«المُعْجِب» في حُكم رواية: «لا يَزَالُ أَهْلُ الغَرْب» أو «أهلُ المَغْرِب».
وطرق حديث «الطائفة المنصورة» وفقهه.
بقلم: خالد الحايك
"أَحْمَدُك
اللَّهُمَّ أَنْ أَبْقَيْت فِي هذَا الْعَالَمِ طَائِفَةً ظَاهِرِينَ عَلَى
الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ إلَى أَنْ يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً
أَنْجُو بِهَا مِنْ أَنْ أُنْظَمَ فِي سِلْكِ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ
لِمَا أَنَّهُ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ قَاصِمًا لِظُهُورِ
الْمُعَانِدِينَ بِحُجَّةِ مَنْطِقِهِ وَفَحْوَاهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ
عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ لَمْ يَخْشَوْا فِي اللَّهِ
لَوْمَةَ لَائِمٍ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا لِمَا سِوَاهُ، مَا قَامَ بِنُصْرَةِ هَذَا
الدِّينِ مَنْ فَرَغَ نَفْسَهُ لِلَّهِ وَرَاقَبَهُ فِي سِرِّهِ وَنَجَوَاهُ"،
أَمَّا بَعْدُ:
فقد
سئلت عن الحديث الذي رواه الإمام مسلم في «صحيحه» من حديث سَعْدِ بن أبي
وَقَّاصٍ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يَزَالُ أَهْلُ
الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ على الْحَقِّ حتى تَقُومَ السَّاعَةُ» وفي بعض النّسخ
عند غيره: «أهل المَغْرِب»، هل المقصود هنا دول المغرب العربي المعروفة
الآن أم غير ذلك؟!
وقبل
أن أُجيب عن هذا السؤال، لا بدّ من بيان أن مفهوم هذا الحديث مما اختلف فيه أهل
العلم! فبعضهم على أنهم "أهل الشام"، وأهل المغرب يقولون أن بلدهم هو
المقصود!
وقد
رأيت العجب العُجاب من بعض الإخوة الذين تكلموا حول هذا الحديث حتى كاد الأمر يصل
إلى الخصام بين المسلمين.
وكلّ
واحد يريد أن يكون هذا الحديث فيهم! وقلبوها "عنصرية" "وطنية"
مقيتة! والعجب أن بعض كبار العلم من القدماء حاولوا أن يحملوا هذا الحديث كلّ على
بلده!!
وسنعرض
لكلّ هذا لاحقاً إن شاء بعد تخريج هذا الحديث أولاً، وبيان حاله.
·
تخريج الحديث:
روى
الإمام مسلم في «صحيحه» (3/1523) قال: حدثنا سَعِيدُ بن مَنْصُورٍ وأبو
الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ وَقُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ، قالوا: حدثنا حَمَّادٌ - وهو: ابن
زَيْدٍ - عن أَيُّوبَ، عن أبي قِلَابَةَ، عن أبي أَسْمَاءَ، عن ثَوْبَانَ، قال:
قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ من أُمَّتِي
ظَاهِرِينَ على الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ من خَذَلَهُمْ حتى يَأْتِيَ أَمْرُ
اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ». وَلَيْسَ في حديث قُتَيْبَةَ: «وَهُمْ كَذَلِكَ».
قال:
وحدثنا أبو بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ، قال: حدثنا وَكِيعٌ [ح].
وحدثنا
ابن نُمَيْرٍ، قال: حدثنا وَكِيعٌ وَعَبْدَةُ، كلاهما عن إسماعيل بن أبي خَالِدٍ [ح].
وحدثنا ابن أبي عُمَرَ - واللفظ له - قال: حدثنا
مَرْوَانُ - يَعْنِي الْفَزَارِيَّ - عن إسماعيل، عن قَيْسٍ، عن الْمُغِيرَةِ، قال:
سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يقول:«لَنْ يَزَالَ قَوْمٌ من
أُمَّتِي ظَاهِرِينَ على الناس حتى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ
ظَاهِرُونَ».
قال:
وحدثنيه محمد بن رَافِعٍ، قال: حدثنا أبو أُسَامَةَ، قال: حدثني إسماعيل، عن
قَيْسٍ، قال: سمعت الْمُغِيرَةَ بن شُعْبَةَ، يقول: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم يقول، بِمِثْلِ حديث مَرْوَانَ سَوَاءً.
قال:
وحدثنا محمد بن الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بن بَشَّارٍ، قالا: حدثنا محمد بن
جَعْفَرٍ، قال: حدثنا شُعْبَةُ، عن سِمَاكِ بن حَرْبٍ، عن جَابِرِ بن سَمُرَةَ، عن
النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: «لَنْ يَبْرَحَ هذا الدِّينُ قَائِمًا
يُقَاتِلُ عليه عِصَابَةٌ من الْمُسْلِمِينَ حتى تَقُومَ السَّاعَةُ».
قال:
حدثني هارُونُ بن عبداللَّهِ وَحَجَّاجُ بن الشَّاعِرِ، قالا: حدثنا حَجَّاجُ بن
مُحَمَّدٍ، قال: قال ابن جُرَيْجٍ: أخبرني أبو الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سمع جَابِرَ
بن عبداللَّهِ يقول: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ
من أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ على الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
قال:
حدثنا مَنْصُورُ بن أبي مُزَاحِمٍ، قال: حدثنا يحيى بن حَمْزَةَ، عن عبدالرحمن بن
يَزِيدَ بن جَابِرٍ: أَنَّ عُمَيْرَ بن هانِئٍ: حدثه قال: سمعت مُعَاوِيَةَ على
الْمِنْبَرِ يقول: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ
من أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ من خَذَلَهُمْ - أو
خَالَفَهُمْ - حتى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ على الناس».
قال:
وحدثني إسحاق بن مَنْصُورٍ، قال: أخبرنا كَثِيرُ بن هِشَامٍ، قال: حدثنا جَعْفَرٌ -
وهو ابن بُرْقَانَ - قال: حدثنا يَزِيدُ بن الْأَصَمِّ، قال: سمعت مُعَاوِيَةَ بن
أبي سُفْيَانَ ذَكَرَ حَدِيثًا رَوَاهُ عن النبي صلى الله عليه وسلم لم أَسْمَعْهُ
رَوَى عن النبي صلى الله عليه وسلم على مِنْبَرِهِ حَدِيثًا غَيْرَهُ، قال: قال
رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «من يُرِدْ الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في
الدِّينِ، ولا تَزَالُ عِصَابَةٌ من الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ على
الْحَقِّ ظَاهِرِينَ على من نَاوَأَهُمْ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
قال:
حدثني أَحْمَدُ بن عبدالرحمن بن وَهْبٍ، قال: حدثنا عَمِّي عبداللَّهِ بن وَهْبٍ،
قال: حدثنا عَمْرُو بن الْحَارِثِ، قال: حدثني يَزِيدُ بن أبي حَبِيبٍ، قال: حدثني
عبدالرحمن بن شِمَاسَةَ الْمَهْرِيُّ، قال: كنت عِنْدَ مَسْلَمَةَ بن مُخَلَّدٍ
وَعِنْدَهُ عبداللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ، فقال عبداللَّهِ: "لا تَقُومُ
السَّاعَةُ إلا على شِرَارِ الْخَلْقِ، هُمْ شَرٌّ من أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا
يَدْعُونَ اللَّهَ بِشَيْءٍ إلا رَدَّهُ عليهم. فَبَيْنَمَا هُمْ على ذلك أَقْبَلَ
عُقْبَةُ بن عَامِرٍ، فقال له مَسْلَمَةُ: يا عُقْبَةُ، اسْمَعْ ما يقول عبداللَّهِ!
فقال عُقْبَةُ: هو أَعْلَمُ، وَأَمَّا أنا فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم، يقول: «لا تَزَالُ عِصَابَةٌ من أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ على
أَمْرِ اللَّهِ قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ لَا يَضُرُّهُمْ من خَالَفَهُمْ حتى
تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ وَهُمْ على ذلك». فقال عبداللَّهِ: أَجَلْ، ثُمَّ
يَبْعَثُ الله رِيحًا كَرِيحِ الْمِسْكِ مَسُّهَا مَسُّ الْحَرِيرِ فلا تَتْرُكُ
نَفْسًا في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ من الْإِيمَانِ إلا قَبَضَتْهُ ثُمَّ
يَبْقَى شِرَارُ الناس عليهم تَقُومُ السَّاعَةُ".
قال:
حدثنا يحيى بن يحيى، قال: أخبرنا هُشَيْمٌ، عن دَاوُدَ بن أبي هِنْدٍ، عن أبي
عُثْمَانَ، عن سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ، قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«لا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ على الْحَقِّ حتى تَقُومَ السَّاعَةُ».
قلت:
هكذا ساق مسلم روايات هذا الحديث، بدأ بأصحها إسناداً كما بيّن في مقدمة كتابه،
فبدأ بحديث ثوبان، ثم حديث المغيرة بن شعبة، ثم حديث جابر بن سَمُرة، ثم حديث جابر
بن عبدالله، ثم حديث معاوية، وهذه الأحاديث الخمسة متفقة في إطلاق هذه الطائفة دون
تحديد مكانها.
وختم
مسلم هذه الروايات بحديث سعد بن أبي وقاص الذي فيه تحديد مكان هذه الطائفة، وأنهم «أهل
الغرب».
فهل
أراد مسلم - رحمه الله - تصحيح هذه الرواية، أم أنه اراد بيان مخالفتها للأحاديث
التي قبلها؟!
وهل
تقيّد هذه الرواية الروايات الأخرى المطلقة؟
أقول:
سنجيب عن هذا إن شاء الله بعد متابعة تخريج هذا الحديث الأخير.
·
رواية هُشيم الواسطيّ عن داود بن
أبي هند:
هكذا
رواه مسلم من رواية هشيم بن بشير الواسطي عن داود بن أبي هند، به، وعنده: «أهل
الغرب».
ورواه
أحمد بن إبراهيم الدورقي في «مسند سعد» (ص195) برقم (116) قال: حدثنا محمد
بن الصباح، قال: حدثنا هشيم، قال: حدثنا داود بن أبي هند، قال: حدثنا أبو عثمان
النهدي، عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال العَرَب
ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة».
ورواه
أبو عوانة في «المستخرج»، بابُ بَيَانِ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ
أَهْلَ الْحِجَازِ لَا يَزَالُونَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ،
وَأَنَّ قُرَيْشًا، وَأَهْلَ الْمَغْرِبِ يَكُونُونَ ظَاهِرِينَ عَلَى أَهْلِ
الْمَشْرِقِ وَالْعَجَمِ، (4/508) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ
الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: حدثنا خضرُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حدثنا هُشَيْمٌ، عَنْ
دَاوُدَ، عَن أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ أَهْلُ
الْمَغْرِبِ ظَاهِرِينَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ».
قال:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيسَ وَرَّاقٌ الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حدثنا
سَعِيدُ بنُ مَنْصُورٍ [ح].
وحَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ هارُونَ الْفَلَّاسُ، قال: حدثنا سَعِيدُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَا: حدثنا
هُشَيْمٌ، عَن دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، به.
ورواه
أبو العرب في «طبقات علماء إفريقية» (ص10) من طريق أبي الحسن أحمد بن صالح،
عن مُحَمَّد بن الصَّبَّاحِ، عَن هُشَيْمِ بنِ بَشِيرٍ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ
دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، به. وفيه أيضاً: «أهل المغرب».
قلت:
هذا الحديث من رواية هشيم بن بشير وهو معروف بالتدليس، وكل الروايات بالعنعنة، إلا
ما جاء في مطبوع الدورقي، وقد رواه أبو العرب من الطريق نفسها لكن بالعنعنة، فدلّ
ذلك على أن صيغة التحديث من تصرف بعضهم، وهذا يحدث كثيراً لبعض النسّاخ أو أصحاب
النسخ، وخاصة في الأعصار المتأخرة.
وعليه
فلا بدّ من تصريح هشيم بالسماع؛ لأن البعض قد يعلّه بهذه العنعنة، وهذا متجّه،
ولكنه قد توبع عليه.
تابعه:
عبدالوهاب الثقفي، وشعبة بن الحجاج، وعُمر بن حبيب البصريون.
·
متابعة عَبْدِالوَهَّابِ بنِ
الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ عن داود بن أبي هند:
أما
حديث عبدالوهاب: فرواه أبو يعلى في «المسند» (2/118) برقم (783) قال: حدثنا
محمد بن إسماعيل ابن أبي سَمينة، قال: حدثنا عبدالوهاب، قال: حدثنا داود، عن أبي
عثمان، عن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال أهل الغرب ظاهرين
على الحق حتى تقوم الساعة».
ورواه
البزار في «مسنده» (4/57) برقم (1222) عن محمد بن المثنى، عن عبدالوهاب،
به.
قال
البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن سعد إلا بهذا الإسناد".
ورواه
أبو العرب في «طبقات علماء إفريقية» (ص11) من طريق نُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ،
عَنْ عَبْدِالْوَهَّابِ بنِ الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي
هِنْدٍ، به. وعنده: «أَهْلُ الْمَغْرِبِ».
ورواه
نُعيم بن حماد في كتاب «الفتن» (2/601) قال: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ
وَعَبْدُالْوَهَّابِ، عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدَ، به. وعنده: «أَهْلُ
الْغَرْبِ».
قلت:
عبدالوهاب بن عبدالمجيد بن الصلت الثقفي أبو محمد البصري: ثقة، اختلط قبل موته
بثلاث أو أربع سنين، ولم يكن بذاك الحافظ، وقيل: إنه كان يحدّث من كتب الناس!
·
متابعة شُعبة بن الحجّاج عن داود
بن أبي هند:
وأما
حديث شعبة: فرواه الشاشي في «مسنده» (1/204) قال: حدثنا محمد بن شاذان -
إملاء ببغداد– قال: حدثنا عَمْرُو بنُ حَكَّامٍ، قَالَ: حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ
دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَعْد بن أبي
وقاصٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا
يَزَالُ أَهْلُ الغربِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةِ».
ورواه
أبو عوانة في «مستخرجه» (4/508) قال: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ،
وَيَحْيَى بنُ إِسْحَاقَ، وَأَبُو قِلَابَةَ، وَأَبُو أُمَيَّةَ، قَالُوا: حدثنا
عَمْرُو بنُ حَكَّامٍ، قَالَ: حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ دَاوُدَ، بِمِثْلِهِ.
ورواه
الدّاني في «السنن الواردة في الفتن» (3/740) من طريق إِبْرَاهِيم بن
صَالِحٍ الشِّيرَازِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ حَكَّامٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، به. وعنده: «أَهْلُ الْمَغْرِبِ».
قلت:
تفرد به عمرو بن حكّام البصري عن شعبة! وهو يتفرد عن شعبة بأحاديث لا يرويها عنه
غيره، وقد ترك بعض أهل العلم حديثه، وهو ضعيف عند أكثرهم.
·
متابعة عُمَر بن حبيبٍ البصري عن
داود بن أبي هند:
وأما
حديث عمر بن حبيب: فرواه أبو نُعيم في «حلية الأولياء» (3/ 95) قال: حَدَّثَنَا
أَبُو عَبْدِاللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بنِ مَخْلَدٍ، قَالَ: حدثَنَا
مُحَمَّدُ بنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ، قَالَ: حدثَنَا عُمَرُ بنُ حَبِيبٍ، قَالَ:
حدثَنَا دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ
سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَزَالُ أَهْلُ
الْمَغْرِبِ ظَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ
السَّاعَةُ».
قال
أبو نُعيم: "هذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ مَشْهُورٌ، رَوَاهُ عَنْ دَاوُدَ الْأَئِمَّةُ،
مِنْهُمْ: شُعْبَةُ وَابنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُمَا، لَمْ نَكْتُبْهُ عَالِيًا
إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بنِ حَبِيبٍ عَنْهُ".
قلت:
عمر بن حبيب قاضي البصرة ضعيف. ضعفه أبو حاتم والنسائي وغيرهما. وكذّبه يحيى بن
معين.
وإشارة
أبي نعيم أن هذا الحديث رواه الأئمة عن داود وذكر منهم شعبة وابن عيينة، فقد تبين
لنا أن هذا لا يعرف عن شعبة إلا من طريق عمرو بن حكّام، ولا يصح عن شعبة. وأما ابن
عيينة فلا نعرف أنه روى هذا الحديث!!!
والخلاصة
أن حديث داود بن أبي هند هذا رواه عنه: هشيم الواسطي، وتابعه عبدالوهاب الثقفي،
وعمر بن حبيب، وهذه المتابعات لا تصلح على منهج الأئمة النقاد لأن تقوي رواية
هشيم؛ لأنه مدلّس. فيحتمل أن أصل روايته عن واحد من هؤلاء الضعفاء. سيما والحديث
عند البصريين من حديث الضعفاء، وهشيم واسطي!
وعلى
فرض أن هذه الرواية صحت عن داود البصري وأن هشيماً قد سمعها منه - وكان داود قد
نزل واسط، فيحتمل أنه سمعها منه هناك - فيكون داود بن أبي هند قد تفرد به عن أبي
عثمان النهدي عن سعد بن أبي وقاص.
وهذا
الحديث لا يعرف عند أصحاب أبي عثمان في الكوفة ولا في البصرة، مثل: ثابت البناني،
وقتادة، وعاصم الأحول، وسليمان التيمي، وأبي التياح، وعوف الأعرابي، وخالد الحذاء،
وأيوب السختياني، وحميد الطويل، وغيرهم.
وعلى
فرض أن داود بن أبي هند قد سمعه من أبي عثمان، فهل ضبط لفظه كما سمعه؟!
قد
ذكرنا من قبل أن هذا الحديث رُوي عن خمسة من الصحابة (ثوبان والمغيرة بن شعبة
وجابر بن سَمُرة وجابر بن عبدالله ومعاوية) وكلهم اتفقوا على إطلاق مكان هذه
الطائفة، ولم يختلف في تلك الأحاديث، فهل نخصص هذه الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي
لا خلاف فيها بحديث قد اختلف فيه، وتفرد به راوٍ فيه بعض الكلام؟!!
والجواب
بحسب الصنعة الحديثية والقواعد النقدية: لا. وكأنه بسبب هذا أخرّه الإمام مسلم بعد
أن ساق تلك الروايات ليبيّن أن هذا الحديث في تحديد مكان هذه الطائفة لم يصح. وهو -
رحمه الله - له منهج في ذلك كما أفصح عنه في مقدمة صحيحه، وهو: أنه يسوق الحديث
الأنظف إسناداً ثم يتبعه بأسانيد أخرى صحيحة، وإذا أراد أن يبين مشكلة في بعض
الروايات فإنه يؤخر ذلك إلى آخر الباب كما فعل هنا، على رأي بعض المشتغلين
بالحديث، وهذا له وجه.
ولنفرض
أن هذا الحديث قد رواه أبو عثمان النهدي عن سعد، وسمعه داود بن أبي هند، فيكون
داود قد وهم في ضبط متن الحديث وذكر تحديد هذه الطائفة أنها في "الغرب"
أو "المغرب" خطأ. وكان - رحمه الله - ثقة، لكنه تغير في آخر عمره.
قال
ابن حبان: "روى عن أنس خمسة أحاديث لم يسمعها منه، وكان من خيار أهل البصرة
من المتقنين في الروايات إلا أنه كان يهم إذا حدث من حفظه".
وقال
الأثرم عن أحمد: "كان كثير الاضطراب والخلاف".
قلت:
خرّج له البخاري في التعاليق، وروى له مسلم والأربعة.
قال
الذهبي في «الميزان» (3/17): "داود بن أبي هند: حجة، ما أدري لم لم
يخرج له البخاري".
وقال
ابن حجر في «التقريب» (ص200): "داود بن أبي هند القشيري مولاهم أبو
بكر، أو أبو محمد البصري، ثقة متقن، كان يهم بأخرة. مات سنة أربعين، وقيل قبلها".
قلت:
كان عُمر هشيم عندما مات داود (36 سنة) لأنه ولد سنة (104هـ)، فهذا يجعل احتمال أن
هشيماً سمع منه بأخرة قوي جداً. فيحتمل أنه سمع منه هذا الحديث عندما كان ينزل
داود واسطاً، ويحتمل أن هذا الحديث لا يعرف عن داود أصلاً؛ لأنه لا يوجد عند
الثقات من البصريين، وإنما يوجد عند الضعفاء، فلما جاء هشيم إلى البصرة أخذه من
هؤلاء الضعفاء ودلّسه، والله أعلم.
وعلى
كل الأحوال فهذا اللفظ «أهل الغرب» أو «أهل المغرب» ليس بثابت عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لفظ شاذ، لا يُخصص الروايات الكثيرة الأخرى
التي لم تقيّد مكان وجود هذه الطائفة.
·
لفظ «أهل الغرب» و«أهل المغرب»:
جاء
في نسخ صحيح مسلم المعتمدة: «أهل الغرب»، وجاء في بعض النسخ «أهل المغرب».
قال
الهندي في «كنز العمال» (12/136) برقم (35130) - "لا يزال أهل المغرب
ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة" م - عن سعد".
وجاء
في بعض الكتب كمستخرج أبي عوانة وغيره: «أهل المغرب».
ومن
هنا اتكأ بعض أهل العلم والمتحمسين من إخواننا من أهل المغرب العربي على هذا اللفظ
في ثبوت هذا الحديث في بلادهم!!
وقد
اختلف أهل العلم في المقصود بهذه الطائفة، وسيأتي الكلام حول ذلك إن شاء الله.
·
من استدل من أهل العلم بهذا اللفظ
«أهل المغرب» في فضل بلدان المغرب والأندلس:
على
عادة ما طُبع عليه الإنسان من حبّ البلد التي ولد ونشأ فيها استدل بعض خيار أهل
العلم بهذا اللفظ في أن المقصود به البلدان الواقعة في المغرب العربي (المغرب
والجزائر وتونس والأندلس).
ومشى
على ذلك بعض طلبة العلم من تلك البلاد، بل وصل الحال ببعضهم حد تسفيه من يقول
بخلاف هذا، ويكأن هذا الحديث سبب مشكلة "عنصرية" بين أهل المشرق وأهل
المغرب!! والله المستعان.
ومن
أهل العلم الذين استشهدوا بهذا اللفظ «أهل المغرب» على أن المقصود به بلاد
المغرب العربي والأندلس:
·
أبو العرب الأفريقي (ت 333هـ):
ساق
الحديث بهذا اللفظ في مقدمة كتابه «طبقات علماء إفريقية» في "مَا
جَاءَ مِنَ الْفَضَائِلِ فِي إِفْرِيقِيَّةَ" (ص10)، وقد سبق نقله.
·
أبو عبدالله محمد بن أبي نصر فتوح
الحُميدي (ت488هـ):
قال
في كتاب «جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس»: "وقد جاء في فضل المغرب
غير حديث؛ من ذلك ما أخرجه مسلم بن الحجاج في الصحيح. رواه عن يحيى بن يحيى، عن
هشيم بن بشير الواسطي، عن داود بن أبي هند، عن أبي عثمان النهدي، عن سعد بن أبي
وقاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق
حتى تقوم الساعة، وهذا النص وإن كان عاماً لما يقع عليه، فللأندلس منه حظ وافر
لدخولها في العموم، ومزية لتحققها بالغرب وانتهاء آخر المعمور فيه، وبعض ساحلها
الغربي على البحر المحيط، وليس بعده مسلك".
·
أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي
(ت520هـ):
كتب
الطرطوشي إلى يوسف بن تاشفين: "ومما اتحفك به وهو خير لك من طلاع ذهباً لو
أنفقته في سبيل الله: حديث رواه الأئمة الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: روى
مسلم في كتابه الصحيح نقل العدل عن العدل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"لا تزال طائفة من أهل المغرب ظاهرة على الحق حتى يأتي أمر الله" والله
أعلم هل أرادكم رسول الله معشر المرابطين أو أراد بذلك جملة بلاد المغرب وما هم
عليه من التمسك بالسنة والجماعة وطهارتهم من البدع والإحداث في الدين والاقتفاء
بأثر من السلف الصالح رضي الله عنهم. وإنا لنرجو أن تكون أولي بقية ينهون عن
الفساد في الأرض، ولقد كنا في الأرض المقدسة ـ جبر الله مصابها - تترى علينا
أخبارك وما قمت به من أداء فريضة الله - تعالى ـ في جهاد عدوه وإعزاز دينه وكلمته،
وكان من هناك من العلماء والفقهاء وحماة الدين والعباد والزهاد يدعون الله -
سبحانه وتعالى - في نصرك وتأييدك والفتح على يدك".
·
ابن الزيات (ت617هـ):
قال
أبو يعقوب يوسف بن يحيى التادلي المعروف بابن الزيات في كتاب «التشوف»:
"وقد جاء في الحديث الصحيح من فضل أهل المغرب ما لا يدفعه دافع ولا ينازع فيثبوته
منازع كمثل ما روينا من طريق مسلم بن الحجاج بسنده إلى سعد بن أبي وقاص – رضي الله
عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق
حتى تقوم الساعة)، ومن حديث سعد بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا
يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة). ومن تأول قوله عليه السلام على
أن الغرب الدلو وأنه أراد أهل الغرب وهم العرب فيبطل تأويله بما رويناه من طريق
بقي بن مخلد في "مسنده" قال: حدثنا يحيى بن عبدالحميد: أخبرنا هشيم: أخبرنا
داود بن أبي هند، عن أبي عثمان النهدي، عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة أو يأتي أمر الله)، وخرّجه الدارقطني
في فوائده بسنده إلى سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم، قال:(لا تزال طائفة من أمتي قائمين على الحق في المغرب حتى تقوم
الساعة)، ذكره أبو ذر بن أحمد بسنده ولفظه: (لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق
حتى تقوم الساعة)..".
·
عبدالواحد بن علي التميمي
المراكشي (ت647هـ):
قال
في «المعجب في تلخيص أخبار المغرب» (ص21): "فصل في فضل المغرب".
قال: "وقد جاء في فضل المغرب غير حديث، فمن ذلك ما حدثني الفقيه الإمام
المتقن المتفنن، أبو عبدالله محمد بن أبي الفضل الشيباني سماعًا عليه بمكة في شهر
رمضان من سنة 620 قال: حدثني المؤيد بن عبدالله الطوسي قراءة عليه بنيسابور قال:
حدثنا الإمام كمال الدين محمد بن أحمد بن صاعد القراوي قراءة عليه، قال: حدثنا ابن
عبدالغافر الفارسي، حدثنا محمد بن عيسى بن عَمْرَوَيْه الجلودي، قال: حدثنا أبو
إسحاق إبراهيم بن سفيان، قال: حدثنا أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري،
قال: حدثنا يحيى بن يحيى، عن هشام بن بشر الواسطي، عن داود بن أبي هند، عن أبي
عثمان النهدي، عن سعد بن أبي وقاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال
أهل المغرب ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى تقوم الساعة)".
·
القرطبي (ت 671هـ):
يقول
القرطبي في «المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» (5/386): "وقد اختلف
في: من هذه الطائفة، وأين هم؟ فقال علي بن المديني: هم العرب...
وقيل:
أراد به: غرب الأرض. وهو ظاهر حديث سعد بن أبي وقاص، وسعد بن مالك. وقد روى
الدارقطني في "فوائده" حديث سعد بن أبي وقاص، وقال فيه: ((لا تزال طائفة
من أمتي ظاهرين على الحق في المغرب حتى تقوم السَّاعة))، ورواه عبد بن حميد
الهروي، وقال فيه: ((لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم السَّاعة، أو
يأتي أمر الله)). ورواه بقي بن مخلد في "مسنده" كذلك: ((لا يزال أهل
المغرب)) كذلك.
قلت:
وهذه الروايات تدل على بطلان التأويلات المتقدَّمة، وعلى أن المراد به أهل المغرب
في الأرض، لكن أول المغرب بالنسبة إلى المدينة - مدينة النبي ـ صلى الله عليه وسلم؛
إنما هو الشام، وآخره: حيث تنقطع الأرض من المغرب الأقصى وما بينهما، كل ذلك يقال
عليه: مغرب. فهل أراد المغرب كله، أو أوله؟ كل ذلك محتمل، لا جرم قال معاذ في
الحديث الآخر: ((هم أهل الشام)). ورواه الطبري وقال: ((هم ببيت المقدس)). وقال أبو
بكر الطرطوشي في رسالة بعث بها إلى أقصى المغرب، بعد أن أورد حديثًا في هذا المعنى؛
قال- والله تعالى أعلم-: هل أرادكم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو أراد بذلك
جملة أهل المغرب؛ لما هم عليه من التمسُّك بالسُّنة والجماعة، وطهارتهم من البدع
والإحداث في الدِّين، والاقتفاء لآثار من مضى من السَّلف الصالح؟ والله تعالى أعلم"
انتهى.
·
أحمد بن إدريس القرافي (ت 684هـ):
قال
القرافي في كتاب «الذخيرة» (1/35) مبيناً وجوه ترجيح مذهب الإمام مالك: 'ومنها
ما ظهر من مذهبه في أهل المغرب، واختصاصهم به، وتصميمهم عليه، مع شهادته عليه
السلام لهم بأن الحق يكون فيهم ولا يضرهم من خذلهم إلى أن تقوم الساعة. فتكون هذه
الشهادة لهم شهادة له بأن مذهبه حق، لأنه شعارهم ودثارهم، ولا طريق لهم سواه، وغيره
لم تحصل له هذه الشهادة..".
قلت:
وقد عدّ علماء المالكية هذا من وجوه ترجيح مذهب مالك عموماً على غيره من المذاهب.
وفي
مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ
: "يَكْفِي فِي أَرْجَحِيَّة مَذهَب مَالِك، كَوْنُهُ إمَامَ دَار الْهِجْرَةِ
فِي خَيْرِ الْقُرُونِ وَمَتْبُوعَ أَهلِ الْمَغْرِب الذين لَا يَزَالُونَ
ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ كما صحّ فِي الْحَدِيثِ، وَإِن
اخْتَلَفَت رِوَايَتُهُ، وعَصَمَ اللَّهُ مذْهَبَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ ذُو هوًى
مَوْسُومًا بِالْإِمَامَةِ وَجَعَلَهُ مُقَدَّمًا عِنْدَ الْكَافَّةِ حَتَّى أَنَّ
كُلَّ ذِي مَذْهبٍ يخْتَارُهُ بَعْدَ مَذْهَبِهِ وَجَعَلَ رُؤَسَاءَ مَذْهَبِهِ
حُجَّة..".
·
ابنُ عذاري المراكشي (ت 695هـ):
قال
أحمد بن محمد المراكشي المعروف بابن عذاري في كتاب «البيان المُغرب في أخبار
الأندلس والمغرب» في باب "ذكر فضل المغرب وما ورد من الأخبار والآثار":
"روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا تزال طائفة من أمتي
بالمغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة)، ومن ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عن سعد
بن أبي وقاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يزال أهل المغرب ظاهرين
على الحق حتى تقوم الساعة)، وذكر البخاري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
لا يضرهم من خالفهم، حتى يروا قياما فيقولون: غشيتم فيغشون سرعان خيلهم، فيرجعون
إليهم فيقولون: الجبال سيرت فيخرون سجدا فتنقبض أرواحهم. وروي أن رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - كان يقول: (خير الأرض مغاربها وأعوذ بالله من فتنة المغرب)، وذكر
خالد بن سعيد أن محمد بن عمر بن لبلاة كان يروي عن عبيدالله بن خالد عمّن حدثه عن
أبي زيد المصري يرفع الحديث عن ابن عباس - رضي الله عنه - عن أبي أيوب الأنصاري
قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقف إذ توجه تلقاء المغرب فسلم وأشار
بيده فقلت: على من تسلم يا رسول الله؟ قال: على رجال من أمتي يكونون في هذا المغرب
بجزيرة يقال لها الأندلس، حيهم مرابط وميثهم شديد، وهم ممن استثنى الله من كتابه {فصعق
من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله}. وصح وعد رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - إن الإسلام سيبلغ مشارق الأرض ومغاربها فكان الأمر كما وعد. وقال الحميدي
في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم – (لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى
تقوم الساعة): هذا وإن كان عاما فللأندلس منه حظ وافر بدخولها في الإسلام وتحققها
من الغرب، وإنها عن آخر المعمور فيه، وبعض ساحلها الغربي والبحر محيط بجميع جهاتها
فصارت بين البحر والروم".
·
ابنُ جُزي الكلبي الغرناطي (ت
741هـ):
قال
ابن جزي في مقدمة كتاب «القوانين الفقهية» (الفقه المالكي) (ص6): "فهَذَا
كتاب فِي قوانين الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة ومسائل الْفُرُوع الْفِقْهِيَّة على
مَذْهَب إِمَام الْمَدِينَة أبي عبدالله مَالك بن أنس الأصبحي رَضِي الله عَنهُ
إِذْ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ أهل بِلَادنَا بالأندلس وَسَائِر الْمغرب اقْتِدَاء
بدار الْهِجْرَة وتوفيقا من الله تَعَالَى وَتَصْدِيقًا لقَوْل الصَّادِق المصدوق
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يزَال أهل الْمغرب ظَاهِرين على الْحق حَتَّى تقوم
السَّاعَة)...".
·
المقرّي التلمساني (ت 1041هـ):
قال
المقري التلمساني في «نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب» (2/198) وهو يتحدث
عن الفقيه المشهور (ابن سبعين): "وها أنا أصف لك بعض ما خصه الله سبحانه
وتعالى به من الأمور التي هي خارقة للعادة ونلغي عن الأمور الخفية التي لا نعلمها
ونقصد الأمور الظاهرة التي نعلمها والتي لا يمكن أحداً أن يستريب فيها إلا من أصمه
الله تعالى وأعماه ولا يجحدها إلا حسود قد أتعب الله تعالى قلبه وأنساه رشده ونعوذ
بالله ممن عاند من الله تعالى مساعده ومؤيده وهو معه بنصره وعونه فما أتعب معانده،
وما أسعد موادده، وما أكبت مرادده فنبدأ بذكر ما وعدنا فنقول: أول ما ذكر في شرفه
واستحقاقه لما ذكرنا كونه خلقه الله تعالى من أشرف البيوت التي في بلاد المغرب وهم
(بنو سبعين)، قرشيّاً هاشميّاً علويّاً، وأبواه وجدوده يشار إليهم، ويعوّل في
الرئاسة والحسب والتّعين عليهم.
والثاني:
كونه من بلاد المغرب، والنبي عليه السلام قال: "لا يزال أهل المغرب ظاهرين
إلى قيام الساعة" وما ظهر من بلاد المغرب رجل أظهر منه، فهو المشار إليه
بالحديث، ثمّ نقول: أهل المغرب أهل الحق، وأحق الناس بالحق وأحق المغرب بالحق
علماؤه لكونهم القائمين بالقسط، وأحق علمائه بالحق محقّقهم وقطبهم الذي يدور
الكل عليه ويعول في مسائلهم ونوازلهم السهلة والعويصة عليه، فهو حق المغرب،
والمغرب حقّ الله تعالى، والملّة حقّ العالم، فهو المشار إليه بالوراثة، ثم نقول:
أهل المغرب ظاهرون على الحق...".
قلت:
هذا ما كتبه بعض علماء المغرب في الاحتجاج بهذه الرواية في أنهم هم المقصودون بهذا
الحديث.
وقد
حصل بسبب هذا التعصب للأوطان قديماً وحديثاً، وليس كما قال أحدهم: "اعلم أنه
من القديم نصبت المناظرة بين المشرق والمغرب وكان التنافس حاداً على نيل السؤدد
والرياسة لا بين الملوك فحسب كما حدث بين الأيوبيين بالمشرق والموحدين بالمغرب، بل
حتى بين العلماء والأدباء وليس ذلك من قبيل العصبية للأوطان بل هي جادة مطروقة عند
العلماء من قديم كما ترى في تآليفهم في فضائل البلدان، وتراجم علماء الأوطان . قال
الراعي الأندلسي وهو يعدد فضائل أهل المغرب كما في "انتصار الفقير
السالك": "فالمغاربة أكثر حزماً من المشارقة، وأشد اتباعا وأصح نظرا…".
وقال أيضاً:
للغرب
فضل شائع لا يجهل // ولأهله شرف ودين مكمل
ظهرت
به أعلام حق حققت // ما قاله خير الأنام المرسل
فلأهله
حتى القيامة لن يزالوا // ظاهرين على الهدى لن يخذلوا
إشارة
إلى الحديث الوارد في أحد فصول البحث وهو: لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق…ومن
المفارقات العجيبة في هذا الباب افتخار مغربي بفضل المشرق على المغرب كما وقع مع
الإمام الأندلسي صاحب الرحلة المشهورة إلى المشرق حيث قال في شعر له:
لا
يستوي شرق البلاد وغربها // الشرق حاز الفضل باستحقاق
انظر
لحال الشمس عند طلوعها // زهراء تصحب بهجة الإشراق
وانظر
لها عند الغروب كئيبة // صفراء تعقب ظلمة الآفاق
وكفى
بيوم طلوعها من غربها // أن تؤذن الدنيا بوشك فراق" انتهى.
قلت:
إن لم يكن هذا هو التعصب للأوطان، فلا أدري ما هو التعصب إذن؟!!!
وهل
طرق العلماء لهذه المفاضلة بين المشرق والمغرب يخرجها من باب التعصب ويجعلها جادة
عادية كما ذكر الأخ؟!!
فعلماء
المغرب وطلبة العلم - ثبتهم الله - أصبح هذا الأمر في نفوسهم معتقدين به، لا
يحيدون عنه.
يقول
الدكتور طه عبدالرحمن في بحث له بعنوان: "الإسهام المغربي في التراث الإسلامي
إسهام أخلاقي - عمل المغاربة الخُلُقي في مصر نموذجاً" المنشور في "مجلة
التاريخ العربي": "لقد عُرِف المغاربة في المشرق، منذ أن أخذوا يفدون
عليه بعد الفتح الإسلامي، بالعكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى، حتى
فاقوا غيرهم عددا ومَدَدا في المجاورة بالحرمين الشريفين والحرم الأقصى، واشتهروا
عند أهله بكونهم من أشد المسلمين تمسكاً بالكتاب والسنة عند انتشار البدع وظهور
الفساد، حتى وقر في القلوب أنهم هم المقصودون بالحديث الشريف: "لا يزال أهل
المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة "؛ كما شَهِد رجال الأخلاق بالمشرق
لنظرائهم من المغاربة برسوخ القدم في التربية الخلقية والتزكية الروحية، وقدَّموهم
على أنفسهم في إرشاد من يقصدهم، طلبا للتخلق والتحقق بمكارم الأخلاق...".
وقد
قال الشيخ محمد المدني ابن الحسني في قصيدة طويلة له:
فليس
تزال طائفة بغـرب // بفضل الله قائمة السنام
كما
جاء الحديث بذا صريحا // عن المختار مولانا التهامي
فمسلم
في الصحيح روى فأضحى // صحيحا عندنا دون اتهام
وقال
أحدهم على الشبكة العنكبوتية بعد أن صرف وقتاً حتى عثر على هذا الحديث: "حديث
والله يفتح الشهية ويثير الاعتزاز والثقة بالنفس لو يتم تقديره حق قدره ووضعه في
منزلته الصحيحة.
حديث
وزنه من ذهب لأهل المغرب العربي يحسدنا عليه الصديق قبل العدو.
حديث
مفتاح للتفاؤل واستمرار الأمل.
بلسم
اليأس والانهزامية دافع ومحفز للعمل والجدية.
صحيح
كنت أحسد أهل اليمن عندما قال فيهم رسول الله: الإيمان يماني والحكمة يمانية.
كنت
أحسد أهل مصر عندما قال فيهم رسول الله: جنودها خير جنود الأرض.
كنت
أحسد أهل الشام عندما قال فيهم: أهل الشام سيبقوا ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة.
هاته
المكرمات النبوية دفعتني للتساؤل وهو من حقي وماذا عن شعوب المغرب العربي الذين
أنتمي إليهم؟ هل هم من الصنف الثاني في المسلمين؟ حاشا رسول الله الذي قال: لا فرق
بين عجمي أو أعرابي إلا بالتقوى.
ظللت
أبحث في كتب الحديث عن أثارة أو إشارة ما إلى أهل المغرب حتى وجدت هذا الحديث
الصحيح والمرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم بسند قوي.." انتهى.
قلت:
أما ما حسد به هذا الأخ - غفر الله له - أهل اليمن والشام ومصر فهذا قد بينا فقهه -
بفضل الله - في مواضع أخرى، وليس كما يفهم من ظاهر هذه الأحاديث في أفضلية قوم على
آخرين.
·
ابن تومرت وهذا الحديث!
قال
الذهبي في «السير» (19/548) في "ابن تومرت": "وأخذ يشوق إلى
المهدي ويروي أحاديث فيه، فلما توثق منهم قال: أنا هو وأنا محمد بن عبدالله، وساق
نسباً له إلى علي فبايعوه وألف لهم كتاب أعز ما يطلب ووافق المعتزلة في شيء
والأشعرية في شيء، وكان فيه تشيع ورتب أصحابه فمنهم العشرة فهم أول من لباه ثم
الخمسين، وكان يسميهم المؤمنين، ويقول: ما في الأرض من يؤمن إيمانكم وأنتم
العصابة الذين عنى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: لا يزال أهل الغرب ظاهرين،
وأنتم تفتحون الروم وتقتلون الدجال ومنكم الذي يؤم بعيسى وحدثهم بجزئيات اتفق وقوع
أكثرها فعظمت فتنة القوم به حتى قتلوا أبناءهم وإخوتهم لقسوتهم وغلظ طباعهم
وإقدامهم على الدماء...".
·
المقصود بهذه اللفظة عند السيوطي:
«مصر»!
بينما
تنازع أهل المشرق والمغرب هذا الحديث ذهب السيوطي إلى أنه لا يبعد أن يكون المقصود
هم أهل مصر!
يقول
السيوطي في «الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج» (4/514): "لا يبعد أن
يراد بالمغرب مصر؛ فإنها معدودة في الخط الغربي بالاتفاق، وقد روى الطبراني
والحاكم وصححه عن عمرو بن الحمق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(تكون فتنة
أسلم الناس فيها الجند الغربي)، قال ابن الحمق: فلذلك قدمت عليكم مصر. وأخرجه محمد
بن الربيع الجيزي في مسند الصحابة الذين دخلوا مصر، وزاد فيه: (وأنتم الجند الغربي)،
فهذه منقبة لمصر في صدر الملة واستمرت قليلة الفتن معافاة طول الملة لم يعترها ما
اعترى غيرها من الأقطار، وما زالت معدن العلم والدين ثم صارت في آخر الأمر دار
الخلافة ومحط الرحال ولا بلد الآن في سائر الأقطار بعد مكة والمدينة يظهر فيها من
شعائر الدين ما هو ظاهر في مصر..".
·
كلام أهل العلم في المشرق حول هذا
الحديث:
·
قول الإمام النووي:
قال
النووي في «شرح صحيح مسلم» (13/68): "الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم
الساعة. قال علي بن المديني: المراد بأهل الغرب العرب، والمراد بالغرب الدلو
الكبير لاختصاصهم بها غالباً، وقال آخرون: المراد به الغرب من الأرض، وقال معاذ: هم
بالشام، وجاء في حديث آخر: هم ببيت المقدس، وقيل: هم أهل الشام وما وراء ذلك. قال
القاضي: وقيل المراد بأهل الغرب: أهل الشدة والجلد وغرب كل شيء حده".
·
قول ابن قدامة المقدسي:
وقال
ابن قدامة في «المغني» (9/168): "وأفضل الرباط المقام بأشد الثغور
خوفاً لأنهم أحوج ومقامه به أنفع. قال أحمد: أفضل الرباط أشدهم كلبا، وقيل لأبي
عبدالله: فأين أحب إليك أن ينزل الرجل بأهله؟ قال: كل مدينة معقل للمسلمين مثل
دمشق، وقال: أرض الشام أرض المحشر، ودمشق موضع يجتمع إليه الناس إذا غلبت الروم. قيل
لأبي عبدالله: فهذه الأحاديث التي جاءت، إن الله تكفل بالشام ونحو هذا؟ قال: ما
أكثر ما جاء فيه، وقيل له: إن هذا في الثغور فأنكره، وقال: أرض القدس أين هي، ولا
يزال أهل الغرب ظاهرين هم أهل الشام. ففسر أحمد الغرب في هذا الحديث بالشام، وهو
حديث صحيح رواه مسلم، وإنما فسره بذلك؛ لأن الشام يسمى مغرباً؛ لأنه مغرب للعراق
كما يسمى العراق مشرقاً، ولهذا قيل: ولأهل المشرق ذات عرق، وقد جاء في حديث مصرحاً
به: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله،
وهم بالشام، وفي الحديث عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل قال: وهم بالشام. رواه
البخاري في صحيحه، وفي خبر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا
تزال طائفة بدمشق ظاهرين) أخرجه البخاري في التاريخ، وقد رويت في الشام أخبار
كثيرة منها: حديث عبدالله بن حوالة الأزدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ستجندون
أجنادا جندا بالشام وجندا بالعراق وجندا باليمن)، فقلت: خر لي يا رسول الله، قال: (عليك
بالشام؛ فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده فمن أبى فليلحق
باليمن ويشق من غدره فإن الله تكفل لي بالشام وأهله)، رواه أبو داود بمعناه، وكان
أبو إدريس إذا روى هذا الخبر قال: ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه".
·
قول ابن تيمية:
وقال
ابن تيمية في كتاب «النبوات»: "وفي صحيح مسلم عنه أنّه قال: "لا
يزال أهل المغرب ظاهرين لا يضرهم من خذلهم"، أهل المغرب هم أهل الشام. قال
أحمد بن حنبل، وغيره: أهل المغرب: أهل الشام؛ أي أنّها أول المغرب؛ فإن التغريب
والتشريق أمر نسبيّ؛ فلكل بلد غرب وشرق، وهو صلى الله عليه وسلم تكلّم بمدينته؛
فما تغرب عنها فهو غرب، وما تشرق عنها فهو شرق، وهي مسامتة أول الشام من ناحية الفرات؛
كما أنّ مكة مسامتة لحرّان، وسُمَيْسَاط ونحوهما".
وقال
في «مجموع الفتاوى»: "قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد: أَهْلُ الْمَغْرِبِ
هُمْ أَهْلُ الشَّامِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فَإِنَّ هَذِهِ لُغَةُ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ فِي ذَاكَ الزَّمَانِ كَانُوا يُسَمُّونَ أَهْلَ
نَجْدٍ وَالْعِرَاقِ أَهْلَ الْمَشْرِقِ وَيُسَمُّونَ أَهْلَ الشَّامِ أَهْلَ
الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّ التَّغْرِيبَ وَالتَّشْرِيقَ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ
فَكُلُّ مَكَانٍ لَهُ غَرْبٌ وَشَرْقٌ؛ فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ بِذَلِكَ فِي الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ فَمَا تَغَرَّبَ
عَنْهَا فَهُوَ غُرْبَةٌ وَمَا تَشَرَّقَ عَنْهَا فَهُوَ شرقة. وَمَنْ عَلِمَ
حِسَابَ الْبِلَادِ - أَطْوَالَهَا وَعُرُوضَهَا - عَلِمَ أَنَّ الْمَعَاقِلَ
الَّتِي بِشَاطِئِ الْفُرَاتِ - كَالْبِيرَةِ وَنَحْوِهَا - هِيَ مُحَاذِيَةٌ
لِلْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ كَمَا أَنَّ مَا شَرَّقَ عَنْهَا بِنَحْوِ مِنْ
مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَحَرَّانَ وَمَا سَامَتَهَا مِثْلُ الرَّقَّةِ وسميساط
فَإِنَّهُ مُحَاذٍ أُمَّ الْقُرَى مَكَّةَ. شَرَّفَهَا اللَّهُ. وَلِهَذَا كَانَتْ
قِبْلَتُهُ هُوَ أَعْدَلَ الْقِبَلِ فَمَا شَرَّقَ عَمَّا حَاذَى الْمَدِينَةَ
النَّبَوِيَّةَ فَهُوَ شَرْقُهَا وَمَا يَغْرُبُ ذَلِكَ فَهُوَ غَرْبُهَا. وَفِي
الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدِ عَلَيْهَا مِثْلُ "مُسْنَدِ أَحْمَد"
وَغَيْرِهِ عِدَّةُ آثَارٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
هَذَا الْأَصْلِ: مِثْلُ وَصْفِهِ أَهْلَ الشَّامِ "بِأَنَّهُ لَا يَغْلِبُ مُنَافِقُوهُمْ
مُؤْمِنِيهِمْ". وَقَوْلِهِ: "رَأَيْت كَأَنَّ عَمُودَ الْكِتَابِ -
وَفِي رِوَايَةٍ - عَمُودَ الْإِسْلَامِ أُخِذَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي فَأَتْبَعْته
نَظَرِي فَذُهِبَ بِهِ إلَى الشَّامِ"، وَعَمُودُ الْكِتَابِ وَالْإِسْلَامِ
مَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَهُمْ حَمَلَتُهُ الْقَائِمُونَ بِهِ. وَمِثْلُ قَوْلِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عُقْرُ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ"،
وَمِثْلُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ
أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ
خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ". وَفِيهِمَا أَيْضًا عَنْ مُعَاذِ
بْنِ جَبَلٍ قَالَ: "وَهُمْ بِالشَّامِ" وَفِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ
قَالَ: "وَهُمْ بِدِمَشْقَ" وَرُوِيَ: "وَهُمْ بِأَكْنَافِ بَيْتِ
الْمَقْدِسِ" وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ ابنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ مَلَائِكَةَ
الرَّحْمَنِ مُظِلَّةٌ أَجْنِحَتَهَا بِالشَّامِ". وَالْآثَارُ فِي هَذَا
الْمَعْنَى مُتَعَاضِدَةٌ...".
·
تهجم بعضهم على ابن تيمية!
وقد
اتهم بعض الإخوة المغاربة الذين تعصبوا لهذا الحديث ابن تيمية بأنه تعصب
لإقليمه!!!
قال
بعضهم - غفر الله له -: "تردد شيخ الإسلام ابن تيمية بين الإقليمية الضيقة وسعة
الأفق إلى حد ما، فقال مرة: إن هذا الوصف ليس لغير أهل الشام من أرض الإسلام، ووسع
الدائرة قليلاً فقال: أما الطائفة بالشام ومصر ونحوهما فهم في هذا الوقت المقاتلون
عن دين الإسلام وهم من أحق الناس دخولاً في الطائفة المنصورة التي ذكرها النبي وكان
أهل المدينة يسمون أهل الشام أهل المغرب، ويقولون عن الأوزاعي إنه إمام أهل المغرب...".
ويقول:
"وفي مسلم عن أبي هريرة عن النبي قال: "لا يزال أهل المغرب ظاهرين لا
يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة".
وقال:
"وقد ظهر مصداق هذه النصوص على أكمل الوجوه في جهادنا للتتار..." انتهى.
قلت:
غفر الله لهذا الأخ، فهو قد تعصب لهذا الحديث أيضاً بإقليمية أضيق مما اتهم به شيخ
الإسلام ابن تيمية به!! وعذر ابن تيمية أنه اعتمد على آراء أهل العلم من قبله
وكذلك بما هو مشهور من تسمية أهل المدينة لأهل الشام بأنهم أهل المغرب، فلو
وافقناه على هذا أم لم نوافقه فهو قد اجتهد في هذا كما اجتهد غيره، وليس من باب
الإقليمية، وإنما الإقليمية في كلام هذا الأخ!!
·
قول ابن كثير:
وقال
الحافظ ابن كثير في «الشمائل» وهو يتحدث عن حديث (إن الله يبعث لهذه الأمة
على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها): "وسيأتي الحديث المخرج من الصحيح: (لا
تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر
الله وهم كذلك)، وفي صحيح البخاري: (وهم بالشام) وقال كثير من علماء السلف: إنهم
أهل الحديث وهذا أيضاً من دلائل النبوة، فإن أهل الحديث بالشام أكثر من سائر أقاليم
الإسلام ولله الحمد، ولاسيما بمدينة دمشق حماها الله وصانها..." انتهى.
·
قول الحافظ ابن حجر:
وقال
الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (13/295): "رواية عمير بن هانىء: (لا
تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله) وتقدم بعد بابين من باب علامات النبوة من هذا
الوجه بلفظ: (لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتيهم
أمر الله وهم على ذلك)، وزاد: (قال عمير: فقال مالك بن يخامر: قال معاذ: وهم
بالشام)، وفي رواية يزيد بن الأصم: (ولا تزال عصابة من المسلمين ظاهرين على من
ناوأهم إلى يوم القيامة). قال صاحب المشارق في قوله: (لا يزال أهل الغرب) يعني
الرواية التي في بعض طرق مسلم، وهي بفتح الغين المعجمة وسكون الراء، ذكر يعقوب بن
شيبة عن علي بن المديني قال: المراد بالغرب الدلو، أي الغرب، بفتح المهملتين؛
لأنهم أصحابها لا يستقى بها أحد غيرهم، لكن في حديث معاذ: (وهم أهل الشام)،
فالظاهر أن المراد بالغرب البلد؛ لأن الشام غربي الحجاز، كذا قال، وليس بواضح،
ووقع في بعض طرق الحديث: (المغرب) بفتح الميم وسكون المعجمة، وهذا يرد تأويل الغرب
بالعرب، لكن يحتمل أن يكون بعض رواته نقله بالمعنى الذي فهمه أن المراد الإقليم لا
صفة بعض أهله، وقيل: المراد بالغرب أهل القوة والاجتهاد في الجهاد، يقال: في لسانه
غرب، بفتح ثم سكون، أي حدة. ووقع في حديث أبي أمامة عند أحمد: (إنهم ببيت المقدس)،
وأضاف بيت إلى المقدس، وللطبراني من حديث النهدي نحوه، وفي حديث أبي هريرة في
الأوسط للطبراني: (يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها وعلى أبواب بيت المقدس وما
حوله، لا يضرهم من خذلهم ظاهرين إلى يوم القيامة)، قلت: ويمكن الجمع بين الأخبار
بأن المراد قوم يكونون ببيت المقدس وهي شامية ويسقون بالدلو وتكون لهم قوة في جهاد
العدو وحدة وجد.
تنبيه:
اتفق الشراح على أن معنى قوله: (على من خالفهم) أن المراد علوهم عليهم بالغلبة،
وأبعد من أبدع فرد على من جعل ذلك منقبة لأهل الغرب أنه مذمة؛ لأن المراد بقوله
ظاهرين على الحق أنهم غالبون له وأن الحق بين أيديهم كالميت، وأن المراد بالحديث
ذم الغرب وأهله لا مدحهم، قال النووي: فيه أن الإجماع حجة، ثم قال: يجوز أن تكون
الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين ما بين شجاع وبصير بالحرب وفقيه ومحدث
ومفسر وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزاهد وعابد، ولا يلزم أن يكونوا
مجتمعين في بلد واحد، بل يجوز اجتماعهم في قطر واحد وافتراقهم في أقطار الأرض، ويجوز
أن يجتمعوا في البلد الواحد وأن يكونوا في بعض منه دون بعض، ويجوز إخلاء الأرض
كلها من بعضهم أولاً فأولاً إلى أن لا يبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد، فإذا
انقرضوا جاء أمر الله انتهى ملخصاً مع زيادة فيه، ونظير ما نبه عليه ما حمل عليه
بعض الأئمة حديث: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)
أنه لا يلزم أن يكون في رأس كل مائة سنة واحد فقط بل يكون الأمر فيه كما ذكر في
الطائفة، وهو متجه، فإن اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من
أنواع الخير ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد إلا أن يدعى ذلك في عمر
بن عبدالعزيز فأنه كان القائم بالأمر على رأس المائة الأولى باتصافه بجميع صفات
الخير وتقدمه فيها، ومن ثم أطلق أحمد أنهم كانوا يحملون الحديث عليه، وأما من جاء
بعده فالشافعي وإن كان متصفاً بالصفات الجميلة إلا أنه لم يكن القائم بأمر الجهاد
والحكم بالعدل فعلى هذا كل من كان متصفاً بشيء من ذلك عند رأس المائة هو المراد
سواء تعدد أم لا".
·
تعقّب ابن حجر لابن حزم!
قلت:
يريد ابن حجر بقوله: "وأبعد من أبدع فرد على من جعل الحديث منقبة لأهل الغرب
على أنه مذمة"! يريد ابن حزم الذي حمل الحديث على الذم، فقال: "إن من
يتدبر في الحديث يجد لفظه يوجب الذم لا المدح، فهذا الخبر - إن صح - إنذار بظهور أهل
المغرب على الحق وغلبتهم إياه وطمسهم لآثاره، وهو أعظم حجة عليهم".
وهذا
قول عجيب من ابن حزم شذَّ به!!
·
قول البقاعي:
وقال
البقاعي في «نظم الدرر» (1/227): "قال الحرَّالي في قوله تعالى: {ولله
المشرق والمغرب}: قدم تعالى (المشرق)؛ لأنه موطن بدو الأنوار التي منها رؤية
الأبصار، وأعقبه بـ (المغرب) الذي هو مغرب الأنوار الظاهرة وهو مشرق الأنوار
الباطنة، فيعود التعادل إلى أن مشرق الأنوار الظاهرة هو مغرب الأنوار الباطنة (الفتنة
ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان - وأشار بيده نحو المشرق) (لا يزال أهل المغرب
ظاهرين على الحق) انتهى. قلت: ومن ذلك حديث صفوان بن عسال - رضي الله عنه - أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله بالمغرب باباً) وفي رواية: (باب التوبة
مفتوح من قبل المغرب - مسيرة عرضه سبعون عاماً، لا يغلق ما لم تطلع الشمس من قبله)
أخرجه الطبراني والبغوي في تفسيره، وقد ظهر أن المغرب في الحديث المتقدم هو في
الصحيح ما عدا المشرق الذي أشار إليه بالفتنة في الحديث الآخر، فالمغرب حينئذ
المدينة وما ينسب إليها من جهة المشرق وما وراء ذلك من جهة الجنوب والشمال وما
وراء ذلك من جهة الغرب إلى منتهى الأرض، فلا يعارض حينئذ حديث (وهم بالشام) فإنها
من جملة المغرب على هذا التقدير، فدونك جمعاً طال ما دارت فيه الرؤوس وحارت فيه
الأفكار في المحافل والدروس، والله الموفق" انتهى كلام البقاعي.
·
قول الشيخ الألباني:
وقال
الشيخ الألباني في بعض أشرطته مبيناً المقصود بهذا الحديث: "وقد أبعد النجعة
من فسره من المعاصرين ببلاد المغرب المعروفة اليوم في شمال أفريقيا؛ لأنه مما لا
سلف له مع مخالفته لإمام السنة - يعني الإمام أحمد - وشيخ الإسلام ـ يعني ابن
تيمية - وإذا عرفت هذا، ففي الحديث بشارة عظيمة لمن كان في الشام من أنصار السنة
المتمسكين بها والذابين عنها والصابرين في سبيل الدعوة إليها نسأل الله تعالى أن
يجعلنا منهم وأن يحشرنا في زمرتهم تحت لواء صاحبها محمد صلى الله عليه وسلم".
وقال
أثناء تخريجه لأحاديث كتاب فضائل الشام ودمشق لأبي الحسن الربعي معلقاً على هذا
الحديث: "على اعتبار أن أهل الغرب هم أهل الشام كما قال الإمام أحمد وأيده
شيخ الإسلام ابن تيمية في فضل الشام وأهله من وجهين:
الأول:
ورد ذلك صراحة في بعض الأحاديث.
الثاني:
أن لغته صلى الله عليه وسلم وأهل مدينته في أهل الغرب أنهم أهل الشام، فراجعه فإنه
مهم مفيد جداً، ولعل من نفى ذلك من المعاصرين وذهب إلى أن المراد بذلك (المغاربة)
الذين يسكنون شمال غرب (أفريقية) لم يقف على لغته المذكورة" انتهى.
·
أحاديث وروايات أخرى استدل بها
بعض من يحمل الحديث على أهل المغرب والأندلس:
الحديث
الأول:
ما
رواه أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (5/2585) برقم (6230) قال: حَدَّثَنَا
أَبُو بَحْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الْحَسَنِ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ يُونُسَ، قال: حدثنا
عُبَيْدُاللهِ بنُ مُوسَى، قال: حدثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ
قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ
ظَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمُ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ».
قال
أبو نعيم: "رَوَاهُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ: هُشَيْمٌ، وَيَحْيَى الْقَطَّانُ،
وَوَكِيعٌ، وَعَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَيَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ،
وَمَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ فِي آخَرِينَ".
قلت:
هؤلاء الذين ذكرهم لم يرووه بهذا اللفظ: «أهل الغرب»! والمحفوظ من حديث
إسماعيل بهذا الإسناد دون هذه اللفظة.
رواه
البخاري في «صحيحه» (3/1331) قال: حدثنا عبداللَّهِ بن أبي الْأَسْوَدِ،
قال: حدثنا يحيى، عن إِسْمَاعِيلَ، قال: حدثنا قَيْسٌ: سمعت الْمُغِيرَةَ بن
شُعْبَةَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَزَالُ نَاسٌ من أُمَّتِي
ظَاهِرِينَ حتى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُون».
ورواه
مسلم في «صحيحه» (3/1523) قال: حدثنا أبو بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ، قال:
حدثنا وَكِيعٌ [ح].
وحدثنا
ابن نُمَيْرٍ، قال: حدثنا وَكِيعٌ وَعَبْدَةُ، كلاهما، عن إسماعيل بن أبي خَالِدٍ [ح].
وحدثنا
ابن أبي عُمَرَ - واللفظ له - قال: حدثنا مَرْوَانُ - يَعْنِي الْفَزَارِيَّ - عن
إسماعيل، عن قَيْسٍ، عن الْمُغِيرَةِ قال: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم يقول: «لَنْ يَزَالَ قَوْمٌ من أُمَّتِي ظَاهِرِينَ على الناس حتى
يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ».
وحدثنيه
محمد بن رَافِعٍ: حدثنا أبو أُسَامَةَ: حدثني إسماعيل، عن قَيْسٍ قال: سمعت الْمُغِيرَةَ
بن شُعْبَةَ يقول: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول بِمِثْلِ حديث
مَرْوَانَ سَوَاءً.
قلت:
فتبيّن من هذا أن اللفظ الذي ساقه أبو نعيم لا يصح! ولا أدري هل الوهم فيه من
"عبيدالله بن موسى العبسي" أم ممن بعده، فالله أعلم.
الحديث
الثاني:
ما
رواه أبو العرب في «طبقات علماء أفريقية» (ص11) قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبدُاللَّه بنُ أَبِي زَكَرِيَّاءَ الْحَفَرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عَوْنٍ
الْخُزَاعِيُّ، قالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّاءَ الْحَفَرِيُّ، عن عَبَّادِ
بنِ عَبْدالصَّمَدِ، عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُول: «لا يَزَالُ عِصَابَةٌ مِن أمَّتِي
بِالْمَغْرِبِ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَالَفَهُم حَتَّى
يَرَوْا يَوْمًا قَتَامًا، فَيَقُولُونَ: غُشِيتُمْ، فَيَبْعَثُونَ خَيْلَهُمْ
يَنْظُرُونَ، فَيَرْجِعُونَ إِلَيْهِمْ، فَيَقُولُونَ: الْجِبَالُ سُيِّرَتْ
فَيَخِرُّونَ سُجَّدًا، فَتُقْبَضُ أَرْوَاحُهُمْ».
قلت:
عباد بن عبدالصمد منكر الحديث، يحدِّث عن أنس بالمناكير.
قال
ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (6/82): سألت أبي عنه؟ فقال: "ضعيف
الحديث جداً، منكر الحديث، لا أعرف له حديثاً صحيحاً".
الحديث
الثالث:
ما
رواه ابن حبان في «صحيحه» (15/62) برقم (6672) قال: أخبرنا أحمد بن عبدالله
– بحران - قال: حدثنا النفيلي، قال: حدثنا عبيدالله بن عمرو، عن عبدالملك بن عمير،
عن جابر بن سمرة، قال: سألت نافع بن عتبة بن أبي وقاص، قلت: حدثني هل سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يذكر الدجال؟ قال: فقال، أتيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم وعنده ناس من أهل المغرب أتوه ليسلموا عليه، وعليهم الصوف، فلما دنوت
منه سمعته يقول: «تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله عليكم، ثم تغزون فارس فيفتحها
الله عليكم، ثم تغزون الروم فيفتحها الله عليكم، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله
عليكم».
قلت:
هذا الحديث في «صحيح مسلم» (4/2225) برقم (2900) عن قُتَيْبَة بن سَعِيدٍ،
قال: حدثنا جَرِيرٌ، عن عبدالْمَلِكِ بن عُمَيْرٍ، عن جَابِرِ بن سَمُرَةَ، عن
نَافِعِ بن عُتْبَةَ قال: كنا مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةٍ،
قال: فَأَتَى النبي صلى الله عليه وسلم قَوْمٌ من قِبَلِ الْمَغْرِبِ عليهم
ثِيَابُ الصُّوفِ فَوَافَقُوهُ عِنْدَ أَكَمَةٍ فَإِنَّهُمْ لَقِيَامٌ وَرَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِدٌ، قال: فقالت لي نَفْسِي، ائْتِهِمْ فَقُمْ
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ لَا يَغْتَالُونَهُ، قال: ثُمَّ قلت: لَعَلَّهُ نَجِيٌّ
مَعَهُمْ فَأَتَيْتُهُمْ فَقُمْتُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، قال: فَحَفِظْتُ منه
أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ أَعُدُّهُنَّ في يَدِي، قال: تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ، فَيَفْتَحُهَا
الله، ثُمَّ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا الله، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا
الله، ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ الله. قال: فقال نَافِعٌ، يا
جَابِرُ: "لَا نَرَى الدَّجَّالَ يَخْرُجُ حتى تُفْتَحَ الرُّومُ".
قال
أحدهم محتجاً بهذا الحديث: "أولاً قال الراوي: (قوم من قبل المغرب) والمعروف
أن المغرب كل ما غربت عليه الشمس بالنسبة إلى جزيرة العرب، وكما تعلمون حينها لم
يكن قد دخل الإسلام بعد إلى المغرب العربي.
يمكن
لقائل أن يقول: إن مصر توجد غرب الجزيرة، وزد على ذلك أن مصر كانت تسمى باسمها وأن
الشارحين للحديث لم يتطرقوا إلى مصر كما كان المصريين آنذاك يطلق عليهم الأقباط،
والأهم من ذلك هو الإشارة إلى نوع الثياب، وقوله (ثياب من صوف) فالمغرب العربي هو
المعروف بالجلباب المصنوع من صوف الغنم وخصوصاً المغرب بالذات حيث ما زال هذا
الجلباب يلبس إلى يومنا هذا وهو أحد أرفع الألبسة التقليدية واللباس الرئيسي في
بلادنا ويتخذ طابعاً آخر عند سكان الريف والأمازيغ والقبائل حيث يلبسون جلباباً
بدون أكمام من صوف، أما مصر ساعتها فكانت معروفة بالقبطية المخططة المصنوعة من
القطن وكان يرتديها العرب.
بحثت
في موسوعة لأكملها لأغلب الكتب لعلي أجد شيئاً يربط كلمة الشام بكلمة المغرب أو
الغرب إلى قول واحد يستدل به هؤلاء، وهو تفسير للحديث نفسه علماً أن التفسير لم
يعطي الدلائل اللغوية ولا المنطقية على أن أهل الغرب الذين ورد ذكرهم هم أهل
الشام".
ثم
قال: "كلمة غرب أو مغرب لغوياً: غرب: الغَرْبُ والمَغْرِبُ بمعنى واحد ابن
سيده الغَرْبُ خِلافُ الشَّرْق وهو المَغْرِبُ وقوله تعالى: {رَبُّ المَشْرِقَيْن
ورَبُّ المَغْرِبَيْنِ} أَحدُ المَغْرِبين أَقْصَى ما تَنْتَهي إِليه الشمسُ في الصيف
والآخَرُ أَقْصَى ما تَنْتَهِي إِليه في الشتاء. غرَّبَ القومُ ذَهَبُوا في
المَغْرِبِ وأَغْرَبُوا أَتَوا الغَرْبَ وتَغَرَّبَ أَتَى من قِبَل الغَرْب. وفي
الحديث أَن النبي صلى اللّه عليه وسلم أَمَر بتَغْريبِ الزاني سنةً إِذا لم
يُحْصَنْ وهو نَفْيُه عن بَلَده والغَرْبة. وفي حديث عمر رضي اللّه عنه أَنه قال
لرجل قَدِمَ عليه من بعض الأَطْرافِ هل من مُغَرِّبةِ خَبَر؟ أَي هل من خبَرٍ
جديدٍ جاءَ من بلدٍ بعيدٍ؟ من الغَرْب وهو البُعْد ومنه قيل دارُ فلانٍ غَرْبةٌ
والخبرُ المُغْرِبُ الذي جاءَ غريباً حادثاً طريفاً والتغريبُ النفيُ عن البلد
وغَرَبَ أَي بَعُدَ، ويقال: أغْرُبْ عني أَي تباعَدْ، ومنه الحديث أَنه أَمَرَ
بتَغْريبِ الزاني التغريبُ النفيُ عن البلد الذي وَقَعَتِ الجِنايةُ فيه يقال:
أَغرَبْتُه وغَرَّبْتُه إِذا نحَّيْتَه وأَبْعَدْتَه والتَّغَرُّبُ البُعْدُ، وفي
الحديث: أَن رجلاً قال له: إِنَّ امرأَتي لا تَرُدُّ يَدَ لامِس، فقال: غرِّبْها
أَي أَبْعِدْها يريدُ الطلاق وغَرَّبَت الكلابُ أَمْعَنَتْ في طلب الصيد وغَرَّبه
وغَرَّبَ عليه تَرَكه بُعْداً والغُرْبةُ والغُرْب النُّزوحُ عن الوَطَن
والاغْتِرابُ قال المُتَلَمِّسُ.
الغَرْبُ:
الحِدَّةُ ومنه غَرْبُ السيف أَي كانَتْ تُدَارَى حِدَّتُه وتُتَّقَى، والغَرْب:
الذَّهابُ بالفَتح مَصْدر ذَهب. و (الغَرْبُ): التَّنَحِّي عن النَّاسِ، وقد غَرَبَ
عَنَّا يَغْرُب غَرْباً و(الغَرْبُ): أَوَّلُ الشَّيء وحَدُّه، كَغُرَابهِ
بالضَّمِّ. و(الغَرْبُ) والغَرْبَةُ: الحِدَّة. لِلْغَرْب أَرْبعَةً وَعِشْرِين
مَعْنًى؛ وهو: المَغْرِب، والذَّهابُ، والتّنَحِّي، وأَوَّلُ الشَّيْء، وحَدُّه،
الحِدَّةُ والنَّشَاطُ، والتَّمَادِي، والرَّاوِيَةُ، والدَّلْوُ، والعِرْقُ،
والدَّمْعُ، ومسِيلُه وانْهِمَالُه، والفَيْضَة، والبَثْرَةُ، والوَرَمُ، وكَثْرَةُ
الرِّيق، والبَلَلُ، والمَنْقَع، والشَّجَرَةُ، ويومُ السَّقْيِ، والفَرَسُ،
ومُقْدِمُ العَيْن والنَّوَى. اقْتَصَرَ منها في الأَسَاسِ على التِّسْعَة،
والبَقِيَّةُ في المُحْكَمِ والتَّهْذِيبِ والنِّهايَة.
إخواني
قبل أن أبدأ بالتوضيح أشير أنه لم أجد ولا كلمة أو إشارة مباشرة أو غير مباشرة في
أمهات القواميس العربية تربط الشام كشرح لكلمة المغرب أو الغرب في المعاني الكثيرة
التي وردت في كتب اللغة كلها تدعم بمجال ليدع للشك مفصلاً ووجوداً ولا سيما أن
الرسول صلى الله عليه وسلم كان دقيق المعاني، أليس من لا ينطق عن الهوى.
1-
ورد في شرح المغرب هو غروب الشمس وفعلاً فغروب الشمس بالنسبة لأهل الحجاز هو جهة
المغرب وإلا ما كان سمي مغرباً، أما الشام فموضعه الجغرافي شمال الحجاز بعيد لا عن
شروق أو غروب الشمس.
2-
من معاني الغرب البعيد والنائي عن محل السكن الأصلي وفعلاً المغرب أبعد من الحجاز
مقارنة مع الشام.
3-
من معاني الغرب حدة الشيء وطرفه والمغرب يوجد في طرف الأمة الإسلامية وأقصاها.
4-
من المعاني الغربة في السفر هنا الشام كان هو المقصد الأول الذي قصدته العرب وهو
مألوف لها لا غرابة فيه لهذا تجد الله تبارك وتعالى استعمل كلمة إيلاف في سورة
قريش لأن قريش ألفت السفر صيفاً وشتاء إلى الشام ولا غرابة في ذلك، قال تعالى: {لإِيلافِ
قُرَيْشٍ * إِيْلافِهِمْ رِحْلَة الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ}، قيل في تفسير الآية:
فصارتا الرحلتان لهم عادة وإلفاً" انتهى كلام الأخ.
قلت:
هذا الكلام من سذاجته لا يسوى الرد عليه! ولكن مما اضطرني إلى نقله: بيان الحال
التي وصل إليها بعض طلبة العلم من التعصب لأرض معينة وليّ أعناق النصوص من أجل
ذلك!
عدا
عن الفهم العقيم عند هذا الأخ! فقد بنى بيتاً أوهى من بيت العنكبوت فيما فهمه من
بعض الأحاديث ومن كتب اللغة.
وأقول:
أولاً:
ما جاء في الحديث من أؤلئك القوم الذي جاؤوا من جهة المغرب وعليهم الصوف فحمل الأخ
ذلك على أهل المغرب العربي وأنهم ما زالوا يلبسون ذلك، وهذا فهم عجيب!! فكونهم
يلبسون الصوف لا يعني أنهم من المغرب العربي المعروف الآن، ولا يبعد أنهم من
الشام، بل من الشام أولى لأنها الأقرب إلى المدينة والمعروفة عند العرب، وبلاد
الشام من المعروف أنها باردة فلباسهم كان من الصوف، ومسألة تحديد ملابس الأقوام في
البلد الفلاني أو الفلاني لا ينف وجود ملابس أخرى عندهم.
وقد
بوّب الإمام البخاري في «صحيحه» (5/2185): "باب لُبْسِ جُبَّةِ
الصُّوفِ في الْغَزْوِ"، ثم ساق من طريق عُرْوَة بن الْمُغِيرَةِ، عن أبيه - رضي
الله عنه –قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ في سَفَرٍ، فقال:
أَمَعَكَ مَاءٌ؟ قلت: نعم، فَنَزَلَ عن رَاحِلَتِهِ فَمَشَى حتى تَوَارَى عَنِّي
في سَوَادِ اللَّيْلِ، ثُمَّ جاء فَأَفْرَغْتُ عليه الْإِدَاوَةَ فَغَسَلَ
وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ من صُوفٍ، فلم يَسْتَطِعْ أَنْ
يُخْرِجَ ذِرَاعَيْهِ منها حتى أَخْرَجَهُمَا من أَسْفَلِ الْجُبَّةِ، فَغَسَلَ
ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ أَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فقال
دَعْهُمَا فاني أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا.
وقد
وقع في أكثر روايات الصحيحين وغيرهما: "جبة شامية"، وفي غيرهما: "وعليه
جبة من صوف من جباب الروم ضيقة الكمين".
وقد
قال أهل العلم إنه لا منافاة بينهما؛ لأن الشام حينئذ داخل تحت حكم قيصر ملك الروم
فكأنهما واحد من حيث الملك، ويمكن أن يكون نسبة هيئتها المعتاد لبسها إلى أحدهما
ونسبة خياطتها أو إتيانها إلى الأخرى.
فالجبة
من جباب الروم والروم كانوا في الشام.
على
أن المقصود بقوله: "من قبل المغرب" أي من جهة مغرب المدينة، أي من
يسكنون غرب المدينة من المناطق البعيدة القريبة من الشام أو الشام نفسها.
فتبين
لنا أن استدلال هذا الأخ بما ورد في الحديث من لبس الصوف استدلال باطل.
ثانياً:
قوله إنه بحث في معاجم اللغة فلم يجد أصحابها ذكروا للشام أي علاقة بلفظ:
"الغرب" أو "المغرب"!! وهذا القول مما لا ينقضي منه العجب!!
وحري بقائله أن لا يكتب شيئا فكيف يخوض في الأمور الشرعية؟!!!
وهل
يتوقع أن يذكر أهل اللغة أن معنى المغرب أو الغرب هو الشام؟!! فالله المستعان.
من
فسر جهة المغرب بأنهم أهل الشام إنما نظر إلى المكان، فكما أن النبي صلى الله عليه
وسلم قد أشار إلى المشرق - أي شرق المدينة - وأن الفتن من هناك، فعلم أنه يقصد
الأمكنة التي تقع في شرق المدينة، وكذلك قصد من المغرب، ولهذا فسرها أهل العلم
بالشام؛ لأنها في جهة المغرب من المدينة، فكيف نجد هذا في معاجم اللغة؟!!
والمعاني
التي نقلها من المعاجم حجة عليه لا له، فلفظ المغرب الذي يدل على البعد والحدة
وغير ذلك موجود في منطقة الشام، فهي بعيدة بالنسبة للمدينة، بل أخذ منه صلى الله
عليه وسلم شهراً كاملاً حتى وصل إلى مشارفها في تبوك، فهي بعيدة بمقاييسهم لا
بمقاييسنا الآن مع سهولة المواصلات، ولو استمر الراكب متجهاً غرب المدينة إلى
الشام وبقي متجهاً غرباً كذلك لوصل إلى مناطق أبعد وأبعد، فليس المقصود المغرب
العربي الموجود الآن قطعاً.
ثالثاً:
وأما رحلة الشتاء والصيف وأنها أصبحت إلفاً فنعم، ولكن هذا لا علاقة له بالحديث،
والمسافة تبقى بعيدة بالنسبة لهؤلاء العرب الذين كانوا يرحلون إلى الشام، وكون
الرحلة أصبحت مألوفة لا يعني أن المسافة قصرت! وإنما المقصود بالإلف هنا الاعتياد
ومعاودة الرحلة سنوياً، وهذا يؤكد أن المقصود بالمغرب هو الشام.
فكلام
الأخ متهافت مبني على تعصب وهوى وعدم فهم، والله المستعان.
الحديث
الرابع:
ما
رواه نُعيم بن حماد في «الفتن» (1/206) برقم (560) قال: حدثنا الوليد بن
مسلم، عن عبدالجبار بن رشيد الأزدي، عن أبيه، عن ربيعة القصير، عن تبيع، عن كعب
قال: "تكون بعد فتنة الشامية الشرقية هلاك الملوك وذل العرب حتى يخرج أهل
المغرب".
قلت:
من يحتج بهذا من إخواننا المغاربة يتحمل ما سيجده بعد هذا.
مع
أننا لا نحتج بما يرويه كعب مما ذكره من فتن إلا أن هذه الفتنة قد فسرها بالإسناد
نفسه، فساق نعيم بن حماد أيضاً (1/198) عن الوليد بن مسلم، عن عبدالجبار بن رشيد
الأزدي، عن ربيعة القصير، عن تبيع، عن كعب قال: "تكون بالشام فتنة تسفك فيها
الدماء وتقطع فيها الأرحام وتهرج فيها الأموال، ثم تتبعها الشرقية".
فالفتنة
في الشام تكون من الجهة الشرقية، ثم تكون من الجهة الغربية التي يقصد بهم:
"أهل المغرب".
وقد
روى نعيم بن حماد أيضاً (1/235) من طريق أبي العالية قال: "أيها الناس لا
تعدوا الفتن شيئاً حتى تأتي من قبل الشام، وهي العمياء".
ثم
ساق عن الوليد بن مسلم، عن عبدالجبار بن رشيد الأزدي، عن أبيه، عن ربيعة القصير،
عن تبيع، عن كعب قال: "الغربية هي العمياء".
ثم
وصف هذه الغربية والمقصود بهم "أهل المغرب" (1/264) فساق عن الوليد، عن
عبدالجبار بن رشيد الأزدي، عن أبيه، عن ربيعة القصير، عن تبيع، عن كعب أنه قال: "الغربية
هي العمياء، وأن أهلها: الحفاة العراة لا يدينون الله دينا يدوسون الأرض كما يدوس
البقر البيدر، فتعوذوا بالله أن تدركوها".
فهؤلاء
الذين قصدهم بقوله: "أهل المغرب"، فهل يوافق أهل المغرب على هذا الوصف
الذي وصفوا به هنا؟!!!
الحديث
الخامس:
ما
رواه ابن عبدالحكم من طريق ابن سالم الجيشاني وسفيان بن هانئ: أن بعض أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم أخبره: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إنكم ستكونون أجناداً، وإن خير أجنادكم أهل المغرب؛ فاتقوا الله في القبط لا
تأكلوهم أكل الحضر".
قلت:
هذا الحديث منقطع، ولا يحتج به.
ومن
ذكر "أهل المغرب" في رواية هذا الحديث إنما قصد "أهل مصر" كما
جاء في بعض الروايات: "يُجَنَّدُ الناس أَجْنَادًا: جُنْدٌ بِالْيَمَنِ
وَجُنْدٌ بِالشَّامِ وَجُنْدٌ بِالْمَشْرِقِ وَجُنْدٌ بِالْمَغْرِبِ".
مع
أن زيادة: "وجند بالمغرب" التي يقصد بها أهل مصر لا توجد في الرواية
المشهورة لحديث عبدالله بن حوالة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: «ستجندون أجناداً: جنداً بالشام وجنداً بالعراق وجنداً باليمن».
وهذا
الحديث الكلام عليه في موضع آخر.
وعليه
فلم يثبت أي حديث يدلّ على أن المقصود بـ "أهل المغرب" بلدان المغرب
العربي والأندلس، ولا حتى الشام المعروفة؛ لأنا رجّحنا أن هذه اللفظة شاذة في هذا
الحديث، والصواب أن الحديث على إطلاقه دون تحديد.
ولهذا
سنخرّج كلّ روايات هذا الحديث، ثم نتكلم على فقهه بإذن الله.
·
طرق حديث الطائفة المنصورة:
·
حديث ثوبان – رضي الله عنه-:
روى
الإمام مسلم في «صحيحه» (3/1523) برقم (1920) قال: حدثنا سَعِيدُ بن
مَنْصُورٍ وأبو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ وَقُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ، قالوا: حدثنا
حَمَّادٌ - وهو: ابن زَيْدٍ - عن أَيُّوبَ، عن أبي قِلَابَةَ، عن أبي أَسْمَاءَ،
عن ثَوْبَانَ، قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ
من أُمَّتِي ظَاهِرِينَ على الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ من خَذَلَهُمْ حتى يَأْتِيَ
أَمْرُ اللَّهِ، وَهُمْ كَذَلِكَ». وَلَيْسَ في حديث قُتَيْبَةَ: "وَهُمْ
كَذَلِكَ".
قلت:
والحديث في «سنن سعيد بن منصور» (2/177) برقم (2372).
وهذا
الحديث أخرجه مسلم مختصراً، وهو حديث طويل رواه أيوب عن أبي قلابة
بهذا الإسناد.
رواه
ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني»(1/332) قال: حَدَّثَنَا أَبُو
الرَّبِيعِ، قال: حدثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، قال: حدثنا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي
قِلَابَةَ، عَن أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ
أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زَوَى لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ
الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ لِأُمَّتِي
أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا يُسَلَّطَ عَلَيْهِمْ
عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي
عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا
يُرَدُّ وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ
عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ
فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِ أَقْطَارِهَا
حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكَ بَعْضًا وَبَعْضُهُمْ يَسْبِي بَعْضًا،
وَإِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةُ الْمُضِلِّينَ، وَلَا
تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِيَ الْمُشْرِكِينَ
وَحَتَّى تُعْبَدَ الْأَوْثَانُ، وَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ
كَذَّابًا كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي
وَإِنَّهُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَا
يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهِيَ
كَذَلِكَ».
ثم
قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ حِسَابٍ، قال: حدثنا حَمَّادُ بنُ
زَيْدٍ، قال: حدثنا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ
ثَوْبَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ،
فَذَكَرَ مِثْلَهُ، قَالَ: «وَإِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِي أُمَّتِي لَمْ يُرْفَعْ
عَنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
ورواه
أحمد في «مسنده» (5/278) برقم (22448) قال: حدثنا سُلَيْمَان بن حَرْبٍ، عن
حَمَّاد عن أَيُّوبَ، به. وزاد فيه أيضاً: «وإذا وُضِعَ في أمتي السَّيْفُ لم
يُرْفَعْ عَنْهُمْ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
ورواه
أبو نُعيم في «الحلية» (2/289) من طريق أبي مسلم الكشي، عن سليمان بن حرب،
به، مثله.
قال
أبو نُعيم: "هذا حديث ثابت من حديث أيوب عن أبي قلابة. فيه ألفاظ تفرد بها عن
النبي صلى الله عليه وسلم من بين الصحابة: ثوبان، ولم يسقها عن ثوبان هذا السياق
إلا أبو أسماء الرحبي، ولا عنه إلا أبو قلابة".
ورواه
أبو داود في «سننه» (4/97) برقم (4252) قال: حدثنا سُلَيْمَانُ بن حَرْبٍ
وَمُحَمَّدُ بن عِيسَى قالا: حدثنا حَمَّادُ بن زَيْدٍ، عن أَيُّوبَ، به، مطولاً.
ورواه
ابن حبان في «صحيحه» (16/220) برقم (7238) قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
عَبْدِاللَّهِ بنِ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، به، بطوله.
ورواه
الحربي في «غريب الحديث» (3/956) قال: حدثنا عفان ومُسدّد وعبيدالله بن عمر
قالوا: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، به، بطوله.
ورواه
الروياني في «مسنده» (1/413) من طريق عَبَّاد بن مَنْصُورٍ، قَالَ:
قَرَأْتُ فِي كِتَابِ أَبِي قِلَابَةَ، فَعَرَضْتُهُ عَلَى أَيُّوبَ، فَزَعَمَ
أَنَّهُ سَمِعَهُ مِن أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ، أَنَّ
ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ حَدَّثَهُ، فذكره بطوله.
وما
اختصره مسلم رواه في موضع آخر:
قال
في «صحيحه»(4/2215) برقم (2889): حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ
الْعَتَكِيُّ، وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ -
وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ –قال: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَن أَيَّوبَ، عَن أَبِي
قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ
مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ
لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ، وَإِنِّي
سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا
يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ
بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً
فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ
بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى
أَنْفُسِهِمْ، يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ
بِأَقْطَارِهَا - أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا - حَتَّى يَكُونَ
بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا».
وحَدَّثَنِي
زُهيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وقَالَ الْآخَرُونَ:
حَدَّثَنَا - مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي
قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ، أَنَّ نَبِيَّ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى زَوَى لِي
الْأَرْضَ، حَتَّى رَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَأَعْطَانِي
الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ» ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أَيُّوبَ،
عَنْ أَبِي قِلَابَةَ.
قلت:
ذكر مسلم هنا حديث قتادة عن أبي قلابة كمتابعة لأيوب.
وقد
رواه أيضاً ابن حبان في «صحيحه» (15/109) برقم (6714) قال: أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، فذكره.
ورواه
الطبراني في «المعجم الأوسط» (8/200) برقم (8397) عن موسى بن سهل، عن هشام
بن عمار، قال: حدّثنا محمد بن شعيب بن شابور، قال: حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة،
عن أبي قلابة الجرمي، به، مطولاً.
ورواه
ابن ماجة في «سننه» (1/5) برقم (10) قال: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ، مقتصراً على لفظ: «لا يزالُ طَائِفَةٌ
مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ مَنْصُورِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ،
حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».
قال
الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن قتادة إلا سعيد بن بشير! تفرد به محمد بن
شعيب".
قلت:
بل تابعه هشام الدستوائي كما رواه عنه ابنه معاذ. وتابعهما سليمان بن خالد أبو
عبدالله الواسطي عن قتادة، كما رواه بَحْشَل في «تاريخ واسط» (ص157).
·
قتادة لم يسمع من أبي قلابة!
لما
روى ابن أبي عاصم هذا الحديث من طريق أيوب قال: "وَرَوَاهُ قَتَادَةُ عَن
أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ"، ثم ساقه عن محمد
بن المثنى كما ساقه الإمام مسلم ثم قال: "لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي
قِلَابَةَ" - يعني قتادة.
قلت:
وقد نفى أيضاً سماعه منه أيوب السختياني وابن معين وأحمد.
قال
يَحْيَى بنُ مَعِينٍ، قَالَ ابنُ عُلَيَّةَ: عَنْ أَيُّوبَ، قال: "لمْ
يَسْمَعْ قَتَادَةُ مِن أَبِي قِلَابَةَ شَيْئًا، إِنَّمَا وَقَعَتْ كُتُبُ أَبِي
قِلَابَةَ إِلَيْهِ، وَمَاتَ أَبُو قِلَابَةَ بِالشَّامِ".
وقال
عبّاس الدوري (كما في تاريخ ابن معين: 4/193): سمعت يحيى يقول: "قتادة لم
يسمع من أبي قلابة".
وقال
الإمام أحمد في قتادة: "لم يسمع من أبي قلابة شيئاً، وإنما بلغه عنه".
وقال
أبو حاتم (كما في علل الحديث:1/20) وهو يبين وهم لقتادة في حديث ابن عائش: "وقتادة
يُقال: لم يسمع من أبي قلابة إلا أحرفاً، فإنه وقع إليه كتاب من كتب أبي قلابة،
فلم يميزوا بين عبدالرحمن بن عائش وبين ابن عباس".
قلت:
الظاهر أن قتادة لم يسمعه من أبي قلابة وإنما وجده في كتبه، وتساهل الإمام مسلم في
ذلك، فأورده في المتابعات.
·
رواية الحاكم لهذا الحديث وتصحيحه
على شرط الشيخين! وزيادات في متنه!!
ورواه
الحاكم في «المستدرك» (4/496) برقم (8390) قال: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوبَ، قال: حدثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ
الْقَزَّازُ، قال: حدثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِدْرِيسَ، قال: حدثَنَا أَبَانُ بنُ
يَزِيدَ، قال: حدثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيرٍ، قال: حدثَنَا أَبُو قِلَابَةَ
عَبْدُاللَّهِ بنُ زَيْدٍ الْجَرْمِيُّ، قال: حَدَّثَنِي أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ:
أَنَّ ثَوْبَانَ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ رَبِّي زَوَى لِيَ الْأَرْضَ حَتَّى رَأَيْتُ
مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَأَعْطَانِي الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ
وَالْأَبْيَضَ، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زَوَى لِي مِنْهَا،
وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ
فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ
غَيْرِهِمْ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ
بَعْضٍ فَمَنَعَنِيهَا، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً
لَمْ يُرَدَّ إِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ
عَامَّةٍ، وَلَا أُظْهِرُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَسْتَبِيحَهُمْ
بِعَامَّةٍ، وَلَوِ اجْتَمَعَ مَنْ بِأَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ هُوَ
يُهْلِكُ بَعْضًا هُوَ يَسْبِي بَعْضًا، وَإِنِّي لَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي
إِلَّا الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ، وَلَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ
قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ، وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ
أُمَّتِي الْأَوْثَانَ، وَإِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِي أُمَّتِي لَمْ يُرْفَعْ
عَنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
وَأَنَّهُ
قَالَ: «كُلَّ مَا يُوجَدُ فِي مِائَةِ سَنَةٍ، وَسَيَخْرُجُ فِي أُمَّتِي
كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَا خَاتَمُ
الْأَنْبِيَاءِ، لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَلَكِنْ لَا تَزَالُ فِي أُمَّتِي
طَائِفَةٌ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ
خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ».
قَالَ:
وَزَعَمَ «أَنَّهُ لَا يَنْزِعُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ ثَمَرِهَا
شَيْئًا إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ مَكَانَهَا مِثْلَهَا».
وَأَنَّهُ
قَالَ: «لَيْسَ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ رَجُلٌ بِأَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ دِينَارٍ
يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ، ثُمَّ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى فَرَسِهِ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ».
قَالَ:
وَزَعَمَ «أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَظَّمَ شَأْنَ
الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَاءَ أَهْلُ
الْجَاهِلِيَّةِ يَحْمِلُونَ أَوْثَانَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ، فَيَسْأَلُهُمْ
رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ
تُرْسِلْ إِلَيْنَا رَسُولًا، وَلَمْ يَأْتِنَا أَمْرٌ وَلَوْ أَرْسَلْتَ
إِلَيْنَا رَسُولًا لَكِنَّا أَطْوَعُ عِبَادِكَ لَكَ، فَيَقُولُ لَهُمْ
رَبُّهُمْ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ أَتُطِيعُونِي؟ قَالَ:
فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. قَالَ: فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ،
فَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَعْمَدُوا لِجَهَنَّمَ فَيَدْخُلُونَهَا، قَالَ: فَيَنْطَلِقُونَ
حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا رَأَوْا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا، فَهَابُوا
فَرَجَعُوا إِلَى رَبِّهِمْ، فَقَالُوا: رَبَّنَا فَرِقْنَا مِنْهَا، فَيَقُولُ:
أَلَمْ تُعْطُونِي مَوَاثِيقَكُمْ لَتُطِيعُونِي، اعْمِدُوا لَهَا فَادْخُلُوا،
فَيَنْطَلِقُونَ حَتَّى إِذَا رَأَوْهَا فَرَقُوا فَرَجَعُوا، فَقَالُوا: رَبَّنَا
لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَدْخُلَهَا، قَالَ: فَيَقُولُ: ادْخُلُوهَا دَاخِرِينَ.
قَالَ: فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ دَخَلُوها
أَوَّلَ مَرَّةٍ كَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا».
قال
الحاكم: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ
يُخْرِجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَةِ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ مُعَاذِ
بنِ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ
الرَّحَبِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ مُخْتَصَرًا".
قلت:
بل ليس على شرطهما.
هكذا
رواه أبان بن يزيد العطّار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن
ثوبان، ورفعه كله للنبي صلى الله عليه وسلم.
وقد
زاد فيه ثلاثة أحاديث زيادة على حديث أيوب عن أبي قلابة. وقد رُويت هذه الأحاديث عن
أيوب أيضاً، ولكن اختلف عليه فيها كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
أما
الحديث الأول:
فرواه
البزار في «المسند» (10/123) برقم (4187) قال: حَدَّثنا مُحَمد بن حسان
الأزرق، قَال: حَدَّثنا ريحان بن سَعِيد، قَال: حَدَّثنا عَبَّادٍ، عَنْ أَيُّوبَ،
عَن أَبِي قِلابة، عَن أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ - رَضِي اللَّهُ عَنْهُ-
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم يَقُولُ: «لا
يَنْزِعُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ ثَمَرِها إلاَّ أُعِيدَ فِي
مَكَانِهَا مَثَلاها».
قال:
حَدَّثنا يَحْيَى بنُ مُحَمد بنِ السَّكَنِ، قَال: حَدَّثنا إسحاق بن إدريس، قَال:
حَدَّثنا أَبَان، عَن يَحيى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَن أَبِي قِلابة، عَن أَبِي
أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ- رَضِي اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيه وَسَلَّم، بِنَحْوِهِ.
قال
البزار: "وهذا الْحَدِيثُ عَنْ ثَوْبَانَ لا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَن
النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم مِنْ وَجْهٍ مُتَّصِلٍ عَنْهُ
بِأَحْسَنَ مِنْ هذَا الإِسْنَادِ، ولاَ نَعْلَمُ رَوَى حَدِيثَ أَيُّوبَ إلاَّ
عَبَّادُ بنُ مَنْصُورٍ، ولا رَواه عَنْ عَبَّادٍ إلاَّ رَيْحَانُ، ولاَ نَعْلَمُ
رَوَى حَدِيثَ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ إلاَّ إِسْحَاقُ بنُ إِدْرِيسَ عَنْ
أَبَانٍ".
ورواه
أبو نعيم الأصبهاني في «صفة الجنة» (2/185) برقم (345) قال: حَدَّثَنَا
أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ الْحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ الْيَقْطِينِيُّ، قال: حدثنا
عَلِيُّ بنُ عَبْدِالْحَمِيدِ، قال: حدثنا مُجَاهِدُ بنُ مُوسَى، قال: حدثنا
رَيْحَانُ بنُ سَعِيدٍ، به.
قال
أبو نعيم: "وَرَوَاهُ يَحْيَى بن أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ".
ورواه
الطبراني في «المعجم الكبير» (2/102) قال: حدثنا مُعَاذُ بن الْمُثَنَّى، قال:
حدثنا عَلِيُّ بن الْمَدِينِيِّ، قال: حدثنا رَيْحَانُ بن سَعِيدٍ، عن عَبَّادِ بن
مَنْصُورٍ، عن أَيُّوبَ، عن أبي قِلابَةَ، عن أبي أَسْمَاءَ، عن ثَوْبَانَ قال:
قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم: «إِنَّ الرَّجُلَ إذا نَزَعَ مِنَ الْجَنَّةِ
عَادَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى».
قلت:
تفرد به ريحان بن سعيد أبو عصمة الناجي الشامي إمام مسجد عبّاد بن منصور من أهل
البصرة، ليس بالقوي، ويتفرد عن عباد عن أيوب بمناكير!
قال
ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/517): سُئِل أبي عن ريحان بن سعيد؟
فقال: "شيخ لا بأس به، يُكتب حديثه ولا يُحتج به".
وقال
ابن حبان في «الثقات» (8/245): "يُعتبر حديثه من غير روايته عن عباد
بن منصور".
وقال
البَرديجي: "فأما حديث ريحان عن عباد عن أيوب عن أبي قلابة فهي مناكير".
قلت:
وعبّاد بن منصور شيخه قاضي البصرة: ليس بالقوي أيضاً، وقد ضعفه يحيى بن معين
والنسائي.
وقد
روى النسائي في «سننه» (2/218) حديثاً رواه ريحان بن سعيد، عن عباد، عن
أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث: أن شداد بن أوس حدثه: أنه بينما هو يمشي مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في رمضان ورسول الله صلى الله عليه وسلم
آخذ بيد شداد إذا أتى على رجل يحتجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفطر
الحاجم والمحجوم».
قَالَ
أَبُو عَبدِالرَّحْمَنِ النسائي: "عَبَّادُ بنُ مَنْصُورٍ لَيْسَ بِحُجَّةٍ
فِي الْحَدِيثِ، وَقِيلَ: إِنَّ رَيْحَانَ لَيْسَ بِقَدِيمِ السَّمَاعِ مِنْهُ،
وَقَدْ خَالَفَهُ جَرِيرٌ فَأَرْسَلَهُ".
ثم
ساق عن عُبَيْداللهِ بن سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ وَهْبَ بنَ جَرِيرٍ، يَقُولُ:
قَالَ أَبِي: "عَرَضْتُ عَلَى أَيُّوبَ كِتَابًا لِأَبِي قِلَابَةَ، فَإِذَا
فِيهِ: عَنْ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ وَثَوْبَانَ هذَا الْحَدِيثُ، قَالَ: عَرَضْتُ
عَلَيْهِ فَعَرَفَهُ".
قَالَ
أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ: "تَابَعَهُ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عَلَى إِرْسَالِهِ
عَنْ شَدَّادٍ، وَهُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَيُّوبَ".
قلت:
لكن تبقى رواية أبان العطّار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة.
وقد
قيل إن بعضهم تكلّم في سماع يحيى بن أبي كثير من أبي قلابة، وردّ هذه الدعوى
الإمام أحمد وأثبت سماعه منه.
قال
ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص240) أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَبِي طَاهِرٍ
- فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ – قال: حدثنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الْأَثْرَمِ، قَالَ:
وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يُسْأَلُ: يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيرٍ سَمِعَ
مِنْ أَبِي قِلَابَةَ؟ فَقَالَ: "لَا أَدْرِي بِأَيِّ شَيْءٍ يَدْفَعُ أَوْ
نَحْوَ هذَا"! قُلْتُ: زَعَمُوا أَنَّ كُتُبَ أَبِي قِلَابَةَ وَقَعَتْ
إِلَيْهِ؟ قَالَ: "لا".
قلت:
الظاهر عندي أن كتب أبي قلابة وقعت له، ولم يسمع من أبي قلابة، وهذه الأحاديث
الزائدة في حديثه على حديث أيوب إنما هي في كتب أبي قلابة، وبعضها موقوف وبعضها
مرسل، فعندما رواها جعل هذه الأحاديث تابعة للأحاديث المرفوعة، وهذا كثيراً ما
يتخلل صحف بعض أهل العلم وكتبهم ومن هنا تنشأ الأوهام والأغلاط في الرواية من هذه
الصحف.
فهذا
الحديث كأنه مرسل، فلما روي من النسخة رُفع، وسيتبيّن لنا هذا جلياً في الحديثين
الآخرين الزائدين على أصل الحديث.
أما
الحديث الثاني:
فرواه
مسلم في «صحيحه» (2/691) قال: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ،
وَقُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، - قَالَ أَبُو
الرَّبِيعِ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قال: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي
قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ،
دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى
دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي
سَبِيلِ اللهِ».
قَالَ
أَبُو قِلَابَةَ: "وَبَدَأَ بِالْعِيَالِ". ثُمَّ قَالَ أَبُو
قِلَابَةَ: "وَأَيُّ رَجُلٍ أَعْظَمُ أَجْرًا، مِنْ رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَى
عِيَالٍ صِغَارٍ، يُعِفُّهُمْ أَوْ يَنْفَعُهُمُ اللهُ بِهِ، وَيُغْنِيهِمْ".
ورواه
أحمد في «مسنده» (5/284) برقم (22506) عن عَفَّان، و (5/279) برقم (22459)
عن عبدالرحمن بن مهدي، كلاهما عن حَمَّاد بن زَيْدٍ، به، مثله.
قال
أحمد: "وقال سُلَيْمَانُ بن حَرْبٍ ولم يَرْفَعْهُ: دينارا نفقه رَجُلٌ على
دَابَّتِهِ في سَبِيلِ اللَّهِ".
ورواه
البخاري في «الأدب المفرد»، باب نفقة الرجل على أهله، (ص262) عن حَجَّاج،
عن حَمَّاد بن زَيْدٍ، به.
ورواه
القاضي إسماعيل في «جزء فيه من أحاديث الإمام أيوب السختياني» (ص41) عن حجاج
بن منهال وعارم، قالا: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، به.
ورواه
عن سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد بن زيد فوقفه على ثوبان ولم يرفعه.
ورواه
ابن ماجة في «سننه» (2/922) برقم (2760) عن عمران بن موسى الليثي، عن حماد
بن زيد، به.
ورواه
ابن حبان في «صحيحه» (10/53) برقم (4242) قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ
عَبْدِاللَّهِ بنِ الْجُنَيْدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، به.
ورواه
أيضاً (10/503) برقم (4646) عن مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ، قال: حَدَّثَنَا
عِمْرَانُ بنُ مُوسَى الْقَزَّازُ، قال: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، به.
ورواه
عبدالرزاق في «مصنفه» (10/458) برقم (19694) عن معمر، عن أيوب، عن أبي
قلابة، عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما دينار أفضل من دينار
أنفقه رجل على عياله أو على دابته أو على أصحابه في سبيل الله».
فلم
يذكر الواسطة بين أبي قلابة وثوبان.
ورواه
أبو نُعيم في «الحلية» (1/351) قال: حَدَّثَنَا حَبِيبُ بنُ الْحَسَنِ، قال:
حدثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ عَبْدِاللهِ بنِ أَيُّوبَ، قال: حدثَنَا أَبُو طَالِبٍ
عَبْدُالْجَبَّارِ بنُ عَاصِمٍ، قال: حدثَنَا عُبَيْدُاللهِ بنُ عَمْرٍو
الرَّقِّيُّ، قال: حدثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ ثَوْبَانَ: أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَفْضَلَ دِينَارٍ
دِينَارٌ أَنْفَقَهُ رَجُلٌ عَلَى عِيَالِهِ، أَوْ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ
اللهِ، أَوْ أَنْفَقَهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ».
قلت:
فالحديث رواه جماعة عن حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان
مرفوعاً.
وخالفهم
سليمان بن حرب، فرواه عن حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان
موقوفاً.
وخالفه
معمر وعبيدالله بن عمرو الرقي، فروياه عن أيوب عن أبي قلابة عن ثوبان مرفوعاً، ولم
يذكرا: "عن أبي أسماء".
فهذا
الحديث مما اختلف فيه على حماد، فرفعه جماعة ووقفه سليمان بن حرب. وخالف حماد:
معمر وعبيدالله بن عمرو الرقي فلم يذكرا فيه: "عن أبي أسماء".
وكأن
هذا يرجع إلى الكتاب الذي حدّث منه أيوب من كتب أبي قلابة! وهذا من عيوب الكتب
التي يحدّث بها غير صاحبها.
وكان
أبو قلابة - رحمه الله - قد أوصى بكتبه لأيوب السختياني.
قال
سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، قال: حدثنا حَمَّادٌ قَالَ: "مَاتَ أَبُو قِلَابَةَ
بِالشَّامِ فَأَوْصَى بِكُتُبِهِ لِأَيُّوبَ، فَأَرْسَلَ أَيُّوبُ فَجِيءَ بِهَا
عِدْلَ رَاحِلَةٍ".
قَالَ
أَيُّوبُ: "فَلَمَّا جَاءَنِي، قُلْتُ لِمُحَمَّدٍ: جَاءَنِي كُتُبُ أَبِي
قِلَابَةَ فَأُحَدِّثُ مِنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ: لَا آمُرُكَ وَلَا
أَنْهَاكَ".
وقال
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: شَهِدْتُ جَرِيرًا - يَعْنِي بن حَازِمٍ - يَقْرَأُ عَلَى
أَيُّوبَ كُتُبًا مِنْ كُتُبِ أَبِي قِلابَةَ، فَقَالَ أَيُّوبُ: "مِنْهَا
مَا سَمِعْتُ مِنْ أَبِي قِلابَةَ، وَمِنْهَا مَا لَمْ أَسْمَعْ مِنْ أَبِي
قِلابَةَ".
قلت:
وأحياناً يختلف على أيوب في تحديثه من هذه الكتب.
ذكر
العقيلي في «الضعفاء» (4/353): "الهيثم بن الربيع العقيلي: بصري في
حديثه وهم".
ثم
ساق من طريق سماك بن عطية، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك قال: "بينا
أبو بكر يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ نزلت عليه هذه الآية {فمن يعمل مثقال
ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} فرفع أبو بكر يده، وقال: يا رسول الله،
إني ليتني ما عملت من مثقال ذرة من شر! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت
يا أبا بكر ما رأيت في الدنيا مما تكره، فكما ذر الشر ويدخر الله لك مثاقيل الخير
حتى توفاه يوم القيامة".
قال
العقيلي: "ورواه يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين، عن أيوب، عن أبي قلابة عن
أبي أسماء: بينا أبو بكر قاعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.
وقال
حماد بن زيد، عن أيوب، قال: وجدت في بعض كتب أبي قلابة.
وقال
وهيب والثقفي: عن أيوب، قال: وجدت في كتاب أبي قلابة، عن أبي إدريس.
وحديث
وهيب والثقفي أولى".
والذي
أراه أن الحديث السابق موقوف في أصل النسخة وقد رفعه أيوب عندما حدّث به من كتب
أبي قلابة، أو أن الاختلاف من حماد، رفعه مرة وأوقفه أخرى، وهذا يؤيد أنه موقوف في
أصل كتب أبي قلابة، والله أعلم.
ثم
وجدت الإمام أحمد رواه في «المسند» (5/277) برقم (22434) عن إِسْمَاعِيل بن
عُليّة، قال: حدثنا أَيُّوبُ، عن أبي قِلاَبَةَ، عَمَّنْ حدّثه، عن ثَوْبَانَ قال:
قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إن أَفْضَلَ دِينَارٍ دِينَارٌ أَنْفَقَهُ
رَجُلٌ على عِيَالِهِ أو على دَابَّتِهِ في سَبِيلِ اللَّهِ أو على أَصْحَابِهِ في
سَبِيلِ اللَّه».
كذا
فيه مرفوع! ولكن رواه الحسين المروزي في زياداته على كتاب ابن المبارك «البر
والصلة» (ص97) برقم (183) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَمَّنْ يُحَدِّثُ، عَنْ
ثَوْبَانَ، أَنَّهُ قَالَ: «أَفْضَلُ دِينَارٍ دِينَارٌ أَنْفَقَهُ الرَّجُلُ
عَلَى عِيَالِهِ، أَوْ أَنْفَقَهُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ
يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
أقول:
وهذا هو الصواب فيه أنه موقوف على ثوبان، وإنما جاء رفعه في مسند أحمد؛ لأنه عادة
ما يخرج المرفوعات في مسند الصحابي، فربما كان الرفع من النسّاخ، أو سهو، والله
أعلم.
وقد
رُوي الحديث مرفوعاً من غير حديث أيوب.
رواه
ابن أبي الدنيا في كتاب «العيال» (ص163) برقم (28) قال: حدثنا أبو حفص
الصيرفي، قال: حدثنا عبدالرحمن بن مهدي، قال: حدثنا هَمَّامٌ، عن قَتَادَة، عَنْ
أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَفْضَلُ دِينَارٍ دِينَارٌ ينفقه
الرجل عَلَى عِيَالِه، ثمّ على فرسه فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثم على أصحابه».
ورواه
الروياني في «مسنده» (1/409) برقم (628) عن مُحَمَّد بن بَشَّارٍ، قال: حدثنا
أَبُو دَاوُدَ، قال: حدثنا هَمَّامٌ، به.
ورواه
الطبراني في «المعجم الأوسط» (1/307) عن أَبي عَبْدِاللَّهِ أَحْمَد بن
دَاوُدَ الْمَكِّيّ، قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: أَخبرنَا
هَمَّامُ بنُ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي
أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «دِينَارًا تُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارًا
تُنْفِقُهُ عَلَى فَرَسِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارًا تُنْفِقُهُ عَلَى
أَهْلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَأَفْضَلُهَا الدِّينَارُ الَّذِي تُنْفِقُهُ
عَلَى أَهْلِكَ».
قلت:
قد تقدّم أن قتادة لم يسمع من أبي قلابة وإنما أخذ أحاديثه من كتبه، وهذا يؤكد ما
ذهبنا إليه من أن التحديث من كتب أبي قلابة فيه بعض الإشكالات، فيرفعون الموقوف،
ويصلون المرسل.
وقد
تنبه لهذا الإمام الكبير القاضي إسماعيل - رحمه الله - فألف ذاك الجزء في حديث
أيوب مما اختلف فيه عليه في أحاديث أبي قلابة، فهو جزء في العلل مفيد جداً - وهو
قيّد التحقيق إن شاء الله لبيان أهميته وفوائده وشرح علله -.
وقد
ذكر الدارقطني هذا الحديث في «الغرائب والأفراد» (كما في أطراف الغرائب
والأفراد: 2/338، برقم: 1537) وقال: "تفرد به عباد بن منصور عن أيوب عن أبي
قلابة".
ولكن
تبيّن لنا أنه لم يتفرد به، بل قد توبع عليه.
وأما
الحديث الأخير الذي ساقه الحاكم:
فرواه
البزار في «مسنده» (10/107) برقم (4169) قال: حَدَّثنا إبراهيم بن سَعِيد
الجوهري، قَال: حَدَّثنا ريحان بن سَعِيد، قَال: حَدَّثنا عَبَّادُ بنُ مَنْصُورٍ،
عَنْ أَيُّوبَ، عَن أَبِي قِلاَبَةَ، عَن أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ- رَضِي
اللَّهُ عَنْهُ -:«أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم عَظَّمَ
شَأْنَ الْمَسْأَلَةِ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَاءَ أَهْلُ
الْجَاهِلِيَّةِ يَحْمِلُونَ أَوْثَانَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ فَيَسْأَلُهُمْ
رَبُّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَيَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ تُرْسِلْ إِلَيْنَا
رَسُولا وَلَمْ يَأْتِنَا لَكَ أَمْرٌ، وَلَوْ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا
لَكُنَّا أَطْوَعَ عِبَادِكَ فَيَقُولُ لَهُمْ رَبُّهُمْ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ
أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ تُطِيعُونِي فَيَقُولُونَ: نَعَمْ فَيَأْمُرُهُمْ أَنْ
يَعْمِدُوا جَهَنَّمَ فَيَدْخُلُونَهَا فَيَنْطَلِقُونَ حَتَّى إِذَا دنو منها
وجدا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا فَرَجَعُوا إِلَى رَبِّهِمْ فَيَقُولُونَ:
رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا، أَوْ أَجِرْنَا مِنْهَا فَيَقُولُ لهم ألم تزعمون
أَنِّي إِنْ أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ تُطِيعُونِي فَيَأْخُذُ عَلَى ذَلِكَ
مَوَاثِيقَهُمْ فَيَقُولُ: اعْمِدُوا لَهَا فَادْخُلُوهَا فَيَنْطَلِقُونَ حَتَّى
إِذَا رَأَوْها فَرِقُوا فَرَجَعُوا فَقَالُوا: رَبَّنَا فَرِقْنَا مِنْهَا، ولاَ
نَسْتَطِيعُ أَنْ نَدْخُلَهَا فَيَقُولُ: ادْخُلُوها دَاخِرِينَ فَقَالَ نَبِيُّ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم: لَوْ دَخَلُوها أَوَّلَ مَرَّةٍ كَانَتْ
عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلامًا».
قال:
حَدَّثنا يَحْيَى بنُ مُحَمد بنِ السَّكَنِ، قَال: حَدَّثنا إسحاق بن إدريس، قَال:
حَدَّثنا أَبَان بنُ يَزِيدَ، عَن يَحيى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَن أَبِي قِلاَبَةَ،
عَن أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، بِنَحْوِهِ.
قال:
"وهذا الْحَدِيثُ عَنْ ثَوْبَانَ لا نَحْفَظُهُ إلاَّ مِنْ هذَا الطَّرِيقِ
الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، ولاَ نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ أَيُّوبَ، عَن أَبِي قِلاَبَةَ،
عَن أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ إلاَّ عَبَّادُ بنُ مَنْصُورٍ، ولا عَن
عَبَّادٍ إلاَّ رَيْحَانُ بنُ سَعِيد، ولاَ نَعْلَمُ حَدَّثَ بِحَدِيثِ أَبَان
إلاَّ إِسْحَاقُ بنُ إِدْرِيسَ، وهُو غَرِيبٌ عَنْ أَيُّوبَ، وعَن يَحْيَى بنِ
أَبِي كَثِيرٍ وَهذَا الْحَدِيثُ فَمَتْنُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيه وَسَلَّم غَيْرُ مَعْرُوفٍ إلاَّ من هذا الوجه".
قلت:
قد تقدّم الكلام في أحاديث ريحان بن سعيد عن عباد بن منصور عن أيوب، وأنها مناكير.
ولكن
متابعة أبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة تؤكد أن هذا الحديث موجود في كتب
أبي قلابة، ولكن قد بينا أن يحيى بن أبي كثير لم يسمع من أبي قلابة وإنما وقعت له
بعض كتبه فروى منها، والحديث في كتب أبي قلابة مرسل، ولكن لما حدثوا منها رفعوه.
ودليل
ذلك ما رواه الحسين المروزي في زياداته على كتاب ابن المبارك «الزهد والرقائق»
(ص466) برقم (1323) قَالَ: أَخْبَرَنَا عبدالوهاب الثَّقَفِيُّ: حَدَّثَنَا
أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: يُؤْتَى بِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ يَحْمِلُونَ أَوْثَانَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ، فَيَقُولُ اللَّهُ
لَهُمْ: مَاذَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا، وَاللَّهِ مَا
أَتَانَا لَكَ رَسُولٌ وَأَمَرَ، وَاللَّهِ لَوْ أَتَانَا لَكَ رَسُولٌ وَأَمَرَ
كُنَّا أَطْوَعَ خَلْقِكَ لَكَ، قَالَ: فَيَقُولُ اللَّهُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ
أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرِي أَتُطِيعُونِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَأْخُذُ
عُهُودَهُمْ، وَمَوَاثِيقَهُمْ، ثُمَّ يَقُولُ: انْطَلِقُوا فَادْخُلُوا النَّارَ،
فَيَنْطَلِقُونَ، فَإِذَا رَأَوْها سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا،
فَيَهَابُونَهَا، فَيَرْجِعُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا مَنَعَكُمْ أَنْ
تَدْخُلُوا؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا، فَرِقْنَا، قَالَ: فَيَقُولُ:
انْطَلِقُوا فَادْخُلُوهَا، فَيَفْعَلُونَ مِثْلَ مَا فَعَلُوا، فَإِذَا كَانَتِ
الثَّالِثَةُ قَالَ: ادْخُلُوها دَاخِرِينَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ دَخَلُوهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ كَانَتْ
عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا».
قلت:
هكذا رواه عبدالوهاب بن عبدالمجيد الثقفيّ عن أيوب عن أبي قلابة، مرسلاً، وهو
الصواب.
وهذا
يؤكد ما ذهبنا إليه أن هناك أحاديث موقوفة ومرسلة في كتب أيوب، فيرويها بعض أهل
العلم من هذه الكتب فيرفعونها تبعاً لإسناد الصحيفة الموجود عادة في صفحة الكتاب،
فكتب أبي قلابة كثيرة، وكتابه عن أبي أسماء عن ثوبان مشهور ومعروف، فيأتي من وقع
هذا الكتاب بين يديه فيروي ما فيه كله بهذا الإسناد، ويكون فيه الموقوف والمرسل.
وكذلك
يؤكد لنا أن يحيى بن أبي كثير إنما روى من كتب أبي قلابة ولم يسمع منه، والله
أعلم.
·
وهم لمعمر بن راشد في هذا الحديث!
روى
عبدالرزاق في «تفسيره» (2/210) عن مَعمر قال: أخبرني أيوب، عن أبي قلابة، عن
أبي الأشعث الصنعاني، عن أبي أسماء الرحبي، عن شداد بن أوس يرفعه إلى النبي صلى
الله عليه وسلم: «إن الله زوى لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها...وإذا وضع
السيف في أمتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة».
قال
عبدالرزاق: "سمعت غير معمر يقول: عن أبي أسماء عن ثوبان، وكان معمر يقول: عن
أبي أسماء عن شداد بن أوس".
ورواه
أحمد في «مسنده» (4/123) برقم (17156) عن عبدالرَّزَّاقِ، عن مَعْمَر، به،
مثله. ولكنه لم يسق كلام عبدالرزاق الأخير.
ورواه
البزار في «مسنده» (8/413) برقم (3487) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ
مَنْصُورِ بنِ سَيَّارٍ، قَالَ: حدثنا عَبْدُالرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخبرنَا
مَعْمَرٌ، به، مثله.
قَالَ
أَحْمَدُ بنُ مَنْصُورٍ: فَقُلْتُ لِعَبْدِالرَّزَّاقِ، إِنَّمَا هذَا عَنْ
ثَوْبَانَ! فَقَالَ: "لا، نَظَرْتَ وَهُوَ هَكَذَا".
قال
البزار: "وهذا الْحَدِيثُ رَوَاهُ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وَعَبَّادُ بنُ
مَنْصُورٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ
ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الصَّوَابُ،
وَرَوَاهُ قَتَادَةُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
ورواه
القاضي إسماعيل في «جزء فيه من أحاديث أيوب السختياني» (ص46) عن سليمان بن
حرب وعارم، كلاهما عن حماد بن زيد، قال: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء،
عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره مختصراً.
ثم
رواه عن محمد بن المثنى، قال: حدثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن
أبي قلابة، عن أبي أسماء.
قال
القاضي إسماعيل: "وليس في حديث حماد بن زيد ولا في حديث هشام الدستوائي لأبي
الأشعث ذكر في هذا الحديث، وإنما ذكره معمر".
قال:
حدثنا به الرمادي، قال: حدثنا عبدالرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي
الأشعث، عن أبي أسماء، عن شداد.
قال
الرمادي: قلت لعبدالرزاق: إنما هذا عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان! قال: "لأنظرن
فيه، هو هكذا".
قال
الرمادي: "وهكذا رواه ابن المبارك ومحمد بن ثور عن معمر عن أيوب بهذا الإسناد
عن شداد بن أوس وإنما أخطأ فيه معمر".
وراه
الطبري في «تفسيره» (7/223) عن محمد بن عبدالأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور،
عن معمر، به.
·
وهم من صححه من حديث شداد أو ذكره
من حديثه كابن حبان وابن كثير والهيثمي وابن حجر والألباني!
قلت:
فمن صححه من حديث شداد أو ذكره من حديث شداد فقد أخطأ؛ لأن ذكر شداد وهم من معمر،
وكذلك زيادة: "عن أبي الأشعث الصنعاني".
وقد
رواه ابن حبان في «صحيحه» (10/431) برقم (4570) قال: أخبرنا محمد بن عمر بن
يوسف أبو حمزة، قال: حدثنا محمد بن عبدالملك بن زنجويه، قال: حدثنا عبدالرزاق،
قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن شداد بن أوس،
قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين
وإذا وضع السيف في أمتى لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة».
وساقه
ابن كثير في «تفسيره» (2/142) من مسند الإمام أحمد عن عبدالرزاق، ثم قال:
"وإسناده جيد قوي".
وقال
الهيثمي في «مجمع الزوائد» (7/221): "وعن شداد بن أوس: أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها... رواه أحمد
والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح".
وقال
ابن حجر في «الفتح» (13/50): "وقع في حديث شداد رفعه: إذا وضع السيف
في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة. قلت: أخرجه الطبري وصححه ابن حبان".
وقال
الشيخ الألباني في «سلسلته الصحيحة» (4/110): "وأما حديث ثوبان فيرويه
أبو قلابة عبدالله بن يزيد الجرمي: حدثني أبو أسماء الرحبي: أن ثوبان حدثه أنه سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما أخاف على أمتي الأئمة
المضلين". أخرجه أبو داود (2/203) والدارمي (1/70 و2/311) والترمذي (3/231
تحفة) وأحمد (5/178) من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة به. وقال الترمذي:
"حديث صحيح".
قلت:
وإسناده صحيح على شرط مسلم. وتابعه يحيى بن أبي كثير: حدثنا أبو قلابة به، وسياق
الإسناد له. أخرجه الحاكم (4/449) وقال: "صحيح على شرط الشيخين". ووافقه
الذهبي.
قلت:
أبو أسماء واسمه عمرو بن مرثد لم يحتج به البخاري. وخالف معمر في إسناده فقال:
أخبرني أيوب عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن أبي أسماء الرحبي عن شداد بن
أوس مرفوعاً به. أخرجه ابن حبان (1564) وأحمد (4/123). فجعله من مسند شداد وأدخل
بينه وبين أبي قلابة أبا الأشعث الصنعاني، فإن كان معمر قد حفظه، فيكون لأبي قلابة
إسنادان في هذا الحديث، أحدهما عن أبيأسماء عن ثوبان. والآخر عن أبي الأشعث عن أبي
أسماء عن شداد. والله أعلم" انتهى كلام الشيخ.
قلت:
لم يحفظه معمر، بل أخطأ فيه، والحديث حديث أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان.
·
حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله
عنه -:
روى
الإمام البخاري في «صحيحه»، باب سُؤَالِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُرِيَهُمْ
النبي صلى الله عليه وسلم آيَةً فَأَرَاهُمْ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ، (3/1331) برقم
(3441) قال: حدثنا عبداللَّهِ بن أبي الْأَسْوَدِ، قال: حدثنا يحيى، عن
إِسْمَاعِيلَ، قال: حدثنا قَيْسٌ، قال: سمعت الْمُغِيرَةَ بن شُعْبَةَ، عن النبي صلى
الله عليه وسلم، قال: «لا يَزَالُ نَاسٌ من أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حتى
يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ».
ورواه
أيضاً في باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تَزَالُ طَائِفَةٌ من أُمَّتِي
ظَاهِرِينَ على الْحَقِّ) وَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ، (6/2667) برقم (6881) عن
عُبَيْداللَّهِ بن مُوسَى، عن إِسْمَاعِيلَ، به، بلفظ: «لا تزال طَائِفَةٌ
من أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حتى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ».
ورواه
في كتاب التوحيد، باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إنما قَوْلُنَا لِشَيْءٍ}، (6/2714)
برقم (7021) عن شِهَاب بن عَبَّادٍ، عن إِبْرَاهِيم بن حُمَيْدٍ، عن إِسْمَاعِيلَ،
به، نحوه.
ورواه
الإمام مسلم في «صحيحه» (3/1523) برقم (1921) قال: حدثنا أبو بَكْرِ بن أبي
شَيْبَةَ، قال: حدثنا وَكِيعٌ [ح].
وحدثنا
ابن نُمَيْرٍ، قال: حدثنا وَكِيعٌ وَعَبْدَةُ، كلاهما عن إسماعيل بن أبي خَالِدٍ [ح].
وحدثنا
ابن أبي عُمَرَ - واللفظ له - قال: حدثنا مَرْوَانُ - يَعْنِي الْفَزَارِيَّ - عن
إسماعيل، عن قَيْسٍ، عن الْمُغِيرَةِ، قال: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم، يقول: «لَنْ يَزَالَ قَوْمٌ من أُمَّتِي ظَاهِرِينَ على الناس حتى
يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ».
قال:
وحدثنيه محمد بن رَافِعٍ، قال: حدثنا أبو أُسَامَةَ، قال: حدثني إسماعيل، عن
قَيْسٍ، قال: سمعت الْمُغِيرَةَ بن شُعْبَةَ يقول: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم، يقول بِمِثْلِ حديث مَرْوَانَ سَوَاءً.
ورواه الإمام أحمد في «مسنده» (4/244) برقم (18160) قال: حدثنا
يَعْلَى بن عُبَيْدٍ أبو يُوسُفَ، قال: حدثنا إِسْمَاعِيلُ، به. بلفظ: «لاَ
يَزَالُ من أمتي قَوْمٌ ظَاهِرِينَ على الناس حتى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ
وَهُمْ ظَاهِرُونَ».
ورواه
أيضاً (4/252) برقم (18228) قال: حدثنا يحيى، عن إِسْمَاعِيلَ، به. بلفظ: «لَنْ
يَزَالَ أُنَاسٌ من أمتي ظَاهِرِينَ على الناس حتى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ
وَهُمْ ظَاهِرُونَ».
ورواه
الطبري في «تهذيب الآثار» (مسند عمر بن الخطاب) (2/822) عن عبدالحميد بن
بيان القناد، قال: حدثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن إسماعيل، به، بلفظ: «لا يزال من
أمتي قوم يظهرون على الناس حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون».
ثم
رواه عن تميم بن المنتصر، قال: أنبأنا يزيد، قال: أنبأنا إسماعيل، به، بلفظ: «لا
يزال أناس من أمتي»، ثم ذكر مثله.
ثم
رواه عن محمد بن عمارة الأسدي، قال: حدثنا عبيدالله بن موسى، قال: أنبأنا إسمعيل
بن أبي خالد، به، بنحوه.
ورواه
الطبراني في «المعجم الكبير» (20/402) قال: حدثنا مُعَاذُ بن الْمُثَنَّى،
قال: حدثنا مُسَدَّدٌ، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا إِسْمَاعِيلُ، به، بلفظ: «لَنْ
يَزَالَ نَاسٌ من أُمَّتِي..».
ثم
رواه من طريق أبي بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ ح وعُثْمَان بن أبي شَيْبَةَ، قَالا: حدثنا
وَكِيعٌ وأبو أُسَامَةَ وَعَلِيُّ بن مُسْهِرٍ، كلهم عن إِسْمَاعِيلَ، به، بلفظ: «لا
تَزَالُ من أُمَّتِي قَوْمٌ ظَاهِرِينَ..».
ثم
رواه من طريق هشَيْمٌ، عن إِسْمَاعِيلَ بن أبي خَالِدٍ، به، بلفظ: «لا تَزَالُ
طَائِفَةٌ من أُمَّتِي على الْحَقِّ ظَاهِرِينَ حتى تَقُومَ السَّاعَةُ».
قلت:
هكذا رواه جماعة عن إسماعيل بن أبي خالد الكوفي، عن قيس بن أبي حازمٍ، عن المغيرة
بن شعبة - رضي الله عنه -، وألفاظهم متقاربة: «لا يَزَالُ نَاسٌ من
أُمَّتِي» أو: «لا تزال طَائِفَةٌ من أُمَّتِي» أو: «لَنْ يَزَالَ
قَوْمٌ من أُمَّتِي» ونحوها بتقديم أو تأخير حرف.
·
وهم لأبي معاوية الضرير في هذا
الحديث! وتنبيه مهم.
روى
أبو معاوية الضرير هذا الحديث عن إسماعيل، فجعله من مسند صحابي آخر!
وقد
سُئِل الدارقطني في «العلل» (7/128) رقم (1251) عن حديث قيس بن أبي حازم عن
المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:(لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى
يأتي أمر الله)؟
فقال:
"يرويه إسماعيل بن أبي خالد عن قيس، واختلف عنه: فرواه يحيى القطان وأبو
إسماعيل المؤدب ويعلى بن عبيد وأبو أسامة وعبيدالله بن موسى، عن إسماعيل عن قيس عن
المغيرة، وخالفهم أبو معاوية، فرواه عن إسماعيل عن قيس عن أبي هريرة! وحديث
المغيرة أثبت".
قلت:
كذا قال الدارقطني أن أبا معاوية جعله من "مسند أبي هريرة"، ولكن أشار
ابن حجر إلى أنه جعله من "مسند سعد بن أبي وقاص"!!
قال
في «الفتح» (13/294): "ورجال سند الباب كلهم كوفيون؛ لأن المغيرة ولي إمرة
الكوفة غير مرة وكانت وفاته بها. وقد اتفق الرواة عن إسماعيل على أنه عن قيس عن
المغيرة، وخالفهم أبو معاوية، فقال: عن سعد بدل المغيرة! فأورده أبو إسماعيل
الهروي في ذم الكلام، وقال: الصواب قول الجماعة عن المغيرة، وحديث سعد عند مسلم،
لكن من طريق أبي عثمان عن سعد".
قلت:
قد تقدّم الكلام على حديث أبي عثمان النهدي عن سعد بن أبي وقاص وهو سعد بن مالك –
رضي الله عنه-.
وحديث
أبي معاوية رواه الهروي في «ذم الكلام وأهله» (4/180) قال: أَخْبَرَنَا
الْحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ
حَسْنَوَيْهِ، قال: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بنُ إِدْرِيسَ، قال: حَدَّثَنَا
عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ [ح].
وَأَخْبَرَنَا
عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِالْمَلِكِ، قال: أَخْبَرَنَا مَنْصُورُ بنُ عَبْدِاللَّهِ،
قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، قال: حَدَّثَنَا
الْعُطَارِدِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ إِسْمَاعِيلَ بنِ
أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَعْدِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ:
قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: «لاتزال طَائِفَةٌ مِنْ
أُمَّتِي ظَاهِرَةً عَلَى الدِّينِ عَزِيزَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
قلت:
وقد نبّه إلى وهم أبي معاوية في هذا الحديث: الإمام البزار قبل الهروي، فكان العزو
إليه أولى.
رواه
البزار في «مسنده» (4/52) برقم (1216)قال: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ،
قَالَ: حدثنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حدثنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ
سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَزَالُ
طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
قال
البزار: "وهذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ،
عَنْ قَيْسٍ، عَنْ سَعْدِ إِلَّا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَرَوَاهُ غَيْرُ أَبِي
مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ".
قلت:
لم أقف على رواية أبي معاوية التي أشار إليها الدارقطني وأنها من مسند أبي هريرة،
والظاهر أنه جعلها من مسند سعد كما جاء في الروايات السابقة، فإما أن يكون
الدارقطني وهم في ذلك أو أنه وقف على رواية لأبي معاوية فيها ذكر لأبي هريرة،
وعندها قد يكون "أبو معاوية" جعله مرة من "مسند أبي هريرة"
ومرة من "مسند سعد"، والله أعلم.
·
حديث جابر بن سَمُرَة – رضي الله
عنه-:
روى
مسلم في «صحيحه» (3/1524) برقم (1922) قال: حدثنا محمد بن الْمُثَنَّى
وَمُحَمَّدُ بن بَشَّارٍ، قالا: حدثنا محمد بن جَعْفَرٍ، قال: حدثنا شُعْبَةُ، عن
سِمَاكِ بن حَرْبٍ، عن جَابِرِ بن سَمُرَةَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ
قال: «لَنْ يَبْرَحَ هذا الدِّينُ قَائِمًا يُقَاتِلُ عليه عِصَابَةٌ من
الْمُسْلِمِينَ حتى تَقُومَ السَّاعَةُ».
ورواه
أبو داود الطيالسي في «مسنده» (ص104) عن شعبة، به، مثله.
ورواه
أحمد في «مسنده» (5/103) برقم (21023) عن محمد بن جعفر، عن شعبة، به.
ورواه
البزار في «مسنده» (10/172) برقم (4246) قال: حَدَّثنا مُحَمَّدُ بنَ
الْمُثَنَّى، ومُحَمَّد بنُ بَشَّار، قَالاَ: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بنَ جَعْفَرٍ،
قَال: حَدَّثنا شُعْبَةُ، به.
قال
البزار: "وهذَا الْحَدِيثُ لاَ نعلمُهُ يُرْوَى بِهَذَا اللَّفْظِ إلاَّ عَنْ
جَابِرِ بنِ سَمُرة، وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ كَلامِهِ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ عَنِ
النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم مِنْ وُجُوهٍ".
ورواه
ابن حبان في «صحيحه» (15/251) برقم (6837) من طريق رَوح بن عبادة، قال:
حدثنا شعبة، به.
ورواه
الطبراني في «المعجم الكبير» (2/217) عن سُلَيْمَان بن الْحَسَنِ
الْعَطَّار، قال: حدثنا عُبَيْدُاللَّهِ بن مُعَاذٍ، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا
شُعْبَةُ، به.
وقد
توبع شعبة عليه، تابعه: إسرائيل بن يونس، وزائدة بن قدامة، وإبراهيم بن طهمان،
وحسن بن صالح بن حيّ، وأسباط بن نصر الهمداني، كلهم عن سماك بن حرب.
أما
حديث إسرائيل فرواه الطبراني في «المعجم الكبير» (2/223) قال: حدثنا بِشْرُ
بن مُوسَى، قال: حدثنا خَلَفُ بن الْوَلِيدِ، قال: حدثنا إِسْرَائِيلُ، عن سِمَاكِ
بن حَرْبٍ، به.
وحديث
زائدة رواه أحمد في «المسند» (5/106) برقم (21052) عن مُعَاوِيَة بن
عَمْرٍو. وفي (5/108) برقم (21083) عن عبدالرحمن بن مهدي، كلاهما عن زَائِدَة،
قال: حدثنا سِمَاكٌ، عن جَابِرِ بن سَمُرَةَ، قال: نُبِّئْتُ أَنَّ
النبي صلى الله عليه وسلم قال، فذكره.
وحديث
إبراهيم رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (2/238) قال: حدثنا أَحْمَدُ بن
زُهَيْرٍ التُّسْتَرِيُّ، قال: حدثنا عبداللَّهِ بن مُحَمَّدِ بن يحيى بن أبي
بُكَيْرٍ، قال: حدثنا يحيى بن أبي بُكَيْرٍ، قال: حدثنا إِبْرَاهِيمُ بن طَهْمَانَ،
قال: حدثني سِمَاكُ بن حَرْبٍ، به.
وحديث
صالح رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (2/241) قال: حدثنا أَحْمَدُ بن
زُهَيْرٍ التُّسْتَرِيُّ، قال: حدثنا محمد بن عُثْمَانَ بن كَرَامَةَ، قال: حدثنا
عُبَيْدُاللَّهِ بن مُوسَى، عن حَسَنِ بن صَالِحٍ، عن سِمَاكٍ، به.
وأما
حديث أسباط فرواه عبدالله بن أحمد في «زياداته على المسند» (5/98) عن مُحَمَّد
بن أَبِي غَالِبٍ، عن عَمْرٌو بن طَلْحَة، أَسْبَاطٌ، عن سِمَاكٍ، عن جَابِرِ بن
سَمُرَةَ، عَمَّنْ حدّثه، عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، نحوه.
قلت:
هذا اللفظ تفرد به سماك بن حرب عن جابر بن سمرة، ولم يروه عن جابر إلا سماك. وفي
رواية زائدة وأسباط أن جابراً لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم بل أُخبِر
بذلك، ولا شك أن الصحابة عدول فمن حدّثه به صحابي مثله، ولكن يبقى تفرد سماك به،
وأخشى أن يكون قد دخل له حديث في حديث!!
فقد
روى الإمام مسلم في «صحيحه» (4/2237) برقم (2919) قال: حدثنا قُتَيْبَةُ بن
سَعِيدٍ وأبو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، قالا: حدثنا أبو عَوَانَةَ، عن سِمَاكِ بن
حَرْبٍ، عن جَابِرِ بن سَمُرَةَ، قال: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
يقول: «لَتَفْتَحَنَّ عِصَابَةٌ من الْمُسْلِمِينَ - أو من الْمُؤْمِنِينَ - كَنْزَ
آلِ كِسْرَى الذي في الْأَبْيَضِ». قال قُتَيْبَةُ: «من الْمُسْلِمِينَ»، ولم
يَشُكَّ.
قال:
حدثنا محمد بن الْمُثَنَّى وابن بَشَّارٍ، قالا: حدثنا محمد بن جَعْفَرٍ، قال:
حدثنا شُعْبَةُ، عن سِمَاكِ بن حَرْبٍ، قال: سمعت جَابِرَ بن سَمُرَةَ قال: سمعت
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَى حديث أبي عَوَانَةَ.
ورواه
الحاكم في «المستدرك» (4/561) برقم (8573) من طريق آدم بن أبي إياس، عن
شعبة، عن سماك بن حرب، به.
قال
الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه".
قلت:
قد أخرجه مسلم وهذه غفلة من الحاكم.
ورواه
ابن حبان في «صحيحه» (15/81) برقم (6687) عن سليمان بن الحسن العطار، قالك
حدثنا عبيدالله بن معاذ بن معاذ، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب،
به.
وقد
توبع عليه سماك.
فرواه
الطبراني في «المعجم الكبير» (2/214) قال: حدثنا عَبْدَانُ بن أَحْمَدَ،
قال: حدثنا مُوسَى الأَنْصَارِيُّ، قال: حدثنا يُونُسُ بن بُكَيْرٍ، قال: حدثنا
قَيْسٌ، عن سِمَاكٍ وَعَبْدِالْمَلِكِ بن عُمَيْرٍ، عن جَابِرِ بن سَمُرَةَ، قال:
سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول: «لَيَفْتَحَنَّ أَبْيَضَ آلِ
كِسْرَى عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ».
ورواه
أيضاً في (2/234) قال: حدثنا مُعَاذُ بن الْمُثَنَّى، قال: حدثنا مُسَدَّدٌ [ح].
وَحَدَّثَنَا
الْعَبَّاسُ بن الْفَضْلِ الأَسْفَاطِيُّ، قال: حدثنا أبو الْوَلِيدِ
الطَّيَالِسِيُّ، قَالا: حدثنا أبو عَوَانَةَ، عن سِمَاكٍ، عن جَابِرٍ، قال: سمعت
رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول: «لَيَفْتَحَنَّ عِصَابَةٌ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ أو مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كَنْزَ آلِ كِسْرَى الذي في الأَبْيَضِ».
وروى
مسلم في «صحيحه» (4/2237) قال: حدثنا قُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ، قال: حدثنا جَرِيرٌ،
عن عبدالْمَلِكِ بن عُمَيْرٍ، عن جَابِرِ بن سَمُرَةَ قال: قال رسول اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم: «إذا هَلَكَ كِسْرَى فلا كِسْرَى بَعْدَهُ وَقَيْصَرُ
لَيَهْلِكَنَّ ثُمَّ لَا يَكُونُ قَيْصَرُ بَعْدَهُ وَلَتُقْسَمَنَّ كُنُوزُهُمَا
في سَبِيلِ اللَّهِ».
وروى
أيضاً (3/1453) قال: حدثنا هَدَّابُ بن خَالِدٍ الْأَزْدِيُّ، قال: حدثنا حَمَّادُ
بن سَلَمَةَ، عن سِمَاكِ بن حَرْبٍ، قال: سمعت جَابِرَ بن سَمُرَةَ يقول: سمعت
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يَزَالُ الْإِسْلَامُ عَزِيزًا إلى
اثني عَشَرَ خَلِيفَةً ثُمَّ قال كَلِمَةً لم أَفْهَمْهَا فقلت لِأَبِي: ما قال؟
فقال: كلهم من قُرَيْشٍ».
وقال:
حدثنا أبو بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ، قال: حدثنا أبو مُعَاوِيَةَ، عن دَاوُدَ، عن
الشَّعْبِيِّ، عن جَابِرِ بن سَمُرَةَ، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا
يَزَالُ هذا الْأَمْرُ عَزِيزًا إلى اثني عَشَرَ خَلِيفَةً قال ثُمَّ تَكَلَّمَ
بِشَيْءٍ لم أَفْهَمْهُ فقلت لِأَبِي ما قال فقال كلهم من قُرَيْشٍ».
وقال:
حدثنا قُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ وأبو بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ، قالا: حدثنا حَاتِمٌ - وهو
بن إسماعيل - عن الْمُهَاجِرِ بن مِسْمَارٍ، عن عَامِرِ بن سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ
قال: كَتَبْتُ إلى جَابِرِ بن سَمُرَةَ مع غُلَامِي نَافِعٍ أَنْ أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ
سَمِعْتَهُ من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: فَكَتَبَ إلي: سمعت رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوم جُمُعَةٍ عَشِيَّةَ رُجِمَ الْأَسْلَمِيُّ يقول: «لا
يَزَالُ الدِّينُ قَائِمًا حتى تَقُومَ السَّاعَةُ، أو يَكُونَ عَلَيْكُمْ اثْنَا
عَشَرَ خَلِيفَةً كلهم من قُرَيْشٍ، وَسَمِعْتُهُ يقول: عُصَيْبَةٌ من
الْمُسْلِمِينَ يَفْتَتِحُونَ الْبَيْتَ الْأَبْيَضَ بَيْتَ كِسْرَى أو آلِ كِسْرَى،
وَسَمِعْتُهُ يقول: إِنَّ بين يَدَيْ السَّاعَةِ كَذَّابِينَ فَاحْذَرُوهُمْ،
وَسَمِعْتُهُ يقول: إذا أَعْطَى الله أَحَدَكُمْ خَيْرًا فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ
وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَسَمِعْتُهُ يقول أنا الْفَرَطُ على الْحَوْضِ».
قلت:
فهذه الأحاديث قد رواها سماك بن حرب عن جابر بن سمرة، وقد توبع عليها، وفيها أشياء
مشابهة للحديث الذي تفرد به سماك عن جابر: «لا يَزَالُ الدِّينُ قَائِمًا حتى
تَقُومَ السَّاعَةُ..»، و«لا يَزَالُ هذا الْأَمْرُ عَزِيزًا..» و«لَتَفْتَحَنَّ
عِصَابَةٌ من الْمُسْلِمِينَ..».
فهذه
الألفاظ مشابهة لألفاظ الحديث: «لَنْ يَبْرَحَ هذا الدِّينُ قَائِمًا يُقَاتِلُ
عليه عِصَابَةٌ من الْمُسْلِمِينَ حتى تَقُومَ السَّاعَةُ».
وهذا
تفرد به سماك عن جابر، وأخشى أن يكون وهم فيه! وكان – رحمه الله – يضطرب أحياناً
في حديثه.
قال
أبو طالب أحمد بن حميد: قلت لأحمد بن حنبل، سماك بن حرب: مضطرب الحديث؟ قال: "نعم".
قال
أبو بكر ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول - وسئل عن سماك بن حرب-؟ فقال: "ثقة"،
فقيل: ما الذي عِيب عليه؟ قال: "أسند أحاديث لم يسندها غيره".
وقال
محمد بن عبدالله بن عمار: "ربما خلط ويختلفون في حديثه".
وقال
ابن حبان: "يُخطىء كثيراً".
قلت:
لم يخرّج البخاري لسماك وأعرض عنه، وخرّج له مسلم في المتابعات والشواهد، وحديثه
هذا - وإن كان في الشواهد إلا أنه من تفرداته ولفظه يختلف عن ألفاظ الأحاديث
الأخرى، فالله أعلم إن كان حدث به جابر بن سمرة أم أخطأ فيه سماك!! وقد تقدّم أنه
جاء في بعض الروايات عنه عن جابر: نبئت أو عمن حدثه! وهذا يدل على أن سماك لم
يضبطه، والله أعلم.
·
حديث جابر بن عبدالله - رضي الله
عنه -:
روى
مسلم في «صحيحه»(1/137) برقم (156) قال: حدثنا الْوَلِيدُ بن شُجَاعٍ
وَهارُونُ بن عبداللَّهِ وَحَجَّاجُ بن الشَّاعِرِ، قالوا: حدثنا حَجَّاجٌ - وهو ابن
مُحَمَّدٍ - عن ابن جُرَيْجٍ، قال: أخبرني أبو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سمع جَابِرَ بن
عبداللَّهِ يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ من
أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ على الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قال:
فَيَنْزِلُ عِيسَى بن مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم فيقول أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ
صَلِّ لنا، فيقول: لَا، إِنَّ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ
هذه الْأُمَّةَ».
ورواه
أيضاً: في (3/1524) برقم (1923) قال: حدثني هارُونُ بن عبداللَّهِ وَحَجَّاجُ بن
الشَّاعِرِ، قالا: حدثنا حَجَّاجُ بن مُحَمَّدٍ، به، مقتصراً على ذكر الطائفة فقط
دون ذكر عيسى عليه الصلاة والسلام.
ورواه
أحمد في «مسنده» (3/384) برقم (15167) قال: حدثني حَجَّاجٌ، به.
ورواه
ابن الجارود في «المنتقى»، باب دوام الجهاد إلى يوم القيامة، (ص257) برقم (1031)
عن محمد بن يحيى، قال: حدثنا حجاج بن محمد المصيصيّ، به.
ورواه
أبو عوانة في «مستخرجه» (4/505) قال: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بنُ سَعِيدٍ
الْمِصِّيصِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّورِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ،
قَالُوا: ثنا حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، به.
ورواه
ابن حبان في «صحيحه» (15/231) برقم (6819) قال: أخبرنا محمد بن المنذر بن
سعيد، قال: حدثنا يوسف بن سعيد بن مسلم، قال: حدثنا حجاج، به.
وقد
توبع حجاج عليه، تابعه: روح بن عُبادة.
رواه
الطبري في «تهذيب الآثار» (مسند عمر بن الخطاب) (2/826) قال: حدثنا محمد بن
معمر البحراني، قال: حدثنا روح، قال: حدثنا ابن جريج، به.
وقد
توبع ابن جريج عليه، تابعه: مَعْقِل بن عُبَيْدِاللَّهِ
الْجَزَرِيّ وابن لهيعة.
أما
حديث معقل فرواه أبو عوانة في «المستخرج» قال: حَدَّثَنِي مُضَرُ بنُ
مُحَمَّدٍ، قَالَ: حدثنا عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ عَمْرٍو الْحَرَّانِيُّ، قَالَ:
قَرَأْنَا عَلَى مَعْقِلٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ.
وأما
حديث ابن لهيعة فرواه أحمد في «مسنده» (3/345) برقم (14762) عن مُوسَى
الأشيب، قال: حدثنا ابن لَهِيعَةَ، عن أبي الزُّبَيْرِ، عن جَابِرٍ، به.
ورواه
الطبراني في «المعجم الأوسط» (9/39) قال: حدثنا المقدام، قال: حدثنا أسد بن
موسى وسعيد بن أبي مريم، قالا: حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، به.
قلت:
تفرد به أبو الزبير عن جابر، وقد صرّح بسماعه منه كما جاء في هذه الروايات إن كان
ذلك مضبوطاً فيها. وما جاء في الحديث من ذكر عيسى وأنه يدعى إلى الصلاة كإمام
فيرفض لا يوجد إلا في هذا الحديث، والكلام عليه في مكان آخر!!
·
حديث معاوية بن أبي سفيان - رضي
الله عنه -:
رواه
عن معاوية جماعة: حُميد بن عبدالرحمن بن عوف، وعُمير بن هانئ العنسيّ، ويزيد بن
الأصمّ، وعبداللَّهِ بن عَامِرٍ الْيَحْصِبِيُّ القارىء، وقيس بن أبي حازم، وشعيب
بن محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاص، والد عَمرو بن شعيب، ويُونُسُ بن مَيْسَرَةَ
بن حَلْبَسَ، و نُمَيْرُ بن أَوْسٍ، ومسلم بن هُرمز، وثابت بن سعد الطائي، وأبو
عبدالله الشاميّ، ومكحول الفقيه.
أما
حديث حُميد بن عبدالرحمن:
فرواه
البخاري في «صحيحه»، باب من يُرِدْ الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في
الدِّينِ، (1/39) برقم (71) قال: حدثنا سَعِيدُ بن عُفَيْرٍ، قال: حدثنا ابن
وَهْبٍ، عن يُونُسَ، عن ابن شِهَابٍ، قال: قال حُمَيْدُ بن عبدالرحمن: سمعت
مُعَاوِيَةَ خَطِيبًا يقول: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «من يُرِدْ الله
بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ، وَإِنَّمَا أنا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي،
وَلَنْ تَزَالَ هذه الْأُمَّةُ قَائِمَةً على أَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ من
خَالَفَهُمْ حتى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ».
ورواه
أيضاً (6/2667) برقم (6882) قال: حدثنا إِسْمَاعِيلُ، قال: حدثنا ابن وَهْبٍ، عن
يُونُسَ، عن ابن شِهَابٍ، به، بنحوه: «وَلَنْ يَزَالَ أَمْرُ هذه الْأُمَّةِ
مُسْتَقِيمًا حتى تَقُومَ السَّاعَةُ - أو حتى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ».
ورواه
أحمد في «مسنده» برقم (16973) عن أبي سَلَمَةَ الخزاعي، عن لَيْثٌ بن
سَعْدٍ، عن يَزِيدَ بن الْهَادِ، عن عبدالْوَهَّابِ بن أبي بَكْرٍ، عَنِ ابن
شِهَابٍ، به. «وَلَنْ تَزَالَ هَذِه الأُمَّةُ أُمَّةً قَائِمَةً على أَمْرِ
اللَّهِ لاَ يَضُرُّهُمْ من خَالَفَهُمْ حتى يأتي أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ
ظَاهِرُونَ على الناس».
ورواه
الطبراني في «المعجم الكبير» (19/329) عن مُطَّلِب بن شُعَيْبٍ الأَزْدِيّ،
عن عبداللَّهِ بن صَالِحٍ، عن اللَّيْث بن سَعْدٍ، به.
وأما
حديث عُمير بن هانئ:
فرواه
البخاري في «صحيحه» (3/1331) برقم (3442)، وفي باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{إنما قَوْلُنَا لِشَيْءٍ}، (6/2714) برقم (7022) قال: حدثنا الْحُمَيْدِيُّ، قال:
حدثنا الْوَلِيدُ بن مُسلم، قال: حدثني ابن جَابِرٍ، قال: حدثني عُمَيْرُ بن هانِئٍ:
أَنَّهُ سمع مُعَاوِيَةَ يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يَزَالُ
من أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ من
خَذَلَهُمْ ولا من خَالَفَهُمْ حتى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ على ذلك».
قال
عُمَيْرٌ: فقال مَالِكُ بن يُخَامِرَ: قال مُعَاذٌ: "وَهُمْ بالشام".
فقال مُعَاوِيَةُ: "هذا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سمع مُعَاذًا يقول: وَهُمْ
بالشام".
ورواه
مسلم في «صحيحه» (3/1524) برقم (1037) قال: حدثنا مَنْصُورُ بن أبي
مُزَاحِمٍ، قال: حدثنا يحيى بن حَمْزَةَ، عن عبدالرحمن بن يَزِيدَ بن جَابِرٍ، به.
ورواه
أحمد في «مسنده» برقم (16974) عن إِسْحَاق بن عِيسَى، عن يحيى بن حَمْزَة،
عن عبدالرحمن بن يَزِيدَ بن جَابِرٍ، به. بلفظ: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ من أمتي
قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لاَ يَضُرُّهُمْ من خَذَلَهُمْ أو خَالَفَهُمْ حتى
يأتي أَمْرُ اللَّهِ عز وجل وَهُمْ ظَاهِرُونَ على الناس».
ورواه
ابن عساكر في «تاريخه» (1/261-262) من طرق عن عمرو بن عثمان وهشام بن عمّار
وداود بن عمرو، كلهم عن الوليد بن مسلم، به.
ثم
قال: "وكذا رواه يحيى بن حمزة والوليد بن مزيد البيروتي وبشر بن بكر التنيسي
عن ابن جابر"، ثم ساق هذه الروايات.
ورواه
أبو نُعيم في «الحلية» (5/158) من طريق علي بن حجر، عن الوليد بن مسلم، عن
ابن جابر، به.
قال
أبو نعيم: "غريبٌ من حديث عمير! تفرد به عنه ابن جابر، وهذه الزيادة من قبل
معاذ لا تحفظ إلا في هذا الحديث".
قلت:
وهذه الزيادة معروفة في حديث مرسل عند الشاميين!!
رواه
ابن عساكر في «تاريخه» (1/269) من طريق محمد بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي،
قال: حدثنا بقية، قال: حدثني سعيد بن عبدالعزيز، عن مكحول، عن مالك بن يخامر
السكسكي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي قائمة
على أمر الله لا يبالون من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على
الناس». فقال مالك بن يخامر: سمعت معاذاً يقول: "هم أهل الشام".
وما
رواه ابن جابر عن عُمَيْر بن هانئ قال: "فقال مَالِكُ بن يُخَامِرَ: قال
مُعَاذٌ: "وَهُمْ بالشام"، فهذا ليس صريحاً في أن عمير بن هانئ سمعه من
مالك بن يخامر، وقد رواه مكحول عن مالك بن يخامر، ولا ندري هل سمع مكحول هذا من
مالك؛ لأنَّ مكحولاً كان يرسل كثيراً على عادة الشاميين في الإرسال.
ومالك
بن يخامر توفي سنة (70هـ)، وعمير بن هانئ توفي سنة (127هـ)، ومكحول توفي ما بين
سنة (113هـ) إلى (118هـ).
وأما
حديث يزيد بن الأصمّ:
فرواه
مسلم في «صحيحه» (3/1524) قال: وحدثني إسحاق بن مَنْصُورٍ، قال: أخبرنا
كَثِيرُ بن هِشَامٍ، قال: حدثنا جَعْفَرٌ - وهو: ابن بُرْقَانَ - قال: حدثنا
يَزِيدُ بن الْأَصَمِّ، قال: سمعت مُعَاوِيَةَ بن أبي سُفْيَانَ ذَكَرَ حَدِيثًا
رَوَاهُ عن النبي صلى الله عليه وسلم لم أَسْمَعْهُ رَوَى عن النبي صلى الله عليه
وسلم على مِنْبَرِهِ حَدِيثًا غَيْرَهُ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«من يُرِدْ الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ، ولا تَزَالُ عِصَابَةٌ
من الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ على الْحَقِّ ظَاهِرِينَ على من نَاوَأَهُمْ إلى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
وأما
حديث عبدالله بن عامر اليحصبي:
فرواه
أحمد في «مسنده» (4/97) برقم (16927) قال: حدثنا يحيى بن إِسْحَاقَ، قال: أخبرنا
ابن لَهِيعَةَ، عن جَعْفَرِ بن رَبِيعَةَ، عن رَبِيعَةَ بن يَزِيدَ، عن عَامِرِ بن
عبداللَّهِ اليحصبي، - قال عبداللَّهِ بن أحمد: قال أبي: كَذَا قال يحيى بن
إِسْحَاقَ! وَإِنَّمَا هو: عبداللَّهِ بن عَامِرٍ اليحصبي - قال: سمعت
مُعَاوِيَةَ بن أبي سُفْيَانَ يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا
تَزَالُ طَائِفَةٌ من أمتي على الْحَقِّ لاَ يُبَالُونَ من خَالَفَهُمْ أو
خَذَلَهُمْ حتى يأتي أَمْرُ اللَّهِ عز وجل».
·
قلب في الاسم:
نبّه
الإمام أحمد إلى أنه قد وقع قلب في اسم عبدالله بن عامر، وقال بأن إسحاق قال فيه:
"عامر ن عبدالله"! وكأنه يرى أن هذا القلب منه.
لكن
رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (19/370) قال: حدثنا عبدالْمَلِكِ بن
يحيى بن بُكَيْرٍ، قال: حدثنا أبي [ح].
وحَدَّثَنَا
بِشْرُ بن مُوسَى، قال: حدثنا يحيى بن إِسْحَاقَ السَّيْلَحِينِيُّ، قَالا: حدثنا ابن
لَهِيعَةَ، عن جَعْفَرِ بن رَبِيعَةَ، عن رَبِيعَةَ بن يَزِيدَ، عن عبداللَّهِ بن
عَامِرٍ الْيَحْصِبِيِّ، قال: سمعت مُعَاوِيَةَ بن أبي سُفْيَانَ يقول: قال رسول
اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم: «لا تَزَالُ أُمَّتِي قَائِمَةً بِالْحَقِّ
يُقَاتِلُونَ من قَاتَلَهُمْ وَحَارَبَهُمْ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
قلت:
فهذا من رواية يحيى بن إسحاق ولم يقلبه. بل إن الإمام أحمد روى جزءاً من هذا
الحديث في «مسنده» بالإسناد نفسه ولم يقلبه.
روى
في (4/100) برقم (16965) قال: حدثنا يحيى بن إِسْحَاقَ، قال: أخبرنا ابن لَهِيعَةَ،
عن جَعْفَرِ بن رَبِيعَةَ، عن رَبِيعَةَ بن يَزِيدَ، عن عبداللَّهِ بن عَامِرٍ
اليحصبي، قال: سمعت مُعَاوِيَةَ بن أبي سُفْيَانَ يقول: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم يقول: «إنما أنا خَازِنٌ وَإِنَّمَا يعطي الله عز وجل فَمَنْ
أَعْطَيْتُهُ عَطَاءً بِطِيبِ نَفْسٍ فإنه يُبَارَكُ له فيه وَمَنْ أَعْطَيْتُهُ
عَطَاءً بِشَرَهِ نَفْسٍ وَشَرَهٌ مَسْأَلَةٌ فَهُوَ كالذي يَأْكُلُ فلا يَشْبَعُ».
قلت:
فلعل القلب في الاسم في بعض النسخ، ولا أدري ممن! فالله أعلم.
·
هل اختصر الإمام مسلم الرواية أم
لم يقع له هذا اللفظ في الحديث!
ورواه
الإمام أحمد أيضاً برقم (16956) عن عبدالرحمن بن مهدي، عن مُعَاوِيَةَ بن صَالِحٍ،
عن رَبِيعَةَ بن يَزِيدَ، عن عبداللَّهِ بن عَامِرٍ اليحصبي، قال: سمعت
مُعَاوِيَةَ يحدث وهو يقول: «إِيَّاكُمْ وَأَحَادِيثَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم إلا حَدِيثاً كان على عَهْدِ عُمَرَ، وإن عُمَرَ رضي الله عنه كان أَخَافَ
الناس في اللَّهِ عز وجل. سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: من
يُرِدِ الله بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ، وسَمِعْتُهُ يقول: إنما أنا
خَازِنٌ وَإِنَّمَا يعطي الله عز وجل، فَمَنْ أَعْطَيْتُهُ عَطَاءً عن طِيبِ
نَفْسٍ فَهُوَ ان يُبَارِكَ لأَحَدِكُمْ وَمَنْ أَعْطَيْتُهُ عَطَاءً عن شَرَهٍ
وَشَرَهٍ مَسْأَلَةٍ فَهُوَ كَالآكِلِ وَلاَ يَشْبَعُ، وسَمِعْتُهُ يقول: لا
تَزَالُ أُمَّةٌ من أمتي ظَاهِرِينَ عن الْحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ من خَالَفَهُمْ
حتى يأتي أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ على الناس».
قلت:
وهذا رواه مسلم في «صحيحه» (2/718) برقم (1037) لكن لم يذكر فيه ما يتعلق
بالطائفة! فيحتمل أنه اختصره ويحتمل أنه وقع له هكذا دونها، وإلا لو كانت في
الحديث كما سمعه لأورده كمتابعة لحديث عمير بن هانئ ويزيد بن الأصم! والله أعلم.
قال مسلم: حدثنا أبو بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ،
قال: حدثنا زَيْدُ بن الْحُبَابِ، قال: أخبرني مُعَاوِيَةُ بن صَالِحٍ، قال: حدثني
رَبِيعَةُ بن يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ، عن عبداللَّهِ بن عَامِرٍ الْيَحْصَبِيِّ،
قال: سمعت مُعَاوِيَةَ يقول: «إِيَّاكُمْ وَأَحَادِيثَ إلا حَدِيثًا كان في عَهْدِ
عُمَرَ فإن عُمَرَ كان يُخِيفُ الناس في اللَّهِ عز وجل. سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم وهو يقول: من يُرِدْ الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ،
وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: إنما أنا خَازِنٌ فَمَنْ
أَعْطَيْتُهُ عن طِيبِ نَفْسٍ فَيُبَارَكُ له فيه وَمَنْ أَعْطَيْتُهُ عن
مَسْأَلَةٍ وَشَرَهٍ كان كَالَّذِي يَأْكُلُ ولا يَشْبَعُ».
قلت:
وهذه الزيادة موجودة في حديث أَسَد بن مُوسَى عن مُعَاوِيَة بن صَالِحٍ. [كما عند
الطبراني في «المعجم الكبير» (19/370)، وأبو عوانة في «مستخرجه» (4/506)
برقم (7504)].
فالظاهر
أن الذي اختصر هذا اللفظ هو زيد بن الحباب كما في رواية مسلم، والله أعلم.
·
وهمان لمعتمر بن سليمان في إسناد
هذا الحديث!
روى
ابن عساكر في «تاريخه» (29/273) من طريق سوار بن عبدالله، قال: حدثنا
المعتمر بن سليمان، قال: سمعت سفيان الثوري، عن معاوية بن صالح، عن يزيد بن
ربيعة - هكذا قال! وإنما هو ربيعة بن يزيد - عن عبدالله بن عامر، قال: سمعت
معاوية يخطب على المنبر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من يرد
الله به خيراً يفقهه في الدين، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنا خازن
فمن أعطيته عطاء عن طيبة نفس فهو مبارك لأحدكم ومن أعطيته عن مسألة فهو كالآكل لا
يشبع».
قلت:
نبه ابن عساكر إلى أن معتمر قلب اسم ربيعة بن يزيد.
وترجم
أيضاً في «تاريخه» (59/13) قال: "معاوية بن إسحاق، حدّث عن يزيد بن
ربيعة، روى عنه سفيان الثوري".
ثم
ساق من طريق الوليد بن حماد الرملي، قال: حدثنا ابن سهم، قال: حدثنا المعتمر، عن
سفيان، عن معاوية بن إسحاق الدمشقي، عن يزيد بن ربيعة، عن عبدالله بن عامر اليحصبيّ،
قال: سمعت معاوية يخطب على المنبر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يرد
الله به خيرا يفقهه في الدّين».
قال
ابن عساكر: "إنما يحفظ هذا عن ربيعة بن يزيد عن عبدالله بن عامر اليحصبي
المقرئ".
وقد
سُئِل الدارقطني عن هذا الحديث في «العلل» (7/61)؟ فقال: "يرويه عنه -
أي عبدالله بن عامر- ربيعة بن يزيد، حدث به عنه: معاوية بن صالح وجعفر بن ربيعة،
ورواه الثوري عن معاوية بن صالح، حدث به عنه معتمر فوهم في إسناده! فقال: عن
الثوري عن معاوية بن إسحاق، وإنما هو: معاوية بن صالح، وقال: عن يزيد بن
ربيعة، وإنما هو ربيعة بن يزيد".
قلت:
فقد نبّه الدارقطني في هذا الجواب على هذين الوهمين لمعتمر قبل أن يُنبه عليهما
الحافظ ابن عساكر - رحمهما الله تعالى -.
وأما
حديث قيس بن أبي حازم:
فرواه
الطبري في «تهذيب الآثار» (مسند عمر بن الخطاب) (2/821) برقم (1152) قال: حدثني
عمر بن إسماعيل بن مجالد بن سعيد الهمداني، قال: حدثنا أبي، عن بيان– هو السعدي-،
عن قيس، قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان يقول: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول:
«لا يزال هذا الدِّين ظاهراً على كل ما ناوأه وخالفه لا يضره شيء أبداً».
قلت:
تفرد به عمر بن إسماعيل عن أبيه. وهو إسناد منكر!
قال
النسائي: "عمر بن إسماعيل بن مجالد ليس بثقة متروك الحديث".
وأبوه
إسماعيل بن مجالد بن سعيد ضعيف.
والحديث
معروف عن مجالد عن الشعبي عن جابر بن سمرة، بغير هذا اللفظ.
رواه
حَمَّادُ بن زَيْدٍ، قال: حدثنا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عن جَابِرٍ قال:
خَطَبَنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يَوْمًا فَسَمِعْتُهُ يقول: «لَنْ
يَزَالَ هذا الدِّينُ عَزِيزًا مَنِيعًا ظَاهِرًا على من نَاوَأَهُ حتى يَمْلِكَ
اثْنَا عَشَرَ كلهم - ثُمَّ لَغَطَ الناس وَتَكَلَّمُوا فلم أَفْهَمْ قَوْلَهُ
بَعْدَ كلهم - فقلت لأَبِي: يا أَبَتَاهُ، ما بَعْدَ قَوْلِهِ كلهم؟ قال: كلهم من
قُرَيْشٍ».
ورواه
أبو أُسَامَةَ عن مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عن جَابِر بن سمرة، نحوه.
وقد
سبق حديث سِمَاكِ بن حَرْبٍ، قال: سمعت جَابِرَ بن سَمُرَةَ، نحوه أيضاً.
وأما
حديث شعيب بن محمّد:
فرواه
ابن ماجه «السنن» (1/5) برقم (9) قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بنُ حُمَيْدِ بنِ
كَاسِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بنُ نَافِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ
بنُ أَرْطَاةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَامَ
مُعَاوِيَةُ، خَطِيبًا فَقَالَ: أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَقُومُ
السَّاعَةُ إِلَّا وَطَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ، لَا
يُبَالُونَ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ نَصَرَهُمْ».
قلت:
تفرد به حجاج بن أرطأة: ليس بالقوي، وهو مشهور بالتدليس، وكان يُدلِّس عن محمد بن
عبيد الله العرزمي عن عمرو بن شعيب.
قال
ابن المبارك: "كان حجاج بن أرطأة يحدّثنا عن عمرو بن شعيب بما حمل عن العرزمي
عن عمرو، والعرزمي متروك لا نقويه".
قلت:
وهذا الحديث رواه حجاج عن عمرو بن شعيب.
ولفظ
«أين علماؤكم» مشهور في حديث آخر صحيح لمعاوية أنه عَامَ حَجَّ قال وهو على
الْمِنْبَرِ: وَتَنَاوَلَ قُصَّةً من شَعَرٍ كانت في يَدِ حَرَسِيٍّ: «يا أَهْلَ
الْمَدِينَةِ، أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ! سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم يَنْهَى عن مِثْلِ هذه، وَيَقُولُ: إنما هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حين
اتَّخَذَ هذه نِسَاؤُهُمْ».
وأما
حديث يونس بن ميسرة بن حَلْبس:
فرواه
الطبراني في «المعجم الكبير» (19/386) قال: حدثنا إِبْرَاهِيمُ بن دُحَيْمٍ،
قال: حدثنا أبي [ح].
وحَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ بن إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، قال: حدثنا دُحَيْمٌ، قال: حدثنا
الْوَلِيدُ بن مُسْلِمٍ، قال: حدثنا مَرْوَانُ بن جُنَاحٍ، عن يُونُسَ بن مَيْسَرَةَ
بن حَلْبَسَ، عن مُعَاوِيَةَ بن أبي سُفْيَانَ قال: «كنا جُلُوسًا في الْمَسْجِدِ
إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال: إِنَّكُمْ
تَتَحَدَّثُونَ أَنِّي من آخِرِكُمْ وَفَاةً وإني من أَوَّلِكُمْ وَفَاةً
وَتَتْبَعُونِي أَفْنَادًا يَعْنِي بَعْضُكُمْ بَعْضًا، ثُمَّ نَزَعَ بِهَذِهِ
الآيَةِ، فقال:{قُلْ هو الْقَادِرُ على أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا من
فَوْقِكُمْ أو من تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} حتى بَلَغَ {لِكُلِّ نبأ مُسْتَقَرٌّ
وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} ثُمَّ قال: لا تَبْرَحُ عِصَابَةٌ من أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ
على الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لا يُبَالُونَ من خَذَلَهُمْ وَلا من خَالَفَهُمْ حتى
يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ على ذلك، ثُمَّ نَزَعَ بِهَذِهِ الآيَةِ:{يا عِيسَى إني
مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إلي وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ
اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}».
قال:
حدثنا الْحُسَيْنُ بن السَّمَيْدَعِ الأَنْطَاكِيُّ، قال: حدثنا محمد بن
الْمُبَارَكِ الصُّورِيُّ، قال: حدثنا عَمْرُو بن وَاقِدٍ، قال: حدثنا يُونُسُ بن
مَيْسَرَةَ بن حَلْبَسَ، به، نحوه.
ورواه
أيضاً في «المعجم الأوسط» (8/58) عن موسى بن عيسى بن المنذر، عن محمد بن
المبارك الصوري، عن عمرو بن واقد، به.
قال
الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن يونس بن ميسرة إلا عمرو بن واقد".
قلت:
لكن تابعه مروان بن جناح كما روى الطبراني نفسه في الكبير كما سبق نقله.
وعمرو
بن واقد: ليس بشيء، منكر الحديث، وقد كذّبه بعضهم..
ومروان
بن جناح يُكتب حديثه ولا يُحتج به.
وهذا
حديث غريب جداً! ولا أدري هل سمع يونس (ت132هـ) من معاوية (ت60هـ) أم لا؟! والظاهر
أنه لم يسمع منه، وقد أشار البخاري إلى أن سماعه من طبقة الصحابة ممن توفوا بعد
السبعين، والله أعلم.
وعلى
كل الأحوال فهذا الحديث بهذا اللفظ مُنكر.
وأما
حديث نُمير بن أوسٍ:
فرواه
الطبراني في «المعجم الكبير» (19/390) قال: حدثنا عَمْرُو بن إِسْحَاقَ بن
إبراهيم بن الْعَلاءِ، قال: حدثني أبي [ح].
وحَدَّثَنَا
عُمَارَةُ بن وَثِيمَةَ الْمِصْرِيُّ، قال: حدثنا إِسْحَاقُ بن إبراهيم بن
زِبْرِيقٍ الْحِمْصِيُّ، قال: حدثنا عَمْرُو بن الْحَارِثِ، قال: حدثنا عبداللَّهِ
بن سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، قال: حدثنا نُمَيْرُ بن أَوْسٍ: أَنَّ
مُعَاوِيَةَ بن أبي سُفْيَانَ كان يقول: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه
وسلم يقول: «لا تَزَالُ من أُمَّتِي امة قَائِمَةً على أَمْرِ اللَّهِ لا
يَضُرُّهُمْ من خَالَفَهُمْ أو خَذَلَهُمْ حتى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ
ظَاهِرُونَ على الناس».
قلت:
تفرد به ابن زبريق.
قال
النسائي: "ليس بثقة". وقال أبو داود: "ليس بشيء". وأطلق محمد
بن عوف أنه يكذب. وقال أبو حاتم: "لا بأس به، وسمعت يحيى بن معين يثني عليه".
وقال
ابن حجر: "صدوق يهم كثيراً".
قلت:
فلو صحت روايته هذه فتكون مرسلة؛ لأن نمير بن أوس (ت122هـ) لم يسمع من معاوية.
قال
ابن عساكر في «تاريخه» (62/225): "نمير بن أوس الأشعري، قاضي دمشق، روى
عن حذيفة بن اليمان مرسل، وأبي موسى الأشعري وأبي الدرداء ومعاوية مرسلاً...".
وأما
حديث مسلم بن هرمز:
فرواه
ابن عساكر في «تاريخه» (1/265) من طريق العباس بن أحمد بن محمد بن عيسى
البرتي، قال: حدثنا محمد بن منصور، قال: حدثنا يحيى بن أبي الحجاج، قال: حدثنا عبدالله
بن مسلم، عن أبيه مسلم بن هرمز، قال: سمعت معاوية يقول في خطبته: إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان يقول: «لا يزال في هذه الأمة عصابة يقاتلون على أمر الله لا
يضرهم خذلان من خذلهم ولا عداوة من عاداهم حتى يأتي أمر الله عز وجل وهم على ذلك. وأنا
أرجو أن تكونوا أنتم يا أهل الشام».
قلت:
هذا إسناد منكر! وما جاء في آخره: «وأنا أرجو أن تكونوا أنتم يا أهل الشام»
نسبه إلى معاوية، ولا يحفظ هذا من قوله.
وقد
تفرد بهذا الحديث عبدالله بن مسلم بن هرمز أبو يعلى المكي، وهو متروك، يروي
المناكير.
قال
يحيى: "ليس بشيء، كان يرفع أشياء لا ترفع". وقال النسائي والدارقطني: "ضعيف".
وقال ابن حبان: "كان يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات فيجب تنكب
روايته".
وأما
حديث ثابت بن سعد:
فرواه
البخاري في «التاريخ الكبير» (7/326) قال: وقال خَطَّابُ الْفَوْزِيُّ الحمصيُّ:
حدثنا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الْمَحْرِيُّ، قال: سمعت ثابت بن سعد، عن معاوية قال:
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تزال طائفة من أمتي قائمة على أمر الله -
أو على الحق - لا يضرهم من خالفهم ولا ينقصهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله أو حتى
تقوم الساعة».
قلت:
أورده البخاري في ترجمة «معاوية بن أبي سفيان»، ومن عادته أنه يذكر حديثاً
غريباً روي عن الصحابي إذا كان ذلك الصحابي معروف ومشهور في الرواية مثل معاوية.
فالبخاري
أراد أن يبين أن هذا الحديث من هذا الطريق غريب، ويؤيده طريقة ترجمته لثابت بن سعد
في كتابه حيث ذكر أنه روى عن معاوية بالعنعنة ولم يذكر له سماعا منه كعادته في
إثبات السماع.
قال
في «التاريخ الكبير» (2/163): "ثابت بن سعد الطائي عن معاوية بن أبي
سفيان وجبير، روى عنه المحري. يُعدّ في الشاميين".
قلت:
لكن ثابت هذا من أصحاب معاوية، وهو من كبراء أهل الشام، وحديثه قليل، وإسناد
الحديث صحيح، وهو معروف عن معاوية.
قال
ابن عساكر في «تاريخه» (11/123): "ثابت بن سعد أبو عمر الطائي الحمصي،
حدث عن معاوية بن أبي سفيان وجبير بن نفير. روى عنه أبو خالد محمد بن عمر الطائي
المحري، وشهد صفين مع معاوية ووفد على عبدالملك بن مروان".
وأما
حديث أبي عبدالله الشاميّ:
فرواه
أَبُو دَاوُدَ الطيالسيّ في «مسنده» (ص94) قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَن
أَبِي عَبْدِاللَّهِ الشَّامِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ، يَخْطُبُ وَهُوَ
يَقُولُ: يَا أَهْلَ الشَّامِ حَدَّثَنِي الْأَنْصَارِيُّ – قال شعبة: يَعْنِي
زَيْدَ بنَ أَرْقَمَ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى
يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ»، قال: "وَإِنِّي أَرَاكُمُوهُمْ يَا أَهْلَ
الشَّامِ".
ورواه
أحمد في «مسنده» (4/369) برقم (19309)، وعبد بن حميد في «مسنده»
(ص115) كلاهما عن سُلَيْمَان بن دَاوُدَ الطيالسي، عن شُعْبَة، به.
قال
البزار: "لا نعلم روى معاويةُ عن زيدِ إلا هذا، وأبو عبدالله لا نعلم أحداً
سماه، ولا رواه إلا شعبة".
وقال
ابن عساكر في «تاريخه» (1/266): "ورواه أبو عبدالله الشامي ولا أعلم
أحداً سماه عن معاوية عن زيد بن أرقم".
قلت:
أبو عبدالله هذا لا يعرف اسمه ولا تعرف حاله! وهو مجهول.
قال
ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/399): "أبو عبدالله الشامي قال:
سمعت معاوية بن أبى سفيان يخطب وهو يقول: حدثني الأنصاري - يعني زيد بن أرقم، روى
عنه شعبة. سألت أبي عنه؟ فقال: لا يُسمى ولا يُعرف، وهو شيخ".
وقال
ابن حجر في «تعجيل المنفعة» (ص498): "أبو عبدالله الشامي عن معاوية
وعنه شعبة، كذا ذكره الهيثمي، ولم أر له في أصل المسند ذكراً ولا أورده الحسيني"!!
·
تصحيح الألباني لحديث أبي عبدالله
الشامي!
ذكر
الألباني هذا الحديث في «سلسلته الصحيحة» برقم (1958) ثم قال: "أخرجه
الطيالسي (ص 94 رقم 689): حدثنا شعبة عن أبي عبدالله الشامي قال: سمعت معاوية يخطب
وهو يقول: يا أهل الشام حدثني الأنصاري - يعني زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: فذكره، وإني أراكموهم يا أهل الشام. والحديث قال في
"المجمع" (7/287):"رواه أحمد والبزار والطبراني، وأبو عبدالله
الشامي ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه أحد وبقية رجاله رجال الصحيح".
قلت:
هو في المسند (4/369) من طريق الطيالسي، وأبو عبدالله الشامي من التراجم التي لم
يقف عليها الحافظ، فقد قال في "التعجيل": "أبو عبدالله الشامي عن
معاوية وعن شعبة. كذا ذكره الهيثمي ولم أر له في أصل المسند ذكراً ولا أورده
الحسيني". وفي "الميزان": "أبو عبدالله الشامي عن تميم الداري
وعنه ضرار بن عمرو الملطي، لا يُعرف".
قلت:
وهو من هذه الطبقة، فلعله هذا الذي روى عنه شعبة، فيكون له راويان. وقد قيل: إن
شعبة لا يروي إلا عن ثقة. والله أعلم. وقد صح عن معاوية أنه سمعه من النبي صلى
الله عليه وسلم بلفظ: "لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من
خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهو ظاهرون على الناس". أخرجه مسلم (6/53)
وأحمد (4/101) عن يحيى بن حمزة عن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر أن عمير بن هانىء حدثه
قال: سمعت معاوية على المنبر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
فذكره، وزاد أحمد: فقام مالك بن يخامر السكسكي فقال: يا أمير المؤمنين سمعت معاذ
بن جبل يقول: وهم أهل الشام، فقال معاوية - ورفع صوته -: هذا مالك يزعم أنه سمع
معاذا يقول: وهم أهل الشام. وأخرجه البخاري (4/187 و8/189) عن الوليد بن مسلم قال:
حدثني ابن جابر به نحوه، وفيه الزيادة. وللحديث طرق أخرى عن معاوية فانظر: لا تزال
أمة من أمتي" رقم (1971) و "من يرد الله به خيرا يفقهه.."
رقم(1195)" انتهى كلام الشيخ.
قلت:
هذا إسناد منكر ولا يصح فيه ذكر "زيد بن أرقم"، وأبو عبدالله هذا مجهول.
وقول
الهيثمي إنه لم يجرحه أحد ليس بصحيح؛ فجواب أبي حاتم فيه جرح له فإنه قال:
"لا يعرف وهو شيخ"، وهذا جرح.
وأما
ما ذهب إليه الشيخ الألباني من احتمال أن يكون هو الذي روى عن تميم الداري لأنهما
في الطبقة نفسها! ففيه نظر.
فقد
ترجم ابن أبي حاتم لأبي عبدالله الشامي الذي يروي عن معاوية وروى عنه شعبة، ثم
ترجم للآخر فقال (9/401): "أبو عبدالله الشامي، روى عن تميم الداري، روى عنه
ضرار بن عمرو، سمعت أبي يقول ذلك".
فلو
كانا واحداً لأشار أبو حاتم إلى هذا.
وقد
ترجم البخاري للثاني ولم يترجم للأول، فقال في «الكنى» (ص49): "أبو
عبدالله الشامي عن تميم الداري، روى عنه ضرار بن عمرو".
وضرار
بن عمرو الملطي متروك الحديث ليس بشيء، وأحاديثه مناكير.
وأما
ما قاله الشيخ من أن شعبة لا يروي إلا عن ثقة فهذا في الغالب صحيح، ولكن ليس على
إطلاقه.
قال
السخاوي في «فتح المغيث» (1/316): "من كان لا يروي إلا عن ثقة إلا
في النادر: الإمام أحمد وبقي بن مخلد وحريز بن عثمان وسليمان بن حرب وشعبة والشعبي
وعبدالرحمن بن مهدي ومالك ويحيى بن سعيد القطان، وذلك في شعبة على المشهور فإنه
كان يتعنت في الرجال، ولا يروي إلا عن ثبت وإلا فقد قال عاصم بن علي: سمعت شعبة
يقول: لو لم أحدثكم إلا عن ثقة لم أحدثكم عن ثلاثة، وفي نسخة: ثلاثين، وذلك اعتراف
منه بأنه يروي عن الثقة وغيره فينظر. وعلى كل حال فهو لا يروي عن متروك ولا عمن
أجمع على ضعفه".
قلت:
لو فرضنا أن أبا عبدالله هذا ثقة عند شعبة، فهو لا يُعرف إلا في هذا الحديث، وقد
خالف في إسناد هذا الحديث المعروف المشهور من إسناده وأنه لا معنى لذكر زيد بن
أرقم فيه، فيكون حديثه هذا شاذا، فكيف يكون ثقة؟!!
وأما
حديث مكحول الفقيه:
وأما
حديث مكحول فرواه ابن عساكر في «تاريخه» (1/265) من طريق أبي العباس محمد
بن يعقوب بن يوسف، قال: أخبرنا العباس بن الوليد، قال: أخبرني محمد بن شعيب بن
شابور، عن عُتْبَة بن أَبِي حَكِيمِ، عن مَكْحُول، أنه حَدَّثَهُ عَن
مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَان، قال - وَهُوَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ-: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا أَيُّهَا الناس، إنما الْعِلْمُ
بِالتَّعَلُّمِ، وَالْفِقْهُ بِالتَّفَقُّهِ، وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا
يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ، وَإِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ من عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ، وَلَنْ
تَزَالَ أمة من أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ لَا يُبَالُونَ
مَنْ خَالَفَهُمْ ولا من ناوأهم حَتَّى يَأْتِيَ أَمُرُ اللَّهِ وَهُمْ ظاهرونَ».
قال
ابن عساكر: "مكحول لم يدرك معاوية".
ورواه
الطبراني في «مسند الشاميين» ترجمة (عتبة عن مكحول) (1/431) عن أَحْمَد بن
أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قال: حدثنا هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، قال: حدثنا صَدَقَةُ بنُ
خَالِدٍ، قال: حَدَّثَنِي عُتْبَةُ بنُ أَبِي حَكِيمِ، قال: حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ،
عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، به.
ورواه
الطبراني «المعجم الكبير» ترجمة (رِجَال لم يُسَمُّوا عن مُعَاوِيَةَ)
(19/395) قال: حدثنا أَحْمَدُ بن الْمُعَلَّى الدِّمَشْقِيُّ، قال: حدثنا هِشَامُ
بن عَمَّارٍ، قال: حدثنا صَدَقَةُ بن خَالِدٍ، قال: حدثنا عُتْبَةُ بن أبي حَكِيمٍ،
عَمَّنْ حدثه، عن مُعَاوِيَةَ، مثله.
لم
يذكر: "عن مكحول"!
وروي
من طريق آخر عن مكحول عن مالك بن يخامر مرسلاً.
رواه
ابن عساكر في «تاريخه» (1/269) من طريق محمد بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي،
قال: حدثنا بقية، قال: حدثني سعيد بن عبدالعزيز، عن مكحول، عن مالك بن يخامر
السكسكي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي قائمة
على أمر الله لا يبالون من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على
الناس». فقال مالك بن يخامر: سمعت معاذاً يقول: "هم أهل الشام".
·
حديث «الْعِلْم بِالتَّعَلُّمِ
وَالْفِقْه بِالتَّفَقُّهِ»:
زاد
مكحول على ما هو معروف من حديث معاوية أشياء وهي: «إنما الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ،
وَالْفِقْهُ بِالتَّفَقُّهِ».
وهذا
معروف عن مكحول مرسلاً.
روى
ابن وهب في «الجامع» (2/551) برقم (446) قال: أخبرنا الليث، عن أبي حفص
الدمشقي، عن مكحول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العلم بالتعلم والخير
عادة، وإذا أراد الله به خيراً فقه في الدين».
والمراسيل
يدخل فيها أشياء كثيرة، فروي فيه أيضاَ – كما سبق- «والفقه بالتفقه» وزيد
فيه أيضاً: «والحلم بالتحلم»! فكأن الناس أصبحوا يقيسون على جملة «إنما
العلم بالتعلم» فذكروا الفقه والحلم، وهكذا. وهذا لا يكون إلا في المراسيل.
وقد
علّقه البخاري في ترجمة من تراجم «صحيحه».
قال
في "باب: الْعِلْمُ قبل الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ
أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا الله} فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ
وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَرَّثُوا الْعِلْمَ من أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ
وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ الله له طَرِيقًا إلى
الْجَنَّةِ. وقال جَلَّ ذِكْرُهُ: {إنما يَخْشَى اللَّهَ من عِبَادِهِ
الْعُلَمَاءُ}... وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يُرِدْ الله بِهِ خَيْرًا
يُفَقِّهْهُ وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ)".
قال
ابن حجر في «الفتح» (1/161): "قوله (وإنما العلم بالتعلم) هو حديث
مرفوع أيضاً، أورده ابن أبي عاصم والطبراني من حديث معاوية أيضاً بلفظ:(يا أيها
الناس، تعلموا إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه، ومن يرد الله به خيرا يفقهه في
الدين)، إسناده حسن، إلا أن فيه مبهماً اعتضد بمجيئه من وجه آخر، وروى البزار نحوه
من حديث ابن مسعود موقوفاً، ورواه أبو نعيم الأصبهاني مرفوعاً، وفي الباب عن أبي
الدرداء وغيره فلا يغتر بقول من جعله من كلام البخاري".
وقد
أخذ العني كلام ابن حجر هذا – كعادته -، فقال في «عمدة القاري» (2/42):
"قال الكرماني: يحتمل أن يكون هذا من كلام البخاري! قلت: هذا حديث مرفوع
أورده ابن أبي عاصم والطبراني من حديث معاوية رضي الله عنه بلفظ (يا أيها الناس
تعلموا، إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)
إسناده حسن، والمبهم الذي فيه اعتضد بمجيئه من وجه آخر، ورواه الخطيب في كتاب
(الفقيه والمتفقه) من حديث مكحول عن معاوية ولم يسمع منه، قال النبيّ عليه الصلاة
والسلام (يا أيها الناس، إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه)، وروى البزار نحوه من
حديث ابن مسعود - رضي الله تعالى - عنه موقوفاً".
وقد
وصل ابن حجر هذا التعليق في «تغليق التعليق» (2/78) من كتاب العلم لابن أبي
عاصم عن هشام بن عمار، عن صدقة بن خالد، عن عتبة بن أبي حكيم، عمن حدثه، عن معاوية،
قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يا أيها الناس تعلموا إنما العلم
بالتعلم والفقه بالتفقه، ومن يرد الله به خيراً يفقه في الدين».
ثم
قال ابن حجر: "هكذا أورده ابن أبي عاصم، وكذا رواه الطبراني عن أحمد بن
المعلى عن هشام بن عمار به. والجملة الأخيرة منه حديث صحيح مشهور من حديث معاوية أورده
المؤلف في كتابه في وجه آخر، وأما حديث:(إنما العلم بالتعلم) فقد رويناه أيضاً من
حديث أبي الدرداء ومن حديث ابن مسعود، والظاهر أن مراد المؤلف هو ما أوردناه أولاً
من طريق ابن أبي عاصم، والله أعلم، وإنما جزم به مع أن فيه راوياً مبهماً لمجيئه
من طريق أخرى".
وقال
الحافظ أيضاً في ترجمة «عتبة بن أبي حكيم» من «تهذيب التهذيب» (7/87):
"وقع في كتاب العلم من البخاري ضمناً، فإنه قال فيه عقب حديث: من يرد الله به
خيراً يفقهه في الدين: وإنما العلم بالتعلم، وقد وصل ذلك أبو بكر بن أبي عاصم في
كتاب العلم من طريق صدقة بن خالد عن عتبة بن أبي حكيم هذا، وقد بينت سنده في تعليق
التعليق".
قلت:
جزم البخاري بهذا لا يعني أنه يرى صحته، وهو أحياناً يورد الحديث في بعض تراجم
كتابه ليبين عدم صحتها، ومسألة أن البخاري إذا جزم بالتعليق فإنه يرى صحة ما جزم
به يحتاج إلى دراسة واستقراء، والله أعلم.
والحديث
هذا لا يصح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومجيئه من طرق أخرى لا يدل على
اعتضاده؛ لأن هذه الطرق الأخرى هي أصل الحديث وهو من قول بعض الصحابة.
حكم
الذهبي على هذا الحديث:
وقد
نقل المناوي عن الذهبي أنه حكم بنكارة هذا الحديث.
قال
في «فيض القدير» (6/242) متعقباً السيوطي في رمزه له بالحسن: "وروى
البخاري في الصحيح معلقاً: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين وإنما العلم
بالتعلم) هكذا ذكره معلقاً بهاتين الجملتين، ووصله ابن أبي عاصم من حديث معاوية. (حل
عن ابن مسعود) رمز لحسنه وهو فيه تابع لابن حجر حيث قال في المختصر: إسناده حسن،
لكن قال الذهبي: هو حديث منكر".
قول
ابن مسعود – رضي الله عنه-:
قلت:
أما قول ابن مسعود:
فرواه
ابن أبي شيبة في «مصنفه» (5/284)، وأبو خيثمة في كتاب «العلم»
(ص28)، قالا: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي الزعراء، عن أبي الأحوص قال: قال عبدالله:
«إن الرجل لا يولد عالماً، وإنما العلم بالتعلم».
ورواه
البزار في «مسنده» (5/423) قال: حدثنا محمد بن حرب الواسطي، قال: حدثنا
عبيدة بن حميد، قال: حدثنا أبو الزعراء، عن أبي الأحوص، قال: سمعت عبدالله بن
مسعود يقول: «إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور
محدثاتها، وكل محدثة ضلالة، فعليكم بهذا القرآن؛ فإنها مأدبة الله فمن استطاع منكم
أن يأخذ من مأدبة الله فليفعل، فإنما العلم بالتعلم».
قال:
وحدثناه إسحاق بن بهلول، قال: حدثنا الوليد بن القاسم، قال: حدثنا زكريا بن أبي
زائدة، عن علي بن الأقمر، عن أبي الأحوص، عن عبدالله، بنحوه.
قلت:
فهو صحيح عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -.
قول
أبي الدرداء - رضي الله عنه -:
وأما
قول أبي الدرداء:
فرواه
أبو خيثمة في كتاب «العلم» (ص28) عن جرير.
وابن
السري في كتاب «الزهد» (2/605) عن وكيع.
وابن
أبي الدنيا في كتاب «الحلم» (ص43) عن علي بن الجعد، عن عكرمة بن إبراهيم
الأزدي الموصلي قاضي الريّ.
والبيهقي
في «شعب الإيمان» (7/398) من طريق عبيدالله بن عمرو، ثلاثتهم عن عبدالملك
بن عمير، عن رجاء بن حيوة الكندي، عن أبي الدرداء قال: «إِنَّمَا الْعِلْمُ
بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحُلُمَ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ
يُعْطِهِ، وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَهُ، ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ لَمْ
يَسْكُنِ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى، وَلَا أَقُولُ الْجَنَّةَ: مَنْ تَكَهَّنَ أَوْ
اسْتَقْسَمَ أَوْ رَجعهُ مِنْ سَفَرِ تَطَيُّرٌ».
فهذا
معروف من قول أبي الدرداء، وقد رُوي مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا
يصح.
رواية
الثوري لهذا الحديث ورفع «محمد بن الحسن الهمداني» له عنه!
رواه
الطبراني في «مسند الشاميين» (3/209) وفي «المعجم الأوسط» (3/118)
قال: حدثنا إبراهيم بن أحمد بن عمر الوكيعي، قال: حدثنا إسحاق بن عمر المؤدب، قال:
حدثنا محمد بن الحسن بن أبي زيد الهمداني، عن سفيان الثوري، عن عبدالملك بن عمير،
عن رجاء بن حيوة، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره.
قال
الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن سفيان إلا محمد بن الحسن".
ورواه
أبو نعيم في «الحلية» (5/174) من طريق أحمد بن يحيى الجلاب، عن محمد بن
الحسن الهمداني، عن سفيان الثوري، به.
قال
أبو نعيم: "غريبٌ من حديث الثوري عن عبدالملك! تفرد به محمد بن الحسن".
وقد
ذكره ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (2/711) ثم قال: "هذا حديث لا
يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتهم به محمد بن الحسن. قال أحمد بن حنبل:
ما أراه يساوي شيئاً. وقال يحيى وأبو داود: كان يكذب. وقال النسائي: متروك الحديث.
وقال الدارقطني: لا شيء".
قلت:
وقد روي عن الثوري بإسناد آخر موقوفاً على أبي الدرداء، وهو الصواب.
رواه
ابن عبدالبر في «جامع بيان العلم وفضله» برقم (903) قال: أَخْبَرَنَا
عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ يَحْيَى، قال: حدثنا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، قال: حدثنا
أَحْمَدُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، قال: حدثنا سُحْنُونُ، قال: حدثنا ابنُ وَهْبٍ،
قال: حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِالْمَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ
رَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: «إِنَّمَا الْعِلْمُ
بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ...».
وقد
سُئِل الدارقطني عن هذا الحديث في «العلل» (6/218) برقم (1085)، فقال:
"يرويه عبدالملك بن عمير، واختلف عنه: فرواه رقبة بن مصقلة عن عبدالملك بن
عمير ورفعه، قاله يحيى بن داود الواسطي عن إِبْرَاهِيم بن يَزِيدَ بنِ
مَرْدَانُبَةَ عن رقبة، وتابعه محمد بن الحسن الهمداني عن الثوري، وغيرهما يرويه
عن عبدالملك موقوفاً وهو المحفوظ. وقيل: عن يحيى بن داود عن إبراهيم بن يزيد بن
مردانبة عن رقبة عن رجاء بن حيوة عن أم الدرداء عن أبي الدرداء، قاله الحسن بن
عياش عنه... وزاد أم الدرداء، والمشهور ما ذكرنا أولاً".
وهم
لأبي المحيّاة يحيى بن يعلى الكوفي! وخطأ في إسناد عند ابن عساكر!!
قلت:
وروي مرفوعاً عن عبدالملك بن عمير من طريق أخرى، رواه عنه: يحيى بن يَعْلَى أبو
الْمُحَيَّاةِ.
رواه
ابن عساكر في «تاريخه» (18/97) من طريق ابن صاعد، قال: حدثنا الحسن بن محمد،
قال: حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي، قال: حدثنا أبو المحياة - وهو يحيى بن يعلى -،
عن عبدالملك بن عمير، عن رجاء بن حيوة، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه
وسلم، فذكره.
ثم
رواه أيضاً من طريق أبي لبيد محمد بن إدريس السامي السرخسي، عن سويد بن سعيد، عن أبي
المحياة يحيى بن يعلى، به.
قال
ابن عساكر: "كذا رواه أبو المحياة مرفوعاً، ورواه أبو وهب عبيدالله بن عمرو
الأسدي الرقي عن عبدالملك فوقفه على أبي الدرداء".
ثم
ساقه من طريق أبي الحسين بن المظفر، قال: حدثنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي،
قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا عبيدالله بن عمرو، عن عبدالملك بن رجاء بن
حيوة، عن أبيه، عن أبي الدرداء، قال: «إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم...».
قلت:
وهم أبو المحياة في رفعه والصواب أنه موقوف على أبي الدرداء.
وقد
وقع خطأ في الإسناد الذي ساقه ابن عساكر: "عن عبدالملك بن رجاء بن حيوة عن
أبيه"!! والصواب: "عن عبدالملك عن رجاء بن حيوة عن أبي الدرداء"،
وعبدالملك هو ابن عمير وهو الذي يروي هذا الحديث عن رجاء، ولا يوجد لرجاء بن حيوة
ابنا اسمه: "عبدالملك"!! فكأنه تحرف "عن" إلى "بن"
فنشأ هذا الخطأ من ذلك.
والحديث
رواه البيهقي في «شعب الإيمان» (7/398) من طريق هلال بن العلاء بن هلال،
قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا عبيدالله بن عمرو، عن عبدالملك بن عمير، عن رجاء بن
حيوة، عن أبي الدرداء.
ورواه
ابن عساكر نفسه في «تاريخه» (47/134) من كتاب البيهقي هذا.
الاختلاف
على عكرمة بن إبراهيم الأزدي!
ورواه
ابن عساكر في «تاريخه» (18/97) من طريق محمد بن هارون أبي نشيط، قال: حدثنا
عمرو بن الربيع بن طارق، قال: حدثنا عكرمة بن إبراهيم الأزدي، عن عبدالملك بن عمير،
عن رجاء بن حيوية، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره.
كذا
رفعه، والصواب من طريق عكرمة أنه موقوف.
رواه
ابن أبي الدنيا في كتاب «الحلم» (ص43) قال: حدثنا علي بن الجعد: ذكر عكرمة
بن إبراهيم، عن عبدالملك بن عمير، عن رجاء بن حيوة، قال: قال أبو الدرداء: «إنما
العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتحر الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه».
روايته
من حديث أبي هريرة!
ورواه
أبو عمر إسماعيل بن مجالد بن سعيد عن عبدالملك يرفعه، ويقول: "عن أبي هريرة"
بدلاً من "أبي الدرداء"!
رواه
ابن أبي الدنيا في كتاب «الحلم» (ص16) قال: حدثنا أبو إسحاق، قال: حدثنا
إسماعيل بن مجالد، عن عبدالملك بن عمير، عن رجاء بن حيوة، عن أبي هريرة، قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتحر
الخير يعطه ومن يتق الشر يوقه».
ورواه
الخطيب في «تاريخ بغداد» (9/127) من طريق سعد بن زنبور، قال: حدثنا إسماعيل
بن مجالد، عن عبدالملك بن عمير، به.
ورواه
الدارقطني في «العلل» (10/326) قال: حدثنا عبدالله بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا
يعقوب بن إسحاق، قال: حدثنا صالح بن زريق ابن أخت يوسف، قال: حدثنا ابن مجالد بن
سعيد، عن عبدالملك بن عمير، به.
وقد
سئل الدارقطني عن هذا الحديث في «العلل»، فقال: "يرويه عبدالملك بن
عمير، واختلف عنه: فرواه إسماعيل بن مجالد عن عبدالملك عن رجاء بن حيوة عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه محمد بن الحسن الهمداني عن الثوري عن
عبدالملك عن رجاء بن حيوة عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وغيره
يرويه عن عبدالملك عن رجاء عن أبي الدرداء موقوفاً، وهو المحفوظ".
قلت:
وقد ذكره ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (1/85) بعد أن ساقه من طريق
الدارقطني، وعلله بابن مجالد، ونقل كلام الدارقطني في أن المحفوظ عن أبي الدرداء
موقوفاً.
·
تصحيح الألباني لهذا الحديث!!
أورد
الألباني هذا الحديث في «سلسلته الصحيحة» برقم (342)، ثم قال: "أخرجه
الخطيب في "تاريخه" (9/127) أخبرنا علي بن أحمد الرزاز: حدثنا عبدالصمد
بن علي الطستي: حدثنا أحمد بن بشر بن سعد المرثدي: حدثنا سعد بن زنبور: حدثنا
إسماعيل بن مجالد، عن عبدالملك بن عمير، عن رجاء بن حيوة، عن أبي هريرة، مرفوعاً،
به.
وهذا
إسناد حسن أو قريب من الحسن: علي بن أحمد الرزاز، قال الذهبي: صدوق وله ترجمة عند
الخطيب (11/ 330-331) وقال: كتبنا عنه، وكان كثير السماع كثير الشيوخ وإلى الصدق
ما هو، مات سنة (419). وعبدالصمد الطستي ترجمه الخطيب أيضاً (11/41) وقال: وكان
ثقة سمعت البرقاني ذكره فأثنى عليه وحثنا على كتب حديثه. وأحمد بن بشر بن سعد
المرثد يروى الخطيب (4/54) عن ابن خراش أنه كان يثني عليه، وعن علي ابن المنادي أنه
قال: هو أحد الثقات مات سنة (286)، وسعد بن زنبور روى الخطيب أيضاً عن ابن معين
أنه قال: هو ثقة ما أراه يكذب، مات سنة (230) وبقية رجال الإسناد معروفون من رجال
التهذيب وهم من رواة الصحيح غير أن إسماعيل بن مجالد مع كونه من رجال البخاري فهو
متكلم فيه من قبل حفظه، وفي "التقريب": "أنه صدوق يُخطىء".
قلت:
فمثله لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن لاسيما وأنه لم ينفرد به بل رواه غيره بإسناد
آخر بهذا اللفظ تماماً كما يأتي.
قال
الحافظ العراقي (3/153): "رواه الطبراني والدارقطني بسند ضعيف".
وله
شاهد آخر بنحوه بلفظ: "يا أيها الناس إنما العلم بالتعلم، والفقه بالتفقه،
ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وإنما يخشى الله من عباده العلماء".
قال
في "المجمع" (1/128): "رواه الطبراني في "الكبير" عن
معاوية مرفوعاً، وفيه رجل لم يسم، وعتبة بن أبي حكيم وثقه أبو حاتم وأبو زرعة وابن
حبان وضعفه جماعة". قلت: وفي "التقريب": "وهو صدوق يُخطىء
كثيراً". وقال المناوي: "رواه ابن أبي عاصم أيضاً، قال ابن حجر في
"المختصر": "إسناده حسن لأن فيه مبهماً اعتضد بمجيئه من وجه آخر".
قلت:
وكأن الحافظ أشار بذلك الوجه إلى حديث أبي هريرة. وقد أخرجه ابن عساكر أيضاً في
"تاريخ دمشق" (6/117/1) من طريق أخرى عن إسماعيل بن مجالد، به"
انتهى كلام الشيخ.
قلت:
قد أخطأ الألباني في تحسين هذا الحديث والمشي على ظاهر الإسناد!! وقد قدمنا أن
إسماعيل بن مجالد قد خالف غيره من الثقات الذين رووه عن عبدالملك بن عمير عن رجاء
بن حيوة عن أبي الدرداء موقوفاً عليه.
فوهم
إسماعيل في موضعين: الأول: جعل الحديث عن أبي هريرة! والثاني: رفعه له.
وإسماعيل
بن مجالد من أهل الصدق، لكنه ضعيف في الحديث؛ وحديثه ليس بحسن كما قال الشيخ.
حتى
لو كان حديثه حسن كما قال الشيخ، فهو هنا قد خالف الثقات، فكيف يحسن حديثه؟!
وأما
شاهد حديث معاوية فقد تقدم الكلام عليه.
·
حديث عُقْبَة بن عَامِرٍ الجهنيّ -
رضي الله عنه -:
روى
مسلم في «صحيحه» (3/1524) برقم (1924) قال: حدثني أَحْمَدُ بن عبدالرحمن بن
وَهْبٍ، قال: حدثنا عَمِّي عبداللَّهِ بن وَهْبٍ، قال: حدثنا عَمْرُو بن
الْحَارِثِ، قال: حدثني يَزِيدُ بن أبي حَبِيبٍ، قال: حدثني عبدالرحمن بن
شِمَاسَةَ الْمَهْرِيُّ، قال: كنت عِنْدَ مَسْلَمَةَ بن مُخَلَّدٍ وَعِنْدَهُ عبداللَّهِ
بن عَمْرِو بن الْعَاصِ، فقال عبداللَّهِ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ إلا على شِرَارِ
الْخَلْقِ، هُمْ شَرٌّ من أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، لا يَدْعُونَ اللَّهَ بِشَيْءٍ
إلا رَدَّهُ عليهم»، فَبَيْنَمَا هُمْ على ذلك أَقْبَلَ عُقْبَةُ بن عَامِرٍ فقال
له مَسْلَمَةُ: يا عُقْبَةُ، اسْمَعْ ما يقول عبداللَّهِ! فقال عُقْبَةُ: هو
أَعْلَمُ، وَأَمَّا أنا فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا
تَزَالُ عِصَابَةٌ من أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ على أَمْرِ اللَّهِ قَاهِرِينَ
لِعَدُوِّهِمْ لَا يَضُرُّهُمْ من خَالَفَهُمْ حتى تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ وَهُمْ
على ذلك». فقال عبداللَّهِ: "أَجَلْ ثُمَّ يَبْعَثُ الله رِيحًا كَرِيحِ
الْمِسْكِ مَسُّهَا مَسُّ الْحَرِيرِ فلا تَتْرُكُ نَفْسًا في قَلْبِهِ مِثْقَالُ
حَبَّةٍ من الْإِيمَانِ إلا قَبَضَتْهُ ثُمَّ يَبْقَى شِرَارُ الناس عليهم تَقُومُ
السَّاعَةُ".
ورواه
ابن حبان في «صحيحه» (15/250) برقم (6836) عن عبدالله بن محمد بن سلم، قال:
حدثنا حرملة بن يحيى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن يزيد بن
أبي حبيب، به، بطوله.
ورواه
الطبراني في «المعجم الكبير» (17/314) قال: حدثنا أبو حَبِيبٍ يحيى بن
نَافِعٍ الْمِصْرِيُّ، قال: حدثنا سَعِيدُ بن أبي مَرْيَمَ، قال: حدثنا ابن
لَهِيعَةَ، عن يَزِيدَ بن أبي حَبِيبٍ، عَنِ ابن شَمَاسَةَ، عن عُقْبَةَ بن
عَامِرٍ قال: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم، يقول: «لا تَزَالُ من
أُمَّتِي عِصَابَةٌ يُقَاتِلُونَ على الْحَقِّ قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ لا
يَضُرُّهُمْ مُعَادَاةُ من عَادَاهُمْ حتى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ على
ذلك».
قال:
حدثنا أَحْمَدُ بن رِشْدِينٍ، قال: حدثنا أَحْمَدُ بن صَالِحٍ، قال: حدثنا ابن
وَهْبٍ، قال: أخبرني عَمْرُو بن الْحَارِثِ، عن يَزِيدَ بن أبي حَبِيبٍ: أن عَبْدَالرحمن
بن شَمَاسَةَ حدّثه، عن عُقْبَةَ بن عَامِرٍ قال: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم يقول: «لا تَزَالُ عِصَابَةٌ من أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ على أَمْرِ
اللَّهِ...»، فذكر نَحْوَهُ.
·
وهم للحاكم!
ورواه
الحاكم في «المستدرك» (4/503) قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا
بحر بن نصر الخولاني، قال: حدثنا عبدالله بن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث: أن
يزيد بن أبي حبيب حدثه: أن عبدالرحمن بن شماسة حدثه أنه كان عند مسلمة بن مخلد
وعنده عبدالله بن عمرو بن العاص، فساقه بطوله.
قال
الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
قلت:
وهم الحاكم في هذا! فإن مسلماً خرجه بطوله من طريق عبدالله بن وهب بإسناده كما
سبق.
·
حديث عمران بن حُصين:
روى
أحمد في «المسند» (4/429) قال: حدثنا بَهْزٌ، قال: حدثنا حَمَّادُ بن
سَلَمَةَ، قال: أخبرنا قَتَادَةُ، عن مُطَرِّفٍ، عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ: أن
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ من أمتي على
الْحَقِّ ظَاهِرِينَ على من نَاوَأَهُمْ حتى يأتي أَمْرُ اللَّهِ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى، وَيَنْزِلَ عِيسَى بن مَرْيَمَ عليه السَّلاَمُ».
ورواه
أبو داود في «سننه» (3/4) عن مُوسَى بن إسماعيل، عن حَمَّاد، به، بلفظ: «حتى
يُقَاتِلَ آخِرُهُمْ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ».
ورواه
الحاكم في «المستدرك» (2/81)، (4/497) من طريق موسى بن إسماعيل وحجاج بن
منهال، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، به.
قال
الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه".
ورواه
البزار في «مسنده» (9/21) عن عمرو بن علي الفلاس، عن عبدالرحمن، عن همام،
عن قتادة، به، مختصراً.
قال
مطرف: "هم أهل الشام".
قال
البزار: "وهذا الحديث قد رُوي عن النبي من غير وجه، فذكرنا حديث عمران بن
حصين واقتصرنا عليه، إلا أن يأتي غير عمران عن النبي فيه بشيء يزيده فيكتب لعلة
الزيادة".
ورواه
أبو عوانة في «المستخرج» (4/509) من طريق أبي عبّاد يحيى بن عباد، عن حَمَّاد
بن زَيْدٍ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ مُطَرِّفِ بنِ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: قَالَ
عِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ
مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ».
قَالَ
مُطَرِّفٌ: "فَنَظَرْتُ فِي هَذِهِ الْعِصَابَةِ فَإِذَا هُمْ أَهْلُ
الشَّامِ".
ورواه
الروياني في «مسنده» (1/124) قال حدثنا ابن اسحاق، قال: أخبرنا عبيدالله،
قال: حدثنا حماد بن زيد: حدثنا سعيد الجريري: أن مطرفاً قال: قال لي عمران بن حصين،
إني أحدثك الحديث أرجو أن ينفعك الله به، قال: فإني أراك تحب الجماعة، قال: قلت، إي
والله، لأنا أحرص على الجماعة من الأرملة، أي إذا كانت الجماعة عرفت وجهي، قال:
وقال عمران: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن تزال طائفة من أمتي ظاهرين على
الحق - أو على الحق - ظاهرين لا يضرهم من خذلهم أو فارقهم حتى يأتي أمر الله - أو
قال: حتى تقوم الساعة». قال: "وقال نظرت في هذه العصابة فوجدتهم أهل الشام".
ورواه
ابن عساكر في «تاريخه» (1/267) من طريق محمد بن هارون الروياني.
قلت:
حديث عمران بن حصين صحيح. وأما قول مطرّف فهو اجتهاد منه كما اجتهد غيره من أهل
العلم.
·
وهم لمحمد بن كثير!
روى
الترمذي في «العلل» (1/324) قال: حدثنا الحسن بن الصباح، قال: حدثنا محمد
بن كثير، عن الأوزاعي، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا
تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، وأومأ بيده إلى
الشام».
قال:
سألت محمداً - يعني البخاري - عن هذا الحديث؟ فقال: "هذا حديث منكر، خطأ! إنما
هو قتادة، عن مطرف، عن عمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكان أحمد بن
حنبل يحمل على محمد بن كثير، ويقول: كتب إلى اليمن حتى حمل إليه كتاب معمر فرواه.
قال
البخاري: وهو قريب مما قال، يروي مناكير".
·
حديث قُرَّةَ الْمُزَنِيِّ: «إِذَا
فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ، لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ...».
روى
أبو داود الطيالسي في «مسنده» (ص145) قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا خَيْرَ
فِيكُمْ، لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لَا يَضُرُّهُمُ
مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ».
ورواه
الترمذي في «الجامع» (4/485) قال: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بنُ غَيْلَانَ
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ - هو الطيالسي - قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، به.
قال
الترمذي: "وهذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".
ورواه
علي بن الجعد في «مسنده» (ص166) عن شُعْبَة، به.
ورواه
ابنُ أبي شيبة في «مصنفه» (6/409) عن يَزِيد بن هَارُونَ، عَنْ شُعْبَةَ، به.
ورواه
أحمد في «مسنده» (3/436) برقم (15634)، و(5/34) برقم (20377) عن يزيد بن
هارون، وفي (3/436) برقم (15635)، و(5/34) برقم (20383) عن يحيى بن سعيد، كلاهما
عن شعبة، به.
ورواه
البزار في «مسنده» (8/243) برقم (3303) عن عمرو بن عليّ، عن يحيى بن سعيد،
عن شعبة، به.
ثمّ
قال البزار: "وهذا الحديث بهذا اللفظ لا نعلم رواه عن النبيّ إلا قرة بن إياس!".
ورواه
ابن ماجة في «سننه» (1/4) عن مُحَمَّد بن بَشَّارٍ، عن مُحَمَّد بن
جَعْفَرٍ، عن شُعْبَة، به.
ورواه
سعيد بن منصور في «سننه» (2/178) عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن زِيَادٍ، عن
شُعْبَة، به.
ورواهُ
يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (2/170) عن سليمان بن عبدالرحمن
الدمشقيّ، عن عيسى بن يونس، قال: حدثنا شعبة، عن معاوية بن قرة، عن أبيه - وكانت
له صحبة- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره.
ثمّ
رواه عن الرَّبيع بن يحيى قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت معاوية بن قرة يُحدِّث عن
أبيه - وقد رأى النبي ومسح النبي برأسه – فقال: إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم.
ورواه
الطبراني في «المعجم الكبير» (19/27) من طريق أَسَد بن مُوسَى وعَاصِم بن
عَلِيٍّ وعَلِيّ بن الْجَعْدِ، ثلاثتهم عن شُعْبَة، به.
ورواه
ابن حبان في «صحيحه» (16/292) برقم (7302) عن أبي يعلى، عن المقدمي، عن
يحيى، عن شعبة، به.
ثم
قال: "ذكر الإخبار على أن الفساد إذا عمَّ في الشام يَعُم ذلك في سائر المدن"،
قال: أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا يزيد بن
هارون، عن شعبة، به.
وعقد
ابن عساكر باباً في «تاريخه» (1/305): "باب نفي الخير عن أهل الإسلام
عند وجود فساد أهل الشام".
ثم
ساق الحديث من طرق عن شعبة، ثم قال: "وهذا حديث انفرد به شعبة بن الحجاج عن
أبي إياس معاوية بن قرة. وقد رواه أبو عتبة إسماعيل بن عياش العنسي الحمصي - وهو
من أقران شعبة - عن رجل عن شعبة".
·
مَن صحح الحديث من أهل العلم:
والحديث
صححه الترمذي وابن حبان وكثير من المعاصرين كالألباني وغيره.
فقد
أورد الألباني في «سلسلته الصحيحة» برقم (403) وقال: "وهو على شرط
الشيخين، وقد أخرج الخطيب (8/417 - 418، 10/282) الشطر الأول منه من هذا الوجه،
ورواه أبو نعيم في "الحلية" (7/230). والشطر الثاني أخرجه ابن ماجه
(2/6-7)، وله شواهد كثيرة فراجع بعضها فيما تقدم برقم (270، 1108)" انتهى
كلامه.
وقال
شعيب الأرنؤوط ورفاقه في تعليقهم على «مسند أحمد» (ط الرسالة: 24/362)
حاشية (3): "إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير صحابيه، فقد أخرج له
البخاري في "الأدب المفرد"، وأصحاب السنن".
قلت:
أما لفظ «لا تزال طائفة...» فهو مشهور ومعروف وقد صحّ من عدة طرق. وأما لفظ
«إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم» فهذا لم يأت إلا في هذا الحديث!!
ومن
صحح الحديث فقد اعتمد على إثبات صحبة قرّة والد معاوية. فإن ثبتت صحبته فالحديث
صحيح لا شك فيه! ولكن هل ثبتت صحبته؟
·
هل لقرّة بن إياس صحبة؟!
أثبت
صحبته البخاري وأبو حاتم الرازي وابنه وغيرهم.
قال
البخاري في «التاريخ الكبير» (7/180): "قرة بن إياس بن رئاب المزني،
له صحبة. روى عنه ابنه معاوية بن قرة البصري".
وقال
ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (7/129): "قرة بن إياس، ويقال: قرة
بن الأغر بن رئاب المزني، له صحبة. روى عنه ابنه معاوية بن قرة. سمعت أبي يقول ذلك".
وقال
ابن حبان في «الثقات» (3/346): "قُرَّة بن إِيَاس بن رِئَاب
الْمُزنِيّ وَالِد مُعَاوِيَة بن قُرَّة، وَقد قيل: قُرَّة بْن الْأَغَر
الْمُزنِيّ، لَهُ صُحْبَة، سكن الْبَصْرَة. مَاتَ سنة أَربع وَسِتِّينَ، وَهُوَ
قُرَّة بن إِيَاس بْن هِلَال بن رِئَاب بن عبيد بن سَواد بن سَارِيَة بن ذبيان بن
ثَعْلَبَة بن سليم بن أَوْس بن مُزينة".
وقال
الحاكم في «المستدرك» (3/676): "ذكر قرة بن إياس أبو معاوية المزني
رضي الله عنه"، ثم ساق نسبه عن خليفة بن خياط قال: "قرة بن إياس بن هلال
بن رئاب بن عبيدالله بن ذؤيب بن أوس بن سوارة بن عمرو بن سارية بن ثعلبة بن دينار
بن سليمان بن أوس بن عثمان بن عمرو، هو أبو معاوية بن قرة، وله دار بالبصرة بحضرة
العوفة، قتلته الأزارقة مع ابن عبيس سنة أربع وستين".
وقد
نفى صحبته شعبة بن الحجاج.
قال
العلائي في «جامع التحصيل» (ص256): "قرة بن إياس والد معاوية بن قرة،
أنكر شعبة أن يكون له صحبة، والجمهور أثبتوا له الصحبة والرواية، وهو الأظهر،
والله أعلم".
قلت:
إنما أنكر شعبة صحبته لأنه سأل ابنه معاوية عن ذلك فقال: لا صحبة له.
قال
يحيى بن معين (كما في تاريخه - رواية الدوري: 3/58): حَدثنَا حجّاج بن محمّد قَالَ:
حَدثنَا شُعْبَة عَن أَبى إِيَاس قَالَ: "جَاءَ أَبى إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ غُلَام صَغِير فَمسح رَأسه واستغفر لَهُ". قَالَ
شُعْبَة: فَقلت، لَهُ صُحْبَة؟ قَالَ: "لا، وَلَكِنَّهُ كَانَ عَلَى عَهْدِهِ
قَدْ حَلَبَ وَصَرَّ".
ورواه
ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص167) عن العباس بن محمد الدوري عن يحيى بن
معين، به.
ورواه
أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (4/2350) من طريق عَبْدِاللهِ بن أَحْمَدَ بنِ
حَنْبَلٍ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، قال: حدثنا حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، قال: حدثنا
شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: "جَاءَ أَبِي إِلَى رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غُلَامٌ صَغِيرٌ، فَمَسَحَ رَأْسَهُ
وَاسْتَغْفَرَ لَهُ"، قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْنَا لَهُ: أَصَحِبَهُ؟ فَقَالَ:
لَا، وَلَكِنَّهُ كَانَ عَلَى عَهْدِهِ قَدْ حَلَبَ وَصَرَّ"- أي: صَرَّ
وَحَلَبَ لأَهْلِهِ.
وروى
البغوي في «معجم الصحابة» (5/86) من طريق أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا أبو
داود، قال: أخبرنا شعبة، عن معاوية بن قرة قال: "كان أبي يحدّثنا يقول: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أدري أكان سمعه منه أو يُحدّث عنه".
قلت:
ما جاء في رواية حجاج عن شعبة أصرح في أنه نفى صحبة أبيه، ولو كان صحب النبيّ صلى
الله عليه وسلم لذكره وصاح به، وقد صرّح أيضاً بأنه أدركه ورآه ومسح رأسه وهو
صغير.
وقد
روى عبدالله بن أحمد في «العلل» (2/561) قال: حدثني أبي قال: حدثنا عبدالصمد،
قال: حدثنا سوادة - يعني ابن حيان - عن معاوية بن قرة قال: "أدركت من أهل
بيتي ثلاثة كلهم قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم".
قلت:
ولو كان أبوه منهم لسمّاه؛ لأن هذا شرف عظيم له.
فشعبة
الذي تفرد بهذا الحديث عن معاوية عن أبيه قد أنكر صحبته، فقوله هو المعتمد، فيكون
الحديث مرسلاً. ويؤيده أن الحديث عن الطائفة مشهور ومعروف، ولكن لفظ «إذا فسد
أهل الشام..» فلا يوجد من يتابعه عليه، وهو مرسل. وعادة ما تكون الزيادات على
الأحاديث الصحيحة من المراسيل.
وهذه
الزيادة لا يُحكم لها بالصحة على ما ثبت في حديث ثوبان ومعاوية وجابر وعقبة وغيرهم،
فكلّهم روى الحديث دون هذه الزيادة، وهم الذين صحبوه صلى الله عليه وسلم، فلا نثبت
هذه الزيادة لأن الذي رواها ليس بصحابي - وإن كان له رؤية. فحديث قرّة هذا حديث
ضعيف.
·
حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -:
رُوي
من عدّة طُرق عن أبي هريرة:
·
رواية عُمَيْرِ بنِ الْأَسْوَدِ،
وَكَثِيرِ بنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
روى
ابن ماجة في «سننه» (1/5) برقم (7) قال: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ الحضرميّ الدمشقيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو عَلْقَمَةَ نَصْرُ بنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ عُمَيْرِ بنِ الْأَسْوَدِ،
وَكَثِيرِ بنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ
أُمَّتِي قَوَّامَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، لَا يَضُرُّها مَنْ خَالَفَهَا».
ورواه
ابنُ أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (5/254) عن هشام بن عمار، قال: حدثنا
يحيى بن حمزة، قال: حدثنا أبو علقمة، عن عمير بن الأسود وكثير بن مرة، قالا: إن
أبا هريرة وابن السمط رضي الله عنهما كانا يقولان: لا يزال المؤمنون في الأرض إلى
أن تقوم الساعة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال طائفة من
أمتي قوّامة على أمر الله عز وجل لا يضرهم من خالفهم تقاتل أعداءها، كلما ذهب حزب
قوم تستحرب قوم أخرى يرفع الله عز وجل قلوب قوم ليرزقهم منه حتى تأتيهم الساعة
كأنها قطع الليل المظلم».
ورواه
أبو نُعيم في «الحِلية» (9/307) من طريق محمد بن المبارك الصّوري، عن يحيى
بن حمزة، ولم يذكر ابن السمط، وزاد في آخره: "ثم قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: هم أهل الشام".
ورواه
يعقوب بن سفيان الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/170) عن عبدالله بن يوسف،
عن يحيى بن حمزة، به، مطولاً، وفيه: "كأنها قطع الليل المظلم فيفزعون ذلك حتى
يلبسوا له أبدان الدروع. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم أهل الشام، ونكت
رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصبعه يومئ بها إلى الشام حتى أوجعها".
ورواه
البخاري في «التاريخ الكبير» (4/248) في ترجمة «شرحبيل بن السمط الكندي» عن
عبدالله بن يوسف عن يحيى، به، مختصراً.
ورواه
ابن عساكر في «تاريخه» (22/455) من طريق أبي عبدالله ابن منده، عن خالد بن
أحمد الدمشقي، عن أحمد بن محمد بن حمزة، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن نصر بن علقمة:
أن عمير بن الأسود وكثير بن مرة قالا: إن أبا هريرة وابن السمط كانا يقولان،
الحديث مختصراً.
قال
ابن منده: "هذا حديث لا يُعرف إلا من حديث يحيى".
ونقل
ابن حجر عن ابن منده في «الإصابة» (3/329) أنه قال: "غريبٌ"، وهو
مفهوم من قوله السابق أنه لا يُعرف إلا من حديث يحيى بن حمزة.
وقال
الطبراني في «المعجم الأوسط» (8/55): "لم يرو هذا الحديث عن نصر بن
علقمة إلا يحيى بن حمزة".
وصححه
الشيخ الألباني!
قلت:
تفرد به يحيى - وهو ثقة- عن نصر بن علقمة! ونصر هذا نُقل عن دُحيم أنه وثقه، وذكره
ابن حبان في الثقات، ووثقه الذهبي، وقال الحافظ ابن حجر: "مقبول"!!
ونظرت
في حديثه فوجدت غالبه مناكير أفراد!! وليس هو ممن يُحتمل تفرده. ولا تُعرف لعمير
بن الأسود وكثير بن مرة رواية عن أبي هريرة إلا في هذا الحديث!! ولو حدّث به أبو
هريرة لكان عند ثقات أصحابه المعروفين.
وقد
رُوي عن نصر بن علقمة بإسناد آخر!!
رواه
الطبراني في «مسند الشاميين» (3/376) من طريق الهيثم بن حُميد، عن أَبي
مُعَيْدٍ حَفْص بن غَيْلَانَ، عن نصر بن علقمة، عن أخيه محفوظ بن علقمة، عن ابن
عائذ، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تزال عصابة من أمتي
قوامة بأمر الله لا يضرها من خالفها تقاتل أعداء الله... مختصراً.
قلت:
الظاهر أن ابن عائذ هذا هو: عبدالله بن عائذ الثُّمالي. والهيثم وحفص فيهما ضعف!
والحديث ضعيف على كلّ الأحوال.
والعجب
من تعليق الشيخ شعيب ورفاقه على الحديث الأول بقولهم: "إسناد الحديث صحيح"،
والثاني: "إسناده حسن" [مسند أحمد، ط الرسالة: 14/26]!!!
هل
يُعقل أن نصر بن علقمة يتفرد بهذا الحديث من هذين الطريقين! أم أن إحداهما تعلّ
الأخرى؟!
فإما
أن تكون إحداهما خطأ من بعض الرواة، والقلب أميل إلى الثانية لأن فيها ضعفاء، وإما
أن نقول إن نصر بن علقمة اضطرب فيه! وأما أن نحكم بصحة الإسناد أو حسنه هكذا! فهذا
حكم من لم يخبر كيفية التعليل والتعامل مع الأحاديث!
·
رواية أَبي صالحٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ:
روى
محمد بن عَجْلاَنَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ، عن أبي صَالِحٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ، عن
رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لاَ يَزَالُ لِهَذَا الأَمْرِ أو على
هذا الأَمْرِ عِصَابَةٌ على الْحَقِّ وَلاَ يَضُرُّهُمْ خِلاَفُ من خَالَفَهُمْ
حتى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ».
أخرجه
أحمد في «مسنده» (2/321) عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن يزيد المقرئ، عن سعيد
بن أبي أيوب، عن ابن عجلان. وأخرجه أيضاً (2/340) عن يونس، وفي (2/379) عن قتيبة
بن سعيد، كلاهما عن الليث بن سعد، عن محمد بن عَجلان، به.
وأخرجه
البزار في «مسنده» (15/360) عن زهير بن مُحَمد، عن عَبدالله بن يزيد
المقرئ، به.
وأخرجه
ابن حبان في «صحيحه» (15/249) عن محمد بن عبدالله بن الجنيد عن قتيبة بن
سعيد، عن الليث، به.
قال
الشيخ شعيب ورفاقه في تعليقهم على مسند أحمد (ط الرسالة: 14/ 25): "إسناده
قوي، محمد بن عجلان روى له البخاري تعليقاً ومسلم في الشواهد، وهو قوي الحديث،
وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح".
وقال
في تعليقه على صحيح ابن حبان: "إسناده حسن، محمد بن عجلان صدوق روى له مسلم
متابعة، واحتج به أصحاب السنن، وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح".
قلت:
تفرد به محمد بن عجلان وفي حفظه شيء! ولم يحتج الشيخان به. وتفرده لا يقبل! وهذا
الحديث لا يُعرف عن أبي هريرة من أصحابه الثقات، ولو كان عند أبي صالح لوجدناه عند
أصحابه.
فالحديث
ضعيف.
·
رواية عطاء الخُراسانيّ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ:
روى
إسحاق بن راهويه في «مسنده» (1/406) عن كلثوم بن محمد بن أبي سِدرة، عن
عطاء بن أبي مسلم الخراساني، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا
يزال من أمتي أمة يجاهدون في سبيل الله لا يضركم خلاف من خالفهم حتى يجيء أمر الله
وهم ظاهرون».
قلت:
هذا مرسل، وكلثوم وعطاء ضعيفان.
·
رواية أَبي صالحٍ الخولانيّ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ:
روى
إسماعيل بن عيّاش الحمصيّ، قال: حدّثني الوليد بن عبّاد، عن عامر الأحول، عن أبي
صالح الخولاني، عن أبي هريرة: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: «لا تزال
عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها، وعلى أبواب بيت المقدس وما حولها،
لا يضرهم خذلان من خذلهم ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة».
أخرجه
أبو يعلى في «مسنده» (11/302) عن أبي طالب عبدالجبّار بن عاصم.
والطبراني
في «المعجم الأوسط» (1/19) عن أبي الجماهر.
وابن
عساكر في «تاريخه» (1/254) من طريق هشام بن عمار الدمشقي، وورد بن عبدالله
التميمي الطبري ثم البغدادي، وعبدالجبار بن عاصم النسائي.
كلّهم
عن إسماعيل بن عياش، به.
قال
الطبراني: "لم يروه عن عامر الأحول إلا الوليد بن عباد! تفرد به إسماعيل بن
عياش".
وقال
ابن عدي في «الكامل» (7/84): "الوليد بن عباد يُحدِّث عنه إسماعيل بن
عياش، ليس بمستقيم".
ثمّ
روى له هذا الحديث، ثمّ قال: "وهذا الحديث بهذا اللفظ ليس يرويه غير ابن عياش
عن الوليد بن عباد"، ثم أورد له أحاديث أخرى، ثم قال: "والوليد بن عباد
عامة ما يرويه قد ذكرته، ولا يروي عنه غير إسماعيل بن عياش، والوليد بن عباد ليس
بالمعروف".
قلت:
فالحديث منكر بهذا اللفظ، تفرد به الوليد بن عباد وهو مجهول!
·
تنبيه ابن عساكر على وهم في «تاريخ
داريا»!
ورواه
عبدالجبار الخولاني في «تاريخ داريا» (ص104) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ
سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ،
قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ عَيَّاشٍ، قال: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بنُ
عَبَّادٍ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ
دِمَشْقَ وَمَا حَوْلَهَا، وَعَلَى أَبْوَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَا حَوْلَهَا،
لَا يَضُرُّهُمْ خِذْلَانُ مَنْ خَذَلَهُمْ، ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ إِلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
قال
ابن عساكر: "رواه أبو عليّ عبدالجبار محمد بن مهنا الداراني في «تاريخ داريا»
عن أحمد بن سليمان إلا أنه صحّف في إسناده في موضعين: (قال عاصم الأحول!) وإنما هو
عامر بن عبدالواحد الأحول البصري، وليس بعاصم بن سليمان الأحول وهو بصري نزل
المدائن، وقال: (عن أبي مسلم الخولاني)، وإنما هو أبو صالح".
·
رواية حيّان بن وَبرة المريّ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ: «لا تزال عصابة بدمشق... ».
روى
عبدالجبار الخولاني في «تاريخ داريا» (ص 93) قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ بَكَّارٍ - بِبَيْتِ لِهْيَا -، قال: حَدَّثَنَا
الْعَبَّاسُ بنُ الْوَلِيدِ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبِ بنِ
شَابُورَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْمُغِيرَةِ عَمْرُو بنُ شَرَاحِيلَ
الْعَنْسِيُّ، قَالَ: أَتَيْنَا بَيْرُوتَ أَنَا وَعُمَيْرُ بنُ هَانِئٍ
الْعَنْسِيُّ، فَإِذَا نَحْنُ بِرَجُلٍ يَتَعَايَا عَلَيْهِ النَّاسُ فِي
الْمَسْجِدِ، فَإِذَا عَلَيْهِ قَمِيصٌ كَرَابِيسُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ،
وَقَلَنْسُوَةٌ صَغِيرَةٌ، وَثِيَابٌ رَثَّةٌ، يُقَالُ لَهُ حَيَّانُ بنُ وَبَرَةَ
الْمُرِّيُّ، فَقُلْتُ لِعُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ: أَمِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ؟ قَالَ: «لَا، وَلَكِنَّهُ صَاحِبٌ
لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ»، قَالَ عَمْرُو بنُ شَرَاحِيلَ:
فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَزَالُ بِدِمَشْقَ عِصَابَةٌ
يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ».
ورواه
ابن عساكر في «تاريخه» (1/256) من طريق خيثمة بن سليمان القرشي، عن العباس
بن الوليد، به.
قال
عباس بن الوليد: "قد كان أخبرني به أبي عن ابن شعيب، ثم قرأته أنا على ابن
شعيب أيضاً".
ورواه
الطبراني في «مسند الشاميين» (3/406) من طريق سُلَيْمَان بن
عَبْدِالرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيّ، عن مُحَمَّد بنِ شُعَيْبِ بنِ شَابُورَ، به -
وذكر الحديث فقط دون القصة.
قال
الألباني في «سلسلته الضعيفة» برقم (6104): "منكر".
قلت:
هذا الحديث تفرد به عمرو بن شُراحيل، وهو صدوق، ولا يُعرف حيّان هذا في أصحاب أبي
هريرة، ولا نعرف سماعه منه!! ولا تُعرف حاله!!
وحديثه
منكرٌ مخالف للأحاديث الصحيحة الأخرى.
وقد
أشار أبو حاتم وأبو زرعة - كما سيأتي - إلى علّة أخرى للحديث، فإنهما لما استدركا
على البخاري في ترجمة حيّان وذكر البخاري الحديث، قالا: "وهو موقوف، وابن
شعيب يقفه عنه قوم، ويرفعه عنه عُبيد بن حِبّان الجُبَيلى، والموقوف أصح".
فالظاهر
أنه اختلف على محمد بن شعيب عليه، فرواه قوم عنه بالوقف، ورواه بعضهم مرفوعاً،
والوقف هو الصواب.
وقد
ذكروا لحيّان حديثاً آخر:
رواه
عبدالجبار الخولاني في «تاريخ داريا» (ص95) قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ
عُمَيْرٍ، قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَبْدِالرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ،
قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ أَبِي سَلَمَةَ، قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ
عَيَّاشٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ سُلَيْمَانَ الْعَنْسِيُّ، عَنْ
أَبِي الْمُغِيرَةِ عَمْرِو بنِ شَرَاحِيلَ الْعَنْسِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ
حَيَّانَ بنَ وَبَرَةَ الْمُرِّيَّ، وَأَنَا مَعَ عُمَيْرِ بنِ هَانِئٍ
الْعَنْسِيِّ، فَقُلْتُ: يَا عُمَيْرُ، مَنْ هَذَا؟ قَالَ: حَيَّانُ بنُ وَبَرَةَ
صَاحِبُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ
أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُوا هَذَا الْمَالَ مَا طَابَ، فَإِذَا عَادَ رُشًا
فَدَعُوهُ، فَإِنَّ اللَّهَ سَيُغْنِيكُمْ مِنْ فَضْلِهِ، وَلَنْ تَفْعَلُوا
حَتَّى يَأْتِيَكُمُ اللَّهُ بِإِمَامٍ عَادِلٍ لَيْسَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ».
قال
ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (15/371): "رواه الوليد بن مزيد عن عمرو،
فلم يرفعه".
ثمّ
ساقه بإسناده إلى العباس بن الوليد قال: أخبرني أبي، قال: أخبرني عمر بن شراحيل
العنسي: أنه سمع حيان بن وبرة المري يُحدّث عن أبي هريرة أنه قال: «كلوا مال الله
ما طاب لكم فإذا كان رشا فذروه فإن الله عز وجل سيغنيكم من فضله أن تفعلوا ولن
تفعلوا حتى يأتيكم الله عز وجل بإمام عدل، ليس من بني فلان - أو قال: من بني فلان».
قال
ابن عساكر: "كذا قال! والصواب: عمرو بن شرحبيل".
فهذا
الحديث أيضاً اختلف في رفعه ووقفه، وكأن هذا الحديث والذي قبله حديث واحد، رواهما
عمرو بن شراحيل عنه وسياقهما واحد، فمن رواه عنه بعضهم اقتصر على هذا وبعضهم على
هذا، ويظهر أن الصواب فيه الوقف أيضاً. فهذه علّة للحديث، وكذلك فإنه لا يُعرف
لحيّان أنه سمع من أبي هريرة، وهذه علّة أخرى للحديث.
·
ترجمة حيّان بن وَبرة المريّ:
ذكره
البخاري في «التاريخ الكبير» في «باب حسّان» (3/35)، فقال: "حَسَّانُ
بنُ وَبْرَةَ أَبُو عُثْمَانَ النِّمِرِيُّ - قَاله إِسْحَاقُ عَنْ سَهْلٍ. وَقال
مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بنُ شُرَاحِيلَ: سَمِعْتُ حَسَّانَ بن
وَبْرَةَ الْمُرِّيَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تزل عِصَابَةٌ بِدِمَشْقَ ظَاهِرِينَ".
وتبعه
على ذلك ابن حبان فقال في «الثقات» (4/165): "حسان بن وبرة الْمُزنِيّ
الْبَصْرِيّ، كُنْيَتُهُ أَبُو عُثْمَان يروي عَن أبي هُرَيْرَة روى عَنهُ عَمْرو
بْن شرَاحِيل".
قلت:
كذا فيه: "البصري"!! وهو خطأ! وكذلك قوله: "المزني" خطأ!
·
وهم الإمام البخاري في هذه
الترجمة! ومتابعة مسلم وابن حبان له!
قال
ابن عساكر في «تاريخه» (15/370): "حيّان، ويُقال: حسان بن وبرة أبو
عثمان المري، ويقال: النمري، صاحب أبي بكر الصديق. حدّث ببيروت عن أبي هريرة، روى
عنه عمرو بن شراحيل العنسي".
ثمّ
ساق كلام البخاري من تاريخه، ثمّ قال: "كذا أخرجه البخاري في باب حسان وأخطأ
فيه في ثلاثة مواضع: في قوله (حسان) وهو حيان، وفي قوله (النمري) وهو المري كما
ترجمناه، والله الموفق".
قلت:
ذكر ابن عساكر أن البخاري أخطأ فيه في ثلاثة مواضع! ولم يذكر سوى موضعين.
ولكن
جاء في «مختصر تاريخ دمشق» (7/291) لابن منظور عن ابن عساكر: "كذا
أخرجه البخاري في باب حسان. وأخطأ فيه في ثلاثة مواضع: قوله: حسان، وهو حيان،
وقوله: النمري والمزني، وهو المري".
قلت:
لكن لم يذكر البخاري "المزني"! فكيف نقول إنه أخطأ فيه! فقول ابن عساكر
أنه أخطأ فيه في ثلاثة مواضع خطأ، والصواب أن يقول: "أخطأ في موضعين".
وهذه
الأخطاء تقع للبخاري - رحمه الله - في تراجم الشاميين لأنه كان يعتمد أصول
الشاميين ونسخهم وكان فيها أخطاء وتصحيفات كما بينته في مقالة خاصة.
وقد
نقل ابن عساكر أيضاً من كتاب الإمام مسلم في «الكنى» من رواية أبي سعيد بن
حمدون، عن مكي بن عبدان قال: سمعت مسلم بن عبدان، قال: سمعت مسلم بن الحجاج يقول: "أبو
عثمان حسان بن وبرة النمري عن أبي هريرة، روى عنه عمرو بن شرحبيل".
قال
ابن عساكر: "كذا قال ومسلم يتبع البخاري في أكثر ما يقول، وأهل الشام أعلم به
من غيرهم".
قلت:
كذا نقل ابن عساكر من كتاب مسلم، وفي المطبوع من كتاب مسلم في «الكنى والأسماء»
ترجمة رقم (2197): "أبو عثمان حيان بن وبرة الدهري، عن أبي هريرة، روى عنه
عمرو بن شراحيل".!
فلا
أدري هل هكذا في الأصل أم صحح ذلك محقق الكتاب!!
والأشبه
أن الأصل كما ذكره ابن عساكر فهو من أهل الضبط في ذلك، وكذا وقع في كتاب الذهبي «المقتنى
في سرد الكنى» (ص388): "حسان بن وبرة النمري عن أبي هريرة".
والذهبي
اعتمد في ذلك على كتاب مسلم، والله أعلم.
·
استدراك أبي حاتم وأبي زرعة على
البخاري والاستدراك عليهما!
ذكر
ابن أبي حاتم عن أبيه وأبي زرعة في استدراكهما على البخاريّ في «بيان خطأ
البخاري في تاريخه» (ص33): "حسان بن وبرة أبو عثمان النمري، قاله إسحاق
عن سهل، وقال محمد بن شعيب: أخبرني عمرو بن شراحيل: سمع حسان بن وبرة المزني عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
إنما
هو المقري.
وهو
موقوف، وابن شعيب يقفه عنه قوم، ويرفعه عنه عبيد بن حبان الجبيلى، والموقوف أصح".
قلت:
كذا استدركا على البخاريّ في نسبة الراوي، وإن صحّ ما أثبته المحقق المعلمي - رحمه
الله -: "المقري" فاستدراكهما خطأ!! لأن الصواب هو: "المريّ".
وكان
الأصل أن يستدركوا عليه في اسم الراوي، فقد ذكر عبدالرحمن بن أبي حاتم في «الجرح
والتعديل» (3/245) على الصواب، وقد أخطأ فيه البخاري!
قال
ابن أبي حاتم: "حيان بن وبرة المري، نزيل بيروت روى عن أبي هريرة، روى عنه
عمرو بن شراحيل العنسي، سمعت أبي يقول ذلك".
وقد
أصاب أبو حاتم هنا أيضاً في نسبه: "المري".
·
ذِكر ابن حجر له في المُخضرمين!!
وقد
ذكره ابن حجر في المخضرمين من كتابه «الإصابة في تمييز الصحابة» (1/188) في
القسم الثالث وهو في الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يرد في خبر قط أنهم
اجتمعوا بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم ولا رأوه، سواء أسلموا في حياته أم لا،
وهؤلاء ليسوا أصحابه.
قال
الحافظ: "حيان بن وبرة أبو عثمان المزني. له إدراك. قال أبو الحسن بن سميع: صحب
أبا بكر الصديق، ولا يحفظ له عنه رواية. وروى أبو زرعة الدمشقيّ في تاريخه من طريق
عمرو بن شراحيل العبسيّ، قال: أتينا بيروت أنا وعمير بن هانئ العبسيّ فإذا برجل
عليه الناس في المسجد، وعليه ثياب رثّة وقميص كرابيس إلى نصف ساقيه يقال له حيان
بن وبرة، فقلت لعمير: أمن أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هذا؟ قال: لا.
ولكن كان صاحباً لأبي بكر.
ورواه
ابن البرقي في «تاريخه» من هذا الوجه، وزاد فيه: قال عمرو: فسمعته يحدث عن أبي
هريرة. وأخرجه الدّولابيّ في الكنى من هذا الوجه بمعناه.
وذكره
البخاريّ فيمن اسمه حسّان - بالسين المهملة. وتعقبه ابن عساكر فقال: إنما هو حيان.
قال: وقد تبع مسلم البخاري فيه فأخطأ أيضاً، وأهل الشام أعلم به من غيرهم.
وذكر
ابن أبي حاتم عن أبيه أنّ عبداللَّه بن سنان روى عن حيان بن وبرة هذا: أنّ أعرابياً
أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: «علّمني دعوة..» الحديث. قال أبو حاتم:
هذا مرسل" انتهى.
قلت:
كأن الحافظ اعتمد على أنه كان صاحباً لأبي بكر في قوله إن له إدراكاً! ولكن هذا
ليس بدليل! وما جاء أنه كان صاحباً لأبي بكر ذُكِر في هذه القصة، ولا ندري هل صح
ذلك أم لا!!
وهذا
الحديث الأخير الذي ذكره ابن حجر عن ابن أبي حاتم في كتاب «المراسيل» (ص29)
ذكره باسم «حبان» فقال: "حبان بن وبرة المزني".
ثم
قال: سألت أبي عن حبان بن مرة المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هو
مرسل".
قلت:
فإن ابن حمير يروي عن عبدالملك بن أبي مروان الجبيلي، عن عبدالله بن سنان، عن حبان
بن وبرة المزني: أنّ أعرابياً أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: علمني دعوة أدعو
بها، وذكر الحديث، فقال أبي: "هو مرسل".
فلا
أدري هل تصحّف عند ابن أبي حاتم وصوّبه ابن حجر لما نقله أم أنه مصحف في المطبوع!!
لكن
كأنه مصحّف في الأصل؛ لأن العلائي قد ذكره عن ابن أبي حاتم في كتابه «جامع
التحصيل» (ص158): "حبان بن وبرة المزني".
·
رواية الحسن البصري عن أَبي
هريرة: «على أبواب بيت المقدس».
وُروي
عن الحسن بن أبي الحسن يسار البصري، عن أبي هريرة، وزيد فيه زيادة.
أخرجه
ابن عساكر في «تاريخه» (1/257) من طريق أبي عبدالملك محمد بن أحمد بن عبدالواحد بن
جرير بن عبدوس، عن موسى بن أيوب، عبدالله بن قسيم، عن السري بن بزيع، عن السري بن
يحيى البصري، عن الحسن، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لا
تزال طائفة من أمتي يقاتلون على أبواب بيت المقدس وما حولها، وعلى أبواب أنطاكية
وما حولها، وعلى باب دمشق وما حولها، وعلى أبواب الطالقان وما حولها، ظاهرين على
الحق لا يبالون من خذلهم، ولا من نصرهم حتى يخرج الله كنزه من الطالقان، فيحيي به
دينه كما أميت من قبل».
قال
ابن عساكر: "وهذا إسناد غريب، وألفاظه غريبة جداً! وقد رُوي من وجه آخر عن
أبي هريرة، وليس فيه هذه الزيادة".
قلت:
هذا حديث منكر إسناداً ومتناً، وفيه عدّة مجاهيل.
·
رواية يزيد الحميري عن أَبي
هريرة:
ثم
ساقه ابن عساكر من طريق محمد بن عائذ، عن الهيثم بن حميد الغسّاني الدمشقي، عن
يزيد الحميري رفعه إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا
تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها، وعلى أبواب بيت المقدس وما
حولها لا يضرهم خذلان من خذلهم ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة».
قلت:
هذا إسناد ضعيف، وألفاظه منكرة!
ويزيد
الحميري مجهول! ويزيد وثقه ابن معين وأبو داود والنسائي، وضعّفه أبو مُسهر.
قال
أبو مسهر: "الهيثم بن حميد: وكان صاحب كتب، ولم يكن من الأثبات، ولا من أهل
الحفظ، وقد كنت أمسكت عن الحديث عنه، استضعفته".
وروي
عن أبي هريرة من وجوه أخر في أهل الشام على العموم من غير تخصيص أهل دمشق.
·
رواية جُبير بن عُبيد أو عُبيدة
الحمصي عن أَبي هريرة:
رواه
سعيد بن منصور في «سننه» (2/177) قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا سيار، عن جبير بن
عبيدة - أراه عن أبى هريرة قال: «لا تبرح هذه الأمة يجاهدون في سبيل الله ابتغاء
مرضات الله منصورين أينما توجهوا يقذف بهم كل مقذف لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي
أمر الله، وهم كذلك».
كذا
رواه هشيم عن سيّار موقوفاً على أبي هريرة، وروي مرفوعاً.
رواه
ابن عساكر في «تاريخه» (1/258) من طريق محمد بن محمد بن سليمان، ومحمد بن أيوب، وأحمد
بن عمرو بن إسماعيل الفارسي الوراق، كلهم عن شيبان بن أبي شيبة - وهو شيبان بن
فروخ الأيلي – قال: حدثنا الصعق بن حزن، قال: حدثنا سيّار أبو الحكم الكوفي، عن
جبير بن عبيد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه الأمة
منصورة بعدي، منصورون أينما توجهوا، لا يضرهم من خالفهم من الناس حتى يأتيها أمر
الله، أكثرهم أهل الشام».
قلت:
جبير وقيل: جبر الشاعر، مجهول، وأحاديثه قليلة جداً لا تتعدى الثلاثة، وهي في
الفتن، وهي منكرة!
ووقد
أخرج له النسائي خبراً عن أبي هريرة: وعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة
الهند، الحديث.
قال
الذهبي: "لا يُعرف من ذا! والخبر منكر".
وأخطأ
ابن حبان بذكره في ثقاته. وكذلك ابن حجر بقوله عنه: "مقبول"!!
·
رواية يحيى بن أبي كثير عن أَبي هريرة،
وبيان بعض الأوهام لبعض الشاميين!
روى
يعقوب الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/173) قال: حدثني صفوان بن صالح، قال: حدثنا
الوليد، قال: حدثنا أبو عمرو - هو الأوزاعي -، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي هريرة
يرويه قال: «لا تزال عصابة من أمتي على الحق ظاهرين على الناس لا يبالون من خالفهم
حتى ينزل عيسى ابن مريم».
قال
أبو عمرو: فحدثت هذا الحديث قتادة، فقال: "لا أعلم أولئك إلا أهل الشام".
ورواه
ابن عساكر في «تاريخه» (1/259) من طريق يعقوب بن سفيان، به.
ورواه
عقبة بن علقمة البيروتي، عن الأوزاعي، فزاد في إسناده أبا سلمة.
رواه
ابن عساكر من طريق محمد بن عقبة بن علقمة البيروتي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا
الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على الحق
ظاهرين حتى ينزل عليهم عيسى بن مريم».
قال
الأوزاعي فحدثت به قتادة، فقال: "لا أعلم أولئك إلا أهل الشام".
ورواه
يحيى بن حمزة عن الأوزاعي، فلم يذكر "أبا سلمة" إلا أنه قال: "عن
جابر" بدلاً من "أبي هريرة".
رواه
ابن عساكر من طريق محمد بن هارون بن محمد بن بكار بن بلال، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا
يحيى بن حمزة، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، عن جابر بن
عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال
الأوزاعي: "وحدثني قتادة هذا الحديث وزعم أنهم أهل الشام".
ورواه
محمد بن كثير المصيصي عن الأوزاعي فوهم فيه، وقال: "عن قتادة عن أنس".
رواه
ابن عساكر من طريق أحمد بن نصر النيسابوري، وأبو جعفر محمد بن إبراهيم بن عبدالله
الديبُليّ، كلاهما عن محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم
القيامة - وأومئ بيده إلى الشام».
قلت:
هذا الحديث رواه الأوزاعي، واختلف عليه: فرواه الوليد بن مسلم ويحيى بن حمزة
الحضرمي عنه عن يحيى بن أبي كثير، وقال الوليد: عن أبي هريرة، وقال يحيى بن حمزة:
عن جابر! وذكر جابر وهم من يحيى بن حمزة.
ورواه
عقبة بن علقمة عنه عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وهذا وهم؛ لأن
المحفوظ عن يحيى دون ذكر "أبي سلمة"، وأظن الوهم من ابنه محمد، قال ابن
حبان في ترجمة عقبة: "يُعتبر حديثه من غير رواية ابنه محمد بن عقبة عنه؛ لأن
محمداً كان يدخل عليه الحديث، ويجيب فيه".
ورواه
محمد بن كثير عنه عن قتادة عن أنس، وهو وهم شنيع! ومحمد بن كثير منكر الحديث، وكان
مغفلاً!
سئل
أبو زرعة عنه، فقال: "دفع إليه كتاب الأوزاعي في كلّ حديث كان مكتوب: حدثنا
محمد بن كثير، فقرأه إلى آخره يقول: حدثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي، وهو محمد بن
كثير"!!
قلت:
وهذا جرحٌ شديد.
فالحديث
محفوظ عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي هريرة، وهو مرسل، ويحْيَى بنُ
أَبِي كَثِيرٍ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا هُرَيْرَةَ، ومراسيل يحيى شبه الرّيح.
وأما
تفسير قتادة الطائفة بأنهم أهل الشام، فهذا اجتهاد منه ومن غيره من أهل العلم،
وسيأتي الكلام على هذا لاحقاً إن شاء الله.
·
حديث مُعَاوِيَة بن حيدة القُشَيْرِيِّ
جدّ بهز بن حَكيم:
روى
أحمد في «مسنده» (ط الرسالة: 33/233) برقم (20031) قال: حَدَّثَنَا
يَزِيدُ، قال: أَخْبَرَنَا بَهْزُ بنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيْنَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: «هَاهُنَا». وَنَحَا بِيَدِهِ
نَحْوَ الشَّامِ. قَالَ: «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ رِجَالًا وَرُكْبَانًا وَتُجَرُّونَ
عَلَى وُجُوهِكُمْ».
ورواه
الترمذي في «الجامع» (4/485) عن أَحْمَد بن مَنِيعٍ، عن يَزِيد بنُ هارُونَ،
به، مختصراً.
قال
الترمذي: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".
ورواه
الحاكم في «المستدرك» (4/608) من طريق مسدد، عن المعتمر، عن بهز بن حكيم بن
معاوية، به.
قال
الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقد رواه أبو قزعة سويد بن حجير،
عن حكيم بن معاوية مثل رواية بهز، على أن بهزاً أيضاً مأمون لا يحتاج في روايته
إلى متابع".
قلت:
العجب من الحاكم يصححه وهو نفسه يقول عن نسخة بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: "هي
نسخة شاذة"!
وقد
رواه عن بهز أيضاً جماعة غير هؤلاء، منهم: حماد بن زيد، وحماد بن زيد، وأبو إسحاق،
ويحيى، ومروان بن معاوية، وروح، وعبدالله بن بكر بن حبيب أبو وهب السهمي، وأبو
عاصم، والمكي بن إبراهيم.
أخرجها
كلها ابن عساكر في «تاريخه» (1/91-95).
وأخرجه
الطبراني في «المعجم الكبير» (19/408-409) من طريق عَدي بن الفضل، وأبي بكر
الهذلي، وخالد الواسطي، كلهم عن بهز، به. وفي بعضها: «قلت: يا رَسُولَ اللَّهِ،
خِرْ لي، فَنَحَا بيده نحو الشَّامِ».
وقد
أشار ابن حجر للحديث في «الفتح» (11/380) وقال: "سنده قويّ".
قلت:
هذا الحديث بهذا اللفظ تفرد به بهز بن حكيم: «يا رَسُولَ اللهِ أَيْنَ
تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: هاهُنَا». وَنَحَا بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ أو: «قلت: يا
رَسُولَ اللَّهِ، خِرْ لي، فَنَحَا بيده نحو الشَّامِ».
وبهز
وثقه ابن معين وابن المديني وأبو داود والنسائي، وضعفه آخرون.
قال
البخاري: "يختلفون في بهز".
وقال
أبو حاتم: "هو شيخ يُكتب حديثه، ولا يُحتج به".
وقال
أبو زرعة: "بهز بن حكيم صالح، ولكنه ليس بالمشهور".
وقال
الحاكم: "هي نسخة شاذة".
وقال
ابن حبان: "كان يُخطىء كثيراً، فأما أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم رحمهما
الله فهما يحتجان به، ويرويان عنه، وتركه جماعة من أئمتنا، ولولا حديث: إنا آخذوه
وشطر إبله عزمه من عزمات ربنا لأدخلناه في الثقات، وهو ممن أستخير الله عز وجل فيه".
والحديث
رواه غير بهز عن والده حكيم، وخالفوه في لفظه! وقد ذكر الحاكم متابعة أبي قزعة
لبهز مع ذكره أنه لا يحتاج لمتابع!
لكن
الحاكم لم يتنبه إلى الاختلاف في اللفظ الذي تفرد به بهز عن أبي قزعة سُوَيْد بن
حُجَيْرٍ! نعم هو تابعه في أصل الحديث في أن الناس يحشرون في الشام على وجوههم.
روى الحاكم في «المستدرك» (4/609) من
طريق حماد بن سلمة، عن أبي قزعة، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم، يقول: «تحشرون ها هنا حفاة عراة مشاة وركباناً، وعلى وجوهكم،
تعرضون على الله، أَفْوَاهِكُمُ الْفِدَامُ، وإنّ أَوَّل ما يُعْرِبُ عن
أَحَدِكُمْ فَخِذُهُ».
تنبيه: جاء في المطبوع من المستدرك:
"عن حكيم بن معاوية، عن أبيه، عن جده"! وهذا خطأ،
والصواب: "عن حكيم عن أبيه"، وعن جده زيادة ليست في الحديث.
وقد
رواه الإمام أحمد في «مسنده» عن عَفَّان، عن حَمَّاد بن سَلَمَة، به، بأطول
من هذا.
وكذا
رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (19/426) من طريق أَسَد بن مُوسَى، عن
حَمَّاد بن سَلَمَةَ.
ورواه
أيضا من طريق الْحَجَّاج الْبَاهِلِيُّ، عن سُوَيْد بن حُجَيْرٍ أبي قزعة، به،
مطولاً.
ورواه
أحمد في «مسنده» (4/446)، والطبراني في «المعجم الكبير» من طريق
شِبْل بن عَبَّادٍ، قال: سمعت أَبَا قَزَعَةَ يحدث عن عَمْرَو بن دِينَارٍ يحدث عن
حكيم بن معاوية.
ورواه
الحاكم في «المستدرك» (2/477) من طريق يزيد بن هارون، عن سعيد بن إياس
الجريري، عن حكيم بن معاوية بن حيدة، عن أبيه - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: «يجيئون يوم القيامة وعلى أفواههم الفدام، وإن أول ما يتكلم من
الآدمي فخذه وكفه».
قال
الحاكم: "هذا حديث مشهور ببهز بن حكيم عن أبيه، وقد تابعه الجريري، فرواه عن
حكيم بن معاوية وصح به الحديث ولم يخرجاه، وقد رواه أبو قزعة الباهلي أيضاً عن
حكيم بن معاوية".
قلت:
ورواه عروة بن رُويم اللخميّ، عن معاوية بن حيدة جدّ بهز، مثله. أخرجه ابن عساكر
في «تاريخه» (1/95).
والخلاصة
أن حديث بهز مخالف لحديث غيره، وهو ضعيف.
·
حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -:
روى
ابن عساكر في «تاريخه» (1/267) من طريق العباس بن الوليد بن مزيد، قال:
أخبرني أبي، قال: أخبرنا سعيد بن عبدالجبار، عن أرطأة بن المنذر، قال: حدثني
معاوية بن فروة، عن عبدالله بن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا هلك
أهل الشام فلا خير في أمتي، ولا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين لا يبالون
خلاف من خالفهم - أو خذلان من خذلهم - حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، وهو يشير
إلى الشام».
قلت:
تفرد به سعيد بن عبدالجبار الحمصي، وهو متهم بالكذب، وليس بشيء.
قال
قتيبة: "رأيته بالبصرة، وكان جرير يُكذبه".
وقال
علي بن المديني: "لم يكن بشيء، وكان حدثنا بشيء وأنكرنا عليه بعد ذاك، فجحد
أن يكون حدثنا".
وقال
أبو حاتم: "ليس بقوي، مضطرب الحديث".
وقال
النسائي: "ليس بثقة".
قلت:
ومعاوية بن فروة هذا مجهول العين والحال، ولا يعرف اسمه إلا في هذا الحديث!!
·
حديث عمر بن الخطاب - رضي الله
عنه -:
روى
الحاكم في «المستدرك» (4/593) قال: أخبرني أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه - ببخارى
- قال: أنبأنا صالح بن محمد بن حبيب الحافظ، قال: حدثنا عبدالله بن عمر بن ميسرة،
قال: حدثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن أبي الأسود الديلي، قال:
انطلقت أنا وزرعة بن ضمرة الأشعري إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فلقينا عبدالله
بن عمرو، فقال: يوشك أن لا يبقى في أرض العجم من العرب إلا قتيل أو أسير يحكم في
دمه، فقال زرعة: أيظهر المشركون على الإسلام؟ فقال: ممن أنت؟ قال: من بني عامر بن
صعصعة، فقال: لا تقوم الساعة حتى تدافع نساء بني عامر على ذي الخلصة، وثن كان يسمى
في الجاهلية، قال: فذكرنا لعمر بن الخطاب قول عبدالله بن عمرو، فقال عمر ثلاث مرار:
عبدالله بن عمرو أعلم بما يقول، فخطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم الجمعة، فقال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورين
حتى يأتي أمر الله»، قال: فذكرنا قول عمر لعبدالله بن عمرو، فقال: صدق نبي الله
صلى الله عليه وسلم إذا كان ذلك كالذي قلت.
قال
الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه".
·
وهم للحاكم:
قلت:
كيف يكون صحيحاً، ولا يُعرف أن قتادة سمع من أبي الأسود الدؤلي. بل إن قتادة قد
رواه بإسناد آخر فيه انقطاع.
رواه
أبو داود الطيالسي في «مسنده» (ص9) قال: حَدَّثَنَا همَّامٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ الرَّبِيعِ
الْعَدَوِيِّ، قَالَ: لَقِينَا عُمَرَ فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّ عَبْدَاللَّهِ بنَ
عَمْرٍو حَدَّثَنَا بِكَذَا وَكَذَا فَقَالَ عُمَرُ: عَبْدُاللَّهِ بنُ عَمْرٍو
أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُ قَالَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ جَامِعَةً
فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ فَخَطَبَهُمْ عُمَرُ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ
أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».
فهنا
يرويه قتادة عن عبدالله بن بريدة عن سليمان بن الربيع، فتكون رواية هشام عن قتادة
عن أبي الأسود منقطعة قولاً واحداً.
وقد
أعلّ البخاري هذه الرواية في «التاريخ الكبير» (4/12)، فإنه أورد الحديث في
ترجمة "سليمان بن ربيع العدوي"، ثم قال: "ولا يُعرف سماع قتادة من ابن
بريدة، ولا ابن بريدة من سليمان".
قلت:
يعني أنه مرسل، والذي يظهر أن قتادة دلّسه؛ فإنه كان يرويه هكذا، ويرسله أحياناً،
والله أعلم.
والعجيب
أن الحاكم قد رواه أيضاً في «المستدرك» (4/496) من طريق همام بن يحيى، عن
قتادة، عن ابن بريدة، عن الربيع!
·
وهم للضياء المقدسي ومحقق كتابه
المختارة!
وحديث
معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أبي الأسود رواه الضياء المقدسي في «المختارة»
(1/250) من طريق أبي يعلى الموصلي، عن أبي خيثمة، عن معاذ بن هشام. مصححاً إياه!
وكذا صححه محقق الكتاب، فقال: "إسناده صحيح".
وهذا
فيه نظر!
·
مناقشة الطبري في دفعه لعلة
الحديث!
وقد
ساق الطبري في «تهذيب الآثار» (2/814) هذا الحديث في مسند عمر. رواه عن محمد
بن بشار وقتادة بن سعد بن قتادة السدوسي، قالا: حدثنا معاذ بن هشام، به.
قال
الطبري: "وهذا خبر عندنا صحيح سنده لا علة فيه توهنه، ولا سبب يضعفه لعدالة
من بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من نقلته ورواته، وقد يجب أن يكون على
مذهب الآخرين سقيماً غير صحيح لعلتين:
إحداهما:
اضطراب نقلته في سنده، فمن راويه فقائل فيه في روايته: عن قتادة، عن ابن بريدة، عن
سليمان بن الربيع، عن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن راويه، فقائل في
روايته: عن قتادة، عن عبدالله بن أبي الأسود، عن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
والأخرى:
أن قتادة عندهم من أهل التدليس معروف عندهم بذلك، وغير جائز عندهم أن يحتج من
رواية المدلس وإن كان عدلاً إلا بما قال فيه: حدثنا، أو سمعت، وما أشبه ذلك مما
يدل على سماعه.
ثم
دفع هاتين العلتين، بأنه جاء في بعض الروايات صيغة سماع قتادة من عبدالله بن أبي
الأسود، وكذلك بأن له بعض الشواهد تحت عنوان: "ذكر من وافق عمر في رواية هذا الخبر
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة".
وساقه
من طريق أبي اليمان، عن إسمعيل بن عياش، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، قال:
حدثنا عبدالله بن أبي الأسود، قال: انطلقنا أنا وزرعة بن ضمرة وعبدالله بن قيس.
ثم
ساقه من طريق سليمان بن عبدالرحمن الدمشقي: حدثنا إسمعيل بن عياش، قال: حدثني نافع
بن عامر وسعيد بن بشير، عن قتادة قال: أنبأنا عبدالله بن أبي الأسود، عن عمر، عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثله.
قلت:
فكأن الطبري - رحمه الله - يرى أن قتادة سمعه من أبي الأسود الدؤلي! وكأنه عنده
هو: عبدالله بن أبي الأسود، لوجود صيغة التحديث في رواية إسماعيل بن عيّاش!
وهذا
فيه نظر! فوجود مثل هذه الصيغ في بعض النسخ أو الكتب قد يكون خطأ من النساخ أو من
بعض الرواة، وهذا باب في العلل يسمى بالسماع الذي لا يصح.
وأبو
الأسود الدؤلي اسمه: "ظالم بن عمرو" لا "عبدالله بن أبي الأسود"!
فهذا خطأ من إسماعيل بن عياش، فإذا أخطأ في اسم من حدث قتادة عنه، فكيف لا يخطئ في
ذكر السماع أو التحديث!
فرواية
إسماعيل بن عيّاش معلولة من وجهين: الأول أنه سمى أبا الأسود: عبدالله بن أبي الأسود،
والثاني: ذكر صيغة التحديث في الإسناد، وغيره ممن هو أوثق منه خالفه في ذلك.
وطريقة
الطبري في رد العلل التي يذكرها في كتابه تهذيب الآثار عجيبة، تحتاج لمتابعة
دقيقة، وردها عنده ليس بذاك الرد المحقق.
·
وهم للخطيب البغدادي!
وقد
اعتمد الخطيب البغدادي على رواية إسماعيل بن عياش، فقال في «غنية الملتمس إيضاح
الملتبس» (1/224): "عبدالله بن أبي الأسود: حديثه في الشاميين، حدث عن عمر بن
الخطاب، روى عنه قتادة بن دعامة".
قلت:
وهذا خطأ من الخطيب؛ فإن رواية إسماعيل بن عياش فيها خطأ، والحديث يرويه قتادة عن
أبي الأسود الدؤلي، ولا يوجد رجل اسمه "عبدالله بن أبي الأسود" يروي عنه
الشاميين.
·
تصحيح الألباني لهذا الحديث!
والحديث
ذكره الألباني في «سلسلته الصحيحة» برقم (1956)، ثم قال: "أخرجه
الحاكم (4/449) والطيالسي (ص 9 رقم 38) وعنه الدارمي (2/213) وكذا الضياء رقم (120
و 121 بتحقيقي) عن همام حدثنا قتادة، عن عبدالله بن بريدة، عن سليمان بن الربيع
العدوي، عن عمر بن الخطاب مرفوعاً. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ووافقه
الذهبي. قلت: ورجاله ثقات رجال الستة غير الربيع بن سليمان العدوي فلم أعرفه. ولقتادة
فيه إسناد آخر، رواه الحاكم أيضاً (4/550) عن معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن
أبي الأسود الديلي قال: انطلقت أنا وزرعة بن ضمرة الأشعري إلى عمر بن الخطاب رضي
الله عنه، فلقينا عبد الله بن عمرو، فقال: "يوشك...
قلت.
وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم". وفي "التلخيص" للذهبي:
"على شرط البخاري ومسلم". وهو الصواب، فإن رجاله كلهم من رجال الشيخين.
والحديث
أورده في: "المجمع" (7/288) باللفظ الأول، وقال: "رواه الطبراني في
(الصغير) (1) و (الكبير)، ورجال الكبير رجال الصحيح". ويشهد له الحديث الذي
قبله وأحاديث أخرى بنحوه يأتي بعضها بعده" انتهى كلام الشيخ.
قلت:
قد بيّنت علل هذا الحديث! والشيخ الألباني يأخذ بظواهر الأسانيد دون النظر في
عللها! وقد أعلّه البخاري كما تقدم.
وأما
نسبة أن الذهبي يوافق الحاكم فليس بصحيح، وإنما هو ملخص فقط لكلام الحاكم،
وأحياناً يتعقبه، وأحياناً لا يعلّق، ولا يُنسب لساكت قول.
·
حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه
-:
رواه
ابن عساكر في «تاريخه» (1/267) من طريق سُلَيْمَان بن سَلَمَةَ
الْخَبَائِرِيُّ، عن بقية بن الوليد، عن حشرج بن نباتة: حدثني سيار أبو الحكم، عن
شهر بن حوشب، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال
طائفة من أمتي ظاهرين على الحق يقذف الله بهم كل مقذف، يقاتلون فضول الضلالة، لا
يضرهم من خالفهم حتى يقاتلوا الأعور الدجال، وأكثرهم أهل الشام».
قلت:
حديث باطل بهذا اللفظ! والخبائري هذا ليس بشيء متروك، وهو متهم بالكذب.
·
حديث سلمة بن نُفيل:
رواه
أحمد في «مسنده» (4/104) قال: حدثنا الْحَكَمُ بن نَافِعٍ، قال: حدثنا
إِسْمَاعِيلُ بن عَيَّاشٍ، عن إبراهيم بن سُلَيْمَانَ الأفطس الدمشقي، عَنِ
الْوَلِيدِ بن عبدالرحمن الجرشي، عن جُبَيْرِ بن نُفَيْرٍ: أن سَلَمَةَ بن
نُفَيْلٍ أَخْبَرَهُمْ: أنه أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: إني سَئِمْتُ
الْخَيْلَ وَأَلْقَيْتُ السِّلاَحَ وَوَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، قلت: لا
قِتَالَ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «الآنَ جاء الْقِتَالُ، لاَ تَزَالُ
طَائِفَةٌ من أمتي ظَاهِرِينَ على الناس، يَرْفَعُ الله قُلُوبَ أَقْوَامٍ
فَيُقَاتِلُونَهُمْ وَيَرْزُقُهُمُ الله منهم، حتى يأتي أَمْرُ اللَّهِ عز وجل
وَهُمْ على ذلك، ألا إن عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ، وَالْخَيْلُ
مَعْقُودٌ في نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
ورواه
البزار في «مسنده» (9/150) عن محمد بن مسكين، عن عبدالله بن يوسف، عن عبداللَّهِ
بن سَالمٍ الْحِمْصِيّ، عن إبراهيم بن سليمان الأفطس، به. وزاد فيه: «وقال - وهو
مُوَلٍّ ظَهْرَهُ إلى الْيَمَنِ - إني أَجِدُ نَفَسَ الرحمن من ها هنا» ولم يذكر
الشام.
قال
البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أحداً يرويه بهذه الألفاظ إلا سلمة بن نفيل، وهذا
أحسن طريقاً يروى في ذلك عن سلمة، ورجاله رجال معروفون من أهل الشام مشهورون، إلا
إبراهيم بن سليمان الأفطس".
ورواه
النسائي في «سننه» (3/35) من طريق خَالِد بن يَزِيدَ بنِ صَالِحِ بنِ
صَبِيحٍ الْمُرِّيّ، عن إِبْرَاهِيم بن أَبِي عَبْلَةَ، عن الوليد بن عبدالرحمن،
به.
ورواه
الطبراني في «المعجم الكبير» (7/52) من طريق هَانِئ بن عبدالرحمن بن أبي
عَبْلَةَ، عن عَمِّهِ إبراهيم بن أبي عَبْلَةَ، به.
ورواه
أيضاً (7/53) من طريق صفوان بن صالح، عن الْوَلِيد بن مُسْلِمٍ، عن محمد بن
مُهَاجِرٍ: أَنَّ الْوَلِيدَ بن عبدالرحمن حدّثه، عن جُبَيْرِ بن نُفَيْرٍ، عن
سَلَمَةَ بن نُفَيْلٍ، قال: قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم: «عُقْرُ
دَارِ الإِسْلامِ بِالشَّامِ».
فالحديث
رواه إبراهيم بن سليمان الأفطس، وإبراهيم بن أبي عبلة، ومحمد بن مهاجر الشاميّ،
كلهم عن الوليد بن عبدالرحمن الجُرشيّ، عن جُبير بن نفير، عن سلمة بن نفيل.
قلت:
وقد تُوبع الوليد عليه، تابعه نصر بن علقمة.
رواه
النسائي في «السنن الكبرى» (5/218) عن هشام بن عمّار، عن يحيى بن حمزة
الدمشقيّ، قال: حدثني أبو علقمة نصر بن علقمة، عن جُبَيْرِ بن نُفَيْرٍ، عن
سَلَمَةَ بن نُفَيْلٍ قال: «بَيْنَمَا أنا جَالِسٌ عِنْدَ رسول اللَّهِ صلى
اللَّهُ عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْخَيْلَ
قد سُيِّبَتْ، وَوُضِعَ السِّلاحُ، وَزَعَمَ أَقْوَامٌ أَنْ لا قِتَالَ وَأَنْ قد
وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم:
كَذَبُوا، فَالآنَ جاء الْقِتَالُ، وَلا تَزَالُ طَائِفَةٌ من أُمَّتِي
يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ لا يَضُرُّهُمْ من خَالَفَهُمْ، يُزِيغُ اللَّهُ
قُلُوبَ قَوْمٍ لِيَرْزُقَهُمْ منهم، وَيُقَاتِلُونَ حتى تَقُومَ السَّاعَةُ، وَلا
يَزَالُ الْخَيْلُ مَعْقُودًا في نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ حتى تَقُومَ السَّاعَةُ،
وَلا تَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا حتى يَخْرُجَ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ».
ورواه
الطبراني في «المعجم الكبير» (7/53):6360 حدثنا أَحْمَدُ بن يحيى بن
حَمْزَةَ الدِّمَشْقِيُّ حدثني أبي عن أبيه، عن نصر بن علقمة، به.
قلت:
لكن نصر بن علقمة لم يدرك جبير بن نفير.
قال
أبو حاتم: "نصر بن علقمة لم يدرك جبير بن نفير، هو مرسل".
ولفظ
حديثه ليس فيه ما في حديث الوليد بن عبدالرحمن: «وقال - وهو مُوَلٍّ ظَهْرَهُ إلى
الْيَمَنِ - إني أَجِدُ نَفَسَ الرحمن من ها هنا»، و«عُقْرُ دَارِ الإِسْلامِ
بِالشَّامِ»! وهذه الألفاظ فيها نكارة، ولا توجد إلا في هذا الحديث.
وعليه
فيكون الحديث تفرد به الوليد عن جبير عن سلمة! والوليد جيد الحديث، أخرج له مسلم
حديثاً واحداً متابعة عن جبير بن نفير عن النواس بن سمعان.
وهو
يتفرد بأحاديث عن جبير بن نفير عن بعض الصحابة!
ولا
نعرف لجبير بن نفير سماعاً من سلمة بن نُفيل! ولم يرو عنه إلا هذا الحديث، وقد قال
الإمام الذهبي أنه: "ربما دلس عن كبار الصحابة".
وقد
أشار البخاري إلى ضعف هذا الحديث، فإنه ذكره في ترجمة «سلمة بن نفيل» من «التاريخ
الكبير» (4/70) قال: "سَلَمَةُ بن نُفَيْلٍ السَّكُونِيُّ، الشامي، له
صحبة، ويقال: التَّرَاغِمِيُّ. حدثنا عبدالله بن يوسف: حدثنا عبدالله بن سالم: حدثنا
إبراهيم بن سليمان الأفطس، عن الوليد بن عبدالرحمن الجرشي، عن جبير بن نفير:
أخبرني سلمة بن نفيل السكوني..."، وساق الحديث بطوله.
قلت:
من خلال استقراء منهج الإمام البخاري في تاريخه الكبير؛ فإنه يورد بعض الأحاديث في
ترجمة الراوي من أجل تضعيفه، وأنه لم يثبت عنه، وخاصة إذا كان ذلك في ترجمة
الصحابي الذي لا يعرف عنه إلا حديث أو اثنين، وهو هنا أثبت صحبة سلمة، ثم ساق هذا
الحديث ليبين عدم ثبوته عنه، والله أعلم.
·
وهم لداود بن رشيد!
الحديث
رواه سليمان بن عبدالرحمن الدمشقي، وهشام بن عمّار، وأبو الوليد القرشي أحمد بن
عبدالرحمن، كلّهم عن الوليد بن مسلم، عن محمد بن مهاجر الأنصاري، عن الوليد بن
عبدالرحمن الجرشي، عن جبير بن نفير، عن سلمة بن نفيل الحضرمي.
وخالفهم
داود بن رشيد، فرواه عن الوليد بن مسلم، فجعله من «مسند نواس بن سمعان» فوهم فيه.
رواه
ابن حبان في «صحيحه» (16/296) عن أبي يعلى الموصلي، عن داود بن رشيد، عن
الوليد بن مسلم، عن محمد بن مهاجر، عن الوليد بن عبدالرحمن الجرشي، عن جبير بن
نفير، عن النواس بن سمعان، قال: فتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح فأتيته...
الحديث.
وهكذا
رواه أبو القاسم البغوي عن داود.
أخرجه
ابن عساكر في «تاريخه» (1/117).
·
تصحيح الألباني لحديث سلمة بن
نُفيل!
ذكر
الألباني هذا الحديث في «سلسلته الصحيحة» برقم (1961)، وقال: "أخرجه أحمد (4/104)
من طريق إسماعيل بن عياش عن إبراهيم بن سليمان عن الوليد بن عبدالرحمن الجرشي عن
جبير بن نفير: أن سلمة بن نفيل أخبرهم...
وهذا
إسناد شامي حسن، رجاله كلهم موثقون. وقد جاء من طريق أخرى عن الجرشي بلفظ:
"لا تزال من أمتي" وقد مضى ذكره تحت الحديث (1935)" انتهى كلامه.
قلت:
الحديث ليس بحسن، وهو معلول كما بينت.
·
حديث أبي أُمامة: «بِبَيْتِ
الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ»:
قال
عبدالله بن أحمد كما في «المسند» (5/269): وجَدْتُ في كِتَابِ أبي بِخَطِّ
يَدِهِ: حدثني مهدي بن جَعْفَرٍ الرملي، قال: حدثنا ضَمْرَةُ، عن السَّيْبَانِيِّ -
وَاسْمُهُ يحيى بن أبي عَمْرٍو -، عن عَمْرِو بن عبداللَّهِ الحضرمي، عن أبي
أُمَامَةَ، قال: قال رسول اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ من أمتي على الدِّينِ ظَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ
قَاهِرِينَ لاَ يَضُرُّهُمْ من خَالَفَهُمْ إلا ما أَصَابَهُمْ من لأْوَاءَ، حتى
يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ،
وَأَيْنَ هُمْ؟ قال: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ».
ورواه
الطبري في «تهذيب الآثار» (مسند عمر بن الخطاب) (2/823)، والحسين المحاملي
في «الأمالي» (ص424) كلاهما عن أحمد بن الفرج الحمصي، عن ضمرة بن ربيعة،
به.
والطبراني
في «المعجم الكبير» (8/145) وفي «مسند الشاميين» (2/27) من طريق أبي
عُمَيْرٍ عِيسَى بن مُحَمَّدِ بن إِسْحَاق النَّحَّاس، عن ضَمْرَة بن رَبِيعَة،
به.
كذا
رواه ضمرة بن ربيعة الرمليّ، عن أبي زرعة السَّيْبَانِيِّ، عن عمرو بن عبدالله
الحضرمي، عن أبي أمامة.
وخالفه
عبّاد بن عبّاد الرمليّ، فرواه عن السَّيْبَانِيِّ، عن الوعلاني، عن كريب السحولي،
عن مُرة البهزيّ!
رواه
الطبراني في «المعجم الكبير» (20/317) قال: حدثنا حُصَيْنُ بن وَهْبٍ
الأُرْسُوفِيُّ، قال: حدثنا زَكَرِيَّا بن نَافِعٍ الأُرْسُوفِيُّ، قال: حدثنا
عَبَّادُ بن عَبَّادٍ الرَّمْلِيُّ، عن أبي زُرْعَةَ السَّيْبَانِيِّ، عن أبي
زُرْعَةَ الْوَعْلانِيِّ، عن كُرَيْبٍ السَّحُولِيِّ قال: حدثني مُرَّةُ
الْبَهْزِيُّ أَنَّهُ سمع رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول: «لا
تَزَالُ طَائِفَةٌ من أُمَّتِي على الْحَقِّ ظَاهِرِينَ على من نَاوَأَهُمْ وَهُمْ
كَالإِنَاءِ بين الأَكَلَةِ حتى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ، قُلْنَا
يا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قال: بِأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. قال:
وَحَدَّثَنِي أن الرملة هِيَ الرَّبْوةُ ذلك أنها مُغَرِّبَةٌ وَمُشَرِّقَةٌ».
ورواه
ابن عساكر في «تاريخه» (1/210) من طريق أبي يحيى زكريا بن نافع الأرسوفي
ومحمد بن عبدالعزيز الرملي، قالا: حدثنا عباد بن عباد أبو عتبة، عن أبي زرعة، عن
أبي وعلة - شيخ من عك – قال: قدم علينا كريب من مصر يريد معاوية فزرناه، فقال: ما
أدري عدد ما حدثني مرة البهزي في خلاء وجماعة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول، فذكره.
قلت:
اختلف على أبي زرعة السيباني، ويشبه أن يكون إسناد عباد بن عباد أقرب للصواب!
وعلى
كلا الإسنادين، فالحديث منكر!
والأحاديث
التي يرويها السيباني عن عمرو بن عبدالله عن أبي أمامة منكرة! وقد أشار إلى ذلك
الإمام البخاري لما ترجم لعمرو في «التاريخ الكبير» (6/349) قال: "عمرو بن
عبدالله الحضرمي أبو عبدالجبار الشامي، عن أبي أمامة رضي الله عنه، روى عنه يحيى
بن أبي عمرو السيباني الشامي".
وهذا
الشيخ الذي من عك رجل مجهول!
وقد
روى الطبراني في «المعجم الأوسط» (7/8) جزءاً من هذا الحديث فيما يتعلق
بالرملة من طريق رواد بن الجراح، عن عباد بن عباد، به.
ثم
قال: "لا يروى هذا الحديث عن مرة إلا بهذا الإسناد! تفرد به عباد بن عباد".
قلت:
الحديث منكر جداً! والذين يروونه من أهل الرملة، والحديث في فضل الرملة وغيرها،
فهذا مما لا يُقبل منهم.
ولا
يعني أننا نتهمهم فيه، وإنما قد يكون منتشراً عندهم؛ لأنه في فضل بلدهم، فيرويه
بعضهم عن المجاهيل! كأبي وعلة هذا.
·
كلام أهل العلم عن هذه الطائفة:
ذهب
جمعٌ من العُلَمَاء أن هذه الطائفة المنصورة هم أهل الحديث، كما قاله ابن المبارك،
ويزيد بن هارون، وأحمد بن حنبل، وعلي ابن المديني، والبخاري، وغيرهم.
روى
عثمان بن سعيد الدارمي قال: قال علي بن المديني في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
«لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم»، هم أهل الحديث،
والذين يتعاهدون مذاهب الرسول ويذبّون عن العلم، لولاهم لم تجد عند المعتزلة
والرافضة والجهمية وأهل الإرجاء والرأي شيئاً من السنن".
قال
أبو بكر الخطيب بعد أن روى هذا: "فقد جعل رب العالمين الطائفة المنصورة حرّاس
الدين، وصرف عنهم كيد المعاندين؛ لتمسكهم بالشرع المتين، واقتفائهم آثار الصحابة
والتابعين، فشأنهم حفظ الآثار، وقطع المفاوز والقفار، وركوب البراري والبحار في
اقتباس ما شرع الرسول المصطفى، لا يعرجون عنه إلى رأي، ولا هوى، قبلوا شريعته قولاً
وفعلاً، وحرسوا سنته حفظاً ونقلاً حتى ثبتوا بذلك أصلها، وكانوا أحق بها وأهلها،
وكم من ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها والله تعالى يذب بأصحاب الحديث
عنها فهم الحفاظ لأركانها والقوامون بأمرها وشأنها، إذا صدف عن الدفاع عنها فهم
دونها يناضلون، أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون". [شرف أصحاب
الحديث: ص10].
وقال
الإمام أحمد: "إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم".
قال
القاضي عياض: "إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث".
قال
النووي معقباً على ذلك: "قلت: ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع
المؤمنين، منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد وآمرون
بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير ولا يلزم أن يكونوا
مجتمعين، بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض، وفى هذا الحديث معجزة ظاهرة فان
هذا الوصف ما زال بحمد الله تعالى من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن".
[شرح النووي على صحيح مسلم: 13/67].
وقال
الإمام البخاري في «صحيحه» (6/2667): "باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه
وسلم: لا تَزَالُ طَائِفَةٌ من أُمَّتِي ظَاهِرِينَ على الْحَقِّ، وَهُمْ
أَهْلُ الْعِلْمِ".
وقال
في كتاب «خلق أفعال العباد» (ص:60) بعد أن ذكر حديثاً فيه قول الله عز وجلّ: {وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ
الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}: "هُمُ الطَّائِفَةُ الَّتِي قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ
أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ».
ثم
ساق الحديث من طريق الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، ثم قال: "وَيُرْوَى نَحْوُهُ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمُعَاوِيَةَ، وَجَابِرٍ، وَسَلَمَةَ بنِ نُفَيْلٍ،
وَقُرَّةَ بنِ إِيَاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
ثم
قال: "وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ
اخْتِلَافٌ، إِلَى زَمَنِ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ،
وَعُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ ثُمَّ بَعْدَهُمْ ابنُ عُيَيْنَةَ فِي أَهْلِ
الْحِجَازِ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، وَعَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ فِي
مُحَدِّثِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَعَبْدُاللَّهِ بنُ إِدْرِيسَ، وَحَفْصُ بنُ
غِيَاثٍ، وَأَبُو بَكْرِ بنُ عَيَّاشٍ، وَوَكِيعٌ وَذَوُوهُمْ ابنُ الْمُبَارَكِ
فِي مُتَّبِعِيهِ، وَيَزِيدُ بنُ هَارُونَ فِي الْوَاسِطِيِّينَ إِلَى عَصْرِ مَنْ
أَدْرَكْنَا مِنْ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ،
وَالْعِرَاقِيِّينَ، وَأَهْلِ الشَّامِ، وَمِصْرَ، وَمُحَدِّثِي أَهْلِ خُرَاسَانَ،
مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ فِي مُنْتَابيَّهَ، وَأَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ
بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي مُجْتَبِيَّهَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ
مَعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَبُو مُسْهِرٍ فِي الشَّامِيِّينَ، وَنُعَيْمُ بْنُ
حَمَّادٍ مَعَ الْمِصْرِيِّينَ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مَعَ أَهْلِ
الْبَصْرَةِ، وَالْحُمَيْدِيُّ مِنْ قُرَيْشٍ، وَمَنْ أَتَّبعَ الرَّسُولَ مِنَ
الْمَكِّيِّينَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي أَهْلِ اللُّغَةِ،
وَهَؤُلَاءِ الْمَعْرُوفُونَ بِالْعِلْمِ فِي عَصْرِهِمْ بِلَا اخْتِلَافٍ
مِنْهُمْ، أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ، إِلَّا مَنْ شَذَّهَا، أَوْ أَغْفَلَ
الطَّرِيقَ الْوَاضِحَ فَعَمِيَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ مَرَدَّهُ إِلَى الْكِتَابِ
وَالسُّنَّةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ
فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]".
قلت:
من أهل العلم من ربط هذه الطائفة بالرواية التي تقدمت عند الإمام مسلم: «لا
يزال أهل الغرب»، ثمّ حددوا مكانها في الشام! وذهب بعضهم إلى أن المقصود بالغرب
هم أهل القوة، وهم العرب.
ذكر
يعقوب بن شيبة، عن علي بن المديني قال: "المراد بالغرب: الدلو، أي الغرب؛ لأنهم
أصحابها لا يستقى بها أحد غيرهم".
وتعقبه
القاضي عياض، فقال: "لكن في حديث معاذ: وهم أهل الشام، فالظاهر أن المراد
بالغرب البلد؛ لأن الشام غربي الحجاز".
ونقله
ابن حجر، ثم قال: " كذا قال! وليس بواضح، ووقع في بعض طرق الحديث: المغرب
بفتح الميم وسكون المعجمة، وهذا يرد تأويل الغرب بالعرب؛ لكن يحتمل أن يكون بعض
رواته نقله بالمعنى الذي فهمه أن المراد الإقليم لا صفة بعض أهله، وقيل: المراد
بالغرب أهل القوة والاجتهاد في الجهاد، يقال في لسانه غَرْب، بفتح ثم سكون، أي حدة،
ووقع في حديث أبي أمامة عند أحمد: أنهم ببيت المقدس، وأكناف بيت إلى المقدس،
وللطبراني من حديث النهدي نحوه، وفي حديث أبي هريرة في الأوسط للطبراني: يقاتلون
على أبواب دمشق وما حولها، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله لا يضرهم من خذلهم
ظاهرين إلى يوم القيامة. قلت: ويمكن الجمع بين الأخبار بأن المراد قوم يكونون ببيت
المقدس وهي شامية ويسقون بالدلو، وتكون لهم قوة في جهاد العدو وحدة وجدّ".
وقد
تقدّم أن مالك بن يخامر قال: قال معاذ: "هم بالشام".
وكذا
مُطَرِّفٌ لما روى الحديث: "فنَظَرْتُ فِي هذِهِ الْعِصَابَةِ فَإِذَا هُمْ
أَهْلُ الشَّامِ".
وفي
حديث «خَيْرُ الأَرْضِ مَغَارِبُهَا»، ذَكَرَ يَحْيَى بنُ عُمَرَ، عَنْ أَحْمَدَ
بنِ عِمْرَانَ الأَخْفَشِ: أَنَّ الْمَغَارِبَ الَّتِي عُنِيَتْ فِي هذَا
الْحَدِيثِ: "الشَّامُ".
وورد
في بعض الأحاديث أنهم: بـ "بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِس".
قلت:
ما جاء من تفسير لهذه الطائفة هو اجتهاد من أهل العلم رحمهم الله، ومن حددّ أن هذه
الطائفة في الشام اعتمد على الكلام الذي نقله مالك بن يخامر عن معاذ أنهم بالشام،
وهذا لا يعدو أن يكون اجتهاداً من معاذ رضي الله عنه؛ لأنه لما رأى تلك الفتوحات
في الشام، وكان هو أحد القادة للمجاهدين آنذاك فسّر الطائفة بهم لما جاء في الحديث
أنهم لا يزالون يقاتلون، وهم ظاهرون.
وأما
ما ذكر من رواية "أهل الغرب" فهي شاذة كما فصلته سابقاً، وكذلك الأحاديث
التي فيها تعيين أنهم بالشام، أو في بيت المقدس، أو أكناف بيت المقدس! فكلّ ذلك لم
يصح.
·
فقه حديث الطائفة المنصورة:
جاء
في حديث ثوبان: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ من أُمَّتِي ظَاهِرِينَ على الْحَقِّ
لَا يَضُرُّهُمْ من خَذَلَهُمْ حتى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ، وَهُمْ كَذَلِكَ».
وحديث
المغيرة: «لا تزال طَائِفَةٌ من أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حتى يَأْتِيَهُمْ
أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ». وفي بعض الروايات: «لا يَزَالُ نَاسٌ»
أو: «لَنْ يَزَالَ قَوْمٌ» ونحوها بتقديم أو تأخير حرف.
وفي
بعض الروايات «لا تزَالُ عصابة».
فهذه
كلمات مترادفة، وقد جاء استخدام بعضها في القرآن الكريم، ولأهل العلم في مسألة
وقوع الترادف بين ألفاظ القرآن وعدمه قولان، الراجح انتفاء وقوعه، وهذا ما رجحه
شيخ الاسلام ابن تيمية - رحمه الله -.
ومما
يوهم الترادف بين ألفاظ الذكر الحكيم جملة كلمات تدل على الجمع، وفيما يلي بيان
الفرق بينها:
الأمة: تطلق على كلّ جمع بينهم قاسم
مشترك، كالدّين واللغة أو غير ذلك، ومنه قوله تعالى: {وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي
الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ مَا
فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ(38)}
[الأنعام].
الفريق: أفراد من جمع، ومنه قوله تعالى:
{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ
يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ
يَعْلَمُونَ (75)} [البقرة]، فالتحريف لم يقع من كلّ أهل الكتاب، وإنما وقع من
أحبارهم.
عُصبة: جمع من الناس يتعصبون لشيء،
ومنه العصابة تطلق على أربعين، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جاؤُا
بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ (11)} [النّور]، وقوله تعالى: {إِذْ قَالُوا
لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ
أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(8)} [يوسف].
النَّفر: جماعة يستنفروا لأمر فينفرون له:
{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي
الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ
يَحْذَرُونَ(122)} [التوبة]. {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ
الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً(1)} [الجن].
الرهط: جمع من الناس اختلف في عددهم،
فقيل: من ثلاث إلى أربعين، وقيل إلى تسع، ومنه قوله تعالى: {وَكانَ فِي
الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ(48)}
[النمل].
قال
العسكري في «الفروق اللغوية» (ص:280) مبيناً: (الْفرق بَين النَّفر والرهط):
"أَن النَّفر الْجَمَاعَة نَحْو الْعشْرَة من الرِّجَال خَاصَّة ينفرون لقِتَال
وَمَا أشبهه، ومه قَوْله عز وَجل {مَا لكم إِذا قيل لكم انفروا فِي سَبِيل الله
أثاقلتم إِلَى الأَرْض}، ثمَّ كثر حَتَّى سموا نَفرا وَإِن لم ينفروا والرهط
الْجَمَاعَة نَحْو الْعشْرَة يرجعُونَ إِلَى أَب وَاحِد وَسموا رهطا تسبها بالرهط
الَّذِي هُوَ قطعه شققت سيورا، وَلم تقطع أطرفها مثل الشّرك فَتكون فروعها شَتَّى
وَأَصلهَا وَأحد تلبسها الْجَارِيَة يُقَال لَهَا رَهْط، وَالْجمع رهاطت قَالَ
الْهُذلِيّ من الوافر: (وَطعن مثل تعطيط الرهاط ...)، وَتقول ثَلَاثَة رَهْط
وَثَلَاثَة نفر لِأَنَّهُ اسْم لجَماعَة وَلَو كَانَ اسْما وَاحِدًا لم تجز
إِضَافَة الثَّلَاثَة إِلَيْهِ كَمَا لَا يجوز أَن تَقول رجل وَثَلَاثَة فلس
وَقَالَ عز وَجل: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَة تِسْعَة رَهْط} على التَّذْكِير؛
لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ جمَاعَة فَإِن لَفظه مَذْكُور مُفْرد، فَيُقَال: تِسْعَة
على اللَّفْظ، وَجَاء فِي التَّفْسِير أَنهم كَانُوا تِسْعَة رجال، وَالْمعْنَى
على هَذَا: وَكَانَ فِي الْمَدِينَة تِسْعَة من رَهْط".
الملأ: جمعٌ من الناس لهم مهابة تملأ
عيون الآخرين، ولهذا أطلق على قوم فرعون ملأً.
قال
العسكري في «الفروق اللغوية» (ص:280) مبيناً: (الْفرق بَين الْجَمَاعَة وَالْمَلَأ):
"أَن الْمَلأ: الاشراف الَّذين يملأون الْعُيُون جمالاً، والقلوب هَيْبَة،
وَقَالَ بَعضهم: الْمَلأ الْجَمَاعَة من الرِّجَال دون النِّسَاء، وَالْأول
الصَّحِيح، وَهُوَ من مَلَأت، وَيجوز أَن يكون الملأ الْجَمَاعَة الَّذين يقومُونَ
بالأمور من قَوْلهم هُوَ مَلِيء بِالْأَمر، إِذا كَانَ قَادر عَلَيْهِ، والمعنيان
يرجعان إِلَى أصل وَاحِد وَهُوَ الملء".
القوم: جماعة من الرّجال فقط، وعند
انفراد اللفظ يدخل فيها النساء، ومنه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا
نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا
أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ
الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(11)} [الحجرات].
قال
العسكري: "وَالْقَوْم هم الرِّجَال الَّذين يقوم بَعضهم مَعَ بعض فِي
الْأُمُور، وَلَا يَقع على النِّسَاء إِلَّا على وَجه التبع كَمَا قال عز وَجل {كذبت
قوم نوح الْمُرْسلين}، وَالْمرَاد الرِّجَال وَالنِّسَاء تبع لَهُم، الشَّاهِد على
مَا قُلْنَاهُ قَول زُهَيْر من الوافر:
(وَمَا
أَدْرِي وسوف إخال أَدْرِي ... أقوم آل حصن أم نسَاء)
فَاخْرُج
النِّسَاء من الْقَوْم".
الفئة: جماعة من الناس لهم قوة يفيء
إليهم الضعفاء، ومنه قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ
مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ
اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(16)} [الأنفال].
الزمر: جماعة من الناس لها صوت لا يفهم؛
لأنه من الزمر، وهو الصوت، ومنه المزمار، قال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا
إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ
لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ
آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى
وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ(71)} [الزمر].
قال
العسكري في «الفروق اللغوية» (ص:277) مبيناً (الْفرق بَين الْجَمَاعَة والفوج
والثلة والزمرة والحزب): "إن الفوج الْجَمَاعَة الْكَثِيرَة، وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى {وَرَأَيْت النَّاس يدْخلُونَ فِي دين الله أَفْوَاجًا}، وَذَلِكَ أَنهم
كَانُوا يسلمُونَ فِي وَقت وقبلة قَبيلَة ثمَّ نزلت هَذِه الْآيَة، وَمَعْلُوم
أَنه لَا يُقَال للثلة فَوْج كَمَا يُقَال لَهُم جمَاعَة، والثلة الْجَمَاعَة
تنْدَفع فِي الْأَمر جملَة من قَوْلك: ثللت الْحَائِط إِذا نقضت أَسْفَله فَانْدفع
سَاقِطا كُله، ثمَّ كثر ذَلِك حَتَّى سمي كل بشر ثلا، وَمِنْه ثل عَرْشه، وَقيل:
الثلل الْهَلَاك، والزمرة جمَاعَة لَهَا صَوت لَا يفهم، وأصه من الزمار، وَهُوَ
صَوت الْأُنْثَى من النعام، وَمِنْه قيل: الزمرة، وَقرب مِنْهَا الزجلة، وَهِي
الْجَمَاعَة لَهَا زجل، وَهُوَ ضرب من الأصوات، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الزمرة
جمَاعَة فِي تَفْرِقَة، والحزب: الْجَمَاعَة تتحزب على الْأَمر، أَي تتعاون، وحزب
الرجل الْجَمَاعَة الَّتِي تعينة فيقوى أمره بهم وَهُوَ من قَوْلك حزبني الْأَمر
إِذا اشْتَدَّ عَليّ".
طائفة: جماعة من الناس تتردد على مكان
ما، وتدور حوله، وقد تطلق على فرد واحد، ومنه قوله تعالى: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا
يَشْعُرُونَ(69)} [آل عمران].
والمعنى
أن أهل الكتاب وجودهم كان استثنائياً في أرض العرب، يطوفون من مكان لمكان، ولا
يستقرون في مكان.
قال
العسكري في «الفروق اللغوية» (ص:278) مبيناً (الْفرق بَين الْجَمَاعَة والطائفة):
"أَن الطَّائِفَة فِي الأَصْل الْجَمَاعَة الَّتِي من شَأْنهَا الطوف فِي
الْبِلَاد للسَّفر، وَيجوز أَن يكون أَصْلهَا الْجَمَاعَة الَّتِي تستوي بهَا
حَلقَة يُطَاف عَلَيْهَا، ثمَّ كثر ذَلِك حَتَّى سميت كل جمَاعَة طَائِفَة، {وإن
طائفتان من المؤمنين اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا}، وَلَا خلاف فِي أَن اثْنَيْنِ
إِذا اقتتلا كَانَ حكمهمَا هذَا الحكم، وَرُوِيَ فِي قَوْله عز وَجل {وليشهد عذابهما
طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ} أَنه أَرَادَ وَاحِدًا، وَقَالَ يجوز قبُول الْوَاحِد
بِدلَالَة قَوْله تَعَالَى {فلولا نفر من كل فرفة مِنْهَا طَائِفَة} إِلَى أَن
قَالَ {لَعَلَّهُم يحذرون}، أَي ليحذروا فَأوجب الْعَمَل فِي خبر الطَّائِفَة،
وَقد تكون الطَّائِفَة وَاحِدًا".
وأقرب
الروايات إلى الصواب في الحديث: لفظ «طائفة»، فهذه طائفة تدور من مكان إلى
آخر لا تستقر في مكان، وفي معنى الطائفة الاجتماع والحفظ، وهذا يشعر بالأمان
والستر، ففي قوله سبحانه: {وليشهد عذابهما طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ} أراد أن يكون
هؤلاء حول من يُقام عليهم الحد ستراً وحفظاُ لهم، مع تحقق مقصد إقامة الحد: فشرد
بهم من خلفهم.
فهذه
الطائفة تحمل همّ الدّين وتقاتل من أجله، وتنصر شريعته، يطوفون في كلّ مكان، فما
من مكان فيه جهاد إلا أتوه وقاتلوا لإعلاء كلمة الله سبحانه، تتردد هنا وهناك،
تبدأ في مكان وتعود إليه كما في الطواف حول الكعبة، وكما في قوله صلى الله عليه
وسلم في الهرّة: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ، أَوِ
الطَّوَّافَاتِ».
وهذا
لا يعني أن هذه الطائفة تنتقل كلها من مكان إلى آخر بحيث لا تبقى في المكان الذي
كانت فيه من قبل، وإنما قد تكون طائفة هنا، وطائفة هناك، وكذلك يكون لها من ينصرها
ممن هم على نهجها دون مباشرة القتال، فكلهم على نهج واحد = نصرة الدِّين.
وعلى
هذا المعنى تفسير بعض أهل العلم، فقيل في معنى الحديث: إن شوكة أهل الإسلام لا
تزول بالكلية، فإن ضعُف أمره في قطر، قام وعلا في قطر آخر، وقام بإعلائه طائفة من
المسلمين حتى يقاتل آخرهم الدجال. وقيل: المراد به طائفة من المسلمين من المغرب أو
الشام أو الحجاز لا تزال فيهم بقية الذبّ عن دينهم، والتمسك به وإن انفردوا
وخالفهم الغير، والمراد ببقاء ظهورهم على الحق إلى أن تقوم الساعة ظهور حجة ودليل
في الغالب.
وهذا
هو منطوق الحديث، فهناك طائفة تبقى على الحقّ تدافع عنه في كل زمان ومكان إلى أن
تقوم الساعة، ولا يضرها من خالفها، ومفهوم ذلك أنهم قلّة في مقابل من يخالفهم ويقف
ضدهم.
فالمراد
بالحديث طائفة من المسلمين من الشام والحجاز ومصر والعراق والمغرب وغيرها من
الأماكن، علماء وغيرهم، لا تزال فيهم بقية الذبّ عن دينهم، والتمسك به وإن انفردوا
وخالفهم الغير، وهم الذين يقارعون الأعداء بسيوفهم، ومناصروهم بكتاباتهم والذبّ
عنهم، والمراد ببقاء ظهورهم على الحقّ ظهور حجتهم وقوتها إلى أن تقوم الساعة.
واجتماع
هؤلاء من أماكن مختلفة يُجسد اللُحمة المسلمة والعقيدة الواحدة = عقيدة التوحيد
التي بُعث من أجلها الأنبياء، فيقدّمون أرواحهم في سبيل هذه العقيدة سائرون على
نهج الأنبياء وأتباعهم.
وكتب:
خالد الحايك.
شاركنا تعليقك