«التّنقيح والتّرجيح» للاختلاف الواقع في «صلاة التّسبيح».
«صلاة
التسبيح - أو التسابيح» من الصلوات التي اختلف في حكمها أهل العلم، ومن أجل
هذا أفردها جماعة منهم بالتصنيف قديماً وحديثاً، وممن صنّف فيها:
·
المصنفات في صلاة التسبيح:
1-
الدارقطني (ت385هـ) وهو أول من جمع طرق أحاديث هذه الصلاة في جزء.
2-
ابن منده، ذكره السيوطي في «اللآلئ المصنوعة» (2/43).
3-
الخطيب البغدادي (ت463هـ)، وكتابه مطبوع باسم «ذكر صلاة التسبيح والأحاديث التي
رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها واختلاف ألفاظ الناقلين لها» جمع كل
الروايات الواردة فيها.
4-
أبو سعد عبدالكريم السمعاني (ت562هـ)، ذكره الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (4/1317).
5-
أبو موسى المديني الأصبهاني (ت581)، وسمى كتابه: «تصحيح صلاة التسبيح من الحجج
الواضحة والكلام الفصيح».
وسماه
السبكي في «الترشيح»: «دستور الذاكرين ومنشور المتعبدين».
6-
تاج الدين السبكي (ت771هـ)، وسمى كتابه: «الترشيح لصلاة التسبيح».
وسماه
في «إيضاح المكنون» (3/281): «ترشيح التوشيح وترجيح التصحيح».
7-
محمد ابن أبي الفتح البعلي (ت709هـ)، سماه: «الجزء الصحيح في الكلام على صلاة
التسبيح».
8-
ابن ناصر الدين الدمشقي (ت842هـ)، وسمى كتابه: «الترجيح لحديث صلاة التسبيح».
9-
ابن حجر العسقلاني (ت852هـ)، أملى طرق حديث صلاة التسبيح في مجالس.
10-
جلال الدين السيوطي (ت911هـ)، وسماه: «تصحيح حديث صلاة التسبيح».
11-
شمس الدين محمد ابن طولون (ت953هـ)، وسماه: «التوشيح لبيان صلاة التسبيح».
12-
محمد البرزنجي (ت1103هـ).
13-
علوي بن أحمد السقاف (ت1335هـ)، وسماه: «القول الجامع النجيح في أحكام صلاة
التسبيح».
14-
أحمد الصديق الغُماري (ت1380هـ)، وسماه: «الترجيح لقول من صحح صلاة التسبيح».
15-
جاسم الفهيد الدوسري، وسماه: «التنقيح لما جاء في صلاة التسبيح».
·
سبب الاختلاف بين اهل العلم في
صلاة التسبيح:
وسبب
اختلاف العلماء في حكم هذه الصلاة هو: الاختلاف في تصحيح الأحاديث الواردة فيها
وتضعيفها!
فأهل
العلم المتقدمون ضعفوا هذه الأحاديث، وأما المتأخرون فصححوها اعتمادا على منهجهم
في تقوية الأحاديث بكثرة الطرق بالمتابعات والشواهد، وهذا من أهم الفروقات بين
المنهجين.
وعليه،
فمنهم من عدها من السنة، ومنهم من استحبها فقط دون عدها من السنة، ومنهم من عدها
من البدع.
وأكثر
من ذكر هذه الصلاة الفقهاء في كتبهم في مسألة (عدّ التسبيح بأصابع اليد في
الصلاة)، فقد ذهب المالكية والشافعية في صحيح المذهب والصاحبان من الحنفية (أبو
يوسف ومحمد) إلى جواز عدّ التسبيح في الصلاة كما جاء في صلاة التسبيح.
وكذلك
ذكرها أهل علوم القرآن لما تكلموا عن مسألة (عدّ الآيات) كابن الجزري في النشر.
وسميت
(صلاة التسبيح) بهذا الاسم لكثرة التسبيح فيها على خلاف العادة في غيرها.
·
كلام اهل العلم في هذه الصلاة:
وقبل
الكلام على الأحاديث التي رُويت في هذه الصلاة نسوق كلام أهل العلم فيها:
أولاً:
من حكم بوضعها أو ضعفها:
حكم
بوضع الأحاديث فيها: الإمام ابن الجوزي فذكرها في كتابه «الموضوعات» وتكلّم على
طرقها.
وكذلك
حكم بوضعها: ابن دِحية الكلبي (633هـ) في «أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في
رجب».
وضعفها
الإمام أحمد، والترمذي، والعقيلي، وابن العربي، وابن تيمية، وابن عبدالهادي، وسراج
الدين القزويني، والشوكاني.
ثانياً:
من حكم بصحتها أو حسنها:
وقد
صححها وحسنها جمع من أهل العلم، منهم: أبو علي ابن السكن، والآجري، والحاكم، والبيهقي،
والبغوي، وأبو موسى المديني، والمنذري، وابن الصلاح، وابن ناصر الدين الدمشقي،
وتقي الدين السبكي، وولده تاج الدين، والعلائي، والبلقيني، والزركشي، والهيتمي،
وابن الجزري، والسيوطي، وابن طولون، وأبو الحسن السندي، والمباركفوري، واللكنوي،
وأحمد شاكر، والألباني.
ثالثاً:
من تردد بين تضعيفها وتحسينها:
تردد
بعض أهل العلم في الحكم عليها، فضعفوها في موضع وحسنوها في موضع آخر، ومن هؤلاء:
النووي، وابن حجر.
رابعاً:
من نُسب إليه أنه يصححها أو يقبلها:
نُسب
إلى بعض أهل العلم من القدماء أنهم يقبلون أحاديث هذه الصلاة والعمل بها، ومن
هؤلاء: عبدالله بن المبارك، وأحمد، ومسلم، وأبو داود وابنه أبو بكر، والدارقطني،
وابن منده، والخطيب البغدادي، وأبو سعد السمعاني.
وهذه
نقولات أهل العلم في ذلك:
قال
عبدالله في «مسائل الإمام أحمد»: سمِعت أبي يَقول: "لم تثبت عِنْدِي صَلَاة
التَّسْبِيح، وَقد اخْتلفُوا فِي إِسْنَاده لم يثبت عِنْدِي، وَكَأَنَّهُ ضعف
عَمْرو بن مَالك البكْرِيّ".
وفي
«مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه» رقم (3353) قلت: صلاة التسبيح ما ترى فيها؟
قال
أحمد: "ما أدري. ليس فيها حديث يثبت".
قال
إسحاق: "لا أرى بأساً إن استعمل صلاة التسبيح على ما جاء أن النبي صلى الله
عليه وسلم أمر العباس رضي الله عنه بذلك؛ لأنه يُروى من أوجه مرسل، وإن بعضهم قد
أسنده، ويشد بعضه بعضاً، وقد ذكر فيه من الفضل ما ذكر".
وقال
ابن هانئ في «سؤالاته»: سئل (يعني أبا عبدالله) عن صلاة التسبيح؟ قال: "إسناده
ضعيف".
وقد
نقل الشيخ الموفق بن قدامة، عن أبي بكر بن الأثرم، قال: سألت أحمد عن صلاة التسبيح؟
فقال: "لا يعجبني، ليس فيها شيءٌ صحيح، ونفض يده كالمنكر".
·
بيان ابن تيمية أن الصلاة التي
استحبها ابن المبارك تختلف عن صلاة التسبيح المعروفة، وبيان عدم استحباب الأئمة
الأربعة لها:
وقال
ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (11/579): "وأجود ما يروى من هذه الصلوات حديث
صلاة التسبيح، وقد رواه أبو داود والترمذي. ومع هذا فلم يقل به أحد من الأئمة
الأربعة؛ بل أحمد ضعّف الحديث، ولم يستحب هذه الصلوات. وأما ابن المبارك فالمنقول
عنه ليس مثل الصلاة المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن الصلاة المرفوعة
إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيها قعدة طويلة بعد السجدة الثانية، وهذا يخالف
الأصول فلا يجوز أن تثبت بمثل هذا الحديث. ومن تدبر الأصول علم أنه موضوع".
وقال
في «منهاج السنة النبوية» (7/434): "وكذلك كل صلاة فيها الأمر بتقدير عدد
الآيات أو السور أو التسبيح، فهي كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث، إلا صلاة
التسبيح، فإن فيها قولين لهم، وأظهر القولين أنها كذب، وإن كان قد اعتقد صدقها
طائفة من أهل العلم، ولهذا لم يأخذها أحد من أئمة المسلمين، بل أحمد بن حنبل وأئمة
الحديث كرهوها وطعنوا في حديثها، وأما مالك وأبو حنيفة والشافعي وغيرهم فلم يستحبوها
بالكلية، ومن يستحبها من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما فإنما هو اختيار منهم، لا
نقل عن الأئمة.
وأما
ابن المبارك فلم يستحب الصفة المذكورة المأثورة التي فيها التسبيح قبل القيام، بل
استحب صفة أخرى توافق المشروع؛ لئلا تثبت سنة بحديث لا أصل له".
وقال
ابن القيم في «بدائع الفوائد» (4/114): "قال في رواية مهنا وعبدالله – أي عن
أحمد-: (صلاة التسبيح لم يثبت عندي فيها حديث) وقال في رواية أبي الحارث (صلاة
التسبيح حديث ليس لها أصل، ما يعجبني أن يصليها يصلي غيرها)، وقال علي بن سعيد:
ذكرت لأبي عبدالله: حديث عبدالله بن مرة من رواية المستمر بن الريان، فقال: (المستمر
شيخ ثقة) وكأنه أعجبه".
وقال
ابن مُفْلِح فِي «أُصُوله»: "ولم ير أَحْمد العَمَل بالخبر فِي صَلَاة
التَّسْبِيح لضَعْفه، فدلَّ على أَنه لا يعْمل بِهِ فِي الفضَائِل".
وقالَ
التِّرْمِذِيّ: "قد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير حَدِيث
فِي صَلَاة التَّسْبِيح، ولا يَصح مِنْهَا كَبِير شَيْء".
وقال
العقيلي: "ليس في صَلَاةِ التَسْبِيحِ حَدِيثٌ يَثْبُتُ".
وقال
الشوكانى في «السيل الجرار» - بعد أن نقل قول صاحب «حدائق الأزهار»: [والمسنون من
النفل، قد يؤكد كالرواتب، ويُخص كصلاة التسبيح]-: "فالعجب من المصنِّف حيث
يعمد إلى صلاة التسبيح التي اختلف النَّاس في الحديث الوارد فيها، حتى قال من قال
من الأئمة: إنَّه موضوع، وقال جماعة: إنه ضعيف لا يحل العمل به، فيجعلها أول ما
خصَّ بالتخصيص.
وكل
من له ممارسة لكلام النَّبوة لا بد أن يجد في نفسه من هذا الحديث ما يجد، وقد جعل
الله في الأمر سعة عن الوقوع فيما هو متردد ما بين الصحة والضعف والوضع، وذلك
بملازمة ما صحَّ فعله أو الترغيب في فعله صحة لا شك فيها ولا شبهة، وهو الكثير
الطيب".
·
ما فُهم عن أحمد أن رأيه تغيّر في
حكمه على هذه الصلاة! والرد على ذلك:
قال
أبو بكر الخلاّل في «العلل»: قال علي بن سعيد: سألت أحمد بن حنبل، عن صلاة التسبيح؟
قال: "ما يصح عندي فيها شيءٌ، فقلتُ: حديث عبدالله بن عمرو، قال: كل من يرويه
عن عمرو بن مالك - يعني وفيه مقال-! فقلت: وقد رواه المستمر بن الرّيان عن أبي
الجوزاء، قال: من حدّثك؟ قلت: مسلم - يعني ابن إبراهيم-، فقال: المستمر شيخ ثقة،
وكأنه أعجبه".
ففهم
بعض أهل العلم أن هذه الطريق نالت إعجاب الإمام أحمد، ورجع إليها!
قال
الحافظ ابن حجر في «أجوبة المشكاة»: وقد جاء عن أحمد أنه رجع عن ذلك، فقال علي بن
سعيد النسائي: سألت أحمد عن صلاة التسبيح؟ فساق القصة، ثم قال: "فهذا النقل
عن أحمد يقتضي أنه رجع إلى استحبابها، وأما ما نقله عن غيره، فهو معارض بمن قوّى
الخبر فيها، وعمل بها".
قلت:
ليس في القصة أي تصريح أنه رجع إلى استحبابها، وإنما لما روجع في أحاديثها وقيل له
إن المستمر رواه قال بأنه ثقة، وهذا لا يعني ما فهم عنه من أنه أعجبه أي أنه رجع
إلى استحبابها، فإعجابه بالطريق الذي هو من رواية المستمر لا يعني بالضرورة أنه
رجع عن رأيه، بل على العكس قد يُفهم أيضا استغرابه لطريق المستمر لأنه ثقة.
والذين
نقلوا عن أحمد تصريحه بإنكارها لا يُعارض بهذا الفهم غير الصريح.
·
رد النووي على من نسب تصحيح
الدارقطني لهذه الصلاة:
وقال
النووي في «الأذكار»: "قلت: قال الإِمام أبو بكر بن العربي في كتابه (الأحوذيّ
في شرح الترمذي): حديث أبي رافع هذا ضعيف ليس له أصل في الصحة ولا في الحسن، قال:
وإنما ذكره الترمذي لينبّه عليه لئلا يغترّ به، قال: وقول ابِن المبارك ليس بحجة،
هذا كلام أبي بكر بن العربي. وقال العُقَيْلي: ليس في صلاة التسبيح حديث يثبت،
وذكر أبو الفرج بن الجوزي أحاديثَ صلاة التسبيح وطرقها، ثم ضعَّفها كلَّها وبيّن
ضعفَها، ذكره في كتابه في الموضوعات.
وبلغنا
عن الإِمام الحافظ أبي الحسن الدارقطني رحمه الله أنه قال: (أصحُّ شيء في فضائل
السوَر فضل قل هو الله أحد، وأصحّ شيء في فضائل الصلوات فضل صلاة التسبيح)، وقد ذكرتُ
هذا الكلامَ مسندًا في كتاب (طبقات الفقهاء) في ترجمة أبي الحسن عليّ بن عمر
الدارقطني، ولا يلزم من هذه العبارة أن يكون حديثُ صلاة التسبيح صحيحًا، فإنهم
يقولون: هذا أصحُّ ما جاء في الباب، وإن كان ضعيفًا، ومرادُهم أرجحُه وأقلُّه
ضعفًا".
·
أقوال من صحح حديث صلاة التسبيح
من أهل العلم:
قال
البيهقي: "كان عبدالله بن المبارك يفعلها، وتداوله الصالحون بعضهم عن بعض،
وفيه تقوية للحديث المرفوع".
وقال
الزركشي في «تخريج أحاديث الرافعي»: "غلط ابن الجوزي بلا شك في إخراج حديث
صلاة التسبيح في الموضوعات، وهو صحيح وليس بضعيف فضلاً عن أن يكون موضوعاً، وابن
الجوزي يتساهل في الحكم بالوضع".
وقال
العلائي في «النقد الصحيح لما اعترض من أحاديث المصابيح»: "صلاة التسبيح: وهو
حديث حسن صحيح، رواه أبو داود وابن ماجه بسند جيد إلى ابن عباس رضي الله عنهما...
وقال
أبو حامد ابن الكرجي: سمعت مسلم بن الحجاج، وكتب معي هذا الحديث مع عبدالرحمن بن
بشر بن الحكم عن موسى بن عبدالعزيز، يقول: لا يروى في هذا الحديث إسناد أحسن من هذا.
وقال
الإمام أبو بكر بن أبي داود السجستاني: سمعت أبي يقول: ليس في صلاة التسبيح حديث
صحيح غير هذا - يعني حديث عكرمة عن ابن عباس.
وأخرجه
الحاكم في المستدرك على الصحيحين مصححاً له، ثم رواه أيضاً من طريق حيوة بن شريح
عن يزيد بن أبي حبيب عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه
وسلم علّم هذه الصلاة جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - فذكرها. ثم قال الحاكم:
هذا إسناد صحيح لا غبار عليه.
وهذان
التصحيحان كلاهما يعارض ذكر ابن الجوزي له في كتابه «الموضوعات»، وتبين أنه أخطأ
في ذلك، ولا بد هو ساقه من ثلاث طرق. منها اثنان في إسناد كل منهما رجل ضعيف،
والثالث: طريق ابن عباس المتقدمة.
واعترض
عليها بأن موسى بن عبدالعزيز مجهول، وليس هو كذلك. فقد روى عنه جماعة من الثقات،
وتقدم أن ابن معين والنسائي قالا فيه: لا بأس به. فليس بمجهول قطعاً، ثم لا يلزم
من كونه مجهولاً والآخرين ضعيفين أن يكون الحديث موضوعاً، لا سيما مع تصحيح من تقدم.
وللحديث طرق أخرى كثيرة غير ما ذكرنا.
فأما
ما ذكره السائل من أن الإمام أحمد بن حنبل طعن فيه. فقد ذكر الخلال في كتاب «العلل»
أن علي بن سعيد النسائي قال: سألت أحمد بن حنبل عن صلاة التسبيح فقال: لم يصح عندي
منها شيء. فقلت له حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.
فقال:
كل يرويه عن عمرو بن مالك النكري. فقلت: قد رواه أيضاً مستمر بن الريان. فقال: من
حدثك؟ قلت: مسلم بن إبراهيم. فقال: مسلم شيخ ثقة، وكأنه أعجبه.
فهذا
تقوية منه للحديث بسند آخر غير ما تقدم.
وقد
حكى الترمذي عن الإمام عبدالله بن المبارك ما يقتضي تقوية هذا الحديث. وذكر
استحباب فعلها من أصحابنا الروياني في البحر، والبغوي في شرح السنة. وذكرها من
أئمة الحنابلة جماعة، منهم: أبو الوفاء بن عقيل، والشيخ موفق الدين المقدسي،
وغيرهما. والله أعلم".
قلت:
ما نقل عن الإمام مسلم لا يعني أنه يرى صحة الحديث، وإنما هو أحسن إسناد من بين
الأسانيد الأخرى، فالحسن هنا بالنسبة لغيره، على أن لفظ الحسن عند المتقدمين يُطلق
غالبا على الغريب.
وأما
تصحيح الحاكم فسيأتي الكلام عليه إن شاء الله.
وقال
ابن المُلقن في «البدر المنير»: "وهذا الإِسْنَاد جيد، عبدالرَّحْمَن بن بشر
احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ، وَشَيْخه قَالَ فِيهِ يَحْيَى بن معِين: لَا بَأْس بِهِ،
وَشَيْخه وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين، وَكَانَ أحد الْعباد، وَسكت عَلَيْهِ أَبُو
دَاوُد فَهُوَ حسن أَو صَحِيح عِنْده، لَا جرم ذكره ابن السكن فِي «سنَنه
الصِّحَاح المأثورة»".
ثم
قال: "وأغْرب ابن الجَوْزِيّ فروَى هذَا الحَدِيث فِي «مَوْضُوعَاته» من
حَدِيث الْعَبَّاس وابْنه وَأبي رَافع وضعفها كلهَا... وَذكره لهَذَا الحَدِيث فِي
«مَوْضُوعَاته» من الغلو، وَله فِي هذَا الْكتاب أَشْيَاء تساهل فِي دَعْوَى
وَضعهَا، وحقها أَن تذكر فِي الْأَحَادِيث الضعيفة بل بَعْضهَا حسن أَو صَحِيح.
وَقد أنكر غير وَاحِد عَلَيْهِ فعله فِي هَذَا التصنيف. قالَ الْحَافِظ محب
الدَّين الطَّبَرِيّ: لم يكن لهُ أَن يذكر هذَا الحَدِيث فِي الموضوعات فقد خرجه
الحفَّاظ. قلت: مثل أبي دَاوُد وَابْن مَاجَه وَابن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم كَمَا
سلف قَالَ: وَله مثل هَذَا كثير - عَفا الله عَنهُ.
وَقد
رُوِيَ عَن ابن عَبَّاس أَنه كَانَ يواظب عَلَى فعلهَا بعد الزَّوَال فِي كل
جُمُعَة، قالَ الْعلمَاء: وَإِذا عمل الصَّحَابِيّ بِحَدِيث دلَّ عَلَى قوته،
وَلَا الْتِفَات إِلَى قَول من زهد فِيهَا، وَقد رُوِيَ عَن أبي دَاوُد أَنه قالَ:
عرضت السّنَن بعد فراغها عَلَى أَحْمد بن حَنْبَل فارتضاها وَلم يُنكر مِنْهَا
شَيْئا، وَصَلَاة التَّسْبِيح مثبتة فِيهَا، وشيوخ الحَدِيث قد ينقلون الحَدِيث من
طَرِيق صَحِيحَة، ثمَّ من طَرِيق ضَعِيفَة فيطلقون عدم الصِّحَّة، ويريدون مَا نقل
بِالطَّرِيقِ الضَّعِيف، وَجُمْهُور الْفُقَهَاء لم يمنعوا صَلَاة التَّسْبِيح
مَعَ اخْتلَافهمْ فِي الْمَنْع من تَطْوِيل الِاعْتِدَال. هذَا آخر كَلَام
الْحَافِظ - رَحِمَهُ اللَّهُ...".
قلت:
تخريج أبي داود وابن ماجه والحاكم للحديث لا يعني أنه ليس موضوعا في حقيقة الأمر،
فربما يرونه ضعيفا لا موضوعا، والحقيقة أنه موضوع.
وأما
ابن خزيمة فما يُنسب إليه فليس بصحيح، فإنه قبل أن يُخرّج الحديث في «صحيحه» قال: "باب
صَلَاة التَّسْبِيح إِن صَحَّ الخَبَر فَإِن فِي الْقلب منه".
وأما
ما رُوي أن ابن عباس كان يواظب عليها فليس بصحيح!
وعرض
أبي داود السنن على أحمد لا يعني أنه اطلع على كل حديث فيها، فإن ذلك يحتاج منه أن
يتفرغ لها، وهذا لم يحصل.
وما
نسبه لجمهور الفقهاء من عدم منعهم لها فليس بصحيح، وإنما بعض الفقهاء هم من
استحبوها، والجمهور على منعها، إلا إذا قُصد الفقهاء المتأخرون من الشافعية.
وقال
ابن طولون بعد أن ذكر بعض طرقها في «الترشيح»: "فهذا يدل على شهرة هذه الصلاة
واستفشائها بين الأئمة والرواة. وقد ذكرها الأئمة في مصنفاتهم، كأبي داود،
والترمذي، وابن ماجه، والطبراني، والدارقطني، والبيهقي، وأبي محمد البغوي، وأبي
المحاسن الروياني، وغيرهم من أئمة المسلمين، رحمة الله عليهم أجمعين.
وممن
صحح الحديث المشار إليه: أبو موسى محمد بن أبي بكر المديني وصنف فيه مصنفاً سماه: «كتاب
تصحيح حديث التسبيح من الحجة الواضحة والكلام الفصيح»، والحافظ أبو بكر محمد بن
أبي بكر عبدالعزيز بن ناصر الدين، وصنف فيه مصنفاً سماه: «الترجيح لحديث صلاة التسبيح»،
وقال فيه: (وللحديث طرق جمة معروفة بين الأئمة أمثلها في الاقتباس حديث عكرمة عن
ابن عباس)".
·
أقوال من استحبها من أهل العلم:
قال
النووي في «الأذكار»: "وقد نصَّ جماعةٌ من أئمة أصحابنا على استحباب صلاة
التسبيح هذه، منهم أبو محمد البغوي، وأبو المحاسن الروياني.
قال
الروياني في كتابه البحر في آخر كتاب الجنائز منه: اعلم أن صلاة التسبيح مُرَغَّب
فيها، يُستحبّ أن يعتادها في كل حين ولا يتغافل عنها، قال: هكذا قال عبدالله بن
المبارك وجماعة من العلماء. قال: وقيل لعبدالله بن المبارك: إن سهَا في صلاة
التسبيح أيُسبِّح في سجدتي السهو، عشرًا عشرًا؟ قال: لا، وإنما هي ثلاثمائة
تسبيحة.
وإنما
ذكرتُ هذا الكلام في سجود السهو، وإن كان قد تقدم لفائدة لطيفة، وهي أن مثل هذا
الإِمام إذا حكى هذا ولم ينكره أشعر بذلك بأنه يوافقه، فيكثر القائل بهذا الحكم،
وهذا الروياني من فضلاء أصحابنا المطّلعين، والله أعلم".
وقال
في «المجموع شرح المهذب» (4/54): "قالَ القَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَا
التَّهْذِيبِ وَالتَّتِمَّةِ وَالرُّويَانِيُّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ
مِنْ كِتَابِهِ الْبَحْرِ: يُسْتَحَبُّ صَلَاةُ التَّسْبِيحِ لِلْحَدِيثِ
الْوَارِدِ فِيهَا، وَفِي هذَا الِاسْتِحْبَابِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ حَدِيثَهَا
ضَعِيفٌ، وَفِيهَا تَغْيِيرٌ لِنَظْمِ الصَّلَاةِ الْمَعْرُوفِ فَيَنْبَغِي أَلَا
يُفْعَلَ بِغَيْرِ حَدِيثٍ، وَلَيْسَ حَدِيثُهَا بِثَابِتٍ".
قلت:
تقدم قول ابن تيمية أن من استحبها من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما فإنما هو اختيار
منهم، لا نقل عن الأئمة.
وممن
استحبها من أئمة الحنابلة ابن قدامة، فإنه قال في «المُغني» (2/98): "ولَمْ
يُثْبِتْ أَحْمَدُ الحَدِيثَ الْمَرْوِيَّ فِيهَا، ولمْ يَرَهَا مُسْتَحَبَّةً،
وَإِنْ فَعَلَهَا إنْسَانٌ فَلَا بَأْسَ؛ فَإِنَّ النَّوَافِلَ وَالْفَضَائِلَ لَا
يُشْتَرَطُ صِحَّةُ الْحَدِيثِ فِيهَا".
وكان
رحمه الله يواظب على صلاتها.
قال
الحافظ الضياء المقدسي في بيان اجتهاد ابن قدامة في العبادة: "كانَ لا يكادُ
يسمع دعاء إلّا حفِظه ودَعا بِهِ، ولا يسمع ذِكرَ صلاةٍ إلّا صَلَّاها، ولا يسمع
حديثا إلّا عَمِلَ به... وسمعتُ ولدَه أبا مُحَمَّد عَبْدالله يَقُولُ: كَانَ يسجد
سجدتين طويلتين: إحداهما في اللّيل والأخرى في النّهار يُطيل فيهما السُّجود،
ويُصلّي بعد أذان الظُّهر قبل سُنّتها في كلّ يومٍ ركعتين يقرأ في الأولى أول
«المؤمنين»، وفي الثّانية آخر «الفُرقان» من عقيْب سجدتها، وكان يُصلّي بين المغرب
والعشاء أربع ركعات يقرأ فيهنّ «السّجدة» و«ياسين» و«تبارك» و«الدّخان»، ويُصلّي
كلّ ليلة جمعة بين العشاءين صلاة التّسبيح ويُطيلها، ويصلّي يوم الجمعة ركعتين
بمائة قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ. وحكى ولده عَنْ أهله: أَنَّهُ كَانَ يُصلّي في كلّ
يوم وليلة اثنتين وسبعين ركعة نافلة".
وقالَ
المُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي «الأَحْكَام»: "جُمْهُورُ الْعُلْمَاءِ لَمْ
يَمْنَعَوْا مِنْ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ، مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي تَطْوِيلِ
الِاعْتِدَالِ، وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو
مُحَمَّدِ الْجُوَيْنِيُّ بِاسْتِثْنَاءِ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ مِنْ ذَلِكَ".
وقال
التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ: "صَلَاةُ التَّسْبِيحِ مِنْ مُهِمَّاتِ مَسَائِلِ الدِّينِ،
وَحَدِيثُهَا حَسَنٌ، نَصَّ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا أَبُو حَامِدٍ، وَصَاحِبُهُ
الْمَحَامِلِيُّ، وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَوَلَدُهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ،
وَصَاحِبُهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ".
وقال:
"لا يُغْتَرُّ بِمَا وَقَعَ فِي الْأَذْكَارِ – أي كتاب النووي-، فإِنَّهُ
اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَاعْتَمَدَ عَلَى
قَوْلِ الْعُقَيْلِيُّ: إِنَّ حَدِيثَهَا لَا يَثْبُتُ... والظَّنُّ بِهِ أَنَّهُ
لَوِ اسْتَحْضَرَ حَدِيثَ ابنِ عَبَّاسِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ،
وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ لِمَا قَالَ ذَلِكَ".
قال
ابن حجر معقباً: " قُلْتُ: والشَّيْخُ – أي النووي- وإِنْ ضَعَّفَ
الْحَدِيثَ، فَآخِرُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي التَّرْغِيبَ فِي فِعْلِهَا، فقد قالَ
بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الرُّويَانِيِّ: فيَكْثُرُ الْقَائِلُ بِهَذَا الحُكْمِ،
وَيُسْتَفَادُ مِمَّا قَالَهُ السُّبْكِيُّ زِيَادَةُ الْقَائِلِينَ بِهَا مِنَ
الشَّافِعِيَّةِ، وَمِمَّنْ لَمْ يَذْكُرَاهُ: القَاضِي حُسَيْنٌ، وَصَاحِبَاهُ
الْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي، وَمِنْ قُدَمَائِهِمْ: أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بنُ
أَحْمَدَ السَّرْخَسِيُّ، قال: ثَبَتَ ذِكْرُ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ فِي إِسْنَادٍ
حَسَنٍ، وَفِيهِ فَضْلٌ كَثِيرٌ، نَقَلَهُ عَنْهُ الطَّبَرِيُّ بِفَتْحِ
الْمُهْمَلَةِ، وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ
فِي الصَّلَاةِ، وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وقدِ اخْتَلَفَ كَلَامُ
الشَّيْخِ فِي هذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ فِي الْأَذْكَارِ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ،
وَفِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ: إِنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَفِي الْمَجْمُوعِ لهُ:
حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ، وَفِيهَا تَغْيِيرُ نُظُمِ الصَّلَاةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لا
تُفْعَلَ، وَفِي كِتَابِ التَّحْقِيقِ لَهُ نَحْوُ هذَا، وَأَجَابَ السُّبْكِيُّ
بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا تَغْيِيرٌ إِلَّا فِي الجُلُوسِ قَبْلَ الْقِيَامِ إِلَى
الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَكَذَا الرَّابِعَةِ، وَذَاكَ مَحَلُّ جَلْسَةِ
الِاسْتِرَاحَةِ، فَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا تَطْوِيلُهَا، لَكِنَّهُ بِالذِّكْرِ،
وَأَجَابَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّ النَّافِلَةَ يَجُوزُ
فِيهَا الْقِيَامُ وَالْقُعُودُ حَتَّى فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ، قُلْتُ:
وَظَهَرَ لِي جَوَابٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّ هذِهِ الْجَلْسَةَ ثَبَتَتْ
مَشْرُوعِيَّتُهَا فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ فَهِيَ كَالرُّكُوعِ الثَّانِي فِي
صَلَاةِ الْكُسُوفِ".
وفي
فتاوى ابن الصلاح لما سئل عن "إِمَام يُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلَاة التَّسْبِيح
المروية عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَالِي الْجمع وغَيرهَا، فَهَل
يُثَاب ويثابون على ذَلِك أم لَا؟ وَهل هِيَ من السّنة أم من الْبِدْعَة؟ وَهل صحت
عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من طَرِيق أم لَا؟ وَهل من أنكر على
مصليها مُصِيب أم مُخطئ؟ وعَلى تَقْدِير تخصيصها بليلة الجُمُعَة هَل هِيَ
صَحِيحَة فِي نَفسهَا أم لَا؟ وعَلى تَقْدِير صِحَّتهَا فَهَل يُثَاب ويثابون
عَلَيْهَا؟"
فأجَاب
بقوله: "نعم يُثَاب ويثابون اذا أَخْلصُوا، وَهِي سنة غير بِدعَة، وَهِي
مروية عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وحديثها حَدِيث حسن مُعْتَمد
مَعْمُول بِمثلِهِ لا سِيمَا فِي العِبَادَات والفضائل، وَقد أخرجه جمَاعَة من
أَئِمَّة الحَدِيث فِي كتبهمْ الْمُعْتَمدَة أَبُو دَاوُد السجسْتانِي وَأَبُو عِيسَى
التِّرْمِذِيّ وَأَبُو عبدالله بن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهم، وَأوردهُ
الْحَاكِم أَبُو عبدالله الْحَافِظ فِي صَحِيحه المُسْتَدْرك، وَله طرق يعضد
بَعْضهَا بَعْضًا، وَذكرها صَاحب التَّتِمَّة، وَالْمُنكر لَهَا غير مُصِيب وَلَا
يخْتَص بليلة الْجُمُعَة كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث، والله أعلم".
وكذلك
سُئِل الفقيه الشافعي الهيتمي - كما في الفتاوى الفقهية الكبرى – "عن صلاة
التسبيح حيث قيل باستحبابها على الراجح على ما في أحاديثها من الضعف، هل هي من
النوافل المطلقة أو المقيدة باليوم أو الجمعة أو الشهر أو السنة أو العمر كما جاء
في حديث العباس - رضي الله تعالى عنه - «إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل»
إلخ، وإذا قلتم إنها من النوافل المقيدة يكون قضاؤها مستحبا، وتكرارها في اليوم أو
الليلة غير مستحب أم لا، وإذا قلتم إنها من النوافل المطلقة يكون قضاؤها غير
مستحب، وتكرارها في اليوم مستحب أم لا، وهل التسبيح فيها فرض أو بعض أو هيئة، وعلى
كل الأحوال لو نواها، ولم يسبح أو عكس تكون صلاة تسبيح ويترتب عليها ثوابها أو لا،
وهل يفرق في ترك التسبيح بين العمد أو السهو أم لا، وهل إذا سها عن التسبيح في ركن
وانتقل إلى ما بعده وتذكر يرجع إليه ليسبح فيه ويلغي ما بعده أو يتدارك ما فاته من
التسبيح في حال سهوه سواء كان تسبيح ركن أو أكثر ويأتي به في محل التذكر مع تسبيح
ذلك الركن الذي يذكر فيه أم لا، وهل التسبيح فيها تابع للقراءة في السرية والجهرية
أم يسر به في الليل والنهار كسائر أذكار الصلوات، وهل تجب بالنذر، وتكون أفضل من
غير المنذورة أم لا، وهل الفصل فيها أفضل من الوصل مع قوله في الحديث: أربع ركعات
أم الوصل أفضل أم كيف الحال وما حكم الله سبحانه وتعالى في ذلك أفتونا وابسطوا
الجواب أثابكم الله الجنة بكرمه آمين؟"
فأجاب
بقوله: "الحق في حديث صلاة التسبيح أنه حسن لغيره، فمن أطلق تصحيحه كابن
خزيمة والحاكم يحمل على المشي على أن الحسن يسمى لكثرة شواهده صحيحا، ومن أطلق
ضعفه كالنووي في بعض كتبه ومن بعده أراد من حيث مفردات طرقه. ومن أطلق أنه حسن
أراد باعتبار ما قلناه، فحينئذ لا تنافي بين عبارات الفقهاء والمحدثين المختلفة في
ذلك حتى إن الشخص الواحد يتناقض كلامه في كتبه فيقول في بعضها حسن، وفي بعضها ضعيف
كالنووي وشيخ الإسلام العسقلاني.
ومحمل
ذلك النظر لما قررته فاعلمه والذي يظهر من كلامهم أنها من النفل المطلق فتحرم في
وقت الكراهة، ووجه كونها من المطلق أنه الذي لا يتقيد بوقت ولا سبب وهذه كذلك
لندبها كل وقت من ليل أو نهار كما صرحوا به ما عدا وقت الكراهة لحرمتها فيه كما
تقرر، وعبارة الروياني: ويستحب أن يعتادها في كل حين، ولا يتغافل عنها، وعبارة
غيره ينبغي الحرص عليها وما يسمع بعظيم فضلها ويتهاون فيها إلا متهاون بالدين وعلم
من كونها مطلقة أنها لا تقضى لأنها ليس لها وقت محدود حتى يتصور خروجها عنه وتفعل
خارجه لما أفاده الخبر.
وكلام
أصحابنا أن كلّ وقت غير وقت الكراهة وقت لها وأنه يسن تكرارها، ولو مرات متعددة في
ساعة واحدة، والتسبيحات فيها هيئة كتكبيرات العيدين بل أولى فلا يسجد لترك شيء
منها، ولو نواها ولم يسبح فالظاهر صحة صلاته بشرط أن لا يطول الاعتدال ولا الجلوس
بين السجدتين ولا جلسة الاستراحة إذ الأصح المنقول أن تطويل جلسة الاستراحة مبطل
كما حررته في شرح العباب وغيره.
وإنما
اشترطت أن لا يطول هذه الثلاثة؛ لأنه إنما اغتفر تطويلها بالتسبيح الوارد فحيث لم
يأت به امتنع التطويل، وصارت نافلة مطلقة بحالها لكنها لا تسمى صلاة تسبيح، فإن
قلت: كيف ينوي صفة ثم يتركها؟ قلت: لا بعد في ذلك؛ لأن تلك الصفة كمال، وهو لا
يلزم بنيته ألا ترى أن من نوى سجود السهو فسجد واحدة ثم طرأ له الاقتصار عليها جاز
بخلاف ما لو نوى الاقتصار على سجدة ابتداء لنيته ما لا يجوز حينئذ..." إلخ
كلامه.
وقال
ابن ناصر الدين الدمشقي: "الفضائل المرغب في تحصيلها، التي وردت الأحاديث
بجملها وتفاصيلها، منها ما صحح الأئمة أسانيده ومتونه، ومنها الملحق بالصحيح
احتجاجاً وإن كان دونه، ومنها غير ذلك من الأنواع. وشرها أخبار الوضاع التي لا يحل
رواية الموضوع منها برفعه إلا مع النص على اختلافه أو البيان لوضعه، أما أخبار من
ضعفوه انتقاداً إن جاءت في فضائل الأعمال تساهلوا فيها إسناداً.
وقد
روي عن جم من السلف وجمع من الخلف فيما يروى عنهم وننقل منهم: ابن المبارك وابن
مهدي وأحمد بن حنبل أنهم تساهلوا في رواية الحديث الضعيف الذي في إسناده مقال، إذا
كان في الترغيب والترهيب والقصص والأمثال، والمواعظ وفضائل الأعمال. وكما تجوز
رواية الحديث الضعيف الوارد في بعض هذه الأمور، كذلك يجوز العمل به عند الجمهور.
ومن
أحاديث الترغيب في الثواب المروية من طرق في هذا الباب: حديث صلاة التسبيح المرغب
في فعلها، لإحراز أجرها وفضلها. ولحديثها طرق مروية، غالبها غير قوية، وأمثلها
حديث أبي الفضل العباس من رواية ابنه عبد الله بن العباس رضي الله تعالى عنهما".
وقال
ابن الجزري في «النشر في القراءات العشر»: "وقد نصّ على استحباب صلاة التسبيح
غير واحد من أئمة العلم كابن المبارك وغيره مع أن أكثر الحفاظ لا يثبتون حديثها،
فقال القاضي حسين وصاحب التهذيب والتتمة والروياني في أواخر كتاب الجنائز من كتاب
البحر: يستحب صلاة التسبيح للحديث الوارد، وذكرها أيضاً صاحب المنية في الفتاوى من
الحنفية، وقال صدر القضاة في شرحه للجامع الصغير في مسألة (ويكره التكرار وعد الآي):
وما روي من الأحاديث أن من قرأ في الصلاة الإخلاص كذا مرة ونحوه فلم يصححها
الثقات، أما صلاة التسبيح، فقد أوردها الثقات، وهي صلاة مباركة، وفيها ثواب عظيم،
ومنافع كثيرة، ورواها العباس، وابنه وعبدالله بن عمرو".
وقال
الفقيه الحنفي ابن عابدين في «حاشيته»: "ووهم من زعم وضعه – أي حديث صلاة
التسبيح- وفيها ثواب لا يتناهى، ومن ثم قال بعض المحققين لا يسمع بعظيم فضلها
ويتركها إلا متهاون بالدين والطعن في ندبها بأن فيها تغييراً لنظم الصلاة إنما
يتأتى على ضعف حديثها، فإذا ارتقى إلى درجة الحسن أثبتها".
قلت:
يشير إلى ابن الجوزي وابن تيمية لقولهما أنها موضوعة، ويرد على النووي حيث قال بأن
فيها تغييرا لنظم الصلاة.
وقال
ابن طولون في «الترشيح لبيان صلاة التسبيح»: "فهذا تعليق سميته «الترشيح
لبيان صلاة التسبيح»، سألني فيه العلامة شيخ الحنفية برهان الدين إبراهيم بن محمد
بن عون الشاغوري، أمتع الله بحياته، ونفع بعلومه وبركاته، لما وقف على صلاة
التسبيح في «كتاب الغنية» لمولانا خاتمة المجتهدين نجم الحق والدين العزميني - تغمده
الله برحمته وأسكنه دار جنته- حيث قال في باب النوافل: أما صلاة التسبيح فقد
أوردها الثقات، وهي صلاة مباركة، فيها ثواب عظيم ونفع جسيم...".
وقال
اللكنوي الهندي في «الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة»: "أَحْبَبْت أَن
أذكر صَلَاة وَردت من فَضلهَا أَحَادِيث ثَابِتَة وولعت بذكرها طَائِفَة عالية
وَهِي شَبيهَة بالصلوات الْمَوْضُوعَة، ومن ثُمَّ اشْتبهَ على بعض الْمُتَقَدِّمين
فَظن أحاديثها مَوْضُوعَة، وَمِنْهُم ابن الجَوْزِيّ وابن تَيْمِية وقلدهما فِي
عصرنا هذَا من قلدهما مِمَّن يظنّ أَن جملَة أَقْوَال ابن تَيْمِية كالوحي
النَّازِل من السَّمَاء وإِن كَانَ رد عَلَيْهِ بالبراهين والبينات الساطعة جمعاً
من الْعلمَاء ألا هي صَلَاة التَّسْبِيح الفائقة الراحجة على غيرهَا من التطوعات
بِأَعْلَى تفوق وأثْنى تَرْجِيح".
·
اختلاف كلام النووي وابن حجر
فيها!
وقد
اختلف كلام النووي في استحبابها فنقل في «الأذكار» استحبابها عن بعض الشافعية
كالبغوي والروياني، ولم يُعقّب بشيء، وقال في «تهذيب الأسماء واللغات»: "وأما
صلاة التسبيح المعروفة: فسميت بذلك لكثرة التسبيح فيها على خلاف العادة في غيرها،
وقد جاء فيها حديث حسن في كتاب الترمذي وغيره، وذكرها المحاملي وصاحب التتمة وغيرهما
من أصحابنا، وهي سنة حسنة، وقد أوضحتها أكمل إيضاح، وسأزيدها إيضاحا في شرح المهذب
مبسوطة إن شاء الله تعالى".
لكنه
في «شرح المهذب» منعها، فدلّ ذلك على أن رأيه قد تغير فيها، كان يرى استحبابها ثم
رد هذا الاستحباب.
قال
في «المجموع شرح المهذب» (4/54): "قالَ القاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَا
التَّهْذِيبِ وَالتَّتِمَّةِ وَالرُّويَانِيُّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ
مِنْ كِتَابِهِ البَحْرِ: يُسْتَحَبُّ صَلَاةُ التَّسْبِيحِ لِلْحَدِيثِ
الْوَارِدِ فِيهَا، وَفِي هذَا الِاسْتِحْبَابِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ حَدِيثَهَا ضَعِيفٌ،
وَفِيهَا تَغْيِيرٌ لِنَظْمِ الصَّلَاةِ الْمَعْرُوفِ فَيَنْبَغِي أَلَا يُفْعَلَ
بِغَيْرِ حَدِيثٍ، وَلَيْسَ حَدِيثُهَا بِثَابِتٍ".
قال
الحافظ ابن حجر في «التلخيص الحبير»: "وقد اختلف كلام الشيخ محيي الدين
فوهّاها في «شرح المهذب»، فقال: حديثها ضعيف، وفي استحبابها عندي نظر؛ لأن فيها
تغييرًا لهيئة الصلاة المعروفة، فينبغي أن لا تفعل، وليس حديثها بثابت.
وقال
في «تهذيب الأسماء واللغات»: قد جاء في صلاة التسبيح حديثٌ حسن في كتاب الترمذي
وغيره، وذكره المحاملي وغيره من أصحابنا، وهي سنة حسنة.
ومال
في «الأذكار» أيضًا إلى استحبابه. قلت: بل قوّاه واحتجّ له، والله أعلم".
قلت:
النووي – كما سبق من كلامه- حسنها ثم قال بأنه سيزيد ذلك بياناً في شرح المهذب،
وطالما أنه حكم بضعفها في ذلك الكتاب، فالأصل أن نعتمد رأيه الأخير في شرح المهذب،
وهو تضعيفها.
وكما
اختلف فيها كلام النووي كذلك اختلف فيها كلام الحافظ ابن حجر، فحسّن حديثها في
كتاب «الخصال المكفرة»، وفي «أماليه» التي كانت في تسعة مجالس، وأفردها تصنيفاً.
قال
في «الخصال المكفرة»: "قد أساء ابن الجوزي بذكره إياه في الموضوعات".
وقال في «أماليه»: "وردت صلاة التسبيح من حديث عبدالله بن عباس وأخيه الفضل
وأبيهما العباس، وعبد الله بن عمر، وأبي رافع، وعلي بن أبي طالب، وأخيه جعفر،
وابنه عبدالله بن جعفر، وأم سلمة، والأنصاري غير مسمى، وقد صححه ابن خزيمة،
والحاكم، وابن منده، وألف فيه كتاباً، والآجري، والخطيب، وأبو سعد السمعاني، وأبو
موسى المديني، والديلمي، وأبو الحسن بن المفضل، وابن الصلاح، والمنذري، والنووي في
تهذيب الأسماء واللغات، والسبكي وآخرون".
وقال
أيضاً: "ومَجْمُوعُ مَا ذَكَرَهُ – أي ابن الجوزي- لا يَقْتَضِي ضَعْفَ
الْحَدِيثِ فَضْلًا عَنِ ادِّعَاءِ بُطْلَانِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْعُقَيْلِيِّ:
لَا يَثْبُتُ، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ نَفْيَ الصِّحَّةِ فَلَا يَنْتَفِي الحُسْنُ
أَوْ أَرَادَ وَصْفَهُ لِذَاتِهِ فَلَا يَنْتَفِي بِالمَجْمُوعِ، وَأَمَّا
تَأْوِيلُ الشَّيْخِ كَلَامَ الدَّارَقُطْنِيِّ فَلَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُ
الِاحْتِمَالَيْنِ، لَكِنْ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ التَّقْوِيَةِ بِمُوَافَقَةِ مَنْ
قَوَّاهُ، وَقَدْ أَطْلَقَتْ عَلَيْهِ الصِّحَّةَ أَوِ الحُسْنَ جَمَاعَةٌ مِنَ
الْأَئِمَّةِ مِنْهُمْ: أَبُو دَاوُدَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى
عِكْرِمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، وَأَبُو سعدٍ
السَّمْعَانِيُّ، وَأَبُو مُوسَى المَدِينِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ
الْمُفَضَّلِ، وَالْمُنْذِرِيُّ، وَابنُ الصَّلَاحِ".
وضعّفه
في «التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير» فقال: "والحق أن طرقه
كلها ضعيفة، وإن كان حديث ابن عباس يقرب من شرط الحسن، إلا أنه شاذ لشدّة الفردية
فيه، وعدم المتابع والشاهد من وجه مُعتبر، ومخالفة هيئتها لهيئة باقي الصلوات. وموسى
بن عبدالعزيز وإن كان صادقًا صالحًا، فلا يحتمل منه هذا التفرد. وقد ضعفها ابن
تيمية والمزي، وتوقف الذهبي. حكاه ابن عبد الهادي عنهم في «أحكامه»".
·
اختلاف الفُقَهَاءُ في صَلَاةِ
التَّسْبِيحِ:
قال
ابن حجر في خاتمة أماليه: "ذكرَ زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ - وهُوَ
مِنْ طَبَقَةِ التِّرْمِذِيِّ- اختِلَافَ الفقهاء فِي صَلَاةِ الَّسْبِيحِ،
فقَالَ: لا أَعْرِفُ لِلشَّافِعِيِّ، ولا لِمَالِكٍ، ولا لِلْأَوْزَاعِيِّ، ولا
لِأَهْلِ الرَّأْي فِيهَا قوْلا، وقالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: إِنْ فَعَلَ
فَحَسَنٌ، وَسَقَطَ أَحْمَدُ مِنْ نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ، وَنَقَلَ صَاحِبُ
الْفُرُوعِ، أَنَّ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ فَنَفَضَ يَدَهُ، وقالَ:
لَمْ يَصِحَّ فِيهَا شَيْءٌ، وَلَمْ يَرَ اسْتِحْبَابَهَا، فَإِنْ فَعَلَهَا
إِنْسَانٌ فَلَا بَأْسَ، لِأَنَّ الْفَضَائِلَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الصِّحَّةُ،
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ صَلَاةِ
التَّسْبِيحِ، فقَالَ: مَا يَصِحُّ فِيهَا عِنْدِي شَيْءٌ، فَقُلْتُ: حَدِيثُ
عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرٍو؟ قالَ: كُلٌّ يَرْوِيهِ، عَنْ عَمْرِو بنِ مَالِكٍ،
يَعْنِي: فِيهِ مَقَالٌ، فقلت: قد رَوَاهُ المُسْتَمِرُّ بْنُ الرَّيَّانِ، عَنْ
أَبِي الجَوْزَاءِ، قالَ مَنْ حَدَّثَكَ؟، قلت: مُسْلِمٌ، يَعْنِي ابنَ
إِبْرَاهِيمَ، فقَالَ: المُسْتَمِرُّ شَيْخٌ ثِقَةٌ، وَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ،
فَكَأَنَّ أَحْمَدُ لَمْ يَبْلُغْهُ ذَلِكَ الْحَدِيثُ أَوَّلًا إِلَّا مِنْ
حَدِيثِ عَمْرِو بنِ مَالِكٍ وَهُوَ النُّكْرِيُّ، فَلَمَّا بَلَغَهُ مُتَابَعَةُ
الْمُسْتَمِرِّ أَعْجَبَهُ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ تَضْعِيفِهِ، وقدْ
أَفْرَطَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَتْبَاعِ أَحْمَدَ كَابْنِ الْجَوْزِيِّ،
فَذَكَرَ حَدِيثَهَا فِي الْمَوْضُوعَاتِ، وَتَقَدَّمَ الرَّدُّ عَلَيْهِ، وكابنِ
تَيْمِيَةَ، فَجَزَمَ بِأَنَّ حَدِيثَهَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بِلْ بَاطِلٌ، قالَهُ
ابنُ عَبْدِ الْهَادِي، وَنَقَلَ عَنْهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ أَنَّ خَبَرَها
كَذِبٌ، وَنَصَّ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُهُ عَلَى كَرَاهَتِهَا، وقال فِي الوَسِيطِ:
قالَ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَا مِنَ الْحُفَّاظِ: أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ فِي
صَلَاةِ التَّسْبِيحِ أَنَّ حَدِيثَهَا كَذِبٌ، وَلَمْ يَقُلْ بِهَا إِلَّا
طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ.
قُلْتُ:
بَلْ أَثْبَتَهَا أَئِمَّةُ الطَّرِيقَيْنِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، كَمَا تَقَدَّمَ
التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ، وَالحَافِظُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَظُنُّهُ: ابنَ
تَيْمِيَةَ، أَوْ مَنْ أَخَذَ عَنْهُ، وَقَدْ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الْأَحْكَامِ:
جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ لَمْ يَمْنَعُوا مِنْهَا، وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ
الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى بِهَا
بَأْسًا، وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَمْ أَرَ عَنْهُمْ شَيْئًا، إِلَّا مَا
نَقَلَهُ السُّرُوجِيُّ عَنْ مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ فِي مَذْهَبِهِمْ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ،
وَثَوَابُهَا عَظِيمٌ".
·
أقدم من نُقل عنه فعل هذه الصلاة:
قال
ابن حجر في خاتمة «أمالي الأذكار في فضل صلاة التسبيح»: "وأَقْدَمُ من نُقِلَ
عنه فِعْلُهَا: أَبُو الْجَوْزَاءِ، بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ وَزَايٍ، اسْمُهُ أَوْسُ
بنُ عَبْدِاللَّهِ الْبَصْرِيُّ، من ثقات التَّابِعِينَ، أَخْرَجَهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا نُودِيَ
بِالظُّهْرِ أَتَى المَسْجِدَ، فَيَقُولُ لِلْمُؤَذِّنِ: لا تُعْجِلْنِي عَنْ رَكَعَاتٍ،
فَيُصَلِّيهَا بَيْنَ الأَذَانِ والإِقَامَةِ، وَكَذَا وَرَدَ النَّقْلُ، عن
عَبْدِاللَّهِ بنِ نَافِعٍ، وَمَنْ تَبِعَهُ، وقالَ عَبْدُالعَزِيزِ بنُ أَبِي
رَوَّادٍ - وهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ، - وهُوَ أَقْدَمُ
مِنِ ابنِ المُبَارَكِ-: (من أَرَادَ الجَنَّةَ فعَلَيْهِ بِصَلَاةِ التَّسْبِيحِ)،
وَمِمَّنْ جَاءَ عَنْهُ التَّرْغِيبُ فِيهَا وَتَقْوِيَتُهَا: الْإِمَامُ أَبُو
عُثْمَانَ الْحِيرِيُّ الزَّاهِدُ، قالَ: (مَا رَأَيْتُ لِلشَّدَائِدِ والغُمُومِ
مِثْلَ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ)، وقالَ أَبُو مَنْصُورٍ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ
الفِرْدَوْسِ: (صَلَاةُ التَّسْبِيحِ أَشْهَرُ الصَّلَوَاتِ وَأَصَحُّهَا
إِسْنَادًا)".
·
الأحاديث الواردة في «صلاة
التسبيح»:
رُوي
حديث «صلاة التسبيح» عن عدد من الصحابة، وهم: علي بن أبي طالب، وجعفر بن أبي طالب،
والعبّاس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، وعبدالله بن عباس، وعبدالله بن عمرو بن
العاص، وأبو رافع، وعبدالله بن عمر بن الخطاب، وأم سلمة.
·
حديث عليّ بن أبي طالب:
1-
روى الخطيب البغدادي في «جزء ذكر صلاة التسبيح» برقم (1) قال: أخبرنا أبو الحسن:
علي بن يحيى بن جعفر - إمام المسجد الجامع بأصبهان، وما كتبته إلا عنه-، قال: حدثنا
أبو القاسم: سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، قال: حدثنا أبو حنيفة: محمد بن حنيفة
الواسطي، قال: حدثنا الحسن بن جبلة الشيرازي، قال: حدثنا أبو منصور: أيوب بن
سليمان الرقيّ، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن سفيان الثوري، عن عبدالأعلى، عن أبي
عبدالرحمن - هو السُّلمي-، عن عليّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من
صلى أربع ركعات في يوم الجمعة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب عشراً...». ثم ذكر
حديث صلاة التسبيح بطوله.
قال
الخطيب: "هكذا رواه لنا علي بن يحيى، ولا أعلم أحداً ذكر تخصيص صلاة التسبيح
بيوم الجمعة إلا في هذه الرواية، والله أعلم".
قلت:
هذا إسناد معلول!
محمد
بن حنيفة بن محمد بن ماهان أبو حنيفة القصبي الواسطي، قال فيه الدارقطني:
"ليس بالقوي" [سؤالات الحاكم للدارقطني: ص151].
وشيخه
الحسن بن جبلة مجهول يتفرد بأحاديث غرائب ومناكير!
وعبدالأعلى
بن عامر الثعلبي الكوفي: ضعيف ليس بالقوي.
قال
ابن عدي: "يُحدث عن سعيد بن جبير، وابن الحنيفة، وأبي عَبْدالرَّحْمَنِ
السلمي، وغيرهم، بأشياء لا يُتابع عليها".
2-
روى الخطيب البغدادي في «جزء ذكر صلاة التسبيح» برقم (2) قال: أخبرني القاضي أبو
القاسم: علي بن المحسن بن علي التنوخي، قال: حدثنا أبو محمد: سهل بن أحمد بن
عبدالله الديباجي، قال: حدثنا أبو علي: محمد بن محمد بن الأشعث – بمصر-، قال: حدثنا
أبو الحسن: موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر، عن أبيه، عن جدّه علي بن
الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب: تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل
بين عينيه، فلما جلسا، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أعطيك؟ ألا
أمنحك؟ ألا أحبوك؟».
قال:
بلى يا رسول الله! قال: «تصلي أربع ركعات: تقرأ في كل ركعة: الحمد، وسورة، ثم
تقول: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) خمس عشرة مرة، ثم
تركع، فتقول عشراً، ثم ترفع رأسك، فتقول عشراً، ثم تسجد، فتقول عشراً، ثم ترفع
رأسك، فتقول عشراً، ثم تسجد، فتقول عشراً، ثم ترفع، فتقول عشراً، فذلك خمس وسبعون
مرة، في كل ركعة، فإن استطعت أن تصليها في كل يوم، فافعل، فإن لم تستطع في كل يوم،
ففي كل جمعة، فإن لم تستطع في كل جمعة، ففي كل شهر، فإن لم تستطع، ففي كل سنة، فإن
لم تستطع في كل سنة، ففي عمرك مرة، فإذا فعلت ذلك، غفر الله ذنبك: كبيره وصغيره،
خطأه وعمده، قديمه وحديثه».
كذا
رواه الخطيب ولم يزد على ذلك، وهو إسناد موضوع!
قال
ابن عدي في «الكامل» (6/301): "محمد بن محمد بن الأشعث أبو الحسن الكوفي مقيم
بمصر، كتبت عنه بها، حمله شدة ميله إلى التشيع أن أخرج لنا نسخته قريباً من ألف
حديث عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده إلى أن ينتهي إلى
علي والنبي صلى الله عليه وسلم، كتاب يخرجه إلينا بخط طري على كاغد جديد فيها
مقاطيع وعامتها مسندة مناكير كلها أو عامتها، فذكرنا روايته هذه الأحاديث عن موسى
هذا لأبي عبدالله الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسن بن علي بن
أبي طالب - وكان شيخاً من أهل البيت بمصر، وهو أخ الناصر، وكان أكبر منه - فقال
لنا: كان موسى هذا جاري بالمدينة أربعين سنة، ما ذكر قط أن عنده شيئاً من الرواية
لا عن أبيه ولا عن غيره".
ثم
ساق له ابن عدي جملة موضوعات ثم قال: "وهذه النسخة كتبتها عنه، وهي قريبة من
ألف حديث، وكتبت عامتها عنه، وهذه الأحاديث وغيرها من المناكير في هذه النسخة
وفيها أخبار مما يوافق متونها متون أهل الصدق، وكان متهماً في هذه النسخة ولم أجد
له فيها أصلاً، كان يخرج إلينا بخط طري وكاغد جديد".
وقال
السهمي: سألت الدارقطني عنه، فقال: "آية من آيات الله، وضع ذاك الكتاب - يعني
العلويات".
قال
ابن حجر في «اللسان»: "وقد وقفت على بعض الكتاب المذكور وسماه السنن ورتبه على
الأبواب، وكله بسند واحد، وأورد الدارقطني في «غرائب مالك» من روايته عن محمد بن
محمد بن سعدان البزاز عن القعنبي حديثاً، وقال: كان ضعيفاً".
3-
وقد جاء حديث علي بن أبي طالب هذا من مراسيل عمر مولى غفرة عنه.
قال
أبو الحسن الدارقطني في «مصنفه في صلاة التسبيح»: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن بن
أسامة، قال: حدثنا بشر بن موسى، قال: حدثنا إبراهيم الأرقمي، قال: حدثنا إسحاق بن
إبراهيم بن نسطاس، عن عمر بن عبدالله مولى غفرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لعلي بن أبي طالب: «يا علي ألا أهدي لك؟، ألا أعطيك؟، ألا أمنحك؟» قال: حتى
ظننت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني جبال تهامة ذهباً، قال: «إذا قمت إلى
الصلاة فقل: الله أكبر، والحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، تقولها خمس
عشرة مرة»، ثم ذكر الحديث إلى آخره.
قلت:
مع إرساله هو منكر!
وإسحاق
بن إبراهيم بن نسطاس أبو يعقوب، قال فيه البخاري: "فيه نظر"، وفي موضع:
"منكر الحديث".
وقال
أبو حاتم: "هو شيخ ليس بالقوي".
وقال
النسائي: "ضعيف".
وقال
ابن حبان: "كان يخطئ، لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد".
وعمر
مولى غفرة، قال فيه أحمد: "ليس به بأس، ولكن أكثر حديثه مراسيل".
وقال
ابن معين: "ضعيف".
وقال
أبو حاتم: "يُكتب حديثه".
وقال
النسائي: "ضعيف".
وقال
ابن حبان: "كان ممن يقلب الأخبار ويروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات،
لا يجوز الاحتجاج به، ولا ذكره في الكتب إلا على سبيل الاعتبار".
والخلاصة
أن هذا الحديث لم يصح عن عليّ – رضي الله عنه- من أيّ طريق.
·
حديث جعفر بن أبي طالب:
4-
روى الخطيب البغدادي في «جزء ذكر صلاة التسبيح» برقم (3) قال: أخبرني أبو أحمد:
عبدالوهاب بن الحسن الحربي، قال: أخبرنا أبو عبدالله: الحسين بن أحمد بن محمد
الهروي، قال: حدثنا عبدالرحمن بن محمد بن إدريس الحنظلي الرازي، قال: حدثنا أبي، قال:
حدثني أبو غسان: معاوية بن عبدالله الليثي - بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم-،
قال: حدثنا عبدالله بن نافع، عن عبدالله بن عمر بن حفص بن عاصم، عن نافع، عن عبدالله
بن جعفر بن أبي طالب، عن أبيه جعفر بن أبي طالب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لجعفر بن أبي طالب: «ألا أهب لك، ألا أنحلك؟». فقال جعفر: بلى يا رسول الله! قال:
«تصلي أربع ركعات، تقرأ بأم القرآن وسورة، ثم تقول بعد ذلك: (سبحان الله، والحمد
لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) خمس عشرة مرة...». فذكر الحديث؛ يعني: في صلاة
التسبيح.
قلت:
هذا إسناد منكر!
عبدالله
بن نافع هو الصائغ صاحب الإمام مالك، قال البخاري: "في حفظه شيء".
وقال
أحمد: "لم يكن صاحب حديث، كان صاحب رأي مالك، وكان يفتي أهل المدينة برأي
مالك، ولم يكن في الحديث بذاك".
وقال
أبو حاتم: "ليس بالحافظ، هو ليّن، تعرف حفظه وتنكر، وكتابه أصح".
ووثقه
ابن معين، وقال أبو زرعة الرازي: "لا بأس به".
وعبدالله
بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ضعيف الحديث، لا يُحتج به.
روى
أحمد بن أبي مريم عن ابن معين قال: "ليس به بأس، يُكتب حديثه".
وقال
الدارمي: قلت لابن معين، كيف حاله في نافع؟ قال: "صالح، ثقة".
وقال
الفلاّس: "كان يحيى القطان لا يُحدّث عنه".
وقال
أحمد بن حنبل: "صالح لا بأس به".
وقال
ابن المديني: "ضعيف".
وقال
يعقوب بن شيبة: "ثقة صدوق، في حديثه اضطراب".
وقال
صالح جزرة: "ليّن مختلط الحديث".
وقال
الترمذي في «العلل الكبير» عن البخاري: "ذاهب، لا أروي عنه شيئاً"، وقال
البخاري في «التاريخ الكبير»: "كان يحيى بن سعيد يضعفه".
وقال
النسائي: "ليس بالقوي".
وقال
ابن حبان: "من عباد أهل المدينة قد غلب عليه التقشف والعبادة حتى كان يقلب
الأخبار ولا يعلم، فلما كثر ذلك منه في أخباره بطل الاحتجاج بآثاره".
5-
وقد رُوي علي عن أخيه جعفر!
أخرجه
أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري في كتابه «الدعوات» من حديث أبي علي
محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي، قال: حدثنا أبو الحسن موسى بن إسماعيل بن موسى بن
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن
جده جعفر، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب قال: لما
قدم جعفر بن أبي طالب تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبّل بين عينيه، فذكر
بنحو ما تقدم عن علي سواء.
قلت:
كذا عن علي: "لما قدم جعفر تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم فقبّل بين
عينيه.."!
وقد
تقدّم الحديث أيضاً من رواية محمد بن الأشعث: "عن علي بن أبي طالب: تلقاه
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل بين عينيه"!
فمرة
جعله من مسند عليّ، ومرة من مسند جعفر يرويه عنه عليّ
وابن
الأشعث هذا كذّاب، ونسخته منكرة موضوعة!
6-
روى يحيى بن محمد بن صاعد، قال: حدثنا محمد بن عبدالملك، قال: حدثنا الحسن بن
قتيبة، قال: حدثنا عبدالله بن زياد - وهو: ابن سمعان-، قال: حدثنا معاوية وعون
ابنا عبدالله بن جعفر، عن أبيهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لجعفر:
«ألا أعطيك؟، ألا أمنحك؟، الا أحبوك؟»، وذكر الحديث بطوله.
ذكر
الدارقطني في مصنفه في «صلاة التسبيح»، باب (ذكر من قال: إن النبي صلى الله عليه
وسلم علمها لعبدالله بن جعفر بن أبي طالب).
ثم
قال: ورواية ابن صاعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم علمها لجعفر كما تقدم، وهو
المعروف، ويعضده ما قال أبو حفص محمد بن محمد البغدادي.
قال
الدارقطني: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، قال: حدثنا بشر بن موسى أبو علي، قال: سمعت
علي بن زاهر - جار لنا-، قال: حدثنا علي بن عاصم، عن عبدالله بن زياد بن سمعان، قال:
حدثنا معاوية وإسماعيل ابنا عبدالله بن جعفر، عن أبيهما عبدالله بن جعفر بن أبي
طالب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أعطيك؟، ألا أحبوك؟، ألا
أمنحك؟»، وظننت أنه غنى الدهر، قلت: بلى يا رسول الله، قال: «تفتتح الصلاة وتقول:
سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله
خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولها عشراً، ثم تقول: سمع الله لمن حمده فتقولها عشراً،
ثم تسجد فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، ثم تسجد فتقولها
عشراً، ثم ترفع فتقولها عشراً، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، مائة وخمسون في
ركعتين، ثلاثمائة في أربع ركعات، فإن استطعت أن تصليها في كل يوم فافعل، فإن لم
تستطع ففي كل ثلاث، فإن لم تستطع ففي كل جمعة، فإن لم تستطع ففي كل شهر، فإن لم
تستطع ففي كل ستة أشهر، فإن لم تستطع ففي كل سنة، فإن لم تستطع في الدهر مرة، فلو
كان عليك من الذنوب بعددٍ نجوم السماء، وقطر السماء، وزبد البحر، ورمل عالج، وإبل
غطفان، وأيام الدنيا ذنوباً، غفر الله لك».
قلت:
الدارقطني لم يرد تصحيح الحديث، وإنما أراد بيان أن الرواية المشهورة في هذا
الإسناد لجعفر بن أبي طالب، لا لابنه عبدالله بن جعفر!
والاختلاف
على عبدالله بن زياد بن سمعان لا يؤثر؛ لأنه ليس بثقة، وهو متروك، كذّبه جمع من
أهل العلم. وقد قال عنه الدارقطني نفسه: "متروك الحديث". فحديثه هذا
كذب.
7-
روى أبو داود في «سننه»، باب (صلاة التسبيح) (2/30) قال: حدثنا أبو تَوْبَةَ
الرَّبِيعُ بن نَافِعٍ، قال: حدثنا محمد بن مُهَاجِرٍ، عن عُرْوَةَ بن رُوَيْمٍ،
قال: حدثني الْأَنْصَارِيُّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال لِجَعْفَر
بن أبي طالب بهذا الحديث، فذكر نَحْوَه.
قيل:
إن الأنصاري هنا هو جابر بن عبدالله!
قال
السيوطي في «اللآلي المصنوعة» (2/42): "قال الحافظ ابن حجر: إن ابن عساكر
أخرج في ترجمة عروة بن رويم أحاديث عن جابر، وهو الأنصاري، فجوّز أن يكون هو الذي
ها هنا، لكن تلك الأحاديث من رواية غير محمد بن مهاجر عن عروة، وقد وجدت في ترجمة
عروة هذا من «الشاميين» للطبراني حديثين أخرجهما من طريق أبي توبة- وهو الربيع بن
نافع- شيخ أبي داود فيه بهذا السند بعينه، فقال فيهما: حدثني أبو كبشة الأنماري.
فلعل الميم كُبرَتْ قليلاً، فأشبهت الصاد! فإن يكن كذلك؛ فصحابي هذا الحديث أبو
كبشة. وعلى التقديرين؛ فسند هذا الحديث لا ينحظ عن درجة الحسن، فكيف إذا ضم إلى
رواية أبي الجوزاء عن عبدالله بن عمرو، التي أخرجها أبو داود، وقد حسنها المنذري.
وممن صحح هذا الحديث أو حسنه غير من تقدم: ابن منده ...".
وقال
الشيخ الألباني في «صحيح سنن أبي داود»: "وهذا إسناد رجاله ثقات معروفون؛ غير
الأنصاري: فإن كان صحابيّاً فالسند صحيح؛ لأن جهالة الصحابة لا تضر؛ وإلا فهو
تابعي مجهول، فيصلح شاهداً لما قبله".
قلت:
روايته عن جابر الأنصاري من طريق عبد ربه بن صالح الدمشقي، وهو مجهول الحال! ولم
يسمع عروة بن رويم من جابر.
قال
ابن عساكر: "وأرسل الحديث عن جماعة من الصحابة منهم جابر وأبو ثعلبة الخشني
وقيل: إنه سمع أبا ثعلبة، وأبو ذر وثوبان ومعاوية بن حكيم المقرئ وأبو كبشة
الأنماري وعبدالرحمن بن غنم".
قلت:
قال محمد بن عبدالله بن عمّار الموصلي: "عروة بن رويم لم يسمع من أبي ثعلبة
الخشني".
فلو
صح أن الحديث عن أبي كبشة الأنماري، فهو مرسل أيضاُ؛ لأن عروة لم يدركه! وموته
قديم.
قال
ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/209): "سليم مولى رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وهو أبو كبشة الأنماري، له صحبة، وكان من مولدي أرض دوس، مات أول يوم
استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سمعت أبي يقول ذلك".
قال:
"روى عنه أبو البختري الطائي سعيد وأبو عامر الهوزني وأزهر بن سعيد الحرازي
ونعيم بن زياد ومحمد وعبدالله ابنا أبى كبشة، أدخله أبو زرعة في مسند الشاميين".
وعروة
عُرف بالإرسال عن الصحابة.
قال
أبو حاتم الرازي: سمعت إبراهيم بن مهدي – يعني المصيصي- يقول: "ليت شعري أن أعلم
عروة بن رويم ممن سمع! فإن عامة حديثه مراسيل".
قال
ابن أبي حاتم: سئل أبي عن عروة بن رويم، فقال: "تابعي، عامة حديثه مراسيل، لقي
أنساً وأبا كبشة".
قلت:
قوله: "لقي أبا كبشة" يخالف ما تقدم عنه من أنه مات أول يوم استخلف فيه
عمر، فكيف يدركه؟!
والخلاصة
أن الحديث لا يصح، والأنصاري هذا لا يُعرف! فلعله من شيوخ عروة المجاهيل، وإن كان
صحابياً، فعروة يرسل عن الصحابة ولم يثبت أنه سمع من القدماء كأبي كبشة وأبي ذر،
وكذلك جابر بن عبدالله وغيرهم.
وتحسين
ابن حجر له فيه نظر! لأنه بناه على تقديرين لا يصحان في الواقع!
وقول
الألباني: "فإن كان صحابيّاً فالسند صحيح؛ لأن جهالة الصحابة لا تضر؛ وإلا
فهو تابعي مجهول، فيصلح شاهداً لما قبله"! فيه نظر كذلك، فجهالة الصحابي حتى
لا تضر لها ضوابط، ولو صح أنه صحابي، فهذا يحتاج لإثبات سماعه منه، فليس كل تابعي
يروي عن صحابي يعني أنه سمع منه، وخاصة في حالة عروة هذا؛ فإنه عُرف بالإرسال عن
الصحابة، فيجب أن نتحقق من سماعه أولاً قبل الحكم على إسناده.
ورواية
التابعي المجهول لا تصلح في باب الشواهد! فكيف نعتمد على رجل مجهول في تصحيح رواية
أخرى!!
8-
روى عبدالرزاق في «المصنف» (3/123) عن دَاوُدَ بنِ قَيْسٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بنِ
رَافِعٍ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «أَلَا أَهَبُ لَكَ؟ أَلَا أَمْنَحُكَ؟ أَلَا أَحْذُوكَ؟
أَلَا أُوثِرُكَ؟ أَلَا؟ أَلَا؟» حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيَقْطَعُ لِي مَاءَ
الْبَحْرَيْنِ قال: «تُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَقْرَأُ أُمَّ الْقُرْآنِ فِي
كُلِّ رَكْعَةٍ وَسُورَةً، ثُمَّ تَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهُ، وَسُبْحَانَ
اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَعُدَّهَا وَاحِدَةً
حَتَّى تعُدَّ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً، ثُمَّ تَرْكَعُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا
وَأَنْتَ رَاكِعٌ، ثُمَّ تَرْفَعُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا وَأَنْتَ رَافِعٌ، ثُمَّ
تَسْجُدُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا وَأَنْتَ سَاجِدٌ، ثُمَّ تَرْفَعُ فَتَقُولُهَا
عَشْرًا وَأَنْتَ جَالِسٌ، ثُمَّ تَسْجُدُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا وَأَنْتَ سَاجِدٌ،
ثُمَّ تَرْفَعُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا وَأَنْتَ جَالِسٌ، فَتِلَكَ خَمْسٌ
وَسَبْعُونَ، وَفِي الثَّلَاثِ الْأَوَاخِرِ كَذَلِكَ، فَذَلِكَ ثَلَاثُ مِائَةِ
مَجْمُوعَةٍ، وَإِذَا فَرَّقْتَهَا كَانَتْ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ ـ وَكَانَ
يَسْتَحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ السُّورَةَ الَّتِي بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ عِشْرِينَ
آيَةً فَصَاعِدًا ـ تَصْنَعُهُنَّ فِي يَوْمِكَ أَوْ لَيْلَتِكَ، أَوْ جَمْعَتِكَ،
أَوْ فِي شَهْرٍ، أَوْ فِي سَنَةٍ، أَوْ فِي عُمْرِكَ، فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُكَ
عَدَدَ نُجُومِ السَّمَاءِ، أَوْ عَدَدَ القَطْرِ، أَوْ عَدَدَ رَمْلِ عَالِجٍ،
أَوْ عَدَدَ أَيَّامِ الدَّهْرِ لَغَفَرَهَا اللَّهُ لكَ».
وصورته
أنه متصل، وليس كذلك، فإسماعيل بن رافع لم يدرك جعفر بن أبي طالب الذي استشهد
بمؤتة، وقد رُوي مرسلاً بالصورة الصحيحة.
رواه
الخطيب البغدادي قال: أخبرنا علي بن أبي علي البصري، قال: حدثنا علي بن عمر
الحربي، قال: حدثنا عبدالله بن سلميان بن الأشعث، قال: حدثنا نصير بن الفرج أبو
حمزة، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا أبو معشر المدني، عن إسماعيل بن رافع:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجعفر بن أبي طالب: «ألا أحبوك؟، ألا أعطيك؟، ألا
أهدي لك؟»، حتى ظننت أنه سيعطيني شيئاً لم يعطه أحداً، قلت: بلى يا رسول الله،
قال: أربع ركعات أقرأ في كل ركعة منهن بفاتحة الكتاب وما تيسر من القرآن، ثم قل
قبل أن تركع خمس عشرة مرة: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر،
ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم اركع فقلهن عشراً، ثم ارفع فقلهن عشراً، ثم اسجد
فقلهن.. الحديث.
والحديث
منكر عن جعفر بن أبي طالب! وإسماعيل بن رافع ليس بشيء متروك الحديث.
قال
يحيى بن معين: "إسماعيل بن رافع ليس بشيء".
وقال
عمرو بن علي الفلاّس: "لم أسمع يحيى ولا عبدالرحمن حدّثا عن إسماعيل بن رافع
بشيء قط، قال يحيى: وقد رأيته".
وقال
أحمد: "ضعيف الحديث".
وقال
أبو حاتم: "منكر الحديث".
وقال
النسائي: "متروك الحديث".
وقال
الآجري عن أبي داود: "ليس بشيء، سمع من الزهري فذهبت كتبه، فكان إذا رأى
كتاباً قال: هذا قد سمعته".
وقال
ابن عدي: "وأحاديثه كلها مما فيه نظر إلا أنه يُكتب حديثه في جملة الضعفاء".
وقال
ابن حبان: "كان رجلاً صالحاً إلا أنه كان يقلب الأخبار حتى صار الغالب على
حديثه المناكير التي يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لها".
ورُوي
هذا الحديث أيضاً من طريق عاصم بن علي بن عاصم، قال: حدثنا أبو معشر المدني، عن
محمد بن كعب القرظي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجعفر بن أبي طالب، فذكر
نحوه، مرسلاً.
وأبو
معشر المدني اسمه نجيح وهو منكر الحديث!
والخلاصة
أنه لم يصح الحديث عن جعفر بن أبي طالب من أيّ طريق.
·
حديث العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ:
9-
روى الدارقطني في مصنفه في «صلاة التسبيح»: حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبدالله
بن يزيد الدقيقي، قال: حدثنا أبو الأحوص محمد بن الهيثم القاضي، قال: حدثنا أحمد
بن أبي شعيب أبو الحسن الحراني، قال: حدثنا موسى بن أعين الجزري، عن أبي رجاء الخراساني،
عن صدقة، عن عروة بن رويم، عن ابن الديلمي، عن العباس بن عبد المطلب رضي الله
تعالى عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أهب لك؟ ألا أفديك؟ ألا
أعطيك؟ ألا أمنحك؟»، قال: وظننت أنه يعطيني من الدنيا شيء لم يعطه أحد قبلي، قال: «أربع
تقولها خمس عشرة مرة تقولهن في قيامك تقولهن في ركوعك وسجودك عشراً عشراً، فلو كان
عليك مثل رمل عالج وعدد القطر وأيام الدنيا لغفر الله لك».
ورواه
الخطيب في مصنفه في «صلاة التسبيح» برقم (4) قال: أخبرنا أبو الحسن: محمد بن أحمد
بن محمد بن أحمد بن رزق البزاز، وأبو الحسن: علي بن أحمد بن محمد بن داود الرزاز،
وأبو الحسن: محمد بن أسد بن علي، الكاتب - قال ابن رزق: حدثنا، وقال: - أخبرنا
أحمد بن سلمان الفقيه، قال: حدثنا محمد بن الهيثم بن حماد- زاد الرزاز وابن أسد:
(أبو الأحوص القاضي)، ثم اتفقوا- قال: حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني- زاد الرزاز
وابن أسد: (أبو الحسن)، ثم اتفقوا - قال: حدثنا موسى بن أعين، عن أبي رجاء، عن
صدقة، عن عروة بن رويم عن ابن الديلمي، عن العباس بن عبد المطلب، قال: قال لي رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أهب لك، ألا أفيدك، ألا أعطيك، ألا أمنحك؟». قال:
فظننت أنه سيعطيني من الدنيا شيئاً لم يعطه أحداً قبلي! قال: «أربع ركعات إذا قلت
فيهن ما أعلمك غفر لك: تبدأ فتكبر، ثم تقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، ثم تقول: (سبحان
الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) خمس عشرة مرة فإذا ركعت قلت مثل
ذلك عشر مرات، فإذا رفعت - وقال الرزاز وابن أسد: فإذا قلت: (سمع الله لمن حمده)،
ثم اتفقوا - قلت مثل ذلك عشر مرات، فإذا سجدت قلت مثل ذلك عشر مرات، فإذا رفعت
رأسك، قلت مثل ذلك عشر مرات بين السجدتين، فإذا سجدت قلت مثل ذلك عشر مرات، فإذا
رفعت رأسك من السجود قلت مثل ذلك عشر مرات قبل أن تقوم.
ثم
افعل - وقال الرزاز وابن أسد: ثم تفعل- في الركعة الثانية مثل ذلك، غير أنك إذا
جلست للتشهد، قلت ذلك عشر مرات قبل التشهد، ثم افعل - وقال الرزاز: تفعل- في
الركعتين الباقيتين مثل ذلك. فإن استطعت أن تفعل ذلك في كل يوم، وإلا ففي كل جمعة،
وإلا ففي كل شهر، وإلا ففي كل شهرين، وإلا ففي كل ستة أشهر، وإلا ففي كل سنة».
وهذا
الحديث أورده ابن الجوزي في «الموضوعات» وقال: "صَدَقَةُ بن يَزِيدَ الخُرَاسَانِيُّ.
قال أحمد: حديثه ضعيف. وقال البخارى: منكر الحديث. وقال ابن حبان: حدث عن الثقات
بالأشياء المعضلات، لا يجوز الاشتغال بحديثه".
قلت:
خالف محمد بن مُهَاجِرٍ صدقة في هذا الحديث، فرواه ابن مهاجر عن عُرْوَةَ بن
رُوَيْمٍ، قال: حدثني الْأَنْصَارِيُّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
قال لِجَعْفَر بن أبي طالب بهذا الحديث.
وهذه
الرواية هي الصحيحة عن عروة بن رويم، وقد بيّنت أنها مرسلة لا تصح كما تقدّم في
(حديث جعفر بن أبي طالب).
وصدقة
هذا وثقه أبو زرعة النصري، وقال أبو حاتم: "صالح"، وقال يعقوب الفسوي: "حسن
الحديث".
وقال
عباس الدوري عن يحيى: "صالح الحديث"، وقال أبو داود عن يحيى: "ليس
به بأس"، وقال الغلابي عن يحيى: "هو أبغل من السمين".
وقال
البخاري: "منكر الحديث".
وقال
أحمد بن حنبل والنسائي وغيرهما: "ضعيف".
وذكره
ابن عدي في الضعفاء وساق له بعض الأحاديث، ثم قال: "ولصدقة غير ما ذكرت، وما
أقرب أحاديثه من أحاديث صدقة بن عبدالله وصدقة بن موسى اللذين تقدم ذكرهما قبل
ذكره، يقرب بعضهم من بعض، وثلاثتهم إلى الضعف أقرب منهم إلى الصدق، وأحاديثهم
بعضها مما يتابعونه عليهم، وبعضها لا يتابعهم أحد عليها".
وقال
ابن حبان: "كان ممن يحدث عن الثقات بالأشياء المعضلات على قلة روايته، لا
يجوز الاشتغال بحديثه عند الاحتجاج به".
وذكره
العقيلي وابن الجارود والساجي في الضعفاء.
وقال
الذهبي: "لعله أضعف من السمين، ولا شيء له في الكتب، ومن أنكر ما رأيت له في
ترجمته في تاريخ دمشق: داود بن رشيد: حدثنا الوليد بن مسلم عن صدقة بن يزيد عن
يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: (تراءوا الهلال، فقالوا: ما أحسن
ما أبينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أنتم إذا كنتم من دينكم في مثل
القمر ليلة البدر لا يبصره منكم إلا البصير)".
وأبو
رجاء الخراساني - الراوي عن صدقة - هو: عبدالله بن واقد وهو منكر الحديث كما قال
ابن حجر، وقال ابن عدي: "هو مُظلم الحديث".
10-
روى الخطيب في مصنفه في «صلاة التسبيح» برقم (5) قال: أخبرنا أبو محمد: الحسن بن
علي بن محمد الجوهري، قال: حدثنا أبو القاسم: إبراهيم بن أحمد بن جعفر الخرقي، قال:
حدثنا أبو العباس: محمد بن طاهر المروزي، قال: حدثنا أبو الأسد – جارنا-: محمد بن
حفص المروزي، قال: حدثنا حماد بن عمرو النصيبي، عن أبي رافع، عن محمد بن المكندر،
عن عبدالله بن عباس، قال: قال عباس: مرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي:
«ألا أفيدك، ألا أمنحك، ألا أعطيك، ألا أستحييك؟». فظننت أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم يعطيني رغباً من الدنيا، فقلت: بلى، بأبي أنت وأمي يا رسول الله! قال: «أربع
ركعات في كل يوم، أو في كل جمعة، أو في كل نصف شهر، أو في كل شهر، أو في نصف سنة،
أو في كل سنة. فتكبر، ثم تقرأ الحمد وسورة، ثم تقول: (الحمد لله، وسبحان الله، ولا
إله إلا الله، والله أكبر). هذه مرة واحدة، تقولها خمس عشرة مرة، ثم تركع، فتقولهن
عشراً، ثم تقول: (سمع الله لمن حمده)، فتقولهن عشراً، ثم تخر ساجداً، فتقولهن عشراً،
ثم ترفع رأسك، فتقولهن عشراً، ثم تقوم، فتقرأ الحمد وسورة، ثم تقولها خمس عشر مرة،
تقولهن في ركوعك وسجودك: عشراً، عشراً. فلو كان عليك مثل رمل عالج، وعدد القطر،
وأيام الدنيا، لغفر الله لك».
كذا
[.. ..] أصل «كتاب الجوهري» تقصير في بعض المتن، وعليه تصحيح.
قلت:
هذا إسناد كذب!
حماد
بن عمرو النصيبي متروك الحديث يكذب.
قال
أحمد بن سعد: سمعت يحيى بن معين يقول: "حماد بن عمرو النصيبي - يعني ممن يكذب
ويضع الحديث".
وقال
عثمان بن سعيد: قلت ليحيى بن معين، فحماد بن عمرو النصيبي؟ فقال: "ليس بشيء".
وقال
البخاري: "منكر الحديث".
وقال
أبو زرعة الرازي: "واهي الحديث".
وقال
النسائي: "متروك الحديث".
وقال
الجوزجاني السعدي: "حماد بن عمرو النصيبي: كان يكذب، لم يدع للحليم في نفسه
منه هاجسا".
وقال
ابن عمّار: "قد سمعت من حماد كثيراً، ولا أرى الرواية عنه، والعجب من ابن
المبارك والمعافى حيث رويا عنه!! لم يكن يدري إيش الحديث".
وقال
ابن عدي: "وعامة حديثه ما لا يتابعه أحد من الثقات عليه".
وقال
ابن حبان: "يضع الحديث وضعاً على الثقات، روى عنه ابن كاسب، لا تحل كتابة
حديثه إلا على جهة التعجب".
والخلاصة
أنه لم يصح الحديث عن العباس بن عبد المطلب من أيّ طريق.
·
حديث الفضل بن العَبَّاسِ بنِ
عَبْدِ المُطَّلِب:
11-
روى الخطيب في مصنفه في «صلاة التسبيح» برقم (6) قال: أخبرنا أبو عليٍّ: الحسن بن
أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان البزاز، قال: أخبرنا أبو محمد:
عبدالله بن إسحاق بن إبراهيم البغويّ، قال: حدثنا أحمد بن إسحاق الوزان، قال: حدثنا
أبو سلمة المنقري، قال: حدثنا عبدالرحمن بن عبدالحميد الطائيّ، قال: حدثني أبي،
قال: لقيت أبا رافع، فسألته، فحدثني عن الفضل بن عباس، عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: «أربع ركعاتٍ إذا فعلتهن في سنة، أو في شهر، مرة: استفتح الحمد
وسورة -ما شئت-، ثم تقول: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)
خمس عشرة مرة، ثم تضع يديك على ركبتيك، فتقولها عشراً، ثم تنتصب، فتقولها عشراً،
ثم تسجد، فتقولها عشراً، ثم ترفع، فتقولها عشراً، ثم تسجد، فتقولها عشراً، ثم
ترفع، فتقولها عشراً، ثم تفعل فيهن ما فعلت في الأولى، ولا تسلم إلا في آخرهن،
فذلك ألف ومئتان، فإذا فعلت ذلك وكان عليك مثل رمل عالج، وعدد القطر، ونجوم
السماء، غفر الله لك ذلك».
قلت:
عبدالرحمن بن عبدالحميد الطائي وأبوه مجهولان!
12-
روى الخطيب في مصنفه في «صلاة التسبيح» برقم (7) قال: أخبرني أبو أحمد: عبدالوهاب
بن الحسن بن علي بن محمد الحربيّ، قال: أخبرنا الحسين بن أحمد بن محمد بن عبدالرحمن
الهروي، قال: حدثنا محمد بن علي بن معبد المعدِّل، قال: حدثنا الفضل بن عبدالله - يعني
الهروي-، قال: حدثنا حمزة بن هيصم، عن عبدالملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن جدّه،
عن الفضل بن عباس، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكان، فقال: «يا
فضل! ألا أحبوك، ألا أمنحك؟». قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: «أربع ركعات تفعل
فيهن ما آمرك، إن استطعت ففي كل يوم، أو كل ليلة، أو كل جمعة، أو كل شهر، أو كل
سنة...» الحديث بطوله.
قال
ابن طولون في «الترشيح لبيان صلاة التسبيح»: "ويروى عن عبدالملك بن هارون بن
عنترة، عن أبيه، عن جده، عن جعفر بن أبي طالب، فذكره مرفوعاً، وفيه من أنواع
الثواب على صلاة التسبيح، وأمارات الوضع عليه لائحة".
قلت:
عبدالملك بن هارون هذا كذّاب.
قال
يحيى بن معين: "عبدالملك بن هارون بن عنترة كذاب".
وقال
البخاري: "عبدالملك بن هارون بن عنترة بن عبدالرحمن الشيباني: منكر الحديث".
وقال
أبو حاتم الرازي: " متروك الحديث ذاهب الحديث".
وقال
ابن عدي: "وعبدالملك بن هارون له أحاديث غرائب عن أبيه عن جده عن الصحابة مما
لا يتابعه عليه أحد".
وقال
ابن حبان: "كان ممن يضع الحديث، لا يحلّ كتابة حديثه إلا على جهة الاعتبار".
والخلاصة
أنه لم يصح الحديث عن الفضل بن العباس من أيّ طريق.
·
حديث عبدالله بن عبَّاسِ بنِ
عَبْدِ المُطَّلِب:
حديث
ابن عباس هو أشهر أحاديث صلاة التسبيح، وهو عمدة من صحح أو حسّن هذه الصلاة.
قال
ابن ناصر الدين الدمشقي: "ولحديثها طرق مروية، غالبها غير قوية، وأمثلها حديث
أبي الفضل العباس من رواية ابنه عبدالله بن العباس رضي الله تعالى عنهما".
والحديث
له عدة طرق عن ابن عباس:
·
الأول: رواه الحكم بن أبان
العدني، واختلف عليه:
فرواه
موسى بن عبدالعزيز أبو شعيب القنباري، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، موصولاً،
مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وخالفه
إبراهيم بن الحكم بن أبان، فرواه عن أبيه، عن عكرمة، عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم مرسلاً: لم يذكر فيه ابن عباس.
13-
روى أبو داود في «سننه» (باب صَلَاةِ التَّسْبِيحِ) (2/29)، وابن ماجه في «سننه» (1/443)،
والبخاري في كتاب «القراءة خلف الإمام» (146) وابن خزيمة في «صحيحه» (1216) قالوا:
حدثنا عبدالرحمن بن بِشْرِ بن الحَكَمِ النَّيْسَابُورِيُّ، قال: حدثنا مُوسَى
بن عبدالعَزِيزِ، قال: حدثنا الحَكَمُ بن أَبَانَ، عن عِكْرِمَةَ، عن ابن عَبَّاسٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال لِلْعَبَّاسِ بن عبد الْمُطَّلِبِ: «يا
عَبَّاسُ، يا عَمَّاهُ، ألا أُعْطِيكَ ألا أَمْنَحُكَ ألا أَحْبُوكَ ألا أَفْعَلُ
بِكَ عَشْرَ خِصَالٍ، إذا أنت فَعَلْتَ ذلك غَفَرَ الله لك ذَنْبَكَ أَوَّلَهُ
وَآخِرَهُ، قَدِيمَهُ وَحَدِيثَهُ، خَطَأَهُ وَعَمْدَهُ، صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ،
سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ، عَشْرَ خِصَالٍ: أَنْ تُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ
تَقْرَأُ في كل رَكْعَةٍ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً، فإذا فَرَغْتَ من
الْقِرَاءَةِ في أَوَّلِ رَكْعَةٍ وَأَنْتَ قَائِمٌ قُلْتَ: سُبْحَانَ اللَّهِ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ولا إِلَهَ إلا الله وَاللَّهُ أَكْبَرُ خَمْسَ عَشْرَةَ
مَرَّةً، ثُمَّ تَرْكَعُ فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ رَاكِعٌ عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ
رَأْسَكَ من الرُّكُوعِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَهْوِي سَاجِدًا
فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ سَاجِدٌ عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ من السُّجُودِ
فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَسْجُدُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ
رَأْسَكَ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، فَذَلِكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ في كل رَكْعَةٍ،
تَفْعَلُ ذلك في أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ إن اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصَلِّيَهَا في كل
يَوْمٍ مَرَّةً فَافْعَلْ، فَإِنْ لم تَفْعَلْ فَفِي كل جُمُعَةٍ مَرَّةً؛ فَإِنْ
لم تَفْعَلْ فَفِي كل شَهْرٍ مَرَّةً؛ فَإِنْ لم تَفْعَلْ فَفِي كل سَنَةٍ مَرَّةً؛
فَإِنْ لم تَفْعَلْ فَفِي عُمُرِكَ مَرَّةً».
قلت:
أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» (باب صَلَاةِ التَّسْبِيحِ إِنْ صَحَّ الْخَبَرُ،
فَإِنَّ فِي القَلْبِ مِنْ هذَا الْإِسْنَادِ شَيْء).
وقال:
"ورَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بنُ الحَكَمِ بنِ أَبَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا، لمْ يَقُلْ فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ".
فابن
خزيمة لا يصحح الحديث.
وأخرجه
الحاكم في «مستدركه» (1/463) من طريق إبراهيم بن إسحاق بن يوسف، عن عبدالرحمن بن
بشر، به.
قال
الحاكم: "هذا حديث وصله موسى بن عبدالعزيز عن الحكم بن أبان، وقد خرجه أبو
بكر محمد بن إسحاق وأبو داود سليمان بن الأشعث وأبو عبدالرحمن أحمد بن شعيب في
الصحيح، فرووه عن عبدالرحمن بن بشر، وقد رواه إسحاق بن إسرائيل عن موسى بن عبدالعزيز
القنباري".
ثم
ساقه عن محمد بن هارون بن سليمان الحضرمي، عن إسحاق بن أبي إسرائيل، عن موسى بن
عبدالعزيز أبو شعيب القنباري، فذكر الحديث بمثله الحديث بمثله لفظاً واحداً.
ثم
بيّن حال موسى بن عبدالعزيز، وأن عبدالرزاق سئل عنه فأحسن عليه الثناء، وحال الحكم
بن أبان، وساق سؤال ابن عيينة ليوسف بن يعقوب: كيف كان الحكم بن أبان؟ قال: "ذاك
سيدنا" قال: "ذلك سيدنا".
ثم
قال: "وأما إرسال إبراهيم بن الحكم بن أبان هذا الحديث عن أبيه"، وساقه
ثم قال: "هذا الإرسال لا يوهن وصل الحديث، فإن الزيادة من الثقة أولى من
الإرسال على أن إمام عصره في الحديث إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قد أقام هذا الإسناد
عن إبراهيم بن الحكم بن أبان ووصله".
قلت:
زيادة الثقة لا تقبل مطلقاً، بل تحتاج لقرينة لقبولها، وفي إطلاق الثقة على موسى
بن عبدالعزيز نظر كما سيأتي بيانه.
وتخريج
الأئمة له في كتبهم لا يعني صحته، وابن خزيمة علّق قبوله على صحته، وهو قد صرّح أن
في القلب منه شيء! وإطلاق لقب (الصحيح) على كتاب النسائي ليس بصحيح، والصواب أنه
كتاب (السنن).
وقد
روى الحديث البيهقي في «السنن الكبرى» من الطريق الموصولة، ثم ساق رواية إبراهيم
بن الحكم وقال: "فذكره بمعناه مرسلاً، وكذلك رواه جماعة من المشهورين عن محمد
بن رافع".
ورواه
أيضاً في «شعب الإيمان» (3/125) من طريق حاجب بن أحمد الطوسي، عن محمد بن رافع، عن
إبراهيم بن الحكم: حدثني أبي، عن عكرمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مرسلاً.
قال
البيهقي: "هكذا رواه محمد بن رافع مرسلاً، ورواه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي عن
إبراهيم بن الحكم عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم".
ثم
قال: "وقد ذكرناه في كتاب السنن، وفي الدعوات، وقد رأيت حديث إسحاق بن
إبراهيم في موضع آخر مرسلاً، والمرسل أصح" – يعني المرسل في رواية إسحاق بن
إبراهيم، وما جاء عنه في موضع من ذكر "ابن عباس" كما في رواية الحاكم لا
يصح، فالصواب في روايته عن إبراهيم بن الحكم عن أبيه عن عكرمة، مرسلاً.
بيان
حال موسى بن عبدالعزيز وإبراهيم بن الحكم بن أبان:
أما
موسى فذكره ابن حبان في «الثقات» (9/159) وقال: "ربما أخطأ".
وقال
ابن حجر في «التقريب» (ص552): "صدوق سيء الحفظ".
وذكره
الذهبي في «الميزان» (6/550) قال: "موسى بن عبدالعزيز العدني أبو شعيب
القنباري، ما أعلمه روى عن غير الحكم بن أبان فذكر حديث صلاة التسبيح. روى عنه:
بشر بن الحكم وابنه عبدالرحمن بن بشر وإسحاق بن أبي إسرائيل وغيرهم، ولم يذكره أحد
في كتب الضعفاء أبداً، ولكن ما هو بالحجة.
قال
ابن معين: لا أرى به بأساً.
وقال
النسائي: ليس به بأس.
وقال
أبو الفضل السليماني: منكر الحديث.
وقال
ابن المديني: ضعيف.
قلت:
حديثه من المنكرات، لا سيما والحكم بن أبان ليس أيضاً بالثبت، وله خبر آخر
بالإسناد في القول: إذا سمع الرعد، مروي في الأدب للبخاري".
قلت:
يقصد الذهبي ما رواه الحكم عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان إذا سمع صوت الرعد قال:
(سبحان الذي سبحت له).
وأما
إبراهيم بن الحكم بن أبان:
قال
إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال: "إبراهيم بن الحكم بن أبان: لا شيء".
وقال
العباس بن محمد الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: "إبراهيم بن الحكم بن أبان:
ضعيف".
وقال
عبدالله بن أحمد: سألت يحيى بن معين عن إبراهيم بن الحكم بن أبان، فقال: "ليس
بشيء، ليس بثقة". قال: وسألت أبي عنه، فقال: "وقت ما رأيناه لم يكن به
بأس، ثم قال: إني أظن كان حديثه يزيد بعدنا، ولم يحمده".
وقال
الأثرم: سمعت أبا عبدالله يقول: "في سبيل الله دراهم أنفقناها في الذهاب إلى
عدن إلى إبراهيم بن الحكم".
وقال
البخاري: "سكتوا عنه".
وقال
النسائي: "متروك الحديث".
وقال
أبو زرعة الرازي: "ليس بقوي، ضعيف".
قلت:
المسألة هنا في هذا الحديث بين موسى بن عبدالعزيز وبين إبراهيم في إرسال الحديث
ووصله، وهنا نحكم بأن الأصح: الإرسال، وإن كان حال موسى أفضل من حال إبراهيم، وذلك
لأن مشكلة إبراهيم كانت في أنه يصل المرسل الذي كان في كتبه، وبما أنه هنا أرسل
الحديث فهذه قرينة على أنه كان كذلك في كتابه، وهو ما كان يحمده أهل النقد من
حديثه وإنما عابوا عليه وصل ما يرويه عن أبيه وهو في الأصل مرسل.
قال
ابن عدي: سمعت عبدان الأهوازي يقول: سمعت عباس بن عبدالعظيم يقول - وذكرنا له أو
ذكر له إبراهيم بن الحكم بن أبان – فقال: "كانت هذه الأحاديث في كتبه مراسيل،
ليس فيها ابن عباس، ولا أبو هريرة - يعني أحاديث أبيه عن عكرمة".
قال:
حدثنا القاسم بن زكريا: حدثنا الرمادي: حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان، عن أبيه،
عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لولا أن يضعفوا عن
السواك لأمرتهم به عند كل صلاة».
قال
الرمادي: "حدثنا به مرسلاً، ثم نظر في كتابه، فحدثنا به عن ابن عباس".
قال
ابن عدي: "وبلاؤه مما ذكروه أنه كان يوصل المراسيل عن أبيه، وعامة ما يرويه
لا يتابع عليه".
ثم
وجدت أن ابن حجر قال في «إتحاف المهرة» بعد أن ذكر حديث التسبيح: "قلتُ:
ذكَرَهُ ابنُ المَدِينِيِّ فِي «العِلَلِ» فقالَ: هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وقالَ:
رَأَيْتُهُ فِي أَصْلِ كِتَابِ إِبْرَاهِيمَ بنِ الحَكَمِ بنِ أَبَانٍ، عَنْ
أَبِيهِ مَوْقُوفًا عَلَى عِكْرِمَةَ، ومُوسَى بنِ عَبْدِالعَزِيزِ رِاوِيهِ
مُنْكَرُ الحَدِيثِ، وضَعَهُ" – أي زاد في إسناده "ابن عباس".
قلت:
فها هو إمام العلل يبيّن أنه في أصل كتاب إبراهيم عن أبيه أنه عن عكرمة مرسلاً،
وقد صحح هذه الرواية على رواية موسى بن عبدالعزيز الموصولة، وحكم على الحديث كله
بأنه منكر.
ولو
لم يكن هناك أي اختلاف على الحكم، فإن ما ينفرد به عن عكرمة عن ابن عباس فيه نظر!
فالحكم عابد صدوق له أوهام
ومناكير، وكان - رحمه الله- يصلي من الليل، فإذا غلبته عيناه نزل إلى البحر فقام
في الماء يسبّح مع دواب البحر. وقد سمع من عكرمة، لأن عكرمة قدم اليمن سنة مئة،
وتوفي الحكم سنة أربع وخمسين ومئة.
فمثله
من العبّاد لم يكن لهم العناية الكبيرة بالحديث وحفظه فوقعت في رواياته الأوهام
والمنكرات وخاصة في مثل هذه الأحاديث في العبادات.
وحديث
عكرمة هذا صححه أبو داود وأبو بكر محمد بن الحسين الآجري وغيرهما.
قال
أبو بكر عبدالله بن أبي داود: سمعت أبي يقول: "ليس في صلاة التسبيح حديث صحيح
غير هذا".
وقال
أبو بكر الآجري في كتاب «النصيحة»: "هذا حديث صحيح".
وأخرجه
أبو يعلى الخليلي بن عبدالله الخليلي في كتابه «الإرشاد»، عن أحمد بن محمد بن عمر
الزاهد، عن أبي حامد أحمد ابن محمد بن الشرقي، عن عبدالرحمن بن بشر...به.
وقال
عقبه: قال أبو حامد ابن الشرقي: سمعت مسلم بن الحجاج - وكتب هذا عن عبدالرحمن - يقول:
"لا يروى في هذا الحديث إسناد أحسن من هذا".
قلت:
أما ما نقله ابن أبي داود عن أبيه فلعله كان يرى صحته أولاً، ثم تراجع عن ذلك،
وعلى فرض أنه يرى صحته، فقد تبيّنت لنا علّته.
وتصحيح
الآجري اجتهاد منه.
وما
نُقل عن الإمام مسلم فلعله يقصد بأنه غريب – يعني ضعيف، فإن الأئمة المتقدمين
كانوا يطلقون على الحديث الغريب: الحسن.
وعبارة
"ليس في هذا إسناد أحسن من هذا" لا يعني القبول لهذا الحديث؛ وإنما هي
مقارنة بين أسانيد قد تكون كلها ضعيفة، لكن بعضها أحسن من بعض، والله أعلم.
·
تصحيح الشيخ الألباني لهذا
الحديث!!
قال
الشيخ في «صحيح سنن أبي داود» عن إسناد (عبدالعزيز: حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة
عن ابن عباس): "قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير موسى بن
عبدالعزيز- وهو العدني-؛ فإنه صدوق سيئ الحفظ؟ والحكم بن أبان صدوق عابد له أوهام،
كما قال الحافظ. والحديث أخرجه البيهقي في "السنن" (3/51-52)، وكذا
الخطيب في جزئه الفرد في "صلاة التسبيح" (ف 197/1- 2) كلاهما عن
المصنف... بإسناده.
ثم
أخرجاه، وكذا ابن ماجه (1387)، وابن خزيمة في "صحيحه" (1/132/1)،
والحاكم (1/318) من طرق أخصر عن عبدالرحمن بن بشر... به. وقال ابن خزيمة: "إن
صح الخبر؛ فإن في القلب من هذا الإسناد شيئاً".
وأما
الحاكم؛ فأورده شاهداً- ثم أخرجه هو والبيهقي والخطيب من طريق إبراهيم بن الحكم بن
أبان: حدثني أبي: حدثني عكرمة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال لعمه العباس ... فذكره هكذا مرسلاً. وقال الحاكم: "هذا الإرسال لا يوهن
وصل الحديث فإن الزيادة من الثقة أولى من الإرسال. على أن إمام عصره في الحديث
إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قد أقام هذا الإسناد عن إبراهيم بن الحكم بن أبان ووصله".
ثم ساقه من طريق الحنظلي: أنا إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة عن ابن
عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... بمثل حديث موسى بن عبدالعزيز
عن الحكم.
قلت:
إبراهيم بن الحكم ضعيف.
وموسى
بن عبدالعزيز خير منه، فإن تابعه فهو قوة له، وإن خالفه فلا يضره، ولكن الإسناد
بحاجة إلى ما يعضده.
وقد
ذكر له الخطيب طريقاً أخرى من رواية أبي الجوزاء أوس بن عبدالله الربَعِي من طرق
أربعة عنه عن ابن عباس، ومن طريق مجاهد بن جبر عنه، وساق الأسانيد إليها، ولكنها
واهية كلَها! وإنما يعضد الحديثَ بعضُ الشواهد التي ساقها الخطيب، التي منها ما
ذكره المصنف فيما يأتي".
قلت:
هذه طريقة الشيخ في تقوية الأسانيد الواهية بشواهد واهية مثلها!
·
الثاني: عبدالقدوس بن حبيب
الشامي، عن مجاهد بن جبر، عن عبدالله بن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه
ذلك.
14-
روى الطبراني في «المعجم الأوسط» (3/14) قال: حدثنا إبراهيم بن أحمد بن برة
الصنعاني، قال: حدثنا هشام بن إبراهيم أبو الوليد المخزومي، قال: حدثنا موسى بن
جعفر بن أبي كثير، عن عبدالقدوس بن حبيب، عن مجاهد، عن ابن عباس: أن رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم قال له: «يا غلام! ألا أحبوك.. ألا أنحلك.. ألا أعطيك،
قلت: بلى بأبي وأمي أنت يا رسول الله!، قال: فظننت أنه سيقطع لي قطعة من مال،
فقال: أربع ركعات تصليهن في كل يوم، فإن لم تستطع ففي كل جمعة، وإن لم تستطع ففي
كل شهر، فإن لم تستطع ففي كل سنة، فإن لم تستطع ففي دهرك مرة، تكبر فتقرأ أم
القرآن وسورة، ثم تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس
عشرة مرة، ثم تركع فتقولها عشرا، ثم ترفع فتقولها عشرا، ثم تسجد فتقولها عشرا، ثم ترفع
فتقولها عشرا، ثم تسجد فتقولها عشرا، ثم ترفع فتقولها عشرا، ثم تفعل في صلاتك كلها
مثل ذلك، فإذا فرغت قلت بعد التشهد، وقبل التسليم: اللهم إني أسألك توفيق أهل
الهدى، وأعمال أهل اليقين، ومناصحة أهل التوبة، وعزم أهل الصبر، وجد أهل الحسبة،
وطلب أهل الرغبة، وتعبد أهل الورع، وعرفان أهل العلم، حتى أخافك. اللهم أسألك
مخافة تحجزني عن معاصيك حتى أعمل بطاعتك عملا أستحق به رضاك، وحتى أناصحك في
التوبة خوفا منك، وحتى أخلص لك النصيحة حباً لك وحتى أتوكل عليك في الأمور حسن ظن
بك، سبحان خالق النار. فإذا فعلت ذلك يا ابن عباس، غفر اللَّه لك ذنوبك صغيرها
وكبيرها، وقديمها وحديثها، وسرها وعلانيتها، وعمدها وخطأها».
قال
الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن مجاهد إلا عبدالقدوس، ولا عن عبدالقدوس إلا
موسى بن جعفر، تفرد به أبو الوليد المخزومي".
قلت:
هذا حديث منكر! وعبدالقدوس يضع الحديث!
قال
البخاري: "عبدالقدوس بن حبيب يروي عن نافع ومجاهد والشعبي ومكحول وعطاء
أحاديث مقلوبة".
وقال
يحيى بن معين: "ضعيف"، وقال مرة: "مطروح الحديث".
وقال
عمرو بن علي الصيرفي: "عبدالقدوس الشامي، أجمع أهل العلم على ترك حديثه".
قال
عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سألت أبي رحمه الله عن عبدالقدوس بن حبيب؟ فقال: "متروك
الحديث، كان لا يصدق".
وقال
عبدالرحمن: سألت أبا زرعة عن عبدالقدوس بن حبيب؟ فقال: "ضعيف الحديث".
وقال
إسماعيل بن عياش: "أشهد عليه بالكذب".
وقال
مسلم بن الحجاج: "ذاهب الحديث".
وقال
أبو داود: "ليس بشيء".
وقال
النسائي: "متروك الحديث".
وقال
ابن عدي: "وعبد القدوس له أحاديث غير محفوظة، وهو منكر الحديث إسناداً ومتناً".
وقال
ابن حبان: "كان يضع الحديث على الثقات لا يحلّ كتابة حديثه ولا الرواية عنه،
وكان ابن المبارك يقول: لأن أقطع الطريق أحبّ إليّ من أن أروي عن عبدالقدوس الشامي".
·
الثالث: أبو الجوزاء أوس بن
عبدالله الربعي عن ابن عباس:
وروي
عن محمد بن جحادة الأودي، وعن عمرو بن مالك النكري، وعن يحيى بن سعيد الأنصاري،
وعن أبي مالك العقيلي، أربعتهم عن أبي الجوزاء: أوس بن عبدالله الربعي، عن ابن
عباس.
أما
ابن جحادة، فروي عنه: مرفوعاً، وموقوفاً.
أما
الآخرون، فروي عنهم موقوفاً، غير مرفوع.
وأما
حديث محمد بن جحادة عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس المرفوع:
15-
روى الطبراني في «المعجم الأوسط» (3/187) قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي، قال:
حدثنا محرز بن عون، قال: حدثنا يحيى بن عقبة بن أبي العيزار، عن محمد بن جحادة، عن
أبي الجوزاء قال: قال لي ابن عباس: «يا أبا الجوزاء، ألا أخبرك، ألا أتحفك، ألا
أعطيك، قلت: بلى، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة: أم
القرآن وسورة، فإذا فرغ من القراءة، قال: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر)، فهذه واحدة حتى يكمل خمس عشرة، ثم ركع فيقولها عشراً، ثم رفع فيقولها
عشراً، ثم يسجد فيقولها عشراً، ثم يرفع فيقولها عشراً، ثم يسجد فيقولها عشراً، ثم
يرفع رأسه فيقولها عشراً، فهذه خمسة وسبعون في كل ركعة حتى يفرغ من أربع ركعات.
قال: من صلاهن غفر له كل ذنب صغيره وكبيره، قديم أو حديث كان أو هو كائن».
قال
الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن محمد بن جحادة إلا يحيى بن عقبة! تفرد به
محرز".
قلت:
هذا منكر لا يصح! ويحيى بن عقبة ذاهب الحديث.
قال
ابن معين: "ليس بشيء". وروى ابن محرز عن ابن معين قال: "كذاب خبيث
عدو الله كان يسخر به".
وقال
البخاري: "منكر الحديث".
وقال
عبدالرحمن ابن أبي حاتم: وسألت أبي عن يحيى بن عقبة بن أبي العيزار؟ فقال: "متروك
الحديث، ذاهب الحديث، كان يفتعل الحديث".
وقال
النسائي: "ليس بثقة".
وقال
ابن عدي: "وعامة ما يرويه لا يتابع عليه".
وقال
ابن حبان: "وكان ممن يروي الموضوعات عن أقوام أثبات، لا يجوز الاحتجاج به
بحال من الأحوال".
وأما
حديث محمد بن جحادة الموقوف:
16-
روى الخطيب في مصنفه في «صلاة التسبيح» برقم (12) قال: أخبرنا أبو الحسن: أحمد بن
عبدالله بن محمد الأنماطي، قال: أخبرنا أبو الحسين: محمد بن المظفر بن موسى
الحافظ، قال: حدثنا أبو علي: الحسن بن محمد بن شعبة، قال: حدثنا محمد بن عمران
الهمداني [ح].
وأخبرنا
أبو بكر: محمد بن عبدالملك بن محمد بن عبدالله القرشي، قال: أخبرنا أبو الحسن: علي
بن عمر بن أحمد الحافظ، قال: حدثنا محمد بن مخلد، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن
حفص أبو سفيان الترمذي، سنة ثلاث وستين ومئتين، قال: حدثنا الجارود بن معاذ - واللفظ
لحديثه- قالا: حدثنا القاسم بن الحكم، قال: حدثنا أبو جناب، عن محمد بن جحادة، عن
أبي الجوزاء، قال: جاورت ابن عباس اثنتي عشرة سنة، ما تركت آية من القرآن إلا
سألته عنها. فقال ابن عباسٍ: «ألا أحبوك، ألا أدلك، ألا أرفدك، ألا أعلمك ما إذا
فعلته غفرت لك ذنوبك: سرها وعلانيتها، قديمها وحديثها، ما كان وما هو كائن؟ قلت:
بلى! قال: فإذا قرأت السورة؛ فقل: (لا إله إلا الله، والحمد لله، وسبحان الله،
والله أكبر) خمس عشرة، ثم اركع فقلها عشراً، ثم ارفع فقلها عشراً، ثم اسجد فقلها
عشراً، ثم ارفع فقلها عشراً، ثم اسجد فقلها عشراً، ثم ارفع فقلها عشراً، في كل
ركعة خمس وسبعين، وفي كل ركعتين خمسون ومئة، وفي كل أربع ثلاث مئة، فذلك في الحساب
ألف ومئتان، وفي الحسنات اثنا عشر ألفاً».
قلت:
هذا إسناد منكر! أبو جناب يحيى بن أبي يحيى الكلبي كان يدلس تدليساً شديداً، ولا
تعرف له رواية عن محمد بن جحادة! فالظاهر أنه دلسه عن يحيى بن عقبة بن أبي
العيزار، فيحيى له مناكير عن محمد بن جحادة لا تُروى إلا عنه، وهو واه متّهم.
ولو
كان هذا الحديث عند محمد بن حجادة لوجدناه عند أصحابه الثقات: شعبة وإسرائيل وهمام
والسفيانان وزهير بن معاوية وعبد الوارث بن سعيد وغيرهم.
قال
أبو الحسين الرهاوي: سمعت أبا نعيم يقول - وذكر أبا جناب الكلبي – فقال: "ما
كان به بأس إلا أنه كان يدلس، وما سمعت منه شيئاً إلا شيئاً قال فيه: حدثنا".
وقال
الإمام أحمد: قال أبو نعيم: "أبو جناب ثقة، كان يدلس، أحاديثه مناكير".
وقال
يحيى بن معين: "أبو جناب الكلبي: ضعيف الحديث".
وقال
جعفر بن أبان: قلت ليحيى بن معين، أبو جناب؟ قال: "ليس بشيء".
وقال
ابن أبي شيبة: سمعت يحيى بن معين - وذُكِرَ عنده أبو جناب الكلبي – فقال: "ضعيف
ضعيف".
وقال
ابن نُمير: "أبو جناب يحيى بن أبي حية: صدوق، كان صاحب تدليس، أفسد حديثه
بالتدليس، كان يحدِّث بما لم يسمع".
وقال
أبو حاتم الرازي: "كان يحيى القطان يُضعف أبا جناب الكلبي. وقال يزيد بن
هارون: كان أبو جناب يحدّثنا عن عطاء والضحاك وابن بريدة فإذا وقفناه نقول: سمعت
من فلان هذا الحديث؟ فيقول: لم أسمع منه، إنما أخذت من أصحابنا".
قال
عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سألت أبي عن أبي جناب الكلبي، فقلت: هو أحبّ إليك أو يحيى
البكاء؟ فقال: "لا هذا ولا هذا"، قلت: فإذا لم يكن في الباب غيرهما،
أيهما أكتب؟ قال: "لا تكتب منه شيئاً، ليس بالقوي، وعون بن ذكوان أحبّ إليّ
منه".
وقال
عمرو بن علي الفلاس: "متروك الحديث".
وقال
النسائي والدراقطني: "ضعيف".
وقال
ابن حبان: "وكان ممن يدلس على الثقات ما سمع من الضعفاء فالتزق به المناكير
التي يرويها عن المشاهير، فوهاه يحيى بن سعيد القطان، وحمل عليه أحمد بن حنبل حملاً
شديداً".
وأما
حديث عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس:
رواهُ
عن عمرو النّكري: يحيى بن عمرو بن مالك، ورَوْحُ بن المُسَيَّبِ، وجَعْفَرُ بن
سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، وعبّاد بن عبّاد المهلبي، ومهدي بن ميمون.
أما
يحيى وروح فروياه عن عمرو عن أبي الجوزاء عن ابن عباس مرفوعاً، وخالفهما جعفر وعباد
فروياه عن عَمْرِو بن مَالِكٍ النُّكْرِيِّ عن أبي الجَوْزَاءِ عن ابن عَبَّاسٍ قَوْلُهُ.
وأما
مهدي بن ميمون فرواه عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن عبدالله بن عمرو، فجعل
صحابيه "عبدالله بن عمرو بن العاص"!
17-
روى الخطيب في مصنفه في «صلاة التسبيح» برقم (13) قال: أخبرنا أبو الحسن: محمد بن
عبدالواحد بن محمد بن جعفر الثاني، ومحمد بن عبدالملك القرشي، قالا: أخبرنا عليّ
بن عمر الحافظ – هو الدارقطني-، قال: قرئ على عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز - وأنا
أسمع-: حدثكم محمد بن عبدالملك بن أبي الشوارب: حدثنا يحيى بن عمرو بن مالك، قال:
سمعت أبي يُحدِّث عن أبي الجوزاء، قال: بعث ابن عباس إلى أبي الجوزاء، فقال: «ألا
أجيزك، ألا أحبوك، ألا أعلمك شيئاً لو كنت أعظم أهل الأرض ذنباً لغفر الله لك؟
قال: أربع ركعات تصليهن قبل الظهر، تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، ثم تسبح
على إثرها خمس عشرة تسبيحة، وتحمد الله خمس عشرة، وتهلل خمس عشرة، وتكبر خمس عشرة،
ثم تركع، فإذا ركعت سبحت عشراً، وحمدت عشراً، وهللت عشراً، وكبرت عشراً، فإذا خررت
ساجداً، فسبح، واحمد الله، وكبر، وهلل، ثم ارفع رأسك فافعل نحواً مما فعلت، ثم
ارفع رأسك، فافعل كما فعلت في السجود، هذه بركعة واحدة، والثلاث البواقي مثل فعل
هذه».
قال:
أخبرني عليّ بن أبي علي البصري، قال: حدثنا علي بن عمر بن محمد الحربي، قال: حدثنا
عبدالله بن سليمان، قال: حدثنا عبدالله بن محمد بن يحيى الضعيف، قال: حدثنا يزيد
بن هارون، قال: أخبرنا روح بن المسيب، قال: حدثنا عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء،
عن ابن عباس، بهذا الحديث.
18-
روى الدارقطني في مصنفه في «صلاة التسبيح» قال: حدثنا أبو طالب الكاتب: علي بن
أحمد، قال: حدثنا الحسن بن عرفة، قال: حدثنا عباد بن عباد المهلبي، عن عمرو بن
مالك النكري، عن أبي الجوزاء قال: قال لي ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: «ألا
أجيزك؟ ألا أفديك؟ ألا أحبوك؟ ألا أدلك؟ قال فقلت: بلى، قال: تقوم للصلاة فتكبر
فتقرأ بأم القرآن وسورة، فإذا فرغت سبحت خمس عشرة -يعني مرة- وحمدت خمس عشرة مرة
وكبرت خمس عشرة مرة وهللت خمس عشرة مرة، ثم تركع فتسبح عشراً وتحمد عشراً وتكبر
عشراً وتهلل عشراً، ثم ترفع رأسك فتسبح عشراً وتحمد عشراً وتكبر عشراً وتهلل
عشراً، ثم تسجد فتسبح عشراً وتحمد عشراً وتكبر عشراً وتهلل عشراً، ثم ترفع رأسك
فتسبح عشراً وتحمد عشراً وتكبر عشراً وتهلل عشراً، ثم تسجد فتسبح عشراً وتحمد
عشراً وتكبر عشراً وتهلل عشراً، ثم تجلس فتقول مثل ذلك، ثم تقوم فتركع ركعة أخرى
وتصنع فيها كما صنعت في الأولى، ثم تصلي ركعتين أخريين فتصنع فيهما كما صنعت في
هاتين. قال: فيغفر الله لك ذنوبك قديمها وحديثها صغيرها وكبيرها وسرها وعلانيتها
وخطأها وعمدها».
قال
عبّاد: قال عمرو بن مالك: "كان أبو الجوزاء يأتي المسجد إذا نودي بصلاة
الظهر، فيقول للمؤذن: لا تعجلني عن ركعاتي فيصليهن ما بين الأذان والإقامة إلى
الظهر".
قلت:
يحيى بن عمرو بن مالك وروح بن المسيّب ضعيفان، وجعفر بن سليمان وعبّاد بن عبّاد
أحسن حالاً منهما.
قال
يحيى بن معين: "يحيى بن عمرو بن مالك النكري: ضعيف".
وقال
البخاري: "في حديثه نظر".
وقال
أبو زرعة الرازي: "ضعيف الحديث".
وقال
النسائي: "ضعيف".
وكان
حمّاد بن زيد يرميه بالكذب.
وقال
ابن حبان: "منكر الحديث جداً، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد عن الثقات
بالمفاريد التي لا أصول لها".
وأما
روح بن المسيّب، فقال يحيى بن معين: "روح بن المسيب أبو رجاء: صويلح".
وقال
عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سألت أبي عن روح بن المسيب؟ فقال: "هو صالح ليس
بالقوي".
وقال
ابن حبان: "كان روح ممن يروي عن الثقات الموضوعات ويقلب الأسانيد ويرفع
الموقوفات... لا تحل الرواية عنه ولا كتابة حديثه إلا للاختبار".
وأما
جعفر بن سليمان فكان من العبّاد المتقشفين، جالس زهاد البصرة فحفظ عنهم الكلام
الرقيق في الزهد، وجمع الرقاق، وله إفرادات ومناكير، وهو صالح الحديث".
وأما
عبّاد بن عبّاد المهلبي فصدوق من مشاهير علماء البصرة، وثقه غير واحد، وقال أبو
حاتم: "لا يحتج به"، وقال ابن سعد في الطبقات: "لم يكن بالقوي"،
وقال أيضاً: "ثقة ربما غلط".
قلت:
بالنظر إلى الاختلاف على عمرو بن مالك فإننا نُرجّح رواية جعفر وعباد الموقوفة على
رواية يحيى وروح المرفوعة، ويُحتمل أن الاختلاف من عمرو بن مالك نفسه، كان يرفعه
أحياناً ويوقفه أحياناً أخرى، ويدلّ على ذلك أن مهدي بن ميمون رواه عنه فجعل صحابي
الحديث: (عبدالله بن عمرو)، ورفعه أيضاً.
ومهدي
بن ميمون من الثقات، وهذا يدلّ على أن عمرو بن مالك كان يضطرب فيه.
·
حديث عبدالله بن عمرو بن العاص:
18-
روى أبو داود في «سننه» (2/30) قال: حدثنا محمد بن سُفْيَانَ الْأُبُلِّيُّ، قال:
حدثنا حَبَّانُ بن هِلَالٍ أبو حَبِيبٍ، قال: حدثنا مَهْدِيُّ بن مَيْمُونٍ، قال: حدثنا
عَمْرُو بن مَالِكٍ، عن أبي الْجَوْزَاءِ قال: حدثني رَجُلٌ كانت له صُحْبَةٌ - يَرَوْنَ
أَنَّهُ عبداللَّهِ بن عَمْرٍو – قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ائْتِنِي
غَدًا أَحْبُوكَ وَأُثِيبُكَ وَأُعْطِيكَ حتى ظَنَنْتُ أَنَّهُ يُعْطِينِي
عَطِيَّةً، قال: إذا زَالَ النَّهَارُ فَقُمْ فَصَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فذكر
نَحْوَهُ، قال: تَرْفَعُ رَأْسَكَ - يَعْنِي من السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ
فَاسْتَوِ جَالِسًا ولا تَقُمْ حتى تُسَبِّحَ عَشْرًا وَتَحْمَدَ عَشْرًا
وَتُكَبِّرَ عَشْرًا وَتُهَلِّلَ عَشْرًا، ثُمَّ تَصْنَعَ ذلك في الْأَرْبَعِ
الرَّكَعَاتِ. قال: فَإِنَّكَ لو كُنْتَ أَعْظَمَ أَهْلِ الأرض ذَنْبًا غُفِرَ لك
بِذَلِكَ. قلت: فَإِنْ لم أَسْتَطِعْ أَنْ أُصَلِّيَهَا تِلْكَ السَّاعَةَ! قال:
صَلِّهَا من اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ».
قال
أبو دَاوُد: "رَوَاهُ المُسْتَمِرُّ بن الرَّيَّانِ عن أبي الجَوْزَاءِ عن
عبداللَّهِ بن عَمْرٍو مَوْقُوفًا".
قلت:
أشار أبو داود إلى أن المستمر بن الريان خالف عمرو بن مالك في هذا فوقف الحديث،
وهذا يؤكد أن عمرو بن مالك كان يضطرب فيه.
وعمرو
النّكري هذا من أهل الصدق لكن له أوهام وأغلاط.
ذكره
ابن حبان في «الثقات» (7/228) قال: "عمرو بن مالك النكري، كنيته أبو مالك، من
أهل البصرة، يروي عن أبي الجوزاء، روى عنه: حماد بن زيد، وجعفر بن سليمان، وابنه
يحيى بن عمرو، ويُعتبر حديثه من غير رواية ابنه عنه، مات سنة تسع وعشرين ومائة".
ثم
أعاده في الطبقة التي بعدها (8/487) وقال: "عمرو بن مالك النكري، من أهل
البصرة، يروي عن الفضيل بن سليمان، حدثنا عنه إسحاق بن إبراهيم القاضى وغيره من
شيوخنا، يُغرب ويخطئ".
وقال
في «مشاهير علماء الأمصار» (ص155): "عمرو بن مالك النكري أبو مالك، والد يحيى
بن عمرو، وقعت المناكير في حديثه من رواية ابنه عنه، وهو في نفسه صدوق اللهجة".
وقال
في «المجروحين» فى ترجمة (ابنه يحيى) (3/114): "كان منكر الرواية عن أبيه. ويُحتمل
أن يكون السبب في ذلك منه، أو من أبيه، أو منهما معاً، ولا نستحل أن يطلق الجرح
على مسلم قبل الإتضاح، بل الواجب تنكب كل رواية يرويها عن أبيه لما فيها من مخالفة
الثقات، ولوجود الأشياء المعضلات. على أن حماد بن زيد كان يرمي يَحْيَى بن عَمرُو
بنِ مالكٍ بالكذب".
فعمرو
بن مالك اضطرب في رواية هذا الحديث عن أبي الجوزاء، فكان يرفعه وأحيانا يوقفه،
وأحياناً يجعله عن (ابن عباس) وأحياناً عن (عبدالله بن عمرو)!
وقد
خالفه جماعة عن أبي الجوزاء، واختلفوا عليه أيضاً:
فرواه
عمران بن مسلم والمستمر بن الريّان، عن أبي الجوزاء، عن عبدالله بن عمرو، موقوفاً.
ورواه
غياث بن المسيب الراسبي، وأبان ابن أبي عياش وأبو جناب الكلبي، عن أبي الجوزاء، عن
عبدالله بن عمرو، مرفوعاً.
ورواه
يحيى بن سعيد الأنصاري وأبو مالك العقيلي، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، موقوفاً.
19-
روى العقيلي في «الضعفاء» (1/124) قال: حدثنا يحيى بن عثمان، قال: حدثنا نُعيم بن حماد،
قال: حدثنا يحيى بن سليم، عن عمران بن مسلم، عن أبي الجوزاء، عن عبدالله بن عمرو، عن
النبي عليه السلام أنه قال لرجل: ألا أخبرك، ألا أمنحك، وذكر صلاة التسابيح بطوله.
كذا
رواه مرفوعاً من حديث عمران بن مسلم، لكن قال البيهقى في «شعب الإيمان» (1/ 429)
بعد أن أخرج رواية أبي جناب المرفوعة – وستأتي لاحقاً-: "ورواه قتيبة بن سعيد،
عن يَحْيَى بنِ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي
الْجَوْزَاءِ قالَ: نَزَلَ عَلَيَّ عَبْدُاللهِ بنُ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ فذكر هذا
الحديث، ولم يرفعه إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يذكر
التسبيحات ابتداء القراءة، إنما ذكرها بعدها، ثم ذكرها في جلسة الاستراحة كما
ذكرها سائر الرواة، والله أعلم".
قلت:
فصرح البيهقي أنه لم يرفعه، وقتيبة بن سعيد أوثق من أبي نعيم، فالأرجح الوقف.
ويحيى
بن سليم الطائفي وثقه جماعة وليّنه أبو حاتم، وعمران بن مسلم كذلك، وحديثهما في
المتابعات لا بأس به؛ لأن الكلام فيهما إذا تفردا، ومتابع عمران ثقة وهو المستمر
بن الريّان.
20-
روى الخطيب البغدادي في مصنفه في «صلاة التسبيح» برقم (18) قال: أخبرنا محمد بن
أحمد بن رزق البزاز، قال: أخبرنا أحمد بن سلمان بن الحسن الفقيه، قال: قُرئ على
يحيى بن جعفر بن الزبرقان - وأنا أسمع-: حدثنا يحيى بن السكن، قال: حدثنا المستمر
بن الريان، قال: حدثنا أبو الجوزاء، عن عبدالله بن عمرو: أنه أوصى بأربع ركعات
ورغب فيهن، قال: «لتكبر، ثم لتقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر من القرآن، وتقول:
(سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) خمس عشرة مرة من قبل أن
تركع، وعشراً إذا ركعت، وعشراً إذا رفعت رأسك، وعشراً إذا سجدت، وعشراً إذا رفعت
رأسك».
قال:
وحدثنا غياث بن المسيب الراسبي، عن أبي الجوزاء، عن عبدالله بن عمرو، عن النبي صلى
الله عليه وسلم، مثله.
وزاد
فيه: «يغفر له ما قدم وما أخر، وما أسر وما أعلن».
قلت:
وغياث هذا مجهول.
قال
الذهبي في «الميزان» (5/408): "غياث بن المسيب الراسبي عن أبي الجوزاء: مجهول".
وبمثل
رواية غياث رُوي عن أبان بن أبي عياش، وعن أبي جناب الكلبي، كليهما، عن أبي
الجوزاء الربعي، عن عبدالله بن عمرو، مرفوعاً.
وقد
تقدمت رواية مهدي بن ميمون عن عمرو بن مالك النكري، عن أبي الجوزاء، عن عبد الله
بن عمرو، موقوفاً، موافقة لرواية المستمر بن الريان عن أبي الجوزاء الموقوفة.
أما
حديث أبان المرفوع:
21-
روى الخطيب البغدادي في مصنفه في «صلاة التسبيح» برقم (20) قال: أخبرني محمد بن
عبدالملك القرشي، قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ – هو الدارقطني-، قال: حدثنا أبو
صالح الأصبهاني: عبدالرحمن بن سعيد بن هارون، قال: أخبرنا محمد بن عاصم الأصبهاني،
قال: حدثنا عبدالعزيز بن أبان، قال: حدثنا سفيان الثوري، عن أبان ابن أبي عياش، عن
أبي الجوزاء، عن عبدالله بن عمرو، قال: قال لي: ألا أفيدك، ألا أعطيك، ألا أعلمك؟
قلت: بلى! فعلمني، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صلى أربع
ركعات بليل أو نهار، يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، ثم (يهلل، ويكبر، ويسبح،
ويحمد الله) خمس عشرة مرة، ثم يركع، (فيكبر، ويحمد، ويسبح، ويهلل) عشراً، ثم يرفع،
فيفعل مثل ذلك عشراً، ثم يسجد، فيفعل مثل ذلك عشراً، ثم يرفع، فيفعل مثل ذلك
عشراً، ثم يسجد، فيفعل مثل ذلك عشراً، ثم يرفع، فيقول مثل ذلك عشراً، ثم يقوم،
فيقرأ فاتحة الكتاب وسورة، ثم يفعل ذلك أربع ركعات، هذه ألف ومئتان، إلا غفر الله
له كل ذنب: قديم أو حديث، صغير أو كبير».
وقال
الدارقطني أيضاً: حدثنا أبو صالح الأصبهاني عبدالرحمن بن هارون، قال: أخبرنا محمد
بن عاصم الأصبهاني، قال: حدثنا عبدالعزيز بن أبان، قال: حدثنا سفيان الثوري، عن
أبان بن أبي عياش، عن أبي الجوزاء عن عبدالله ابن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال
لي: ألا أعطيك؟ ألا أعلمك؟ قلت: بلى فعلمني، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: «من صلى أربع ركعات بليل أو نهار يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، ثم
تهلل وتكبر وتسبح وتحمد الله خمس عشر مرة، ثم تركع فتكبر وتحمد وتهلل عشراً، ثم
ترفع فتفعل مثل ذلك عشراً، ثم تسجد فتفعل مثل ذلك عشراً، ثم ترفع فتفعل مثل ذلك
عشراً، ثم تسجد فتفعل مثل ذلك عشراً، ثم ترفع فتفعل مثل ذلك عشراً، ثم تقوم فتقرأ
بفاتحة الكتاب وسورة، ثم تفعل ذلك أربع ركعات هذه ألف ومائتان، إلا غفر الله عز
وجل له كل ذنب قديم أو حديث صغير أو كبير».
ورواه
عبدالعزيز بن خالد، عن إبراهيم بن طهمان، عن أبان بن أبي عياش، عن أبي الجوزاء، عن
عبدالله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما... فذكره بنحوه.
ورُوي
عن محمد بن فضيل بن غزوان، عن أبان بن أبي عياش، عن أبي الجوزاء قال: صحبت ابن
عمرو رضي الله عنهما فقال: يا أبا الجوزاء ألا أحبوك؟ ألا أجيزك؟ ألا أهب لك؟ ألا
أعطيك؟ ألا أفديك؟ قلت: بلى رحمك الله، قال: فإني آمرك بأربع ركعات سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول... وذكر الحديث نحوه، بطوله.
قلت:
أبان بن أبي عياش ليس بشيء.
كان
شعبة سيء الرأي فيه. قال يزيد بن هارون: قال شعبة: "داري وحماري في المساكين
صدقة إن لم يكن أبان بن أبي عياش يكذب في الحديث".
وقال
يحيى بن معين: "هو متروك، ليس حديثه بشيء". وقال مرة: "ضعيف".
وقال
أحمد بن حنبل: "لا يكتب عنه، كان منكر الحديث، ترك الناس حديثه".
وقال
أبو إسحاق السعدي الجوزجاني: "ساقط".
وقال
النسائي وأبو حاتم الرازي والدارقطني: "هو متروك".
وكان
أبو عوانة يقول: "لا أستحل أن أروي عنه شيئاً".
وساق
له ابن عدي بعض المناكير، ثم قال: "أرجو أنه لا يتعمد الكذب، لكنه يشتبه عليه
ويغلط، وعامة ما أتي فيه من رواية المجهولين".
وأما
حديث أبي جناب عن أبي الجوزاء عن عبدالله بن عمرو، مرفوعاً:
22-
روى البيهقي في «شعب الإيمان» (1/428) قال: أخبرنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي
الفوارس الحافظ، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ، قال: أخبرنا أبو شيبة
داود بن إبراهيم البغدادي، قال: حدثنا محمد بن حميد الرازي، قال: حدثنا جرير بن
عبدالحميد، قال: وجدت في كتابي بخطي عن أبي جناب الكلبي، عن أبي الجوزاء، عن عبدالله
بن عمرو، قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أحبيك، ألا أعطيك، ألا
أنحلك، ألا أجيزك؟ أربع ركعات، من صلاهن غفر له كل ذنب: قديم أو حديث، صغير أو
كبير، خطأ أو عمد. تبدأ، فتكبر أول الصلاة، ثم تقول قبل القراءة، خمس عشرة مرة:
(سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر). ثم تقرأ فاتحة الكتاب
وسورة، ثم تقولهن عشراً، ثم تركع، فتقولهن عشراً، ثم ترفع رأسك، فتقولهن عشراً، ثم
تسجد، فتقولهن عشراً».
فقال
العباس: من يطيق هذا؟! قال: «ولو في سنة، ولو في شهر، ولو في جمعة، ولو أن تقرأ بـ
{قل هو الله أحدٌ}.
رواه
الخطيب البغدادي في مصنفه في «صلاة التسبيح» برقم (21) قال: أخبرنا أبو عبدالله:
محمد بن علي بن يحيى بن سلوان المازني الدمشقي - ببيت المقدس-، قال: أخبرنا أبو
القاسم: الفضل بن جعفر بن محمد بن أحمد التميميّ المؤذن – بدمشق-، قال: أخبرنا أبو
شيبة، به.
قال
الخطيب: هكذا أخبرناه ابن سلوان غير مرة.
وقال
أبو شيبة داود بن إبراهيم بن روزبة: حدثنا محمد بن حميد الرازي، عن أبي الجوزاء،
عن عبدالله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا
أعطيك؟ ألا أنحلك؟ ألا أجيزك؟ أربع ركعات من صلاهن غفر له كل ذنب قديم أو حديث صغير
أو كبير خطأ أو عمد...»، وذكر الحديث بطوله.
قلت:
أبو جناب تركه كثير من أهل النقد لشدة تدليسه! وقد مرت روايته لهذا الحديث عن محمد
بن جحادة، عن أبي الجوزاء، قال: جاورت ابن عباس اثنتي عشرة سنة، ما تركت آية من
القرآن إلا سألته عنها. فقال ابن عباس، الحديث.
وهذا
إسناد منكر كما سبق بيانه، ولعله دلسه علن بعض الضعفاء.
وأما
حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس:
23-
روى الخطيب في مصنفه في «صلاة التسبيح» برقم (15) قال: أخبرنا الحسن بن علي بن
محمد الجوهري، قال: أخبرنا محمد بن المظفر الحافظ، قال: حدثنا إسحاق بن محمد بن
مروان، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو عاصم: عصمة بن عبدالله الأسدي، قال: حدثنا
محمد بن عبيدالله، عن يحيى بن سعيد، عن أبي الجوزاء، قال: قال ابن عباس: «ألا
أحبوك، ألا أعطيك، ألا أخبرك بشيء إذا فعلته غفرت لك ذنوبك: ما أسررت منها وما
أعلنت، وما عملت منها وما أنت عامل؟ قال: قلت: بلى! قال: تصلي أربع ركعات، تقرأ في
كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة معها؛ وتسبح مع كل تكبيرة خمس عشرة، وتحمد خمس عشرة،
وتهلل خمس عشرة، وتكبر خمس عشرة. قال: قلت: لا أقوى على هذا في كل يوم! قال: ففي
كل جمعة. قلت: لا أقوى! قال: ففي كل شهر. قال: قلت: لا أقوى! قال: ففي كل سنة».
قلت:
عصمة الأسدي ضعيف، وشيخه هو محمد بن عبيدالله العرزمي وهو متروك!
وأما
حديث أبي مالك العقيلي عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس:
24-
روى الخطيب في مصنفه في «صلاة التسبيح» برقم (16) قال: أخبرنا أبو سعيد: محمد بن
موسى بن الفضل الصيرفيّ – بنيسابور-، قال: أخبرنا محمد بن عبدالله بن أحمد الصفّار
الأصبهاني، قال: حدثنا عبدالله بن محمد بن عبيد القرشي، قال: حدثنا إسحاق بن
إبراهيم، قال: حدثنا عبيدالله بن موسى، قال: حدثنا أشرس أبو شيبان، عن أبي مالك
العقيلي، قال: كنت مع أبي الجوزاء - وكان إمام قومه-، فقال للمؤذن: إذا رأيتني،
فلا تقم الصلاة حتى أصلي. فصلاهن مراراً وأنا معه، قبل الظهر، أربع ركعات، فسألته؟
فقال: حدثني ابن عباس، قال: «ما من رجل صلى هذه الأربع ركعات، ثم كانت له ذنوب مثل
زبد البحر إلا غفرت له ذنوبه. فقلت: وما زبد البحر؟ فقال: إن هذا الخلق أحاط بهم
بحر. فقلت: وما بعد البحر؟ قال: هواء. قلت: وما بعد الهواء؟ قال: بحر أحاط بهذا
الهواء والبحر الداخل، إلى سبعة أبحر، والثامن هواء. قلت: وما بعد الثامن؟ قال: ثم
انتهى الأمر. لو أن رجلاً صلى هذه الأربع ركعات، ثم كانت ذنوبه مثل عدد البحور
السبعة وما في ذاك الهواء من: شجرة، أو ورقة، أو حصى، أو ثرى، إلا انصرف مغفوراً
له!
قال
ابن عباس: تقوم فتكبر، ثم تقرأ، ثم تقول بعد القراءة خمس عشرة مرة: (لا إله إلا
الله، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)، فهذه واحدة، ثم
تركع فتقولها عشر مرات، وحين ترفع عشر مرات، وحين تسجد عشر مرات، وحين ترفع عشر
مرات، ثم تقوم فتقولها خمس عشرة مرة».
قلت:
أشرس أبو شيبان مستور الحال، وأبو مالك العقيلي هو بُدَيْل بن مَيْسَرَةَ، وهو
ثقة. والرواية عن المستمر أحسن حالاً مما روي عن أبي مالك عن أبي الجوزاء.
والخلاصة
أن أقوى الأسانيد عن أبي الجوزاء ما رواه المستمر بن الريان وأبو مالك العقيلي،
وكلاهما ثقة، وكلاهما وقف الحديث، لكن المستمر جعل صحابيه (عبدالله بن عمرو) وأبو
مالك جعله (عبدالله بن عباس).
فهل
هذا الاختلاف من أبي الجوزاء نفسه؟! وهل هذا الاختلاف لا يضر الحديث؛ لأن كليهما
صحابي؟
هذا
الاختلاف لا يضر إذا ثبت أن أبا الجوزاء سمع منهما، لكن هل سمع منهما؟!
قال
البخاري في «التاريخ الكبير» (2/16): "أوس بن عبدالله الربعي أبو الجوزاء
البصري: سمع عبدالله بن عمرو، روى عنه بديل بن ميسرة. قال يحيى بن سعيد: قتل أبو
الجوزاء سنة ثلاث وثمانين في الجماجم. وقال لنا مسدد عن جعفر بن سليمان عن عمرو بن
مالك النكري عن أبي الجوزاء قال: أقمت مع ابن عباس وعائشة اثنتي عشرة سنة ليس من القرآن
آية إلا سألتهم عنها. في إسناده نظر".
قلت:
أثبت البخاري سماع أبي الجوزاء من عبدالله بن عمرو، وضعف الإسناد الذي فيه أنه سمع
من ابن عباس وعائشة.
لكن
قال العقيلي في «الضعفاء» (1/124) في ترجمة «أوس بن عبدالله الربعي أبو الجوزاء»: حدثني
آدم بن موسى قال: سمعت البخاري يقول: "أوس بن عبدالله الربعي أبو الجوزاء، بصري،
سمع عبدالله بن عمرو، روى عنه عمران بن مسلم، في إسناده نظر".
قال
العقيلي: والحديث حدثنا يحيى بن عثمان قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: حدثنا يحيى بن
سليم، عن عمران بن مسلم، عن أبي الجوزاء، عن عبدالله بن عمرو، عن النبي عليه السلام
أنه قال لرجل: ألا أخبرك، ألا أمنحك، وذكر صلاة التسبيح بطوله.
قال:
"وليس في صلاة التسبيح حديث يثبت".
قلت:
فالذي عدّه العقيلي أن في إسناد نظر هو حديثه عن عبدالله بن عمرو في صلاة التسبيح!
فساقه وضعف كلّ أحاديث الباب.
والظاهر
مما نقله من كتاب البخاري أنه قصد بالإسناد الذي فيه نظر هو: "وقال لنا مسدد
عن جعفر بن سليمان عن عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء قال: أقمت مع ابن عباس
وعائشة اثنتي عشرة سنة ليس من القرآن آية إلا سألتهم عنها".
فيُحتمل
أن هذا سقط من النسخة التي اعتمدها العقيلي أو أنه اختصر هذا، ورأى أن قول البخاري
"في إسناده نظر" لما رواه من حديث التسبيح وما رواه عن ابن عباس وعائشة.
وقد
يؤيد هذا ما ذكره ابن عدي أيضاً في ترجمة أبي الجوزاء من كتابه «الكامل» (1/411)
قال: سمعت محمد بن أحمد بن حماد يقول: قال البخاري: "أوس بن عبدالله الربعي
أبو الجوزاء البصري، في إسناده نظر".
قال
ابن عدي: "وأوس بن عبدالله أبو الجوزاء هذا يُحدِّث عنه عمرو بن مالك النكري عن
ابن عباس قدر عشرة أحاديث غير محفوظة. وأبو الجوزاء روى عن الصحابة: ابن
عباس وعائشة وابن مسعود وغيرهم، وأرجو أنه لا بأس به، ولا يصحح روايته عنهم أنه
سمع منهم! ويقول البخاري "في إسناده نظر" أنه لم يسمع من مثل ابن
مسعود وعائشة وغيرهما، إلا أنه ضعيف عنده، وأحاديثه مستقيمة مستغنية عن أن أذكر
منها شيئاً في هذا الموضع".
قلت:
فكأن العقيلي وابن عدي يريان أن البخاري لا يُثبت سماع أبي الجوزاء من أي صحابي.
وله حديث واحد فقط في صحيح مسلم، رواه عنه أبو مالك العقيلي بُديل عن عائشة في صفة
صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال
ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (1/335): "وقول البخاري (في إسناده نظر ويختلفون
فيه) إنما قاله عقب حديث رواه له في التاريخ من رواية عمرو بن مالك النّكري، والنكري
ضعيف عنده".
ثم
قال بعد أن نقل كلام ابن عدي في تفسير قول البخاري أنه لم يسمع من ابن مسعود
وعائشة: "قلت: حديثه عن عائشة في الافتتاح بالتكبير عند مسلم، وذكر ابن عبد
البر في التمهيد أيضاً أنه لم يسمع منها. وقال جعفر الفريابي في كتاب الصلاة: حدثنا
مزاحم بن سعيد: حدثنا ابن المبارك: حدثنا إبراهيم بن طهمان: حدثنا بديل العقيلي،
عن أبي الجوزاء، قال: أرسلت رسولاً إلى عائشة يسألها، فذكر الحديث. فهذا ظاهره أنه
لم يشافهها، لكن لا مانع من جواز كونه توجه إليها بعد ذلك فشافهها على مذهب مسلم
في إمكان اللقاء، والله أعلم".
قال
ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/304): "أوس بن عبدالله الربعي، من ربيعة
الأزد، أبو الجوزاء، بصري. روى عن عائشة وابن عباس وعبدالله بن عمرو، روى عنه:
بديل بن ميسرة وعمرو بن مالك النكري. سمعت أبي يقول ذلك، ويقول: هو ثقة. سئل أبو
زرعة عن أبي الجوزاء أوس بن عبدالله الربعي، فقال: بصري ثقة".
قلت:
كان أبو الجوزاء من العبّاد الزهاد، وكان إمامًا لمسجد، ومثله من الصالحين يعتني
بمثل هذه الأمور دون النظر إلى صحتها، وكم من راو ضعفه أهل العلم في الرواية وهو من
أهل الصلاح والعبادة والزهد؛ فهؤلاء لا يعتنون بالحديث.
قال
مالك بن أنس: "أدركت مشايخ بالمدينة أبناء سبعين وثمانين لا يؤخذ عنهم، ويقدم
ابن شهاب وهو دونهم في السن فيزدحم الناس عليه"، وذلك لأنهم من أهل الصلاح
الذين لا يعتنون بالحديث بخلاف ابن شهاب فإنه متثبت في الرواية.
وقال
أبو الزناد: "أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون لا يؤخذ عنهم العلم، كان يُقال:
ليس هم من أهله".
وكم
من راو ذكره ابن حبان في الضعفاء وأشار إلى صلاحه وزهده لكنه ليس من أهل الرواية
فكان يخلط ويغلط ويهم.
وكذلك
لم يثبت سماع أبي الجوزاء من ابن عباس (ت68هـ)، ولا من عبدالله بن عمرو (ت65هـ)،
وصلاة التسبيح عبادة، والعبادة كهذه الصلاة يجب أن تثبت بأسانيد صحيحة لا علل فيها
وتكون مشهورة، ومن العجيب أن يتفرد بها (أبو الجوزاء) فقط! ولا يعرفها أصحاب ابن
عباس وأصحاب عبدالله بن عمرو على كثرتهم، وهما من أعمدة الرواية وكان يُرحل إليهما
في الحديث، بل لا يعرفها عنهما أهل بيتهما! والحديث موقوف على كل الأحوال، ولا يصح
رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
·
رواية عمرو بن شعيب عن أبي عن
جدّه:
قال
الدارقطني: "ورُوي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه عبدالله بن عمرو - رضي
الله تعالى عنهما-، وهو غريب عنه، وقال فيه: إنه علمها لجعفر".
25-
قال: حدثنا أبو بكر عبدالله بن سليمان بن الأشعث - قراءة علينا من لفظه-، قال: حدثنا
محمود بن خالد، قال: حدثنا عمر بن عبدالواحد، عن ابن ثوبان، قال: حدثني الثقة، عن عمرو
بن شعيب، عن أبيه، عن جده - رضي الله تعالى عنه -، عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال لجعفر رضي الله تعالى عنه: «ألا أهب لك؟ ألا أمنحك؟ ألا
أفديك؟ ألا أعطيك؟»، حتى ظننت أنه سيعطيني جزيلاً من الدنيا، قال: قلت، بلى يا
رسول الله، قال: «تصلي في كل يوم، أو في كل ليلة، أو في كل جمعة، أو في كل شهر، أو
في كل سنة، تقرأ بأم القرآن وسورة ثم تكبر وتحمد وتسبح وتهلل قبل أن تركع خمس
عشرة، وإذا ركعت عشراً، وإذا قلت سمع الله لمن حمده عشراً، وإذا سجدت عشراً، وإذا
رفعت رأسك عشراً، وإذا سجدت عشراً،
وإذا رفعت رأسك عشراً، في كل ركعة ثلاثمائة وفي كل أربع ركعات ألف ومائتين. يغفر
الله لك ذنوبك ما أسررت وما أعلنت».
أخرجه
الخطيب في مصنفه في «صلاة التسبيح» برقم (23) عن أبي الحسن محمد بن عبدالواحد وعلي
بن أبي علي البصري، كلاهما عن علي بن عمر بن مهدي الحربي المعدل، وهو الدارقطني.
قلت:
وهذا إسناد مجهول، فشيخ ابن ثوبان مجهول لا يُعرف!
·
حديث أبي رافع:
26-
روى الترمذي في «جامعه» (باب ما جاء في صلاة التسبيح) برقم (482) قال: حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ، قال: حَدَّثَنَا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ العُكْلِيُّ،
قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بنُ عُبَيْدَةَ، قال: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بنُ أَبِي
سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِي
رَافِعٍ، قال: «قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلعَبَّاسِ:
يَا عَمِّ! أَلا أَصِلُكَ.. أَلا أَحْبُوكَ.. أَلا أَنْفَعُكَ.. قالَ: بَلَى يَا
رَسُولَ اللهِ، قَالَ: يَا عَمِّ صَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، تَقْرَأُ فِي كُلِّ
رَكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، فَإِذَا انْقَضَتِ الْقِرَاءَةُ
فَقُلِ: اللهُ أَكْبَرُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللهِ وَلا إِلَهَ إِلا
اللهُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً قَبْلَ أَنْ تَرْكَعَ، ثُمَّ ارْكَعْ، فَقُلْهَا
عَشْراً، ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ، فَقُلْهَا عَشْراً، ثُمَّ اسْجُدْ فَقُلْهَا
عَشْراً، ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ، فَقُلْهَا عَشْراً، ثُمَّ اسْجُدِ الثَّانِيَةَ،
فَقُلْهَا عَشْراً، ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ، فَقُلْهَا عَشْراً، قَبْلَ أَنْ
تَقُومَ فَتِلْكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، هِيَ ثَلاثُ مِائَةٍ فِي
أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُكَ مِثْلَ رَمْلِ عَالِجٍ، لَغَفَرَهَا
اللهُ لَكَ. قالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَهَا فِي
كُلِّ يَوْمٍ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَقُولَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ،
فَقُلْهَا فِي جُمْعَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَقُولَهَا فِي جُمُعَةٍ،
فَقُلْهَا فِي شَهْرٍ، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ لَهُ، حَتَّى قَالَ: فَقُلْهَا فِي
سَنَةٍ».
وأخرجه
ابن ماجه في «سننه»، باب ما جاء في صَلَاةِ التَّسْبِيحِ، (1/442) برقم (1386) عن
مُوسَى بن عبدالرحمن أبي عِيسَى الْمَسْرُوقِيُّ، عن زَيْد بن الحُبَابِ.
والروياني
في «مسنده» برقم (699) عن سفيان، عن زيد بن حباب.
والطبراني في «المعجم الكبير» (1/329) برقم (987)
عن عُبَيْد بن غَنَّامٍ، عن أبو بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ، عن زَيْد بن الحُبَابِ.
والبيهقي
في «شعب الإيمان» (1/427) عن أبي بكر محمد بن أحمد بن خنب، عن أبي بكر يحيى بن أبي
طالب، عن زيد بن حباب.
وابن
عساكر في «تاريخ دمشق» (52/242) من طريق أبي بكر محمد بن حاتم بن زنجوية البخاري، قال:
أخبرني أبو القاسم عتيق بن عبدالرحمن الأسدي – بإذنه-، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن
حرب الطائي الموصلي، قال: حدثنا زيد بن الحباب، عن موسى بن عبيدة، قال: حدثني سعيد
بن أبي سعيد مولى آل حزم، عن أبي رافع، عن العباس بن عبد المطلب: أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال له: يا عم، الحديث.
قال
ابن عساكر: "كذا قال عن العباس! وإنما هو من رواية أبي رافع عن النبي صلى
الله عليه وسلم".
ثم
ساقه من طريق أبي بكر ابن المقرئ، عن أبي يعلى، عن أبي بكر ابن أبي شيبة، عن زيد
بن الحباب العكلي، عن موسى بن عبيدة، قال: أخبرني سعيد بن أبي سعيد مولى أبي بكر
بن محمد بن عمرو ابن حزم، عن أبي رافع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
للعباس: يا عم، الحديث.
قال
البيهقي بعد أن رواه في الشعب: "هذا الحديث أخرجه أبو عيسى الترمذي في كتاب
الجامع بهذا الإسناد، وأخرجه أبو داود بالإسناد الذي ذكرناه في كتاب الدعوات، وفي
كتاب السنن، وكان عبدالله بن المبارك يفعلها، وتداولها الصالحون بعضهم من بعض،
وفيه تقوية للحديث المرفوع، وبالله التوفيق".
قلت:
عمل الصالحين بحديث ضعيف ليس بحجة ولا يقوي الحديث!
وحديث
أبي رافع هذا لا يصح.
قال
الترمذي: "هذا حديث غريب من حديث أبي رافع".
وقد
تفرد به من هذه الطريق موسى بن عبيدة الربذي، وهو منكر الحديث!
قال
ابن معين: "ليس بشيء"، وقال مرة: "لا يُحتج بحديثه".
وقال
البخارى: "منكر الحديث قاله أحمد بن حنبل. وقال علي بن المديني عن القطان
قال: كنا نتقيه تلك الأيام".
وقال
أحمد: "لا يُكتب حديثه".
وقال
يعقوب بن شيبة: "صدوق، ضعيف الحديث جداً".
وقال
أبو حاتم الرازي: "منكر الحديث".
وقال
علي بن الجنيد: "متروك الحديث".
وقال
النسائي والدارقطني: "ضعيف".
وقال
ابن سعد: "ثقة، وليس بحجة" - يعني ثقة في نفسه، ولكنه ليس بحجة في
الحديث.
وقال
ابن عدي: "الضعف على رواياته بيّن".
·
حديث عبدالله بن عمر بن الخطاب:
27-
روى الحاكم في «المستدرك» (1/464) قال: حَدَّثنا أَبُو عَلِيٍّ: الحُسَيْنُ بنُ
عَلِيٍّ الْحَافِظُ - إِمْلَاءً مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ-، قال: حدثنا أَحْمَدُ بنُ
دَاوُدَ بنِ عَبْدِالغَفَّارِ – بِمِصْرَ-، قال: حدثنا إِسْحَاقُ بنُ كَامِلٍ، قال:
حدثنا إِدْرِيسُ بنُ يَحْيَى، عَنْ حَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ، عَنْ يَزِيدَ بنِ أَبِي
حَبِيبٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، قَالَ: وَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ إِلَى بِلَادِ الْحَبَشَةِ،
فَلَمَّا قَدِمَ اعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ قالَ: «أَلَا
أَهَبُ لَكَ، أَلَا أُبَشِّرُكَ، أَلَا أَمْنَحُكَ، أَلَا أُتْحِفُكَ؟» قَالَ:
نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «تُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَقْرَأُ فِي
كُلِّ رَكْعَةٍ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ، ثُمَّ تَقُولُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ
وَأَنْتَ قَائِمٌ قَبْلَ الرُّكُوعِ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ،
وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ
إِلَّا بِاللَّهِ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً، ثُمَّ تَرْكَعُ فَتَقُولُهُنَّ عَشْرًا
تَمَامَ هَذِهِ الرَّكْعَةِ قَبْلَ أَنْ تَبْتَدِئَ بِالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ،
تَفْعَلُ فِي الثَّلَاثِ رَكَعَاتٍ كَمَا وَصَفْتَ لَكَ حَتَّى تُتِمَّ أَرْبَعَ
رَكَعَاتٍ».
قال
الحاكم: "هذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ
بِهِ عَلَى صِحَّةِ هذَا الْحَدِيثِ اسْتِعْمَالُ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَتْبَاعِ
التَّابِعِينَ إِلَى عَصْرِنَا هَذَا إِيَّاهُ وَمَوَاظَبَتُهُمْ عَلَيْهِ
وَتَعْلِيمُهُنَّ النَّاسَ، مِنْهُمْ عَبْدُاللَّهِ بنُ الْمُبَارَكِ رَحْمَةُ
اللَّهِ عَلَيْهِ".
قلت:
تعقبه الحافظ العراقي فقال في ذيله على الميزان: "قلت: بل هو مظلم لا نور
عليه، وأحمد بن داود كذبه الدارقطني وغيره، وهو مذكور في الميزان، وإسحاق بن كامل
ذكره ابن يونس في تاريخ مصر، وقال: لم يتابع في حديثه مناكير، توفي في شعبان سنة
خمس وستين ومائتين. وله حديث آخر بهذا الإسناد متنه: (لموقف في سبيل الله لا يسل
فيه سيف ولا يطعن فيه برمح ولا يرمى فيه بسهم أفضل من عبادة ستين سنة لا يعصي الله
فيها طرفة عين)، أورده الحافظ عبدالكريم في تاريخ مصر في ترجمة أحمد بن عبيدالله
الدارمي الراوي له عن إسحاق بن كامل".
قلت:
إسناده موضوع.
أحمد
بن داود بن عبدالغفار الحراني متّهم بالوضع.
قال
الدارقطني: "متروك كذاب".
وقال
ابن حبان: كان بالفسطاط يضع الحديث، لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل الإبانة
لأمره ليتنكب حديثه".
وقال
ابن طاهر: "كان يضع الحديث".
وقال
أبو سعيد بن يونس: "حدث عن أبي مصعب بحديث منكر، فسألته عنه فأخرجه من كتابه
كما حدث به".
وأما
قول الحاكم بأن استعمال الأئمة لهذا الحديث والمواظبة عليه يدل على صحته فغير
صحيح!
فلا
يُعرف من عمل به من أتباع التابعين والأئمة إلى أفرادا فقط كأبي الجوزاء وابن
المبارك. والعمل عند بعض أهل العلم بمثل هذا الحديث اجتهاد منهم ولا يرفع عملهم به
الحديث إلى درجة الصحة!
وأخرج
الحاكم الرواية عن ابن المبارك فقال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ
عَبْدِاللَّهِ الْجَرَّاحُ الْعَدْلُ – بِمَرْوَ-، قال: حدثنا يَحْيَى بنُ
سَاسَوَيْهِ، قال: حدثنا عَبْدُالكَرِيمِ بنُ عَبْدِاللَّهِ السُّكَّرِيُّ، قال:
حدثنا أَبُو وَهْبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُزَاحِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَاللَّهِ بنَ
المُبَارَكِ، عَنِ الصَّلَاةِ الَّتِي يُسَبَّحُ فِيهَا، فقَالَ: "تُكَبِّرُ
ثُمَّ تَقُولُ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ،
وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ، ثُمَّ تَقُولُ خَمْسَ عَشْرَةَ
مَرَّةً: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،
وَاللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ تَتَعَوَّذُ وَتَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ وَفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةً، ثُمَّ تَقُولُ عَشْرَ مَرَّاتٍ:
سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ
أَكْبَرُ، ثُمَّ تَرْكَعُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ
فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَسْجُدُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ
رَأْسَكَ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَسْجُدُ الثَّانِيَةَ فَتَقُولُهَا
عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ فَتَقُولُهَا عَشْرًا تُصَلِّي أَرْبَعَ
رَكَعَاتٍ عَلَى هَذَا فَذَلِكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ تَسْبِيحَةً فِي كُلِّ
رَكْعَةٍ، وَذَلِكَ تَمَامُ الثَّلَاثِ مِائَةٍ، فَإِنْ صَلَّاهَا لَيْلًا
فَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُسَلِّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَإِنْ صَلَّى نَهَارًا
فَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُسَلِّمْ".
قال
الحاكم: "رُوَاةُ هذَا الحَدِيثِ عَنِ ابنِ المُبَارَكِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ أَثْبَاتٌ،
وَلَا يُتَّهَمُ عَبْدُاللَّهِ أَنْ يُعَلِّمَهُ مَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ
سَنَدُهُ".
وأخرجه
الترمذي في «جامعه» (2/348) عن أَحْمَد بن عَبْدَةَ، قال: حدثنا أبو وَهْبٍ، قال:
سَأَلْتُ عَبْدَاللَّهِ بن الْمُبَارَكِ، فذكره.
وفي
آخره: قال أبو وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي عبدالعَزِيزِ بن أبي رِزْمَةَ عن عبد اللَّهِ،
أَنَّهُ قال: "يَبْدَأُ في الرُّكُوعِ بِسُبْحَانَ رَبِيَ الْعَظِيمِ، وفي
السُّجُودِ بِسُبْحَانَ رَبِيَ الأعلى ثَلَاثًا، ثُمَّ يُسَبِّحُ التَّسْبِيحَاتِ".
قال
أَحْمَدُ بن عَبْدَةَ: وَحَدَّثَنَا وَهْبُ بن زَمْعَةَ قال: أخبرني عبدالعَزِيزِ –
وهو: ابن أبي رِزْمَةَ – قال: قلت لِعَبْدِاللَّهِ بن المُبَارَكِ: إن سَهَا فيها
يُسَبِّحُ في سَجْدَتَيْ السَّهْوِ عَشْرًا عَشْرًا؟ قال: "لا، إنما هِيَ
ثلاثمائة تَسْبِيحَةٍ".
قلت:
نعم، صحّ ذلك عن ابن المبارك، لكن هذا لا يجعل الحديث صحيحا! وتعليم ابن المبارك
لابن مزاحم لا يعني أنه قد صح سنده عنده.
والملاحظ
أن هذه الصفة التي ذكرها ابن المبارك تختلف عن الصفة التي جاءت في الأحاديث! وقد
نبّه ابن مفلح الحنبلي إلى أن ابن المبارك ربما استحب هذه الصفة لئلا يتخذ بعضهم
هذه الصلاة كسنة ولم يثبت الخبر فيها.
قال
في «الفروع» (1/507): "ونصَّ أحمد وأئمة أصحابه على كراهتها، ولم يستحبها
إمام، واستحبها ابن المبارك على صفةٍ لم يرد بها الخبر لئلا تثبت سنة بخبرٍ لا
أصل له". وهذا قول الإمام ابن تيمية كما سبق نقله.
وعلى
كلّ حال فإن فعل ابن المبارك ليس بحجّة ولا يصحح الأحاديث الواهية الواردة في هذه
الصلاة.
·
حديث أمّ المؤمنين أم سلمة:
28-
روى الخطيب في مصنفه في «صلاة التسبيح» برقم (26) قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن
رزق، قال: حدثنا أبو الحسين: عبدالصمد بن علي بن محمد بن الطستي، قال: حدثنا موسى
بن إسحاق بن موسى الأنصاريّ، قال: حدثنا أبو إبراهيم الترجماني: إسماعيل بن
إبراهيم بن بسّام، قال: حدثنا عمرو بن جميع، عن عمرو بن قيس، عن سعيد بن جبير، عن
أم سلمة، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في يومي وليلتي، حتى إذا كان في
الهاجرة، جاءه إنسان فدق الباب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذا؟.
فقالوا: العباس بن عبد المطلب. قال: الله أكبر! لأمرٍ ما جاء؛ فأدخلوه. فلما دخل،
قال: يا عباس! يا عمّ النبي! ما جاء بك في الهاجرة؟!. فقال: يا رسول الله! بأبي
أنت وأمي! ذكرت ما كان مني في الجاهلية، فعرفت أنه لن يغني عني بعد الله غيرك.
فقال: الحمد لله الذي ألقى ذلك في قلبك! يا عباس! يا عم النبي! أما إنه، لا أقول
لك بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس، صل أربع ركعات، اقرأ
فيهن بأربع سور من طوال المفصل، فإذا قرأت الحمد وسورة، فقل (سبحان الله، والحمد
لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)، هذه واحدة، قلها خمس عشرة مرة. فإذا ركعت،
فقلها عشراً، فإذا رفعت رأسك من الركوع، فقلها عشراً، فإذا سجدت، فقلها عشراً،
فإذا رفعت رأسك من السجود، فقلها عشراً، فإذا سجدت الثانية، فقلها عشراً، فإذا
رفعت رأسك قبل أن تقوم، فقلها عشراً.
والذي
نفس محمد بيده! لو كانت ذنوبك: عدد نجوم السماء، وعدد قطر المطر، وعدد أيام
الدنيا، وعدد الحصى، وعدد الشجر والمدر والثرى، لغفرها الله لك. قال: يا رسول
الله! بأمي أنت وأمي ومن يطيق ذلك؟! قال: قلها في كل يوم مرة. قال: ومن يطيق ذلك؟!
قال: فقلها في كل جمعة مرة. قال: ومن يطيق ذلك؟! قال: فقلها في كل شهر مرة. قال:
ومن يطيق ذلك؟! قال: فقلها في كل سنةٍ مرة. قال: ومن يطيق ذلك؟! قال: فقلها في
عمرك كله مرة».
قال:
وأخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، قال: أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي، قال: حدثنا
العباس بن أحمد، قال: حدثنا أبو إبراهيم الترجماني.
وذكر
بإسناد هذا الحديث، مثل سياقه سواء، لم يختلفا إلا في الحرف ونحوه.
قلت:
هذا إسناد موضوع! والمتهم به عمرو بن جميع.
قال
يحيى بن معين: "شيخ يقال له عمرو بن جميع كان ببغداد وقع إلى حلوان: ليس بثقة
ولا مأمون"، وقال أيضاً: "عمرو
بن جميع صاحب الأعمش وليث بن أبي سليم كان يحدث في المسجد، وكان كذاباً خبيثاً".
وقال
النسائي والدارقطني: "متروك الحديث".
وقال
ابن عدي: "رواياته عن من روى ليس بمحفوظة، وعامتها مناكير، وكان يُتّهم
بوضعها".
وقال
ابن حبان: "كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات والمناكير عن المشاهير، لا يحلّ
كتابة حديثه ولا الذكر عنه إلا على سبيل الاعتبار".
وقال
الحاكم: "روى عن هشام بن عروة وغيره أحاديث موضوعة".
وقال
أبو نُعيم: "يروي عن هشام بن عروة المناكير".
وقال
أبو الفتح الأزدي: "غير ثقة ولا مأمون".
والخلاصة
أنه لم يثبت أيّ حديث في صلاة التسبيح، وكلّ أحاديثها واهية! وأقواها ما رواه
المستمر بن الريان عن أبي الجوزاء عن عبدالله بن عمرو موقوفاً، وخالفه أبو مالك
العقيلي فرواه عن أبي الجوزاء عن ابن عباس موقوفاً.
وأبو
الجوزاء لم يثبت سماعه من عبدالله بن عمرو ولا من ابن عباس.
·
خلاصة وفوائد:
1-
اختلف أهل العلم في حكم صلاة التسبيح نظراً لاختلافهم في تصحيح طرق الحديث
وتضعيفه، وقد أكثروا من التصنيف فيها.
2-
أما المتقدمون فقد جمعوا طرقها دون الكلام عليها، كما فعل الدارقطني والخطيب.
ولهذا لا يجوز نسبة تصحيح هذه الصلاة لهما.
3-
وأما المتأخرون فإنهم صححوا أحاديثها من خلال منهجهم في تقوية الأحاديث
بالشواهد!
4-
لا يوجد من المتقدمين من صحح أحاديث صلاة التسبيح، وعمل بعضهم بها لا يعني
تصحيح أحاديثها.
5-
ما نُقل عن بعض المتقدمين من أنهم صححوها كأبي داود ومسلم فهذا فيه نظر!
6-
من حكم بوضعها أو ضعفها من أهل العلم: ابن الجوزي، وابن دِحية الكلبي، والإمام
أحمد، والترمذي، والعقيلي، وابن العربي، وابن تيمية، وابن عبدالهادي، وسراج الدين
القزويني، والشوكاني.
7-
من حكم بصحتها أو حسنها: أبو علي ابن السكن، والآجري، والحاكم النيسابوري،
والبيهقي، والبغوي، والمنذري، وابن الصلاح، وابن ناصر الدين الدمشقي، وتقي الدين
السبكي، وولده تاج الدين، والعلائي، والبلقيني، والزركشي، والهيتمي، وابن الجزري،
والسيوطي، وابن طولون، وأبو الحسن السندي، والمباركفوري، واللكنوي، وأحمد شاكر،
والألباني.
8-
تردد النووي، وابن حجر في رأيهم حول هذه الصلاة، والأظهر أن النووي ضعفها، ومال
ابن حجر إلى تصحيحها.
9-
القول بأن الإمام أحمد رجع إلى تصحيحها لما ذُكر له حديث المستمر ليس بصحيح،
فإعجابه بأن المستمر قد رواه وهو ثقة لا يدل على ذلك.
10-
عمل ابن المبارك بصفة مخالفة لما جاء في أسانيد هذه الصلاة، وعمله لا يدل على
تصحيحه للأحاديث، والعمل ليس بحجة في إثباتها.
11-
قول الإمام مسلم لا يعني أنه يقبلها بل هو قال بأن أحسن الأسانيد إسناد واحد أشار
إليه، ولا يعني أنه يقبله. وأما نقل عن أبي داود فلعله تغيّر رأيه فيها، والله
أعلم.
12-
نسبة تصحيح هذه الصلاة للدارقطني والخطيب فيه نظر؛ فهما قد جمعا أسانيد هذه الصلاة
في جزء، والجمع لا يعني التصحيح أو القبول. وقد ينسحب هذا على ابن منده والسمعاني
فإنهما جمعا أسانيد هذه الصلاة، ولا يوجد تصريح عنهما في تصحيحها.
13-
ما نُقل عن الدارقطني أنه قال: "وأصحّ شيء في فضائل الصلوات فضل صلاة التسبيح)
لا يلزم من هذه العبارة أن يكون حديثُ صلاة التسبيح صحيحًا، فإنهم يقولون: هذا
أصحُّ ما جاء في الباب، وإن كان ضعيفًا، ومرادُهم أرجحُه وأقلُّه ضعفًا، كما بيّنه
النووي.
14-
ما نُسب إلى ابن خزيمة أنه يصححها ليس بصحيح، فإنه قبل أن يُخرّج الحديث في «صحيحه»
قال: "باب صَلَاة التَّسْبِيح إِن صَحَّ الخَبَر فَإِن فِي الْقلب منه".
15-
ما ما رُوي أن ابن عباس كان يواظب عليها ليس بصحيح!
16-
استنكر الإمام أحمد هذه الصلاة، وأما مالك وأبو حنيفة والشافعي وغيرهم فلم يستحبوها
بالكلية، ومن يستحبها من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما فإنما هو اختيار منهم، لا
نقل عن الأئمة.
17-
عمل بعض الصالحين والفقهاء بهذه الصلاة لا يعني صحتها، وإنما هو من التساهل في باب
الفضائل.
18-
استحبها من الفقهاء: الروياني والبغوي والقاضي حسين والغزالي والمحاملي والسبكي
والهيتمي من الشافعية. وأبو الوفاء بن عقيل، والشيخ موفق الدين المقدسي من
الحنابلة. وابن عابدين من الحنفية.
19-
تخريج الأئمة لحديث في السنن لا يعني أنه ليس موضوعا في حقيقة الأمر، فربما يرونه
ضعيفا لا موضوعا، والحقيقة أنه موضوع.
20-
ما نُسب لجمهور الفقهاء من عدم منعهم لها فليس بصحيح، وإنما بعض الفقهاء هم من
استحبوها، والجمهور على منعها؛ إلا إذا قُصد الفقهاء المتأخرون من الشافعية.
21-
أقدم من نُقل عنه أنه عمل بهذه الصلاة: أبو الجوزاء، وابن المبارك، وأَبُو
عُثْمَانَ الْحِيرِيُّ الزَّاهِدُ، وأَبُو مَنْصُورٍ الدَّيْلَمِيُّ.
22-
رُوي حديث «صلاة التسبيح» عن عدد من الصحابة، وهم: علي بن أبي طالب، وجعفر بن أبي
طالب، والعبّاس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، وعبدالله بن عباس، وعبدالله بن
عمرو بن العاص، وأبو رافع، وعبدالله بن عمر بن الخطاب، وأم سلمة.
23-
أقوى أسانيد هذه الأحاديث ما رُوي عن ابن عباس وما روي عن عبدالله بن عمرو، وهذه
الطرق هي عُمدة من صحح هذه الصلاة، ولكن فيها علل، وما عداها فهي منكرة.
24-
يُلاحظ أن معظم طرق صلاة التسبيح تُروى من طرق إلى آل البيت (علي، وجعفر، والعباس،
والفضل وعبدالله)! ومن أجل هذا حصل خلط في كثير من أسانيد الضعفاء والهلكى، فبعضهم
ينسبها لعلي أو لأخيه جعفر، وبعضهم للعباس أو ابنه الفضل أو عبدالله، وهكذا!
25-
جهالة الصحابي حتى لا تضر لها ضوابط، ولو صح أنه صحابي، فهذا يحتاج لإثبات سماعه
منه، فليس كل تابعي يروي عن صحابي يعني أنه سمع منه، وخاصة في حالة من عُرف
بالإرسال عن الصحابة، فيجب أن نتحقق من سماعه أولاً قبل الحكم على إسناده.
26-
رواية التابعي المجهول لا تصلح في باب الشواهد! فكيف نعتمد على رجل مجهول في تصحيح
رواية أخرى!
27-
إحدى طرق حديث ابن عباس ما رواه موسى بن عبدالعزيز أبو شعيب القنباري، عن الحكم بن
أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، موصولاً، مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وخالفه
إبراهيم بن الحكم بن أبان، فرواه عن أبيه، عن عكرمة، عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم مرسلاً: لم يذكر فيه ابن عباس.
وموسى
وإبراهيم فيهما كلام شديد، وإن كان موسى أحسن حالاً من إبراهيم، إلا أنه ترجح
رواية إبراهيم؛ لأن بلاءه مما ذكروه أنه كان يوصل المراسيل عن أبيه، وهنا لم يصل
الحديث، بل أرسله، وقد نصّ ابن المديني أنه رآه في أَصْلِ كِتَابِ إِبْرَاهِيمَ
بنِ الحَكَمِ بنِ أَبَانٍ، عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفًا عَلَى عِكْرِمَةَ، وقال عن
الحديث بأنه منكر.
28-
الحكم بن أبان عابد
صدوق له أوهام ومناكير، وكان - رحمه الله- يصلي من الليل، فإذا غلبته عيناه نزل
إلى البحر فقام في الماء يسبّح مع دواب البحر. وقد سمع من عكرمة، لأن عكرمة قدم
اليمن سنة مئة، وتوفي الحكم سنة أربع وخمسين ومئة.
فمثله
من العبّاد لم يكن لهم العناية الكبيرة بالحديث وحفظه فوقعت في رواياته الأوهام
والمنكرات وخاصة في مثل هذه الأحاديث في العبادات، فإن تفرد فلا يُقبل تفرده بأيّ
حديث.
29-
الطريق الآخر عن ابن عباس: رواه عنه أبو الجوزاء أوس بن عبدالله الربعي. ورواه عن
أبي الجوزاء: محمد بن جحادة الأودي، وعمرو بن مالك النكري، ويحيى بن سعيد
الأنصاري، وأبي مالك العقيلي.
وحديث
ابن جحادة روي عنه: مرفوعاً، وموقوفاً، والآخرون، روي عنهم موقوفاً، غير مرفوع.
أما
حديث ابن جحادة فلم يصح لا مرفوعا ولا موقوفا. وحديث عمرو بن مالك اختلف عليه
اختلافاً كثيراً.
رواهُ
عن عمرو بن مالك النّكري: يحيى بن عمرو بن مالك، ورَوْحُ بن المُسَيَّبِ،
وجَعْفَرُ بن سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، وعبّاد بن عبّاد المهلبي، ومهدي بن ميمون.
أما
يحيى وروح فروياه عن عمرو عن أبي الجوزاء عن ابن عباس مرفوعاً، وخالفهما جعفر
وعباد فروياه عن عَمْرِو بن مَالِكٍ النُّكْرِيِّ عن أبي الجَوْزَاءِ عن ابن
عَبَّاسٍ قَوْلُهُ.
وأما
مهدي بن ميمون فرواه عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن عبدالله بن عمرو، فجعل
صحابيه "عبدالله بن عمرو بن العاص"!
وبالنظر
إلى الاختلاف على عمرو بن مالك فإننا نُرجّح رواية جعفر وعباد الموقوفة على رواية
يحيى وروح المرفوعة، ويُحتمل أن الاختلاف من عمرو بن مالك نفسه، كان يرفعه أحياناً
ويوقفه أحياناً أخرى، ويدلّ على ذلك أن مهدي بن ميمون رواه عنه فجعل صحابي الحديث:
(عبدالله بن عمرو)، ورفعه أيضاً. ومهدي بن ميمون من الثقات، وهذا يدلّ على أن عمرو
بن مالك كان يضطرب فيه، وعمرو النّكري هذا من أهل الصدق لكن له أوهام وأغلاط.
وقد
خالف جماعة عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء، واختلفوا على أبي الجوزاء أيضاً:
فرواه
عمران بن مسلم والمستمر بن الريّان، عن أبي الجوزاء، عن عبدالله بن عمرو، موقوفاً.
ورواه
غياث بن المسيب الراسبي، وأبان ابن أبي عياش وأبو جناب الكلبي، عن أبي الجوزاء، عن
عبدالله بن عمرو، مرفوعاً.
ورواه
يحيى بن سعيد الأنصاري، وأبو مالك العقيلي، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، موقوفاً.
والذي
صحّ من هذه الأسانيد: ما رواه المستمر بن الريان وأبو مالك العقيلي، وكلاهما ثقة،
وكلاهما وقف الحديث، لكن المستمر جعل صحابيه (عبدالله بن عمرو) وأبو مالك جعله
(عبدالله بن عباس).
30-
ثبت أن أبا الجوزاء حدّث بحديث التسبيح، وعمل به؛ لكن لم يثبت أنه سمع من ابن عباس
ولا من عبدالله بن عمرو، وكان عابداً إماماً لمسجد، والعبّاد عادة يعتنون بأحاديث
فيها العبادات والزهد دون التحقيق في صحتها!
31-
قد يوجد في بعض الأسانيد صيغة التحديث (حدثنا) ولكن هذا التحديث لا يصح، فقد يكون
خطأ في النسخ.
32-
صلاة التسبيح عبادة، والعبادة كهذه الصلاة يجب أن تثبت بأسانيد صحيحة لا علل فيها
وتكون مشهورة، ومن العجيب أن يتفرد بها (أبو الجوزاء) فقط! ولا يعرفها أصحاب ابن
عباس وأصحاب عبدالله بن عمرو على كثرتهم، وهما من أعمدة الرواية وكان يُرحل إليهما
في الحديث، بل لا يعرفها عنهما أهل بيتهما!
33-
كل أحاديث صلاة التسبيح لا تصح، فلا يُشرع فعلها.
وآخر
دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
وكتب:
خالد الحايك.
شاركنا تعليقك