«إِرشادُ الحائِر» في
حديث «أَفْضَل الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِر».
سُئلت
عن حديث: «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» ومن
يحتج به لقول كلمة الحق؟!
فقلت:
هذا الحديث أخرجه الترمذي، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجه، وأحمد، والحُميدي،
والبزار، وغيرهم.
وله
ثلاث طُرق:
أما
الأولى: فمن حديث حَمَّاد بن سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ،
قَالَ: عَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ عِنْدَ
الْجَمْرَةِ الْأُولَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟
فَسَكَتَ عَنْهُ، فَلَمَّا رَمَى الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ، سَأَلَهُ، فَسَكَتَ
عَنْهُ، فَلَمَّا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ
لِيَرْكَبَ، قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ؟» قَالَ: أَنَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ
قَالَ: «كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ ذِي سُلْطَانٍ جَائِرٍ».
قلت:
وهذا إسناد منكر! تفرد به حماد بن سلمة عن أبي غالب! وأبو غالب – واسمه حزوّر-
اختلف فيه أهل العلم، وهو عندي متّهم! يروي المناكير عن أبي أمامة.
والثانية:
من حديث عَطِيَّة العُوفي، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الجِهَادِ
كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ».
قال
الترمذي: "وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ".
قلت:
عطية ضعيف متروك.
وله
طريق أخرى من حديث عَلِيّ بن زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
وعلي
بن زيد بن جدعان ضعيفٌ جداً.
وأما
الثالثة: فمن حديث طَارِقِ بنِ شِهَابٍ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ: أَيُّ
الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ».
قال
أبو حاتم الرازي: "له رؤية وليست له صحبة، والحديث الذي رواه الثوري عن علقمة
بن مرثد عن طارق بن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الجهاد أفضل، قال: كلمة
حق عند سلطان جائر، هو حديث مرسل".
قلت:
نعم، هو حديث مرسل؛ لأن طارق بن شهاب لا صحبة له، ومن زعم أن هذا يدخل في مراسيل
الصحابة فقد أخطأ! فالذين لهم رؤية وكانوا صغاراً لم يسمعوا منه صلى الله عليه
وسلم، وأن نحكم بأن حديثهم من مراسيل الصحابة على اعتبار أنهم لا بد أنهم سمعوا
هذه الأحاديث من صحابة سمعوا منه صلى الله عليه وسلم، فهذا ليس بصحيح! فربما سمعوا
من تابعين أكبر منهم، ولم لا يذكرون الصحابة الذين حدثوهم؟!
فالذي
نعده مرسل صحابي ما جاء عن صحابي لم يسمع واقعة معينة أو لم يكن موجوداً بقرينة أن
هذا الصحابي قد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث أخرى، فهذا نعدّ حديثه
مرسل صحابي، كحديث عائشة أن الحارث بن هشام سأل النبي صلى الله عليه وسلم: كيف
يأتيك الوحي؟ فهذا السؤال لم تكن عائشة حاضرة فيه، ولهذا أعله بعضهم بالإرسال،
لكنه مرسل صحابي، فيقبل؛ لأن عائشة سمعت كثيراً منه صلى الله عليه وسلم، وليست مثل
أؤلئك الذين لهم رؤية فقط، وإنما أدخلهم العلماء في الصحابة لشرف الصحبة فقط، لكن
أن يكون حديثهم مرسل صحابي فهذا لا يستقيم، ولا يُقبل.
وقد
تفرد بهذا الحديث عن طارق بن شهاب: علقمة بن مَرثد - وهو كوفي ثقة، وقال فيه أبو
حاتم: صالح الحديث -، ولا يوجد هذا الحديث عند أصحاب طارق كقيس بن مسلم الكوفي،
وهو من المكثرين عنه، وجُلّ ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث طارق عنه.
بل
لا أعرف لعلقمة بن مرثد رواية عن طارق إلا في هذا الحديث!!
وقد
تفرد به عن علقمة: سفيان الثوري!
فهذه
الطرق لا تتقوى بمجموعها؛ فالعوفي وأبو غالب متروكان.. وابن جدعان أقرب للترك!
وأما
حديث طارق فعلته الإرسال وإن كان له رؤية فلا نستطيع أن نجزم انه سمعه من صحابي؛ فلو
كان سمعه من صحابي لم يزهد في ذكره بخلاف أحاديثه الأخرى التي يذكر فيها من حدّثه
من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والإرسال
أكثر ما يكون في القصص والحكايات، ولهذا يتناقلها النّاس فيما بينهم.
ولا
شك أن الذي يقول كلمة الحق في وجه السلطان الجائر يكون قد أدّى الذي عليه من الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولكن
هذا ليس قرآناً بحيث إذا لم يفعل العالِم ذلك اُحتج عليه بهذا الحديث!! سيما وظروف
أهل العلم تختلف من مكان لمكان، وقد قال الله سبحانه: {ولا تلقوا بأيديكم إلى
التهلكة}، فإن إظهار الحق - في غير التوحيد - إذا قضي إلى التهلكة يكون منهياً
عنه، فيمكن أن يسكت في هذه الحال. وهذه الآية للمفسرين أقوال كثيرة فيها ومنها ما
رُوي عن أبي أيوب الأنصاري أنها نزلت فيهم عندما تركوا الجهاد واعتنوا بأمورهم
الدنيوية، إلا أن الآية عامة، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وقد
قال الله تعالى أيضاً: {قال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه}، فإن كتمانه إيمانه
إنما كان لأجل الخوف من الأعداء، وهو يدخل في معنى التقية وقد سماه - سبحانه -
مؤمناً.
وبحسب
الحديث فإنّ من قال كلمة عدل وحقّ للسلطان الجائر الذي مَال عَن الْحق؛ فإن هذا من
أفضل الجهاد؛ لأن هذا الحاكم الجائر قد يبطش به فيقتله! ولكن قد يقول هذه الكلمة
فلا يبطش به، فكيف يكون ذلك من أفضل الجهاد؟!
نعم،
هو أدّى ما عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحتسب أن يكون له أجر
الشهيد إن بُطِش به، ولكن لا يمكن أن يكون ذلك أفضل الجهاد، فهذه نكارة في الحديث؛
لأن الجهاد هو مقارعة العدو، وجعل قائل ذلك من أفضل الجهاد يعني أفضل ممن يقاتل في
ساحات الوغى، وهذا لا يستقيم.
ولا
يُعترض على هذا بما جاء في حديث جهاد النساء عند البخاري: «لَكِنَّ أَفْضَلَ
الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ» فهذا مما رُوي بالمعنى، رُوي هكذا عن حَبِيبِ بن أبي
عَمْرَةَ عن عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عن عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عن
النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية عنه أيضاً عن عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عن
عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عن النبي صلى الله عليه وسلم: "سَأَلَهُ
نِسَاؤُهُ عن الْجِهَادِ فقال نِعْمَ الْجِهَادُ الْحَجُّ".
ورواه
مُعَاوِيَة بن إِسْحَاقَ عن عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عن عَائِشَةَ أُمِّ
الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها قالت اسْتَأْذَنْتُ النبي صلى الله عليه وسلم في
الْجِهَادِ، فقال: "جِهَادُكُنَّ الْحَجُّ".
فالنساء
لا جهاد عليهنّ؛ لأن الجهاد فيه مشقة كبيرة لا تقدر النساء عليه، وجهادهن الحجّ
لما فيه من المشقة أيضاً، ولكن الحج لا يساوي الجهاد الحقيقي، وفي صحيح البخاري من
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سُئِلَ: أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ».
قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قِيلَ: ثُمَّ
مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ».
·
شاهد حديث «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى
إِمَامٍ جَائِرٍ، فَنَهَاهُ وَأَمَرَهُ، فَقَتَلَهُ»:
روى
الطبراني في «المعجم الأوسط» (4/238) قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ سَعِيدٍ
الرَّازِيُّ، قَالَ: حدثنا أَبُو الدَّرْدَاءِ عَبْدُالْعَزِيزِ بنُ الْمُنِيبِ
الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حدثنا سَعِيدُ بنُ رَبِيعَةَ المروزيّ، قَالَ: حدثنا
الْحَسَنُ بنُ رُشَيْدٍ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ، عَنِ
ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،
وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ، فَنَهَاهُ وَأَمَرَهُ، فَقَتَلَهُ».
قال
الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هذا الْحَدِيثَ عَنْ عِكْرِمَةَ إِلَّا أَبُو
حَنِيفَةَ، وَلَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَّا الْحَسَنُ بنُ رُشَيْدٍ، وَلَا عَنِ
الْحَسَنِ بنِ رُشَيْدٍ إِلَّا سَعِيدٌ، تَفَرَّدَ بِهِ: أَبُو الدَّرْدَاءِ".
أخرجه
أبو نُعيم الأصبهانيّ في «مسند أبي حنيفة» (ص: 187) عن الطبراني، به.
وقد
ذكر ابن حجر هذا الحديث عن الطبراني في «الأمالي المطلقة» (1/197) قال: "وبه
إلى الطبراني قال: لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد، تفرد به أبو الدرداء. قلت:
وهو ضعيف وشيخه مجهول، لكن لهذا المتن الذي رواه شواهد من حديث أبي عبيدة بن
الجراح في شعب البيهقي، ومن حديث سمرة عند البزار، ومن حديث جابر عند الحاكم، وفي
إسناد كل منها ضعف".
قلت:
أبو الدرداء ليس بضعيف، بل هو صدوق، ولم يتفرد به، بل تابعه عليه أحمد بن الخليل،
رواه أبو نُعيم الأصبهانيّ في «مسند أبي حنيفة» (ص: 187).
وسعيد
بن ربيعة المروزي مجهول، لكن تابعه على روايته عن الحسن بن رشيد: أحمد بن زرعة،
وزاد رجلاً في إسناده.
أخرجه
الرافعي في «التدوين في أخبار قزوين» (4/11) قال: أنبأنا علي بن عمر السكري، قال:
حدثنا أبو سعيد حاتم بن الحسن الشاشي، قال: حدثنا أحمد بن زرعة أبي حامد، قال: حدثنا
الحسن بن رشيد، قال: حدثنا أبو مقاتل، عن أبي حنيفة، عن عكرمة، عن ابن عباس، به.
بلفظ: «أكرم الشهداء...».
وأخرجه
أبو طاهر السِّلَفي في «معجم السفر» (ص180) من طريق أبي محمد الحسن بن يحيى بن
الحسن القلزمي، عن حاتم بن الحسن الشاشي، به.
قلت:
والحسن بن رشيد مجهول، وحديثه منكر. والشواهد التي أشار إليها الحافظ ابن حجر كلها
واهية.
·
تصحيح الحاكم وتعقبه، وتعقب الشيخ
شعيب!
وأخرج
الحاكم في «المستدرك» (3/215) قال: حدثني أبو علي الحافظ، قال: أخبرنا أحمد بن
محمد بن عمر بن بسطام المروزي، قال: حدثنا أحمد بن سيار ومحمد بن الليث، قالا: حدثنا
رافع بن أشرس المروزي، قال: حدثنا حُميد الصفّار، عن إبراهيم الصائغ، عن عطاء، عن
جابر - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «سيّد الشهداء حمزة بن
عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه فقتله».
قال
الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
فتعقبه
الذهبي في «تلخيص المستدرك» بأن: "فيه حميد الصفار: لا يُدرى من هو".
وقال
في «السير» (1/173): "هذا غريب!". وجاء عنده: "خُليد الصفار".
قال
محقق «السير» الشيخ شعيب الأرنؤوط: "ولكن للحديث طريق آخر يتقوّى به ويصح،
أخرجه البغدادي 6/377 من طريق إسحاق بن يعقوب العطار، عن عمار بن نصر، عن حكيم بن
زيد الأشعري، عن إبراهيم الصائغ، به.. وهذا إسناد حسن وحكيم بن زيد مترجم في
"الجرح والتعديل" 3/204 وفيه: صالح شيخ".
قلت:
العجب من كلامك يا شيخ! كيف يصح به، وأنت نفسك قلت في حديث الصفار متعقباً الإمام
الذهبي: "وفاته أن رافع بن أشرس مجهول الحال"، ثم قلت: "إسناده
تالف. فيه مجهولان: رافع بن أشرس، وشيخه الصفار. وذكره الهيثمي في
"المجمع": 9/268 ونسبه إلى الطبراني في "الأوسط"، وقال: فيه
حكيم بن زيد، قال الأزدي: فيه نظر، وبقية رجاله وثقوا. كذا قال في حكيم هذا مع أن
ابن أبي حاتم نقل عن أبيه قوله فيه "صالح شيخ" كما سبق"!!
قلت:
كأن الشيخ الأرنؤوط يستغرب نسبة الهيثمي له للطبراني في الأوسط! وهو حقيقة رواه
الطبراني فيه (1/281) قال: حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني، قال: حدثنا عمار بن نصر،
قال: حدثنا حكيم بن زيد، عن إبراهيم الصائغ، عن عكرمة، عن جابر قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «أفضل الشهداء عند الله حمزة بن عبد المطلب».
قال
الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن إبراهيم إلا حكيم، تفرد به عمار!".
قلت:
فالطبراني يشير إلى أن علة الحديث تفرد عمار به، وعمار هذا مختلف في توثيقه وتضعيفه؛
لأنه اشتبه اسمه مع اسم راو آخر، فقيل إن من ضعفه إنما قصد الآخر! وعلى كل حال،
فإنه ليس ممن يُحتمل تفرده على اعتبار أنه صدوق، وإن ثبتت جرحته، فحديثه منكر!
ثم
رأيت عند الخطيب في «تاريخه» في ترجمة "إبراهيم بن جابر بن عيسى أبي إسحاق
الغطريفى" (6/53) وذكر حديثاً عن إبراهيم هذا عن حكيم بن زيد، قال: "وقد
روى عنه السيناني [تحرفت إلى: الشيباني]، عن إبراهيم الصايغ، عن عطاء، عن جابر قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير الشهداء حمزة، ورجل قام فأمر ونهى فقتل على
ذلك".
وفي
كتاب «موضح أوهام الجمع والتفريق» (1/372): "وقد روى عنه السيناني، عن
إبراهيم الصائغ، عن عطاء، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير
الشهداء".
أي
أن السيناني - وهو: الْفَضْلُ بن مُوسَى السِّينَانِيُّ المروزيّ - روى عن حكيم بن
زيد، عن إبراهيم الصائغ، هذا الحديث، فتكون هذه متابعة لعمار بن نصر.
فتبقى
العلة إذن في تفرد حكيم بن زيد، وهو كما قال فيه الأزدي: "فيه نظر"،
وقول أبي حاتم: "صالح هو شيخ"، أي يُكتب حديثه ويُعتبر به، وهذا تضعيف
له، فحديثه هذا لم يُتابع عليه، ولا يُحتمل تفرده عن عطاء، فكيف يكون إسناده حسناً
كما زعم الشيخ الأرنؤوط!!
فالحديث
منكر إسناداً ومتناً.
·
حديث آخر صححه الحاكم وهو منكر!!
أخرج
الحاكم في «المستدرك» (2/130) قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد العنزي، قال:
حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي، قال: حدثنا محبوب بن موسى، قال: حدثنا أبو إسحاق
الفزاري، عن أبي حماد الحنفي، عن عبدالله بن محمد بن عقيل، قال: سمعت جابر بن عبدالله
- رضي الله عنه - يقول: «فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة حين فاء الناس من
القتال، فقال رجل: رأيته عند تلك الشجرات، وهو يقول: أنا أسد الله، وأسد رسوله،
اللهم أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء: أبو سفيان وأصحابه، واعتذر إليك مما صنع هؤلاء
بانهزامهم، فحنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه، فلما رأى جنبه بكى، ولما رأى
ما مثل به شهق ثم قال: ألا كفن، فقام رجل من الأنصار فرمى بثوب عليه، ثم قام آخر
فرمى بثوب عليه، فقال: يا جابر، هذا الثوب لأبيك، وهذا لعمي حمزة، ثم جيء بحمزة،
فصلى عليه، ثم يجاء بالشهداء فتوضع إلى جانب حمزة فيصلي، ثم ترفع ويترك حمزة حتى
صلى على الشهداء كلهم، قال: فرجعت وأنا مثقل قد ترك أبي علي ديناً وعيالاً، فلما
كان عند الليل أرسل إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا جابر، إن الله
تبارك وتعالى أحيا أباك وكلّمه كلاماً، قلت: وكلمه كلاماً! قال: قال له: تمن، فقال:
أتمنى أن ترد روحي وتنشئ خلقي كما كان، وترجعني إلى نبيك، فأقاتل في سبيل الله
فأقتل مرة أخرى، قال: إني قضيت أنهم لا يرجعون، قال: وقال صلى الله عليه وسلم: سيّد
الشهداء عند الله يوم القيامة حمزة».
قال
الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
وأخرجه
أيضاً في موضع آخر (3/219) عن أبي الحسين محمد بن أحمد بن تميم القنطري، عن عبيد
بن شريك، قال: حدثنا أبو صالح الفراء، قال: حدثنا أبو إسحاق الفزاري، عن أبي حماد
الحنفي، به.
قال
الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه".
قال
الزيلعي في «نصب الراية» (2/309): "أخرجه الحاكم في المستدرك عن أبي حماد
الحنفي، واسمه المفضل بن صدقة، عن ابن عقيل، وتعقبه الذهبي في مختصره فقال: أبو حمّاد
الحنفي، قال النسائي فيه: متروك".
وذكره
في موضع آخر من كتابه (4/160) وأشار إلى أن الحاكم خرّجه، وقال: "وقال صحيح
الإسناد ولم يخرجاه. وأقره الذهبي عليه".
قلت:
الذهبي في الموضع الأول تعقب الحاكم، وفي الموضع الثاني لم يتعقبه مع أنه نفس
الحديث، وهذا لا يعني أنه أقره عليه كما قال الزيلعي، ونسبة ذلك إلى الذهبي فيها
ظلم له، وإنما هو ملخص ومختصر لكتاب الحاكم وأحكامه، وليس بلازم عليه أن يعلق على
كل حديث، وإنما يعلق بحسب الحال والهمة والنشاط، وهو نفسه قد أشار في ترجمة الحاكم
من كتابه السير أنه اختصر كتابه وهو يعوز تحرير.
والخلاصة
أن الحديث منكر، وأبو حماد هذا ليس بشيء، يروي المناكير عن المشاهير.
·
حديث آخر عن عليّ - رضي الله عنه -!
روى
الطبراني في «المعجم الكبير» (3/151) قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ سَعِيدٍ
الرَّازِيُّ، قال: حدثنا أَبُو أُسَامَةَ الحلبِيُّ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ
عِمْرَانَ بنِ أَبِي لَيْلَى، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ الْأَصْبَهَانِيِّ،
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الْحَزَوَّرِ، قال: حدثنا
الْأَصْبَغُ بنُ نُبَاتَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ
حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ».
وأخرجه
الحاكم في «المستدرك» (3/212) عن أبي العبّاس، عن أبي أسامة عبيدالله بن أسامة
الحلبي، به، لكن جعله موقوفاً من كلام عليّ، ولم يرفعه للنبي صلى الله عليه وسلم.
قلت:
وهذا إسنادٌ تالف، علي بن حزور والأصبغ متروكان.
·
إشارة ابن حجر إلى ثبوت الحديث
وتعقبه!
قال
ابن حجر في «فتح الباري» (7/368) شارحاً تبويب الإمام البخاري: "قتل حمزة بن
عبد المطلب رضي الله عنه": "كذا لأبي ذر، ولغيره: باب قتل حمزة فقط،
وللنسفي: قتل حمزة سيد الشهداء، وهذا اللفظ قد ثبت في حديث مرفوع، أخرجه الطبراني
من طريق الأصبغ بن نباته عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيد
الشهداء حمزة بن عبد المطلب".
قلت:
قوله - رحمه الله -: "ثبت في حديث مرفوع" يوحي أنه يقبل الحديث! وفيه
نظرٌ شديد؛ فإسناده تالف كما بينا، والأصبغ ليس بشيء.
والخلاصة
أنه لم يصح أي حديث في أن أعظم الجهاد أو أفضله كلمة حقّ عند سلطان جائر، وكذلك لم
يصح أي شيء في أن حمزة سيّد الشهداء.
والله
تعالى أعلم وأحكم.
وكتب:
خالد الحايك أبو صهيب.
شاركنا تعليقك