الآية المحكمة التي لا خلاف فيها متناسياً أن
السنة تأتي بأحكام إضافية أو تخصص عام وغير ذلك مما هو متفق عليه عند الأصوليين.
ولكنه في حكم آخر تجده يترك الآيات المحكمة ويأخذ بما في السنة!
ففي كلامه لبعض الصّحف في مسألة استخدام التحريق كأداة للقتل قال بأن "الأحاديث
النبوية الصحيحة الصريحة، تنهى عن التحريق مطلقاً، والنهي فيها للتحريم، كما في حديث
البخاري عن أبي هريرة قال: (بعثنا رسول الله في بعث فقال: إن وجدتم فلاناً وفلاناً
فأحرقوهما بالنار، ثم قال حين أردنا الخروج: إني أمرتكم أن تُحرِّقوا فلاناً
وفلاناً، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما فاقتلوهما)".
ثم قال: "أمام هذا النص الصريح في دلالته على النهي عن
التحريق، الذي لا يمكن حمله إلا على التحريم، هل يبقى كلام لأحد كائناً من كان؟
وهل تقوى كل الأقوال، سواء أقوال صحابة أم غيرهم على معارضة هذا النص الصحيح
الصريح؟".
والحاصل أن منهج الدكتور حوى مبني على الهوى! فهو إذا أخذ الحكم من
الآية ذهب إلى أن ما جاء في السنة منسوخ دون إثبات ذلك، ولهذا لما تعرض لمسألة
التحريق "خلص إلى القول إن الصحيح في الباب هو ما ذهب إليه ابن المنيِّر في
قوله: وأما حديث الباب فظاهره النهي فيه للتحريم، وهو نسخ لأمره المتقدم سواء كان
بوحي إليه أم اجتهاد منه..".
فها ينتقي انتقاء! وهو الذي عاب على غيره الانتقاء!! فغير ابن
المنير لم يرى النسخ كالإمام البخاري. والشيخ يُعمل النسخ في كل مسألة يريد أن
ينتصر فيها لرأيه...!!
فعندما نظر إلى الآية القرآنية في مسألة حد الزاني المحصن أنكر ما
جاء في السنة بأنه لعله منسوخاً!!
وفي مسألة التحريق لم ينظر إلى الآيات المحكمة {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ
فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} وغيرها من الآيات، واحتج بما ورد في
السنة مع الاختلاف في هذه المسألة.
ولست بصدد الكلام على هذه المسألة، وإنما أردت بيان تناقض منهج
الدكتور حوى فإنه يتبع هواه في بعض المسائل ويخالف منهجه.
فالأصل عنده أن القرآن مُقدّم على ما جاء في السنة، فيجب أن ينسحب
هذا المنهج على كلّ مسألة يتكلم فيها لا أن يتحكم بها بحسب هواه!!
والله المستعان.
شاركنا تعليقك