هل سمع عثمان
وزياد ابنا أبي سَودة من عبادة بن الصامت؟ وهل سمع عثمان من أبي هريرة؟ وفوائد
أخرى.
بقلم: أبي صهيب
الحايك.
قال
ابن حبان في «الثقات» (4/260): "زياد بن أبي سودة أخو عثمان بن أبي سودة، من
أهل بيت المقدس، كنيته أبو نصر، أمهما مولاة لعبادة بن الصامت، وأبوهما مولى
لعبدالله بن عمرو بن العاص، يروي عن عبادة بن الصامت، روى عنه زيد بن واقد وأهل
الشام.
حدّثنا
الصوفي قال: حدثنا أبو نصر التمار، قال: حدثنا سعيد بن عبدالعزيز، عن زياد ابن أبي
سودة: أنّ عبادة بن الصامت قعد على سور بيت المقدس الشرقى يبكي، فقال بعضهم: ما
يبكيك يا أبا الوليد؟ قال: من ههنا أخبرنا رسول الله أنه رأى جهنم".
[تنبيه:
وقع في المطبوع: زياد عن أبي سودة، وهو خطأ].
وقال
ابن حبان في «الثقات» (5/154): "عثمان بن أبي سودة أخو زياد بن أبي سودة: سمع
عبادة بن الصامت، أبوهما مولى لعبدالله بن عمرو بن العاص، وأمهما مولاة لعبادة
بن الصامت، عِداده في أهل بيت المقدس، روى عنه زيد بن واقد وأهل الشام".
·
وهم لابن حبّان!
قلت:
قول ابن حبان: "سمع عبادة" خطأ، فإن أهل العلم على أنه أدركه، ولم يثبتوا
له سماعاً من عبادة.
قال
الأوزاعي: "عثمان بن أبي سودة قد أدرك عبادة، وكان مولاه".
وقال
أبو مسهر: "عثمان بن أبي سودة أسنّ من زياد بن أبي سودة، وقد أدرك عثمان
عبادة بن الصامت. (تاريخ دمشق: 38/373).
قلت:
عثمان بن أبي سودة كان رفيقاً لعطاء الخراساني (ت 135هـ) [المعرفة والتاريخ
ليعقوب: 2/218]، ومولد عطاء في حدود (50هـ)، فعثمان يكون قريباً من سِنّه، فلا
يكون سمع من عبادة؛ لأن عبادة اختلف في وفاته، فقيل: سنة (34هـ)، وقيل: سنة
(45هـ).
·
زياد بن أبي سودة لم يسمع من
عبادة بن الصامت!
وعلى
هذا فإن احتمال إدراكه لعبادة فيه نظر! وسماعه منه غير متحقق قطعاً. وعثمان أسنّ
من أخيه زياد، فلا يصح لزياد سماع من عبادة، بل ولا إدراك.
قال
ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص61): سألت أبي عن زياد بن أبي سودة، قال: "لا
أرى سمع من عبادة بن الصامت".
ومما
يدلّ على أن عثمان لم يسمع من عبادة أنه يروي عنه بواسطة.
روى
الدارقطني في «السنن» (1/320) من طريق زيد بن واقد، عن عثمان بن أبي سودة، عن
نافع بن محمود، قال: أتيت عبادة بن الصامت فذكر حديث قراءة الفاتحة.
وروى
ابن عبدالبر في «التمهيد» (5/338) من طريق الأوزاعي قال: أخبرني عثمان ابن أبي
سودة قال: حدثني مَنْ سَمِعَ عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله ليستر العبد من الذنب ما لم يخرقه، قالوا: وكيف
يخرقه يا رسول الله، قال: يحدِّث به الناس».
·
احتمال وهم للبخاريّ ومن تبعه!
قال
البخاري في «التاريخ الكبير» (3/357): "زياد بن أبي سودة عن أبي هريرة،
روى عنه ثور بن يزيد ومعاوية بن صالح وسعيد بن عبدالعزيز".
وقال
ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/534): "زياد بن أبي سودة، روى عن أبي
هريرة، وعن أخيه عثمان بن أبي سودة، ولا أراه سمع من عبادة بن الصامت، روى عنه
سعيد بن عبدالعزيز التنوخي ومعاوية بن صالح وثور بن يزيد، سمعت أبي يقول ذلك".
وقال
الذهبي في «الكاشف» (1/410): "زياد بن أبي سودة المقدسي عن عبادة بن الصامت
وأبي هريرة".
وقال
المزي في «تهذيب الكمال» (9/480): "زياد بن أبي سودة أبو المنهال ويقال أبو
نصر المقدسي، أخو عثمان بن أبي سودة، روى عن عبادة بن الصامت وأخيه عثمان ابن أبي
سودة (ق) وأبي عمران الأنصاري وأبي مريم الشامي وأبي هريرة وميمونة خادم النبي صلى
الله عليه وسلم...".
قلت:
كأن قول البخاري ومن تبعه: "روى عن أبي هريرة" وهم! لأن الذي روى عن أبي
هريرة هو أخوه عثمان، ولم يذكر أحد من أهل العلم قبل هؤلاء أن زياد بن أبي سودة له
رواية عن أبي هريرة، فكأن البخاري توهم من أجل ذلك، والله أعلم.
·
وهم ابن حبان والحاكم في تصحيح
حديث منقطع لزياد عن عبادة!
روى
ابن حبان في «صحيحه» (16/505) والطبراني في «مسند الشاميين» (1/197)، من طريق أبي
نصر التمّار، عن سعيد ابن عبدالعزيز، عن زياد بن أبي سودة: «أنّ عبادة بن الصامت
قام على سور بيت المقدس الشرقي فبكى، فقال بعضهم: ما يبكيك يا أبا الوليد؟ قال: من
ها هنا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى جهنم».
ورواه
الحاكم في «المستدرك» (4/646) من طريق عبدالله بن يوسف، عن سعيد ابن عبدالعزيز
التنوخي، عن زياد بن أبي سودة قال: «كان عبادة بن الصامت رضي الله عنه على سور بيت
المقدس... الحديث».
قال
الحاكم: "هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
ورواه
الطبراني في «مسند الشاميين» (1/197) من طريق الوليد بن مسلم، عن سعيد بن عبدالعزيز،
عن زياد بن أبي سودة قال: «كان عبادة بن الصامت على سور بيت المقدس الشرقي».
قلت:
قد تبيّن لنا أن زياد بن أبي سودة لم يسمع من عبادة، فإسناده منقطع، وقد جاء في
بعض الروايات ما يدلّ على ذلك، فرواه عبدالأعلى بن مسهر، عن سعيد بن عبدالعزيز، عن
زياد بن أبي سودة قال: "رؤيَ عبادة بن الصامت وهو على سور مسجد بيت المقدس
الشرقي وهو يبكي".
هكذا
هو في نسخة أبي مسهر عبدالأعلى (ص31) من رواية أبي بكر عبدالرحمن بن القاسم بن
الفرح بن عبدالصمد الهاشمي، ولكن وقع في المطبوع: "قال: رأيت عبادة"،
وهو خطأ، والصواب: "رؤي"، كذا هو عند الضياء في «الأحاديث المختارة»
(8/285)، وابن عساكر في «تاريخه» (21/194) من طريق عبدالرحمن بن القاسم.
وقد
دافع ابن حبان عن تصحيحه له، فقال بعد أن أخرجه: "ذكر الخبر المدحض قول من
زعم أن هذا الخبر تفرد به زياد بن أبي سودة"، ثم ساق من طريق الوليد بن مسلم،
عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، قال: "رؤي
عبادة بن الصامت على سور بيت المقدس الشرقي يبكي، فقيل له، فقال: من ها هنا نبأ
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى مالكاً يقلب جمراً كالقطف".
قلت:
أبو سلمة بن عبدالرحمن بن عوف لم يسمع من عبادة.
قال
الذهبي «السير» (4/287) في ترجمة «أبي سلمة»: "حدّث عن... وعبادة ابن الصامت
مرسل".
وأظنّ
أن العلّة الحقيقية له: الوليد بن مسلم، وهو مدلس، وقد تفرد به عن الأوزاعي، ولم
يذكر سماعه منه، فمثل هذا لا يقبل منه.
وروى
الحاكم في «المستدرك» (2/521) من طريق ضمرة بن ربيعة، عن محمد ابن ميمون، عن بلال
بن عبدالله مؤذن بيت المقدس، قال: رأيت عبادة بن الصامت رضي الله عنه في مسجد بيت
المقدس مستقبل الشرق أو السور - أنا أشك - وهو يبكي، وهو يتلو هذه الآية {فضرب
بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة} ثم قال: "ها هنا أرانا رسول الله صلى
الله عليه وسلم جهنم".
قال
الحاكم: "هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
وتعقّبه
الذهبي في «التلخيص» فقال: "بل منكرٌ، وآخره باطل؛ لأنه ما اجتمع عبادة برسول
الله صلى الله عليه وسلم هناك، ثم مَنْ هو ابن ميمون وشيخه؟ وفي نسخة أبي مسهر عن
زياد بن أبي سودة قال: رئي عبادة على سور بيت المقدس يبكي، وقال: من ها هنا أخبرنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جهنم، فهذا المرسل أجود".
·
تفسير قول الذهبي: «هذا المرسل
أجود»:
قلت:
قوله: "هذا المرسل أجود" لا يعني قبوله له، بل هو منكر كذلك، ولكنه
يقارنه بذاك الإسناد المجهول، فإسناد أبي مسهر معروف، ولكنه مرسل، فهو أجود من
الأول، ولكنه منكر.
·
ترجمة بلال مؤذن مسجد بيت المقدس
ومحمّد بن ميمون:
قال
البخاري في «التاريخ الكبير» (2/109): "بلال مؤذن مسجد بيت المقدس. قال لنا
آدم: حدنا ضمرة، قال: حدنا محمد بن ميمون، عن بلال: سمع عبادة بن الصامت: {فضرب
بينهم بسور} وبكى".
وقال
ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/396): "بلال مؤذن بيت المقدس، روى عن
عبادة بن الصامت، روى عنه محمد بن ميمون، سمعت أبي يقول ذلك".
وذكره
ابن حبان في «الثقات» (4/66) فقال: "بلال مؤذن بيت المقدس يروي عن عبادة بن
الصامت، روى عنه محمد بن ميمون".
وقال
البخاري في «التاريخ الكبير» (1/233): "محمد بن ميمون عن بلال مؤذن مسجد دمشق،
سمع منه ضمرة بن ربيعة".
وقال
ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/80): "محمد بن ميمون، روى عن بلال مؤذن
مسجد بيت المقدس، روى عنه ضمرة بن ربيعة، سمعت أبي يقول ذلك، وسمعته يقول: هو
مجهول".
وذكره
ابن حبان في «الثقات» (9/49) فقال: "محمد بن ميمون، يروي عن بلال مؤذن مسجد
دمشق، روى عنه ضمرة بن ربيعة".
قلت:
كذا في مطبوع كتاب البخاري وابن حبان: "مسجد دمشق" وهو خطأ، والصواب:
"مسجد بيت المقدس".
ومحمد
بن ميمون هذا وشيخه بلال مجهولان، لا يعرفان إلا في هذا الحديث، وكان يستقيم فعل
ابن حبان بذكرهما في ثقاته لو كان حديثهما ليس بمنكر، ولكن لنكارة الحديث وعدم
معرفة أهل العلم لهما فحديثهما مردود، وقد خالف ابن حبان أحد شروطه الخمسة في
الاحتجاج بمن يذكره في ثقاته إذا تعرى خبره عن إحدى خصال خمسة، وذكر منها: نكارة
الحديث، ولم يتفطن لنكارة هذا الحديث فأوردهما في الثقات فأخطأ، والغالب على ابن
حبان أنه لا يرجع إلى روايات من يذكرهم في ثقاته، وإنما ينقل معظم هذه التراجم من
كتابي (التاريخ الكبير) للبخاري، وكتاب (الجرح والتعديل) لابن أبي حاتم، ولهذا
ينبغي تطبيق شروط ابن حبان التي وضعها في ثقاته لقبول حدي هؤلاء، فإذا خالف شرطاً
من هذه الشروط، فالأصل التنبيه على ذلك، والله أعلم وأحكم.
·
وهم لابن حبّان!
ذكر
ابن حبان «بلال مؤذن بيت المقدس عن عبادة»، ثم ذكر أيضاً في «الثقات» (5/572):
"أبو الزبير مؤذن بيت المقدس يروي عن عبادة بن الصامت، روى عنه أهل فلسطين".
قلت:
وهذا وهم منه - رحمه الله - فإن أبا الزبير مؤذن بيت المقدس يروي عن عمر، وكأنه
بقي عالقاً في ذهنه أنه يروي عن عبادة؛ لأنه مؤذن بيت المقدس، وبلال الذي يروي عن
عبادة هو مؤذن بيت المقدس كما جاء في الرواية.
قال
الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (7/164): "أبو الزبير مؤذن ببيت المقدس، له
إدراك وكان يؤذن في زمن عمر، فأخرج أبو أحمد الحاكم في الكنى من طريق مرحوم ابن
عبدالعزيز العطار عن أبيه عن أبي الزبير مؤذن بيت المقدس قال: جاءنا عمر بن الخطاب
فقال: إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدم".
·
وَهم لعبدالرحمن بن ثابت ابن
ثوبان العنسي الدمشقي في هذا الحديث!
روى
أبو نعيم في «الحلية» (6/110) و(8/332) والضياء المقدسي في «الأحاديث المختارة» (8/332)
من طريق سليمان بن أحمد الطبراني، عن الحسين بن إسحاق التستري، عن أبي أمية عمرو
بن هشام الدورقي الحراني، عن عثمان بن عبدالرحمن الطرائفي، عن عبدالرحمن بن ثابت
بن ثوبان، عن زياد بن أبي سودة، عن أخيه عثمان بن أبي سودة قال: رأيت عبادة بن
الصامت، وهو على هذا الحائط حائط المسجد المشرف على وادي جهنم واضعاً صدره عليه
وهو يبكي، فقلت: يا أبا الوليد، ما يبكيك؟ قال: «هذا المكان الذي أخبرنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه رأى فيه جهنم».
وتابع
الطرائفي عليه: يزيد بن خالد بن مُرَشّل اليافيّ، وهو صدوق.
رواه
الضياء المقدسي في «فضائل بيت المقدس» (ص45) من طريق موسى بن سهل، عن يزيد بن خالد
بن مرشل، عن عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان، به.
فزاد
عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان في الإسناد: «عن أخيه عثمان بن أبي سودة»، والمحفوظ
دون ذكره كما سبق بيانه.
وابن
ثوبان هذا ليّن الحديث، وقد أخطأ فيه.
·
تصحيف في أصل كتاب الطبراني وعدم
تنبه الهيثمي له!
هذا
الحديث الذي رواه أبو نعيم والضياء من طريق الطبراني كأنه من الجزء المفقود من
«المعجم الكبير» وجاء عندهما: «يزيد بن أبي سودة» تبعاً لما في أصل الطبراني،
ولهذا قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/386): "وعن يزيد بن أبي سودة قال:
رأيت عبادة ابن الصامت وهو على حائط المسجد... رواه الطبراني، ويزيد لم أعرفه،
وفيه ضعفاء قد وثقوا".
·
تنبيه:
روى
الطبراني هذا الحديث في «مسند الشاميين» (1/143) عن أنس بن سليم الخولاني، قال: حدثنا
أبو أمية عمرو بن هشام الحراني، قال: حدثنا عثمان بن محمد الطرائفي، عن ابن ثوبان،
عن زياد بن أبي سودة قال: رأيت عبادة بن الصامت.
فسقط
من إسناده: «عن أخيه عثمان» والصواب إثباته، وكأنه سقط من النسخة المطبوعة أو المخطوطة
الأم، وما جاء في الإسناد «عثمان بن محمد» خطأ، والصواب: «عثمان بن عبدالرحمن».
·
مخالفة ردَيح بن عطية لغيره في
هذا الحديث!
روى
الطبراني في «مسند الشاميين» (1/198) عن يحيى بن أيوب العلاف المصري، قال: حدثنا
مهدي بن جعفر الرملي، قال: حدثنا ردَيح بن عطية، عن سعيد ابن عبدالعزيز، عن أبي
العوام قال: رأيت عبادة بن الصامت شرقي بيت المقدس، فقلت، يا أبا الوليد ما يبكيك؟
فقال: كيف لا أبكي، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: «هذا وادي جهنم».
ورواه
الطبري في «تفسيره» (27/225) عن إبراهيم بن عطية بن رديح بن عطية، قال: حدثني عمّي
محمد بن رديح بن عطية [عن رديح]، عن سعيد بن عبدالعزيز، عن أبي العوام، عن عبادة
بن الصامت: أنه كان يقول: {باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب} قال: «هذا
باب الرحمة».
قلت:
المحفوظ في هذا الحديث: عن سعيد بن عبدالعزيز، عن زياد ابن أبي سودة: أنّ عبادة بن
الصامت.
فخالف
رديح بن عطية فيه، وكأنه دخل له إسناد في إسناد. ورديح صدوق من خيار أهل فلسطين، وكان
يغرب كما قال ابن حبان في «مشاهير علماء الأمصار» (ص184). وقال الأزدي: "لا
يتابع فيما يروي" (تهذيب التهذيب: 3/234).
وقال
الذهبي في «الميزان» (3/73): "وثقه أبو حاتم ولينه غيره يسيراً".
وقال
ابن حجر في «التقريب» (ص209): "رديح آخره مهملة مصغر، بن عطية القرشي، مؤذن
بيت المقدس، صدوق يغرب، من الثامنة. بخ".
·
تنبيه:
لم
يتنبه محقق مسند الشاميين الشيخ حمدي السلفي لهذه المخالفة، بل إنه لم يعرف «أبو
العوام» هذا!
قلت:
أبو العوام مشهور وهو سادن بيت المقدس وهو صاحب عمر ومعاذ بن جبل، ولا يعرف اسمه.
·
الرواية في تفسير قوله عزّ وجلّ:
{فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة}.
روى
الحاكم في «المستدرك» (4/643) من طريق عبدالله بن يوسف التنّيسيّ، وابن عساكر في «تاريخه» (21/43) من طريق أبي
مسهر عبدالأعلى بن مسهر، كلاهما عن سعيد بن عبدالعزيز التنوخي، عن عطية بن قيس
الكلابي، عن أبي العوام مؤذن بيت المقدس، قال: سمعت عبدالله بن عمرو رضي الله
عنهما يقول: «إن السور الذي ذكره الله تعالى في القرآن {فضرب بينهم بسور له باب
باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب} هو السور الشرقي باطنه المسجد وما يليه،
وظاهره وادي جهنم».
قال
الحاكم: "هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
ورواه
الضياء المقدسي في «فضائل بيت المقدس» (ص46) من طريق صدقة بن يزيد، عن سعيد بن
عبدالعزيز، عن عطية بن قيس، عن عبدالله بن عمرو بن العاص.
هكذا
في المطبوع دون ذكر: «عن أبي العوام»، فلعله سقط من النسخة، والله أعلم.
ورواه
الطبري في «التفسير» (27/225) عن ابن البرقي، قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة، عن
سعيد بن عطية بن قيس، عن أبي العوام مؤذن بيت المقدس قال: سمعت عبدالله ابن عمرو
بن العاص، مثله.
قلت:
وسعيد ويقال: سعد هو ابن عطية بن قيس الكلابي، ولا أدري هل ذكره محفوظ في الإسناد!
فإن
اعتمدنا الإسناد الأول فهو إسناد صحيح إلى عبدالله بن عمرو، وهو مما يرويه من
الإسرائيليات التي كانت عنده.
وقد
رُوي هذا عن كعب الأحبار. رواه الطبري في «التفسير» (27/225) عن محمد بن عوف قال: حدثنا
أبو المغيرة، قال: حدثنا صفوان، قال: حدثنا شريح: أن كعباً كان يقول في الباب الذي
في بيت المقدس: «إنه الباب الذي قال الله {فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه
الرحمة وظاهره من قبله العذاب}».
قال
ابن كثير في «التفسير» (4/310): "روي عن عبادة بن الصامت وكعب الأحبار وعلي
بن الحسين زين العابدين نحو ذلك، وهذا محمول منهم على أنهم أرادوا بهذا تقريب
المعنى ومثالاً لذلك، لا أن هذا هو الذي أريد من القرآن هذا الجدار المعين، ونفس
المسجد وما وراءه من الوادي المعروف بوادي جهنم، فإن الجنة في السماوات في أعلى
عليين والنار في الدركات أسفل سافلين، وقول كعب الأحبار: إن الباب المذكور في
القرآن هو باب الرحمة الذي هو أحد أبواب المسجد، فهذا من إسرائيلياته وترهاته،
وإنما المراد بذلك: سور يضرب يوم القيامة ليحجز بين المؤمنين والمنافقين، فإذا
انتهى إليه المؤمنون دخلوه من بابه، فإذا استكملوا دخولهم أغلق الباب وبقي
المنافقون من ورائه في الحيرة والظلمة والعذاب كما كانوا في الدار الدنيا في كفر
وجهل وشك وحيرة".
قلت:
لم يثبت هذا عن عبادة كما سبق بيانه، وكأن الحافظ ابن كثير اعتمد صحة ما روي عنه،
ولهذا قال بأن هذا محمول منهم على أنهم أرادوا تقريب المعنى، والغريب أنه جمع معهم
كعب الأحبار في هذا التأويل، ثم قال بأن هذا من إسرائيلياته وترهاته!! والصواب أنه
من ثبت عنه من الصحابة أنه روى هذا فإنما أخذه من كتب أهل الكتاب، ومن كعب
الأحبار.
·
هل سمع عثمان بن أبي سودة من أبي
هريرة؟!
قال
البخاري في «التاريخ الكبير» (6/226): "عثمان بن أبي سودة عن أم الدرداء رضي
الله عنها. قال محمد بن المثنى: حدثنا يوسف بن يعقوب أبو يعقوب: سمع أبا سنان عيسى
بن سنان، عن عثمان بن أبي سودة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله
عليه وسلم: قال: «قال الله: من أخذت كريمتيه فصبر واحتسب لم أرض له ثواباً إلا
الجنة». قال هشام: حدثنا صدقة: حدثنا زيد بن واقد، عن عثمان بن أبي سودة: كانت أمي
أم سودة لعبادة بن الصامت رضي الله عنه، وكان أبي لعبدالله بن عمرو بن العاص رضي
الله عنهما. أراه أخا زياد الشامي".
قلت:
أشار البخاري في هذه الترجمة إلى جملة أمور:
1- عدم ثبوت رواية عثمان بن أبي
سودة عن أم الدرداء وهي الصغرى من التابعيات، وهو قد عاصرها، بل هو في طبقتها، ولم
أقف على هذه الرواية المُشار إليها.
2- عدم ثبوت رواية عيسى بن سنان عن
عثمان، ومما تفرد به عيسى عنه هذا الحديث عن أبي هريرة.
ولا
يُعرف سماع لعثمان من أبي هريرة، وأبو هريرة توفي سنة (57هـ) أو (58هـ)، فإن كان
عثمان أدرك أبا هريرة إلا أنه لم يسمع منه قطعاً.
3- وعليه فإن ما رواه أبو سنان عن
عثمان فيه نظر! لأن هذه الأحاديث التي رواها عنه قد تفرد بها، ولم يتابعه عليها
أحد من أهل الشام، بل إن هذه الأحاديث لا تُروى عند الشاميين من طريق أبي هريرة.
وهذا
الحديث الذي ذكره البخاري هنا محفوظ من رواية أبي صالح عن أبي هريرة رفعه إلى
النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عز وجل: من أذهبت حبيبتيه فصبر واحتسب
لم أرض له ثواباً دون الجنة». وهو حديثٌ صحيحٌ من هذا الطريق.
4- لم يثبت البخاري سماع عيسى بن
سنان من عثمان، ولهذا قال في «التاريخ الكبير» (6/396): "عيسى بن سنان أبو
سنان الشامي القسملي عن الضحاك بن عبدالرحمن وعثمان بن أبي سودة ويعلى بن شداد،
سمع منه حماد بن سلمة وعيسى بن يونس".
قلت:
وعيسى بن سنان أبو سنان الشامي الفلسطيني، ضعيف ليس بالقوي.
قال
أبو بكر الأثرم: قلت لأبي عبدالله - يعني أحمد بن حنبل -: أبو سنان عيسى ابن سنان؟
فضعّفه.
وقال
يحيى بن معين: "ضعيف".
وقال
أبو حاتم الرازي: "ليس بقوي في الحديث".
وقال
أبو زرعة: "مخلط ضعيف الحديث".
وقال
النسائي: "ضعيف".
وقال
العجلي: "لا بأس به".
وقال
الذهبي في «الميزان» (5/377): "ضعفه أحمد وابن معين وهو ممن يكتب حديثه على
لينه وقواه بعضهم يسيراً".
وقال
ابن حجر في «التقريب» (ص438): "عيسى بن سنان الحنفي أبو سنان القسملي، بفتح
القاف وسكون المهملة وفتح الميم وتخفيف اللام، الفلسطيني نزيل البصرة، لين الحديث،
من السادسة، بخ قد ت ق".
·
وهم مسلم وابن حبان والدارقطني
وابن ماكولا وابن خِراش والذهبي في التفرقة بين عيسى بن سنان وأبي سنان القسملي!
قال
الإمام مسلم في «الكنى» (1/402): "أبو سنان عيسى بن سنان: سمع يعلى بن شداد،
والضحاك بن عبدالرحمن، روى عنه عيسى بن يونس".
ثم
قال: "أبو سنان عيسى بن سليمان القسملي عن أبي طلحة الخولاني، روى عنه حماد بن
سلمة".
قال
ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (47/305): "كذا فرّق بينهما وهما واحد، ووهم في
قوله: ابن سليمان، إنما هو ابن سنان".
قلت:
كأنه مسلماً اعتمد على من سمى أباه سليمان، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في «تهذيب
التهذيب» (8/189) أن الفلاس سمى أباه سلمان.
وقال
ابن حبّان في «الثقات» (7/235): "أبو سنان الشامي، اسمه عيسى بن سنان القسملي،
كان ينـزل القساملة بالبصرة فنسب إليها، يروي عن عثمان بن أبي سودة ويعلى بن شداد،
روى عنه حماد بن سلمة وعيسى بن يونس".
ثم
قال: "عيسى بن سنان يروي عن عثمان بن أبي سودة عن أبي هريرة، روى عنه عيسى بن
يونس".
وقال
أبو الحسن الدراقطني: "عيسى بن سنان"، وقال في موضع آخر: "أبو سنان
القسملي".
وقال
ابن ماكولا: "وأما سنان بنونين فهو أبو سنان القسملي"، ثم قال بعد أسطر:
"أبو سنان عن يعلى بن شداد والضحاك بن عبدالرحمن بن عرزب، قيل اسمه: عيسى بن
سنان، روى عنه حماد بن سلمة وعيسى بن يونس".
كذا
قالا وهما واحد.
وقال
عبدالرحمن بن يوسف بن سعيد بن خراش: "أبو سنان عيسى بن سنان، بصري صدوق".
ثم
قال بعد ذلك: "أبو سنان عيسى بن سنان، روى عنه حماد بن سلمة وأبو أسامة وعيسى
بن يونس بن أبي الحجاج، في حديثه نُكرة". (تاريخ دمشق: 47/307).
وقال
الذهبي في «المقتنى في سرد الكنى» (1/295): "عيسى بن سنان القسملي الشامي عن
الضحاك".
ثم
قال: "أبو سنان القسملي عن وهب بن منبه".
قال
عبدالله بن أحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (3/312): سألت أبي، قلت: شيخٌ روى عنه
أبو أسامة يقال له: عيسى بن سنان، روى عن عمر بن عبدالمجيد؟ فقال: "هو عيسى
بن سنان أبو سنان القسملي، روى عنه حماد بن سلمة".
·
أحاديث أبي سنان عن عثمان بن أبي
سودة عن أبي هريرة:
1- عيسى بن سنان، عن عثمان بن أبي
سودة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: «قال الله:
من أخذت كريمتيه فصبر واحتسب لم أرض له ثواباً إلا الجنة».
وقد
رواه البخاري في ترجمة عيسى، ومضى الكلام عليه.
·
رواية عثمان عن أبي هريرة
منقطعة.. والحديث المشهور: «إذا زار المسلم أخاه في الله عز وجل أو عاده قال الله
عز وجل: طِبت، وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منـزلاً».. ضعيف، لا يصح!
2- روى ابن المبارك في «مسنده» (ص4)
عن حماد بن سلمة، عن أبي سنان الشامي، عن عثمان بن أبي سودة، عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا زار المسلم أخاه في الله عز وجل أو عاده
قال الله عز وجل: طِبت، وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منـزلاً».
ورواه
البخاري في «الأدب المفرد» (ص126) عن عبدالله بن عثمان، عن عبدالله ابن المبارك،
به.
ورواه
أحمد في «المسند» (2/326) و(2/344) و(2/354) عن موسى ابن داود وعفّان وحسن، عن حماد
بن سلمة، به.
ورواه
ابن ماجه في «السنن» (1/464) عن محمد بن بشار عن يوسف بن يعقوب عن أبي سنان
القسملي، مثله.
ورواه
الترمذي في «الجامع» (4/365) عن محمد بن بشار والحسين بن أبي كبشة البصري قالا:
حدثنا يوسف بن يعقوب السدوسي، قال: حدثنا أبو سنان القسملي، مثله.
قال
أبو عيسى: "هذا حديث حسن غريب، وأبو سنان اسمه عيسى بن سنان، وقد روى حماد بن
سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً من هذا".
قلت:
كذا في المطبوع من كتاب الترمذي: "حسن غريب"! ونقل المزي في «تحفة
الأشراف» (10/248) و«تهذيب الكمال» (19/388) أنه قال: "غريب"، دون قوله:
«حسن». ونقل الحافظ ابن حجر في «الفتح» (10/500) عن الترمذي أنه حسنه، وكأنه اعتمد
النسخة التي فيها تحسينه كما فعل المنذري في «الترغيب»، والصواب ما نقله المزي؛
لأن المزي هو الذي ضبط أحكام الترمذي في تحفته.
ورواه
ابن حبان في «صحيحه» (7/228) عن عمران بن موسى بن مجاشع، عن عبدالواحد بن غياث، عن
حماد بن سلمة، عن أبي سنان، مثله.
قال
أبو حاتم ابن حبان: "أبو سنان هذا هو الشيباني اسمه سعيد بن سنان، وأبو سنان
الكوفي اسمه ضرار بن مرة".
قلت:
وهذا وهم، والصواب: عيسى بن سنان.
والحديث
ضعيف، فإن قيل: قلت إن البخاري أشار إلى أن رواية عثمان عن أبي هريرة لا تصح وهي
منقطعة، فما باله أخرجه في «الأدب المفرد»؟
أقول:
إن شرطه في كتاب «الأدب» ليس كشرطه في الصحيح، فإنه قد يخرج الضعيف لأنه في الباب
محتجاً به على أصل التبويب، فإنه أخرجه تحت «باب الزيارة» ثم بعد ذلك ذكر «باب فضل
الزيارة» وأورد فيه حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن
النبي صلى الله عليه وسلم: «أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله له على
مدرجته ملكاً، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية، قال:
هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل، قال: فإني
رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه».
وهذا
أخرجه الإمام مسلم في «صحيحه» (4/1988)، وهو يغني عن حديث أبي سنان.
وانظر
أخي إلى هذا الحديث الذي عليه نور النبوة، وكيف أشار إلى أن هذا الرجل قد تكبد
عناء السفر لزيارة من أحبّه وهو بعيد عنه «في قرية أخرى»، وأما حديث أبي سنان فإن
كان فيه كلاماً طيباً إلا أنه أطلق الزيارة، بخلاف هذا الحديث، ورتّب عليه أجراً
عظيماً، وهو تبؤه من الجنة منـزلاً!! ولضعفه لم يذكره البخاري في باب «فضل الزيارة»،
والله أعلم.
هذا
وقد حسّن الحديث الشيخ الألباني في مواضع من كتبه، وفي تحسينه نظر!
3- روى ابن ماجه في «سننه» (2/1251)
عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عفان، عن حماد بن سلمة، عن أبي سنان، عن عثمان بن أبي
سودة، عن أبي هريرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو يغرس غرساً، فقال:
يا أبا هريرة، ما الذي تغرس؟ قلت: غراساً لي، قال: ألا أدلك على غراس خير لك من
هذا، قال: بلى يا رسول الله، قال: قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر، يغرس لك بكل واحدة شجرة في الجنة».
وهو
عند ابن أبي شيبة في «المصنف» (2/1251).
وقد
صححه الشيخ الألباني في «صحيح سنن ابن ماجة»!!
ورواه
الحاكم في «المستدرك» (1/693) من طريق محمد بن عبدالله الخزاعي، عن حماد بن سلمة،
به.
قال
الحاكم: "هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد ولم يخرجاه، وله شاهد عن جابر".
·
تعقّب على الدكتور بشّار معروف!
ورواه
الخطيب في «تاريخ بغداد» - الطبعة السلفية (4/400) من طريق أبي جعفر أحمد بن محمد ابن
بُلبُل البربري المعروف بالمُزَيِّن، عن بسام الكيال، عن حماد بن سلمة، عن ثابت
البناني، عن الحسن، عن أبي هريرة، مثله.
قال
د. بشار معروف في نسخنه التي حققها من «تاريخ بغداد» (6/73): "إسناده ضعيف،
بسام الكيال، وهو النقال فيه كلام كما سيأتي في ترجمته من هذا الكتاب، وفي إسناده
الحسن وهو مدلس، وقد عنعن، وعنعنته عن الصحابة قادحة".
قلت:
لا علاقة لعنعنة الحسن هنا، وهذا الإسناد منكرٌ جداً!! وقد تفرد به ابن بلبل هذا،
وأخطأ في إسناده، وهو محفوظ من حديث حماد بن سلمة، عن أبي سنان، عن عثمان ابن أبي
سودة، عن أبي هريرة. ولهذا ذكره الخطيب في كتابه لأنه من الأفراد الغرائب
المنكرة!!
وحديث
أبي سنان هذا فيه نكارة ظاهرة! إذ لم يكن لأبي هريرة غرس قط في المدينة، وكان رضي
الله عنه فقيراً يعيش مع أهل الصفة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأحاديث
أبي سنان يسيرة كما قال أهل العلم، ومعظمها في الفضائل وما يتعلق بها من دخول
الجنة، ويلاحظ أيضاً أنه (متخصص في رواية الأحاديث القُدسية)!!!
والراوي
إذا لاحظ النّقاد أن الغالب على حديثه مسألة معينة طرحوا حديثه؛ لأنه لا يمكن أن
لا يكون عنده إلا أحاديث في تلك المسألة.
وصاحبنا
عيسى بن سنان هذا، أحاديثه قليلة، وغالبها في دخول الجنة، وثلاثة منها أحاديث
قدسية، والأحاديث القدسية الصحيحة قليلة جداً، فكيف يتفرد راو واحد بثلاثة منها؟!!
وهي:
1- قال الله عز وجل: «من أخذت
كريمتيه فصبر واحتسب لم أرض له ثواباً إلا الجنة».
2- قال الله عز وجل: «طِبت، وطاب
ممشاك، وتبوأت من الجنة منـزلاً».
·
حديث «.. ابنوا له بيتاً وسموه
بيت الحمد» ضعيف لا يصح!
3- ومنها: ما رواه الطيالسي في
«مسنده» (1/69) عن حماد بن سلمة، عن أبي سنان قال: دفنت ابني سناناً وأبو طلحة
الخولاني جالسٌ على شفير القبر، فقال: حدّثني الضحاك بن عبدالرحمن، عن أبي موسى
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قبض الله عز وجل ابناً لعبد، قال لملائكته:
ما قال عبدي؟ قالوا: حمدك واسترجع، قال: ابنوا له بيتاً وسموه بيت الحمد».
وجاء
في موارد الظمآن: «دفنت ابني شاباً».
ورواه
الإمام أحمد في «مسنده» (4/415) عن يحيى بن إسحاق السالحيني، عن حماد، به، بلفظ: «قال
الله تعالى: يا ملك الموت قبضت ولد عبدي قبضت قرة عينه وثمرة فؤاده، قال: نعم، قال:
فما قال؟ قال: حمدك واسترجع، قال: ابنوا له بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد».
ورواه
الترمذي في «الجامع» (3/341) عن سويد بن نصر، عن عبدالله بن المبارك، عن حماد، به.
قال
أبو عيسى: "هذا حديثٌ حسنٌ غريبُ".
ورواه
ابن حبان في «صحيحه» (7/210) من طريق أبي نصر التمار، عن حماد، به.
ورواه
البيهقي في «شعب الإيمان» (7/119) من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة، عن عيسى بن
سنان، عن الضحاك بن عبدالرحمن بن عَرْزَب، عن أبي موسى، قال: «إذا قبض ولد العبد،
قال والله أعلم بما قال العبد قال: يسأل الله الملائكة فقال: قبضتم ولد فلان،
قالوا: نعم ربنا، قال: فماذا قال عبدي، قال: حمدك واسترجع، فقال: أخذتم ثمرة فؤاده
وحمدني واسترجع، ابنوا له بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد».
فلم
يذكر في هذه الرواية «أبا طلحة الخولاني» وجعله موقوفاً على أبي موسى!
وقد
حسّنه الشيخ الألباني في «صحيح الترغيب» وفي «صحيح الترمذي»، وذكره في «الصحيحة»
برقم (1408)، وقال في تعليقه على «المشكاة» رقم (1736): "إسناده ضعيف"!!
قلت:
إسناده ضعيفٌ جداً، وفيه علل:
1- الاختلاف في الرفع والوقف،
ورواية أبي أسامة الموقوفة أرجح من رواية حماد بن سلمة المرفوعة!
2- عيسى بن سنان ضعيف لا يحتج بما
انفرد به.
3- تكلّم أهل العلم في سماع الضحاك
من أبي موسى.
قال
أبو حاتم الرازي: "ضحاك بن عبدالرحمن بن عرزب، ويقال بن عرزم، وعرزب أصح، روى
عن أبي موسى الأشعري، مرسل". (الجرح والتعديل: 4/459).
وقال
البيهقي: "الضحاك بن عبدالرحمن لم يثبت سماعه من أبي موسى، وعيسى ابن سنان
ضعيف لا يحتج به".
وأثبت
سماعه من أبي موسى: البخاري، فقال في «التاريخ الكبير» (4/333): "الضحاك بن
عبدالرحمن بن عرزب الأشعري: سمع أبا موسى وعبدالرحمن بن غنم".
قلت:
الراجح عندي أنه لم يسمع من أبي موسى، فقد توفي الضحاك سنة (105هـ)، وتوفي أبو
موسى سنة (ت 44هـ) على الصحيح، فهو قد أدرك جزءاً من حياة أبي موسى، ولكنه لم يسمع
منه على الصحيح.
وكأن
الإمام البخاري أثبت سماعه منه اعتماداً على روايات أخرى لا رواية عيسى بن سنان.
قال
في «التاريخ الكبير» (4/333): "عبدالله بن نعيم قال: حدثنا الضحاك بن
عبدالرحمن بن عرزب الأشعري: سمع أبا موسى".
ولكن
تكلّم ابن معين في عبدالله هذا فقال: "مظلم". (الجرح والتعديل: 5/185).
وقال
البخاري في ترجمة «عيسى» (6/396): "عيسى بن سنان أبو سنان الشامي القسملي عن
الضحاك بن عبدالرحمن وعثمان بن أبي سودة".
قلت:
روى ابن ماجة في «سننه» (1/186) عن عيسى بن يونس، عن عيسى ابن سنان، عن الضحاك بن
عبدالرحمن بن عرزب، عن أبي موسى الأشعري: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ
ومسح على الجوربين والنعلين».
وروى
الروياني في «مسنده» (ص376) عن عيسى بن سنان، عن الضحاك ابن عبدالرحمن بن عرزب، عن
أبي موسى الاشعري قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على العمامة».
قلت:
تفرد بهما عيسى بن سنان، وهو لم يسمع من الضحاك، والأسانيد في المسح على الجوربين
والنعلين ليّنة.
والخلاصة
أن عثمان بن أبي سودة لم يسمع من أبي هريرة، وأحاديثه التي رواه عنه لم يروها إلا
عيسى بن سنان الشامي وهو ضعيف، لا يحتج به، ولا حتى في الفضائل، والضحاك بن
عبدالرحمن بن عرزب لم يسمع من أبي موسى الأشعري، وأبو سنان لم يسمع من الضحاك.
وكتب،
خالد الحايك.
11
شوال 1429هـ.
شاركنا تعليقك