«تُحفة الأَنام» في
بيان ضعف حديث «إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّام».
ومعه:
«تذكرة النَّبيه» في رواية
«مُعَاوِيَة بن قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ».
روى أبو داود الطيالسي في «مسنده» (ص145) قال: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا خَيْرَ
فِيكُمْ، لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لَا
يَضُرُّهُمُ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ».
ورواه الترمذي في «الجامع» (4/485) قال: حَدَّثَنَا
مَحْمُودُ بنُ غَيْلَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ - هو الطيالسي - قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، به.
قال الترمذي: "وهذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".
ورواه علي بن الجعد في «مسنده» (ص166) عن شُعْبَة، به.
ورواه ابنُ أبي شيبة في «مصنفه» (6/409) عن يَزِيد بن
هَارُونَ، عَنْ شُعْبَةَ، به.
ورواه أحمد في «مسنده» (3/436) برقم (15634)، و(5/34) برقم
(20377) عن يزيد بن هارون، وفي (3/436) برقم (15635)، و(5/34) برقم (20383) عن
يحيى بن سعيد، كلاهما عن شعبة، به.
ورواه البزار في «مسنده» (8/243) برقم (3303) عن عمرو بن
عليّ، عن يحيى بن سعيد، عن شعبة، به.
ثمّ قال البزار: "وهذا الحديث بهذا اللفظ لا نعلم
رواه عن النبيّ إلا قرة بن إياس!".
ورواه ابن ماجة في «سننه» (1/4) عن مُحَمَّد بن بَشَّارٍ،
عن مُحَمَّد بن جَعْفَرٍ، عن شُعْبَة، به.
ورواه سعيد بن منصور في «سننه» (2/178) عن
عَبْدالرَّحْمَنِ بن زِيَادٍ، عن شُعْبَة، به.
ورواهُ يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (2/170) عن
سليمان بن عبدالرحمن الدمشقيّ، عن عيسى بن يونس، قال: حدثنا شعبة، عن معاوية بن
قرة، عن أبيه - وكانت له صحبة - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره.
ثمّ رواه عن الرَّبيع بن يحيى قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت
معاوية بن قرة يُحدِّث عن أبيه - وقد رأى النبي ومسح النبي برأسه - فقال: إذا
فسد أهل الشام فلا خير فيكم.
ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (19/27) من طريق أَسَد
بن مُوسَى وعَاصِم بن عَلِيٍّ وعَلِيّ بن الْجَعْدِ، ثلاثتهم عن شُعْبَة، به.
ورواه ابن حبان في «صحيحه» (16/292) برقم (7302) في باب «ذكر
ابتغاء الفضل والصلاح لمستوطن الشام» عن أبي يعلى، عن المقدمي، عن يحيى، عن شعبة،
به.
ثم قال: "ذكر الإخبار على أن الفساد إذا عمَّ في
الشام يَعُم ذلك في سائر المدن"، قال: أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا أبو
بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن شعبة، به.
والعجب منه كيف ترجم على هذا الحديث بهاتين الترجمتين ثم
ترجم في موضع آخر به (1/261): "ذكر إثبات النصرة لأصحاب الحديث إلى قيام
الساعة"!!! فجعله هنا لأصحاب الحديث، وذاك لمستوطن الشام!!
ورواه نُعيم بن حمّاد في كتاب «الفتن» (1/234) (657) قال:
حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ يُكْنَى أَبَا هَارُونَ، عَنْ شُعْبَةَ بنِ
الْحَجَّاجِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا هَلَكَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا
خَيْرَ فِي أُمَّتِي».
وعقد ابن عساكر باباً في «تاريخه» (1/305): "باب نفي
الخير عن أهل الإسلام عند وجود فساد أهل الشام".
ثم ساق الحديث من طرق عن شعبة، ثم قال: "وهذا حديث
انفرد به شعبة بن الحجاج عن أبي إياس معاوية بن قرة. وقد رواه أبو عتبة إسماعيل بن
عياش العنسي الحمصي - وهو من أقران شعبة - عن رجل عن شعبة".
وهذه الطرق كلها تدور على شعبة، وهو جبل من جبال الحفظ،
وللحديث بعض المتابعات التي فيها نظر!
روى أبو نُعيم في «الحلية» (7/230) عن محمد بن المظفر،
قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا المنذر بن محمد، قال: حدثني أبي،
قال: حدثنا إسماعيل بن يحيى، عن مِسعر، عن إياس بن معاوية، عن أبيه، عن جده، به.
قال أبو نُعيم: "مشهور من حديث إياس، غريب من حديث
مِسعر!".
قلت: لم أجده من حديث إياس إلا من هذه الطريق، وظاهر قول
أبي نعيم أنه مشهور من حديث إياس بن معاوية! ولم أجده عنه إلا من رواية مسعر هذه! ولهذا
أوردها في الروايات الغريبة التي تُروى عن مسعر كما هي طريقته في هذا الكتاب من
إيراد الأحاديث الغرائب التي تُروى عن الراوي ولا تُعرف عنه. وكأنه وقع في الكتاب
سقط! فيكون: "مشهور من حديث [جد] إياس"؛ لأن الحديث معروف به، رواه عنه
ابنه معاوية. أو يكون: "ليس مشهوراً من حديث إياس..."، والله أعلم.
فإذ لم يثبت أنه يُعرف من حديث إياس حينها يكون قول ابن
عساكر أن شعبة تفرد به هو الصواب، والله أعلم.
وله متابعة أخرى رواها ابن حبان في «الثقات» (8/319) في
ترجمة «صَدَقَة بن المُنْتَصِرِ الشَّعْبَانِيّ» قال: "كنيته أبو شُعبة من
أهل الرملة، يروي عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ، ويونس بن يزيد،
روى عنه الشاميون: عمران بن هارون الصوفي وغيره"، ثم قال: حدثنا ابن قتيبة،
قال: حدثنا أبو عمير النحاس، قال: حدثنا ضمرة، عن أبي شعبة الشعباني صدقة، عن
معاوية بن قرة، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أفسد أهل
الشام فلا خير فيكم».
لكن رواه ابن عساكر في «تاريخه» (37/201) في ترجمة «عبدالواحد
بن أحمد بن الطيب أبي القاسم الوكيل يعرف بابن القماح» رواه عن عَبْدِالوَهَّابِ بنِ
الحَسَنِ بنِ الوَلِيدِ الكِلَابِيِّ الدِّمَشْقِيِّ، عن أَحْمَد بنِ عُمَيْرِ بنِ
جُوصَا أَبي الحَسَنِ الحافظ، قال: حدثنا أبو عمير - وهو: عيسى بن محمد - قال: حدثنا
ضمرة، عن أبي شعبة الشعباني، عن شعبة، عن معاوية بن قره، عن أبيه، به.
قلت: فـأبو عُمير يرويه عن ضَمْرَة بنِ رَبَيْعَةَ، عن صَدَقَة
بن المُنْتَصِرِ أَبي شُعْبَةَ الشَّعْبَانِيّ، عن شُعبة بن الحجاج، عن معاوية.
ورواه الإسماعيلي في «معجم شيوخه» (2/680) (306) عن عَبْدِاللَّهِ
بنِ الوَلِيدِ العُكْبَرِيّ أَبي مُحَمَّدٍ، قال: حَدَّثَنَا عِيسَى بنُ عَبْدِاللَّهِ
بْنِ سُلَيْمَانَ الْعَسْقَلَانِيُّ، قال: حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ، عَنْ صَدَقَةَ
بْنِ الْمُنْتَصِرِ، عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ
قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، به. [ورواه الخطيب في «تاريخه» (10/182) في ترجمة «عبدالله
بن الوليد العكبري» من طريق أبي بكر الإسماعيلي].
فرجع الحديث لشعبة، وما ذكره ابن حبان في ترجمة صدقة بن
المنتصر فيه سقط في الإسناد = سقط منه: "شعبة"! وكأنه بسبب التشابه في
كنية صدقة؛ لأنه يكنى أبا شعبة وهو راويه عن شعبة، فربما ظنّ الناسخ أو غيره أنه
ليس عن شعبة! لكن الحديث هذا عن شعبة بن الحجاج كما في رواية ابن عساكر، والإسماعيلي.
·
مَن صحح الحديث من أهل العلم:
والحديث صححه الترمذي وابن حبان وكثير من المعاصرين كالشيخ
الألباني وغيره.
فقد أورده الألباني في «سلسلته الصحيحة» برقم (403) وقال:
"وهو على شرط الشيخين، وقد أخرج الخطيب (8/417 - 418، 10/282) الشطر الأول
منه من هذا الوجه، ورواه أبو نعيم في "الحلية" (7/230). والشطر الثاني
أخرجه ابن ماجه (2/6-7)، وله شواهد كثيرة فراجع بعضها فيما تقدم برقم (270،
1108)" انتهى كلامه.
وقال شعيب ورفاقه في تعليقهم على «مسند أحمد» (ط الرسالة:
24/362) حاشية (3): "إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير صحابيه، فقد
أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، وأصحاب السنن".
قلت: أما لفظ «لا تزال طائفة...» فهو مشهور ومعروف
وقد صحّ من عدة طرق. وأما لفظ «إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم» فهذا لم
يأت إلا في هذا الحديث!!
ومن صحح الحديث فقد اعتمد على إثبات صحبة قرّة والد معاوية!
·
هل لقرّة بن إياس صحبة؟
أثبت صحبته البخاري وأبو حاتم الرازي وابنه وغيرهم.
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (7/180): "قرة بن
إياس بن رئاب المزني، له صحبة. روى عنه ابنه معاوية بن قرة البصري".
وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (7/129): "قرة
بن إياس، ويقال: قرة بن الأغر بن رئاب المزني، له صحبة. روى عنه ابنه معاوية بن
قرة. سمعت أبي يقول ذلك".
وقال ابن حبان في «الثقات» (3/346): "قُرَّة بن
إِيَاس بن رِئَاب الْمُزنِيّ وَالِد مُعَاوِيَة بن قُرَّة، وَقد قيل: قُرَّة بْن
الْأَغَر الْمُزنِيّ، لَهُ صُحْبَة، سكن الْبَصْرَة. مَاتَ سنة أَربع وَسِتِّينَ،
وَهُوَ قُرَّة بن إِيَاس بن هِلَال بن رِئَاب بن عبيد بن سَواد بن سَارِيَة بن
ذبيان بن ثَعْلَبَة بن سليم بن أَوْس بن مُزينة".
وقال الحاكم في «المستدرك» (3/676): "ذكر قرة بن إياس
أبو معاوية المزني رضي الله عنه"، ثم ساق نسبه عن خليفة بن خياط قال:
"قرة بن إياس بن هلال بن رئاب بن عبيدالله بن ذؤيب بن أوس بن سوارة بن عمرو
بن سارية بن ثعلبة بن دينار بن سليمان بن أوس بن عثمان بن عمرو، هو أبو معاوية بن
قرة، وله دار بالبصرة بحضرة العوفة، قتلته الأزارقة مع ابن عبيس سنة أربع
وستين".
وقد نفى صحبته: شعبة بن الحجاج.
قال العلائي في «جامع التحصيل» (ص256): "قرة بن إياس
والد معاوية بن قرة، أنكر شعبة أن يكون له صحبة، والجمهور أثبتوا له الصحبة
والرواية، وهو الأظهر، والله أعلم".
قلت: فهم العلائي إنكار صحبته من خلال سؤاله، وهو فهم صحيح،
وإنما أنكر شعبة صحبته؛ لأنه سأل ابنه معاوية عن ذلك فقال: لا صحبة له.
قال يحيى بن معين (كما في تاريخه - رواية الدوري: 3/58):
حَدثنَا حجّاج بن محمّد قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة عَن أَبى إِيَاس قَالَ:
"جَاءَ أَبى إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ غُلَام صَغِير
فَمسح رَأسه واستغفر لَهُ". قَالَ شُعْبَة: فَقلت، لَهُ صُحْبَة؟
قَالَ: "لا، وَلَكِنَّهُ كَانَ عَلَى عَهْدِهِ قَدْ حَلَبَ وَصَرَّ".
ورواه ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص167) عن العباس بن
محمد الدوري عن يحيى بن معين، به.
ورواه أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (4/2350) من طريق
عَبْدِاللهِ بن أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، قال: حدثنا
حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، قال: حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: "جَاءَ
أَبِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ غُلَامٌ صَغِيرٌ،
فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ"، قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْنَا
لَهُ: أَصَحِبَهُ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ كَانَ عَلَى عَهْدِهِ قَدْ حَلَبَ
وَصَرَّ"- أي: صَرَّ وَحَلَبَ لأَهْلِهِ.
ومعنى "حلب وصرّ" كما بينه البزار في «مسنده»
(8/244) فإنه قال بعد روايته للحديث: "وإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ أَتَى
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ غُلَامٌ مُتَحَرِّكٌ». والذي يحلب ويصرّ ليس
رجلاً كبيراً كما يفهمه بعض الناس وإنما هو غلام يعرف حلب الناقة وصرّ حليبها عن
رضيعها.
فهو كان غلاماً زمن النبي صلى الله عليه وسلم وجاء مع قومه
إليه كما روى مُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ
صلى الله عليه وسلم فِي رَهْطٍ مِنْ مُزَيْنَةَ فَبَايَعْنَاهُ، وَإِنَّهُ
لَمُطْلِقُ الْأَزْرَارِ، فَأَدْخَلْتُ يَدِي فِي جَيْبِ قَمِيصِهِ، فَمَسَسْتُ
الْخَاتِمَ».
وفي رواية قُرَّة بن خَالِدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ
قُرَّةَ عن أبيه: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنْتُهُ
أَنْ أُدْخِلَ يدي في جُرُبَّانِهِ وأنه لَيَدْعُو لي فما مَنَعَهُ أَنْ
أَلْمِسَهُ أَنْ دَعَا لي قال فَوَجَدْتُ على نُغْضِ كَتِفِهِ مِثْلَ
السِّلْعَةِ». قال البزار: "وهذَا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ بِهَذَا
اللَّفْظِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ إِلَّا قُرَّةُ بنُ
خَالِدٍ". واللفظ الأول أصحّ.
فهو جاء في رهط من قومه لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم،
وعادة من كان يأتيه صلى الله عليه وسلم من الوفود أنهم كانوا يجلسون قليلاً
يتعلمون أصول الإسلام ثم يذهبون، وقد يسمعون منه صلى الله عليه وسلم بعض الأحاديث،
وكثير من هؤلاء إنما يروي عنه بواسطة وخاصة إذا كان غلاماً كقرة بن إياس.
فهو قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ومسح على رأسه ودعا
له، وهذا معنى الصحبة التي ذكرها أهل العلم كالبخاري ومن تبعه، وأما سماعه منه
فمسألة أخرى، فربّ صحابي يرى النبيّ صلى الله عليه وسلم ولا يسمع منه بل يروي عنه
قصة حصلت له معه أو قصة يتذكرها كما روى مَحْمُود بن الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيّ،
قال: «عَقَلْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِي
وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ دَلْوٍ». فهو لم يسمع منه وإنما روى هذه القصة
التي حصلت له معه. وحديثه يُعد في مراسيل الصحابة؛ لأنه لم يكن له صحبة السماع منه
صلى الله عليه وسلم، وهذا الحال نفسه في قرّة بن إياس، ولقاؤه للنبي صلى الله عليه
وسلم ورؤيته للخاتم بين كتفيه صلى الله عليه وسلم لا يدلّ على إثبات السماع فيما
يرويه عنه.
فابنه الذي يروي عنه أحاديثه لا يدري هل سمع من النبي صلى
الله عليه وسلم أم لا!
فقد روى أحمد في «مسنده» (4/19) عن سُلَيْمَان، عن
شُعْبَةَ، عن مُعَاوِيَةَ بن قرة قال: "كان أبي يحدّثنا يقول: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فلا أدري أكان سمعه منه أو حُدِّثَ عنه".
قلت: ما جاء في رواية حجاج عن شعبة أصرح في أنه نفى صحبة
أبيه، ولو كان صحب النبيّ صلى الله عليه وسلم لذكره وصاح به، وقد صرّح أيضاً بأنه
أدركه ورآه ومسح رأسه وهو صغير.
وروى عبدالله بن أحمد في «العلل» (2/561) قال: حدثني أبي
قال: حدثنا عبدالصمد، قال: حدثنا سوادة - يعني ابن حيان - عن معاوية بن قرة قال:
"أدركت من أهل بيتي ثلاثة كلهم قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم".
قلت: ولم يسمهم، ولو كان أبوه منهم لسمّاه؛ لأن هذا شرف
عظيم له.
فشعبة الذي تفرد بهذا الحديث عن
معاوية عن أبيه قد أنكر صحبته، فقوله هو المعتمد، فيكون الحديث
مرسلاً.
ويؤيده أن الحديث عن الطائفة مشهور ومعروف من حديث معاوية
وثوبان وجابر بن سمرة وغيرهم وليست فيه هذه اللفظة «إذا فسد أهل الشام..» ولا يوجد
من يتابعه عليه، وهو مرسل. وعادة ما تكون الزيادات على الأحاديث الصحيحة من
المراسيل، وكأن أصل هذه الزيادة من مراسيل الشاميين لأنها تنزيل لمعنى الطائفة
عليهم، وكان قد اشتهر أنهم أهل الشام، وفيه نظر كما بينته في بحثي: «المعجب».
فهذه الزيادة لا يُحكم لها بالصحة على ما ثبت في حديث
ثوبان ومعاوية وجابر وعقبة وغيرهم، فكلّهم روى الحديث دون هذه الزيادة، وهم الذين
صحبوه صلى الله عليه وسلم، فلا نثبت هذه الزيادة لأن الذي رواها ليس بصحابي - وإن كانت
له رؤية، فحديث قرّة هذا حديث مرسل ضعيف.
«تذكرة النَّبيه» في رواية
«مُعَاوِيَة بن قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ».
·
حديث قُرَّة بن إِيَاسٍ
المُزَنِيّ:
حديث قرة قليل جداً، وقد تفرّد بالرواية عنه ابنه: معاوية.
وقد استقصى حديثه الطبراني في «المعجم الكبير» (19/21 - 33) وذكر له (30) حديثاً
من رقم (39) - (69) مع المكرر، وكذلك الإمام البزار في «مسنده» من رقم (3300) -
(3323). وسأسوقها وأخرجها وأتكلم عليها إن شاء الله إلا ما يتعلق بقدومه للنبي صلى
الله عليه وسلم وكلام ابنه أنه كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قد حلب وصرّ،
لأنها تقدمت.
1- روى أبو مُسلمٍ هَارُونُ، عن قَتَادَة، عن مُعَاوِيَةَ
بن قُرَّةَ، عن أبيه قال: «كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى
عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُطْرَدُ عَنْهَا
طَرْدًا».
رواه البزار من طريق أبي داود الطيالسي ويحيى بن حماد، كلاهما
عن هارُون أَبي مُسْلِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، عَنْ
أَبِيهِ بِنَحْوِه.
وكان يحيى بن حَمَّادٍ، يقول: "حدثنا أبو مُسْلِمٍ
شَيْخٌ كان يَكُونُ في مَسْجِدِ هَمَّامٍ".
وجاء في بعض الروايات: " هَارُونُ بن إبراهيم".
قال البزار: "وهذَا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ
عَنْ قَتَادَةَ، إِلَّا هَارُونُ، وَلَا نَعْلَمُ أَسْنَدَ قَتَادَةُ عَنْ
مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثَ".
وخرّجه ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما»، والحاكم وصححه.
وقال ابن المديني: "إسناده ليس بالصافي. وأبو مسلم
هذا مجهول".
وكذا قال أبو حاتم: "هو مجهول".
وليس هو بصاحب الحناء هارون بن مسلم؛ فإن ذاك معروف، وقد
فرّق بينهما مسلم في كتاب «الكنى»، وأبو حاتم الرازي وسمياه "هارون بن مسلم".
وذكره ابن حبان في الثقات (7/581)!
وهو مجهول لا يُعرف كما قال ابن المديني وأبو حاتم.
والصواب عن قرة ما رواه ابن أبي شيبة من طريق أَيُّوبَ
أَبِي العَلاَءِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: "رَآنِي
عُمَرُ وَأَنَا أُصَلِّي بَيْنَ أُسْطُوَانَتَيْنِ فَأَخَذَ بِقَفَاي فَأَدْنَانِي
إلَى سُتْرَةٍ، فَقَالَ: صَلِّ إلَيْهَا".
2- روى البزار عن عَمْرُو بن مَالِكٍ، عن مُحَمَّد بن
الحَسَنِ الوَاسِطِيّ، عن زِيَاد بن أبي زِيَادٍ الجَصَّاص، عن مُعَاوِيَةَ بن قُرَّةَ،
عن أبيه: أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الأَوْعِيَةِ؟ فقال:
«إِنَّ الأَوْعِيَةَ لا تُحَرِّمُ شيئا فَانْتَبِذُوا فِيمَا بَدَا لَكُمْ
وَاجْتَنِبُوا كُلَّ مُسْكِرٍ».
قال البزار: "وهذا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ
إِلَّا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ عَنْ زِيَادٍ، وَزِيَادٌ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ
البَصْرَةِ صَالِحُ الْحَدِيثِ".
قلت: زياد الجصاص هذا ليس بشيء، منكر الحديث!!
قال يحيى بن معين: "زياد بن أبي زياد الجصاص: واسطي
ليس بشيء". وقال أبو زرعة: "واهي الحديث". وقال أبو حاتم الرازي:
"منكر الحديث". وقال النسائي: "لَيْسَ بِثِقَة".
وشيخ البزار قال عنه هو في موضع آخر (3/159):
"حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَهُوَ عَمْرُو بنُ
مَالِكٍ"، وتابعه محمد بن أبي نعيم الواسطي.
رواه مُحَمَّدُ بنُ أَبِي نُعَيْمٍ الْوَاسِطِيُّ، عن
مُحَمَّدُ بنُ يَزِيدَ الواسطي، عن زِيَاد بن أبي زِيَادٍ الجَصَّاص، به.
وابن أبي نعيم هذا ليس بشيء، متّهم!
قَالَ ابن معِين: "كَذَّاب خَبِيث". وقالَ ابن
عدي: "وعَامة مَا يرويهِ لَا يُتَابِعه عَلَيْهِ الثِّقَات".
وقال أَحْمَد بن سنان وأبو حاتم الرازي: "صدوق".
3- روى إِسْمَاعِيلُ بن إبراهيم ابن عُليّة، عن زِيَادِ بن
مِخْرَاقٍ، عن مُعَاوِيَةَ بن قُرَّةَ، عن أبيه: أنَّ رَجُلاً قال لِلنَّبِيِّ صلى
الله عليه وسلم إني لأَذْبَحُ شَاةً فَأَرْحَمُهَا، قال: «والشَّاةُ إن
رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللَّهُ».
ورواه إِسْحَاقُ بن عِيسَى الطَّبَّاعُ، عن مَالِكِ بن
أَنَسٍ، عن زِيَادِ بن مِخْرَاقٍ، عن مُعَاوِيَةَ بن قُرَّةَ، عن أبيه، قال: قلت
يا رَسُولَ اللَّهِ، إني لأَذْبَحُ الشَّاةَ وأنا أَرْحَمُهَا، قال:
«وَالشَّاةُ إن رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللَّهُ».
ورواه حَمَّادُ بن سَلَمَةَ عن حَجَّاجٍ الأَسْوَدِ
وَعَبْدِاللَّهِ بن المُخْتَارِ، عن مُعَاوِيَةَ بن قُرَّةَ، عن أبيه: أَنَّ
رَجُلا، فذكره.
ورواه يُونُسَ بن عُبَيْدٍ، عن مُعَاوِيَةَ بن قُرَّةَ، عن
أبيه، قال: قلت يا رَسُولَ اللَّهِ، فذكره.
قلت: أما حديث ابن عُلية عن زياد بن مِخراق فهو المعروف من
كلّ هذه الأسانيد، والحديث حديث زياد بن مخراق، وهو ثقة إلا أن الإمام أحمد أشار
إلى وهمه فيه!
قَال أَبُو بكر الأثرم: "سألت أَحْمَد بن حَنْبَلٍ عن
زياد بن مخراق، فقال: ما أدري. قلت له: يروي أحد حديث معاوية بْن قرة، عَن أبيه،
يسنده غير إسماعيل؟ فقال: ما أدري، ما سمعته من غيره! قلت له: حماد بن سلمة
يرويه عن زياد، عن معاوية بن قرة: مرسل.
قال أبو بكر: وهذا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: إن
رجلاً قال له: إني أرحم الشاة وأنا أذبحها.
قلتُ لأبي عَبدالله: وروى حديث سعد: أَنَّ النَّبِيَّ صلى
الله عليه وسلم قال: يكون بعدي قوم يعتدون في الدعاء؟ فقال: نعم، لم يقم
إسناده".
قلت: يشير الأثرم إلى الخلاف بين ابن علية وحماد بن سلمة
في إسناده، وكأنه يميل إلى رواية حماد عن معاوية بن قرة مرسلاً دون ذكر "عن
أبيه"، وهو أشبه بالصواب. ويُحتمل أن الوهم من زياد نفسه، رفعه مرة وأرسله
أخرى، والله أعلم.
وأما حديث مالك فرواه عَبْدُاللَّهِ بْنُ نَصْرٍ
الْأَنْطَاكِيُّ، عن إِسْحَاق بن عِيسَى بنِ الطَّبَّاعِ، عَنْ مَالِكِ، به.
قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ
مَالِكٍ إِلَّا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُاللَّهِ بنُ
نَصْرٍ".
وأما حديث حماد فرواه أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَاهَانَ
بنِ أَبِي حَنِيفَةَ، عن أَبِيه، عن حَمَّاد بن سَلَمَة، به.
قلت: أحمد بن محمد بن ماهان مجهول الحال، وكذلك والده كما
قال أبو حاتم الرازي، والمحفوظ من حديث حماد بن سلمة عن زياد بن مخراق عن معاوية
مرسلاً كما أشار الأثرم فيما نقلناه عنه قبل.
وأما حديث يونس فرواه عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، عن عَدِيّ بن
الفَضْلِ، عَنْ يُونُسَ.
قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ
يُونُسَ إِلَّا عَدِيٌّ، تَفَرَّدَ بِهِ عَلِيُّ بنُ الْجَعْدِ".
وقال ابن عَدي بعد أن رواه: "وهذا الحديث لا يرويه عن
يونس بن عبيد غير عدي بن الفضل، ولم أكتبه إلا عن هذا الشيخ بعلو، وهذا الحديث
يُعرف بزياد بن مخراق عن معاوية بن قرة، ورواه عن زياد بن مخراق: إسماعيل بن
علية".
والخلاصة أن هذا الحديث لا يثبت عن قرة بن إياس، ولو ثبت
فليس هو من سأل النبي صلى الله عليه وسلم، والسائل رجل، ولا يُدرى ممن سمع هذه
القصة.
4- روى رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ وجَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ
الضُّبعيّ وَغَيْرُهُما، عن بِسْطَام بن مُسْلِمٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ،
قَالَ: قالَ أَبِي: «لقد عَمَّرْنَا مَعَ نَبِيِّنَا فَمَا لَنَا مِنْ طَعَامٍ
إِلَّا الْأَسْوَدَانِ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا الْأَسْوَدَانِ؟ قُلْتُ: لَا،
قَالَ: التَّمْرُ وَالْمَاءُ».
قلت: في بعض المطبوعات: "عُمِّرْنَا! وفي بعضها:
"عَبَرْنَا"، وفي بعضها: "غَزَوْنَا"! وهذا ليس بصحيح.
ويدل على المعنى رواية البزار عن روح بن عبادة: «مَا كَانَ
طَعَامُنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا الْأَسْوَدَيْنِ
- يَعْنِي التَّمْرَ وَالْمَاءَ».
ورواية جَعْفَر بن سُلَيْمَانَ بلفظ: «عَمرنا مع رَسُولِ
اللهِ صلى الله عليه وسلم بُرْهَةً مِنْ دَهْرِنَا، وَمَا لَنَا طَعَامٌ
إِلَّا الْأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ وَالْمَاءُ».
قال البزار: "وهذا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ إِلَّا بِسْطَامُ بْنُ مُسْلِمٍ وَهُوَ رَجُلٌ
مَشْهُورٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، حَدَّثَ عَنْهُ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ".
وهذا الحديث إخبار عمّا كان عليه الناس في زمن رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وهو مروي من طرق أخرى صحيحة.
ويُشبه أن قرة بن إياس كان يروي بعض المشهورات عن النبي
صلى الله عليه وسلم مما لم يسمعه منه؛ لأنه كان صغيراً، ولم يسمع منه.
5- روى يُوسُفُ بن بُهْلُولٍ الْكُوفِيُّ، عن عبداللَّهِ
بن إِدْرِيسٍ، عن خَالِدُ بن أبي كَرِيمَةَ، عن مُعَاوِيَةَ بن أبي قُرَّةَ:
«أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَبَاهُ جَدُّ مُعَاوِيَةَ إلى رَجُلٍ
عَرَّسَ بِامْرَأَةِ أبيه فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَخَمَّسَ مَالَهُ».
ورواه عَبْدُاللَّهِ بنُ الوَضَّاحِ الْكُوفِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ إِدْرِيسَ، عَنْ خَالِدِ بنِ أَبِي كَرِيمَةَ، عَنْ
مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ
صلى الله عليه وسلم بَعَثَ إِلَى رَجُلٍ أَعْرَسَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ أَوْ
تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ، فَأَمَرَ أَنْ يُضْرَبَ عُنُقُهُ».
قال البزار: "وهذَا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا
رَوَاهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ إِلَّا خَالِدُ بنُ أَبِي
كَرِيمَةَ وَلَا عَنْ خَالِدٍ إِلَّا ابنُ إِدْرِيسَ، وَلَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنِ
ابنِ إِدْرِيسَ إِلَّا يُوسُفُ بنُ مَنَازِلَ وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ الوَضَّاحِ، وَغَيْرُهُمَا
يُحَدِّثُ بِهِ عَنِ ابنِ إِدْرِيسَ عَنْ خَالِدِ بنِ أَبِي كَرِيمَةَ عَنْ
مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ مُرْسَلًاً".
قلت: بل رواه سلمة بن حفص عن ابن إدريس كما رواه يوسف
وعبدالله وتابعهم على روايتهما كما هو عند الدارقطني في «السنن» (3/200).
وروى أبو نُعيم الطريقين في «معرفة الصحابة» (1/292) ثم
قال: "وذِكْرُ جَدِّهِ فِي هذَا الحَدِيثِ غَيْرُ مُتَابَعٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ
وَهْمٌ".
قلت: يبدو أن عبدالله بن إدريس كان يضطرب فيه، والأشبه
بالصواب: الرواية المرسلة، والله أعلم.
6- روى أبو داود الطيالسي، وعفّان بن مُسلمٍ، ووَكِيعٌ، ووهب
بن جريرٍ، وحَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ، ومُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، ويَحْيَى بنُ
سَعِيدٍ القَطَّانُ، كلهم عن شُعْبَة، عن مُعَاوِيَةَ بن قُرَّةَ، عن أبيه،
قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ
كُلِّ شَهْرٍ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِفْطَارُهُ».
ورواه أبو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ، عن شُعْبَة، بلفظ: «صِيَامُ
الْبِيضِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِفْطَارُهُ».
فذكر لفظ: «البيض» بدل: «ثلاثة أيام»! وهو منكر! ورواية
الجماعة أصح.
قال البزار: "وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ لَهُ
طَرِيقًا عَنْ قُرَّةَ بْنِ إِيَاسَ إِلَّا هَذَا الطَّرِيقُ، وَلَا نَعْلَمُ
رَوَاهُ عَنْ قُرَّةَ بْنِ إِيَاسَ إِلَّا ابْنُهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ".
ورواه ابن حبان في «صحيحه» (8/413) (3652) عن أَبي
يَعْلَى، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللَّهِ بنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، قال: حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةُ، بلفظ: «صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ
كُلِّ شَهْرٍ صِيَامُ الدَّهْرِ وقيامه».
ثم رواه من طريق وكيع، عن شعبة، بلفظ: «وَإِفْطَارُهُ»، ثم
قال: "قَالَ وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، فِي هَذَا الْخَبَرِ: «وَإِفْطَارُهُ»،
وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ عَنْ شُعْبَةَ: «وَقِيَامُهُ»، وَهُمَا جَمِيعًا
حَافِظَانِ مُتقنان".
قلت: لفظة: «وقيامة» محرفة عن «وإفطاره»! والقطان رواه على
الصواب كما رواه الجماعة، فقد رواه البزار في «مسنده» (8/241) (3301) عن عَمْرو بنِ
عَلِيٍّ الفلاّس، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَوْمُ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ وَإِفْطَارُهُ».
فتبيّن أن الخطأ في رواية ابن حبان!
وهذا الحديث أورده البخاري في ترجمة «كهمس الهلالي» من
«التاريخ الكبير» (7/238) خلال سياقه الاختلاف على معاوية بن قرة في الحديث
المتعلق بصوم ثلاثة أيام من كل شهر! فساق أولاً حديث حَمَّاد بن يَزِيدَ بنِ
مُسْلِمٍ، عن معاوية بن قُرَّةَ، عَنْ كَهْمَسٍ الْهِلالِيِّ، قَالَ: أَسْلَمْتُ
فَأَتَيْتُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ بِإِسْلامِي... وفيه:
«صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ وَمِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ».
ثم ساق حديث أَبي عَوَانَةَ، عن سِمَاك، عَنْ مُعَاوِيَةَ
بنِ قُرَّةَ، قالَ: «أَتَيْنَا الْمِرْبَدَ فَجَاءَ رَجُلٌ يَجْلِبُ إِبِلَهُ فقَالَ
مَعِي كِتَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْرَجَ كُرَاعَ شَاةٍ فَإِذَا
فِيهِ صِيَامُ شَهْرِ الصَّبْرِ يُذْهِبَنَّ وَحَرَ الصَّدْرِ».
ثم حديث زَائِدَة، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ
ابنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «شَهْرُ الصَّبْرِ وَثَلاثَةُ
أَيَّامٍ يُذْهِبَنَّ وَحَرَ الصَّدْرِ».
ثم حديث شُعْبَة، عن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَنْ أَبِيهِ،
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «صَوْمُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ
شَهْرٍ يَعْنِي صَوْمَ الدَّهْرِ وَإِفْطَارَهُ».
قلت: كأن البخاري أراد بيان اضطراب معاوية بن قرة فيه!
واضطراب سماك في الطريق الثاني حيث ساقه عن عكرمة عن ابن عباس فسلك الجادة، والأول
أصح.
ويُحتمل أن معاوية لم يضطرب فيه إذا استبعدنا رواية سماك؛
لأنه مخلط في حديثه، فيبقى الاختلاف بين حماد بن يزيد وبين شعبة.
وحَمَّاد بنُ يَزِيد بنِ مُسْلِمٍ الْمِنْقَرِيُّ أَبُو
يَزِيد بصري ثقة من أصحاب معاوية بن قرة، فإنه قال: حدثني مُعَاوِيَة بن قُرَّة
أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: أتيتُ الْمَدِيْنَةَ فِي زَمَانِ السَّمْنِ والأَقط فإِذا
أَنَا برجلٍ قَائِمٍ فجلسَ فجلستُ إِلَيْهِ قُلْتُ: مَنْ أنتَ؟ قَالَ: أَنَا
كَهْمَس رجلٌ مِنْ بَنِي هِلالٍ، قَالَ: أَفَلا أُحَدِّثك بِشَيْءٍ سَمِعْتُ عُمَر
بْنَ الْخَطَّاب يَقُولُهُ؟ قَالَ: قُلْتُ بَلَى، قَالَ: قَالَ عُمَر إِنِّي
سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ يَقُولُ: «خَيْر أُمَّتِي الْقَرْن الَّذِين أَنَا فِيهِم،
ثُمَّ الثَّانِي، ثُمَّ الثَّالِث، ثُمَّ يَنْشَأُ قومٌ تَسْبِق أَيْمَانُهُم
شَهَادَتَهُم، ويَشْهَدُونَ قبلَ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا، ولَهَمْ لَغَطٌ فِي
أَسْوَاقِهِم».
فلا أدري هل شعبة وهم فيه أم لا! ولا شك أن شعبة من جبال
الحفظ، لكن الثقة الحافظ قد يهم، وخاصة في متون بعض الأحاديث إذا كان بعضها
مشهوراً بالإرسال! وإلا يكون هذا الحديث من مراسيل قرّة بن إياس، والله أعلم.
والحديث لا يُعرف إلا من هذه الطريق! وهو منكر! إذ كيف
يصحّ أن صيام ثلاثة أيام تعادل صيام الشهر كله، وبالتالي صيام السنة كاملة!! وجاء
أن صيام ستة شوال بعد رمضان يعادل صيام السنة كاملة، فمن صامها ثم صام ثلاثة أيام
من كل شهر فهذا صام سنتين إذن! وهذا غريب!!! ولا يصح في هذا شيء. والحثّ على صيام
ثلاثة أيام من كل شهر صحّ في حديث أبي هريرة لكن الأجر الذي في هذا الحديث وغيره
لا يصح، فأجر الصيام عند الله عزّ وجلّ.
7- روى أبو داود الطيالسي، وأسد بن موسى، وعَمْرُو بن
مَرْزُوقٍ، وعليّ بن الجعد، وشَبابة، ومحمد بن جعفر، وعبدالرحمن بن زياد، ووكيع،
ويحيى القطان، وحجاج بن محمد، كلهم عن شُعْبَةُ، عن مُعَاوِيَةَ بن قُرَّةَ، عن
أبيه: «أَنَّ رَجُلا كان يَخْتَلِفُ إلى النبي وَمَعَهُ ابن له، فقال له النبي صلى
الله عليه وسلم: أَتُحِبُّهُ؟ قال: أَحَبَّكَ اللَّهُ كما أُحِبُّهُ، فَتُوُفِّيَ
ابْنُهُ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أَيْنَ فُلانٌ؟ قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ:
مَاتَ ابْنُهُ، فقال له رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَوَ لا يَسُرُّكَ أَنْ
لا تَأْتِيَ بَابًا من أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلا جاء حتى يَفْتَحَهُ لك، قالوا يا
رَسُولَ اللَّهِ: أَلَهُ خَاصَّةً أَمْ لنا كُلُّنَا؟ قال: لا بَلْ لَكُمْ
كُلُّكُمْ».
ورواه خَالِدِ بنِ مَيْسَرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ
مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللهِ
صلى الله عليه وسلم إِذَا جَلَسَ جَلَسَ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ،
وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ يَأْتِيَهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ يَقْعُدُ
بَيْنَ يَدَيْهِ، إِلَى أَنْ هَلَكَ الصَّبِيُّ فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ أَنْ
يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ يَذْكُرُ اللهَ وَيَحْزَنُ عَلَيْهِ، فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ
صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «مَا لِي لَا أَرَى فُلَانًا؟»، فَقَالُوا: يَا
رَسُولَ اللهِ بُنَيُّهُ الَّذِي رَأَيْتَ هَلَكَ فَمَنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ حُضُورِ
الْحَلْقَةِ، فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُ عَنْهُ،
فَأُخْبِرَ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ، فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "يَا
فُلَانُ أَيُّهُمَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيْكَ: أَنْ تَتَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ أَوْ
لَا تَأْتِي غَدًا بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ
سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُ لَكَ "، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ بَلْ
يَسْبِقُنِي إِلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُهَا لِي أَحَبُّ إِلَيَّ،
قَالَ: «فَذَلِكَ لَكَ»، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ، هَذَا لِفُلَانٍ خَاصَّةً أَوْ لِمَنْ هَلَكَ لَهُ
مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَرَطٌ كَانَ ذَلِكَ لَهُ؟، قَالَ: «بَلْ كُلُّ مَنْ هَلَكَ
لَهُ فَرَطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ».
وعند أبي نعيم في «معرفة الصحابة» (6/3080) عن أَبي
دَاوُدَ الطيالسي، عن شُعْبَة، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ عَمِّه.
ثم رواه من طريق عَبْدِالْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ
مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ
يَأْتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِابنٍ لَهُ صَغِيرٍ.. فذكره.
ثم قال: "وقالَ شُعْبَةُ: عَنْ أَبِيهِ، وَتَابَعَهُ
عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ مَيْسَرَةَ، وَزِيَادٌ الْجَصَّاصُ".
قال البزار: "وهذَا الْكَلَامُ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا قُرَّةُ بْنُ إِيَاسَ".
وقال البغوي: "ولا أعلم حدّث بهذا الحديث إلا من هذا
الوجه، وقد روى قرة عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذه الأحاديث".
وصححه الحاكم وابن حبان!
وقال ابن حجر في «الفتح»: "إِسْنَاده صَحِيح".
وقال في موضع آخر منه: "وَسَنَدُهُ على شَرط
الصَّحِيح وَقد صَححهُ ابن حبَان وَالْحَاكِم".
وصحح كثير من المعاصرين على أن قرة بن إياس من الصحابة!
والصحيح أنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وما
يرويه عنه «أن رجلاً فعل كذا» أو «قال كذا» - إن صحّ - هو من المراسيل، والله أعلم.
ورُوي جزءٌ من هذا الحديث مختصراً:
فروى سَعِيدُ بنُ سَلَّامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ
بنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهٍ: «أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا جَلَسَ جَلَسَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ
حِلَقًا حِلَقًا».
قال البزار: "وهذَا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ
عَنْ خَالِدِ بنِ مَيْسَرَةَ إِلَّا سَعِيدُ بنُ سَلَّامٍ، وَسَعِيدٌ لَيِّنُ
الحَدِيثِ، وَإِنَّمَا يَكْتُبُ مِنْ حَدِيثِهِ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ وَيُبَيِّنُ
العِلَّةَ فِي ذَلِكَ".
قلت: لم ينفرد به سعيد، بل تابعه: معاذ بن هانىء، وعبيد بن
عقيل الهلالي المقرىء.
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (3/175): "خَالِد
بنُ مَيْسَرَةَ الْعَطَّارُ أَبُو حَاتِمٍ: سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ، عَنْ
أَبِيه: «كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَجْلِسُ فيتَحَلَّقُ حَوْله نَاسٌ».
حَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حدثنا مُعَاذُ بنُ هَانِئٍ، قَالَ:
حدثنا خَالِد بنُ مَيْسَرَةَ العَطَّارُ. وقال عُبَيْد بن عقِيلَ: حدثنا
أَبُو حاتم العطار - وهو خَالِد بن ميسرة - الحديث الأول".
وتابعهم أيضاً: زَيْدُ بنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ [كما عند
الطبراني في «المعجم الكبير» (19/31) (66)]، ويونس بن محمد المؤدب [كما عند
البيهقي في «شعب الإيمان» (12/216) (9298)].
ورواية يُونُس بن مُحَمَّدٍ، قال: حدثنَا خَالِدُ بنُ
مَيْسَرَةَ أَبُو حَاتِمٍ الْبَصْرِيُّ - وَكَانَ
يَنْزِلُ بِمَكَّةَ -، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كَانَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ تَحَلَّقَ إِلَيْهِ
نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ بُنَيٌّ صَغِيرٌ يَأْتِيهِ مِنْ
خَلْفِ ظَهْرِهِ، فَفَقَدَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ إِلَى أَنْ ظَعَنَ فِي جَنَازَةِ
ذَلِكَ الصَّبِيِّ قَالَ: فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ مِنَ الْحَلْقَةِ لَمْ
يَحْضُرْهَا يَذْكُرُ بَنِيهِ حُزْنًا عَلَيْهِ قَالَ: وَفَقَدَهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا بَالِي لَا أَرَى فُلَانًا؟
قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، هَلَكَ الَّذِي رَأَيْتَهُ فَمَنَعَهُ الْحُزْنُ
عَلَيْهِ، وَالذَّكْرُ لَهُ أَنْ يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ. فَلَقِيَهُ نَبِيُّ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّهِ، فَأَخْبَرَهُ
أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ: فَعَزَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: يَا فُلَانُ، أَيُّمَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيْكَ أَنْ تُمَتَّعَ بِهِ
عُمُرَكَ، أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلَّا
وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ؟ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ،
لَا بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ أَحَبُّ إِلَيَّ. قَالَ: فَذَاكَ
لَكَ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَهَذَا
لِهَذَا خَاصَّةً، أَمْ مَنْ هَلَكَ لَهُ طِفْلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ ذَاكَ
لَهُ؟ قَالَ: بَلْ مَنْ هَلَكَ لَهُ طِفْلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ».
والحديث غريب! وهو من مراسيل قرة!
8- روى عَلِيّ بن المَدِينِيّ، ومُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى،
وَعَمْرُو بنُ عَلِيٍّ الفلاس، وعباس الدوري، وأَبو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ، ومُوسَى
بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَيَّانَ، كلهم عن سَهْل بن حَمَّادٍ أبي عَتَّابٍ الدَّلال، عن
شُعْبَة، عن مُعَاوِيَةَ بن قُرَّةَ، عن أبيه، قال: «كان ابن مَسْعُودٍ على
شَجَرَةٍ يَجْنِي لهم منها فَهَبَّتِ الرِّيحُ فَكَشَفَتْ عن سَاقَيْهِ فَضَحِكُوا
من دقة سَاقَيْهِ، فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِي نَفْسِي بيده
لَهُمَا أَثْقَلُ في الْمِيزَانِ يوم الْقِيَامَةِ من أُحُدٍ».
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم
يخرجاه".
وقال البزار: "وهذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ
عَنْ شُعْبَةَ إِلَّا سَهْلُ بنُ حَمَّادٍ".
قلت: يقصد لم يروه عن شعبة مجوّداً هكذا إلا سهل بن حماد،
وإلا فإن غيره رواه عن شعبة دون ذكر "قرة" فيه. وقد وهم فيه سهل فزاد
فيه رجلاً، فسلك الجادة: "قرة عن أبيه"!
وقد رواه بَهْز وأبو داود الطيالسي، كلاهما عن شُعْبَة، عن
مُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ، قَالَ: "كَانَ عَبْدُاللَّهِ بنُ مَسْعُودٍ"،
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَلَمْ يُجَاوِزْ بِهِ مُعَاوِيَةَ بنَ قُرَّةَ، وهو الصواب.
9- روى أبو سُفْيَانٍ المَعْمَرِيُّ، قال: حدثنا شُعْبَةُ،
عن مُعَاوِيَةَ بن قُرَّةَ، عن أبيه قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«فَضْلُ عَائِشَةَ على النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ على سَائِرِ الطَّعَامِ».
قال الحاكم بعد أن أخرجه: "لَمْ نَكْتُبْهُ إِلَّا
عَنْهُ".
قلت: تفرد به المعمري عن شعبة بهذا الإسناد! وغيره يخالفه
في إسناده! رواه أَبُو دَاوُدَ الطيالسي ووكيع ومحمد بن جعفر ومعاذ العنبري ويحيى
القطان وغيرهم، عن شُعْبَة، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، سَمِعَ
مُرَّةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى، به.
وهذا هو المحفوظ والصحيح من حديث شعبة، وقد وهم المعمري
فيه فساقه بهذا الإسناد، وكأنه دخل له إسناد في إسناد، والله أعلم.
10- روى عُمَرُ بنُ يَزِيدَ الشَّيْبَانِيُّ، قال: حدثنا
حَمَّادُ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ الْمَالِكِيُّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ،
قَالَ: قَالَ أَبِي: «إِذَا مَرَرْتَ بِالمَجْلِسِ فَسَلِّمْ عَلَى أَهْلِهِ،
فَإِنْ يَكُونُوا فِي خَيْرٍ فَأَنْتَ شَرِيكُهُمْ، وَإِنْ يَكُونُوا فِي غَيْرِ
ذَلِكَ كَانَ لَكَ أَجْرٌ، هَكَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم
يَقُولُ».
قلت: هذا إسناد مجهول!
قال العقيلي: "عمر بن يزيد الشيباني الرفاء: شيخ بصري
مجهول بالنقل، جاء عن شعبة بحديث معضل".
وأخرج البخاري في «الأدب المفرد» (1009) قال: حَدَّثَنَا
مَطَرُ بنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
بِسْطَامُ بن مُسلمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ قَالَ: قَالَ لِي
أَبِي: «يَا بُنَيَّ، إِنْ كُنْتَ فِي مَجْلِسٍ تَرْجُو خَيْرَهُ، فَعَجِلَتْ بِكَ
حَاجَةٌ فَقُلْ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّكَ تَشْرَكُهُمْ فِيمَا أَصَابُوا فِي
ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَمَا مِنْ قَوْمٍ يَجْلِسُونَ مَجْلِسًا فَيَتَفَرَّقُونَ
عَنْهُ لَمْ يُذْكَرِ اللَّهُ، إِلَّا كَأَنَّمَا تَفَرَّقُوا عَنْ جِيفَةِ
حِمَارٍ».
فهذا موقوف على قرّة.
وقد رُوي عن معاوية بإسناد آخر.
قال أبو نُعيم في «الحلية» (2/301): "رَوَاهُ
جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ بِسْطَامٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ: أَنَّ لُقْمَانَ
قَالَ لِابْنِهِ، مِثْلَهُ".
وهذا أشبه أنه من حِكم لقمان، والله أعلم.
وروى البخاري أيضاً في «الأدب المفرد» (1037) عن مَطَرٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا بِسْطَامٌ قَالَ:
سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ قَالَ: قَالَ لِي أَبِي: «يَا بُنَيَّ، إِذَا
مَرَّ بِكَ الرَّجُلُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَلَا تَقُلْ: وَعَلَيْكَ،
كَأَنَّكَ تَخُصُّهُ بِذَلِكَ وَحْدَهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ وَحْدَهُ، وَلَكِنْ
قُلِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ».
وهذا موقوف أيضاً.
ورواه ابن أبي شيبة عن ابن عُلَيَّة، عَنِ الجَلْدِ بنِ
أَيُّوبَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، قَالَ: أَوْصَانِي أَبِي، قَالَ: «إذَا
سُلِّمَ عَلَيْك، فَلاَ تَقُلْ: وَعَلَيْك، قُلْ: وَعَلَيْكُمْ، فَإِنَّ مَعَهُ
مَلاَئِكَةٌ».
والجلد بن أيوب ليس بشيء في الحديث! يروي المناكير عن
معاوية بن قرة، لكن قد توبع عليه كما سبق.
قال ابن حجر في «الفتح» عن إسناد البخاري في «الأدب المفرد»:
"وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ".
11- روى أَحْمَدُ بن دَاوُدَ الْمَكِّيُّ، قال: حدثنا
إِبْرَاهِيمُ بن زَكَرِيَّا العَبْدَسِيُّ، قال: حدثنا فُدَيْكُ بن سُلَيْمَانَ،
قال: حدثنا خَلِيفَةُ بن حُمَيْدٍ، عن إِيَاسِ بن مُعَاوِيَةَ بن قُرَّةَ، عن
أبيه، عن جَدِّهِ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «من كَبَّرَ
تَكْبِيرَةً عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ على سَاحِلِ الْبَحْرِ رَافِعًا صَوْتَهُ
أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الأَجْرِ بِعَدَدِ كل قَطْرَةٍ في الْبَحْرِ عَشَرَ
حَسَنَاتٍ وَمَحَا عنه عَشَرَ سَيِّئَاتٍ وَرَفَعَ له عَشَرَ دَرَجَاتٍ ما بين
الدَّرَجَتَيْنِ مَسِيرَةُ مِائَةِ عَامٍ بِالْفَرَسِ الْمُسْرِعِ».
رواه الحاكم في «مستدركه» وسكت عليه.
وقال الذهبي في «تلخيصه للمستدرك»: "هذا منكرٌ
جداً".
وقال أبو نعيم في «الحلية»: "غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ
إِيَاسٍ وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ إِلَّا خَلِيفَةُ، تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ
فُدَيْكٌ".
12- روى محمد بن أبي السَّرِيُّ الْعَسْقَلانِيُّ، قال:
حدثنا بَكْرُ بن بِشْرٍ التِّرْمِذِيُّ - وكان إِمَامَنَا بِعَسْقَلانَ مَاتَ
سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائةٍ -، قال: حدثني عبدالحَمِيدِ بن سَوَّارٍ،
قال: حدثني إِيَاسُ بن مُعَاوِيَةَ بن قُرَّةَ، قال: حدثني أبي، عن جَدِّي
قُرَّةَ قال: «كنا عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلم فَذُكِرَ عِنْدَهُ الْحَيَاءُ،
فَقَالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، الْحَيَاءُ مِنَ الدِّينِ. فقال رسول اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم: بَلْ هو الدِّينُ كُلُّهُ، ثُمَّ قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم: إِنَّ الْحَيَاءَ وَالْعَفَافَ وَالْعِيَّ عِيُّ اللِّسَانِ لا عِيَّ
الْقَلْبِ، وَالْعَمَلَ مِنَ الإِيمَانِ، وَإِنَّهُنَّ يَزِدْنَ فِيِ الآخِرَةِ
وَيُنْقِصْنَ مِنَ الدُّنْيَا وَلَمَا يَزِدْنَ في الآخِرَةِ أَكْثَرُ مِمَّا
يُنْقِصْنَ في الدُّنْيَا فإن الشُّحَّ وَالْبَذَاءَ مِنَ النِّفَاقِ وَإِنَّهُنَّ
يَزِدْنَ في الدُّنْيَا وَيُنْقِصْنَ مِنَ الآخِرَةِ وَلَمَا يُنْقِصْنَ في
الآخِرَةِ أَكْثَرُ مِمَّا يَزِدْنَ في الدُّنْيَا».
وروى صاحب «أخبار القضاة» الملقب بوكيع (1/318) قال:
حَدَّثَنِي أَبُو الأحوص مُحَمَّد بن الهيثم، ومُحَمَّد بْن إسماعيل بْن يوسف،
ومُحَمَّد بْن الحارث بْن عقبة، وغيرهم؛ قالوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أبي السري،
قال: حَدَّثَنَا بكر بْن بشر السلمي، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالحميد بْن سوار، عَن
إياس بْن معاوية بْن قرة، قال: كنا عند عُمَر بْن عَبْدالعزيز، فذكر عنده
الحياء؛ فقالوا: الحياء من الدين، قَالَ عُمَر: الحياء الدين كله. فَقَالَ: إياس
بن معاوية؛ حَدَّثَنِي أبي، عَن جدي؛ قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فذكر نحوه، وفي آخره: قالَ إياس: "فأمرني عُمَر بْن عَبْدالعزيز، فأمليته
عليه، وكتبها بخطه ثم صلى بنا الظهر والعصر، وإنها لفي كفه ما يضعها".
قلت: هذا لا يُعرف عن قرة إلا بهذا الإسناد!! وهو إسناد
مجهول!
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (2/88): "بكر بن
بشر، هو الترمذي: سمع عَبْدالْحَمِيدِ بْن سَوَّارٍ عَنْ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ
بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
قَالَ: الْحَيَاءُ وَالْعَمَلُ مِنَ الإِيمَانِ. سَمِعَ منه مُحَمَّد بْن أَبِي
السري".
وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/382):
"سمعت أبي يقول: هو مجهول".
وذكره ابن حبان في «الثقات» (8/148)!
وقال البخاري في «التاريخ الكبير» (6/49):
"عَبْدالْحَمِيدِ بْن سَوَّارٍ عَنْ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَة، روى عَنْهُ بكر
بْن بشر".
وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (6/13): "سمعت
أبي يقول: مجهول".
وذكره ابن حبان في «الثقات» (8/399)!!
وضعفه أبو زرعة، وقال يحيى بن معين: "ليس بشيء".
وأورد الإمام البخاري هذا الحديث في ترجمة «قرة بن إياس»
(7/180) للدلالة على نكارته!
وهذا الذي في الحديث معروف ومحفوظ من قول عَوْنِ بنِ
عَبْدِاللَّهِ بن عتبة بن مسعود الإمام الفقيه الزاهد (ت113هـ).
روى قرّة بن خالد وعَبْد الرَّحْمَنِ بن عَبداللَّهِ
المسعودي، عَنْ عَوْنِ بنِ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: «ثَلَاثٌ مِنَ الْإِيمَانِ:
الْحَيَاءُ، وَالْعَفَافُ، وَالْعِيُّ: عِيُّ اللِّسَانِ لَا عِيُّ الْقَلْبِ،
وَلَا عِيُّ الْعَمَلِ، وَهُنَّ مِمَّا يَزِدْنَ فِي الْآخِرَةِ، وَيَنْقُصْنَ
مِنَ الدُّنْيَا، وَمَا يَزِدْنَ فِي الْآخِرَةِ أَكْثَرُ مِمَّا يَنْقُصْنَ مِنَ
الدُّنْيَا، وَثَلَاثٌ مِمَّا يَنْقُصْنَ مِنَ الْآخِرَةِ وَيَزِدْنَ فِي
الدُّنْيَا: الْفُحْشُ، وَالشُّحُّ وَالْبَذَاءُ، وَمَا يَنْقُصْنَ مِنَ
الْآخِرَةِ أَكْثَرُ مِمَّا يَزِدْنَ فِي الدُّنْيَا».
وخالفهما أَبُو غِفَارٍ الْمُثَنَّى بنُ سَعِيدٍ
الطَّائِيُّ، فقال: حَدَّثَنِي عَوْنُ بنُ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: قُلْتُ:
لِعُمَرَ بنِ عَبْدِالْعَزِيزِ حَدَّثَنِي فُلَانٌ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَعَرَفَهُ عُمَرُ، قُلْتُ: حَدَّثَنِي أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْحَيَاءَ، وَالْعَفَافَ،
وَالْعِيَّ، عِيَّ اللِّسَانِ، لَا عِيَّ الْقَلْبِ، وَالْفِقْهَ مِنَ
الْإِيمَانِ، وَهُنَّ مِمَّا يَزِدْنَ فِي الْآخِرَةِ، وَيُنْقِصْنَ مِنَ
الدُّنْيَا، وَمَا يَزِدْنَ فِي الْآخِرَةِ أَكْثَرُ، وَإِنَّ الْبَذَاءَ،
وَالْجَفَاءَ، وَالشُّحَّ، مِنَ النِّفَاقِ، وَهُنَّ مِمَّا يَزِدْنَ فِي
الدُّنْيَا، وَيُنْقِصْنَ فِي الْآخِرَةِ، وَمَا يُنْقِصْنَ فِي الْآخِرَةِ
أَكْثَرُ».
قلت: أبو غفار لا بأس به صالح الحديث ويُعتبر به، ولم
يخرِّج له الشيخان، ولا يقبل تفرده هذا في مقابل مخالفته لاثنين من الثقات، وكأنه
وهم فيه فأدخل قصة عمر بن عبدالعزيز الواردة في الحديث الأصل، ولا تصح! والله أعلم.
13- روى خَالِدُ بن مَيْسَرَةَ، عن مُعَاوِيَةَ بن
قُرَّةَ، عن أبيه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قال: «من أَكَلَ من
هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ فَلا يَقْرَبْنَا في مَسْجِدِنَا فَإِنْ كُنْتُمْ لا
بُدَّ آكِلِيهَا فَأَمِيتُوهُمَا طَبْخًا».
قال البزار: "وهَذَا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ إِلَّا خَالِدُ بْنُ مَيْسَرَةَ وَقَدْ رَوَى
عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ".
وقال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ
مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ إِلَّا خَالِدُ بنُ مَيْسَرَةَ".
قلت: خالد بن ميسرة هذا ذكره ابن عدي في «الكامل في
الضعفاء» (3/20) وساق له هذا الحديث فقط، ثم قال: "وهذا يرويه عن معاوية بن
قرة: خالد بن ميسرة، وله غير هذا من الحديث، وهو عندي صدوق، فإني لم أر له حديثاً
منكراً".
وتعقبه الذهبي في «الميزان» فقال: "فلماذا ذكرته في
الضعفاء، وقد ذكره ابن حبان في الثقات"!
وذكره في «تاريخ الإسلام» (4/352) باسم «خَالِد بن
مَيْسَرَةَ أَبُي حَاتِمٍ» [161 – 170هـ] وقال: "بَصْرِيٌّ صُوَيْلِحٌ".
ثم ذكره في موضع آخر (4/614) باسم «خَالِد بن مَيْسَرَةَ
البَصْرِيُّ العَطَّار» [171 – 180هـ] وقال: "قَالَ ابنُ عَدِيٍّ: هُوَ عِنْدِي
صَدُوقٌ".
قلت: كذا ذكره في طبقتين باسمين مختلفين!
وخالد بن ميسرة هذا شبه مجهول!
وقد سأل الترمذي الإمام البخاريَّ عن هذا الحديث كما في
«العلل الكبير» (1/301) فقال: "هو حديث حسن".
قلت: يقصد بالحسن هنا: الغريب! ولا يقصد التحسين المصطلحي
المرتبة التي بين الصحيح والضعيف، وإنما هو أقرب لمصطلح النكارة كما قيل: "من
حُسنها فررت". وقد أخطأ كثير من المعاصرين إذ يظنون أن البخاري بقوله:
"حسن" يعني قبوله للحديث!!
14- روى محمد بن جَهْضَمَ، عن الأَزْهَر بن سِنَانٍ، عن
شَبِيبِ بن مُحَمَّدِ بن وَاسِعٍ، عن مُعَاوِيَةَ بن قُرَّةَ، عن أبيه قُرَّةَ
قال: ذَهبْتُ لأُسْلِمَ حين بُعِثَ النبي صلى الله عليه وسلم فَأَرَدْتُ أَنْ
أُدْخِلَ مَعِيَ رَجُلَيْنِ أو ثَلاثَةً في الإِسْلامِ فَأَتَيْتُ الْمَاءَ حَيْثُ
مُجَمِّعِ الناس فإذا أنا بِرَاعِي الْقَرْيَةِ الذي يَرْعَى أَغْنَامَهُمْ فقال
لا أَرْعَى لَكُمْ أَغْنَامَكُمْ قالوا لِمَ قال يَجِيءُ الذِّئْبُ كُلَّ لَيْلَةٍ
فَيَأْخُذُ الشَّاةَ وَصَنَمُنَا هذا قَائِمٌ لا يَضُرُّ وَلا يَنْفَعُ وَلا
يُغَيِّرُ وَلا يُنْكِرُ فَرَجَعُوا وأنا أَرْجُو أَنْ يُسْلِمُوا فلما
أَصْبَحْنَا جاء الرَّاعِي يَشْتَدُّ وهو يقول جاء الْبُشْرَى جاء الْبُشْرَى جاء
الذِّئْبُ فَهُوَ بين يَدَيِ الصَّنَمِ مَقْمُوطًا فَذَهَبْتُ مَعَهُمْ
فَقَبَّلُوهُ وَسَجَدُوا له وَقَالُوا هَكَذَا فَاصْنَعْ فَدَخَلْتُ على النبي صلى
الله عليه وسلم فَحَدَّثْتُهُ بهذا الحديث فقال: «عبثَ بِهِمُ الشَّيْطَانُ».
وفي رواية البزار بالإسناد نفسه: عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ
قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي نُرِيدُ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ مَرَرْنَا
بِحَيٍّ فَبِتْنَا فِيهِ... مثله.
وكذا في «التاريخ الكبير» (4/234): "شبيب بن مُحَمَّد
بن واسع عَنْ مُعَاوِيَة بْن قرة عَنْ أَبِيه قَالَ: كنت مَعَ أبي نُريد رسول
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، روى عَنْهُ الأزهر".
قال البزار: "وهَذَا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ
يُرْوَى بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا عَنْ قُرَّةَ بْنِ إِيَاسَ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ
طَرِيقًا غَيْرَ هَذَا الطَّرِيقِ، وَالْأَزْهَرُ بنُ سِنَانٍ حَدَّثَ عَنْهُ
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ وَغَيْرُهُمَا".
وقال ابن عدي: "وهذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ يَرْوِيهِ
إِلا مُحَمد بنُ جَهْضَمٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ".
وقال أبو نُعيم: "هذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَمْ
نَكْتُبْهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ شَبِيبِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَتَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ
الْأَزْهَرُ".
قال يَحْيى بن مَعِين: "أزهر بن سنان: لَيْسَ بشَيْءٍ".
وَقَال أبو جعفر العقيلي: "في حديثه وهم".
وقال ابن عدي: "ولأَزْهَرَ بنِ سِنَانٍ غَيْرَ مَا
ذَكَرْتُ أَحَادِيثُ وَلَيْسَ بِالْكَثِيرِ وَأَحَادِيثُهُ صَالِحَةٌ ليس
بِالْمُنْكَرَةِ جِدًّا، وَأَرْجُو أَنَّهُ لا بَأْسَ بِهِ".
15- روى دَاوُدُ بنُ المُحَبَّرِ بنِ قَحْذَمِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا المُحَبَّرُ بنُ قَحْذَمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَحْذَمِ بنُ سُلَيْمَانَ،
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم: «لَتُمْلَأَنَّ الْأَرْضُ جَوْرًا وَظُلْمًا، فَإِذَا مُلِئَتْ
جَوْرًا وَظُلْمًا بَعَثَ اللَّهُ رَجُلًا مِنِّي اسْمُهُ اسْمِي أَوِ اسْمُهُ
اسْمُ أَبِي، يَمْلَؤُهَا عَدْلًا وَقِسْطًا، كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا،
فَلَا تَمْنَعُ السَّمَاءَ شَيْئًا مِنْ قَطْرِهَا وَلَا الْأَرْضَ شَيْئًا مِنْ
نَبَاتِهَا، يَلْبَثُ فِيكُمْ سَبْعًا أَوْ ثَمَانِيًا أَوْ تِسْعًا يَعْنِي
سِنِينَ».
قال البزار: "وهذَا الحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ مَعْمَرٌ،
عَنْ أَبِي هَارُونَ العَبْدِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِي
الصِّدِّيقِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ
أَشْبَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
مِنْ وُجُوهٍ، وَلَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ".
وأورده ابن عدي في ترجمة داود، ثم قال: "كذا قال داود
في هذا الحديث، عن أبيه، عَن جَدِّهِ عن معاوية بن قرة، عن أبيه عن النَّبِيِّ صلى
الله عليه وسلم! وغيره يرويه عن معاوية بن قرة، عَن أبي الصديق الناجي، عَن أبي
سَعِيد الخدري. وروى داود بن محبر، عن أبيه، عَن جَدِّهِ عن معاوية بن قرة، عن
أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا آخر: «أَن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم
تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، فقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به ثم توضأ
مرتين» الحديث. وهذا رواه زيد العمي عن معاوية بن قرة، فقال عَبدالله بن عرادة عنه
عن معاوية بن قرة، عن عُبَيد بن عُمَير، عَن أبي كعب. وقال سلام الطويل: عن زيد
العمي، عن معاوية بن قرة، عنِ ابن عُمَر، وهكذا رواه عَبدالرحيم بن زيد العمي، عن
أبيه أَيضًا".
وعند البخاري في «التاريخ الكبير» (8/59) جعله عن أنس:
"مُحَبّر بن قَحذَم عَنْ أَبيه قَحذَم بن سُلَيمان، عَنْ مُعاوية بْن قُرَّة،
عَنْ أَنَس: لتُملأَنَّ الأرض جَورًا وظُلمًا".
قال عبدالله بن أحمد: سألت أبي عن داود بن المحبر، فضحك
وقال: "شبه لا شيء، كان لا يدرى أي شيء الحديث".
وقال علي بن المديني: "داود بن المحبر ذهب
حديثه".
وقال أبو حاتم الرازي: "داود بن المحبر غير ثقة، ذاهب
الحديث، منكر الحديث".
وقال ابن حبان: "كَانَ يضع الحَدِيث عَلَى الثِّقَات
ويروي عَن المجاهيل المقلوبات كَانَ أَحْمَد بن حَنْبَل يَقُول: هُوَ
كَذَّاب".
16- روى يَعْقُوبُ بنُ مُحَمَّد الزُّهْرِيّ، عن
عَبْداللهِ بن عِصْمَة النّصيبي الجَزَرِيّ، عن بِشْر بن حَكِيمٍ، عَنْ سَالِمِ
بنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ
صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «مَنْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَوَضَعَ وَصِيَّتَهُ
عَلَى كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَانَ ذَلِكَ كَفَّارَةً لِمَا ضَيَّعَ مِنْ
زَكَاتِهِ فِي حَيَاتِهِ».
قال ابن الجوزي في «الموضوعات» (3/221): "هَذَا
حَدِيث لَا يَصح. قَالَ أَحْمَد بن حَنْبَل: يَعْقُوب لَا يساوى شَيْئا".
وتبعه الذهبي في «تلخيص الموضوعات» (ص: 338) فقال: "فِيهِ: يَعْقُوب بن
مُحَمَّد الزُّهْرِيّ - واه - عَن رجل، عَن آخر..".
لكن رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (19/33) من طريق
إسْحَاق بن رَاهَوَيْهِ، عن عبدالله بن عصمة، به.
وعبدالله بن عصمة وشيخه مجهولان!
قال ابن عدي: "وعبدالله بن عصمة رأيت له أحاديث
أنكرها وليس بالكثير، وإِنَّما ذكرته لأني شرطت في أول كتابي أني أذكر كل من أنكر
حديثه أو يروي حديثا يضعف من أجله ولم أر للمتقدمين فيه كلاماً".
ورواه يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ، قال حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ،
عَن أَبِي حَلْبَسٍ، عَنْ خُلَيْدِ بنِ أَبي خُلَيْدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنُ
قُرَّةَ، عَن أَبِيهِ.
قال المزي في «تهذيب الكمال» (8/306): "هَكَذَا
رَوَاهُ يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ عَنْ بقية، وخالفه عِيسَى بن المنذر الحمصي،
وعَبْدالرَّحْمَنِ بن الحارث المعروف بجحدر، وغيرهما، فقالوا: عَنْ بقية، عَنْ
خليد بْن أَبي خليد، عَن أبي حلبس، عَنْ معاوية بن قرة، وقد روى بقية، عَنْ خليد
بن دعلج، عَنْ معاوية بْن قرة حديثاً غير هذا وما أخلقه أن يكون خليد بن أَبي خليد
هذا، ويكون بقية قد دلّسه فِي هذا الحديث لضعفه، فإن ذلك معروف لبقية".
وخالفهم موسى بن مروان، فرواه: عن بقية، عن أبي حلبس خليد
بن دعلج، عن معاوية بن قرة، عن أبيه. أخرجه أبو بشر الدولابي في «الكنى»، ثم قال:
"هذا حديث معضل يكاد أن يكون باطلاً".
قال الذهبي في «الميزان»: "خليد بن أبى خليد [ق]. عنه
أبو حلبس. شيخ لبقية، مجهول الحال. والظاهر أنه خليد بن دعلج".
ثم قال: "خليد بن دعلج، أبو حلبس. ويقال: أبو عمر،
بصري، نزل القدس... ضعفه أحمد، ويحيى. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال أبو حاتم:
صالح ليس بالمتين. وقال ابن عدي: عامة حديثه تابعه عليه غيره".
وأصل الحديث ما رواه حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ داَوُدَ بنِ أَبِي
هِنْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ لِي ثُمَامَةُ بنُ حَزْنٍ: مَا
فَعَلَ أَبُوكَ؟ قُلْتُ: مَاتَ، قَالَ: فَهَلْ أَوْصَى؟ فَإِنَّهُ كَانَ يُقَالُ:
"إِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ تَمَاماً لِمَا ضَيَّعَ
مِنْ زَكَاتِهِ".
فالحديث لا يصح مرفوعاً وإنما كان منتشراً بالإرسال، فرفعه
المجاهيل والضعفاء!
17- روى الْحَسَنُ بنُ شَبِيبٍ، قَالَ: حدثنا مُحَمَّدُ
بنُ زِيَادٍ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ فُرَاتِ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ
بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
{طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} [الرعد: 29] «شَجَرَةُ غَرَسَهَا اللَّهُ
بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ بِالْحُلِيِّ وَالْحُلَلِ، وَإِنَّ
أَغْصَانَهَا لَتُرَى مِنْ وَرَاءِ سُورِ الْجَنَّةِ».
18- وروى الحَسَنُ بنُ شَبِيبٍ الْمُكْتِبُ، قَالَ: حدثنا
مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ الْجَزَرِيُّ، عَنْ فُرَاتِ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ
بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {ن
وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1] «لَوْحٌ مِنْ نُورٍ يَجْرِي بِمَا هُوَ
كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
قال ابن كثير في «التفسير»: "وهذا مرسلٌ غريبٌ".
قلت: فانظر كيف حكم على أنه مرسل، وهذا يعني أن قرة ليس
بصحابي! مع أنه كان ينبغي أن لا يلتفت إلى هذا وكأنه صحّ إلى قرة!! بل كلاهما
موضوع!
فالحسن بن شبيب، قال فيه ابن عدي: "حدث عن الثقات
بالبواطيل، وأوصل أحاديث هي مرسلة".
وشيخه محمد بن زياد الجزري اليشكري، قال أحمد: "كان
أعور كذاباً خبيثاً، يضع الأحاديث". وقال ابن حبان: "كان ممن يضع الحديث
على الثقات، ويأتي عن الأثبات بالأشياء المعضلات". وقال الحاكم: "يروي
عن ميمون بن مهران وغيره: الموضوعات".
19- روى البزار قال: أَخْبَرَنَا عُقْبَةُ بنُ مُكْرَمِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بنُ أَسَدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بنُ
عَبْدِاللَّهِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهٍ: أَنَّ النَّبِيَّ
صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً».
قال البزار: "ولا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا
الْحَدِيثَ إِلَّا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَسَدٍ! لَمْ
نَسْمَعُهُ إِلَّا مِنْهُ".
قلت: هذا الحديث غريب! ولا يعرف عن قرة ولا عن معاوية إلا
بهذا الإسناد!!
وكَثِيرُ بنُ عَبْدِاللَّهِ هذا هو: السَّامِيُّ
النَّاجِيُّ، أَبُو هَاشِمٍ الأُبُلِّيُّ الْبَصْرِيُّ، ليس بشيء متروك، كان يُحدِّث
عن أنس بن مالك بالمناكير!
ومتن الحديث مشهور
وصحيح من حديث أنس بن مالك، فلعل كثيراً هذا سمعه من أنس، ثم وهم في إسناده فرواه
عن معاوية عن أبيه، وكان قد روى أنه سمع أنساً يُحدِّث معاوية بن قرة ببعض الأحاديث.
20- روى الطبراني عن محمد بن عُثْمَانَ بن أبي شَيْبَةَ:
حدثنا مِنْجَابُ بن الحَارِثِ: حدثنا عَلِيُّ بن مُسْهِرٍ، عن عبدالرحمن بن
زِيَادِ بن أَنْعَمَ، عن مُعَاوِيَةَ بن قُرَّةَ، عن أبيه: قَال َرَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ
الْجَنَّةِ، وَأَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا».
ورواه البزار قال: أخْبَرَنَا أَبُو الصَّبَّاحِ مُحَمَّدُ
بنُ اللَّيْثِ الْهَدَادِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا زِيَادُ بنُ أَبِي زِيَادٍ،
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه
وسلم قَالَ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ: «إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا» أَوْ
قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا».
قال البزار: "وهذا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ
عَنْ زِيَادٍ إِلَّا عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، وَلَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ
إِلَّا خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، وَلَمْ نَسْمَعْهُ إِلَّا مِنْ مُحَمَّدِ بنِ
اللَّيْثِ عَنْ خَالِدٍ".
قلت: محمد بن الليث خالف في إسناد الحديث فجعله عن ابن
مسهر عن زياد بن أبي زياد عن معاوية، والصواب أنه عن ابن مسهر عن ابن أنعم عن
معاوية.
قال ابن حبان في «الثقات» (9/135): "مُحَمَّد بن
اللَّيْث أَبُو الصَّباح من أهل الْبَصْرَة يروي عَن أبي عَاصِم. حَدَّثنا عَنهُ
ابن الطهراني: يخطىء وَيُخَالف".
وعبدالرحمن بن زياد بن أنعم ليس بشيء! والأئمة النقاد على
تضعيفه، فهو هالك. وعامة ما يرويه لا يُتابع عليه كما قال ابن عدي.
والخلاصة أنّ الأحاديث التي رُويت عن
معاوية بن قرة عن أبيه غالبها معلولة لم يُحدِّث بها معاوية عن أبيه، وبعضها من
قول معاوية بن قرة، وبعضها حدّث بها معاوية عن أبيه وهي أربعة أحاديث [حديث البحث،
وحديث رقم (4)، و(6)، و(7)] وهي من المراسيل، ولم يسمعها من النبيّ صلى الله عليه
وسلم، وبعضها روايات مشهورة إلا أنه دخلها بعض المنكرات؛ لأنها كانت منتشرة بالإرسال!
ويؤيد ذلك أن أحدها رُوي: "أن رجلاً" = وهذا مظنة الإرسال!
وقد صرّح معاوية أن أباه كان يحدّث عن النبي صلى الله عليه
وسلم ولا يدري هل سمع منه أم لا!
وحديث البحث لا يُعرف إلا من حديث شعبة عن معاوية! وحديث
الطائفة المنصورة أنزله بعض أهل العلم على أهل الشام، وهذا الحديث من ضمن هذه
التنزيلات التي لا تصح!!
وقد دخل هذا اللفظ في الحديث المشهور الصحيح في الطائفة
المنصورة؛ لأن الأحاديث المرسلة المنتشرة كان بعض الرواة يدخلها في الصحيح فتصبح
منه!
وأخشى أن يكون حصل لشعبة خطأ في إسناد الحديث مع الحديث
الذي رواه أبو داود الطيالسي عن شُعْبَة، عَنْ أَبِي عَبْدِاللهِ الشَّامِيِّ،
قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ، يَخْطُبُ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الشَّامِ حَدَّثَنِي
الْأَنْصَارِيُّ - قَالَ شُعْبَةُ: يَعْنِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ -، أَنَّ رَسُولَ
اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى
الحَقِّ ظَاهِرِينَ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوهُمْ يَا أَهْلَ الشَّامِ».
وأبو عبدالله الشامي هذا مجهول!
نعم، شعبة جبل من جبال الحفظ، لكن الثقة أحياناً قد يُخطئ،
ولا أجزم بخطئه لكن هذا على الاحتمال؛ لأن الحديث لا يوجد له أيّ طريق آخر، وتفسير
حديث الطائفة المنصورة بأهل الشام ومدحهم لا يصح فيه شيء عن النبي صلى الله عليه
وسلم، وإنما هو تفسير من أهل العلم، والله أعلم.
وإن ثبت هذا الحديث أنه من رواية قرة فهو مرسل لا يصح!
وعدم ثبوت أحاديث من رواية قرّة بن إياس إلا أربعة أحاديث
مع عدم ثبوت سماعه فيه إشارة إلى أن حديثه ليس بمرفوع، ولم يسمع من النبي صلى الله
عليه وسلم، وإنما رآه ودعا له، وحديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم - إن ثبت - فهو
مرسل يُعامل معاملة حديث صغار الصحابة والمخضرمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
وكتب: خالد الحايك.
شاركنا تعليقك