هل يصحّ القول المنسوب لعمر - رضي الله عنه -: «الشتاء عدو فتأهبوا
له أُهبته»؟
هذا
الأثر أخرجه ابن عدي في «الكامل» (4/531) في ترجمة «سوّار بن عبدالله القاضي» من
طريق عَبدالله بن سوار، قال: حَدَّثَنا أبي، عَن أبي ثمامة، عن كنانة، عن عُمَر بن
الخطاب قَال: «إِن الشتاء عدو حاضر فأعدوا له جلد شاة».
قلت:
سوّار متكلّم فيه! وأبو ثمامة وكنانة مجهولان!
وقال
سوّار عن أبي ثمامة - وامراته من أهلنا-: أن كنانة بن الصلت، وذكر أثراً كما هو
عند أبي شيبة في المصنف، ووقع عند ابن حجر في المطالب العالية: أن كنانة بن ثور!!
وكنانة هذا مجهول لا يُعرف.
وله
طريق أخرى ذكرها ابن رجب في «لطائف المعارف» (ص:330) قال: وروى ابن المبارك، عن
صفوان بن عمرو، عن سُليم بن عامر، قال: «كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا حضر
الشتاء تعاهدهم، وكتب لهم بالوصية: إن الشتاء قد حضر، وهو عدو فتأهبوا له أهبته من
الصوف والخفاف والجوارب، واتخذوا الصوف شعاراً ودثاراً، فإن البرد عدو سريع دخوله
بعيد خروجه».
قال
ابن رجب: "وإنما كان يكتب عمر إلى أهل الشام لما فتحت في زمنه فكان يخشى على
من بها من الصحابة وغيرهم ممن لم يكن له عهد بالبرد أن يتأذى ببرد الشام، وذلك من
تمام نصيحته وحسن نظره وشفقته وحياطته لرعيته رضي الله عنه".
قلت:
هذا إسناد منقطع! وهو من مراسيل الشاميين، فسليم بن عامر الكلاعي لم يدرك عمر –
رضي الله عنه-، وطبقة سماعه من الصحابة الذين توفوا بعد سنة (86هـ).
والحافظ
ابن رجب علّق عليه مما يدل على قبوله له، وهذا من منهجه – رحمه الله- أنه يتساهل
في شروحاته لبعض الأحاديث كغيره من أهل العلم المتأخرين، فهو – وإن كان من أفذاذ
النقاد- إلا أنه يحتج بمثل هذه الآثار، بل يورد أحياناً مناكير دون التنبيه عليه،
وأحياناً ينبه، فليتنبه لهذا.
وبعض
أهل العلم يقبلون مثل هذه الآثار من رواية الثقات، وقبولها متوقف على عدم وجود أي
نكارة فيها! وكنت أذهب إلى أن النكارة في عدّ الشتاء عدواً للإنسان! وهو في
الحقيقة نعمة من الله - عزّ وجل -، إلا إن حملنا أنه عدو ليس بذاته وإنما بما يجيء
به من برد قارص يؤثر على الناس وعلى النباتات وغير ذلك، كما في قوله تعالى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا
لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}، فالأزواج والأولاد ليسوا بأعداء، لكن قد يكونون أعداء في
بعض الحالات كما في هذه الآية وهو أن بعض المسلمين لما تجهزوا للهجرة كانت نساؤهم
وأولادهم يمنعونهم بعدم وجود من يعيلهم إذا هاجروا وتركوهم، فيصدونهم عن الهجرة، فالعدو
لم يكن عدواً لذاته وإنما كان عدواً بفعله، فإذا فعل الزوج والولد فعل العدو كان
عدواً، ولا فعل أقبح من الحيلولة بين العبد وبين طاعة الله عزّ وجل.
فالشتاء
في أصله ليس بعدو، وإنما قد يعدّ عدواً بما جاء به مما قد يضرّ بالإنسان من بَرد
وغيره، ولهذا كان عمر - رضي الله عنه - على اعتبار صحة هذا القول يوصي عمّاله ومن
عندهم من المسلمين بأن يتجهزوا بما يأت به الشتاء من البرد واتخاذ الصوف والجوارب
والخفاف، ويؤيد هذا أنه عدّ العدو هو البرد كما في آخر القول: «فإن البرد عدو سريع
دخوله بعيد خروجه».
ويمكن
حمل أن الذي أراده عمر بالشتاء هنا هو البرد، أو أن لفظة «وهو عدو» في قوله «الشتاء
قد حضر وهو عدو» زيادة لم يتقنها بعض الرواة، والله أعلم.
وقد
أتبع ابن رجب الرواية السابقة بما رُوي عن كعب الأحبار قال: «أوحى الله تعالى إلى
داود عليه السلام أن تأهب لعدو قد أظلك قال: يا رب من عدوي وليس بحضرتي عدو؟ قال:
بلى الشتاء».
قلت:
وهذا من الإسرائيليات.
والذي
أميل إليه أن أثر عمر هذا حسن إن شاء الله على اعتبار أنه أراد بالعدو ما يأتي به
الشتاء من بَرد وغيره، والله أعلم وأحكم.
شاركنا تعليقك