أُسامةُ
بنُ سَلمانَ أو أُسامةُ بنُ نعيم، وعُمَرُ بنُ نعيم، وما يتعلّق بتراجمهما من
فوائد.
روى
الإمام أحمد في «مسنده» (5/174) عن سليمان بن داود أبي داود الطيالسي، وزيد بن
الحباب، وعليّ بن عيّاش، وعصام بن خالد، كلّهم عن عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ ثَابِتِ
بْنِ ثَوْبَانَ، قالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مَكْحُولٍ، عَن عُمَر بنِ نُعَيْمٍ:
حَدَّثَهُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ سَلْمَانَ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ
يَقْبَلُ تَوْبَةَ عَبْدِهِ أَوْ يَغْفِرُ لِعَبْدِهِ مَا لَمْ يَقَعْ الْحِجَابُ.
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْحِجَابُ؟ قَالَ: أَنْ تَمُوتَ النَّفْسُ
وَهِيَ مُشْرِكَةٌ».
وفي
رواية الطيالسي: «ابن نعيم».
ورواه
البزار في «مسنده» (9/443) في ترجمة «أسامة بن نعيم، وقد قيل: أسامة بن سلمان عن
أبي ذر».
قال:
حدثنا أبو هريرة محمد بن فراس البصري ومحمد بن معمر قالا: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا
عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان قال: حدثني أبي، عن مكحول، عن ابن نعيم - هكذا قال - إن
أبا ذر حدثهم: أن رسول الله قال، فذكره.
قال
البزار: "وهذا الكلام لا نعلمه يُروى إلا عن أبي ذر بهذا الإسناد".
قال:
حدثنا إبراهيم بن هاني قال: حدثنا الهيثم بن جميل قال: حدثنا ابن ثوبان، عن أبيه،
عن مكحول، عن عمر بن نعيم العنسي، عن أسامة بن سلمان، عن أبي ذر، به.
ورواه
الحاكم في «المستدرك» (4/286) من طريق عبدالله بن صالح بن مسلم العجلي، عن عبدالرحمن
بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن عمر بن نعيم، عن أسامة بن سلمان: أن أبا
ذر الغفاري رضي الله عنه حدثهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره.
قال
الحاكم: "هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد ولم يخرجاه".
ورواه
الطبراني في «مسند الشاميين» (1/124) من طريق علي بن عياش الحمصي وعلي بن الجعد وعاصم
بن علي قالوا: حدثنا عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان، به.
قلت:
هكذا رواه الجماعة عن ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن عمر بن نعيم عن أسامة بن
سلمان، وهم: علي بن الجعد وزيد بن الحباب وعلي بن عياش وعاصم بن علي والهيثم بن
جميل البغدادي نزيل إنطاكية. (وانظر: تاريخ دمشق: 8/87).
وخالفهم
الوليد بن مسلم فرواه عن عبدالرحمن ولم يذكر في إسناده (عمر بن نعيم)!
·
وهم لابن حبان!
ورواه
ابن حبان في «صحيحه» (2/393): «ذكر البيان بأن الله جلّ وعلا يغفر ذنوب التائب
كلما أناب ما لم يقع الحجاب بينه وبينه بالإشراك به، نعوذ بالله من ذلك»:
قال:
أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان، قال: حدثنا الوليد بن عتبة قال: حدثنا الوليد ابن
مسلم قال: حدثنا ابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن أسامة بن سلمان، قال: حدثنا أبو
ذر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، به.
ثُمَّ
قال: «ذكر البيان بأن مكحولاً سمع هذا الخبر من عمر بن نعيم عن أسامة كما سمعه من
أسامة سواء»:
قال:
أخبرنا عمر بن محمد: حدثنا عمرو بن عثمان، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا ابن ثوبان،
عن أبيه، عن مكحول، عن عمر بن نعيم: حدثهم عن أسامة بن سلمان: أن أبا ذر حدثهم: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره.
قلت:
الرواية الأولى وهم فيها الوليد بن مسلم! وقد أخطأ ابن حبان بقوله إن مكحولاً سمعه
من عمر بن نعيم عن أسامة كما سمعه من أسامة سواء!
قال
ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (8/87): "أسامة بن سلمان النخعي، ويقال: العنسي،
من أهل دمشق، روى عن ابن مسعود وأبي ذر، روى عنه عمر بن نعيم، وقيل: روى عنه مكحول
أيضاً، وهو وهم".
قلت:
وهذا الحديث اعتمد عليه الأئمة في الترجمة لأسامة بن سليمان وعمر بن نعيم! ولم يأت
ذكرهما إلا من رواية ابن ثوبان، وأحاديثه عن أبيه عن مكحول منكرة! كما قال الإمام
أحمد وغيره، فكيف يعتمد عليه هؤلاء الأئمة؟!
·
ترجمة أسامة بن سلمان وعُمر بن
نعيم:
قال
البخاري في «التاريخ الكبير» (2/21): "أسامة بن سلمان، هو النخعي الشامي: سمع
أبا ذر وابن مسعود. قال لنا عاصم بن علي: حدثنا عبدالرحمن بن ثوبان، عن أبيه، عن
مكحول، عن عمر بن نعيم، عن أسامة بن سلمان، عن أبي ذر، عن النبيّ صلى الله عليه
وسلم قال: إنّ الله عز وجل يقبل توبة عبده ما لم يقع الحجاب، أو يموت وهو مشرك".
وقال
في (6/202): "عمر بن نعيم: سمع أسامة بن سلمان، روى عنه مكحول. في الشاميين".
قلت:
أثبت البخاري سماع أسامة بن سلمان من أبي ذر وابن مسعود، وكذلك سماع عمر بن نعيم
من أسامة بن سلمان!
أما
رواية أسامة عن أبي ذر فهذه، وأما روايته عن ابن مسعود فلم أعثر عليها! وظاهر تصرف
البخاري أنه يقبل هذه الروايات، وبناءً عليه ترجم لهم في كتابه!
ولكنه
ذكر هذا الحديث في ترجمة ثابت بن ثوبان أيضاً، فهل هذا يعني أنه يستغربه ولا
يقبله؟ سيما وأحاديث عبدالرحمن عن أبيه ثابت كثيرة، فلم اختار هذا الحديث؟!
قال
في «التاريخ الكبير» (2/161): "ثابت بن ثوبان، ويقال: العنسي أو العبسي: سمع
مكحولاً، روى عنه الأوزاعي ويحيى بن حمزة الشامي. قال أبو داود: حدثنا عبدالرحمن
بن ثابت بن ثوبان: سمع أباه، عن مكحول: أن ابن نعيم: أخبره أن أبا ذر أخبره: سمع
النبي صلى الله عليه وسلم: أن الله عز وجل يقبل توبة عبده ما لم يقع الحجاب: أن
تخرج النفس وهي مشركة. وقال لنا علي بن عياش قال: حدثنا ابن ثوبان عن أبيه عن
مكحول عن عمر بن نعيم عن أسامة بن سلمان عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم
بهذا".
قلت:
فظاهر تصرفه أنه لا يقبل هذا الحديث؛ لأنه أورده في ترجمة ثابت، ومن رواية ابنه
عبدالرحمن؛ ولأنه لم يذكر عبدالرحمن في الرواة عن أبيه، وفي هذا إشارة إلى أنه
يضعّف أحاديثه عن أبيه.
فإما
أن يكون البخاري سها عن ذينك الترجمتين المتقدمتين، وأصاب في هذه الترجمة، أو أنه
قصد هذا، وأراد أن ينبّه على ذلك في ترجمة ثابت والد عبدالرحمن، وهذا منهج له إذا
جُمعت التراجم في موضع واحد، والله أعلم.
والبخاري
لا شك يعلم أن ثابت بن ثوبان من كبار أصحاب مكحول، وهو ثقة، ولكن راويته عن مكحول
هو ابنه عبدالرحمن، وهو ضعيف، وأحاديثه عن أبيه عن مكحول منكرة.
قال
ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/284): "أسامة بن سلمان، روى عن أبي ذر،
روى مكحول عن عمر بن نعيم عنه، سمعت أبي يقول ذلك".
وقال
في (6/137): "عمر بن نعيم، شامي، سمع أسامة بن سلمان، روى عنه مكحول. سمعت أبي
يقول ذلك".
وقال
ابن حبان في «الثقات» (4/45): "أسامة بن سلمان النخعي، عداده في أهل الشام.
يروي عن أبى ذر وابن مسعود، روى عنه عمر بن نعيم من حديث مكحول، منهم من قال: عن
مكحول عن أسامة بن سلمان عن أبي ذر، ومنهم من قال: عن مكحول عن عمر بن نعيم عن
أسامة بن سلمان".
وقال
أيضاً في (7/179): "عمر بن نعيم، يروي عن أسامة بن سلمان. عداده في أهل الشام،
روى عنه مكحول".
وقال
عبدالله بن أحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (2/89): سألته – يعني أباه - عن عمر بن
نعيم؟ فقال: "لا أذكره".
وذكر
يعقوب الفسوي «أسامة بن سلمان العنسي» في أهل الشام من كتابه «المعرفة والتاريخ» (2/209)
وساق له هذا الحديث من طريق الوليد بن مسلم، عن ابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن
أسامة بن سلمان العنسي، عن أبي ذر، به.
وقال
أبو زرعة الدمشقي في «الطبقة التي تلي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم» وهي
العليا: "أسامة بن سلمان النخعي: يُحدّث عن أبي ذر وابن مسعود".
وقال
أبو الحسن محمود بن إبراهيم بن سُمَيع في «الطبقه الثانية»: "أسامة بن سلمان
النخعي، دمشقي، حَفِظَ عن ابن مسعود". [تاريخ دمشق: 8/89-90].
وقال
أبو زرعة في طبقة قدم تلي الطبقة العليا من تابعي أهل الشام، وقال في الطبقة
الثالثة: "عمر بن نعيم والحارث بن الحارث، روى عنهما مكحول".
وقال
ابن سُميع في الطبقة الثالثة: "عمر بن نعيم العنسي، مُعلم بني يزيد بن معاوية،
روى عن معاوية". [تاريخ دمشق: 45/353].
وقال
الحسيني في «الإكمال»: "أسامة بن سلمان النخعي، شامي، روى عن أبي ذر وابن
مسعود، وعنه عمر بن نعيم العنسي وغيره، ذكره ابن حبان في الثقات".
فقال
ابن حجر في «تعجيل المنفعة» (ص27): "قلت: لم يذكر البخاري ولا ابن أبي حاتم
فيه جرحاً، ولم يذكروا له راوياً غير عمر، ولكن قال ابن عساكر: قيل روى عنه مكحول
أيضاً وهو وهم، وإنما جاءت الرواية عنه من طريق الوليد بن مسلم عن ابن ثوبان عن
مكحول عنه عن أبي ذر، وخالفة الهيثم بن جميل، فرواه عن ابن ثوبان عن مكحول عن عمر
بن نعيم عن أسامة، وكذلك قال زيد بن الحباب وعلي بن عياش وعاصم بن علي وعلي بن
الجعد كلهم عن ابن ثوبان ثم ساق الأسانيد عنهم بذلك. قلت: وهو عند أحمد عن سليمان
بن داود وعن زيد بن الحباب وعن علي بن عياش وعصام بن خالد كلهم عن ابن ثوبان كذلك".
وقال
ابن حجر أيضاً في (ص304): "عمر بن نعيم العنسي، شامي عن أسامة بن سلمان، وعنه
مكحول، وثقة ابن حبان، وقال: عداده في أهل الشام، وتَبِع في ذلك البخاري كابن أبي
حاتم".
وقال
الذهبي في «المغني في الضعفاء» (2/475): "عمر بن نعيم، روى عنه مكحول، ولا يُعرف".
وقال
في «الميزان» (5/275): "عمر بن نعيم: حدّث عنه مكحول، لا يُدرى من هو".
قلت:
وعلى قول الذهبي هذا في «عمر» كان ينبغي له أن يذكر أسامة بن سلمان أيضاً ويجهّله.
نعم،
لا نشك في وجودهما، سيما وقد ذكروا أن عمر كان معلماً لبني يزيد بن معاوية، ولكننا
لا نعرف حالهما أيضاً في الرواية! فهما مجهولا الحال. ولو أتى حديثهما من طريق غير
طريق عبدالرحمن بن ثوبان لكان التعامل مع حديثهما تعاملاً آخر نظراً إلى طبقتهما
وغير ذلك.
ولكن
تفرد عبدالرحمن برواية أحاديثهما لا يُقبل، سيما وأن حديثه عن أبيه عن مكحول منكر
كما قال الإمام أحمد وغيره.
وقد
تتبعته فوجدته كما قال هو والإمام صالح جزرة، فأصل حديثه غير مسند، وكان يسنده،
ويخطئ في الأسانيد، فلا يقبل حديثه بحال إلا إذا تُوبع من ثقة.
ثُم
وجدت الطبري قد روى الحديث في «تهذيب الآثار» قال: حدثني محمد بن عوف الطائي، قال:
حدثني محمد بن إسماعيل – هو ابن عياش -، قال: حدثني أبي، قال: حدثني ضَمْضَم، عن شُريح
بن عُبيد، قال: كان عمر بن نعيم القيسي يحدِّث، أن أسامة بن سلمان، حدَّثهم، أن
أبا ذر قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يغفر لعبده ما لم يقع
الحجاب» قال له رجل: يا رسول الله، وما وقوع الحجاب؟ قال: «أن تموت النفس وهي
مشركة».
قلت:
هذا إسنادٌ منكرٌ! محمد بن إسماعيل بن عيّاش ضعيف.
قال
الآجري: سُئلَ أبو داود عنه، فقال: "لم يكن بذاك، قد رأيته، ودخلت حمص غير
مرة، وهو حي"، وسألت عمرو بن عثمان عنه، فذمَّه. [ووقع في تهذيب الكمال:
24/484: وسألت عمرو بن عثمان عنه، فدفعه! والصواب: فذمّه].
وقال
عبدالرحمن ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (7/189): سألت أبي عنه، فقال: "لم
يسمع من أبيه شيئاً، حملوه على أن يُحدِّث عنه فحدَّث".
والحمد
لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وكتب:
خالد الحايك.
17/10/1429هـ.
شاركنا تعليقك