«الجوابُ الخاتِم» عن قصة عَدي بن حَاتِم: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلى
اللهُ عليه وسلَّمَ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ يَا عَدِيُّ
اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ...»!
قصة عَدي بن حاتم
هذه مشهورة يوردها المفسرون في كتبهم عند تفسير قوله تعالى: {اتَّخَذُوا
أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}، دون بيان صحتها أو
ضعفها. وقد حسّنها وقبلها بعض أهل العلم.
وهذا جواب
لسؤال وردني حول هذه القصة التي جاءت في حديث رواه بعض الأئمة:
·
تخريج الحديث:
رواه الإمام
الترمذي في «الجامع»، كتاب التفسير، باب: ومن سورة التوبة، (5/278) عن الْحُسَيْنِ
بنِ يَزِيدَ الْكُوفِيِّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالسَّلامِ بنُ حَرْبٍ، عَنْ
غُطَيْفِ بنِ أَعْيَنَ، عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ،
قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ
ذَهَبٍ، فَقَالَ: يَا عَدِيُّ، اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ، وَسَمِعْتُهُ
يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ
أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا
يَعْبُدُونَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا
اسْتَحَلُّوهُ، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ».
وراه البخاري
في «التاريخ الكبير» (7/106) في ترجمة «غطيف بن أعين الشيباني»، عن إبراهيم بن
يوسف بن أبي إسحاق السّبيعي، عن مالك بن إسماعيل بن دِرْهم أبي غسَّان النّهدي
الكوفيّ، عن عبدالسلام بن حرب، به.
ورواه الطبري
في «تفسيره» (10/114) عن الحسن بن يزيد الطحان، عن عبدالسلام بن حرب الملائي، به.
ورواه أيضاً
عن أبي كُريب وابن وكيع، قالا: حدثنا مالك بن إسماعيل، عن عبدالسلام بن حرب.
وعن أحمد بن
إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد - هو: الزبيري -، عن عبدالسلام بن حرب، به.
ورواه ابن أبي
حاتم في «تفسيره» (6/1784) عن أبيه، عن سعيد بن سليمان، عن عبدالسلام بن حرب، به.
ورواه
الطبراني في «المعجم الكبير» (17/92) عن علي بن عبدالعزيز، عن أبي غسان مالك بن
إسماعيل وابن الأصبهاني.
وعن أبي حصين
القاضي، عن يحيى الحماني، قالوا: حدثنا عبدالسلام بن حرب، قال: أخبرنا غطيف بن
أعين من أهل الجزيرة، عن مصعب بن سعد، عن عدي بن حاتم.
ورواه البيهقي
في «السنن الكبير» (10/116) عن علي بن أحمد بن عبدان، قال: أنبأنا أحمد بن عبيد،
قال: حدثنا ابن أبي قماش، قال: حدثنا سعيد بن سليمان، عن عبدالسلام بن حرب
الملائي، به.
ورواه السهمي
في «تاريخ جُرجان» (ص541) قال: أخبرنا أبو أحمد عبدالله بن عدي الحافظ في «معجمه»،
قال: حدثنا محمد بن بوكرد أبو جعفر الإستراباذي بإستراباذ، قال: حدثنا يحيى بن
أكتم، قال: حدثنا عبدالسلام بن حرب، به.
وقال الحافظ
الزيلعي في كتابه «تخريج أحاديث الكشّاف» (2/66) بعد أن ذكر رواية الترمذي: "ورواه
الثعلبي بهذا الإسناد بلفظ المصنف - أي الترمذي -.
وكذلك رواه
الواقدي في «كتاب الردّة»، قال: حدثني أبو مروان عن أبان بن صالح عن عامر بن سعد
عن عدي بن حاتم...
ورواه ابن سعد
في «الطبقات» في ترجمة عدي بن حاتم بسنده ومتنه.
ورواه أبو
يعلى الموصلي في «مسنده»، قال: حدثنا مسروق بن المرزبان: حدثنا عبدالسلام بن حرب
به، بلفظ المصنف...
ورواه الطبراني
في «معجمه»، وابن أبي شيبة في «مسنده»، والطبري في «تفسيره» بلفظ الترمذي.
ورواه ابن
مردويه في «تفسيره» من حديث عمران القطان: حدثنا خالد العبدي، عن صفوان بن سليم،
عن عطاء بن يسار، عن عدي بن حاتم، فذكره بلفظ المصنف..." انتهى.
قلت: الحديث
معروف بعبدالسلام بن حرب، وأما رواية الواقدي فهي غريبة جداً!! والواقدي متّهم لا
يُحتج به. ولا تُعرف لأبان رواية عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، بل هما من نفس
الطبقة تقريباً.
وأبو مروان - وهو:
عبدالملك بن عبدالعزيز بن أبي فروة - شيخ الواقدي الذي يروي هذا الحديث عن أبان لا
يُعرف!! فربما دلسه! فإنه يروي - كما في طبقات ابن سعد - عن إسحاق بن عبدالله بن أبي
فروة المدني، وهو متروك، وإسحاق يروي عن أبان بن صالح، فربما هذا حديثه، فأسقطه
أبو مروان أو الواقدي، والله أعلم!
فإن صحّ هذا
فقد يكون إسحاق بن أبي فروة قد أخذه من غطيف وأسقطه، فقد ذكر الحافظ ابن حجر في
ترجمة «غطيف» من «التهذيب» (8/225) أن إسحاق بن أبي فروة وعبدالسلام بن حرب قد
رويا عنه.
ويُحتمل
العكس، يعني أن غطيفاً أخذه من إسحاق بن أبي فروة، فأسقطه غطيف لما حدّث به، والله
أعلم.
وعبدالملك
ترجم له البخاري في «التاريخ الكبير» (5/423) قال: "عبدالملك بن عبدالعزيز بن
أبي فروة المديني.
قال هارون:
حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم: حدثنا عبدالملك بن عبدالعزيز عن سعيد المقبري عن
أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة)".
وقال ابن حبان
في «الثقات» (7/106): "عبدالملك بن عبدالعزيز بن أبي فروة المدني، يروي عن
سعيد المقبري، روى عنه أبو سعيد مولى بني هاشم".
قلت: مثله
مجهول لا يُحتج بروايته، ولا يُقبل تفرده.
وأما رواية
ابن مردويه فقد تفرد بها عمران أبو العوام القطان وهو عمران بن داود البصري، وهو
ليس بالقوي، ضعّفه أكثر أهل النقد، ولا يحتج بحديثه إذا انفرد به! ولا يُعرف لعطاء
بن يسار رواية عن عدي بن حاتم!!!
·
كلام أقوال أهل العلم في هذا
الحديث:
قَالَ الترمذي
بعد أن خرّجه: "هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ
عَبْدِالسَّلامِ بنِ حَرْبٍ، وَغُطَيْفُ بنُ أَعْيَنَ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ فِي
الْحَدِيثِ".
ونقل الزيلعي
في «تخريج أحاديث الكشاف» (2/66) عن الترمذي: "حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من
حديث عبدالسلام ابن حرب وغطيف بن أعين ليس بمعروف".
قلت: والصواب
أنه لم يحسنه بل حكم عليه بالغرابة، يعني أنه ضعيف، ويؤيده أنه قال بأن غطيف بن
أعين مجهول.
والأصل عند
الاختلاف في نسخ كتاب الترمذي في أحكامه الرجوع إلى كتاب «تحفة الأشراف» للحافظ
المزي لأنه ضبط هذه الأحكام بالرجوع إلى أصول كثيرة، وهنا قد نقل عن الترمذي قوله:
"غريب" ولم ينقل عنه أنه حسنه. (تحفة الأشراف: 7/284).
·
وهم لابن تيمية!
والعجب من ابن
تيمية - رحمه الله - فإنه نسب للترمذي تصحيحه!!!
قال في
«الفتاوى» (11/212): "وَفِي الْمَسْنَدِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ
عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ هَذِهِ الْآيَةَ {لَمَّا سَأَلَ النَّبِيُّ صلى
الله عليه وسلم عَنْهَا فَقَالَ: مَا عَبَدُوهُمْ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله
عليه وسلم أَحَلُّوا لَهُمْ الْحَرَامَ وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمْ الْحَلَالَ
فَأَطَاعُوهُمْ وَكَانَتْ هَذِهِ عِبَادَتَهُمْ إيَّاهُمْ}..".
قلت: وهذا وهم
منه! فالترمذي لم يصححه، بل حتى لم يحسنه! ويُحتمل أنه وقف على نسخة من كتاب
الترمذي فيها أنه صححه! والله أعلم.
وعزوه الحديث
إلى مسند أحمد سيأتي الكلام عليه إن شاء الله.
والحديث ضعفه
الحافظ الدارقطني، فقال في «الغرائب والأفراد» (كما في الأطراف: 4/230):
"تفرد به غطيف الجزري عن مصعب! وتفرد به عبدالسلام بن حرب عنه، وهو غريبٌ من
حديث قيس بن الربيع عن عبدالسلام".
قلت: سيأتي
الكلام إن شاء الله على رواية قيس بن الربيع عن عبدالسلام.
·
احتجاج بعض أهل العلم بهذا الحديث
وتحسينهم له!
وقد احتج شيخ
الإسلام ابن تيمية بهذا الحديث في غير موضع من فتاويه، بل نسب إلى الترمذي تصحيحه
كما سبق بيانه، فهو يرى صحته!!
وصححه أيضاً
أبو المظفر السمعاني في «تفسيره» (2/303).
وقد حسّنه الألباني
في «صحيح سنن الترمذي» رقم (3095)، وحسنه كذلك في «غاية المرام»!! وأورده في «سلسلته
الصحيحة» برقم (3293)!
قلت: الحديث
ضعيف، بل منكر!! وقد تفرد به عبدالسلام بن حرب وفيه كلام! وغطيف مجهول لا يُعرف.
وقد أورده البخاري في ترجمته، وهذا منه إشارة إلى تضعيفه بحسب منهجه من خلال تراجمه.
·
ترجمة غُطيف:
قال ابن أبي
حاتم في «الجرح والتعديل» (7/55): "غضيف بن أعين الشيباني الجزري، روى عن
مصعب بن سعد. روى عنه عبدالسلام بن حرب. سمعت أبي يقول ذلك".
وقال الترمذي:
"ليس بمعروف في الحديث".
وقال ابن حبان
في «الثقات» (7/311): "غطيف بن أعين الشيباني الجزري، يروي عن مصعب بن سعد،
روى عنه عبدالسلام بن حرب".
وقال
الدارقطني: "ضعيف" (الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي: 2/247).
وسأتكلم على
قول الدارقطني هذا عند مناقشة الألباني في آخر هذا الحديث إن شاء الله.
وقال الذهبي
في «الكاشف» (2/117): "ليّنه بعضهم".
وقال ابن حجر
في «التقريب» (ص443): "ضعيف".
·
ترجمة عبدالسلام بن حرب:
قال عبدالله
بن أحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (3/485): حدثني حسن بن عيسى قال: سمعت عبدالله
بن المبارك - وسألته عن عبدالسلام بن حرب الملائي -؟ فقال: "قد عرفته -
وكان إذا قال: قد عرفته، فقد أهلكه".
قال عبدالله:
قال أبي: "كنا نُنكر من عبدالسلام بن حرب شيئاً، كان لا يقول حدثنا إلا في
حديث واحد أو حديثين سمعته يقول فيه: حدثنا".
قال عبدالله:
قال أبي: فقيل لابن المبارك في عبدالسلام، فقال: "ما تحملني رجلي إليه".
وذكره العقيلي
في «الضعفاء» (3/69) وساق من طريق محمد بن عيسى قال: حدثنا عنبسة القرشي قال: ذكر
عبدالسلام بن حرب عبدالله بن المبارك فقال: "ما تنقلني رجلي إليه".
قال محمد بن
عيسى: وقال وكيع: "كلّ حديث حسن عبدالسلام بن حرب يرويه".
قلت: يقصد
بالحديث الحسن: الغريب!!
وقال ابن سعد
في «الطبقات الكبرى» (6/386): "كان به ضعف في الحديث، وكان عَسِراً".
وقال
عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه؟ فقال: "ثقة صدوق" [الجرح
والتعديل: 6/47].
وقال يعقوب بن
شيبة: "هو ثقة، وفي حديثه لين" [تذكرة الحفاظ: 1/271].
قال ابن أبي
مريم: سألت يحيى بن معين عن عبدالسلام بن حرب؟ فقال: "ليس به بأس، ويُكتب
حديثه".
وقال عثمان بن
سعيد الدارمي (ص156): سألت يحيى بن معين عن عبدالسلام بن حرب؟ فقال: "هو
صدوق". قلت: عبدالسلام أحب إليك أو محمد بن فضيل؟ قال: "محمد بن فضيل
أحبّ إليّ".
قال ابن عدي
في «الكامل» (5/331): "عبدالسلام بن حرب حسن الرواية عن الكوفيين، ويروي عن
أبي خالد الدالاني بنسخة طويلة".
وقال العِجلي
في «معرفة الثقات» (2/94): "قدم الكوفة يوم مات أبو إسحاق السبيعي، وهو عند
الكوفيين ثقة ثبت، والبغداديون يستنكرون بعض حديثه، والكوفيون أعلم به".
وقال النسائي
في التمييز: "ليس به بأس".
وقال
الدارقطني: "ثقة حجة".
وذكره
الدارقطني والحاكم وأبو إسحاق الحبَّال وغير واحد في أفراد البخاري، وحديثه في
مسلم قليل. [تهذيب التهذيب: 6/282].
وقال ابن حجر
في «التقريب» (ص355): "ثقة حافظ له مناكير".
وقال في
«مقدمة الفتح» (ص420) بعد أن ذكر أقوال أهل العلم فيه ما بين مُوثق ومُضعف له:
"قلت: له في البخاري حديثان، أحدهما في الطلاق بمتابعة الأنصاري له عن هشام
عن حفصة عن أم عطية في الإحداد، والثاني في المغازي في باب قدوم أبي موسى
والأشعريين بمتابعة حماد بن زيد وغير واحد كلهم عن أيوب عن أبي قلابة عن زهدم
الجرمي عن أبي موسى الأشعري، فتبين أنه لم يحتج به، وروى له الباقون".
قلت: هو صدوق،
وله أفراد ومناكير وأوهام - رحمه الله -. فإذا كان حاله هكذا فكيف إذا روى عن رجل مجهول مثل
غطيف الجزري!! فلا يقبل حديثه هذا؛ لأنه لا يُعرف إلا عنه عن هذا المجهول.
·
وهم لابن تيمية وابن كثير وابن
القيّم في عزو الحديث إلى مسند أحمد!
قال ابن تيمية
في «الفتاوى» (11/212): "وَفِي الْمَسْنَدِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ
عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ...".
وقال ابن كثير
في «تفسيره» (1/378): "وفي المسند والترمذي كما سيأتي أن عدي بن حاتم قال: يا
رسول الله، ما عبدوهم...".
وقال ابن
القيّم في «إعلام الموقعين»: "قُلْت: الْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ
وَالتِّرْمِذِيِّ مُطَوَّلاً..".
قلت: وهذا
منهم وهم - رحمهم الله -!! فإن الإمام أحمد لم يخرجه في مسنده. وقد جهدت في البحث
عنه في المسند، لكن لم أظفر به، ولم يُشر أحد من أهل العلم قبلهم أن الإمام أحمد
خرّجه! وكأن الحافظ ابن كثير والإمام ابن القيم تبعا شيخهما شيخ الإسلام في هذا،
والله أعلم.
·
شاهد للحديث:
وللحديث شاهد
رُوي من حديث حذيفة - رضي الله عنه -، ولكن دون ذكر قصة عدي بن حاتم!
رواه الثوري
في «تفسيره» (ص124) عَن حَبِيبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ،
عَنْ حُذَيْفَةَ أنّه سُئِل عن قوله {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ
أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} كانوا يعبدونهم؟ قَالَ: "لا، كانوا إذا
أَحلّوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حَرّمُوا عَلَيْهِمْ عليهم شيئاً
حَرّمُوهُ".
ورواه الطبري
في «تفسيره» (10/114) من طريق عبدالرحمن بن مهدي ووكيع وعبدالرزاق، ثلاثتهم عن
سفيان الثوري، عن حبيب به، نحوه.
ورواه ابن أبي
حاتم في «تفسيره» (6/1784) قال: حدثنا أبو سعيد الأشج وعمرو الأودي قالا: حدثنا
وكيع، عن الأعمش، عن حبيب، عن أبي البختري، نحوه.
قال ابن أبي
حاتم: "وروي عن أبي العالية وأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين والضحاك والسدي
نحو ذلك".
ورواه الطبري
أيضاً في «تفسيره» (10/114) عن ابن وكيع، عن يزيد بن هارون، عن العَوَّام بن
حَوْشَب، عَن حَبِيبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، عن أبي البختري، قال: قيل لحذيفة: أرأيت
قول الله: {اتخذوا أحبارهم}، قال: "أما إنهم لم يكونوا يصومون لهم...".
ورواه سعيد بن
منصور في «سننه» (5/245) عن هشيم، قال: حدثنا العوام بن حوشب، عن حبيب بن أبي
ثابت، قال: حدثني أبو البختري الطائي قال: قال لي حذيفة: "أرأيت قول الله تعالى:
{اتخذوا أحبارهم ورهبانهم}...".
قلت: ما جاء
هنا من أن حذيفة قال هذا لأبي البختري غير صحيح، والصواب كما جاء في الرواية
السابقة: "قيل لحذيفة...".
ورُوي من طريق
أخرى عن أبي البختري:
رواه ابن أبي
شيبة في «مصنفه» (7/156) عن ابن فُضَيْلٍ، عن عَطَاء بن السائب، عَن أَبِي
الْبَخْتَرِيِّ، فِي قَوْلِهِ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ
أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} قَالَ: "أَطَاعُوهُمْ فِيمَا أَمَرُوهُمْ
بِهِ مِنْ تَحْرِيمِ حَلَالٍ وَتَحْلِيلِ حَرَامٍ، فَعَبَدُوهُمْ بِذَلِكَ".
ورواه الطبري
في «تفسيره» (10/115) عن جرير وابن فضيل، عن عطاء، عن أبي البختري، قوله.
ورواه ابن حزم
في «الإحكام» (6/317) من طريق ابن وضاح، قال: حدثنا يوسف بن عدي، قال: حدثنا أبو
الأحوص، عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري في قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم
ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا
لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} قال: "أما أنهم لو أمروهم أن تعبدوهم من
دون الله تعالى ما أطاعوهم، ولكن أمروهم فجعلوا حلال الله تعالى حرامه، وحرامه
حلاله فأطاعوهم فكانت تلك الربوبية".
هكذا روي
موقوفاً على أبي البختري من قوله، وهذا ما رجحته من قبل، ثم نبهني أحد الإخوة الفضلاء
- جزاه الله خيراً - إلى أن سفيان بن عُيينة قد رواه عن عطاء عن أبي البختري عن حذيفة.
رواه البيهقي
في «شعب الإيمان» (7/45) من طريق أبي بكر بن أبي الدنيا، قال: حدثنا عبيدالله بن
عمر الجشمي، قال: حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري، عن حذيفة في
قول الله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله} قال: "أما
إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم أطاعوهم في المعاصي".
ورواه أحمد بن
حرب عن سفيان بن عيينة عن عطاء بن السائب، به. [المنتخب من كتاب السياق لتاريخ
نيسابور: ص310].
قلت: هكذا
اختلف على عطاء بن السائب، وكان - رحمه الله - قد اختلط. والصواب ما رواه سفيان بن
عيينة عنه، فإنه روى عنه قديماً قبل اختلاطه.
وعليه فإن
عطاء بن السائب قد تابع حبيب بن أبي ثابت عليه عن أبي البختري عن حذيفة.
ولكن هذا
الأثر منقطع بين أبي البختري وحذيفة.
فأبو البختري -
وهو سعيد بن فيروز الكوفي - كان كثير الإرسال (ت83هـ)، ولم يسمع حذيفة (ت36هـ).
قال المزي في
«تهذيب الكمال» (11/32): "روى عن... وحذيفة بن اليمان مرسل".
ورواية أبي
البختري - وهو كوفي - عن عليّ (ت 40هـ) - وهو كوفي - مرسلة باتفاق، فمن باب أولى أن
تكون روايته عن حذيفة الذي مات شيخاً كبيراً في المدائن قبل عليّ بسنوات مرسلة أيضاً.
قال ابن سعد
في «الطبقات الكبرى» (6/292): "وكان أبو البختري كثير الحديث، يرسل حديثه،
ويروي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يسمع من كثير أحد، فما كان من
حديثه سماعاً فهو حسن، وما كان غيره فهو ضعيف".
قلت: هو ثقة،
ولكنه يرسل كثيراً، ولهذا لم يخرّج له البخاري إلا حديثاً واحداً عن ابن عمر وعن
ابن عباس جميعاً صرح عنده بسماعه فيه [هدي الساري: ص406].
والخلاصة أن
هذا التفسير لهذه الآية لا يصح من تفسير حذيفة - رضي الله عنه -.
وبهذا لا
يقوّي هذا الشاهد القصة التي رويت عن عَدي بن حاتم.
والخلاصة أن
هذه القصة منكرة لا تصح! ومجيء عدي بن حاتم لابساً للصليب - بحسب القصة - فيه نكارة!
والله أعلم.
·
قول صاحب كتاب «الصحيح المسبور من
التفسير بالمأثور»!
قال الأستاذ
الدكتور حكمت ياسين في كتابه «الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور» (2/443) بعد أن
ذكر رواية الترمذي: "(السنن 5/278) وحسنه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب
(الإيمان ص64)، والألباني في (صحيح سنن الترمذي ح 3095) وله شاهد صحيح من كلام ابن
عباس".
ثم ساق رواية
ابي البختري عن حذيفة، ثم قال: "وأبو البختري هو فيروز بن سعيد، ورجاله ثقات
وسنده صحيح...".
قلت: بل منقطع
كما بينت آنفاً. وحديث الترمذي ضعيف وهو نفسه قد ضعفه، وقد تساهل شيخ الإسلام ابن
تيمية في تحسينه، وكذلك الشيخ الألباني.
وأما شاهد ابن
عباس فالذي وجدته هو:
ما رواه
الطبري في «تفسيره» (14/212) قال: حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني
عمّي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم
أربابًا من دون الله}، يقول: "زيَّنُوا لهم طاعتهم".
قلت: شيخ
الطبري هو: أبو جعفر محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية العوفي، وعمّ أبيه هو:
الْحُسَيْنُ بن حَسَنِ بن عَطِيَّةَ.
وهذه نسخة
تفسيرية بإسناد مسلسل بالآباء الضعفاء!!
فمحمد بن سعد
تكلّم فيه الخطيب فقال في «تاريخه» (5/322): "كان ليناً في الحديث".
وأبوه سعد بن
محمد بن الحسن بن عطية تكلّم فيه الإمام أحمد.
روى الخطيب في
«تاريخه» (9/126) من طريق أبي بكر الأثرم قال: قلت لأبي عبدالله، أخبرني اليوم
إنسان بشيء عجب!! زعم أن فلاناً أمر بالكتاب عن سعد بن العوفي! وقال: هو أوثق
الناس في الحديث! فاستعظم ذاك أبو عبدالله جداً، وقال: "لا إله إلا الله،
سبحان الله، ذاك جهمي امتحن أول شيء قبل أن يخوفوا، وقبل أن يكون ترهيب
فأجابهم". قلت لأبي عبدالله: فهذا جهمي إذاً! فقال: "فأي شيء!"، ثم
قال أبو عبدالله: "لو لم يكن هذا أيضاً، لم يكن ممن يستأهل أن يكتب عنه، ولا
كان موضعاً لذلك".
وعمّ أبيه:
الحسين بن الحسن بن عطية، ضعّفه ابن معين، والنسائي، وأبو حاتم الرازي، وابن حبان،
وغيرهم. (انظر: الجرح والتعديل: 3/48، والكامل: 2/363، ولسان الميزان: 2/278).
قال ابن حبان
في «المجروحين» (1/246): "حسين بن الحسن بن عطية العوفي، كنيته أبو عبدالله.
كان على قضاء بغداد، روى عنه البغداديون والكوفيون، منكر الحديث! يروي عن الأعمش
وغيره أشياء لا يُتابع عليها كأنه كان يقلبها، وربما رفع المراسيل وأسند
الموقوفات، ولا يجوز الاحتجاج بخبره".
والحسن بن
عطية، ضعّفه البخاري وأبو حاتم. (تهذيب الكمال: 6/211).
وقال ابن حبان
في «الثقات» (6/170): "الحسن بن عطية العوفي، يروي عن أبيه. روى عنه: ابنه
الحسين بن الحسن. وأحاديث الحسن بن عطية ليست بنقية".
وعطية العوفي
ضعيف أيضاً. ضعّفه ابن معين، وهُشيم، وأحمد، وأبو حاتم، وغيرهم.
قال عبدالله
بن أحمد عن أبيه: "كان سفيان الثوري يضعف حديثه عطية". قال: وسمعت أبي -
وذكر عطية العوفي - قال: "هو ضعيف الحديث"، ثم قال: "بلغني أن عطية
كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير"، قال: "وكان يكنيه بأبي سعيد، فيقول:
قال أبو سعيد، وكان هُشيم يضعف حديث عطية". (الضعفاء للعقيلي: 3/359، والكامل
لابن عَدي: 5/369، وتهذيب التهذيب: 7/200).
وأيضاً ما
رواه السُّدّي عن ابن عباس:
قال الطبري في
«تفسيره» (14/212): حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا
أسباط، عن السّدي: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله}، قال عبدالله بن
عباس: "لم يأمروهم أن يسجُدوا لهم، ولكن أمروهم بمعصية الله، فأطاعوهم،
فسمَّاهم الله بذلك أربابًا".
قلت: هذا من
تفسير السّدي الذي رواه عنه أسباط بن نصر، وهو تفسير مشهور نقل منه الأئمة
المفسرون في كتبهم.
قال الخليلي
في «الإرشاد في معرفة علماء الحديث» (1/397): "وتفسير إسماعيل بن عبدالرحمن
السدي فإنما يسنده بأسانيد إلى عبدالله بن مسعود وابن عباس، وروى عن السدي الأئمة
مثل: الثوري وشعبة، لكن التفسير الذي جمعه رواه عنه أسباط بن نصر، وأسباط لم
يتفقوا عليه، غير أن أمثل التفاسير: تفسير السدّي".
وقال العقيلي
في «الضعفاء» (1/87): حدثنا الخضر بن داود قال: حدثنا أحمد بن محمد قال: قلت لأبي
عبدالله - يعني أحمد -: السدي، كيف هو؟ قال: "أخبرك أن حديثه لمقارب وإنه لحسن
الحديث، إلا أن هذا التفسير الذي يجيء به أسباط عنه!!" فجعل يستعظمه!، قلت: ذاك
إنما يرجع إلى قول السدي؟ فقال: "من أين! وقد جعل له أسانيد، ما أدري ما
ذاك؟!".
قلت: السدي لا
بأس به في التفسير إذا كان من قوله، ولكن إذا أسنده ففيه نظر! والله تعالى أعلم.
·
تفسير الآية: {اتخذوا أحبارهم
ورهبانهم أربابًا من دون الله}:
قد تبيّن لنا
أنه لا علاقة لتفسير الآية بهذه القصة الضعيفة المنكرة، ولكن تفسير أبي البختري
لهذا بما ذكره لا يُنكر، سيما وهو قول بعض المفسرين أيضاً كما أشار إليه ابن أبي
حاتم بقوله: "وَرُوِيَ عَن أَبِي الْعَالِيَةِ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ
بنِ عَلِيِّ بنِ الْحُسَيْنِ، وَالضَّحَّاكِ، وَالسُّدِّيِّ نَحْوُ ذَلِكَ".
أما ما رُوي
عن أبي العالية:
فقال الطبري
في «تفسيره» (14/212): حَدَّثَنَا ابنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حدثنا ابنُ نُمَيْرٍ، عَن
أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي
الْعَالِيَةِ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا} [التوبة:
31] قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْعَالِيَةِ: كَيْفَ كَانَتِ الرُّبُوبِيَّةُ الَّتِي
كَانَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ قَالُوا: "مَا أَمَرُونَا بِهِ
ائْتَمَرْنَا، وَمَا نَهَوْنَا عَنَّا انْتَهَيْنَا، لِقَوْلِهِمْ: وَهُمْ
يَجِدُونَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا أُمِرُوا بِهِ وَمَا نُهُوا عَنْهُ،
فَاسْتَنْصَحُوا الرِّجَالَ، وَنَبَذُوا كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ
ظُهُورِهِمْ".
وأما ما رُوي
عن الضّحاك:
فروى الطبري
في «تفسيره» (14/209) قال: حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سلمة، عن
الضَّحَّاكِ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ}، قَالَ: "قُرَّاءَهُمْ
وَعُلَمَاءَهُمْ". {أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}، يَعْنِي: "سَادَةً
لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ يُطِيعُونَهُمْ فِي مَعَاصِي اللَّهِ، فَيُحِلُّونَ مَا
أَحَلُّوهُ لَهُمْ مِمَّا قَدْ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَيُحَرِّمُونَ مَا
يُحَرِّمُونَهُ عَلَيْهِمْ مِمَّا قَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُمْ".
وأما ما رُوي
عن السُّدّي فقد تقدّم عند الطبري، وقد رواه السدّي عن ابن عباس. وكأن الصواب من
قول السدّي، ولا يصح عن ابن عبّاس.
قلت: وهذه
المعاني التي ذكرها هؤلاء الأئمة في تفسير هذه الآية جيدة، ولكن لم يصح رفعها إلى
النبي صلى الله عليه وسلم، ولا إلى أصحابه رضي الله عنهم.
قال الرازي في
«تفسيره - مفاتيح الغيب» (5/239) عند تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}: "وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ التَّشْبِيهَ
يَعُودُ إِلَى وَقْتِ الصَّوْمِ وَإِلَى قَدْرِهِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ
تَشْبِيهَ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي اسْتِوَاءَهُمَا فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ
فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ يَقْتَضِي الِاسْتِوَاءَ فِي كُلِّ الْأُمُورِ
فَلَا، ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ ذَكَرُوا وُجُوهًا أَحَدُهَا: أَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ صِيَامَ رَمَضَانَ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى،
أَمَّا الْيَهُودُ فَإِنَّهَا تَرَكَتْ هَذَا الشَّهْرَ وَصَامَتْ يَوْمًا مِنَ
السَّنَةِ، زَعَمُوا أَنَّهُ يَوْمٌ غَرِقَ فِيهِ فِرْعَوْنُ، وَكَذَبُوا فِي
ذَلِكَ أَيْضًا، لِأَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ عَلَى لِسَانِ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَمَّا النَّصَارَى فَإِنَّهُمْ صَامُوا
رَمَضَانَ فَصَادَفُوا فِيهِ الْحَرَّ الشَّدِيدَ فَحَوَّلُوهُ إِلَى وَقْتٍ لَا
يَتَغَيَّرُ، ثُمَّ قَالُوا عِنْدَ التَّحْوِيلِ نَزِيدُ فِيهِ فَزَادُوا عَشْرًا،
ثُمَّ بَعْدَ زَمَانٍ اشْتَكَى مَلِكُهُمْ فَنَذَرَ سَبْعًا فَزَادُوهُ، ثُمَّ
جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ مَلِكٌ آخَرُ فَقَالَ: مَا بَالُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ
فَأَتَمَّهُ خَمْسِينَ يَوْمًا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {اتَّخَذُوا
أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً} وَهذَا مَرْوِيٌّ عَنِ الْحَسَنِ.
وَأَمَّا
أَنَّهُمُ {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ
اللَّهِ} فَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ:
أَحَدُها:
أَنَّهُمْ كَانُوا يُطِيعُونَهُمْ فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ.
والثَّانِي:
أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْجُدُونَ لِأَحْبَارِهِمْ.
والثَّالِثُ:
قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: مِنْ مَذْهَبِهِمْ أَنَّ مَنْ صَارَ كَامِلًا فِي
الرِّيَاضَةِ وَالْمُجَاهَدَةِ يَظْهَرُ فِيهِ أَثَرُ حُلُولِ اللَّاهُوتِ،
فَيَقْدِرُ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ،
فَهُمْ وَإِنْ لَمْ يُطْلِقُوا عَلَيْهِ لَفْظَ الرَّبِّ إِلَّا أَنَّهُمْ
أَثْبَتُوا فِي حَقِّهِ مَعْنَى الرُّبُوبِيَّةِ.
والرَّابِعُ:
هوَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُطِيعُونَ أَحْبَارَهُمْ فِي الْمَعَاصِي، وَلَا مَعْنَى
لِلرُّبُوبِيَّةِ إِلَّا ذَلِكَ، وَنَظِيرُهُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ
مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ}، فَثَبَتَ أَنَّ النَّصَارَى جَمَعُوا بَيْنَ هذِهِ
الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، وَكَانَ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ هذِهِ الْأُمُورِ
الثَّلَاثَةِ كَالْأَمْرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بَيْنَ جُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ
وَذَلِكَ، لِأَنَّ قَبْلَ الْمَسِيحِ مَا كَانَ الْمَعْبُودُ إِلَّا اللَّهَ،
فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى الْأَمْرُ بَعْدَ ظُهُورِ الْمَسِيحِ عَلَى هَذَا
الْوَجْهِ، وَأَيْضًا الْقَوْلُ بِالشَّرِكَةِ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْكُلِّ،
وَأَيْضًا إِذَا كَانَ الْخَالِقُ وَالْمُنْعِمُ بِجَمِيعِ النِّعَمِ هُوَ
اللَّهَ، وَجَبَ أَنْ لَا يُرْجَعَ فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ
وَالِانْقِيَادِ وَالطَّاعَةِ إِلَّا إِلَيْهِ، دُونَ الْأَحْبَارِ
وَالرُّهْبَانِ، فَهَذَا هُوَ شَرْحُ هذِهِ الأمور الثلاثة" انتهى.
قلت: قال ابن
جُريج في قوله تعالى: {ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله}: "يعني يطيع
بعضنا بعضاً في معصية الله".
وقال عكرمة:
"يسجد بعضنا لبعض".
فهذه المعاني
أيضاً محتملة في تفسير قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ
أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}.
·
تحريف في كتاب العلل لابن أبي
حاتم بيّنه والده الإمام!
قال ابن أبي
حاتم في «العلل» (2/343): سمعت أبي - ورأى في كتابي حديثاً كتب إليّ سعيد بن عمرو
السكوني الحمصي، عن بقية بن الوليد، عن قيس بن الربيع، عن عبدالسلام بن حرب، عن خُصَيْف
الجَزري، عن مصعب بن سعد، عن عدي بن حاتم، أنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم وعليّ صليب من ذهب، وهو يقرأ براءة، فقال: (اقطع هذا الوثن من عنقك)، فقطعته.
فسمعت أبي
يقول: "هذا خطأ، إنما هو: عبدالسلام بن حرب، عن غطيف بن أعين الجزري،
عن مصعب بن سعد عن عدي عن النبي صلى الله عليه وسلم".
قلت: كذا في
كتاب ابن أبي حاتم وهو محرّف عنده كما أشار أبوه أبو حاتم.
فقد رواه
الطبري في «تفسيره» (10/114): حدثني سعيد بن عمرو السكوني، قال: حَدَّثَنَا
بَقِيَّةُ، عَنْ قَيْسِ بن الرَّبِيعِ، عَنْ عَبْدِالسَّلامِ بن حَرْبٍ النّهديّ،
عَنْ غَطِيفِ، عَن مُصْعَبِ بن سَعْدٍ، عَن عَدِيِّ بن حَاتِمٍ، قال: سمعت
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة براءة، فلما قرأ {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم
أرباباً من دون الله} قلت: يا رسول الله، أما إنهم لم يكونوا يصلون لهم! قال: (صدقت،
ولكن كانوا يحلون لهم ما حرم الله فيستحلونه، ويحرمون ما أحل الله لهم فيحرمونه).
قلت: فلم يذكر
فيه: "خصيف الجزري" وهو من حديث سعيد بن عمرو السكوني الذي كتبه إلى ابن
أبي حاتم. والظاهر أنه تحرّف عند ابن أبي حاتم إلى "خصيف" والصواب:
"غضيف أو غطيف" وكأن هذا بسبب الكتابة؛ فإن عبدالرحمن بن أبي حاتم قال
بأن هذا الحديث مما كتب به إليه سعيد بن عمرو، فكأنه قرأ "غضيف"
"خصيف" فتحرّف عليه، والله أعلم.
وقد رواه الطبراني
في «المعجم الكبير» (17/92) عن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّدِ بن عِرْقٍ الْحِمْصِيّ،
عن مُحَمَّد بن مُصَفَّى، عن بَقِيَّة بن الوليد، عن قيس، عن عبدالسلام، عن غطيف،
به.
·
مناقشة الألباني في إيراده لهذا
الحديث في «سلسلتة الصحيحة»!!
أورد الألباني
حديث عدي في «سلسلته الصحيحة» برقم (3293)، ثم قال: "أخرجه البخاري في
"التاريخ" (4/1/106) والترمذي في "السنن" (309)، والطبراني في
"المعجم الكبير" (17/92/218 و219)، وابن جرير في "التفسير"
(10/80-81)، والبيهقي في "السنن" (10/116) من طريق عبدالسلام بن حرب عن
غُطَيْفِ بن أعين عن مصعب بن سعد عن عدي بن حاتم قال: أتيت النبي - صلى الله عليه
وسلم - وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: "يا عدي! اطرح هذا الوثن". وسمعته
يقرأ في سورة (براءة): {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله}، [فقلت: إنا
لسنا نعبدهم] ؟! قال:.. فذكره.
والزيادتان
للبخاري وغيره، والسياق للترمذي، وقال: "حديث [حسن] غريب، لا نعرفه إلا من
حديث عبدالسلام بن حرب، وغطيف بن أعين؛ ليس بمعروف في الحديث ".
قلت: فهو علة
الحديث، وهي جهالة (غطيف بن أعين)، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات"
(7/311) برواية عبدالسلام هذا فقط، وكذلك ذكره البخاري وابن أبي حاتم، وذكرا له في
"التهذيب" راوياً آخر، وهو (إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة)، ولكنه
متروك. وأما قول الحافظ فيه: "قلت: وضعفه الدارقطني".
فأقول: ظن
الدارقطني أنه هو (رَوح بن غطيف)، بينه الذهبي بقوله في "الميزان":
"ضعفه الدارقطني وقال: روى عنه القاسم بن مالك المزني فقال: روح بن
غطيف". فتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: أظن ذا آخر".
فأقول: وعلى
التفريق جرى البخاري وابن أبي حاتم ومن جاء بعدهما؛ فقد ترجما للأول (غطيف بن
أعين) برواية عبدالسلام عنه كما تقدم، ثم ترجما لروح ترجمة أخرى؛ فقال البخاري
(2/1/308/1047): "روح بن غطيف الثقفي عن عمر بن مصعب، روى عنه محمد بن ربيعة؛
منكر الحديث..". ثم ساق له حديث (الدرهم) من طريق القاسم بن مالك عنه عن
الزهري بسنده المتقدم في "الضعيفة" (148)، ووقع فيه عند البخاري: (روح
بن غطيف ابن أبي سفيان الثقفي)، وهكذا وقعت ترجمته في كتاب "الضعفاء"
لابن حبان (1/298).
وأما ابن أبي
حاتم؛ فقال: "روح بن غطيف بن أعين الجزري، روى عن الزهري وعمرو - كذا - بن
مصعب بن الزبير، روى عنه عبدالسلام بن حرب والقاسم بن مالك المزني ومحمد بن ربيعة،
سمعت أبي يقول ذلك، ويقول: ليس بالقوي؛ منكر الحديث جدّاً".
هكذا سمّى جده
(أعين الجزري)، فلا أدري هل هو محفوظ؛ فإني لم أره عند غيره، وكذلك قوله:
"روى عنه عبدالسلام بن حرب..."؟ والباقي موافق لما عند البخاري وغيره.
ثم رأيت حديث
(الدرهم) في "علل الدارقطني" (8/43-44) من طريق القاسم بن مالك المشار
إليها آنفاً عن (روح بن غطيف) به. ثم ذكر أنه خالفه أسد بن عمرو البجلي فقال:
"عن غطيف"، وقال الدارقطني: "وهو روح بن غطيف كما قال القاسم بن
مالك، وروح ضعيف ".
قلت: ففيه
إشارة قوية إلى أن صاحب حديث (الدرهم) إنما هو (روح بن غطيف)، وليس (غطيف بن
أعين)، وأن روحاً في نفسه ضعيف، وأن (أسد بن عمرو) أخطأ في قوله فيه: (غطيف) مكان
(روح). وقد صرح بذلك في كتاب "السنن" (1/401)، فقال عقب رواية القاسم بن
مالك المذكورة: "خالفه (أسد بن عمرو) في اسم (روح بن غطيف)، فسماه (غطيفاً)؛
ووهم فيه".
قلت: ومن هذا
التحقيق يتبين:
أولاً: أن
(غطيف بن أعين) هو غير (روح بن غطيف).
ثانياً: وأن
(روحاً) هذا هو الذي ضعفه الدارقطني، خلافاً لما نسبه إليه الحافظ كما تقدم نقله
عنه، وأشار إليه الذهبي بقوله في "الكاشف": "ليّنه بعضهم"؛
يشير إلى الدارقطني، وإنما ليَّن (روحاً) كما عرفت.
ثالثاً: وأن
ما نسبه الذهبي في "الميزان" إلى الدارقطني أنه قال في (روح): "روى
عنه القاسم ..."؛ وهمٌ على الدارقطني، وأن الذي روى ذلك عن القاسم إنما هو
(أسد بن عمرو) كما صرح الدارقطني، فاغتنم هذا التحقيق؛ فقد لا تجده في مكان آخر.
ويتبين مما
سبق أن علة هذا الإسناد جهالة غطيف بن أعين التي أشار إليها الترمذي بقوله فيه:
"ليس بالمعروف".
وحينئذ يرد
السؤال التالي: كيف يلتقي تجهيله إياه مع تحسينه للحديث؟
وجوابي من
وجهين:
الأول: أن
التحسين المذكور لم يرد في النسخة التي ننقل عنها، وإنما هي زيادة استفدتها من
"تخريج الكشاف " للحافظ العسقلاني (75/108)، و"الدر المنثور"
للسيوطي (3/230).
والآخر: لعله
من أجل الشاهد الذي يرويه أبو البختري قال: "سئل حذيفة رضي الله عنه عن هذه
الآية {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله}؛ أكانوا يصلون لهم؟ قال: لا،
ولكنهم كانوا يحلون لهم ما حرم الله عليهم فيستحلونه، ويحرمون عليهم ما أحل الله
لهم فيحرمونه، فصاروا بذلك (أرباباً)".
أخرجه عبدالرزاق
في "التفسير" (1/272)، والطبري والبيهقي في "السنن" - والسياق
له - وفي "الشعب" (7/45)، وابن عبدالبر في "جامع بيان العلم"
(2/109) من طرق عنه.
وهذا إسناد
صحيح مرسل؛ فقد ذكروا أن (أبا البختري) - واسمه سعيد بن فيروز- عن حذيفة: مرسل.
على أن الحافظ
ذكر أنه أخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن عطاء بن يسار عن عدي بن حاتم؛ فهو
بمجموع طرقه حسن إن شاء الله تعالى، وقد أشار ابن كثير في "تفسيره"
(2/348) إلى تقويته، ولكنه عزاه لأحمد أيضاً، ولعله يعني في غير
"مسنده"؛ فإني لم أره فيه، ولا عزاه إليه غيره. وقد عزاه السيوطي إلى
ابن سعد أيضاً وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ. وعزاه الحافظ
لابن أبي شيبة وأبي يعلى والبيهقي في "المدخل" من هذا الوجه - يعني:
الذي عند الترمذي -. وقال العلامة الآلوسي في "روح المعاني" عقب الحديث
وأثر حذيفة: "ونظير ذلك قولهم: فلان يعبد فلاناً؛ إذا أفرط في طاعته، فهو
استعارة بتشبيه الإطاعة بالعبادة، أو مجاز مرسل بإطلاق العبادة، وهي طاعة مخصوصة
على مطلقها، والأول أبلغ، وقيل: اتخاذهم أرباباً بالسجود لهم، ونحوه مما لا يصلح
إلا للرب تعالى، وحينئذ فلا مجاز، إلا أنه لا مقال لأحد بعد صحة الخبر عن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -. والآية ناعية على كثير من الفرق الضالة الذين تركوا
كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام لكلام علمائهم ورؤسائهم، والحق أحق
بالاتباع، فمتى ظهر وجب على المسلم اتباعه، وإن أخطأه اجتهاد مقلده".
(تنبيه): لقد
اطلعت على موقفين متعارضين من مُعَلِّقُيْن على هذا الحديث، غفلا كلاهما عن خطأ
نسبة تضعيف الدارقطني لـ (غطيف بن أعين)، فجاءا بالعجب:
أما أحدهما -
وهو الأخ أبو الأشبال الزهيري -؛ فإنه بناءً على التضعيف المزعوم طلع علينا بشيء
جديد، وهو أن (غطيفاً) مجهول الحال! لأنه روى عنه أسد بن عمرو والقاسم بن مالك!
وهما إنما رويا عن (روح)! وعليه قال: "فقد وثقه ابن حبان وضعفه الدارقطني،
فلا أقل من أن يقال فيه: "لا بأس به" مثلأ"!
وهذه تركيبة
عجيبة، ظاهرة البطلان، لا حاجة لإطالة الرد عليها!
وأما الآخر؛
فهو المدعو بـ (حسان عبدالمنان)؛ فإنه قال في تعليقه على "إغاثة
اللهفان" (2/375): "وهذا إسناد ضعيف، غطيف بن أعين ضعيف، وفيه
جهالة"!
فقوله:
"ضعيف" يشير إلى تضعيف الدارقطني، ولا أصل له كما سبق، على أن جمعه بين
وصفه بالضعف ووصفه بالجهالة جمع بين متناقضين، كما بينته في ردي عليه رقم (152)!
فلا داعي للإعادة" انتهى كلام الألباني.
أقول:
·
جمع الألباني للزيادات التي في
بعض الروايات في مكان واحد مع التنبيه على ذلك خلاف منهج أهل العلم!
أولاً: من منهج الألباني أنه لما يخرّج
رواية من الروايات يجمع بين متونها! ويبين أن هذه الزيادة لفلان أو لفلان، وهذا
بخلاف عمل أهل العلم، فالزيادة توجد عند مصنف وهي غير صحيحة عند إمام من الأئمة،
فلا يجوز الجمع بين ذلك، ويجب نقل الروايات كما هي في كتب أهل العلم لئلا يلتبس
على بعض الناس فلما ينقلونه من عند الشيخ ويعزونه لبعض المخرّجين ينقلونه بهذه الزيادات
وهي غير موجودة عنده دون التنبه أن الشيخ قد نبه إلى أن هذه الزيادة لفلان أو
فلان.
وقوله:
"[فقلت: إنا لسنا نعبدهم] ؟! قال:... فذكره. والزيادتان للبخاري وغيره"!
فيه إيهام أن البخاري خرجه في الصحيح - وإن كان الشيخ قد قال في تخريجه أن البخاري
أخرجه في التاريخ - لأنه إذا أطلق أن البخاري أخرجه فالذهن متجه إلى الصحيح لا غيره.
·
أحكام الترمذي على الأحاديث
واختلاف النسخ!
ثانياً: أورد الألباني هذا الحديث في
سلسلته الصحيحة مع أنه قد ذكر علة الحديث، وهي جهالة (غطيف بن أعين)؛ لأنه اغتر
بما نقله عن الترمذي من تحسينه في بعض نسخ كتابه. ثم راح يجيب عن تجهيل الترمذي
لغطيف وتحسينه لحديثه هذا!
وهذا جمع بين
متناقضين - على حد تعبيره -!
فالترمذي قد
جهله فكيف يحسّن حديثه؟! والذي يتفق مع جهالته عند الترمذي هو تضعيفه له، وهو ما
أشار إليه بقوله: "غريب"! وقد يجمع الترمذي الحسن مع الغرابة بقوله:
"حسن غريب" ويكون مقبولاً، ولكن هنا لما وصف راويه بالجهالة فلا يتجه
الوصف بالحسن هنا.
ثم إن الذي
ضبط أحكام الترمذي في كتابه هو الحافظ المزي في «التحفة» ولم يذكر المزي لفظ
"حسن" فيه، وإنما نقل عنه كما هو في النسخ المضبوطة التي اعتمدها:
"غريب" فقط.
وأما قول الألباني
بأن الترمذي حسنه من أجل الشاهد المرسل الصحيح عن حذيفة!! فهذا ظن وتخمين ليس قائماً
على الدليل الرصين. وقد بيّنت أن هذا الشاهد لم يصح عن حذيفة، ولو صح لما كان
شاهداً لأصل قصة عدي بن حاتم؛ لأن القصة فيها رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه
وسلم، وهذا التفسير منسوب لحذيفة! وعلى كل حال فهو لم يصح عن حذيفة.
·
منهج الألباني في تقوية الحديث
الضعيف بالضعيف والواهي!!
ثالثاً: أما قوله: "على أن الحافظ
ذكر أنه أخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن عطاء بن يسار عن عدي بن حاتم؛ فهو بمجموع
طرقه حسن إن شاء الله تعالى"! فهو: ما رواه ابن مردويه في «تفسيره» من حديث
عمران القطان: حدثنا خالد العبدي عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن عدي بن
حاتم، فذكره.
وقد بيّنت أن
هذا الإسناد ضعيف لا يصح. تفرد به عمران أبو العوام القطان وهو عمران بن داود
البصري، وهو ليس بالقوي، ضعّفه أكثر أهل النقد، ولا يحتج بحديثه إذا انفرد به! ولا
يُعرف لعطاء بن يسار رواية عن عدي بن حاتم!
فكيف يتقوّى
هذا الحديث بأسانيد مجهولة وضعيفة ويرتقي إلى درجة الحسن بها؟! وهذا هو المأخذ
الأكبر على الألباني في تصحيحه وتحسينه للأحاديث بهذه الطريقة!
·
تساهل من الحافظ ابن كثير - رحمه الله
-!
رابعاً: وأما قوله: "وقد أشار ابن
كثير في "تفسيره" (2/348) إلى تقويته"، فمحتمل.
فهو قد ذكر ما
رواه الترمذي عند تفسيره للآية ثم قال: "وهكذا قال حذيفة بن اليمان وعبدالله
بن عباس وغيرهما في تفسير {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله} إنهم
اتبعوهم فيما حللوا وحرموا".
قلت: قد تساهل
ابن كثير هنا كما هو الحال في مواضع أخرى عنده في عدم التحقق من صحة الروايات التي
ينقلها!!
وقد بينت أنه
لم يصح عن حذيفة ولا عن عبدالله بن عباس، وإنما صح هذا التفسير عن بعض التابعين.
وينبغي أن
نفرّق بين أصل القصة المروية عن عدي بن حاتم وهذه الأقوال المنسوبة لبعض الصحابة
في تفسير هذه الآية، فلو صحت الأقوال لما كان ذلك يقوي أصل القصة!
خامساً: وأما فيما يتعلق بتحقيق الشيخ
في التفرقة بين «غطيف بن أعين» و«رَوح بن غطيف» ففيه كلام جيد، وقد أصاب في
التفرقة بينهما، وعلى هذا كثير من أهل العلم. ولكن عليه بعض الملحوظات:
·
الدارقطني لم يظن! والذي نقل قوله
هو ابن الجوزي لا ابن حجر!
1- قول الشيخ:
"وأما قول الحافظ فيه: "قلت: وضعفه الدارقطني". فأقول: ظن
الدارقطني أنه هو (رَوح بن غطيف)، بينه الذهبي بقوله في "الميزان":
"ضعفه الدارقطني وقال: روى عنه القاسم بن مالك المزني فقال: روح بن
غطيف". فتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: أظن ذا آخر"!
قلت: الذي نقل
عن الدارقطني تضعيفه له إنما هو ابن الجوزي، وابن حجر قد تبعه على ذلك.
قال ابن
الجوزي في «الضعفاء والمتروكين» (2/246): "غطيف الجزري، ويقال: الطائي، ويروي
عن القاسم بن مالك المزني فيقول: روح بن غطيف، وهو ضعيف الحديث متروك".
ثم قال: "غطيف
بن أعين الكوفي، يروي عن مصعب بن سعد. قال الدارقطني: ضعيف".
قلت: فكيف ظن
الدارقطني أنه روح بن غطيف فضعفه؟! بل هذا ظن من الألباني!
وكان يتجه له
أن يعترض على ابن الجوزي لو أنه وقف على كلامه بأنه هو الذي نقل ذلك عن الدارقطني،
فإما أن ابن الجوزي قد وقف على تضعيف الدارقطني له، أو أنه هو الذي وهم في ذلك،
فظن أن الدارقطني ضعف غطيقاً، وإنما هو ضعف روح بن غضيف، فالأمر محتمل، والله
أعلم.
·
من نسب "روح بن غطيف"
بأنه "جزري" فقد أخطأ! وإنما هو: "طائفي".
قلت: وابن
الجوزي قد فرّق بينهما، والظاهر أنه يرى أن روح بن غطيف الأصوب فيه: غطيف لأنه
ذكره في هذا الاسم. وهو غير غطيف بن أعين لأنه فرّق بينهما. وتسمية ابن الجوزي له
بغطيف لأنه سماه بعضهم بذلك في الحديث الذي رواه عنه، والأصح أنه رَوح بن غطيف.
وأما نسبته بأنه جزري ففيه نظر كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
وذكره ابن
الجوزي في باب «روح» (1/288): "روح بن غطيف بن أبي سفيان الثقفي الجزري، يروي
عن الزهري. طعن فيه يحيى بن معين. وقال أبو حاتم الرازي: منكر الحديث جداً. وقال
النسائي: متروك الحديث. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن
الثقات لا يحل كتب حديثه".
قلت: وقد نسبه
هنا "جزري" أيضاً، وفيه نظر كذلك! لأنه ليس من أهل الجزيرة، وإنما هو
ثقفي طائفي، نسبة إلى الطائف.
·
تخليط لأبي حاتم في ترجمة
"روح بن غطيف"!
2- قد فرّق
البخاري بين «غطيف بن أعين» وبين «روح بن غطيف» وكذا فعل ابن أبي حاتم كما نقل عن
أبيه، ولكنه في ترجمة «روح بن غطيف» قد خلطها بترجمة «غطيف بن أعين»!!
قال ابن أبي
حاتم في «الجرح والتعديل» (3/495): "روح بن غطيف بن أعين الجزري، روى عن
الزهري وعمر بن مصعب بن الزبير، روى عنه عبدالسلام بن حرب والقاسم بن مالك المزني
ومحمد بن ربيعة، سمعت أبي يقول ذلك، وسمعته يقول: ليس بالقوي منكر الحديث
جداً".
وقال في
(7/55): "غضيف بن أعين الشيباني الجزري، روى عن مصعب بن سعد. روى عنه
عبدالسلام بن حرب. سمعت أبي يقول ذلك".
·
روح بن غطيف ثقفي من الطائف.
قلت: مع أنه
فرّق بينهما إلا أنه خلط فيهما!! فروح لم يرو عنه عبدالسلام بن حرب، وإنما روى
عبدالسلام عن غضيف بن أعين. وبناء على هذا الخلط خلط في اسمه ونسبته!! فسماه:
"ابن أعين الجزري"! وغطيف هو ابن أعين الجزري، وأما روح فهو: (ابن غطيف
بن أبي سفيان الثففي).
روى ابن شبّة
في «أخبار المدينة» (1/270) قال: حدثنا رجاء بن سلمة، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا روح
بن غطيف، عن أبيه غطيف بن أبي سفيان، قال: "أتت الأنصار رسول الله، فقالوا:
يا رسول الله، ادع الله على ثقيف، فقال: اللهم اهد ثقيفاً، قالوا: يا رسول الله،
ادع عليهم، فقال: اللهم اهد ثقيفاً، فعادوا فعاد، فأسلموا فوجدوا من صالحي الناس
إسلاماً، ووجد منهم أئمة وقادة...".
·
استدلال ضعيف من الألباني!
3- قول الألباني
إن الدارقطني ظن أن غطيف بن أعين هو روح بن غطيف، ولهذا ضعفه، واستدل على ذلك
بتعقب الذهبي له! لا يسلم له!
فالدارقطني لم
يظن أي ظن! ولم يرد عليه الذهبي.
قال الذهبي في
«الميزان» (5/405): "غضيف بن أعين عن مصعب بن سعد، ضعفه الدارقطني. ويُقال:
غطيف، وهو غطيف الجزري، شيخ لأسد بن عمرو البجلي، ضعفه الدارقطني، وقال: روى عنه
القاسم بن مالك المزني، فقال: روح بن غطيف. قلت: أظن ذا آخر".
قلت: هنا نقل
الذهبي عن الدارقطني أنه ضعف غضيف بن أعين، وفرّق بينه وبين غضيف شيخ أسد بن عمرو
الذي ضعفه الدارقطني أيضاً.
فالدارقطني
ضعفهما كليهما. فأين الظن الذي أشار إليه الألباني؟!
وقد تعقّب ابن
حجر الذهبي في قوله هذا، فقال في «لسان الميزان» (4/420): "والذي عندي في هذا
أنه هو غطيف الذي قال فيه الترمذي: ليس بمعروف، وذكره ابن حبان في الثقات".
·
الذهبي فرق بينهما وجمع بينهما في
موضع آخر! وجمع بينهما ابن حجر أيضاً.
ومع أن الذهبي
قد فرّق بينهما هنا إلا أنه جمع بينهما في موضع آخر!!
قال في
«المغني في الضعفاء» (2/506): "غضيف بن أعين عن مصعب بن سعد، ضعفه
الدارقطني".
ثم قال:
"غطيف الجزري، وقيل: الطائفي، شيخ لأسد بن عمرو البجلي، ضعفه الدارقطني،
وقال: روى عنه القاسم بن مالك المزني، فقال: روح بن غطيف. قلت: هو غطيف بن
أعين".
قلت: فهنا جمع
بينهما!! وكذلك ابن حجر كما سبق.
والصواب أنهما
اثنان.
·
حديث رَوح في "الدرهم"!
وحديث روح بن
غطيف رواه الدارقطني في «السنن»، باب قدر النجاسة التي تبطل الصلاة، (1/401) قال:
حدثنا أبو عبدالله المعدل أحمد بن عمرو بن عثمان بواسط، قال: حدثنا عمّار بن خالد
التمَّار، قال: حدثنا القاسم بن مالك المزني، قال: حدثنا روح بن غطيف، عن الزهري،
عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تعاد الصلاة من قدر
الدرهم من الدم).
·
وهم لأسد بن عمرو البجلي!
قال
الدارقطني: "خالفه أسد بن عمرو في اسم روح بن غطيف فسماه غُطيفاً ووهم
فيه".
قال: حدثنا
أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يعقوب بن يوسف بن زياد، قال: حدثنا يوسف بن
بهلول، قال: حدثنا أسد بن عمرو، عن غطيف الطائفي، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي
هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان في الثوب قدر الدرهم من
الدم غسل الثوب وأعيدت الصلاة).
وقال: حدثنا
الحسن بن الخضر، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس، قال: حدثنا محمد بن آدم،
قال: حدثنا أسد بن عمرو بهذا.
قال
الدارقطني: "لم يروه عن الزهري غير روح بن غطيف، وهو متروك الحديث".
وسُئِل عنه في
«العلل» (8/43) فقال: "يرويه روح بن غطيف عن الزهري، واختلف عنه: فقال القاسم
بن مالك المزني عن روح بن غطيف عن الزهري. وقال أسد بن عمرو البجلي عن غطيف
الطائفي عن الزهري، وهو روح بن غطيف كما قال القاسم بن مالك، وروح ضعيف، ولا يُعرف
هذا عن الزهري".
·
دعوى غير صحيحة للألباني!!
وبهذا يتبين
أن قول الألباني: "ثالثاً: وأن ما نسبه الذهبي في "الميزان" إلى
الدارقطني أنه قال في (روح): "روى عنه القاسم ..."؛ وهمٌ على الدارقطني،
وأن الذي روى ذلك عن القاسم إنما هو (أسد بن عمرو) كما صرح الدارقطني، فاغتنم هذا
التحقيق؛ فقد لا تجده في مكان آخر"!! كلام غير صحيح!!
فالذهبي لم
يَهِم على الدارقطني، وإنما الذي وهم هو الألباني نفسه! فكلام الذهبي صحيح في أن
الدارقطني قال في روح: "روى عنه القاسم"، فالرواية السابقة هي: "عن
القاسم بن مالك المزني، قال: حدثنا روح بن غطيف".
والذهبي أورد
ذلك في ترجمة: "غضيف بن أعين" وأن الذي سماه بذلك هو أسد بن عمرو،
وخالفه القاسم فسماه: "روح بن غطيف" كما بينه الدارقطني، وهذا كلام مستقيم
لا وهم فيه كما ادّعى الألباني، سيما والذهبي يرى أن غضيفاً صاحب الترجمة هو
"روح بن غطيف" في ذلك الموضع. وأهل العلم عندما يذكرون هذه التراجم في
كتب الرجال إنما يوردونها كما هي في الأسانيد ثم ينبهون على أنها خطأ أو وهم وغير
ذلك.
·
ترجمة "روح بن غطيف
الثففي":
قال البخاري
في «الضعفاء الصغير» (ص45): "روح بن غطيف الثقفي عن عمر بن مصعب، روى عنه
محمد بن ربيعة: منكر الحديث. روى القاسم بن مالك عن روح بن غطيف عن الزهري عن أبي
هريرة رفعه: (تعاد الصلاة من قدر الدرهم) وغيرهم، ولا أصل له عن النبي صلى الله
عليه وسلم)".
وقال في
«التاريخ الأوسط» (1/302): "وروى روح بن غطيف بن أبي سفيان الثقفي عن الزهري
عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه: (تعاد الصلاة من قدر الدرهم)، وهذا لا يُتابع
عليه".
ونُقِل عن
محمد بن يحيى الذهلي قال: "أخاف أن يكون هذا موضوعاً، وروح هذا مجهول".
وقال عبدالله
بن المبارك: "رأيت روح بن غطيف صاحب الدم قدر الدرهم عن النبي صلى الله عليه
وسلم، فجلست إليه مجلساً فجعلت أستحيي من أصحابي أن يروني جالساً معه لكثرة ما في
حديثه - يعني المناكير".
وذكره العقيلي
في «الضعفاء» (2/56) وقال: "روح بن غطيف الجزري"، ثم ساق له هذا الحديث.
قلت: هو ليس
بجزري وإنما طائفي.
وذكره ابن عدي
في «الكامل» (3/138) فيمن اسمه «روح»، قال: "روح بن غطيف".
ثم ساق عن
النسائي قوله: "متروك الحديث".
وروى من طريق
أحمد بن العباس النسائي قال: قلت ليحيى بن معين، تحفظ عن الزهري عن أبي سلمة عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تعاد الصلاة في مقدار الدرهم من
الدم)؟ فقال: "لا، والله"، ثم قال: "عمّن"؟ قلت: حدثنا محرز
بن عون، قال: ثقة، عمن؟ قلت: عن القاسم بن مالك المزني، قال: ثقة، قال: عمن؟ قلت:
عن روح بن غطيف، قال: "ها"! قال: قلت، يا أبا زكريا، ما أرى أتينا إلا
من روح بن غطيف! قال: "أجل".
قال ابن عدي:
"وهذا قد رواه عن روح بن غطيف: القاسم بن مالك، ولا يرويه عن الزهري فيما
أعلمه غير روح بن غطيف، وهو منكر بهذا الإسناد".
ثم ساق له
حديثاً آخر رواه أيضاً عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (لا يعاد المريض إلا بعد ثلاث).
قال ابن عدي:
"وهذا أيضاً بها المتن منكر، وليس بمحفوظ عن الزهري".
ثم قال:
"وروح بن غطيف رأيته قليل الرواية، ولا يعرف إلا بحديث تعاد الصلاة من قدر
الدرهم... ومقدار ما يرويه من الحديث ليس بمحفوظ".
وقال ابن حبان
في «المجروحين» (1/298): "روح بن غطيف بن أبي سفيان الثقفي يروي عن الزهري
وعمر بن مصعب، روى عنه القاسم بن الوليد ومحمد بن ربيعة، كان يروي الموضوعات عن
الثقات، لا تحل كتابة حديثه ولا الرواية عنه، وهو الذي روى عن الزهري عن سعيد بن
المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعاد الصلاة من قدر
الدرهم من الدم)".
ثم قال:
"وهذا خبر موضوع لا شك فيه ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا، ولا روى
عنه أبو هريرة، ولا سعيد بن المسيب ذكره ولا الزهري قاله، وإنما هذا اختراع أحدثه
أهل الكوفة في الإسلام، وكل شيء يكون بخلاف السنة فهو متروك، وقائله مهجور، وقد
روى روح بن غطيف عن عمر بن مصعب بن الزبير عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله
عليه وسلم: {وتأتون في ناديكم المنكر}، قال: الضراط".
·
تعقب الألباني لحسّان عبدالمنان!
4- وأما
اعتراض الألباني على كلام حسان عبدالمنان بقوله: "وأما الآخر؛ فهو المدعو بـ
(حسان عبدالمنان)؛ فإنه قال في تعليقه على "إغاثة اللهفان" (2/375):
"وهذا إسناد ضعيف، غطيف بن أعين ضعيف، وفيه جهالة"! فقوله:
"ضعيف" يشير إلى تضعيف الدارقطني، ولا أصل له كما سبق، على أن جمعه بين
وصفه بالضعف ووصفه بالجهالة جمع بين متناقضين، كما بينته في ردي عليه رقم (152)!
فلا داعي للإعادة!!"، فهذا الكلام من الألباني غير صحيح، والعجب منه لا من
حسان!
فقول حسان
بأنه ضعيف لا يلزم منه أنه يشير إلى تضعيف الدارقطني له! والألباني قد بنى على ذلك؛
لأن حساناً ذكر بعد ذلك أن غطيفاً فيه جهالة، وهذا عند الألباني جمع بين
متناقضين!!
·
العجب من الألباني كيف ينكر فعلاً
عليه كل الأئمة النقّاد!!
وهذا عجيب من
الألباني! وقوله هذا يدلّ على أنه لم يسبر أقوال أهل العلم في الجرح والتعديل! أو
أنه وقع في هذا من أجل الرد على مخالفه!!
فالأئمة
النقاد يجمعون بين ذلك، ولا يعدون ذلك تناقضاً.
فالمجهول
عندهم قد يكون ثقة، وقد يكون ضعيفاً، أو منكر الحديث، وغير ذلك. وقد جمعوا كلّ هذه
الأوصاف في بعض الرواة. فقد يكون الراوي مجهولاً ويحكمون بضعفه أو بأنه منكر
الحديث بناء على روايته، ولا تناقض في هذا كما ادّعى!
ومن ذلك:
قال ابن أبي حاتم
في «الجرح والتعديل» (2/298): "أبان بن المحبر... سألت أبي عنه؟ فقال: مجهول
ضعيف الحديث".
وقال أيضاً
(2/353): "بشر بن جبلة... سألت أبي عنه؟ فقال: مجهول ضعيف الحديث".
وقال أبو
الفتح الأزدي: "بشر بن جبلة: ضعيف مجهول" (تهذيب التهذيب: 1/389).
وقال ابن أبي
حاتم في «الجرح والتعديل» (3/606): "زرعة بن عبدالله بن زياد الزبيدي... سألت
أبي عنه؟ فقال: شيخ مجهول ضعيف الحديث".
وقال أيضاً
(9/314): "يغنم بن سالم البصري روى عن أنس بن مالك... سمعت أبي يقول ذلك
ويقول: هو مجهول ضعيف".
وقال أبو
الفتح الأزدي: "أيوب بن عبدالرحمن العدوي: ضعيف مجهول" (كتاب الضعفاء
لابن الجوزي: 1/131).
وقال في
"حفص بن عمر بن أبي الزبير: منكر الحديث ضعيف مجهول" (كتاب الضعفاء لابن
الجوزي: 1/224).
وقال
الدارقطني في «السنن» (4/262): "عبدالملك بن نافع بن أخي القعقاع وهو رجل
مجهول ضعيف".
وقال ابن حجر
في «تهذيب التهذيب» (8/191): "حجاج بن ميمون.. ضعيف مجهول".
والأمثلة على
ذلك كثيرة مبثوثة في كتب الرّجال.
وآخر دعوانا أن
الحمد لله ربّ العالمين.
وكتب: خالد
الحايك.
1 رجب 1432هـ.
شاركنا تعليقك