زيادة منكرة منسوبة لقصة أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - في تعييره
لرجلّ بأمّه! وبيان أنّ ذلك الرجل ليس بلالاً.
بقلم: خالد الحايك
قصة
أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - في تعييره لرَجلٍ بأمّه قصة مشهورة، ومما اشتهر في تلك
القصة أنّ أبا ذرّ وضع خدّه على التراب ليدوس عليها بلال!! تكفيراً لذنبه الذي
ارتكبه بعد أن قال له صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ»!
وهذا
مما يتردد على ألسنة الدعاة وبعض طلبة العلم!
والحقيقة
أنّ هذه الزيادة منكرة في هذه القصة! بل إن ذكر بلال لا يصح فيها أيضاً.
ونحن
نسوق القصة أولاً كما في الصحيحين ثم نتبعها بهذه الزيادة ومن أين جاءت بحول الله
وقوته.
روى
البخاري في «صحيحه»، في كتاب الإيمان، بَاب المَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ،
وَلاَ يُكَفَّرُ صَاحِبُهَا بِارْتِكَابِهَا إِلَّا بِالشِّرْكِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ» وَقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ
لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].
قال:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ،
عَنِ المَعْرُورِ بنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ
حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ
رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ
خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ،
فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ
مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ».
ورواه
أيضاً في كتاب العتق، في بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«العَبِيدُ إِخْوَانُكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ» عن آدَم بن أَبِي إِيَاسٍ،
قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قال: حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ، به.
ورواه
أيضاً في كتاب الأدب، بَاب مَا يُنْهَى مِنَ السِّبَابِ وَاللَّعْنِ، قال: حَدَّثَنِي
عُمَرُ بنُ حَفْصٍ، قال: حَدَّثَنَا أَبِي، قال: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ المَعْرُورِ
- هُوَ ابنُ سُوَيْدٍ-، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَيْهِ بُرْدًا، وَعَلَى
غُلاَمِهِ بُرْدًا، فَقُلْتُ: لَوْ أَخَذْتَ هَذَا فَلَبِسْتَهُ كَانَتْ حُلَّةً، وَأَعْطَيْتَهُ
ثَوْبًا آخَرَ، فَقَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلاَمٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ
أَعْجَمِيَّةً، فَنِلْتُ مِنْهَا، فَذَكَرَنِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي: «أَسَابَبْتَ فُلاَنًا» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «أَفَنِلْتَ
مِنْ أُمِّهِ» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ» قُلْتُ
عَلَى حِينِ سَاعَتِي: هَذِهِ مِنْ كِبَرِ السِّنِّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، هُمْ إِخْوَانُكُمْ،
جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ،
فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ يُكَلِّفُهُ
مِنَ العَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ».
ورواه
مسلم في «صحيحه» في كتاب الأيمان والنذور عن أَبي بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ، عن وَكِيع،
عن الْأَعْمَش، عَنِ الْمَعْرُورِ بنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: مَرَرْنَا بِأَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ
وَعَلَيْهِ بُرْدٌ وَعَلَى غُلَامِهِ مِثْلُهُ، فَقُلْنَا: يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ جَمَعْتَ
بَيْنَهُمَا كَانَتْ حُلَّةً، فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ
إِخْوَانِي كَلَامٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَشَكَانِي
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَقِيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ»،
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ سَبَّ الرِّجَالَ سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمَّهُ، قَالَ:
«يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، هُمْ إِخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ
اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا
تَلْبَسُونَ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ».
قال
مسلم: وَحَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بنُ يُونُسَ، قال: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ [ح].
وحَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ [ح].
وحَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، قال: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، كُلُّهُمْ عَنِ
الْأَعْمَشِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ زُهَيْرٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ
بَعْدَ قَوْلِهِ: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ»، قَالَ: قُلْتُ: عَلَى حَالِ
سَاعَتِي مِنَ الْكِبَرِ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ: «نَعَمْ
عَلَى حَالِ سَاعَتِكَ مِنَ الْكِبَرِ»، وَفِي حَدِيثِ عِيسَى: «فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا
يَغْلِبُهُ فَلْيَبِعْهُ»، وَفِي حَدِيثِ زُهَيْرٍ: «فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ»، وَلَيْسَ
فِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ: «فَلْيَبِعْهُ»، وَلَا «فَلْيُعِنْهُ»، انْتَهَى عِنْدَ
قَوْلِهِ: «وَلَا يُكَلِّفْهُ مَا يَغْلِبُهُ».
ثم
رواه عن مُحَمَّد بن الْمُثَنَّى، وَابن بَشَّارٍ، عن مُحَمَّد بن جَعْفَرٍ، عن شُعْبَة،
عَنْ وَاصِلٍ الْأَحْدَبِ، عَنِ الْمَعْرُورِ بنِ سُوَيْدٍ، نحوه.
قلت:
قدّم مسلم رواية الأعمش على رواية واصل - وكلتاهما صحيحة- لجلالة الأعمش وحديثه
أتم.
ورواه
أبو داود في «سننه» في كتاب الأدب عن عُثْمَان بن أَبِي شَيْبَةَ، عن جَرِير، عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمَعْرُورِ بنِ سُوَيْدٍ، به.
قَالَ
أَبُو دَاوُدَ: "رَوَاهُ ابنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، نَحْوَهُ".
ورواه
الترمذي في «الجامع» في كتاب البر والصلة عن بندار، عن ابن مهدي، عن سفيان، عن واصل
نحوه، وقال: "حسن صحيح".
ورواه
ابن ماجة في «سننه» في كتاب الأدب عن أبي بكر بن أبي شيبة - ببعضه إخوانكم جعلهم الله
تحت أيديكم... الحديث.
ورواه
عبدالرزاق في «المصنف» برقم (17965) عن يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ
مَعْرُورِ بنِ سُوَيْدٍ، به.
ورواه
أحمد في «المسند» (35/341 برقم:21432 طبعة الرسالة) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ
جَعْفَرٍ، وَحَجَّاجٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ الْأَحْدَبِ، عَنْ
الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، - قَالَ حَجَّاجٌ: سَمِعْتُ الْمَعْرُورَ، قَالَ: رَأَيْتُ
أَبَا ذَرٍّ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، قَالَ حَجَّاجٌ: بِالرَّبَذَةِ وَعَلَى غُلَامِهِ
مِثْلُهُ، قَالَ حَجَّاجٌ مَرَّةً أُخْرَى، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَذَكَرَ أَنَّهُ
سَابَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَيَّرَهُ
بِأُمِّهِ، قَالَ: فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ
ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّكَ
امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ،
فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيَكْسُهُ
مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ
فَأَعِينُوهُمْ عَلَيْهِ".
·
أصل الزيادة المنكرة في القصة!
قلت:
هذه هي القصة المتفق عليها في كلّ الروايات وعند جميع من خرّجه وليس فيه أن ذلك
الرجل هو "بلال"! وليس فيه أن أبا ذرّ وضع خدّه على الأرض ليطأها
بلال!!!
وهذه
الزيادة جاءت في حديث منقطع أشار إليه ابن بطّال في شرحه لكتاب البخاري.
قال:
روى الوليد بن مسلم، عن أَبِي بَكْر بن أَبِي مريم، عَنْ ضَمْرَة بن حَبِيْب، قال:
"كان بين أبي ذرٍّ وبين بلال محاورة، فعيّره أبو ذر بسواد أمه، فانطلق بلال إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكى إليه تعييره بذلك، فأمره رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يدعوه، فلما جاءه أبو ذر، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تمت شتمت بلالاً
وعيَّرته بسواد أمه؟ قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تمت ما كنت أحسب
أنه بقي فى صدرك من كبر الجاهلية شيء-، فألقى أبو ذر نفسه بالأرض، ثم وضع خده على التراب،
وقال: "والله لا أرفع خدي من التراب حتى يطأ بلال خدي بقدمه، فوطأ خدّه بقدمه"!!
قلت:
ضمرة بن حبيب الشامي تابعي ثقة، وحديثه مرسل، ولا يقدّم هذا على الحديث المتفق
عليه.
والمراسيل
عادة ما يدخل فيها على أصل الحديث الصحيح بعض المنكرات وخاصة في القصص كمثل قصتنا
هذه، فينبغي الحذر منها وعرضها على ما صحّ من الحديث، وعدم الأخذ بالمرسل المنقطع.
ونكارة
هذه الزيادة تتبيّن أيضاً في أمرين:
الأول:
أن القصة حدثت مع أبي ذرّ ورجل آخر "عبد" ويوضحه قوله صلى الله عليه
وسلم لأبي ذر لما عاتبه في ذلك: "إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ
أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ...".
ولهذا
أورد البخاري الحديث في كتاب "العتق" في بَابِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «العَبِيدُ إِخْوَانُكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ»،
وابن ماجة في "بَاب الْإِحْسَانِ إِلَى الْمَمَالِيكِ".
وبلال
- رضي الله عنه- لم يكن عبداً آنذاك. وسبب تحديث أبي ذرّ بهذا الحديث يدلّ على ذلك
أيضاً فهو ذكره لما رئي عليه بُرْدًا، وَعَلَى غُلاَمِهِ بُرْدًا.
قَالَ
الإمام النَّوَوِيّ: "وَسِيَاق الحَدِيث يشْعر أَن المسبوب كَانَ عبداً".
الثاني:
لو أن ذلك حصل مع بلال فلا يظن به أنه يستجيب لأبي ذر بأن يطأ خدّه!! والمعروف من
حاله وحال الصحابة العفو في الخطأ لا الرد بالمثل أو غيره.
·
تنبيه على تحريف في مطبوع شرح
البخاري لابن بطال!
جاء
في كتاب مطبوع كتاب ابن بطّال: " وقد روى سمرة بن جندب: أن بلالاً كان
الذي عيره أبو ذر بأمه. روى الوليد بن مسلم عن أبي بكر عن ضمرة بن حبيب قال: كان
بين أبي ذر...".
قلت:
ما جاء فيه: "سمرة بن جندب: تحريف!! والصواب: "ضمرة بن حبيب" لأنه
ساق رواية ضمرة بعد هذا الكلام.
·
رواية أخرى مرسلة لا تصح!
ذكر
ابن بطّال أيضاً أن يونس روى عن الحسن: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر:
"تمت أعيرته بأمه؟ ارفع رأسك، فما كنت بأفضل ممن ترى من الأحمر والأسود إلا أن
تفضل فى دين".
قلت:
وهذا مرسل ضعيف كذلك لا يصح!
·
من قال من أهل العلم بأن الرجل
الذي في القصة هو: بلال!
روى
ابن بشكوال في «غوامض الأسماء المبهمة» (2/847) هذا الحديث من طريق أَبِي بِشْرٍ الدَّوْلابِيِّ
قَالَ: حدثَنَا بُنْدَارٌ وَأَبُو مُوسَى قَالا: حدثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: حدثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ وَاصل الأحدب عَن الْمَعرُور بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ
وَعَلَيْهِ حُلَيَّةٌ وَعَلَى غُلامِهِ مِثْلُهَا، الحديث.
قال ابن بشكوال: "الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ فِي الحَدِيث
هُوَ: بِلَال بن رباح مولى أبي بكر رَضِي اللَّه عَنهُ".
وقال
الحافظ ابن حجر في «الفتح» (1/86): "قَوْلُهُ: (سَابَبْتُ) فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ:
شَاتَمْتُ، وَفِي الْأَدَبِ لِلْمُؤَلِّفِ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلَامٌ،
وَزَادَ مُسْلِمٌ: مِنْ إِخْوَانِي، وَقِيلَ: إِنَّ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ هُوَ: بِلَالٌ
الْمُؤَذِّنُ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، وَرَوَى ذَلِكَ الْوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ مُنْقَطِعًا".
قلت:
كذا قال ابن حجر بصيغة التمريض، وجزم به في موضع آخر من كتابه (10/468) فقال:
"وَأَنَّ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ: هُوَ: بِلَالٌ الْمُؤَذِّنُ وَكَانَ اسْمُ أُمِّهِ
حَمَامَةُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ".
وقال
العيني في «عمدة القاري» (1/208): "قَوْله: (ساببت رجلاً) قَالَ النَّوَوِيّ:
وَسِيَاق الحَدِيث يشْعر أَن المسبوب كَانَ عبداً، وَقَالَ صَاحب (مَنْهَج الراغبين)
وَالَّذِي نعرفه أَنه بِلَال، رَضِي الله عَنهُ، وَعَن هَذَا أَخذ بَعضهم، فَقَالَ:
وَقيل: إِن الرجل الْمَذْكُور هُوَ بِلَال الْمُؤَذّن، مولى أبي بكر، رَضِي الله عَنهُ،
روى ذَلِك الْوَلِيد بن مُسلم مُنْقَطِعًا".
قلت:
يقصد بقوله: "بعضهم" الحافظ ابن حجر، يعرِّض به!!! فغفر الله للعيني إذا
أخذ كلام ابن حجر واستفاد منه لم يذكر أي شيء في ذلك!! وإذا أراد التعريض به نقل
كلامه وعرّض به!!
·
نسبة صاحب كتاب الحلال والحرام
هذا للبخاري!
قال:
"روى البخاري: أن أبا ذر وبلالاً الحبشي تغاضبا وتسابا، وفي ثورة الغضب قال أبو
ذر لبلال: يا ابن السوداء، فشكاه بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم! فقال النبيّ
صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: أعيرته بأمه، إنك امرؤ فيك جاهلية".
قلت:
البخاري خرّج الحديث باللفظ الذي سبق دون ذكر بلال.
·
نسبة هذه القصة لأبي الدرداء!
روى
الطبري في «تفسيره» قال: حدثني يونس - هو: ابن عبدالأعلى-، قال: أخبرنا ابن وهب، قال:
قال ابن زيد في قوله: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى} قال: يقول:
التي كانت قبل الإسلام، قال: وفي الإسلام جاهلية؟ قال: قال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم لأبي الدرداء، وقال لرجل وهو ينازعه: يا ابن فلانة: لأمٍّ كان يعيره بها في
الجاهلية، فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "يَا أبَا الدَّرْدَاءِ
إنَّ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ"، قال: أجاهلية كفر أو إسلام؟ قال: بل جاهلية كفر، قال:
فتمنيت أن لو كنت ابتدأت إسلامي يومئذ. قال: وقال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:
"ثَلاثٌ مِنْ عَمَلِ أهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ لا يَدَعُهُنَّ النَّاسُ: الطَّعْنُ
بِالأنْسَابِ، وَالاسْتِمْطَارُ بِالْكَوَاكِبِ، وَالنِّيَاحَةُ".
قلت:
هذا منكر! وهو مرسل.
تفرد
به عبدالرحمن بن زيد بن أسلم وهو من أتباع التابعين (ت182هـ)، وهو ضعيف جداً، ضعفه
علي بن المديني وأحمد وأبو حاتم وغيرهم، وقال ابن معين: "ضعيف، ليس حديثه
بشيء".
وهذا
الحديث المقطوع لا يُقدَّم على ما صحّ من الحديث في أن هذه القصة حصلت لأبي ذرّ،
وهذا السؤال من أبي الدرداء للنبي صلى الله عليه وسلم منكر جداً!
وآخر
دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
وكتب:
أبو صهيب الحايك.
شاركنا تعليقك