سلسلة فهم أقوال أهل النَّقد (8).
روى حمّاد بن زيد، قال: جعلت أُحدِّث أيوب بحديث بِشر بن حربٍ، فقال:
«كأني أسمع حديث نافع»!
قال
عبّاس الدّوري «تاريخ ابن معين» (رواية الدوري) (4/298): حدثنا يحيى، قال: حدثنا
عارم، عن حماد بن زيد، قال: جعلت أُحدِّث أيوب بحديث بشر بن حرب، فقال: "كأني
أسمع حديث نافع"، قال يحيى: "كأنه مدحه".
قلت:
يعني كأن بشر بن حرب سمع حديث نافع؛ لأن ما حدّث به حماد بن زيد أيوبَ من حديثه
إنما يُشبه حديث نافع. فهو هنا على الاحتمال.
ويُفسره
ما جاء في «تاريخ ابن أبي خيثمة» قال: قلت ليحيى: كيف حديثه؟ فقال: "لم يزل
عندي متروكاً، حتى بلغني عن أيوب قوله: كأنه سمع حديث نافع"!
فُيحتمل
أنه كان يأخذ حديث نافع عن ابن عمر ويحدّث به عن ابن عمر، أو ما يُنسب لنافع عن
ابن عمر، ولهذا نجد له مناكير عن ابن عمر لم يحدّث بها حتى نافع! فربما ذكر نافعاً
في حديثه وربما أسقطه!
وهذا
الذي قاله أيوب ليس مدحاً لحديثه لأنه ضعيف أصلاً، ولهذا رد ابن معين إطراء حماد
بن زيد له.
قال
يعقوب بن شيبة: حدثني محمد بن إسماعيل، عن أبي داود، قال يحيى بن معين: "بشر
بن حرب كان حماد بن زيد يُطريه، وليس هو كذلك إلى الضعف ما هو".
قال
الذهبي في «الميزان» (2/25): "وكان حماد بن زيد يمدحه".
وقول
الذهبي هذا إنما حكاه عن ابن خراش، وابن خراش إنما أخذه من ابن معين، وإلا فالذهبي
قال عنه في «ديوان الضعفاء»: "تابعي لَيِّن".
فكلمة
أيوب لا ترفع من شأن بشر بن حرب على التحقيق، وقد حكى ابن معين إطراء حماد ثم
ردَّه عليه.
والعجب
من الشيخ أحمد شاكر كيف صحح حديثه بما نقل حماد عن أيوب! وأنه أراد تشبيهه بنافع!
قال
الشيخ أثناء تحقيقه لمسند أحمد وتعليقه عليه: "فرأينا أن حديثه صحيح، لما
نقلناه من أن حماد بن زيد سأل أيوب عنه، فقال: "كأنما تسمع حديث نافع، كأنه
مدحه". وأيوب من شيوخ حماد بن زيد، ومن طبقة مقاربة لطبقة بشر بن حرب، وحماد
إمام جليل ليس بدون شُعبة في الحديث، فتشبيه أيوب بشراً بنافع توثيق قوي، وإقرار
حماد إياه، وهو من الرواة عن بشر، يؤكد هذا التوثيق ويرفعه، وهما يتحدثان عن شيخ
رأياه وعرفاه وسمعا حديثه. وكفى بهذا حجة".
قلت:
قد اتفق النقّاد على ضعّف بشر بن حرب فكيف يكون مثل نافع في القوة، ويتفرد عن ابن
عمر بأحاديث لم يروها نافع؟!!
قال
البخاري في «التاريخ الكبير» (2/71): "رأيت علي بن المديني يضعفه، يروي عن
ابن عمر، قال عليّ: وكان يحيى لا يروي عنه، وهو بصري".
وقال
في «التاريخ الأوسط» (1/312): "ورأيت علياً وسليمان بن حرب يُضعفانه".
وقال
في «الضعفاء الصغير» (ص22): "رأيت علي بن المديني يضعفه، يروي عن ابن عمر،
يتكلمون فيه".
وقال
محمد بن عثمان ابن أبي شيبة في «سُؤالاته» (ص46): سألت علي بن عبدالله عن بشر بن
حرب، فقال: "كان ثقة عندنا".
قلت:
قد تقدّم أن ابن المديني ضعفه كما نقل البخاري عنه، فيُحتمل أن عثمان وهم في نقله،
أو أن ابن المديني كان يرى أنه ثقة، ثم تغيّر اجتهاده فيه، والله أعلم.
وقال
عبدالله بن أحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (1/250): سألت أبي عن بشر بن حرب، فقلت:
يُعتمد على حديثه، فقال: "ليس هو ممن يُترك حديثه".
وقال
أبو بكر المروذي: سألته – يعني أحمد- عن بشر بن حرب، فقال: "نحن صيام" -
وضعفه.
وقال
ابن أبي خيثمة: سئل يحيى بن معين عن بشر بن حرب، فقال: "ضعيف".
وقال
ابن معين (رواية ابن محرز) (1/70) وقيل له: بشر بن حرب ضعيف؟ قال: "نعم، نعم".
وقال
ابن أبي حاتم: سألت أبي عن أبي عمرو النَّدبي، فقال: "شيخ ضعيف الحديث، هو
وأبو هارون العبدي متقاربان، وبشر بن حرب أحبّ إليّ منه، وأنس بن سيرين أحبّ إليّ
من بشر".
قال:
سئل أبو زرعة عن بشر بن حرب، فقال: "ضعيف الحديث" [الجرح
والتعديل:2/353].
وقال
النسائي: "ضعيف".
وقال
أبو داود: "ليس بشيء".
وقال
السعدي: "لا يُحمد حديثه".
وقال
ابن حبان في «المجروحين» (1/186): "وكان ابن مهدي لا يرضاه لانفراده عن
الثقات بما ليس من أحاديثهم".
وقال
العجلي في «معرفة الثقات» (ص246): "بشر بن حرب الأزدي ضعيف الحديث، وهو
صدوق".
وقال
ابن خِراش: "متروك".
وأورد
له ابن عدي بعض المناكير في ترجمته من «الكامل» (2/9) ثم قال: "وبشر بن حرب
له غير ما ذكرت من الروايات، ولا أعرف في رواياته حديثاً منكراً، وهو عندي لا بأس
به".
وقولنا:
إن ابن عدي أورد له بعض المناكير لا يتعارض مع قول ابن عدي في آخر ترجمته: "ولا
أعرف في رواياته حديثاً منكراً، وهو عندي لا بأس به".
فقد
يتسرع بعض القرّاء ويظنون هذا! فأنا لم أقل بأن ابن عدي أنكر عليه جملة من حديثه،
وإنما جزَمْتُ بكونه أورد له مناكير، ولا يلزم من هذا أن ابن عدي يراها كذلك.
فهي
مناكير عندي لا أرتاب فيها، ولابن عدي رأيه في أفراد هذا الشيخ، فهو إمام مجتهد لا
تثريب عليه، وهذا رأيه الخاص، ويقابله تنصيص ابن معين وجماعة من الكبار- وهم أقعد
بهذا الفن من ابن عدي بلا ريب- على ضَعْفِ الرجل – أي بشر- جملة واحدة!
على
أن قول ابن عدي عنه: ( لا بأس به)، فكثيرًا ما يُطْلِق تلك العبارة ولا يريد بها
أكثر من أن صاحبها صدوقًا في نفْسِه لا يتعمد الكذب، كما نصَّ عليه المعلمي
اليماني في بعض حواشيه على «الفوائد المجموعة».
والعجب
من الشيخ شعيب ورفاقه يقولون في تعليقهم على «مسند أحمد» (ط الرسالة: 10/244) على
حديث له: "حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير بشر- وهو ابن حرب الأزدي
فقد روى له النسائي وابن ماجه، وفيه ضعف، لكن يُعتبر به في المتابعات
والشواهد".
قلت:
قولهم "فيه ضعف" يوهم أنه يمكن تمشية حديثه وليس كذلك، وإنما هو أقرب
إلى الترك، وحديثه ليس بشيء، فكيف يعتبر بالمتابعات والشواهد!
بل
الأعجب أن ابن حجر لما قال عنه في «التقريب»: (صدوق فيه لين)، تعقّبه الشيخ شعيب
الأرنؤوط وصاحبه في «تحرير التقريب» (1/171) فقالا: "بل: ضعيفٌ، ضعَّفه علي
ابن المديني، ويحيى بن معين، ومحمد بن سعد، وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان،
والنسائي، وسليمان بن حرب. وقال أبو داود: ليس بشيء. وقال ابن خراش: متروكٌ. وذكره
ابن حبان في المجروحين، وقال: روى عنه الحمادان، وتركه يحيى القطان، وكان ابن مهدي
لا يرضاه"!
قلت:
الظاهر أنهما لم يفهما مصطلحات الحافظ ابن حجر ولهذا يستدركون عليه في كثير من
التراجم، فهذه العبارة (صدوق فيه لين)، يقولها ابن حجر كثيرًا فيمن هم إلى الضعف
أقرب منهم إلى غيره!
وعليه
فلا يصح قول الهيثمي في «مجمع الزوائد» (2/137): "وثقه أيوب وابن عدي"! فأيوب
وابن عدي لم يوثقاه!
وقال
في موضع آخر (4/116): "وفيه توثيق لين"!
قلت:
لا أدري كيف يكون التوثيق ليناً!
ولا
يصح قول العيني في «عمدة القاري» (7/23): "وثقه أيوب ومشّاه ابن عدي"!
وقد
روى بشر بن حرب عن ابن عمر أحاديث منكرة!
قال
أبو عبدالله المقدمي: قال أبي: قال علي بن المديني: "أحاديثه عن ابن عمر
مناكير، لا تُشبه حديث ابن عمر".
ومما
رواه عن ابن عمر:
1-
روى أحمد في «مسنده» (2/124، 126) قال: حدثنا يُونُسُ، قال: حدثنا حَمَّاد – يعني
ابن زيد -، عن بِشْرِ بن حَرْبٍ، قال: سمعت ابن عُمَرَ يقول: سمعت رَسُولَ الله
صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم بَارِكْ لنا في مَدِينَتِنَا، وفي صَاعِنَا،
وَمُدِّنَا، وَيَمَنِنَا، وشامنا، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ فقال: من
ههنا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ، من ههنا الزَّلاَزِلُ وَالْفِتَنُ».
ورواه
ابن عساكر في «تاريخه» (1/137) من طريق مُسدد بن مُسرهد، وخلف بن هشام، كلاهما عن
حماد بن زيد، به.
فهذا
من مناكيره عن ابن عمر!
والحديث
رواه البخاري من طريق عبدالله بن عون البصري عن نافع عن ابن عمر، وقد فصّلت الكلام
عليه في غير هذا الموضع.
والحديث
مشهور عن ابن عمر بدون الدعاء. وقد رُوي أيضاً عنه كذلك كما هو المحفوظ عن ابن
عمر.
رواه
الطبراني في «المعجم الكبير» برقم (14067) قال: حدثنا عليُّ بن عبدالعزيز، قال: حدثنا
عارِمٌ، قال: حدثنا حمَّاد بن زيد، عن بِشْر بن حرب، عن ابن عمر، قال: سمعتُ رسولَ
الله صلى الله عليه وسلم عند حُجْرَة عائشة: «مِنْ هُنَا الفِتْنَةُ» - وأشارَ
بيده نحو المَشْرِق - و«مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ».
فهذا
الحديث بهذا اللفظ محفوظ عن نافع عن ابن عمر، وهذا يفسر لنا قول أيوب عن حديث بشر:
"كأني أسمع حديث نافع"، فكأنه كان يأخذ حديث نافع ويحدّث به عن ابن عمر،
والله أعلم.
2-
روى أحمد في «مسنده» (2/61) قال: حدثنا وَكِيعٌ، عن حَمَّادٍ، عن بِشْرِ بن حَرْبٍ،
قال: سمعت ابن عُمَرَ يقول: «إن رَفْعَكُمْ أَيْدِيَكُمْ بِدْعَةٌ! ما زَادَ رسول
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على هذا - يَعْني إلى الصَّدْرِ».
ورواه
أبو حَامِدٍ مُحَمَّدِ بنِ هَارُونَ بنِ عَبْدِاللَّهِ بنِ مَيَّاحٍ
الْحَضْرَمِيِّ (كما في المنتقى من «الفوائد الحسان في الحديث»، برقم 29، ص57) عن إِسْحَاق
بن أَبِي إِسْرَائِيلَ، قال: حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ بِشْرِ بنِ حَرْبٍ
قالَ: سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ: «أَرَأَيْتُمْ
رَفْعَ أَيْدِيكُمْ حَذْوَ وُجُوهِكُمْ؟ واللَّهِ إِنَّهَا لَبِدْعَةٌ، مَا زَادَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هذَا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ
نَحْوَ ثَدْيَيْهِ».
ورواه
ابن عدي في «كامله» (2/9) عن ابنِ عُقْبَةَ، عن جُبَارَة بن مُغلّس، عن حَمَّاد،
عن بِشْرِ بنِ حَرْبٍ، قال: قالَ ابنُ عُمَر: «رَأَيْتُكُمْ رَفَعْتُمْ
أَيْدِيَكُمْ فِي الصَّلاةِ واللَّهِ إِنَّهَا لَبِدْعَةٌ، مَا رَأَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ هَذَا قَطُّ». وقالَ حَمَّادٌ: "وَضَعَ
يده عند حنكه هكَذَا".
ثم
رواه من طريق الفَضْل بن مُوسَى، عَنِ الحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ، عَن أَبِي عَمْرو
النَّدَبِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عنِ ابنِ عُمَر: «أَن النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ
وَسلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرِ فَوْقَ صَدْرِهِ».
فزاد
في الإسناد "عن نافع" ولا يصح!
وقد
عدّ محققو مسند الإمام أحمد (ط الرسالة) أن "هذا من المزيد في متصل الأسانيد".
أي
أن زيادة "نافع" من المزيد، وهي الزيادة التي تُزاد في الإسناد المتصل
على سبيل الخطأ والوهم، وهذا قد يستقيم لو كانت هذه الأحاديث التي رواها بشر عن
ابن عمر سمعها منه صحيحة! لكنها ليست كذلك، فعدّها في هذا الباب فيه نظر!
وهذا
الحديث أورده ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (1/426) ثم قال: "هذا حديث
منكر! تفرد به بشر، وقد ضعفه ابن المديني ويحيى والنسائي وغيرهم، وكان ينفرد عن
الثقات بما ليس من حديثهم".
وقد
حمل ابن حبان الصلاة هنا على (الدعاء)! فإنه لما ذكر «بشر بن حرب» في «المجروحين» (1/186)
ونقل تضعيف أهل العلم له، قال: " وهو الذي رَوَى عَنْ ابن عُمَر قال: (أَرَأَيْتُم
رفعكم أَيْدِيكُم فِي الصَّلَاة إِنَّهَا لبدعة مَا زَاد رَسُول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هذَا)، وقدْ تعلق بهذا الخَبَر جَمَاعَة مِمَّن
لَيْسَ الحَدِيث صناعتهم فزعموا أَن رفع اليَدَيْنِ في الصَّلَاة عِنْدَ الرُّكُوع
وعند رفع الرَّأْس مِنْهُ بِدعَة، وإِنَّمَا قال ابن عُمَر: (أَرَأَيْتُم رفعكم
أيدكم فِي الدُّعَاء بِدعَة - يَعْنِي إِلَى أُذُنَيْهِ مَا زَاد رَسُول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هذَا يَعْنِي ثدييه) هكَذَا فسره حَمَّاد
بن زَيْد، وهُوَ ناقل الخَبَر: أَنْبَأَنَاهُ الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ: حدثَنَا
قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ: حدثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ بِشْرِ بنِ حَرْب قالَ:
سَمِعت ابن عُمَرَ يَقُولُ: (أَرَأَيْتُمْ رَفْعَ أَيْدِكُمْ فِي الصَّلاةِ
هَكَذَا - وَرَفَعَ حَمَّادٌ يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَاهُمَا أُذُنَيْهِ - وَاللَّهِ
إِنَّهَا لبدعة، مَا زَاد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
هذَا شَيْئًا قَطُّ - وَأَوْمَأَ حَمَّادٌ إِلَى ثَدْيَيْهِ)، وَالعَرَبُ تُسَمِّي
الصَّلاةَ دُعَاءً، فَخَبَرُ حَمَّادٍ هذَا (أَرَأَيْتُم رفعكم أَيْدِيكُم فِي
الصَّلَاة) أَرَادَ بِهِ فِي الدُّعَاءِ، وَالدَّلِيل عَلَى صِحَة مَا قُلْت:
أَنَّ الْحَسَنَ بنَ سُفْيَانَ حدثَنَا قالَ: حدثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ
الشَّقِيقِيُّ، قال: حدثَنَا أَبِي، قال: حدثَنَا الحُسَيْنُ بنُ واقد عَنْ أَبِي
عمرو النَّدَبِيِّ بِشْرِ بن حَرْب قالَ: حَدثنِي ابن عُمَرَ قالَ: (واللَّهِ مَا
رَفَعَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ فَوْقَ
صَدْرِهِ فِي الدُّعَاءِ)، جَوَّدَ الحُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ حِفْظَهُ، وَأَتَى
الْحَدِيثَ عَلَى جِهَتِهِ كَمَا ذكرنَا".
وقد
نقل ابن الملقن كما في «البدر المنير» (3/498) عن البيهقي أنه نقل عن الدَّارمِيّ
في هذا الحديث قال: "فهَذَا دَلِيل وَاضح عَلَى أَنه فِي الدُّعَاء لا فِي
التَّكْبِير".
ثم
نقل قول الحَاكِم النيسابوري: "فهَذَا الحُسَيْن بن وَاقد - عَلَى صدقه
وإتقانه - قد أَتَى بِالْمَعْنَى الَّذِي أَشَرنَا إِلَيْهِ" – يعني أنه في
الدعاء لا في التكبير!
قلت:
هذا الذي قاله ابن حبان فيه تعسّف! نعم، العرب تسمي الدعاء صلاة لكن الحمل على ذلك
يحتاج لقرينة قوية، والقرينة التي أتى بها ليست قوية! لأن الفضْل بن مُوسَى
السيناني الثقة الثبت خالف علي بن الحسن بن شقيق الشقيقي، فرواه عَنِ الحُسَيْنِ بنِ
وَاقِدٍ، عَن أَبِي عَمْرو النَّدَبِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عنِ ابنِ عُمَر: «أَنّ النَّبيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرِ
فَوْقَ صَدْرِهِ».
فزاد
في إسناده رجلاً، وخالفه في متنه، فذكر أنه في (التكبير) لا في الدعاء.
وبهذا
يكون ما نقل عن الدارمي والحاكم فيه نظر أيضاً. وكلامهم كلهم (الدارمي وابن حبان
والحاكم) استدلالا لمذهبهم لأنهم شافعية.
وعموماً
فالحديث فيه اضطراب: فبعضهم يذكر "رفع اليدين في التكبير"، وبعضهم يذكر
"رفع اليدين عند الدعاء"! وبعضها لم يُصرّح!
3-
روى ابن عدي في «الكامل» (2/9) قال: حَدَّثَنَا مُحَمد بنُ مُحَمد بنِ عُقْبَةَ، قال:
حَدَّثَنا جُبَارَةُ، قال: حَدَّثَنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ بِشْرِ بنِ
حَرْبٍ، عنِ ابنِ عُمَر أَنَّهُ ذَكَرَ القُنُوتَ، فقَالَ: «واللَّهِ إِنَّهَا
لَبِدْعَةٌ، مَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ
شهر واحد».
ورواه
البيهقي في «السنن الكبرى» (2/213) من طريق أبي الربيع، عن حماد بن زيد، قال: حدثنا
بشر بن حرب، قال: سمعت ابن عمر يقول: «أرأيت قيامهم عند فراغ القارئ من السورة هذا
القنوت إنها لبدعة، ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا شهراً، ثم تركه».
قال
البيهقي: "بشر بن حرب الندبي ضعيف، وإن صحت روايته عن ابن عمر ففيها دلاله
على أنه إنما أنكر القنوت قبل الركوع دواماً".
قلت:
هنا ضعّف البيهقي بشر لأن ما رواه يخالف مذهبه الشافعي في جواز القنوت في الفجر
وغيره، ثم أوّله إن صح! وكان ينبغي له ولمن نقل عنهم - كما في الحديث السابق - أن
لا يحتج بذلك الحديث كذلك لأنه من رواية بشر أيضاً!!
والحديث
رُوي أيضاً مخالفاً لهذا! فجعل القيام بعد الركوع لا قبله!
رواه
أبو نُعيم في «الحلية» (8/50) من طريق إِبْرَاهِيم بن أَدْهَمَ، عَنْ حَمَّادِ بنِ
زَيْدٍ، عَنْ بِشْرِ بنِ حَرْبٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قالَ: «أَرَأَيْتَ
قِيَامَكُمْ هذَا بَعْدَ الرُّكُوعِ وَاللهِ إِنَّهَا لَبَدْعَةٌ»
قلت:
فالحديث مضطرب! ففي بعض الروايات: "القيام بعد الفراغ من السورة قبل الركوع"،
وفي بعضها: "بعد الركوع"!
وما
أظن هذا إلا من بشر نفسه؛ لأنه ينفرد عن ابن عمر بمناكير!
وهذا
الذي رواه عن ابن عمر – وإن كان مذهباً لابن عمر في هذه المسائل من خلال فعله- إلا
أن نقلها عنه هكذا منكر! ونكارتها في إثبات أن هذه الأفعال كانت منتشرة في زمن ابن
عمر وأنه أنكرها! وهذا ليس بصحيح، فلم يأت في حديث صحيح انتشارها وإنكار ابن عمر
لها، فلم يزل الصحابة يتبعون ما رأوه من النبي صلى الله عليه وسلم، والنقل عنهم
يكون من فعلهم.
وهذا
الحديث إن صح عن ابن عمر فهو يناقض الحديث السابق في أن رفع اليدين كان في الدعاء!
4-
روى أحمد في «مسنده» (2/70) قال: حدثنا حَسَنُ بن مُوسَى، قال: حدثنا حَمَّادُ بن
زَيْدٍ، عن بِشْرِ بن حَرْبٍ، قال: سمعت ابن عُمَرَ يقول: سمعت رَسُولَ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم عِنْدَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ يقول: «يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ
لِوَاءٌ يوم الْقِيَامَةِ ولا غَدْرَةَ أَعْظَمُ من غَدْرَةِ إِمَامِ
عَامَّةٍ».
ورواه
أيضاً (2/126) عن يُونُس، عن حماد بن سَلَمَةَ، عن بِشْرِ بن حَرْبٍ، قال: سمعت ابن
عُمَرَ يقول: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إن لِكُلِّ غَادِرٍ
لِوَاءً يُعْرَفُ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ، وإن أَكْبَرَ الْغَدْرِ غَدَرُ
أَمِيرِ عَامَّةٍ».
قلت:
هذا الحديث معروف عن ابن عمر دون قوله: «ولا غدرة أعظم - أو: أكبر - من غدرة إمام
عامة»! وهي زيادة منكرة من بشر في رفعها للنبي صلى الله عليه وسلم.
فقد
رواه نافع وعبدالله بن دينار وغيرهما عن ابن عمر، قال: سمعت النبي صلى الله عليه
وسلم يقول: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُنْصَبُ بِغَدْرَتِهِ».
وما
جاء في حديث بشر إنما هو من مفهوم قول ابن عمر لما خلع أهل المدينة يزيد بن
معاوية.
روى
البخاري في «صحيحه» (6/2603) من طريق حَمَّادُ بن زَيْدٍ، عن أَيُّوبَ، عن نَافِعٍ
قال: (لمَّا خَلَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَزِيدَ بن مُعَاوِيَةَ جَمَعَ ابن عُمَرَ
حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ، فقال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يُنْصَبُ
لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يوم الْقِيَامَةِ»، وَإِنَّا قد بَايَعْنَا هذا الرَّجُلَ
على بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي لا أَعْلَمُ غَدْرًا أَعْظَمَ من
أَنْ يُبَايَعَ رَجُلٌ على بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ يُنْصَبُ له
الْقِتَالُ، وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ ولا تابع في هذا
الْأَمْرِ إلا كانت الفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ).
وهذه
القصة الصحيحة التي فيها أن ابن عمر رفض نقض بيعة يزيد ومفاصلة من خلعه تدلّ على
نكارة القصة الأخرى التي تفرد بروايتها بشر بن حرب بين ابن عمر وأبي سعيد الخدري!!
روى
أحمد في «مسنده» (3/29) عن إِسْحَاقُ بن عِيسَى، قال: حدثني حَمَّادُ بن سَلَمَةَ،
عن بِشْرِ بن حَرْبٍ: (أَنَّ ابن عُمَرَ أتى أَبَا سَعِيدٍ الخدري فقال: يا أَبَا
سَعِيدٍ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ بَايَعْتَ أَمِيرَيْنِ من قَبْلِ أَنْ
يَجْتَمِعَ الناس على أَمِيرٍ وَاحِدٍ! قال: نعم، بَايَعْتُ ابن الزُّبَيْرِ
فَجَاءَ أَهْلُ الشَّامِ فساقوني إلى جَيْشِ ابن دَلَجَةَ فَبَايَعْتُهُ. فقال ابن
عُمَرَ: إِيَّاها كنت أَخَافُ، إِيَّاهَا كنت أَخَافُ - وَمَدَّ بها حَمَّادٌ
صَوْتَهُ -! قال أبو سَعِيدٍ: يا أَبَا عبدالرحمن، أو لم تَسْمَعْ أَنَّ النبي صلى
الله عليه وسلم قال: «مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَنَامَ نَوْماً، وَلاَ يُصْبِحَ
صَبَاحاً، ولا يمسي مَسَاءً إلا وَعَلَيْهِ أَمِيرٌ»؟ قال: نعم، ولكني أَكْرَهُ
أَنْ أُبَايِعَ أَمِيرَيْنِ من قَبْلِ أَنْ يَجْتَمِعَ الناس على أَمِيرٍ وَاحِدٍ).
ورواه
الحارث بن أبي أسامة في «مسنده» (كما في زوائد الهيثمي) (2/633) عن داود بن نوح، قال:
حدثنا حماد، قال: حدثنا بشر بن حرب، قال: (كنا عند أبي سعيد الخدري يوماً، فبينا
نحن كذلك ما شعرت إذ دخل عبدالله بن عمر، ورأيته متغيراً وهو كئيب حزين وعليه أثر
الغبار، فدعا له أبو سعيد بماء فتوضأ، فقال أبو سعيد: يا أبا عبدالرحمن، أتذكر يوم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استطاع أن لا ينام يوما ولا يصبح صبيحا إلا
وعليه إمام فليفعل»؟ قال: نعم، قال: فلعلك يا أبا سعيد بايعت أميرين قبل أن يجتمع
الناس على واحد؟! قال: قد كان ذلك قد بايعت لهذا - يعني ابن الزبير - وقد جاءني
أهل الشام يقودوني بأسيافهم، فبايعت حبيش ابن دلجة. قال ابن عمر: من هذا كنت أخشى
أن يبايع لأمير ولم يجتمع الناس على واحد).
قلت:
هذه القصة تناقض رأي ابن عمر في عدم خلعه بيعة يزيد وتهديده لمفاصلة من يخلعه، ولو
كانت صحيحة لأنكر على أبي سعيد ذلك وأصرّ على أن لا يخلع بيعته ليزيد.
5-
روى أحمد في «مسنده» (2/99) قال: حدثنا يُونُسُ بن مُحَمَّدٍ، قال: حدثنا الحارث
بن عُبَيْدٍ، قال: حدثنا بِشْرُ بن حَرْبٍ، قال: «سَأَلْتُ عَبْدَاللَّهِ بن
عُمَرَ قال: قلت، ما تَقُولُ في الصَّوْمِ في السَّفَرِ؟ قال: تَأْخُذُ إن
حَدَّثْتُكَ؟ قلت: نعم، قال: كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا خَرَجَ من
هذه الْمَدِينَةِ قَصَرَ الصَّلاَةَ، ولم يَصُمْ حتى يَرْجِعَ إِلَيْهَا».
6-
روى أحمد في «مسنده» (2/124) قال: حدثنا يونس، عن حماد، عن بشر قال: «سَأَلْتُ ابن
عُمَرَ، كَيْفَ صَلاَةُ الْمُسَافِرِ يا أَبَا عبدالرحمن؟ فقال: إمّا أنتم فتتبعون
سُنة نبيكم أخبرتكم، وإمّا أنتم لا تتبعون سنةَ نبيكم لم أُخبركم؟ قال: قُلْنَا،
فَخَيْرُ السُّنَنِ سُنَّةُ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم يا أَبَا عبدالرحمن،
فقال: كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا خَرَجَ من هذه المَدِينَةِ لم
يَزِدْ على رَكْعَتَيْنِ حتى يَرْجِعَ إِلَيْهَا».
ورواه
الطيالسي في «مسنده» (ص254) قال: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرٍو الْأَزْدِيُّ أَو
العَبْدِيُّ، قالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو النَّدَبِيُّ، قالَ: سَأَلْتُ ابنَ
عُمَرَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ: أَوَ تَأْخُذُ عَنِّي إِنْ
حَدَّثْتُكَ؟ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا
خَرَجَ مِنْ هذِهِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَزَلْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى
يَرْجِعَ إِلَيْهَا».
ورواه
ابن ماجه في «سننه» (1/339) عن أَحْمَد بن عَبْدَةَ، عن حَمَّاد بن زَيْدٍ، عن
بِشْرِ بن حَرْبٍ عن ابن عُمَرَ قال: «كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا
خَرَجَ من هذه الْمَدِينَةِ لم يَزِدْ على رَكْعَتَيْنِ حتى يَرْجِعَ إِلَيْهَا».
قلت:
ما ذكره بشر بن حرب عن ابن عمر هو مذهب الصحابة عامة، وهو معروف من فعلهم مما
تعلموه منه صلى الله عليه وسلم، ولكن لا يُنقل عن ابن عمر هكذا إلا من حديث بشر!!
ويُلاحظ
أن في بعض حديثه: "سألت ابن عمر"! هنا وفي الحديث الآتي! وهذا يثير
الريبة، والله أعلم.
7-
روى الطيالسي في «مسنده» (ص254) قال: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، قالَ:
حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ حَرْبٍ النَّدَبِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ ابنَ عُمَرَ عَنِ
الصَّرْفِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ فَقَالَ: عَيْنُ الرِّبَا، عَيْنُ
الرِّبَا، فَلَا تَقْرَبْهُ، هَلْ سَمِعْتَ مَا قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذُو الْمِثْلَ بِالْمِثْلِ».
قلت:
كذا! "هل سمعت ما قال رسول الله..."! كيف يقول له هذا وهو يعلم أنه لم
يسمعه؟!
وهذا
تفرد به بشر عن ابن عمر!
8-
روى الطيالسي في «مسنده» (ص254) قال: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ
بِشْرِ بنِ حَرْبٍ، قالَ: سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ يَقُولُ: طَلَّقْتُ امْرَأَتِي
وَهِيَ حَائِضٌ، فقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«رَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، فَإِنْ شِئْتَ
فَطَلِّقْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَمْسِكَ» فَقَالَ: ابنُ عُمَرَ، فطَلَّقْتُهَا،
وَلَوْ شِئْتُ لَأَمْسَكْتُهَا.
قال
أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنِ أَنَسِ بنِ سِيرِينَ:
سَمِعَ ابنَ عُمَرَ يَذْكُرُ نَحْوَهُ.
قلت:
قصة طلاق ابن عمر لامرأته وهي حائض مشهورة.
رواها
البخاري في «صحيحه» من حديث نَافِعٍ عن عبداللَّهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما
أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ على عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم فَسَأَلَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن
ذلك؟ فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مرة فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ
لِيُمْسِكْهَا حتى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إن شَاءَ
أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قبل أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ التي
أَمَرَ الله أَنْ تُطَلَّقَ لها النِّسَاءُ».
9-
روى ابن المبارك في كتاب «الزهد» (2/29) قال: أخبرنا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ
بِشْرِ بنِ حَرْبٍ قالَ: تُوُفِّيَ ابنٌ لِسَالِمِ بنِ عَبْدِاللَّهِ بنِ عُمَرَ
فَجَعَلَ يَستَثِيرُ الْحَصَى بِيَدِهِ، فَرَفَعَ ابنُ عُمَرَ، لَيَضْرِبَ
صَدْرَهُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ، فقَالَ: «لَعَلَّكَ حَزِنْتَ» قالَ: لا، وَلَكِنِّي
عبَثْتُ بِالْحَصَى قَالَ: «يَا بُنَيَّ صَلِّ صَلَاةَ الفَجْرِ، ثُمَّ انْتَشِرْ،
فَإِذَا حَضَرَتِ الظُّهْرُ، ثُمَّ انْتَشِرْ» فَقَالَ ذَلِكَ فِي الصَّلَوَاتِ
كُلِّهَا، وقالَ: "فِي الْعِشَاءِ: صَلِّ ثُمَّ نَمْ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ
أُخْبِرْتُ أَنَّ اللَّهَ يَعْجَبُ مِنْ صَلَاةِ الجَمِيعِ".
قلت:
تفرد بهذه القصة بشر!!
ورواه
أحمد في «مسنده» (2/50) مختصراً، عن يُونُس بن مُحَمَّدٍ، عن مَرْثَد بن عَامِرٍ
الهنائي، قال: حدثني أبو عَمْرٍو الندبي، قال: حدثني عبداللَّهِ بن عُمَرَ بن
الْخَطَّابِ، قال: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ اللَّهَ
لَيَعْجَبُ مِنَ الصَّلاَةِ في الجَمِيعِ».
10-
روى ابن أبي الدنيا في كتاب «العيال» (ص454، 457) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ
بنُ مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيُّ، قال: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ بِشْرِ بنِ
حَرْبٍ - وهُوَ أَبُو عَمْرٍو النَّدَبِيُّ - قالَ: خَرَجْتُ مَعَ ابنِ عُمَرَ
إِلَى السُّوقِ فَجَعَلَ لَا يَمُرُّ عَلَى صَغِيرٍ وَلَا كَبِيرٍ إِلا قالَ:
«سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ».
قال:
حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بنُ الْعَبَّاسِ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بنُ عُثْمَانَ، قال:
حَدَّثَنَا ابنُ الْمُبَارَكِ، قال: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، قال: حَدَّثَنِي أَبُو
عَمْرٍو النَّدَبِيُّ بِشْرُ بنُ حَرْبٍ قالَ: خَرَجْتُ مَعَ ابنِ عُمَرَ إِلَى
السُّوقِ فَجَعَلَ لَا يَمُرُّ بِصَغِيرٍ وَلَا كَبِيرٍ إِلا سَلَّمَ عَلَيْهِ:
«السَّلَامُ عَلَيْكُمُ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ».
ورواه
عبدالرزاق عن معمر عن أبي عمرو الندبي، قال: "خرجت مع ابن عمر فما لقي صغيراً
ولا كبيراً إلا سلّم عليه، ولقد مر بعبد أعمى - أو قال أعجمي - فجعل يسلم عليه
والآخر لا يرد عليه، فقيل له: إنه أعجمي".
11-
روى ابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» برقم (286) قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بنُ
إِسْمَاعِيْلَ، قالَ: حَدَّثَنَا حَمَّاد بنُ سَلَمَةَ، عَنْ بِشْر بنِ حَرْبٍ،
قالَ: سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ: «أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ، وغِفَار غفر الله لها، وَعُصَيَّةُ
عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ».
قلت:
هذا مشهور صحيح رواه نافع وعبدالله بن دينار عن ابن عمر.
12-
روى ابن عدي في «الكامل» (2/ 9) قال: حَدَّثَنَا خالد بن النضر، قال: حَدَّثَنا
عَمْرو بنُ عَلِيٍّ، قال: حَدَّثني خَالِدُ بنُ يَزِيدَ أَبُو حَمْزَةَ
الْهَدَاوِيُّ، قال: حَدَّثَنا بشر بن حرب أَبُو عَمْرو النَّدَبِيُّ قَال: كنتُ
فِي جِنازَة رَافِعِ بْنِ خُدَيْجٍ - ونِسْوَةٌ يَبْكِينَ وَيُوَلْوِلْنَ عَلَى
رَافِعٍ - فقَالَ ابنُ عُمَر: إِنَّ رَافِعًا شَيْخٌ كَبِيرٌ لا طَاقَةَ لَهُ
بِعَذَابِ اللَّهِ، وإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيه وسَلَّم قال: «إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ
عليه».
ورواه
الطبراني في «المعجم الكبير» (4/240) عن عبداللَّهِ بن أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ، عن أبي
كَامِلٍ الجَحْدَرِيُّ، عن خَالِدُ بن يَزِيدَ، به، مختصراً.
ورواه
عبدالرزاق في «المصنف» (3/556) عن معمر قال: سمعت شيخاً يُقال له: أبو عمرو، قال:
سمعت ابن عمر يقول - وهو في جنازة رافع بن خديج وقام النساء يبكين على رافع
فأجلسهنّ مراراً - ثم قال لهن: (ويحكن إن رافع بن حديج شيخ كبير لا طاقة له بالعذاب،
وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه).
ورواه
ابن الجعد في «مسنده» (ص97) عن شعبة عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص،
قال: سمعت ابن عمر في جنازة رافع بن خديج يحدّث عن عمر قال: (إن الميت يعذب في
قبره ببكاء الحي).
فجعله
من قول عمر!
وما
جاء في حديث بشر (إن رافع بن حديج شيخ كبير لا طاقة له بالعذاب) غريب جداً!
وقد
رُوي هذا الحديث عن ابن عمر في قصة أخر أخرجها البخاري في «صحيحه» (1/432) من حديث
عبداللَّهِ بن عُبَيْدِاللَّهِ بن أبي مُلَيْكَةَ قال: تُوُفِّيَتْ ابْنَةٌ
لِعُثْمَانَ رضي الله عنه بِمَكَّةَ وَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا وَحَضَرَها ابن
عُمَرَ وابن عَبَّاسٍ رضي الله عَنْهُمْ، وَإِنِّي لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا - أو قال:
جَلَسْتُ إلى أَحَدِهِمَا ثُمَّ جاء الْآخَرُ فَجَلَسَ إلى جَنْبِي – فقال عبداللَّهِ
بن عُمَرَ رضي الله عنهما لِعَمْرِو بن عُثْمَانَ: ألا تَنْهَى عن الْبُكَاءِ؛ فإن
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ
أَهْلِهِ عليه».
13-
روى ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (7/233) قال: أخبرنا يحيى بن عباد وعارم بن الفضل
قالا: حدثنا حماد بن زيد عن بشر بن حرب قال: قُلْتُ لابنِ عُمَر: انْقُشُ في
خَاتَمِي مِنْ كِتَابِ اللَّهِ شيئاً؟ قال: (لا، ها اللَّهُ إِذَا ما يُصْلِحُ
لَكَ ذَلِكَ)، قال: "فَنَقَشْتُ فيه: بِشْرُ بنُ حرب".
ورواه
ابن عدي في «الكامل» (2/9) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الْمَطِيرِيُّ، قال:
حَدَّثَنا الْوَلِيدُ بنُ مَضَاءٍ الْمَوْصِلِيُّ، قال: حَدَّثَنا مُعَلَّى بنُ
مَهْدِيٍّ، قال: أَخْبَرنا أَبُو عَوَانة، قال: حَدَّثني بِشْرُ بنُ حَرْبٍ أَبُو
عَمْرو النَّدَبِيّ: قُلْتُ لابنِ عُمَر، فذكر نحوه.
14-
روى الطبراني في «المعجم الكبير» برقم (14062) قال: حدثنا علي بن عبدالعزيز، قال: حدثنا
عارم أبو النعمان، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن بشر بن حرب: أن ابن عمر سُئل عن
الضب؟ فقال: «إنا منذ قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، فإنا قد
انتهينا عن أكله».
قلت:
روى البخاري ومسلم في الصحيحين عن ابن عُمَرَ قال: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم عن أَكْلِ الضَّبِّ؟ فقال: «لا آكُلُهُ ولا أُحَرِّمُهُ».
15-
روى الطبراني في «المعجم الكبير» برقم (14064) قال: حدثنا علي بن عبدالعزيز، قال: حدثنا
عارم، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن بشر بن حرب، قال: سمعت ابن عمر يقول: «نهيتم عن
الحنتم، نهيتم عن النقير، نهيتم عن المزفت، كل هذا قد نهيتم عنه».
قلت:
روى مسلم في «صحيحه» من حديث مُحَارِبِ بن دِثَارٍ قال: سمعت ابن عُمَرَ يقول: «نهى
رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الْحَنْتَمِ وَالدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ». قال:
سَمِعْتُهُ غير مَرَّةٍ.
والخلاصة
أن بشر بن حرب ضعيف جداً في الحديث، وله مناكير عن ابن عمر ينفرد بها كما بينته،
ولا يُحتج به.
وقد
جاء في بعض ما يرويه أنه صحب ابن عمر وخرج معه للسوق وسمع من أشياء، لكن يبدو أنه
لم يكن متقنا للحديث وليس من أساطينه، وكأنه كان يأخذ حديث نافع عن ابن عمر،
ويحدّث به عنه مع عدم ضبطه له مما سبب وقوع هذه المناكير في حديثه بخلطها مع
أحاديث أخرى، والله أعلم.
·
فوائد البحث:
وهذه
عشرون فائدة من هذا البحث:
1-
معنى قول أيوب عن حديث بِشر بن حربٍ: «كأني أسمع حديث نافع»: يُحتمل أنه كان يأخذ
حديث نافع عن ابن عمر ويحدّث به عن ابن عمر، أو ما يُنسب لنافع عن ابن عمر، ولهذا
نجد له مناكير عن ابن عمر لم يحدّث بها حتى نافع! فربما ذكر نافعاً في حديثه وربما
أسقطه!
وهذا
الذي قاله أيوب ليس مدحاً لحديثه لأنه ضعيف أصلاً، ولهذا رد ابن معين إطراء حماد
بن زيد له.
2-
اتفق النقّاد على ضعّف بشر بن حرب.
3-
بُعد كثير من المتأخرين والمعاصرين عن فهم أقوال النّقاد في سياقها الصحيح.
4-
ينفرد بشر بن حرب عن ابن عمر بأحاديث لم يروها نافع!
5-
إذا نُقل عن ناقد توثيق راو وتضعيفه، فإما أن يكون هناك خلل في النقل أو تغير
اجتهاد الناقد.
كما
وقع هنا فقد وثّق ابن المديني بشر بن حرب ونقل أنه ضعفه، فيُحتمل أن راوي هذا عن
الإمام وهم في نقله، أو أن ابن المديني كان يرى أنه ثقة، ثم تغيّر اجتهاده فيه.
6-
الأحاديث التي يوردها ابن عدي في تراجم كتابه «الكامل» ثم نصه على أنه لم يجد
حديثا منكراً للمترجم له لا يعني بالضرورة أنها ليست منكرة في حقيقتها، فهذا
اجتهاده، وقد تكون منكرة عند غيره.
7-
قول ابن عدي في الراوي: (لا بأس به) كثيرًا ما يُطْلِق هذه العبارة ولا يريد بها
أكثر من أن صاحبها صدوقًا في نفْسِه لا يتعمد الكذب، كما نصَّ عليه المعلمي
اليماني في بعض حواشيه على «الفوائد المجموعة».
8-
بعض المعاصرين يتساهلون في نقل مصطلحات أهل النقد في الرواة، فقد يكون الراوي
متروكاً، فينقل بعضهم: "فيه ضعف" لتمشية حاله!
9-
بعض المعاصرين ممن يشتغلون بالتحقيق لا يفهمون مصطلحات بعض العلماء فيستدركون
عليهم انطلاقا من فهمهم!!
10-
مصطلح (صدوق فيه لين): يقولها ابن حجر كثيرًا فيمن هم إلى الضعف أقرب منهم إلى
غيره!
11-
لا يُعتد بأحكام الهيثمي في «مجمع الزوائد»؛ لأنه متساهل جداً، فيصحح الأسانيد
بظاهرها دون النظر إلى عللها.
12-
أتقن حكم على بشر بن حرب ما قاله علي بن المديني: "أحاديثه عن ابن عمر مناكير،
لا تُشبه حديث ابن عمر".
وقد
تتبعت حديثه عن ابن عمر فوجدت أكثرها لم يُتابع عليه، ولا تشبه حديث ابن عمر كما
قال ابن المديني - رحمه الله -.
13-
يروي بشر بن حرب عن ابن عمر أحاديث متناقضة، وهذا يدلّ على ضعفه وعدم ضبطه أو عدم
سماعه تلك الأحاديث منه!
14-
"المزيد في متصل الأسانيد": هو الزيادة التي تُزاد في الإسناد المتصل
على سبيل الخطأ والوهم، وهذا قد يستقيم لو كانت هذه الأحاديث التي رواها بشر عن
ابن عمر سمعها منه صحيحة! لكنها ليست كذلك، فعدّها في هذا الباب فيه نظر كما ذهب
محقق مسند أحمد (ط الرسالة) ورفاقه!
15-
الدارمي وابن حبان والحاكم شافعيون كانوا يؤولون بعض الأحاديث بقرائن استدلالا
لمذهبهم.
16-
من استدل لمذهبه بحديث عن راو يجب عليه أن يقبله في حديث آخر له دون تأويله بتعسف
أو تضعيفه دون دليل.
17-
زيادة «ولا غَدْرَةَ أَعْظَمُ من غَدْرَةِ إِمَامِ عَامَّةٍ» التي رواها بشر بن
حرب عن ابن عمر هي من قول ابن عمر وليست من قول النبي صلى الله عليه وسلم.
18-
استخدام الحديث الصحيح في تضعيف روايات أخرى.. فحديث رفض ابن عمر نقض بيعة يزيد
ومفاصلة من خلعه تدلّ على نكارة القصة الأخرى التي تفرد بروايتها بشر بن حرب بين
ابن عمر وأبي سعيد الخدري!
19-
ما جاء في حديث بشر (إن رافع بن حديج شيخ كبير لا طاقة له بالعذاب) غريب جداً!
تفرد به!
20-
لم يكن بشر بن حرب متقنا في الحديث الذي يرويه عن ابن عمر مما قال إنه سمعه منه
لما كان يخرج معه!
وله
مناكير عن ابن عمر ينفرد بها.
وكتب:
خالد الحايك أبو صهيب.
شاركنا تعليقك