راوٍ لم يعرفه الإمام الذهبي لاعتماده على إسناد فيه خطأ عند ابن
عساكر!
حديث: «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين».
قال الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (3/996): قرئ على أبي الفضل يحيى بن علي التميمي
وأجازه لي عن أبي القاسم بن صصري، قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن الحافظ،
قال: أخبرنا عبدالمنعم بن عبدالكريم، قال: أخبرنا سعيد بن محمد العدل، قال:
حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى المصري الحافظ - من حفظه - قال: حدثنا عبدالله بن محمد،
قال: حدثنا يحيى الحماني، قال: حدثنا الفضل بن أبي الصهباء، عن
بُكير بن عَتيق، عن سالم بن عبدالله، عن أبيه، عن عمر: أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين».
قال الذهبي: "بُكير كوفي محلّه
الصدق، وفضل لا أعرفه".
قلت: هذا الحديث أخذه الحافظ الذهبي
من «تاريخ دمشق» وكان قد وقع خطأ في إسناده!
قال ابن عساكر (5/436): أخبرنا أبو
المظفر بن القشيري، قال: أخبرنا أبو عثمان البحيري، قال: حدثنا أبو العباس
أحمد بن محمد بن عيسى المصري الحافظ - من حفظه - قال: حدثنا عبدالله بن محمد البغوي،
قال: حدثنا يحيى بن عبدالحميد الحماني، قال: حدثنا الفضل بن أبي الصهباء،
عن بكير بن عتيق، عن سالم بن عبدالله، عن أبيه، عن عمر: أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين».
قلت: لم يعرفه الإمام الذهبي لأن اسمه
جاء خطأً عند ابن عساكر: "الفضل بن أبي الصهباء"!!
والصواب أنه: "صفوان بن أبي
الصهباء" وهو معروف، فإما أن يكون حصل تحريف في كتاب ابن عساكر أو أن الحافظ
أحمد بن محمد المصري أخطأ فيه لما حدّث به من حفظه، والله أعلم.
والحديث رواه المزي في «تهذيب الكمال»
(13/196) على الصواب من طريق البغوي.
قال المزي: أخبرنا به أبو الحسن بن
البخاري، قال: أنبأنا أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن السبط، قال: أخبرنا أبو
العز أحمد بن عبيدالله بن كادش العكبري، قال: أخبرنا أبو طالب العشاري، قال:
أخبرنا أبو حفص بن شاهين، قال: حدثنا عبدالله بن محمد البغوي، قال: حدثنا يحيى بن
عبدالحميد الحماني، قال: حدثنا صفوان بن أبي الصهباء، عن بكير بن
عتيق، عن سالم بن عبدالله، عن أبيه، عن عمر، به.
·
ترجمة
صفوان بن أبي الصهباء:
وصفوان هذا ذكره ابن حبان أولاً في «الثقات»
(8/321) فقال: "صفوان بن أبي الصهباء التيمي، يروي عن بكير بن عتيق، روى عنه
أبو نعيم ضرار بن صرد".
ثم أعاده في «المجروحين» (1/376)
فقال: "صفوان بن أبي الصهباء: شيخ يروي عن بكير بن عتيق، روى عنه عثمان بن
زفر. منكر الحديث، يروي عن الأثبات ما لا أصل له من حديث الثقات، لا يجوز الاحتجاج
به إلا فيما وافق الثقات من الروايات. روى عن بكير بن عتيق عن سالم بن عبدالله عن
أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من
شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين)، روى عنه عثمان بن زفر، هذا
موضوع، ما رواه إلا هذا الشيخ بهذا الإسناد، وعطية عن ابن سعيد".
قلت: وعادة ابن حبان أنه - رحمه الله -
يذكر بعض الرواة في الثقات لم يكن قد وقف على جرح فيه أو لم يقف على بعض حديثه، فلما
أن وقف على حديثه ورأى أنه منكر، أعاده في الضعفاء.
وكان المزي - رحمه الله - قد ذكر في ترجمته:
"ذكره ابن حبان في الصقات"، ولما كان المزي يذكر فقط الرواة الذين ذكرهم
ابن حبان في الثقات ولا يلتفت عادة إلى كتابه في الضعفاء استدرك عليه مغلطاي في «الإكمال»
(6/383) بأن ابن حبان ذكره في الضعفاء، وساق كلامه.
وفي كتاب ابن خلفون لما ذكره في
الثقات عن ابن حبان: "منكر الحديث جداً"، قال ابن خلفون: "وأرجو أن
يكون صدوقاً في الحديث".
وذكر ابن الأعرابي وغيره عن عبّاس
الدوري عن يحيى بن معين أنه قال: "صفوان بن أبي الصهباء: ثقة".
وذكره ابن شاهين في الثقات.
وقال ابن عبدالبر بعد أن ذكر حديث
السائلين في «التمهيد» (6/46): "وصفوان بن أبي الصهباء وبكير بن عتيق رجلان
صالحان".
وقال ابن حجر في «الفتح» (9/66):
"صفوان بن أبي الصهباء: مختلف فيه".
وقال في «التقريب» (ص277):
"صفوان بن أبي الصهباء التيمي الكوفي، مقبول، من السابعة، اختلف فيه قول ابن
حبان".
قلت: هو رجل صالح، وكأنه من هنا أُتي
بهذه المناكير التي يرويها عن الأثبات الثقات الذين أشار إليهم ابن حبان. وقد حذر
أهل النقد من أمثال هؤلاء الصالحين الذين يروون هذه الأحاديث التي تعبر عن أحوالهم
من الصلاح والزهد، وهي في أصلها موضوعة فيرفعونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ويبدو أن توثيق ابن معين له من هذا
الباب وهو أنه ثقة في نفسه، وأما في الحديث فهو كما قال ابن حبان: "منكر
الحديث"، وهذا الحديث قد تفرد به، ولا يعرف إلا من طريقه!!! وأين أصحاب سالم
بن عمر عنه؟!
فحديثه لا يُحتج به؛ لأنه منكر.
·
تخريج
الحديث وأصله وفوائد أخرى:
هذا الحديث أخرجه البزار في «مسنده» (1/247)
قال: حدثنا الفضل بن سهل، قال: حدثنا عثمان بن زفر، عن صفوان بن أبي الصهباء -
هكذا قال! - عن سالم، عن أبيه، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول
الله عز وجل: إذا شغل عبدي ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين)).
قلت: يشير البزار إلى أن هناك سقطاً في
الإسناد؛ لأن صفوان بن أبي الصهباء لم يسمع من سالم، ولهذا قال: "هكذا
قال" أي هكذا قال شيخه؛ لأن الحديث رُوي من طريق آخر عن عثمان بن زفر على
الصواب.
رواه البيهقي في «شعب الإيمان»
(1/413) من طريق أبي عمرو أحمد بن المبارك المستملي، قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال:
حدثنا عثمان بن زفر، قال: حدثنا صفوان بن أبي الصهباء، عن بكير بن عتيق، عن سالم
بن عبدالله بن عمر عن أبيه عن عمر بن الخطاب.
ورواه البخاري هكذا في «التاريخ
الكبير» (2/115) في ترجمة «بكير بن عتيق» عن ضرار بن صرد أبي نعيم.
ورواه أيضاً في «خلق أفعال العباد» (ص109)
قال: حدثنا ضرار، قال: حدثنا صفوان بن أبي الصهباء، عن بكير بن عتيق، عن سالم بن
عبدالله بن عمر، عن أبيه، عن جدّه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول الله
عز وجل: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين)).
وزاد فيه: "وقال النبي صلى الله
عليه وسلم: بينا أنا في الجنة سمعت صوت رجل بالقرآن))".
ورُوي من طريق آخر وفيه قصة:
رواه البيهقي في «شُعب الإيمان» (3/466)
من طريق أبي عبيدة السري بن يحيى التميمي، قال: حدثنا عثمان بن زفر، قال: حدثنا
صفوان بن أبي الصهباء، عن بكير بن عتيق، قال: "حججت فتوسمت رجلاً أقتدي به،
فإذا رجل مصفر لحيته، وإذا هو سالم بن عبدالله، وإذا هو في الموقف يقول: ((لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير، لا
إله إلا الله إلهاً واحداً ونحن له مسلمون، لا إله إلا الله ولو كره المشركون، لا
إله إلا الله ربنا ورب آبائنا الأولين))، قال: فلم يزل يقول هذا حتى غربت الشمس ثم
نظر إليّ فقال: قد رأيت لوذانك بي اليوم، ثم قال: ((حدثني أبي عن أبيه عمر بن
الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تبارك وتعالى: من
شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين))".
قلت: تفرد صفوان بن أبي الصهباء بهذه
القصة وبالحديث، وبكير صدوق لا بأس به، ولا يُنكر لقاءه بسالم بن عبدالله، فقد
ذكروا أن بكيراً حجّ ستين حجة، والعهدة في هذا الحديث على صفوان، فربما سمع من
بكير قصة لقاءه سالم بن عبدالله ثم توهم فذكر هذا الحديث المرفوع!!
وعموماً فقد حكم ابن حبان على هذا
الحديث بالوضع كما سبق نقله.
وقال ابن حجر في «الفتح» (11/134):
"حديث ابن عمر رفعه: يقول الله تعالى: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما
أعطي السائلين، أخرجه الطبراني بسند لَيِّن".
قلت: كذا! وهو عن ابن عمر عن عمر!!
وقال ابن عبدالبر في «التمهيد» (6/46):
"ليس يجيء هذا الحديث فيما علمت مرفوعاً إلا بهذا الإسناد، وصفوان بن أبي
الصهباء وبكير بن عتيق رجلان صالحان".
قلت: الحديث لا يصح مرفوعاً، والصواب
أنه مرسل.
رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (6/34)
قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مالك بن الحارث، قال: "يقول الله: من
شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطي السائلين".
ورواه ابن المبارك في «الزهد» (ص326)،
وعبدالرزاق في «المصنف» (2/238) كلاهما عن سفيان الثوري، عن منصور بن المعتمر، عن
مالك بن الحارث قال: "يقول الله تعالى: إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي
أعطيته أفضل ما أعطي السائلين".
قلت: وهذا مرسل، مالك بن الحارث تابعي
ثقة.
وقد رواه أيضاً سفيان بن عيينة واحتج
به مع أنه مرسل!!
رواه ابن عساكر في «تاريخه» (9/274)
من طريق الحسين بن الحسن المروزي - وكان جاور بمكة حتى مات بها – قال: سألت سفيان بن
عيينة عن تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير))، وإنما
هو ذكر ليس فيه دعاء؟
قال سفيان: سمعت حديث منصور عن مالك
بن الحارث؟ قلت: نعم. قال: ذلك تفسير هذا، ثم قال: أتدري ما قال أمية بن أبي الصلت
حين أتى ابن جدعان يطلب نائله ومعروفه؟ قلت: لا، قال: لما أتاه قال:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني // حياؤك إن
شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوماً // كفاه من
تعرضك الثناء
قال سفيان: "فهذا مخلوق حين ينسب
إلى الجود قال يكفينا من تعرضك الثناء عليك حتى تأتي على حاجتنا فكيف
بالخالق"!
ورواه أيضاً من طريق الحميدي، قال:
حدثنا سفيان بن عيينة يوماً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنه أفضل ما قلت
أنا والنبيون من قبلي يوم عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له))، قيل لسفيان بن
عيينة: "تشتغل الإنس هذه عن المسألة؟ فقال: نعم، وحدثنا منصور عن مالك بن
الحارث قال: قال الله تبارك وتعالى: "من شغله الثناء علي عن مسألتي أعطيته
أفضل ما أعطي السائلين"، ثم التفت إلينا سفيان بن عيينة فقال: أما سمعتم قول
أمية بن أبي الصلت حين أتى ابن جدعان بطلب نائله فقال:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني // حياؤك إن
شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوماً // كفاه من
تعرضك الثناء
كريم لا يغيره صباح // عن الخلق
الجميل ولا مساء
يباري الريح مكرمة وجودا // إذا ما
الضب أجحره الشتاء
فأرضك كل مكرمة بناها // بنو تيم وأنت
لها سماء
فأعطاه ووصله فهذا مخلوق اكتفى
بالثناء عليه عن المسألة، فكيف الخالق عز وجل الذي ليس كمثله شيء"!
قلت: احتجاجه به لا يعني صحته، وهذا
مذهب عند بعض أهل العلم أنهم يحتجون بالضعيف في تفسير بعض الأحاديث الأخرى، ولكن يبقى
الحديث ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد روى ابن أبي شيبة قال: حدثنا ابن
نُمير، عن موسى بن مُسلم - الطحان الصغير، عن عمرو بن مرة رفعه، قال: "من
شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطي السائلين - يعني الرب تبارك وتعالى".
قلت: وهذا معضل! عمرو بن مرة
(ت118هـ)، وكان ثقة عابداً زاهداً، يروي مثل هذه الأحاديث المرسلة المتعلقة التي
يشتهيها أهل العبادة والصلاح!
·
تدليس
الأسماء عند المتأخرين:
الملاحظ على كثير من الأئمة المتأخرين
من زمن الخطيب فما بعد أنهم عادة يدلسون أسماء بعض الرواة من باب "تدليس الشيوخ"،
وهذا ما يفعله كثيراً الخطيب البغدادي في تاريخه.
وكذلك فعله هنا الإمام الذهبي،
فالحديث من كتاب ابن عساكر، ولكنه لم يذكره بما اشتهر به، وإنما قال: "أبو
القاسم علي بن الحسن الحافظ، قال: أخبرنا عبدالمنعم بن عبدالكريم، قال: أخبرنا
سعيد بن محمد العدل"!!
وأبو القاسم هو ابن عساكر.
وكذلك فعل في شيخه وشيخ شيخه،
فعبدالمنعم بن عبدالكريم هو: أبو المظفر بن القشيري، وسعيد بن محمد العدل هو: أبو
عثمان البحيري.
وهذا قد يفعله هؤلاء الأئمة من باب
التنويع أو من باب التدليس حقيقة على طلبة العلم، فالله يغفر لهم ويرحمهم.
وكتب: خالد
الحايك.
15/6/2011.
شاركنا تعليقك